العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 صفر 1440هـ/23-10-2018م, 03:28 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الإسراء

[ من الآية (1) إلى الآية (3) ]
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) }

قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)}

قوله تعالى: {وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا (2)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله جلّ وعزّ: (ألّا تتّخذوا من دوني وكيلًا (2)
قرأ أبو عمرو وحده (ألّا يتّخذوا) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء.
قال: المعنى فيهما متقارب، فمن قرأ بالتاء فعلى الخطاب، ومن قرأ بالياء فللغيبة، وكله جائز). [معاني القراءات وعللها: 2/87]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {ألا تتخذوا من دوني وكيلا} [2].
قرأ أبو عمرو وحده بحذف الياء.
وقرأ الباقون بالتاء، والأمر بينهما قريب؛ لأن التقدير: وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا يتخذوا، وقلنا لهم: لا تتخذوا، وهذا كما تقول: قلت لزيد قم، وقلت له: أن يقوم و{قل للذين كفروا سيغلبون} و{ستغلبون}.
وقوله تعالى: {من دوني وكيلا} أي: كافيًا وربا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/363]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله عز وجل: ألا تتخذوا من دوني وكيلا.
فقرأ أبو عمرو وحده: (ألّا يتّخذوا) بالياء.
وقرأ الباقون: ألا تتخذوا بالتاء.
قال أبو علي: وجه قول من قرأ بالياء، أن المتقدم ذكرهم على لغة الغيبة فالمعنى: هديناهم أن لا يتخذوا من دوني وكيلا.
ومن قرأ بالتاء فهو على الانصراف إلى الخطاب بعد الغيبة مثل قوله: الحمد لله ثم قال: إياك نعبد [الفاتحة/ 5]، والضمير في تتخذوا وإن كان على لغة الخطاب فإنّما يعني به الغيب في المعنى، ومن زعم أنّ (أن لا يتّخذوا من دوني) على إضمار القول، كأنّه يراد به: قال: أن لا تتخذوا، لم يكن قوله هذا متّجها، وذلك أن القول لا يخلو من أن يقع بعد جملة تحكى، أو معنى جملة يعمل في لفظه القول، فالأول كقوله: قال زيد: عمرو منطلق، فموضع الجملة نصب
[الحجة للقراء السبعة: 5/83]
بالقول، والآخر: يجوز أن يقول القائل: لا إله إلا الله، فتقول: قلت حقّا، أو يقول: الثلج حار، فتقول: قلت باطلا، فهذا معنى ما قاله، وليس نفس المقول، وقوله: (أن لا تتخذوا) خارج من هذين الوجهين، ألا ترى أن ألا تتخذوا ليس هو بمعنى القول، كما أن قولك حقّا، إذا سمعت كلمة الإخلاص: معنى القول، وليس قوله:
(أن لا تتّخذوا) بجملة، فيكون كقولك: قال زيد: عمرو منطلق.
ويجوز أن تكون (أن) بمعنى: أي التي بمعنى التفسير، وانصرف الكلام من الغيبة إلى الخطاب كما انصرف منها إلى الخطاب في قوله: وانطلق الملأ منهم أن امشوا [ص/ 6] والأمر، وكذلك انصرف من الغيبة إلى النهي في قوله: (أن لا تتخذوا)، وكذلك قوله:
أن اعبدوا الله ربي [المائدة/ 117] في وقوع الأمر بعد الخطاب، ويجوز أن يضمر القول ويحمل تتخذوا على القول المضمر إذا جعلت (أن) زائدة، فيكون التقدير: وجعلناه هدى لبني إسرائيل، فقلنا: لا تتخذوا من دوني وكيلا.
فيجوز إذن في قوله: (أن لا تتخذوا) ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون أن الناصبة للفعل، فيكون المعنى: وجعلناه هدى كراهة أن تتخذوا من دوني وكيلا، أو لأن لا يتخذوا من دوني وكيلا.
والآخر: أن تكون بمعنى (أي)، لأنه بعد كلام ناه، فيكون التقدير: أي لا تتخذوا.
والثالث: أن تكون (أن) زائدة وتضمر القول.
فأمّا قوله: ذرية من حملنا، [الإسراء/ 3] فيجوز أن يكون
[الحجة للقراء السبعة: 5/84]
مفعول الاتخاذ، لأنه فعل يتعدى إلى مفعولين، كقوله: واتخذ الله إبراهيم خليلا [النساء/ 125]. وقوله: اتخذوا أيمانهم جنة [المجادلة/ 16] فأفرد الوكيل وهو في معنى الجمع، لأن فعيلا يكون مفرد اللفظ والمعنى على الجمع، نحو قوله: وحسن أولئك رفيقا [النساء/ 69]. فإذا حمل على هذا كان مفعولا ثانيا في قول من قرأ بالتاء، والياء.
ويجوز أن يكون نداء وذلك على قول من قرأ بالتاء: ألا تتخذوا يا ذرية، ولا يسهل أن يكون نداء على قول من قرأ بالياء، لأن الياء للغيبة والنداء للخطاب، ولو رفع الذرية على البدل من الضمير في قوله: أن لا تتخذوا كان جائزا، وقد ذكر أنها قراءة. ولو رفع على البدل من الضمير المرفوع كان جائزا، ويكون التقدير: أن لا تتّخذ ذرية من حملنا مع نوح من دوني وكيلا، ولو جعله بدلا من قوله بنى إسرائيل جاز، وكان التقدير: وجعلناه هدى لذرية من حملنا مع نوح). [الحجة للقراء السبعة: 5/85]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتّخذوا من دوني وكيلا}
قرأ أبو عمرو (ألا يتخذوا) بالياء وحجته أن الفعل قرب من الخبر عن بني إسرائيل فجعل الفعل مسندًا إليهم إذ قال {وجعلناه هدى لبني إسرائيل} المعنى جعلناه هدى لبني إسرائيل لئلّا يتخذوا من دوني وكيلا
وقرأ الباقون {ألا تتّخذوا} بالتّاء على الخطاب وحجتهم في الانصراف إلى الخطاب بعد الغيبة قوله {الحمد لله رب العالمين} ثمّ قال {إياك نعبد وإيّاك نستعين} فالضّمير في {تتّخذوا} وإن كان على لفظ الخطاب فإنّما يعني به الغيب في المعنى ويجوز أن تكون أن بمعنى أي الّتي هي للتفسير على هذا التّأويل لأنّه انصرف الكلام من الغيبة إلى الخطاب ويجوز أن تكون زائدة وتضمر القول
[حجة القراءات: 396]
المعنى وجعلناه هدى لبني إسرائيل وقلنا لهم لا تتّخذوا من دوني وكيلا ويجوز أن تكون الناصبة للفعل فيكون المعنى وجعلناه هدى كراهة أن تتّخذوا من دوني وكيلا أو بأن لا تتّخذوا). [حجة القراءات: 397]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {ألا تتخذوا من دوني} قرأ أبو عمرو بياء وتاء، حمله على لفظ الغيبة، لتقدم ذكرها في قوله: {وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا يتخذوا} أي: لئلا يتخذوا، ويجوز أن يكون بمعنى «أي» فيكون في الكلام معنى النهي، وقرأ الباقون بتاءين، أجروه على الانصراف من الغيبة إلى المخاطبة كقوله: {الحمد لله رب العالمين} ثم قال: {إياك نعبد} «الفاتحة 2، 5» وهو كثير، وقد مضى لهذه نظائر، ويجوز في هذه القراءة أيضًا أن يكون «أن» بمعنى «أي» ويكون الكلام نهيًا، فيكون من الانصراف من الخبر إلى النهي، ويجوز في القراءتين أن تكون «أن» زائدة، ويضمر القول على تقدير: وقلنا لهم: لا تتخذوا، فيكون نهيًا، وقد ذكرنا وجه نصب «الذرية» على القراءتين في تفسير مشكل إعراب القرآن). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/42]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {أَلَّا يَتَّخِذُوا} [آية/ 2] بالياء:
قرأها أبو عمرو وحده.
والوجه أنه على لفظ الغيبة؛ لأن ما قبله على الغيبة وهو قوله {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}، والمعنى: هديناهم ألا يتخذوا، أي لئلا يتخذوا، أو هديناهم إلى ترك الاتخاذ.
وقيل: إن قوله {وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} متضمن لمعنى الأمر، كأنه قال: أمرنا بني إسرائيل ألا يتخذوا، والعرب تقول أمرت فلانًا أن لا يَفْعَلَ، بالياء نصبًا، وأن تَفْعَلْ بالتاء جزمًا على النهي، كلاهما جائز.
وقرأ الباقون {ألَّا تتّخذوا} بالتاء.
والوجه أنه يجوز أن يكون على الرجوع إلى الخطاب بعد الغيبة.
[الموضح: 748]
ويجوز أن يكون على ما ذكرنا من كونه على معنى الأمر، فيكون الكلام محمولًا على المعنى نحو أمرت فلانًا أن لا تَفْعَل، فإن الأمر خطابٌ.
ويجوز أن يكون نهيًّا، والتقدير: قلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلًا). [الموضح: 749]

قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): ( {ذرية من حملنا} [3] نصب على النداء المضاف والتقدير: يا ذرية من حملنا مع نوح. وهذا الحرف وإن لم يختلف فيه فإنما ذكرته لأن ذرية: وزنها فعلية من الذر، ويكون فعولة من الذرى والذر فيكون الأصل: ذروية، فتقلب من الواو ياء وتدغم الياء في الياء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/363]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (قد ذكرنا ما في ذُرِّيَّة وذَرِّيَّة وذِرِّيَّة فما مضى من الكتاب). [المحتسب: 2/14]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 صفر 1440هـ/23-10-2018م, 03:54 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الإسراء

[ من الآية (4) إلى الآية (8) ]
{ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8) }

قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس ونصر بن عاصم وجابر بن يزيد: [لَتُفْسَدُنَّ]، بضم التاء، وفتح السين. وقرأ: [لَتَفْسُدُنَّ]، بفتح التاء، وضم السين والدال -الفعل لهم- عيسى الثقفي.
قال أبو الفتح: إحدى هاتين القراءتين شاهدة للأخرى؛ لأنهم إذا أفسدوا فقد فسدوا). [المحتسب: 2/14]

قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [عَبيدًا لنا].
قال أبو الفتح: أكثر اللغة أن تستعمل العبيد للناس والعباد لله. قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}، وقال تعالى: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُون}، وهو كثير. وقال: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} . ومن أبيات الكتاب:
أتُوعِدُني بقومك يابن حَجْل ... أشاباتٍ يُخَالُون العبادا؟
بما جمَّعْتَ من حضَنٍ وعمرو ... وما حضَنٌ وعمرو والحِيادا؟
[المحتسب: 2/14]
أي يُخالون عبيدا، أي مماليك. ويقال: العبادُ قوم من قبائل شتى من العرب، اجتمعوا على النصرانية، فأنفوا أن يسموا العبيد؛ فقالوا: نحن العباد). [المحتسب: 2/15]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي السمال: [فَحَاسُوا]، بالحاء.
قال أبو الفتح: قال أبو زيد، أو غيره: قلت له إنما هو {فَجَاسُوا}، فقال: فَحَاسُوا وجَاسُوا واحد، وهذا يدل على أن بعض القراءة يتخير بلا رواية، ولذلك نظائر). [المحتسب: 2/15]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رويناه عن أبي زيد أن أبا سرار الغنوي كان يقرأ: [فَحاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ]، والحاء غير معجمة. فقيل له: إنما هو {جاسوا}، فقال: حاسوا، وجاسوا واحد.
ومن ذلك حكاية ذي الرمة في قوله:
وظاهر لها من يابس الشخت
فقيل له: أنشدتنا بائس السخت فقال: بائس، ويابس واحد.
[المحتسب: 2/336]
وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى قال: قال بعض أصحاب ابن الأعرابي له في قوة الشاعر:
وموضع زبن لا أريد مبيته ... كأني به من شدة الروع آنس
أنشدتناه وموضع ضيق، فقال له أبن الأعرابي: سبحان الله! تصحبنا منذ كذا وكذا سنة ولا تدري أن [زَبْن] و[ضيق] واحد؟). [المحتسب: 2/337] (م)

قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)}

قوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ليسوءوا وجوهكم)
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وحمزة (ليسوء) بالياء وفتح الهمزة على واحدٍ، وقرأ الكسائي (لنسوء) بالنون وفتح الهمزة، وقرأ الباقون (ليسوءوا وجوهكم) بالياء وضم الهمزة ممدودةً على جميع.
قال أبو منصور: من قرأ (ليسوء وجوهكم) فالمعنى: فإذا جاء وعد المرة الآخرة ليسوء الوعد وجوهكم.
ومن قرأ (ليسوءوا وجوهكم) بالجمع فالمعنى: ليسوءوا الرجال وأولو البأس الشديد وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّل مرةٍ.
ومن قرأ (لنسوء وجوهكم) فهو من فعل الله، أي: لنسوء نحن وجوهكم
[معاني القراءات وعللها: 2/87]
مجازاة لسوء فعلكم.
وكل ذلك جائز، والاختيار عندي (ليسوءوا) بالجمع؛ لأنه عطف عليه (وليدخلوا المسجد)، والله أعلم.
حدثنا الحسين بن إدريس عن عثمان بن أبي شيبة عن سعيد بن صلة عن الحسن بن عمرو عن الحكم عن مجاهد في قوله جلّ وعزّ: (وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه).
قال: صحيفة في عنقه مكتوب فيها شقي وسعيد.
حدثنا الحسين قال حدثنا عثمان قال حدثنا وكيع عن أبي جعفر الرازيّ عن الربيع بن أنس عن أبي عالية في قوله جلّ وعزّ (وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها). أكثرنا مستكبريها). [معاني القراءات وعللها: 2/88]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {ليسئوا وجوهكم} [7].
قرأ أبو عمرو وابن كثير ونافع وحفص عن عاصم: {ليسئوءوا وجوهكم} همزة بين واوين على الجمع كقوله {وليدخلوا} {وليتبروا}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/363]
وقرأ الكسائي بالنون وفتح الواو، كما تقول: لتدعو فعلامة النصب فتحة الواو، وعلامة النصب في القراءة الأولى حذف النون.
وقرأ الباقون {ليسوء وجوهكم} بالياء وفتح الواو على معنى: ليسوء العذاب وجوهكم. وإنما مد {ليسئوا} تمكينًا للهمزة، لأن كل واو سكنت وانضم ما قبلها وأتت بعدها همزة فلابد من مد في كلمة أو كلمتين فما كان من كلمتين فنحو: {قالوا ءامنا} وما كنا من كلمة فنحو: تبوء بإثمه، وينوء بحمله، ويسوء زيدًا، وكذلك الياء، والألف كالواو. وقد بينت ذلك فيما مضى أيضًا.
فحدثني ابن مجاهد رضي الله عنه عن السمري عن الفراء قال: في قراءة أُبَيٍّ: {ليسوءن وجوهكم} بنون خفيفة، وهي نون التأكيد مثل: {لنسفعا بالناصية} و{ليكونا من الصاغرين} وليس في القرآن نون خفيفة وهي نون التأكيد غير هذه الثلاثة. فمن بي قراءته على قراءة أبي يضمر في اللام {كي} وليدخلوا و[تكون] اللام في قراءة أُبَيًّ {ليسؤن} لام التأكيد). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/364]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: ليسوءوا وجوهكم [7].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: ليسوءوا بالياء جماع، همزة بين واوين.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وحمزة: (ليسوء) على واحد بالياء.
وقرأ الكسائي: (لنسوء) بالنون.
قال أبو علي: قوله: لتفسدن في الأرض مرتين [الإسراء/ 4] المعنى: فإذا جاء وعد الآخرة، أي: المرّة الآخرة من قوله: لتفسدن
[الحجة للقراء السبعة: 5/85]
في الأرض مرتين بعثناهم ليسوءوا وجوهكم، فحذف بعثناهم، لأن ذكره قد تقدم، ولأنه جواب إذا وشرطها تقتضيه، فحذف للدّلالة عليه.
فأما ليسوءوا فقال أبو زيد: سؤته مساءة، ومسائية، وسواية.
وقال: وجوهكم على أنّ الوجوه مفعول به لسؤت، وعدي إلى الوجوه لأن الوجوه قد يراد بها ذوو الوجوه، كقوله: كل شيء هالك إلا وجهه [القصص/ 88] وقال: وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة [عبس/ 38، 39] وقال: وجوه يومئذ ناضرة [القيامة/ 22] ووجوه يومئذ باسرة [القيامة/ 24]. وقال النابغة:
أقارع عوف لا أحاول غيرها... وجوه قرود تبتغي من تجادع
وكأنّ الوجوه إنما خصّت بذلك لأنها تدلّ على ما كان في ذوي الوجوه من الناس من حزن، ومسرّة، وبشارة، وكآبة.
فأما ليسوءوا فالحجة له أنه أشبه بما قبله وما بعده، ألا ترى أن الذي يراد قبله: بعثناهم، وبعده: ليدخلوا المسجد، وهو بيت المقدس، والمبعوثون في الحقيقة هم الذين يسوءونهم بقتلهم إياهم وأسرهم لهم، فهو وفق المعنى.
فأما وجه قول من قرأ: (ليسوء وجوهكم): بالياء، ففاعل ليسوء يجوز أن يكون أحد شيئين:
أحدهما: أن يكون اسم الله عز وجل لأن الذي تقدّم: بعثنا، ورددنا لكم وأمددناكم بأموال.
[الحجة للقراء السبعة: 5/86]
والآخر: أن يكون البعث دل عليه: بعثنا المتقدم كقوله: لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [آل عمران/ 180]، أي: البخل.
ومن قرأ (لنسوء) بالنون كان في المعنى كقول من قدر أن الفاعل ما تقدم من اسم الله، وجاز أن تنسب المساءة إلى الله سبحانه وتعالى، وإن كانت من الذين جاسوا خلال
الديار في الحقيقة لأنهم فعلوا المساءة بقوة الله عز وجل وتمكينه لهم، فجاز أن ينسب إليه كما: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [الأنفال/ 17] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/87]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أُبيّ بن كعب: [لِنَسُوءًا]، بالتنوين.
قال أبو الفتح: لم يذكر أبو حاتم التنوين، لكنه قال: وبلغني أنها في مصحف أُبي، [لِيُسِيءً]، بالياء مضمومة بغير واو. فأما التنوين في: [لنَسُوءًا] فطريق القول عليه أن يكون أراد الفاء فحذفها، كما قال في موضع آخر، أي [فَلْنَسُوءًا وُجُوهَكُمْ] على لفظ الأمر، كما تقول: إذا سألتني فلأعطك، كأنك تأمُرُ نفسَكَ، ومعناه فلأعطينَّك. واللامان بعده للأمر أيضا، وهما: {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ ... وَلِيُتَبِّرُوا} . ويقويّ ذلك أنه لم يأت لإذا جواب فيما بعد، فدل على أن تقديره [فَلْنَسُوءًا وُجُوهَكُمْ]، أي فَلْنَسُوءنَّ وُجُوهَكُمْ). [المحتسب: 2/15]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرّة وليتبروا ما علوا تتبيرا}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص {ليسوؤوا وجوهكم} بالياء على الجمع وحجتهم ذكرها اليزيدي فقال والألف تدل على أنّها جمع ولو كانت ليسوء على واحد أو لتسوء لم يكن فيها ألف وحجّة أخرى وهي أن ما قبله وما بعده جاء بلفظ الجمع فالّذي قبله {بعثنا عليكم عبادا} والّذي بعده {وليدخلوا المسجد} {وليتبروا} قوله {ليسوؤوا} إخبار عن قوله {بعثنا عليكم عبادا} وجواب إذا محذوف المعنى فإذا جاء وعد الآخرة بعثنا عليكم عبادا لنا ليسوؤوا وجوهكم أي ليسوء العباد وجوهكم
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ (ليسوء) بالياء وفتح الهمزة فاعل (ليسوء) يجوز أن يكون أحد شيئين أحدهما أن يكون اسم الله تعالى أي ليسوء الله وجوهكم والآخر أن يكون العذاب أي ليسوء العذاب وجوهكم ويجوز أن يكون الوعد وجواب إذا محذوف المعنى فإذا جاء وعد الآخرة جاء ليسوء وجوهكم ومن وجه تأويله إلى ليسوء الله كان أيضا في الكلام محذوف غير أنه سوى
[حجة القراءات: 397]
جاء ويكون معنى الكلام فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسوء الله وجوهكم
قرأ الكسائي (لتسوء) بالنّون وفتح الهمزة أخبر جلّ وعز عن نفسه وحجته أن الكلام أتى عقيب قوله {بعثنا عليكم} {ثمّ رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم} وبعده {وإن عدتم عدنا} وأعتدنا لهم فكان حكم ما توسط الكلامين الخارجين بلفظ الجمع أن يجري على لفظهما أولى من صرفه إلى العباد وإذا قرئ بالنّون استعمل على المعاني كلها لأن الله تعالى هو الفاعل لذلك في الحقيقة فإذا أسند الفعل في اللّفظ إليه جاز أن يسوء وجوههم بالوعد وجاز أن يسوءها بالعباد). [حجة القراءات: 398]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (2- قوله: {ليسئوا وجوهكم} قرأه أبو بكر وحمزة وابن عامر بالياء، وفتح الهمزة، على معنى: ليسوء الله وجوهكم، أو ليسوء البعث وجوهكم، لتقدم ذكر ذلك ودل {بعثنا} على «البعث» وقرأ الكسائي بالنون وفتح الهمزة على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه، لأن قبله إخبارًا، فحمله عليه، وهو قوله: {بعثنا عليكم عبادًا لنا} «5»، و{رددنا}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/42]
و{أمددناكم} و{جعلناكم} حمل {ليسؤوا} على هذه الألفاظ المتكررة بالإخبار من الله جل ذكره عن نفسه، ليكون الكلام في آخره محمولًا على أوله، فذلك أليق في المشاكلة والمطابقة، وقرأ الباقون بالياء وبهمزة مضمومة، بعدها واو على الجمع، ردوه على الجمع الذي قبله، والغيبة التي دل عليها الكلام في قوله: {فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤا وجوهكم}، لأن تقديره: فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسؤوا وجوهكم، ويقوي الجمع قوله: {وليدخلن المسجد كما دخلوه}، وقوله: {وليتبروا ما علوا}، وهو الاختيار؛ لاتفاق أهل الحرمين عليه، ولصحة معناه، ولأنه أخبر عن المفسرين في المرة الأولى، فقال: {فجاسوا خلال الديار} «5» وكذلك في المرة الثانية هم المخبر عنهم بالفساد والتتبير). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/43]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {لِنَسُوءَ} [آية/ 7] بالنون وفتح الهمزة:
قرأها الكسائي وحده.
والوجه أن الفعل لله تعالى في هذه القراءة، وهو بالنون إخبارًا عن نفسه على سبيل التعظيم، وإنما أُسندت المساءة إلى الله تعالى، وهي في المتعارف فعل الذين جاسوا خلال الديار؛ لأن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وقال بعضهم: لما مكّن الله تعالى أعداءهم منهم صارت المساءة منه سبحانه.
وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم ياش- {لِيَسُوءَ} بالياء وفتح الهمزة على التوحيد.
والوجه أن الفعل يجوز أن يكون مسندًا إلى الله تعالى على المعنى الذي سبق.
ويجوز أن يكون مسندًا إلى البعث الذي يدل عليه {بَعَثْنَا}، أو الوعد
[الموضح: 749]
الذي تقدم في قوله {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ}، والتقدير: ليسوء البعث أو الوعد وجوهكم.
وقرأ ابن كثير ونافعٌ وأبو عمرو وعاصم ص- ويعقوب {لِيَسُوءُوا} بالياء وواوٍ بعد الهمزة على الجمع بوزن ليسوعوا.
والوجه أن ما قبله على الإخبار عن جماعة وهو قوله: {بَعَثْنَا عليكم عِبادًا} وكذلك أُضمر قبل هذه الكلمة هذا الفعل، والتقدير: فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسوءوا وجوهكم). [الموضح: 750]

قوله تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 صفر 1440هـ/23-10-2018م, 06:17 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الإسراء

[ من الآية (9) إلى الآية (12) ]
{ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) }

قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {وَيَبْشُرُ الْمُؤْمِنِينَ} [آية/ 9] بفتح الياء وتخفيف الشين وضمّها:
قرأها حمزة والكسائي.
وقرأ الباقون {وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ} بضم الياء وتشديد الشين وكسرها.
وقد سبق الكلام في هذه الكلمة). [الموضح: 750]

قوله تعالى: {وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)}

قوله تعالى: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)}

قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 صفر 1440هـ/23-10-2018م, 07:02 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الإسراء

[ من الآية (13) إلى الآية (17) ]
{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)}

قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ونخرج له يوم القيامة)
قرأ يعقوب (ويخرج له يوم القيامة) بالياء وضم الراء، " كتابا)، وقرأ الباقون (ونخرج له) بالنون وكسر الراء.
قال أبو منصور: من قرأ (ويخرج له يوم القيامة كتابًا) أي: ما طار له من عمله يخرج كتابًا مكتوبًا، ونصب (كتابًا) على الحال، والقراءة الجيدة (ونخرج له يوم القيامة كتابًا).
[معاني القراءات وعللها: 2/88]
وعلى هذه القراءة نصب قوله (كتابًا) بـ (نخرج) لأنه مفعول به). [معاني القراءات وعللها: 2/89]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يلقاه منشورًا)
قرأ ابن عامر (يلقّاه، بضم الياء وتشديد القاف، وقرأ الباقون (يلقاه) بفتح الياء والتخفيف، وأمال القاف حمزة والكسائي.
قال أبو منصور: من قرأ (يلقّاه) فالمعنى: يلقّى كلّ إنسان كتابه منشورًا، أي: يستقبل به.
ومن قرأ (يلقاه) فالمعنى: يلقى كل إنسان كتابه منشورًا، ونصب (منشورًا) على الحال). [معاني القراءات وعللها: 2/89]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {كتابا يلقاه منشورا} [13].
قرأ ابن عامر وحده {يلقاه} مشددًا، جعل الفعل لغير الإنسان، أي:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/364]
الملائكة تلقاه بالكتاب الذي فيه نسخة عمله، وشاهده: {وكل إنسان ألزمناه طائره} [13] فيلزم الطائر ويلقى الكتاب.
وقرأ الباقون: {يلقاه} جعل الفعل للإنسان، لأن الله تعالى إذا ألزمه طائرة لقي هو الكتاب وصحائف عمله كما قال تعالى: {ومن يفعل ذلك يلقى أثاما} ولم يقل: يلق أثاما. وهذا واضح بين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/365]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عز وجل: كتابا يلقاه منشورا [13].
فقرأ ابن عامر وحده: (كتابا يلقاه) بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف.
وقرأ الباقون: يلقاه بفتح الياء وتسكين اللام وتخفيف القاف.
حمزة والكسائي: يميلان القاف.
من قرأ (يخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) فالمعنى: يخرج طائره له كتابا يلقاه منشورا، وهي قراءة الحسن ومجاهد فيما زعموا.
فأما طائره فقيل فيه: حظّه، وقيل: عمله. وما قدّم من خير أو شرّ، فيكون المعنى على هذا، ويخرج عمله كتابا أي ذا كتاب ومعنى ذا كتاب: أنه مثبت في الكتاب الذي قيل فيه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها [الكهف/ 49] وقوله: أحصاه الله ونسوه [المجادلة/ 6] وقال: هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت [يونس/ 30] وقوله: هاؤم اقرؤوا كتابيه [الحاقة/ 19].
[الحجة للقراء السبعة: 5/87]
وإنما قيل لعمله طائر، وطير في بعض القراءة على حسب تعارف العرب لذلك في نحو قولهم: جرى طائره بكذا. ومثل هذا في ياسين: قالوا طائركم معكم [19] وفي الأعراف: إنما طائرهم عند الله [131]. وروينا عن أحمد بن يحيى عن أبي المنهال المهلبي قال: حدثنا أبو زيد الأنصاري: أن ما مرّ من طائر أو ظبى أو غيره فكلّ ذلك عندهم طائر، وأنشد أبو زيد لكثير في تصييرهم كل ما زجر طائرا، وإن كان ظبيا أو غيره من البهائم. فقال:
فلست بناسيها ولست بتارك إذا عرض الأدم الجواري سؤالها قال: ثم أخبر في البيت الثاني أن الذي زجره طائر فقال:
أأدرك من أم الحكيم غبطة... بها خبّرتني الطّير أم قد أتى لها
وأنشد لزهير في ذلك:
فلمّا أن تفرق آل ليلى... جرت بيني وبينهم ظباء
جرت سنحا فقلت لها مروعا... نوى مشمولة فمتى اللقاء
قال أبو زيد: فقولهم: سألت الطير، وقلت للطير: إنما هو:
[الحجة للقراء السبعة: 5/88]
زجرتها، وقولهم: خبرتني الظباء والطير بكذا: إنما هو وقع زجري عليها على كذا وكذا من خير وشرّ، ويقوّى ما ذكره أبو زيد قول الكميت:
ولا أنا ممّن يزجر الطير همّه... أصاح غراب أم تعرّض ثعلب
وأنشد لحسان بن ثابت:
ذريني وعلمي بالأمور وسيرتي... فما طائري فيها عليك بأخيلا
أي: رأيي ليس بمشئوم، وأنشد لكثير:
أقول إذا ما الطير مرّت مخيلة... لعلّك يوما فانتظر أن تنالها
مخيلة: مكروهة. وهو من الأخيل.
فأمّا قوله في عنقه [الإسراء/ 13] فمعناه والله أعلم: لزوم ذلك له وتعلّقه به، وهذا مثل قولهم: طوقتك كذا، وقلّدتك كذا، أي صرفته نحوك، وألزمته إياك. ومنه: قلده السلطان كذا، أي: صارت الولاية في لزومها له في موضع القلادة، ومكان الطوق، قال الأعشى:
قلّدتك الشّعر يا سلامة ذا ال... إفضال والشّعر حيث ما جعلا
[الحجة للقراء السبعة: 5/89]
وقال أوس بن حجر:
تجول وفي الأعناق منها خزاية... أوابدها تهوي إلى كلّ موسم
وقال الهذليّ:
فليست كعهد الدار يا أمّ خالد... ولكن أحاطت بالرّقاب السلاسل
وأنشد الأصمعيّ:
إنّ لي حاجة إليك فقالت... بين أذني وعاتقي ما تريد
ومن قرأ: ونخرج له يوم القيامة كتابا، وهو قراءة الجمهور، فالكتاب ينتصب بأنه مفعول به كقوله: هاؤم اقرؤوا كتابيه [الحاقة/ 19] وقوله: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا [الإسراء/ 14]، هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون [الجاثية/ 29].
فأما قوله: يلقاه منشورا فيدلّ عليه قوله: وإذا الصحف نشرت [التكوير/ 10]. فأما من قرأ: (يلقاه) فهو من قولك: لقيت الكتاب، فإذا ضعفت قلت: لقانيه زيد، فيتعدى الفعل بتضعيف العين إلى مفعولين بعد ما كان يتعدّى بغير التضعيف إلى مفعول واحد. فإذا
[الحجة للقراء السبعة: 5/90]
بني الفعل للمفعول به نقص مفعول من المفعولين، لأن أحدهما يقوم مقام الفاعل في إسناده فيبقى متعديا إلى مفعول واحد، وعلى هذا قوله: ويلقون فيها تحية وسلاما [الفرقان/ 75] وفي البناء للفاعل:
ولقاهم نضرة وسرورا [الإنسان/ 11].
وإمالة حمزة والكسائي القاف حسنة وتركها حسن). [الحجة للقراء السبعة: 5/91]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا}
قرأ ابن عامر {كتابا يلقاه منشورا} بضم الياء وفتح اللّام وتشديد القاف جعل الفعل لغير الإنسان أي الملائكة تتلقاه بكتابه الّذي فيه نسخة عمله وهو من قولك لقيت الكتاب فإذا ضعفت قلت لقانيه زيد فيتعدى الفعل بتضعيف العين إلى مفعولين بعدما كان يتعدّى بغير التّضعيف إلى مفعول واحد ويقوّي هذا قوله {ولقاهم نضرة}
وقرأ الباقون {يلقاه} بفتح الياء جعلوا الفعل للإنسان لأن الله تعالى إذا ألزمه طائره لقي هو الكتاب كما قال تعالى {يلق أثاما}
[حجة القراءات: 398]
{ومن يفعل ذلك يلق أثاما} ولم يقل يلق أثاما وهذا بين واضح متى بني الفعل للمفعول به نقص مفعول من المفعولين لأن أحدهما يقوم مقام الفاعل في إسناده إليه فيبقى متعدّيا إلى مفعول واحد). [حجة القراءات: 399]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {كتابًا يلقاه} قرأ ابن عامر بضم الياء وفتح اللام مشددا، بناه للمفعول، وعداه إلى مفعولين: أحدهما مضمر في {يلقاه} قام مقام الفاعل، يعود على صاحب الكتاب، والآخر الهاء، {منشورًا} نعت لـ «الكتاب» والهاء لـ «الكتاب»، ودليل التشديد قوله: {ولقاهم نضرة} «الإنسان 11» وقرأ الباقون بفتح الياء، وإسكان اللام، والتخفيف، عدوه إلى مفعول واحد، وهو الهاء، وفي {يلقاه} ضمير الفاعل، وهو صاحب الكتاب، وهو الاختيار، لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/43]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {وَيَخْرُجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آية/ 13] بالياء مفتوحةً، والراء مضمومةً:
قرأها يعقوب وحده، ونصب {كِتابًا} مثل القراء.
والوجه أن الفعل مسندٌ إلى ما يدل عليه قوله تعالى {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ
[الموضح: 750]
طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}، والمراد ألزمناه عمله، والضمير في قوله {يَخْرُجُ} راجعٌ إلى الطائر وهو العمل، والتقدير: يخرج له عمله يوم القيامة كتابًا، أي في حال كونه كتابًا، وهو منصوب على الحال أي مكتوبًا أو ذا كتابٍ، والفعل على هذا من خرج.
وقرأ الباقون {ونُخْرِجُ لَهُ} بالنون المضمومةً، والراء مكسورةً.
والمراد نُخرج نحن له كتابًا، والمخرج هو الله عز وجل، والكتاب منصوب؛ لأنه مفعولٌ به، والفعل على هذا من أخرج). [الموضح: 751]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {يُلَقَّاهُ} [آية/ 13] بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف:
قرأها ابن عامر وحده.
والوجه أن الفعل من لقيته المضعف العين، وهو الذي يتعدى إلى مفعولين؛ لأنه منقول بالتضعيف من لقي، تقول لقي فلانٌ الشيء ولقيته إياه، فلما بني للمفعول به أُقيم أحد المفعولين مقام الفاعل فنقص منهما مفعولٌ وبقي الفعل متعديًا إلى مفعول واحد وهو الهاء في {يُلَقَّاه}، والمفعول الأول الذي أُقيم مقام الفاعل مستترٌ في الفعل، والتقدير يُلقّى هو إياه، و{مَنْشُورًا} منصوبٌ على الحال.
وقرأ الباقون {يَلْقَاهُ} بفتح الياء وتسكين اللام.
والوجه أنه من لقي الذي يتعدى إلى مفعول واحد، تقول لقي زيدٌ الشيء،
[الموضح: 751]
والهاء ضمير المفعول به، و{منشورًا} حالٌ أيضًا.
وأمال القاف حمزة والكسائي.
والوجه أن الألف منقلبة عن الياء، فحسنت إمالتها لذلك.
والباقون تركوا إمالتها). [الموضح: 752]

