الاعتكاف وأثره في كتابة المصاحف
قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (صرح غير واحد من شراح الهداية : أن للمعتكف أن يكتب الأمور الدينية ,وليس له كتابة المصحف بأجر .
وقال الإمام مالك عن المعتكف : ( يكتب المصحف إن أحب ).
قال ابن رشد : ( قوله ويكتب المصاحف إن أحب , ومعناه ويكتب المصاحف قبل أن يدخل إن أحب , وهذا على مذهب ابن القاسم , وروايته عن مالك , والذى يرى أن الاعتكاف يختص من أعمال البر بذكر الله تعالى , وقراءة القرآن والصلاة , وأما على مذهب ابن وهب الذى يبيح للمعتكف جميع أعمال البر المختصة بالآخرة , فيجوز له أن يكتب المصاحف للثواب , لا ليمولها , ولا على أجرة يأخذها إلا ليقرأ فيها , وينتفع بها من احتاج إليها ) . وعند خليل فى مكروهات الاعتكاف : اشتغاله بعلم , وكتابته , وإن مصحفا إن كثر . وبالغ على المصحف لئلا يتوهم أن كتابته كتلاوته .
وقيد العدوى الكراهة بما لم يكن لمعاشه , موافقة للزرقانى , ونقل المناوى نحوا مما ذكر ابن رشد , ثم قال : وهو يدل على أن كتب المصحف لا يباح للمعتكف على المشهور . {179}
وفى الإفصاح عن الإمام مالك : لا بأس أن يكتب المعتكف
وعند الشافعية يباح للمعتكف : كتابة العلم ولو حرفة , وله المطالعة فى مباح على ما اختاره النووى , والأنصارى , والسيوطى , والهيتمى , خلافا لما ذكره الغزالى , والرافعى .
وعند الحنابلة تجوز الكتابة للمعتكف على الصحيح من المذهب , وقيده بعضهم بما لم يكن تكسبا . قال حرب : ( سئل الإمام أحمد عن العمل فى المسجد نحو الخياط وغيره , فكأنه كرهه ليس بذلك التشديد ).
وقال المرزوى : سألته عن الرجل يكتب بالأجرة فيه ؟ . قال : أما الخياط وشبهه فلا يعجبنى , وإنما بنى لذكر الله تعالى . وقال فى رواية الأثرم : ما يعجبنى مثل الخياط والأسكاف وشبهه , وسهل فى الكتابة . قال الحارثى : خص الكتابة لأنه نوع تحصيل علم , فهى فى معنى الدراسة , وهذا يوجب التقيد بما لا يكون تكسبا , وإليه أشار بقوله : فليس ذلك كل يوم .
قال المرداوى : ( وظاهر ما نقل الأثرم – وقد قطع المصنف فى باب الإعتكاف أنه لا يجوز للمعتكف أن يتكسب بالصنعة – التسهيل فى الكتابة مطلقا ) . ونقل ابن المفلح فى الاعتكاف قول أبى بكر : لا يقرأ , ولا يكتب الحديث , واقتصر عليه . وحكاه المرداوى فى الإنصاف , ثم نقل قول أبى الخطاب : يستحب إذا {180}
قصد به الطاعة . واختاره المجد وغيره , وذكر الآمدى فى استحباب ذلك روايتين فعلى المذهب : فعله لذلك أفضل من الاعتكاف لتعدى نفعه .قال المجد : ( ويتخرج على أصلنا فى كراهة أن يقضى القاضى بين الناس وهو معتكف , إذا كان يسيرا : وجهان , بناء على الإقراء , وتدريس العلم فإنه فى معناه ).
وجزم البهوتى بعدم استحباب كتابة الحديث للمعتكف , لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فلم ينقل عنه الاشتغال بغير العبادات المختصة به , ولأن الاعتكاف عبادة من شرطها المسجد , فلم يستحب فيها ذلك كالطواف . ثم ذكر اختيار أبى الخطاب السابق ووجهه .
وقد يأتى لهذه المسألة مزيد بسط وبيان عند الكلام على مسألة كتابة المصاحف بصفة عامة , باعتبار مسألتنا هذه أحد أفراد ذلك الموضوع . {181}