قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("أما" بفتح "الهمزة"
حرف بسيط، فيه معنى الشرط، مؤول "بمهمها" يكن من شيء، لأنه قائم مقام أداة الشرط وفعل شرط. ولذلك يجاب "بالفاء". وقال ابن مالك وغيره: "أما" حرف تفصيل. وقال بعض النحويين: إنها قد ترد حيث لا تفصيل فيه، كقولك: "أما" زيد فمنطلق. ولذلك قال بعضهم: هي حرف إخبار مضمن معنى الشرط. فإذا قلت: "أما" زيد فمنطلق، فالأصل إن أردت معرفة حال زيد فزيد منطلق، حذفت أداة الشرط وفعل الشرط، وأنيبت "أما" مناب ذلك.
والجمهور يقدرون "أما" "بمهما" يكن من شيء، كما تقدم. فإذا قلت: "أما" زيد فمنطلق، فالتقدير: "مهما" يكن من شيء فزيد منطلق. فحذف فعل الشرط وأداته، وأقيمت "أما" مقامهما، فصار التقدير:"أما" فزيد منطلق. فأخرت "الفاء" إلى الجزء الثاني، لضرب من إصلاح اللفظ.
قال صاحب رصف المباني: ولا يلزم تكريرها، خلافاً لبعضهم. فإنه يرى أن التفصيل لا يكون إلا بتكرار الفصل بينه وبين الأول. وهذا غير لازم. اللهم، إن كان في اللفظي فنعم. و"أما" المعنوي فلا يلزم. انتهى.
وذهب ثعلب إلى أن "أما" جزءان، وهي "إن" الشرطية و"ما"، حذف فعل الشرط بعدها، ففتحت "همزتها" مع حذف الفعل، وكسرت مع ذكره.
و"لأما" أحكام: فمنها أن "الفاء" بعدها لازمة لا تحذف، إلا مع قول أغنى عنه المحكي به، كقوله تعالى: {فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم}. أي: فيقال لهم أكفرتم.
أو في ضرورة شعرية، كقول الشاعر: فأما القتال لا قتال لديكم ... ولكن سيراً، في عراض المواكب
قيل: "أو" في ندور، كما جاء في صحيح البخاري: "أما" بعد "ما" بال رجال. أي: "فما" بال رجال.
ومنها أنه لا يجوز أن يفصل بين "أما" و"الفاء" بجملة، إلا إن كانت دعاء، بشرط أن يتقدم الجملة فاصل بينها وبين "أما". نحو: "أما" اليوم، رحمك الله، فالأمر كذا.
ولا يلي "أما" فعل، لأنها قائمة مقام شرط وفعل شرط. فلو وليها فعل لتوهم أنه فعل الشرط. وإنما يليها مبتدأ، نحو: "أما" زيد فقائم. أو خبر، نحو: "أما" قائم فزبد. وفي كتاب الصفار أن الفصل بينهما بالخبر قليل. أو مفعول مقدم، نحو {فأما اليتيم فلا تقهر}. أو مفعول بفعل مقدر، يفسره المذكور، نحو: "أما" زيداً فأكرمته. أو ظرف، نحو: "أما" اليوم فأقوم. أو مجرور، نحو وأما بنعمة ربك فحدث}. أو حال، نحو: "أما" مسرعاً فزيد ذاهب. أو مفعول له، نحو: "أما" العلم فعالم. أو مصدر، نحو: "أما" ضرباً فاضرب. أو شرط، نحو {فأما إن كان من المقربين فروح}.
ومذهب سيبويه أن الجواب في ذلك "لأما"، لا للشرط، وحذف جواب الشرط، لدلالة جواب "أما" عليه. ولذلك لزم معنى جواب "أما" عليه. وذهب الفارسي، في أحد قوليه، إلى أن الجواب للشرط، وجواب "أما" محذوف. وقوله الآخر كمذهب سيبويه. وذهب الأخفش إلى أن "الفاء" وما بعدها جواب "لأما" وللشرط معاً. والأصل: مهما يكن من شيء فإن كان من المقربين فروح. ثم تقدمت "إن" والفعل الذي بعدها، فصار التقدير: "فأما" إن كان من المقربين ففروح. فالتقت "فاءان"، فأغنت إحداهما عن الأخرى، فصار فروح.
