تفسير قوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هل ينظرون إلاّ أن تأتيهم الملائكة، أو يأتي أمر ربّك، كذلك فعل الّذين من قبلهم، وما ظلمهم اللّه، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.
يقول تعالى ذكره: هل ينتظر هؤلاء المشركون إلاّ أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم، أو يأتي أمر ربّك بحشرهم لموقف القيامة {كذلك فعل الّذين من قبلهم} يقول جلّ ثناؤه: كما يفعل هؤلاء من انتظارهم ملائكة اللّه لقبض أرواحهم، أو إتيان أمر اللّه فعل أسلافهم من الكفرة باللّه، لأنّ ذلك في كلّ مشركٍ باللّه {وما ظلمهم اللّه} يقول جلّ ثناؤه: وما ظلمهم اللّه بإحلال سخطه، {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} بمعصيتهم ربّهم وكفرهم به، حتّى استحقّوا عقابه، فعجّل لهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {هل ينظرون إلاّ أن تأتيهم الملائكة} قال: " بالموت "، وقال في آيةٍ أخرى: {ولو ترى إذ يتوفّى الّذين كفروا الملائكة}، وهو ملك الموت وله رسلٌ، قال اللّه تعالى: {أو يأتي أمر ربّك} ذاكم يوم القيامة "
- حدّثني المثنّى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {هل ينظرون إلاّ أن تأتيهم الملائكة} يقول: " عند الموت حين تتوفّاهم، أو يأتي أمر ربّك ذلك يوم القيامة "). [جامع البيان: 14/214-215]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 33 - 36
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة} قال: بالموت، وقال في آية أخرى (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة) (الأنفال آية 50) وهو ملك الموت وله رسل {أو يأتي أمر ربك} وذاك يوم القيامة). [الدر المنثور: 9/44-45]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة} يقول: عند الموت حين تتوفاهم {أو يأتي أمر ربك} قال: ذلك يوم القيامة). [الدر المنثور: 9/45]
تفسير قوله تعالى: (فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأصابهم سيّئات ما عملوا، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون}.
يقول تعالى ذكره: فأصاب هؤلاء الّذين فعلوا من الأمم الماضية فعل هؤلاء المشركين من قريشٍ سيّئات ما عملوا، يعني عقوبات ذنوبهم، ونقم معاصيه الّتي اكتسبوها، {وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} يقول: وحلّ بهم من عذاب اللّه ما كانوا يستهزئون منه ويسخرون عند إنذارهم ذلك رسل اللّه، ونزل ذلك بهم دون غيرهم من أهل الإيمان باللّه). [جامع البيان: 14/215]
تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال الّذين أشركوا لو شاء اللّه ما عبدنا من دونه من شيءٍ نحن ولا آباؤنا ولا حرّمنا من دونه من شيءٍ كذلك فعل الّذين من قبلهم فهل على الرّسل إلا البلاغ المبين}
يقول تعالى ذكره: وقال الذين أشركوا بالله فعبدوا الأوثان والأصنام من دون الله: ما نعبد هذه الأصنام إلا لأن الله قد رضي عبادتناها، ولا نحرم ما حرمنا من البحائر والسوائب، إلا أن الله شاء منا ومن آبائنا تحريمناها ورضيه، لولا ذلك لقد غير ذلك ببعض عقوباته أو بهدايته إيانا إلى غيره من الأفعال.
يقول تعالى ذكره: كذلك فعل الذين من قبلهم من الأمم المشركة الذين استن هؤلاء سنتهم، فقالوا مثل قولهم، سلكوا سبيلهم في تكذيب رسل الله، واتباع أفعال آبائهم الضلال
وقوله: {فهل على الرّسل إلاّ البلاغ المبين} يقول جلّ ثناؤه: فهل أيّها القائلون لو شاء اللّه ما أشركنا ولا آباؤنا على رسلنا الّذين نرسلهم بإنذاركم عقوبتنا على كفركم، إلاّ البلاغ المبين، يقول: إلاّ أن تبلّغكم ما أرسلنا إليكم من الرّسالة ويعني بقوله {المبين} الّذي يبين عن معناه لمن أبلغه، ويفهمه من أرسل إليه). [جامع البيان: 14/215-216]