قوله تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}

قوله تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)}

قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أمرنا مترفيها)
قرأ يعقوب وخارجة عن نافع (ءامرنا) بألفين، مثل: (ءامنا)، وكذلك حماد بن سلمة عن ابن كثير.
وقرأ الباقون: (أمرنا) مقصورًا مخففا.
وقال أبو العباس ختن ليث: سمعت أبا عمرو يقرأ "أمّرنا) بتشديد الميم.
وروى هدبة عن حماد بن سلمة عن ابن كثير أنه قرأه كذلك.
وقرأ الباقون (أمرنا) بتخفيف الميم وقصر الألف.
[معاني القراءات وعللها: 2/89]
قال أبو منصور: من قرأ (أمرنا) مقصورًا فله وجهان:
أحدهما: أمرناهم بالطاعة ففسقوا فحق عليهم العذاب، وهو كقولك - أمرتك فعصيتني، فقد علم أن المعصية مخالفة الأمر، وكذلك الفسق: الخروج عن أمر الله، والوجه الثاني في (أمرنا) أنه بمعنى: كثرنا مترفيها، يقال آمرهم الله، وأمرهم، أي: كثرهم، وروى عن النبي صلى الله عليه أنه قال: "خير المال سكة مأبورة، أو مهرة مأمورة" وهي كثيرة النتاج - ويقال: أمر بنو فلانٍ يأمرون، إذا كثروا - ومنه قول لبيد:
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا... يومًا يصيروا للهلك والنكد
ومن قرأ (آمرنا) بالمد فلا معنى له إلا أكثرنا، آمر الله ماله فأمر يأمر - وكان أبو عبيدة يقول: أمر الله ماله، وأمره بمعنى واحد.
وقوله (آمرنا مترفيها) يصلح أن يكون في شيئين:
أحدهما: كثرة عدد المترفين،
والآخر: كثير حروثهم وأموالهم.
ومن قرأ (أمّرنا مترفيها) فمعناه: سلطنا مترفيها، أي: جعلنا لهم إمارة وسلطانًا.
وأجود هذه الوجوه (أمرنا) بقصر الألف على التفسير الأول، واللّه أعلم). [معاني القراءات وعللها: 2/90]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {أمرنا مترفيها} [16].
اتفق القراء السبعة على {أمرنا} بالتخفيف وفتح الميم وقصر الألف، وله معنيان: أمرناهم بالطاعة ففسقوا فيها.
وتكون من الكثرة، يقال: أمر بنو فلان إذا كثروا وأمرهم الله فهم مأمورون، وأمرهم فالله مؤمر، وهم مؤمرون.
فأما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير المال: مهرة مأمورة أو سكة مأبورة» فإنه يعني بالمهرة: الكثيرة النتاج، وإنما قيل المأمورة، من أجل
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/365]
المأبورة. والسكة: الطريق من النخيل، والمأبورة: المصلحة الملقحة. ولو انفردت لقيل: مؤمرة، كما يقال: «جاء بالغدايا والعشايا» وغد: لا يجمع على غدايا ولكن لما قارن العشايا أجري لفظه على لفظه ليزدوج الكلام. وقال آخرون: يقال: أمر الشيء وأمره غيره كما يقال: نزحت البئر ونزحتها. وفغرفوه وفغر عن ابن كثير. وإنما ذكرت هذا الحرف؛ لأن خارجة روى عن نافع وحماد ابن سلمة عن ابن كثير {آمرنا مترفيها} بالمد على ما فسرت. وروى ختن ليث عن أبي عمرو {أمرنا متفريها} مثل قراءة أبي عثمان النهدي جعله من الإمارة.
وحدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء قال: قرأ الحسن: {آمرنا مترفيها} بكسر الميم ومد الأليف وهذه رديئة؛ لأن (فعل) لا يتعدى عند أكثر النحويين من أمر؛ لأن أمر لازم إلا أن يجعله لغتين فيعدى أمر كما يعدى أمر فأخبرني ابن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال: لا يجوز أن يكونا أمرنا، الأصل آمرنا فتحذف المدة كما قرأ بعضهم: {ولأمرنهم فليبتكن ءاذان الأنعام}.
وحدثني أحمد بن علي عن أبي عبيد قال: الاختيار {أمرنا مترفيها}
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/366]
لأن المعاني الثلاثة تشتمل عليه، يكون من الأمر ومن الإمارة، ومن الكثرة، أنشدني في أمر الرجل: إذا صار أميرًا -:
كرنبوا ودولبوا
وحيث شئتم فاذهبوا
قد أمر المهلب
أي: صار أميرًا. ومعنى كربنوا، أي: لقحوا نخلكم ودولبوا: أي علقوا دوابيكم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/367]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: ولم يختلفوا في قوله: أمرنا مترفيها [16] أنها خفيفة الميم، إلا ما روى خارجة عن نافع: (آمرنا) ممدودة مثل: آمنا، حدّثني موسى بن إسحاق القاضي قال: حدثنا هارون بن حاتم، قال: حدّثنا أبو العباس ختن ليث قال: سمعت أبا عمرو يقرأ: (أمرنا مترفيها)، مشدّدة الميم.
وروى نصر بن عليّ عن أبيه عن حماد بن سلمة، قال سمعت ابن كثير يقرأ: (آمرنا) ممدودا.
قال أبو عبيدة: (أمّرنا) أي: أكثرنا، يقال: أمر بنو فلان، إذا كثروا، وأنشد للبيد:
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا... يوما يصيروا للقلّ والنّفد
قال: وقال بعضهم أمرنا [مثل أخذنا وهي] في معنى: أكثرنا،
[الحجة للقراء السبعة: 5/91]
قال: وزعم يونس أن أبا عمرو قال: لا يكون في هذا المعنى أمرنا، قال أبو عبيدة: وقد وجدنا تثبيتا لهذه اللغة:
«سكّة مأبورة، ومهرة مأمورة»
. أي: كثيرة الولد. قال: وقال قوم: أمرنا: من الأمر والنهي.
قال أبو علي: لا يخلو قوله: أمرنا فيمن خفّف العين، من أن يكون فعلنا من الأمر، أو من: أمر القوم، وأمرتهم، مثل شترت عينه، وشترتها، ورجع ورجعته، وسار وسرته. فمن لم ير أن يكون أمرنا من أمر القوم، إذا كثروا، كأبي عمرو، فإنّ يونس حكى ذلك عنه، فإنّه ينبغي أن يجعل أمرنا من الأمر الذي هو خلاف النهي، ويكون المعنى أمرناهم بالطاعة فعصوا، وفسقوا. ومن قال: (آمرنا مترفيها) فإنه يكون: أفعلنا، من أمر القوم، إذا كثروا، وآمرهم الله، أي:
أكثرهم. وذلك إن ضاعف فقال: أمّرنا، ونظير ذلك قولهم: سارت الدابة وسيّرتها، وسرتها، وفي التنزيل: هو الذي يسيركم في البر والبحر [يونس/ 22]. وقال لبيد:
لسيّان حرب أو تبوءوا بخزية... وقد يقبل الضّيم الذليل المسيّر
وكما عدّي بتضعيف العين، كذلك يعدّى بالنقل بالهمز، فيكون آمرنا. وزعم الجرميّ أن آمرنا أكثر في اللغة، ومثل أمر وأمرته، سلك وسلكته، وفي التنزيل: كذلك سلكناه في قلوب المجرمين
[الحجة للقراء السبعة: 5/92]
[الحجر/ 12] وما سلككم في سقر [المدثر/ 42] وقال:
حتّى إذا سلكوهم في قتائدة...
ويقوّي حمل أمرنا على النقل من أمر، وإن لا يجعل من الأمر الذي هو خلاف النهي، لأن الأمر بالطاعة على هذا يكون مقصورا على المترفين، وقد أمر الله بطاعته جميع خلقه، من مترف وغيره، ويحمل أمرنا على أنه مثل: آمرنا. ونظير هذا كثر وأكثره الله وكثره، ولا يحمل أمرنا على المعنى: جعلناهم أمراء، لأنه لا يكاد يكون في قرية واحدة عدّة أمراء، فإن قلت: يكون منهم الواحد بعد الواحد، فإنهم إذا كانوا كذلك لا يكثرون في حال، وإنما يهلك الله لكثرة المعاصي في الأرض، وعلى هذا جاء الأمر في التنزيل في قوله: يا عباد الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياى فاعبدون [العنكبوت/ 56] فأمرهم بالهجرة من الأرض التي تكثر فيها المعاصي إلى ما كان بخلاف هذه الصفة.
ومما جاء فيه أمر بمعنى الكثرة قول زهير:
والإثم من شرّ ما يصال به... والبرّ كالغيث نبته أمر
فقوله: أمر: اسم الفاعل من أمر يأمر، وزعموا أن في حرف أبيّ (بعثنا فيها أكابر مجرميها) فهذا يقوي معنى الكثرة). [الحجة للقراء السبعة: 5/93]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي بن أبي طالب عليه السلام [آمَرْنَا] في وزن عَامَرْنا، واختلف عن ابن عباس والحسن وأبي عمرو وأبي العتاهية وقتادة وابن كثير وعاصم والأعرج، وقرأ بها
[المحتسب: 2/15]
ابن أبي إسحاق وأبو رجاء والثقفي وسلام وعبد الله بن أبي يزيد والكلبي.
وقرأ [أمَّرْنا] مشددة الميم، ابن عباس بخلاف، وأبو عثمان النهدي، وأبو العالية بخلاف، وأبو جعفر محمد بن علي -بخلاف- والحسن -بخلاف- وأبو عمرو -بخلاف- والسدي وعاصم، بخلاف.
وقرأ: [أَمِرْنا] بكسر الميم، بوزن عَمِرْنا-الحسن ويحيى بن يعمر.
قال أبو الفتح: يقال: أَمِرَ القومُ إذا كثروا، وقد أَمَرَهُم الله أي: كثَّرهم. وكان أبو علي يستحسن قول الكسائي في قول الله تعالى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} : أي كثيرا، من قول الله: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا}، ومن قولهم: أَمِرَ الشيءُ، إذا كثر. ومنه قولهم: خَيرُ المالِ سكة مأبُورَة، أو مُهْرَةٌ مأمُورة. فالسكّةُ الطريقة من النخل، ومأبورة أي: ملقحة، ومهرة مأمورة أي: مُكثِرةُ النسل.
وكان يجب أن يقال: مُؤْمَرَة لأنه من آمَرَها الله، لكنه أتبعها قوله: مَأبُورَة، كقولهم: إنه ليأتينا بالغَدَايا والعَشَايا. هذا على قول الجماعة إلا ابن الأعرابي وحده؛ فإنه قال: الغَدَايا جمع غَدِيّة، كما أن العشايا جمع عَشِيّة. ولم يكن يرى أن الغدايا ملحقٌ بقولهم: العَشَايا، وأنشد شاهدا لذلك:
ألا ليت حظيّ من زيارة أُمِّيَّهْ ... غَدِيّاتُ قيظ أو عشيّاتُ أَشْتِيَهْ
وقد قالوا أيضا: أمَرَها اللهُ مقصورا خفيفا، بوزن عَمَرَها؛ فيكون مأمُورَة على هذا من هذا، ولا تكون ملحقةً بمأبُورَة.
[المحتسب: 2/16]
وأما [أَمَرَّنَا مُتْرَفِيهَا] فقد يكون منقولا من أمِرَ القومُ أي: كثُروا. كعلِمَ وعلِمْتُه. وسلِمَ وسلمْتُه.
وقد يكون منقولا من أمَرَ الرجل إذا صار أميرا. وأمَرَ علينا فلان: إذ وَلِيَ. وإن شئت كان [أمَّرْنا] كثرنا، وإن شئت من الأمْرِ والإمارة.
فأما [أمِرْنا] فَعِلْنا، بكسر الميم، فأخبرنا أبو إسحاق وإبراهيم بن أحمد القرميسيني عن أبي بكر محمد بن هارون الروباني عن أبي حاتم قال: قال أبو زيد: يقال: أمِرَ اللهُ مالَه وآمَرَه. قال أبو حاتم: ورَوَوْا عن الحسن أن رجلا من المشركين قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أرى أمْرَكَ هذا حقيرًا، فقال عليه السلام: إنه سَيَأْمَرُ أي ينتشر، قال: وقال أبو عمرو: معنى {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا}، أي: أمرناهم بالطاعة، فعصوا. وقال زهير:
والإثمُ من شرِّ ما يصال به ... والبر كالغيث نبتُه أمِرُ
وأنشد أبو زيد، رويناه عنه وعن جماعة غيره:
أمُّ جوارٍ ضنؤها غيرُ أمِرْ ... صهصلقُ الصوتِ بعينها الصبِرْ
وقال لبيد:
إن يُغبَطوا يَهبُطوا وإن أمِرُوا ... يومًا يصيرُوا للْهُلْكِ والنفدِ
ومن بعد فالأمر من أم ر، وهي مُحَادَّةٌ للفظ ع م ر ومساوقة لمعناها، لأن الكثرة أقرب شيء إلى العمارة. وما أكثر وأظهر هذا المذهب في هذه اللغة! ومن تنبه عليه حظي بأطرف الطريف، وأظرف الظريف). [المحتسب: 2/17]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {آمَرْنَا} {آية/ 16] بالمد والتخفيف:
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أنه منقول بالهمزة من أآمر القوم إذا كثروا، وآمرتهم أنا إذا كثرتهم، فهو على أفعلت.
وقرأ الباقون {أَمَرْنَا} بالقصر والتخفيف.
والوجه أنه يجوز أن يكون متعدي أمر فيكون فعل بالفتح متعدي فَعِلَ بالكسر، كما تقول شَتِرَ زيدٌ وشترته أنا.
ويجوز أن يكون من الأمر الذي هو خلاف النهي أي أمرناهم بالطاعة فعصوا.
وعن أبي عمرو {أَمَّرْنَا} بالتشديد.
[الموضح: 752]
والوجه أنه منقولٌ بالتضعيف من أمر إذا كثر، والمراد كثرنا أيضًا، وهو كالقراءة الأولى في المعنى). [الموضح: 753]

قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 صفر 1440هـ/23-10-2018م, 07:04 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الإسراء

[ من الآية (18) إلى الآية (21) ]
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)}

قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)}

قوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)}

قوله تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)}

قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 صفر 1440هـ/23-10-2018م, 07:05 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الإسراء

[ من الآية (22) إلى الآية (27) ]
{لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)}