ومنها "أن" "الفاء"، الواقعة جواباً لها، يجوز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها. وهذا متفق عليه في الجملة. واختلفوا في شرط ذلك. فذهب سيبويه، والمازني، والزجاج، وابن السراج، إلى اعتبار ذلك بأن يقدر حذف "أما" وحذف "الفاء". فما جاز أن يعمل فيه، بعد تقدير حذفهما، جاز أن يعمل فيه مع وجودهما. و"ما" لا فلا. فلذلك منعوا: "أما" زيداً فإني ضارب. وذهب المبرد، وابن درستويه، إلى أن "ما" بعد إن يجوز أن يعمل فيما قبل "الفاء". فأجازا: "أما" زيداً فإني ضارب. وقيل: يجوز ذلك في الظرف والمجرور، نحو: "أما" اليوم فإني ذاهب، و"أما" في الدار فإن زيداً جالس. وأجاز الفراء تقديم معمول ما بعد "إن" على "الفاء"، وفاقاً للمبرد. وزاد أنه أجاز ذلك في "ليت" و"لعل" وكل ما يدخل على المبتدأ.
ومنها أنها قد تبدل "ميمها" الأولى "ياء"، فيقال "أيما". وأنشدوا:
رأت رجلاً، أيما إذا الشمس عارضت ... فيضحى، وأما بالعشي فيخصر
ومنها أن "أما" قد تعمل في الظرف، والحال، والمجرور. قيل: والتحقيق أن العمل للفعل الذي نابت عنه. فإذا قلت: "أما" علماً فعالم، فعلماً حال، وعاملها فعل الشرط المحذوف، وصاحبها هو المرفوع بفعل الشرط. وفي هذه المسألة طول، لا يليق بهذا الموضع.
ويشتبه بلفظ "أما" التفصيلية لفظان آخران: أحدهما مركب من "أم" المنقطعة و"ما" الاستفهامية، كقوله تعالى: {أماذا كنتم تعملون}. والآخر مركب من "أن" المصدرية و"ما" التي هي عوض من كان، كقول الشاعر:
أبا خراشة، أما أنت ذا نفر ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع
والله أعلم). [الجنى الداني:522 - 528]
"إما" بكسر "الهمزة"
قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("إما" بكسر "الهمزة"
حرف من حروف العطف، عند أكثر النحويين هكذا نقل ابن مالك عنهم. ونقل عن يونس، وأبي علي، وابن كيسان، أنها ليست بعاطفة. قال: وبه أقوال، تخلصاً من دخول عاطف على عاطف، ولأن وقوعها بعد "الواو"، مسبوقة بمثلها، شبيه بوقوع لا بعد "الواو" مسبوقة بمثلها، في مثل: "لا" زيد و"لا" عمرو فيها. ولا هذه غير عاطفة، بإجماع. فلتكن "إما" كذلك.
ونقل ابن عصفور اتفاق النحويين على أن "إما" ليست بعاطفة، وإنما أوردوها في حروف العطف، لمصاحبتها لها. قلت: عد سيبويه "إما" من حروف العطف، فحمل بعضهم كلامه على ظاهره، وقال: "الواو" رابطة بين "إما" الأولى و"إما" الثانية. واستدل الرماني، على أنها عاطفة، بأن "الواو" للجمع، وليست هنا كذلك، لأنا نجد الكلام لأحد الشيئين، فعلم أن العطف "لإما". وقال بعض المتأخرين: "الواو" عطفت "إما" الثانية على "إما" الأولى، و"إما" الثانية عطفت الاسم الذي بعدها على الاسم الذي بعد الأولى. وتأول بعضهم كلام سيبويه بأن "إما" لما كانت صاحبة المعنى، ومخرجة "الواو" عن الجمع، والتابع يليها، سماها عاطفة مجازاً.
وهذا الخلاف إنما هو في "إما" الثانية، في نحو: قام "إما" زيد و"إما" عمرو. ولا خلاف في أن الأولى غير عاطفة، لأنها بين الفعل ومرفوعة. وذلك واضح.
ويتعلق "بإما" مسائل:
الأولى: في معناها، وهي خمسة: الشك نحو: قام "إما" زيد و"إما" عمرو. والإبهام نحو {وآخرون مرجون لأمر الله، إما يعذبهم وإما يتوب عليهم}. والتخيير نحو {إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً}. والإباحة نحو: جالس "إما" الحسن و"إما" ابن سيرين. والتفصيل نحو {إما شاكراً وإما كفوراً}.
