التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجلٌ مسمًّى لجاءهم العذاب} [العنكبوت: 53] وذلك أنّ النّبيّ عليه السّلام كان يخوّفهم بالعذاب إن لم يؤمنوا، فكانوا يستعجلون به استهزاءً وتكذيبًا قال اللّه تبارك وتعالى: {ولولا أجلٌ مسمًّى} [العنكبوت: 53]، يعني: النّفخة الأولى: {لجاءهم العذاب} [العنكبوت: 53].
أنّ اللّه تبارك وتعالى أخّر عذاب كفّار آخر هذه الأمّة بالاستئصال، الدّائنين بدين أبي جهلٍ وأصحابه، إلى النّفخة الأولى بها يكون هلاكهم.
قال: {وليأتينّهم بغتةً وهم لا يشعرون} [العنكبوت: 53]
- عثمان، عن نعيم بن عبد اللّه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «تقوم السّاعة والرّجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان به فما يطويانه
[تفسير القرآن العظيم: 2/636]
حتّى تقوم السّاعة، وتقوم السّاعة والرّجل يخفض ميزانه ويرفعه، وتقوم السّاعة والرّجل يليط حوضه ليسقي ماشيته، فما يسقيها حتّى تقوم السّاعة، وتقوم السّاعة والرّجل قد رفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتّى تقوم السّاعة»). [تفسير القرآن العظيم: 2/637]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ)
: (وقوله: {ولولا أجلٌ مّسمًّى...}
يقول: لولا أن الله جعل عذاب هذه الأمّة مؤخّراً إلى يوم القيامة - وهو الأجل - لجاءهم العذاب, ثم قال: {وليأتينّهم بغتةً}, يعني : القيامة فذكّر لأنه يريد عذاب القيامة, وإن شئت ذكّرته على تذكير الأجل, ولو كانت {ولتأتينّهم} كان صواباً: يريد: القيامة , والسّاعة.). [معاني القرآن: 2/318]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمّى لجاءهم العذاب وليأتينّهم بغتة وهم لا يشعرون (53) هذه نزلت في قوم جهلة, قالوا: {اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء}، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ – أنّ لعذابهم أجلا, قال: {بل السّاعة موعدهم والسّاعة أدهى وأمرّ (46)}
وقوله عزّ وجلّ: {وليأتينّهم بغتة} معناه: فجاءة، و{بغتة}: اسم منصوب في موضع الحال، ومعناه: وليأتينهم مفاجأة). [معاني القرآن: 4/172]
تفسير قوله تعالى: (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يستعجلونك بالعذاب وإنّ جهنّم لمحيطةٌ بالكافرين} [العنكبوت: 54] كقوله: {أحاط بهم سرادقها} [الكهف: 29] سورها). [تفسير القرآن العظيم: 2/637]
تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم} [العنكبوت: 55] وهذا عذاب جهنّم.
كقوله: {لهم من جهنّم مهادٌ ومن فوقهم غواشٍ} [الأعراف: 41]، أي: يغشاهم.
كقوله: {لهم من فوقهم ظللٌ من النّار ومن تحتهم ظللٌ} [الزمر: 16].
قال: {ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون} [العنكبوت: 55] في الدّنيا، أي: ثواب ما كنتم تعملون في الدّنيا). [تفسير القرآن العظيم: 2/637]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ)
: (وقوله: {ويقول ذوقوا...}
وهي في قراءة عبد الله: (ويقال ذوقوا), وقد قرأ بعضهم: {ونقول} بالنون, وكلّ صواب). [معاني القرآن: 2/318]
تفسير قوله تعالى:{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يا عبادي الّذين آمنوا إنّ أرضي واسعةٌ} [العنكبوت: 56] سفيان الثّوريّ، عن الرّبيع بن أبي راشدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: {إنّ أرضي واسعةٌ} [العنكبوت: 56] قال: ذا عمل فيها بالمعاصي، فاخرجوا منها.
وقال مجاهدٌ: فهاجروا وجاهدوا.
وقال السّدّيّ: {إنّ أرضي واسعةٌ} [العنكبوت: 56]، يعني: أرض المدينة.
[تفسير القرآن العظيم: 2/637]
{فإيّاي فاعبدون} [العنكبوت: 56] فيها.
أمرهم في هذه الآية بالهجرة، وأن يجاهدوا في سبيل اللّه، يهاجروا إلى المدينة ثمّ يجاهدوا إذا أمروا بالجهاد.
وقوله: {فإيّاي فاعبدون} [العنكبوت: 56]، أي: في تلك الأرض الّتي آمركم أن تهاجروا إليها، يعني: المدينة، نزلت هذه الآية بمكّة قبل الهجرة). [تفسير القرآن العظيم: 2/638]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {يا عبادي الّذين آمنوا إنّ أرضي واسعةٌ...}: هذا لمسلمة أهل مكّة الذين كانوا مقيمين مع المشركين, يقول {إنّ أرضي واسعةٌ} : يعني المدينة , أي: فلا تجاوروا أهل الكفر).
[معاني القرآن: 2/318]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {يا عبادي الّذين آمنوا إنّ أرضي واسعة فإيّاي فاعبدون (56)} تفسيرها: قيل إنهم أمروا بالهجرة من الموضع الذي لا تمكنهم فيه عبادة اللّه عزّ وجلّ , وأداء فرائضه، وأصل هذا: فيمن كان يمكنه ممن آمن , وكان لا يمكنه إظهار إيمانه، وكذلك يجب على كل من كان في بلد يعمل فيه بالمعاصي , ولا يمكنه بغير ذلك أن يهاجر , وينتقل إلى حيث يتهيأ له أن يعبد الله حق عبادته.