قوله تعالى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)}

قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إمّا يبلغانّ عندك الكبر (23)
[معاني القراءات وعللها: 2/91]
قرأ حمزة والكسائي (إمّا يبلغانّ عندك) على اثنين، وقرأ الباقون (إمّا يبلغنّ عندك الكبر) على واحد، فالنون مشددة في القراءتين).
قال أبو منصور: من قرأ (إمّا يبلغانّ عندك الكبر) فإنه تثنية يبلغنّ؛ لأن الأبوين قد ذكرا قبله، فصار الفعل على عددهما، ثم قال أحدهما أوكلاهما على استئناف.
ومن قرأ (إما يبلغنّ) جعله فعلاً لأحدهما فكرر عليه (كلاهما) ). [معاني القراءات وعللها: 2/92]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فلا تقل لهما أفٍّ (23)
[معاني القراءات وعللها: 2/90]
قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب (فلا تقل لهما أفّ) - بفتح الفاء، مثل: مدّ - وقرأ نافع وحفص (أفٍّ) منونا، وكذلك قرآ في الأنبياء والأحقاف.
وقرأ الباقون (أفّ) خفضا غير منون.
قال أبو منصور: هذه الوجوه التي قرئ بها كلها جائزة فصيحة، ولا اختلاف بين النحويين في جوازها وصحتها.
وأخبر المنذري بإسناده عن الفراء: في (أف) ست لغات: أفًّا، وأفٍّ، وأفٌّ، وأفّ وأفّ، وأفّ.
فمن قرأ (أفّ) فهو مثل: مدّ.
ومن قرأ (أفٍّ) فهو مثل: صدٍّ ورمحٍ. ومن قرأ (أفّ) فهو مثل: مدّ وغضّ في الأمر.
وقال أبو طالب: قال الأصمعي: الأف: وسخ الأذن - والتّف: وسخ الأظفار، فكان ذلك يقال عند الشيء الذي يستقذر، ثم كثر حتى صاروا يستعملونه عند كل ما يتأذى به.
قال: وقال غيره: (أفّ) معناه - قلة لك و(تفّ) - إتباع، مأخوذ من الأتف، وهو: الشيء القليل). [معاني القراءات وعللها: 2/91]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {ولا تقل لهما أف} [23].
قرأ ابن كثير وابن عامر بفتح الفاء.
وقرأ نافع وحفص عن عاصم بالكسر مع التنوين.
وقرأ الباقون: «أف» بغير تنوين. وهذه كلمة يكني بها عن الكلام القبيح وما يتأفف منه، لأن التف: وسخ الظفر: والأف: وسخ الأذن، وقد جرى مجرى الأصوات فزال الإعراب عنه كقوله (صه) معناه: اسكت، و(مه) معناه: كف، و(هيهات هيهات) معناه: بعيد بعيد، فإذا نونت أردت النكرة سكوتا وكفًا وقبحًا. وإذا لم تنون أردت المعرفة.
فإن قيل: لم جاء حركة الفاء بالضم والفتح والكسر؟.
فقل: لأن حركتها ليست حركة إعراب، وإنما هي لالتقاء الساكنين فيفتح لخفة الفتحة ويضم؛ لأنه يتبع الضم الضم، ويسكر لأن حكم الساكنين إ ذا التقيا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/367]
أن يكسر أحدهما، ومثل مد ومد ومد وينشد هاذ البيت على ثلاثة أوجه:
فغض الطرف إنك من نمير = فلا كعبا بلغت ولا كلابا
غُضَّ، وغُضُّ وغُضِّ. وفي «أف» سبع لغات: أف وأف وأف، وأفًا وأف وأف، وأفي ممال وزاد ابن الانباري: أف مخففة.
وحدثنا علي بن مهروية قال: حدثنا داود بن سليمان الغازي عن علي بن موسى الرضى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد أنه قال: لو علم الله تعالى لفظة أوجز في ترك عقوق الوالدين من «أف» لأتى بها). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/368]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {إما يبلغن عندك الكبر} [23].
قرأ حمزة والكسائي {يبلغن عندك} على الاثنين لذكر الوالدين.
فإن قال قائل فبم ترفع {أحدهما أو كلاهما}؟
ففي ذلك ثلاثة أوجه:
يكون بدلاً من الضمير {يبلغن}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/368]
- ويجوز أن ترفعه بفعل محذوف تقديره: يبلغان عندك الكبر يبلغ أحدهما أو كلاهما.
- ويكون رفعًا على السؤال والتفسير كقوله: {وأسروا النجوى الذين ظلموا}.
وقرأ الباقون: {يبلغن} لأن الفعل إذا تقدم لم يثن ولم يجمع ولا ضمير فيه فيرتفع {أحدهما} بفعله وهو {يبلغن} وينسق {أو كلاهما} على {أحدهما} هذا بين.
فإن سأل سائل: فقال: هل أباح الله أن يقال لهما «أف» قبل أن يبلغا الكبر؟
فالجواب في ذلك: أن الله تعالى قد أوجب على الود لجماعة الوالدين الطاعة في كل حال، وحظر عليه أذاهما، وإنما خص الكبر؛ لأن وقت كبر الوالدين مما يضطر الولد إلى الخدمة إذ كانا محتاجين إليه عند الكبر، والعرب تضرب مثلاً للبار بأبويه فيقولون: «فلان أبر من النسر» وذلك أن النسر إذا كبر ولم ينهض للطيران جاء الفرخ فزقه كما كان أبواه يزقانه، وهذا كقوله: {يكلم الناس في المهد وكهلا}.
إن قال قائل: ما الأعجوبة في {وكهلا} في كلامه وكل الناس يتكلمون إذا اكتهلوا؟
فالجواب في ذلك أن الله تعالى جعل كلام عيسى صلى الله عليه وسلم وهو في المهد
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/369]
صبيًا أعجوبة، وخبر أنه يعيش حتى يكتهل فيتكلم بعد الطفولة، ونحوه قوله: {والأمر يومئذ لله}. وقد علمنا أن الأمر له في الدنيا كما له في الآخرة وإنما خص يوم القيامة، لأن الله تعالى قد ملك الدنيا وزينتها أقواما جعلهم ملوكا وخلفاء، وذلك اليوم لا ملك سواه، ألم تسمع قوله: {لمن الملك اليوم} ثم أجاب بنفسه فقال: {لله الواحد القهار} وهذا بين واضح). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/370]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الفاء وكسرها من قوله: فلا تقل لهما أف والتنوين [23].
فقرأ ابن كثير، وابن عامر (أفّ ولا) بفتح الفاء.
وقرأ نافع: أف ولا بالتنوين، وكذلك في الأنبياء [67] والأحقاف [17] حفص عن عاصم مثله.
وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي (أفّ) خفضا بغير تنوين.
قول ابن كثير: (أفّ ولا) الفاء فيه مبني على الفتح، لأنه وإن كان في الأصل مصدرا في قولهم: أفة وتفة، يراد بها: نتنا وذفرا، قد سمّي الفعل به فبني، وهذا في البناء على الفتح كقولهم: «سرعان ذي إهالة» كما صار اسما لسرع، وكذلك أفّ، لما كان اسما لأتكره وأتفجّر ونحو ذلك، ومثل سرعان قولهم: وشكان ذلك، وأنشد أبو زيد:
لو شكان لو غنيتم وشمتم... بإخوانكم والعزّ لم يتجمّع
ومثل ذلك قولهم: رويد، في أنه سمّي به الفعل فبني ولم يلحق
[الحجة للقراء السبعة: 5/94]
التنوين، إلا أن هذا في الأمر والنهي، وأفّ في الخبر. وقال:
رويد عليّا جدّ ما ثدي أمّهم... إلينا ولكن بغضهم متماين
وقول نافع: أف ولا فإنه في البناء على الكسر مع التنوين مثل (أفّ) في البناء على الفتح، إلا أنه بدخول التنوين دل على التنكير مثل إيه، وصه، ومثله قولهم: فداء لك، فبنوه على الكسر وإن كان في الأصل مصدرا، كما كان أفة في الأصل كذلك، ومن قال: أفّ، ولم ينون جعله معرفة فلم ينوّن، كما أن من قال: صه وغاق فلم ينوّن أراد به المعرفة، فإن قلت: ما موضع أفّ في هذه اللغات بعد القول، هل يكون موضعه نصبا كما ينتصب المفرد بعده، أو كما تكون الجمل؛ فالقول إن موضعه موضع الجمل، كما أنك لو قلت: رويد، لكان موضعه موضع الجمل، وكذلك لو قلت: فدا.
قال أبو الحسن: وقول الذين قالوا: أفّ أكثر وأجود، ولو جاء أفّ لك، وأفّا لك، لاحتمل أمرين: أحدهما أن يكون الذي صار اسما للفعل، لحقه التنوين لعلامة التنكير. والآخر: أن يكون نصبا معربا، وكذلك الضم، فإن لم يكن معه لك كان ضعيفا، ألا ترى أنك لا تقول: ويل حتى توصل به: لك، فيكون في موضع الخبر). [الحجة للقراء السبعة: 5/95]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التوحيد والتثنية من قوله عز وجل: إما يبلغن عندك [الإسراء/ 23].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم وابن عامر: (إمّا يبلغن عندك) على واحد. وقرأ حمزة والكسائي: (يبلغان).
قال أبو علي: (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما) مرتفع بالفعل وقوله: أو كلاهما معطوف عليه. والذكر الذي عاد من قوله (أحدهما) يغني عن إثبات علامة الضمير في (يبلغان) فلا وجه لمن قال: إن الوجه ثبات الألف لتقديم ذكر الوالدين. ووجه ذلك أنه على الشيء الذي يذكر على وجه التوكيد، ولو لم يذكر لم يقع بترك ذكره إخلال نحو قوله: أموات غير أحياء [النحل/ 21] وقوله: غير أحياء توكيد، لأن قوله أموات قد دلّ عليه). [الحجة للقراء السبعة: 5/96]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي السمال: [أُفُّ] مضمومة غير منونة، وقرأ: [أُفَ] خفيفة -ابن عباس. قال هارون النحوي: ويقرأ: [أَفٌّ]، ولو قرئت [أَفًّا] لكان جائزا، ولكن ليس في الكتاب ألف.
قال أبو الفتح: فيها ثماني لغات: أُفِّ، وأُفٍّ، وأُفَّ، وأُفًّا، وأُفُّ، وأُفٌّ، وأُفى, ممال. وهي التي يقول لها العامة: أُفِّي، بالياء. وأُفْ خفيفة ساكنة.
وأما [أُفَ] خفيفة مفتوحة فقياسها قياس ربَ خفيفة مفتوحة، وكان قياسها إذا خففت أن يسكن آخرها؛ لأنه لم يلتق فيها ساكنان فتحرك، لكنهم بقَّوا الحركة مع التخفيف أمارة ودلالة على أنها قد كانت مثقلة مفتوحة، كما قال: لا أكلمك حِيرِي دهر، فأسكن الياء في موضع النصب في غير ضرورة شعر، لأنه أراد التشديد في حيري دهر، فكما أنه لو أدغم الياء الأولى في الثانية لم تكن إلا ساكنة فكذلك إذا حذف الثانية تخفيفا أقر الأولى على سكونها دلالة وتنبيها على إرادة الإدغام الذي لابد معه من سكون الأولى.
هذا هنا كذاك ثمة، وقد مر بنا مما أريد غير ظاهره، فجعل كأنه هو المراد به -كثير نحو من عشرة أشياء، وفي هذا مع ما نحن عليه من الإنجاز وتنكب الإكثار كاف بإذن الله). [المحتسب: 2/18]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وقضى ربك ألا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحسانا إمّا يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ}
قرأ حمزة والكسائيّ (إمّا يبلغان) على الاثنين وحجتهما أن الوالدين تقدم ذكرهما في قوله تعالى {وبالوالدين إحسانا} فأخرجا الفعل على عددهما مثنى فإن قيل فبم يرتفع {أحدهما أو كلاهما} قيل في ذلك وجهان أحدهما أن يكون بدلا من الضّمير في يبلغان والوجه الآخر أن يرفعه بفعل مجدد تقديره إمّا يبلغان عندك الكبر يبلغه أحدهما أو كلاهما
وقرأ الباقون {إمّا يبلغن} على واحد وحجتهم أن الفعل إذا تقدم لم يثن ولم يجمع ويرتفع {أحدهما} بفعله وهو {يبلغن}
قرأ ابن كثير وابن عامر {أفٍّ} بفتح الفاء وقرأ نافع وحفص أفٍّ بالتّنوين وقرأ الباقون {أفٍّ} خفضا بغير تنوين
قال أبو عبيد من خفض بغير تنوين قال إنّما يحتاج إلى تنوين في الأصوات النّاقصة الّتي على حرفين مثل مه وصه لأنّها قلت فتمموها بالنّون وأف على ثلاثة أحرف قالوا فما حاجتنا إلى التّنوين ولكنّا إنّما خفضنا لئلّا نجمع بين ساكنين ومن قرأ أفٍّ بالفتح فهو
[حجة القراءات: 399]
مبنيّ على الفتح وإنّما بني على الفتح لالتقاء الساكنين والفتح مع التّضعيف حسن لخفة الفتحة وثقل التّضعيف ومن نون {أفٍّ} فإنّه في البناء على الكسر مع التّنوين مثل البناء على الفتح إلّا أنه بدخول التّنوين دلّ على التنكير مثل صه ومه
وقال الزّجاج {أفٍّ} غير متمكن بمنزلة الأصوات فإذا لم ينون فهو معرفة وإذا نون فهو نكرة بمنزلة غاق وعاق في الصّوت وهذه الكلمة يكني بها عن الكلام القبيح لأن الأف وسخ الأظفار والتف الشّيء الحقير). [حجة القراءات: 400]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (4- قوله: {إما يبلغن عندك} قرأه حمزة والكسائي بألف ونون مكسورة مشددة، بعد الألف وقرأ الباقون بنون مشددة مفتوحة، من غير ألف قبلها.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/43]
وحجة من قرأ بألف أنه ثنى الفعل، لتقدم ذكر الوالدين، وأعاد الضمير في أحدهما على طريق التأكيد، كما قال: {أموات غير أحياء} «النحل 21»، ويجوز أن يكون وقعت التثنية في هذا الفعل على لغة من رأى ذلك من العرب يثنون الفعل، وهو متقدم، كما ثبتت علامة التأنيث في الفعل، وهو متقدم ويجوز أن يكون وقعت التثنية في «يبلغن» لتقدم ذكر الوالدين ثم أبدل أحدهما أو كلاهما من الضمير في «يبلغن».
5- وحجة من قرأ بغير ألف أنه لما رأى الفعل متقدمًا قد رفع أحدهما أو كلاهما وحده على الأصول في تقدم الفعل، واستغنى بلفظ التثنية عن تثنية لفظ الفعل، وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/44]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {فلا تقل لهما أف} قرأ نافع وحفص بكسر الفاء والتنوين، وقرأ ابن كثير وابن عامر بفتح الفاء، من غير تنوين، وقرأ الباقون بكسر الفاء، من غير تنوين وهي لغات كلها، وأصل {أف} المصدر من قوله: أفه وتفه، أي: تتنا ودفرا، وهو اسم سمي به الفعل، فنبي على فتح أو على كسر أو على ضم، منون وغير منون، ذلك جائز فيه لأن فيه لغات مشهورة، فمن نونه قدَّر فيه التنكير، ومن لم ينونه قدر فيه التعريف، ومعناه: لا يقع منك لهما تكره وتطجر، وموضع {أف} نصب بالقول، كما تقول: لا تقل لهما شتما). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/44]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {إِمَّا يَبْلُغَانِّ} [آية/ 23] بالألف، مكسورة النون:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه فعلٌ مثنى دخل عليه نون التأكيد الثقيلة، فكسرت كما كسرت نون التثنية، والألف في {يَبْلُغَانِّ} ضمير الوالدين اللذين تقدم ذكرهما، و{أَحَدُهُمَا} بدل من الضمير، وقوله {كِلاهُما} عطف على {أَحَدُهُمَا}.
والفائدة في هذا البدل والعطف عليه الإبانة عن أن هذا الحكم وهو نفي التأفيف يثبت لأحدهما على الانفراد، وليس يتوقف إلى بلوغهما جميعًا الكبر.
وقرأ الباقون {يَبْلُغَنَّ} بغير ألف على الوحدة، والنون مفتوحةٌ، ولم يختلفوا في تشديد النون.
والوجه أنه فعلٌ لفاعلٍ مفردٍ هو {أحدُهُما} وليس للوالدين، فلهذا وحَّد الضمير، والنون فيه للتأكيد دخلت على فعل الواحد، فلهذا فُتحت). [الموضح: 753]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفَّ} [آية/ 23] بالفتح غير منونٍ:
قرأها ابن كثير وابن عامر ويعقوب.
والوجه أنه مبني على الفتح، بُني لأنه اسمٌ للفعل، ومعناه أتكره وأتضجّر، وفُتح للخفة، كما قالوا رويد وشتان.
وقرأ نافعٌ و-ص- عن عاصم {أُفٍّ} بالكسر والتنوين.
والوجه أنه مبني على الكسر؛ لأنه الأصل في التقاء الساكنين، وألحقوا به التنوين ليدل على التنكير نحو: إيهٍ وصهٍ إذا أرادوا بهما التنكير.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم ياش- {أُفِّ} بالكسر من غير تنوين. وكذلك اختلافهم في سورة الأنبياء.
والوجه في كسر {أُفِّ} بغير تنوين، أنه مبنيٌّ على الأصل في حركة التقاء الساكنين، ولم يُنون؛ لأنهم جعلوه معرفةً، كما قالوا غاق وصه إذا أرادوا التعريف). [الموضح: 754]

قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس وعروة بن الزبير في جماعة غيرهما: [جَنَاحَ الذِّلِّ].
قال أبو الفتح: الذِّلِّ في الدابة: ضد الصعوبة، والذُّلِّ للإنسان، وهو ضد العز. وكأنهم اختاروا للفصل بينهما الضمة للإنسان والكسرة للدابة؛ لأن ما يلحق الإنسان أكبر قدرا مما يحلق الدابة، واختاروا الضمة لقوتها للإنسان، والكسرة لضعفها للدابة. ولا تستنكر مثل هذا ولا تنبُ عنه؛ فإنه من عَرَفَ أَنِسَ، ومن جَهِلَ استوحش. وقد مر من هذا ما لا يحصى كثرة.
[المحتسب: 2/18]
من ذلك قولهم: حلا الشيء في فمي يحلو، وحلي بعيني، فاختاروا البناء للفعل على فَعَل فيما كان لحاسة الذوق؛ لتظهر فيه الواو، وعلى فَعِل في حَلِي يحلَى لتظهر الياء والألف، وهما خفيفتان ضعيفتان إلى الواو؛ لأن [لو كان حس لكان أشبه] حصة الناظر أضعف من حس الذوق بالفم. وقالوا أيضا: جُمامُ المكوك دقيقا وجِمام القدح ماء؛ وذلك لأن الماء لا يصح أن يعلو على رأس القدح كما يعلو الدقيق ونحوه على رأس المكوك؛ فجعلوا الضمة لقوتها فيما يكثر حجمه، والكسرة لضعفها فيما يقل بل يعدم ارتفاعه.
وقالوا: النضح بالحاء غير معجمة للماء السخيف يخف أثره، وقالوا: النضخ بالخاء لما يقوَى أثره فيبُل الثوب ونحوه بللا ظاهرا؛ وذلك لأن الخاء أوفى صوتا من الحاء. ألا ترى إلى غلظ الخاء ورقة الحاء؟ وقد ثبت في كتاب الخصائص من هذا الضرب ونحوه وما جرى مجراه وأحاط به شيء كثير. وقد قال شاعرنا:
وكم من عائبٍ قولا صحيحا ... وآفته من الفهمِ السقيم
ولكن تأخذُ الأذهانُ منه ... على قدرِ القرائحِ والعلومِ). [المحتسب: 2/19]

قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)}

قوله تعالى: {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)}

قوله تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 صفر 1440هـ/23-10-2018م, 07:07 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الإسراء

[ من الآية (28) إلى الآية (33) ]
{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)}

قوله تعالى: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)}

قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)}

قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)}

قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ قتلهم كان خطئًا كبيرًا (31)
قرأ ابن كثير (خطاءً) مكسورة الخاء، ممدودةً، مفتوحة الطاء: وقرأ ابن عامر (خطأً) مقصورًا، مهموزًا، وكذلك روى شبل عن ابن كثير، فيما روى عبيد عن شبل.
وقرأ الباقون (خطئًا) بكسر الخاء، وسكون الطاء، والقصر، على (فعلاً)
قال أبو منصور: أما قراءة ابن كثير (خطاءً) بكسر الخاء والمد فهو مصدر خاطأ يخاطئ خطاء، على (فعالاً)، وجائز أن يكون بمعنى؟ خطئ، أي: أثم.
وأما قراءة ابن عامر (خطأً) بالهمز والقصر وفتح الخاء، فالخطأ اسم من أخطأ يخطئ إخطاء، والاسم يقوم مقام المصدر الحقيقي.
وقال الزجاج: قد يكون (خطأ) من خطئ يخطأ خطأ إذا لم يصب.
[معاني القراءات وعللها: 2/92]
قال: وقد روى لابن كثير (خطأ).
وأما من قرأ (خطئًا) بكسر الخاء وسكون الطاء على (فعلاً) فهي القراءة الجيدة.
يقال: خطئ الرجل يخطأ خطأ، أي: أثم يأثم إثما.
والفرق بين الخطأ والخطئ أن: الخطأ ما لم يتعمد من الذنب.
والخطئ: ما تعمّد.
وأنشد غير واحد:
عبادك يخطون وأنت رب... كريم لا تليق بك الذموم
وقال أبو إسحاق: من قرأ (خطأ كبيرا) فله تأويلان:
أحدهما: معناه أن قتلهم كان غير صواب، يقال: أخطأ يخطئ إخطاء وخطأ. والخطأ: الاسم من هذا لا المصدر.
وقد يكون (الخطأ) من خطى، يخطأ خطأ مثل لجج يلجج لججا، إذا لم يصب، وأنشد:
والناس يلحون الأمير إذا هم... خطئوا الصواب ولا يلام المرشد). [معاني القراءات وعللها: 2/93]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {إن قتلهم كان خطئا كبيرا} [31].
قرأ ابن عامر وحده برواية ابن ذكوان {كان خطأ كبيرا} بفتح الخاء والهمز والطاء.
وقرأ ابن كثير بكسر الخاء والمد.
وقرأ الباقون {خطا} بكسر الخاء وجزم الطاء مقصورًا، وهو الاختيار؛ لأن العرب تقول: خطئ زيد يخطأ خطأ فهو خاطئ مثل أثم يأثم إثمًا فهو آثم، قال الشاعر:
عبادك يخطئون وأنت رب = بكفيك المنايا لا تموت
ومن ذلك قوله في الحديث: «يا خاطئ ابن الخاطئ» وقال آخر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/370]
وإن مهاجرين تكنفاه = غداة إذ لقد خطئا وخابا
ومعنى {خطئا كبيرا} أي: إثما كبيرا.
وأما قراءة ابن عامر {أنه كان خطأ} فهو ضد العمد كقوله: {أن
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/371]
يقتل مؤمنًا إلا خطا}. قال الفراء: قد يجوز أن يكون الخطا بمعنى الخطأ كما تقول: قتب وقتب وبدل وبدل و{خطاء} على قراءة ابن كثير فعال من الخطأ أيضًا، مثل الصيام والقيام، والخطيئة من ذلك.
فأما قراءة أبي جعفر فجعله مصدرًا خطئ خطأ مثل شرب شربا وأنشد بعضهم:
والناس يلحون الأمير إذا هم = خطئوا الصواب ولا يلام المرشد
قال: خطئوا بمعنى الخطأ ها هنا، وأخبرني ابن دريد عن أبي حاتم قال: مكان مخطوء فيه من خطئت، ومكان مخطأ فيه من أخطأ يخطئ، ومكان مخطو فيه بغير همز من تخطي الناس يتخطى تخطيًا، ومن همز تخطأت الناس فقد غلط). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/372]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جل وعز: خطئا كبيرا [31].
فقرأ ابن كثير: (خطاءا كبيرا)، مكسورة الخاء، ممدودة مهموزة وقرأ ابن عامر: (خطأ) بنصب الخاء. والطاء وبالهمز من غير مدّ.
وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: خطأ مكسورة الخاء ساكنة الطاء مهموز مقصور.
وروى عبيد عن شبل عن ابن كثير خطأ مثل أبي عمرو.
قول ابن كثير: (خطاءا كبيرا)، يجوز أن يكون مصدر خاطأ،
[الحجة للقراء السبعة: 5/96]
وإن لم يسمع خاطأ، ولكن قد جاء ما يدل عليه. وذلك أن أبا عبيدة أنشد:
تخاطأت النّبل أحشاءه وأنشد محمد بن السّري في وصف كمأة:
وأشعث قد ناولته أحرش القرى أربّت عليه المدجنات الهواضب تخاطأه القعّاص حتى وجدته وخرطومه في منقع الماء راسب فتخاطأت يدلّ على خاطأ لأن تفاعل مطاوع فاعل كما أن تفعل مطاوع فعل.
وقول ابن عامر: (خطأ) فإن الخطأ ما لم يتعمّد، وما كان المأثم فيه موضوعا عن فاعله، وقد قالوا: أخطأ في معنى خطئ، كما أن خطئ في معنى أخطأ، وقال:
عبادك يخطئون وأنت ربّ... كريم لا تليق بك الذموم
ففحوى الكلام أنهم خاطئون، وفي التنزيل: لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [البقرة/ 286] فالمؤاخذة عن المخطئ موضوع، فهذا
[الحجة للقراء السبعة: 5/97]
يدلّ على أن أخطأنا في معنى خطئنا، وكما جاء أخطأ في معنى خطئ، كذلك جاء خطئ في معنى أخطأ في قوله:
يا لهف نفسي إذ خطئن كاهلا وفي قول الآخر:
والناس يحلون الأمير إذا هم... خطئوا الصواب ولا يلام المرشد
أي: أخطئوه. فكذلك قول ابن عامر: خطأ في معنى خطئا جاء الخطأ في معنى الخطء، كما جاء خطئ في معنى الخطأ.
ووجه قول من قرأ: خطأ بيّن، يقال: خطئ يخطأ خطئا: إذا تعمد الشيء، حكاه الأصمعى، والفاعل منه خاطئ، وقد جاء الوعيد فيه في قوله عز وجل: لا يأكله إلا الخاطئون [الحاقة/ 37] ويجوز في قول ابن عامر أن يكون الخطأ لغة في الخطء. مثل: المثل والمثل، والشّبه والشّبه، والبدل والبدل. وقال أبو الحسن: هذا خطاء من رأيك. فيمكن أن يكون خطاء لغة فيه أيضا). [الحجة للقراء السبعة: 5/98]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [خَطَاءً]، بخلاف.
وقرأ: [خَطًا] غير ممدود، والخاء منصوبة خفيفة- الحسن، بخلاف.
وقرأ: [خِطًا] -بكسر الخاء غير ممدود- أبو رجاء والزهري.
وقرأ: [خَطْئًا] -في وزن خَطْعًا- ابن عامر، بخلاف.
[المحتسب: 2/19]
قال أبو الفتح: أما [خَطَاءً] فاسم بمعنى المصدر، والمصدر من أخطأت: إخْطاءً، والخطاءُ من أخطأْت كالعطاء من أعطيْتُ. ويقال: خطِيَ يخطأ خِطْئًا وخَطَأً، هذا في الدين، وأخطأت الغرض ونحوه. وقد يتداخلان فيقال: أخطأتُ في الدينِ، وخَطِئْتُ في الرأي ونحوه. قال:
ذرِيني إنما خطئي وصَوْبِي ... علي وإن ما أهلكتُ مال
وقال عبيد:
والناس يلحوْنَ الأميرَ إذا همُ ... خطِئُوا الصوابَ ولا يُلام المرشد
وقال في الدين أمية:
عبادك يخَطَئُون وأنتَ ربٌّ ... بكفَيْكَ المنايا والحُتُوم
وأما [خَطًا] و[خِطًا] فتخفيف خَطْئًا وخِطْئًا على القياس). [المحتسب: 2/20]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن قتلهم كان خطأ كبيرا}
قرأ ابن عامر {إن قتلهم كان خطأ كبيرا} بفتح الخاء والطاء وهو ضد العمد وحجته قوله {أن يقتل مؤمنا إلّا خطأ}
قال الزّجاج خطأ له تأويلات احدها معناه إن قتلهم كان غير صواب يقال أخطأ يخطئ إخطاء وخطأ والخطأ الاسم من هذا لا المصدر وقد يكون الخطأ من خطئ يخطأ خطأ إذا لم يصب مثل فزع يفزع فزعًا
قرأ ابن كثير (خطاء) بكسر الخاء وفتح الطّاء وهو مصدر
[حجة القراءات: 400]
خطئ يخطأ {خطأ} وخطاء إذا لم يصب كما تقول سفد الطّائر يسفد سفادا
وقرأ الباقون خطأ بكسر الخاء وإسكان الطّاء معناه إثمًا كبيرا وهو مصدر ل خطئ الرجل يخطأ خطئا مثل أثم يأثم إثمًا فهو آثم قال الشّاعر:
عبادك يخطؤون وأنت رب ... بكفيك المنايا لا تموت
والفاعل منه خاطئ وقد جاء الوعيد فيه في قوله تعالى {لا يأكله إلّا الخاطئون} أي الآثمون). [حجة القراءات: 401]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (7- قوله: {كان خطئًا} قرأ ابن كثير بكسر الخاء والمد، وقرأ ابن ذكوان بفتح الخاء والطاء، من غير مد، وقرأ الباقون بكسر الخاء وإسكان الطاء، من غير مد، وكلهم نون وهمز.
وحجة من كسر الخاء ومد أنه جعله مصدر «خاطأ خطاء» مثل «قاتل قتالا» وهو قليل في الاستعمال، لم يستعمل «خاطأ» إنما استعمل مطاوعة، وهو «تخاطأ» فإنما أجراه من كسر الخاء، ومد على مصدر ما قد استعمل مطاوعه فإن لم يستعمل هو ففيه بعد لهذا.
8- وحجة من فتح الخاء والطاء ولم يمد أنه جعله مصدر «خطئ» إذا تعمد، يقال: «خطئ خطأ فهو خاطئ» إذا تعمد، والمشهور في مصدر خطئ الخطء، ويقال: أخطأ يخطئ فهو مخطئ إذا لم يتعمد، ومنه قوله: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} «الأحزاب 5» ألا ترى أن بعده: {ولكن ما تعمدت قلوبكم}، فدل ذلك على أن «أخطأ» يستعمل في غير التعمد إلا أنه قد استعمل «أخطأ» في موضع «خطئ» «وخطئ» في موضع «أخطأ» ومن ذلك قوله تعالى: {إن نسينا أو أخطأنا} «البقرة 286» فـ {أخطأنا} في موضع «خطئنا» لأنهم لم يسألوا المغفرة إلا فيما تعمدوا، فأما ما لم يتعمدوا فهو محمول عنهم، لا يحتاجون أن يسألوا المغفرة منه، لقوله: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} الآية.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/45]
9- وحجة من كسر الخاء وأسكن الطاء ولم يمد أنه المشهور المستعمل في مصدر «خطئ» إذا تعمد، وهو الاختيار؛ لأنه الأصل، ولأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/46]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {خِطَاءً} [آية/ 31] مكسورة الخاء، ممدودة:
قرأها ابن كثير وحده.
والوجه أنه مصدر خاطأ على فاعل، وهو غير مسموع إلا أنه قد جاء مطاوعه وهو تخاطأ على تفاعل، قال الشاعر:
77- تخاطأه القناص حتى وجدته = وخرطومه في منقع الماء راسب
فإذا جاء تخاطأ حصل منه خاطأ وإن لم يُستعمل؛ لأن تفاعل مبنيٌّ على فاعل، فقراءة ابن كثير {خِطَاءً} مصدرٌ منه.
وقرأ ابن عامر {خطأً} مفتوحة الخاء والطاء مقصورة.
والوجه أنه اسمٌ لما لم يتعمد، وهو كالإخطاء، يقال أخطأ يُخطئ إخطاءً وخطأً، فالخطأ الاسم، والإخطاء المصدر.
وقرأ الباقون {خِطْأً} مكسورة الخاء ساكنة الطاء غير ممدودة.
والوجه أنه اسم لما يتعمد.
ويجوز أن يكون مصدرًا، والفعل منه خطئ يخطأ خطأً، إذا تعمد، والفاعل خاطئٌ.
[الموضح: 755]
وقيل إن الخطأ بفتح الطاء قد جاء أيضًا بمعنى الخطأ، كما قالوا مثْلٌ ومثَل وشبْهٌ وشبَهٌ، والفعل منهما خطئ بالكسر، حكاه الزجاج). [الموضح: 756]

قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)}

قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فلا يسرف في القتل (33)
[معاني القراءات وعللها: 2/93]
قرأ حمزة والكسائي وابن عامر (فلا تسرف) بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ (فلا تسرف) فهو مخاطبة، ومن قرأ (فلا يسرف) فهو نهي للغائب، والفاء مجزومة على كل حال.
والإسراف: أن تقتل غير قاتل صاحبه). [معاني القراءات وعللها: 2/94]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {فلا يسرف في القتل} [33].
قرأ حمزة والكسائي {فلا تسرف} بالتاء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/372]
وقرأ الباقون بالياء.
فحجة الأولين: قراءة أُبَيٍّ {فلا تسرفوا في القتل}: وحجة من قرأ بالياء قال: لأن ذكر الولي قد تقدم قبل هذا معناه: فلا يسرف الولي في القتل إن الولي كان منصورًا.
ومعنى الإسراف: مجاوزة الحد إذا قتل الرجل الرجل فأراد الولي قتل القاتل لم يمثل به). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/373]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله: (فلا تسرف في القتل) [33].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم: فلا يسرف بالياء جزما.
[الحجة للقراء السبعة: 5/98]
وقرأ حمزة وابن عامر والكسائي بالتاء جزما.
قوله: فلا يسرف في القتل: فاعل يسرف يجوز أن يكون أحد شيئين:
أحدهما: أن يكون القاتل الأول فيكون التقدير: فلا يسرف القاتل في القتل، وجاز أن يضمر، وإن لم يجر له ذكر، لأن الحال يدل عليه. فإن قلت: أمر بأن لا يسرف في القتل، والإسراف: مجاوزة الاقتصاد، بدلالة قوله: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما [الفرقان/ 67] أي: كان قصدا بين السرف وأن يقتر، ولا يكون في القتل قصد بين شيئين كما كان ذلك في الإنفاق، قيل: لا يمتنع أن يكون فيه الإسراف كما جاء في أموال اليتامى: ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا [النساء/ 6] ولم يجز أن يأكل منه على الاقتصاد ولا على غيره. لقوله إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا [النساء/ 10] وقال: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن [الإسراء/ 34] فحظر كل مال اليتيم حظرا عاما على جميع الوجوه، فكذلك لا يمتنع أن يقال للقاتل الأول: لا تسرف في القتل، لأنه يكون لقتله مسرفا، ويدلّ على جواز وقوع الإسراف عليه قوله: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم [الزمر/ 53] والقاتل يدخل في هذا في قوله: إنه كان منصورا، لقوله: ومن قتل مظلوما تقديره: فلا يسرف القاتل المبتدئ في القتل، لأنّ من قتل مظلوما كان منصورا كأن يقتصّ له وليّه أو السلطان إن لم يكن له وليّ
[الحجة للقراء السبعة: 5/99]
غيره، ليكون هذا ردعا للقاتل عن القتل. كما أن قوله: ولكم في القصاص حياة [البقرة/ 179] كذلك، فالوليّ إذا اقتصّ فإنما يقتصّ للمقتول، ومنه انتقل إلى الوليّ بدلالة أن المقتول لو أنّه أبرأ من السبب المؤدّى إلى القتل لم يكن للولي أن يقتص، ولو صالح الوليّ من العمد على مال، كان للمقتول أن يؤدّي منه ديته، ولا يمتنع أن يقال في المقتول: منصور، لأنّه قد جاء: ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا [الأنبياء/ 77].
والآخر: أن يكون في (يسرف) ضمير الولي فلا يسرف الولي في القتل، وإسرافه فيه: أن يقتل غير من قتل، أو يقتل أكثر من قاتل وليه، وكان مشركوا العرب يفعلون ذلك، والتقدير: فلا يسرف الوليّ في القتل، إن الولي كان منصورا بقتل قاتل وليّه، والاقتصاص من القاتل.
ومن قرأ: (فلا تسرف) بالتاء، احتمل أيضا وجهين:
أحدهما: أن يكون المبتدئ القاتل ظلما، فقيل له: لا تسرف أيها الإنسان فتقتل ظلما من ليس لك قتله، إن من قتل ظلما كان منصورا بأخذ القصاص له.
والآخر: أن يكون الخطاب للوليّ فيكون التقدير: لا تسرف في القتل أيها الوليّ، فتعدّى قاتل وليّك إلى من لم يقتله، إن المقتول ظلما كان منصورا، وكلّ واحد من المقتول ظلما. ومن وليّ المقتول قد تقدّم ذكره في قوله: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا [الإسراء/ 33]). [الحجة للقراء السبعة: 5/100]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي مسلم صاحب الدولة: [فَلا يُسْرِفُ فِي الْقَتْلِ].
قال أبو الفتح: رفع هذا على لفظ الخبر بمعنى الأمر، كقولهم: يرحمُ الله زيدًا، فهذا لفظ الخبر، ومعناه الدعاء. أي: ليرحَمْهُ اللهُ، ومثله قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ}، أي: ليتربصْنَ. وإن شئت كان معناه دون الأمر، أي ينبغي ألا يسرفَ، وينبغي أن يتربصْنَ. وعليه قولُه:
[المحتسب: 2/20]
على الحكم المأتِيّ يوما إذا قضى ... قضيّته ألا يجورَ ويقصِدُ
فرفعه على الاستئناف، ومعناه ينبغي أن يقصد). [المحتسب: 2/21]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا فلا يسرف في القتل إنّه كان منصورا}
قرأ حمزة والكسائيّ (فلا تسرف في القتل) بالتّاء على الخطاب للنّبي صلى الله عليه وسلم والمراد به هو والأئمّة من بعده يقول لا تقتل بالمقتول ظلما غير قاتله وحجتهما أنّها في حرف عبد الله (فلا تسرفوا في القتل) فدلّ هذا على أن ذلك وجه النّهي للمواجهة
وقرأ الباقون {فلا يسرف} بالياء وحجتهم أن هذا الكلام أتى عقيب خبر عن غائب وهو قوله {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا} فكأنّه قال فلا يسرف الوليّ في القتل وفاعل {يسرف} يجوز أن يكون أحد شيئين أحدهما أن يكون القاتل الأول كذا قال مجاهد ويكون التّقدير فلا يسرف القاتل في القتل فيكون بقتله مسرفًا والآخر أن يكون في {يسرف} ضمير الوليّ أي فلا يسرف الوليّ في القتل والإسراف في القتل قد اختلف فيه قال أكثر النّاس الإسراف أن يقتل غير قاتل صاحبه وقيل الإسراف أن يقتل هو القاتل دون السّلطان وقيل أن يقتل جماعة بواحد). [حجة القراءات: 402]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {فلا يُسرف في القتل} قرأه حمزة والكسائي بالتاء، جعلاه خطابًا للقاتل لا يتعدى فيقتل أحد ظلمًا، وأعلم أن من قتل ظلمًا، فدمه منصور، يؤخذ له القصاص، ويجوز أن يكون الخطاب للولي، على معنى: لا تقتل أيها الولي غير قاتل وليك، وقيل معناه: لا تمثل أيها الولي بمن قتل وليك، بل اقتل مثل قتله وليك، وقيل المعنى: لا تقتل أيها الولي بعد أخذك الدية من القتل، وقرأ الباقون بالياء، جعلوه نهيًا للولي على المعاني التي ذكرنا، ويجوز أن يكون النهي للقاتل، نهي أن يقتل من لا يجب له قتله، واعلم أن المقتول منصور دمه، وجاز إضمار القاتل في القراءتين، ولم يجز له ذكر، لأن الكلام دل عليه لذكر القتل، وحسن إضمار المقتول؛ لأن القتل دل عليه أيضًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/46]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {فَلَا تُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [آية/ 33] بالتاء:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه على خطاب المبتدئ بالقتل أو الولي، كأنه قال لا تُسرف أيها المبتدئ بالقتل أو يا أيها الولي، ومعنى قوله {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} أن المقتول ظلمًا كان منصورًا بأخذ القصاص له.
وقرأ الباقون {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} (بالياء).
والوجه أن الضمير يجوز أن يعود إلى القاتل ابتداءً، والتقدير: فلا يسرف القاتل في القتل، وجاز إسناد الفعل إليه وإن لم يَجْرِ له ذكرٌ؛ لأن الحال تدل عليه، وإسرافه أنه قاتلٌ ظلمًا، والضمير في {كَانَ مَنْصُورًا} يعود إلى من قُتل مظلومًا كما سبق.
ويجوز أن يكون الضمير في {يُسْرِفْ} عائدًا إلى الولي المذكور في قوله
[الموضح: 756]
{فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا}، وإسرافه أنه يقتل غير من قتل أو يقتل أكثر من القاتل). [الموضح: 757]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 صفر 1440هـ/23-10-2018م, 09:29 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الإسراء