وتقدم الفرق بين الشك والإبهام، وبين التخيير والإباحة، في "أو". و"إما" في ذلك مثل "أو". وزاد بعضهم "أو" و"إما" معنى سادساً. وهو أن تكونا لإيجاب أحد الشيئين، في وقت دون وقت. نحو قولك للشجاع: إنما أنت "إما" طعن و"إما" ضرب.
الثانية: في الفرق بين "أو" و"إما". والفرق بينهما من ثلاثة أوجه.
الأول: أن "أو" قد تكون بمعنى "الواو" وبمعنى "بل"، عند بعضهم، كما تقدم. و"إما" لا تكون كذلك.
والثاني: أن "إما" لا بد من تكرارها، في الغالب، بخلاف "أو"، فإنها لا تكرر.
والثالث: أن الكلام مع "إما" مبني من أوله على "ما" جيء بها لأجله، من شك وغيره، بخلاف "أو" فإن الكلام معها قد يفتتح على الجزم، ثم يطرأ الشك "أو" غيره. ولهذا وجب تكرار "إما" في غير ندور.
الثالثة: قد يستغنى عن الثانية "بأو". كقراءة من قرأ [وإنا "أو" إياكم "لإما" على هدى، "أو" في ضلال مبين]. وهو في الشعر كثير، كقول الشاعر: وقد شفني أن لا يزال يروعني ... خيالك، إما طارقاً، أو مغاديا
وقد يستغنى عنها أيضاً "بإن" الشرطية، مع "لا" النافية، كقول الشاعر:
فإما أن تكون أخي، بصدق ... فأعرف منك غثي، من سميني
وإلا فاطر حني، واتخذني ... عدواً، أتقيك، وتتقيني
ونص النحاس على أن البصريين لا يجيزون فيها "إلا" التكرار. وأجاز الفراء "ألا" تكرر، وأن تجرى مجرى "أو". وقال الفراء: يقولون: عبد الله يقوم و"إما" يقعد.
وقال ابن مالك: وقد يستغنى عن الأولى بالثانية، كقول الشاعر:
تهاض بدار، قد تقادم عهدها ... وإما بأموات ألم خيالها
أي "إما" بدار، فحذف. وربما استغني عن "واو" و"إما" كقول الشاعر:
يا ليتما أمنا شالت نعامتها ... إما إلى جنة، إما إلى نار
وهو نادر.
الرابعة: اختلف في "إما" هذه. فقيل: بسيطة. واختاره الشيخ أبو حيان، لأن الأصل البساطة. وقيل: هي مركبة من "إن" و"ما". وهو مذهب سيبويه. والدليل عليه اقتصارهم على "إن" في الضرورة، كقول الشاعر:
وقد كذبتك نفسك، فاكذبنها ... فإن جزعاً، وإن إجمال صبر
أي: "فإما" جزعاً، و"إما" إجمال صبر. فحذفت "ما" اكتفي "بإن". وأجيب بأنه يحتمل أن تكون "إن" في البيت شرطية حذف جوابها. والتقدير: "فإن" كنت ذا جزع فاجزع، "إن" كنت مجمل صبر فاصبر.
وعلى القول بالتركيب قالوا: قد تحذف "إما" الأولى، تحذف "ما" من الثانية، كقول الشاعر:
سقته الرواعد، من صيف ... وإن من خريف فلن يعدما
أي: "إما" من صيف، و"إما" من خريف. على ذلك أنشده سيبويه. وذهب الأصمعي، والمبرد، إلى أن "إن" في البيت شرطية، و"الفاء" "فاء" الجواب، والتقدير: وإن سقته من خريف فلن يعدم الري، وذهب أبو عبيدة إلى أن "إن" زائدة، والتقدير: من صيف ومن خريف.
الخامسة: في "إما" أربع لغات: كسر "الهمزة"، وفتحها، وإبدال "ميمها" الأولى "ياء" مع الكسر، والفتح. وفتح "همزتها" لغة قيس وتميم وأسد. وبالإبدال أنشدوا:
لا تفسدوا آبالكم ... إيما لنا، إيما لكم
السادسة: ذهب الكسائي إلى أن "إما" قد تكون جحداً. تقول: "إما" زيد قائم. تريد: "إن" زيد قائم. و"ما" صلة.
وتشتبه بلفظ "إما" المتقدمة "إما" المركبة من "إن" الشرطية و"ما" الزائدة. نحو: {إما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم}. وهي ظاهرة. والله سبحانه أعلم). [الجنى الداني:528 - 536]