وقوله عزّ وجلّ: {فإيّاي فاعبدون}
{إيّاي}: منصوب بفعل مضمر، الذي ظهر يفسّره.
المعنى : فاعبدوا إياي , فاعبدوني، فاستغنى بأحد الفعلين، أعني الثاني عن إظهار الأول، فإذا قلت: فإياي فاعبدوا، فإياي منصوب بما بعد الفاء، ولا تنصبه بفعل مضمر كما أنك إذا قلت: بزيد فامرر، فالباء متعلقة بامرر، والمعنى: إنّ أرضي واسعة فاعبدون، فالفاء إذا قلت زيدا فاضرب , لا يصلح إلا أن تكون جوابا للشرط، كأن قائلا قال: أنا لا أضرب عمرا، ولكني أضرب زيدا، فقلت أنت مجيبا له: فاضرب زيدا، ثم قلت : زيدا فاضرب، فجعلت تقديم الاسم بدلا من الشرط, كأنك قلت : إن كان الأمر على ما تصف, فاضرب زيدا، وهذا مذهب جميع النحويين البصريين.). [معاني القرآن: 4/172-173]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون}
قال سعيد بن جبير : (إذا أمرتم بالمعاصي , فاهربوا).
وقال عطاء : (إذا رأيتم المعاصي , فاهربوا) .
وقال مجاهد: (هاجروا واعتزلوا الأوثان) .
قال أبو جعفر : القولان يرجعان إلى شيء واحد .
فقول مجاهد : (أنهم أمروا بالهجرة , ومجانبة أصحاب الأوثان) , وقال العلماء كذلك, إذا لم يقدر أن يأمر بالمعروف , وينهى عن المنكر خرج , وكان حكمه حكم أولئك.
وقيل : أي: إن أرض الجنة واسعة , فاعبدوني حتى أعطيكموها.).[معاني القرآن: 5/233-234]
تفسير قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {كلّ نفسٍ ذائقة الموت} [العنكبوت: 57] كقوله: {ثمّ إنّكم بعد ذلك لميّتون} [المؤمنون: 15] وكقوله: {كلّ من عليها فانٍ} [الرحمن: 26] وكقوله: {إنّك ميّتٌ وإنّهم ميّتون} [الزمر: 30].
قال: {ثمّ إلينا ترجعون} [العنكبوت: 57] يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 2/638]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لنبوّئنّهم} [العنكبوت: 58] لنسكننّهم {من الجنّة غرفًا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها} [العنكبوت: 58] لا يموتون ولا يخرجون منها.
{نعم أجر العاملين} [العنكبوت: 58] نعم ثواب العاملين في الدّنيا، يعني: الجنّة.
- أبو أميّة، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسارٍ، عن رفاعة بن عرابة الجهنيّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أشهد باللّه»، قال: وكان إذا حلف يقول: «والّذي نفسي بيده لا يموت رجلٌ كان يشهد أن لا إله إلا اللّه صادقًا من قلبه وأنّ محمّدًا رسول اللّه ثمّ يسدّد إلا سلك به إلى الجنّة مع أنّ ربّي قد وعدني أن يدخل من أمّتي الجنة سبعين ألفًا لا حساب عليهم ولا عذاب، وإنّي لأرجو أن تدخلوها حتّى تبوّءوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرّيّاتكم مساكن في الجنّة»). [تفسير القرآن العظيم: 2/638]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لنبوّئنّهم...}
قرأها العوام {لنبوّئنّهم} , وحدثني قيس , عن أبي إسحاق أن ابن مسعود قرأها :{لنثوينّهم}, وقرأها كذلك يحيى بن وثّاب , وكلّ حسن : بوّأته منزلاً, وأثويته منزلاً). [معاني القرآن: 2/318]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ لنبوّئنّهم من الجنّة غرفاً }, مجازه: لننزلنهم، وهو من قولهم: " اللهم بوّئنا مبوّأ صدقٍ ".). [مجاز القرآن: 2/117]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({لنبؤنهم}: من تبوأت ومن قال {لنثوينهم} من الثواء وهم الإقامة). [غريب القرآن وتفسيره: 295]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {لنبوّئنّهم من الجنّة غرفاً} : أي : لننزلنّهم, ومن قرأ: لنثوينهم، فهو من «ثويت بالمكان» , أي :أقمت به.). [تفسير غريب القرآن: 338]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا} : أي : لننزلنهم , ومعنى لنثوينهم : لنعطينهم منازل يثوون فيها , يقال : ثوى إذا أقام.). [معاني القرآن: 5/234]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {لنبوئنهم}: لنثوينهم، ولنسكننهم معا.). [ياقوتة الصراط: 401]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَنُبَوِّئَنَّهُم}: لننزلنهم , {لَنُثوِّئَنَّهُم}: من الثوا). [العمدة في غريب القرآن: 237]
تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكأيّن} [العنكبوت: 60]، يعني: وكم.
{من دابّةٍ لا تحمل رزقها} [العنكبوت: 60] تأكل بأفواهها ولا تحمل شيئًا لغدٍ.
تفسير ابن مجاهدٍ، عن أبيه: يعني: البهائم والطّير والوحوش والسّباع.
{اللّه يرزقها وإيّاكم وهو السّميع العليم} [العنكبوت: 60] لا أسمع منه ولا أعلم منه). [تفسير القرآن العظيم: 2/639]