[ من الآية (34) إلى الآية (39) ]
{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)}

قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)}

قوله تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وزنوا بالقسطاس (35)
قرأ حمزة وحفص والكسائي (بالقسطاس) بكسر القاف، ومثله في الشعراء.
وقرأ الباقون بضم القاف في السورتين.
قال أبو منصور: هما لغتان معروفتان، وقيل: القسطاس: هو القرسطون وقيل: هو القفّان، وقيل: القسطاس: هو ميزان العدل، أيّ ميزانٍ كان من موازين الدراهم أو غيرها). [معاني القراءات وعللها: 2/94]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {وزنوا بالقسطاس المستقيم} [35].
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بكسر القاف.
وقرأ الباقون بالضم، وهما لغتان، غير أن الضم أفصح؛ لأنها حجازية. ومعناه: الميزان العدل.
وقال آخرون: القسطاس بالرومية تكلمت العرب بها وهو القرسطون. وقال آخرون: هو الشاهين.
وفيها قراءة ثالثة: روى الأعمش عن أبي بكر عن عاصم: {وزنوا بالقصطاس} الحرف الأول بالصاد، فإن صح هذا فإنما قُلبت السين صادًا لمجيء الطاء بعدها كما قرئ {الصراط} والأصل: السراط، وقد مرت علة ذلك في (أم القرآن) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/373]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضم القاف وكسرها من قوله عز وجل: بالقسطاس [الإسراء/ 35].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: (بالقسطاس) بضم القاف. وفي الشعراء [182] مثله.
حفص عن عاصم بالقسطاس كسرا.
وقرأ حمزة والكسائي بكسر القاف فيهما جميعا.
قال: القسطاس والقسطاس لغتان، ومثله القرطاس والقرطاس.
قال أبو الحسن: الضمّ في القسطاس أكثر. وهذا كقوله: وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان [الرحمن/ 9]، وكقوله: الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون [المطففين/ 2، 3] وكقوله: ولا تنقصوا المكيال والميزان [هود/ 84] والوعيد في البخس في المكيال والميزان إنما يلحق من نقص أو بخس ما يتقارب بين الكيلين والوزنين، فأمّا ما لا يتقارب من الزيادة والنقصان بينهما فهو إن شاء الله موضوع، لأن ذلك لا يخلو الناس منه، فليس عليهم إلا الاجتهاد في الإيفاء. وكذلك جاء في الأنعام لما ذكرهما لا نكلف نفسا إلا وسعها [الأنعام/ 152] إنما عليه الاجتهاد في تحرّيه الإيفاء وقصده له، وأما ما لا يضبط فموضوع عنه، لأنه لم يكلّف في ذلك إلا الوسع). [الحجة للقراء السبعة: 5/101]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا}
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {وزنوا بالقسطاس} بكسر القاف وقرأ الباقون بالضّمّ وهما لغتان مثل القرطاس والقرطاس). [حجة القراءات: 402]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (11- قوله: {بالقسطاس} قرأه حفص والكسائي بكسر القاف، وقرأ الباقون بالضم، وهما لغتان فاشيتان، ومثله في الشعراء، وقال الأخفش: الضم فيه أكثر، وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/46]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {بِالْقِسْطَاسِ} [آية/ 35] بكسر القاف:
قرأها حمزة والكسائي و-ص- عن عاصم، وكذلك في الشعراء.
وقرأ الباقون {بِالْقُسْطَاسِ} بضم القاف.
والوجه أنهما لغتان). [الموضح: 757]

قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الجراح: [وَالْبَصَرَ وَالْفَوَادَ]، بفتح الفاء.
قال أبو الفتح: أنكر أبو حاتم فتح الفاء، ولم يذكر هو ولا ابن مجاهد الهمز ولا تركه.
وقد يجوز ترك الهمز مع فتح الفاء، كأنه كان "الفؤاد" بضمها والهمز، ثم خففت فخلصت في اللفظ واوا، وفتحت الفاء على ما في ذلك فبقيت واو). [المحتسب: 2/21]

قوله تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)}

قوله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (كان سيّئه عند ربّك (38)
[معاني القراءات وعللها: 2/94]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (سيّئةً) مؤنثةً منونةً، وقرأ الباقون (سيّئه) مضافًا مذكرًا غير منون.
قال أبو منصور: من قرأ (سيّئةً) فمعناه: كل ذلك كان سيّئةً، فهو بمعنى: كل ذلك خطيّة، ومن قرأ (سيّئه) ذهب إلى أن في هذه الأقاصيص سيّئًا وغير سيئ، وذلك أن فيها (وقل لهما قولًا كريمًا)، وفيها (وآت ذا القربى حقّه) الآية.
وفيها (وأوفوا بالعهد)، ففيما جرى من الأقاصيص سيئٌ وحسن، (فسيّئه) أحسن من (سيّئةً) ها هنا.
ومن قرأ (سيّئةً) جعل (كلًّا) إحاطة بالمنهي عنه فقط، والمعنى: كل ما نهى الله عنه كان (سيّئةً) ). [معاني القراءات وعللها: 2/95]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها} [38].
قرأ أهل الكوفة وابن عامر {سيئه} مضافًا.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/373]
وقرأ الباقون {سيئه} .
فمن أضاف فشاهده قراءة أبي {كل ذلك كان سيئته} بالجمع مضافًا.
ومن لم يضف قال: ليس فيما نهى الله عنه حسن فيكون سيئة مكروهًا، لكن كل ما نهى الله عنه هو سيئة مكروهًا.
فإن سأل سائل فقال: «كل» جماعة فلم وحدت كان؟.
فقل: إن «كل» وإن كن معناه الجمع فلفظه لفظ الواحد فلك أن توحد على اللفظ، وتجمع على المعنى، قال الله عز وجل {وكل أتوه داخرين} وقال: {إن كل من في السموات والأرض إلا ءاتى الرحمن عبدا} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/374]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الإضافة والتنوين من قوله: كان سيئه عند ربك [الإسراء/ 38].
[الحجة للقراء السبعة: 5/101]
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (سيّئة) غير مضاف مؤنثا.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: سيئه مضافا مذكّرا.
زعموا أن الحسن قرأ: كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها [الإسراء/ 38] وقال: قد ذكر أمورا قبل منها حسن ومنها سيّئ، فقال:
كل ذلك كان سيئه لأن فيما ذكر الحسن والسّيّئ من المذكور المكروه، ويقوّي ذلك قوله: مكروها التذكير فيه، ولو كان (سيّئه) غير مضاف لزم أن يكون مكروهة، فإن قيل: إن التأنيث غير حقيقي، ولا يمتنع أن يذكّر، قيل: تذكير هذا لا يحسن، وإن لم يكن حقيقيا لأن المؤنث قد تقدّم ذكره، ألا ترى أن قوله: ولا أرض أبقل إبقالها مستقيم عندهم ولو قال: أبقل أرض، لم يستقبح، فليس ما تقدّم ذكره مما أريت بمنزلة ما لم يتقدّم ذكره، لأن المتقدم الذكر ينبغي أن يكون الراجع وفقه، كما يكون وفقه في التثنية والجمع، فإذا لم يتقدّم له ذكر لم يلزم أن يراعى هذا الذي روعي في المتقدم ذكره.
وجه من قال: (كل ذلك كان سيئه) أنه يشبه أن يكون لما رأى الكلام انقطع عند قوله ذلك خير وأحسن تأويلا [الإسراء/ 35] وكان الذي بعد من قوله: ولا تقف ما ليس لك به علم [36] أمرا حسنا فيه. كما كان بعد قوله: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه [23] إلى
[الحجة للقراء السبعة: 5/102]
قوله: ولن تبلغ الجبال طولا [37] منه حسن ومنه سيّئ، قال: (كل ذلك كان سيئة)، فأفرد ولم يضف.
فإن قلت: فكيف ذكر المؤنث في قوله: مكروها فإنه يجوز أن لا يجعله صفة لسيئة، فيلزم أن يكون له فيه ذكر، ولكن يجعله بدلا، ولا يلزم أن يكون في البدل ذكر المبدل منه كما وجب ذلك في الصفة ويجوز أن يكون قوله: مكروها حالا من الذكر الذي في قوله: عند ربك على أن يجعل عند ربك مكروها صفة للنكرة سيئة.
والسيئة والحسنة قد جاءتا في التنزيل على ضربين: أحدهما مأخوذ بها، وحسنة مثاب عليها، كقوله: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها [الأنعام/ 160] وتكون الحسنة والسيئة لما يستثقل في الطباع أو يستخفّ نحو قوله: فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه [الأعراف/ 131] وكقوله: ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا [الأعراف/ 95] فهذا على الخصب والجدب، وكذلك الفساد قد يكون فسادا معاقبا عليه كقوله: ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين [القصص/ 77] ويكون على ذلك: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس [الروم/ 41] فهذا على الجدب، والبحر: الريف قال:
حسبت فيه تاجرا بصريّا... نشر من ملائه البحريّا
[الحجة للقراء السبعة: 5/103]
وكذلك السوء كقوله: إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين [النحل/ 27] وقوله: تخرج بيضاء من غير سوء [طه/ 22] ومن الجدب والخصب قوله: ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك فقوله: فمن نفسك اي: عقوبة معجلة، كما أنّ قوله: بما كسبت أيدي الناس كذلك). [الحجة للقراء السبعة: 5/104]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها}
[حجة القراءات: 402]
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {كل ذلك كان سيئه} منونة وحجتهم ذكرها اليزيدي فقال يعني كل ما نهى الله عنه ممّا وصف في هذه الآيات كان سيّئة وكان مكروها قال أبو عمرو ولا يكون فيما نهى الله عنه شيء حسن فيكون سيئه مكروها
وقرأ الباقون {كل ذلك كان سيئه} مضافا وحجتهم قوله {مكروها} بالتذكير ولو كان سيئه غير مضاف للزم أن يكون مكروهة بالتأنيث لأنّه وصف للسيئة وأخرى وهي أنه ذكر في هذه الآيات من لدن قوله {وقضى ربك ألا تعبدوا إلّا إيّاه} حتّى ينتهي إلى قوله {كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها} بعضه طاعة مأمور به وبعضه معصيّة منهيّ عنه فالمأمور به قوله {واخفض لهما جناح الذل} وقوله {وآت ذا القربى حقه} والمنهي عنه {ولا تقتلوا أولادكم} {ولا تقربوا الزّنى} {ولا تقتلوا النّفس الّتي حرم الله} {ولا تقربوا مال اليتيم} فقد أمروا ببعض هؤلاء الآيات ونهوا في بعضها فقال {كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها} لأن فيها ذكر الحسن والسيء والسيء هو المكروه دون الحسن). [حجة القراءات: 403]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (12- قوله: {كان سيئه عند ربك} قرأ الكوفيون وابن عامر بإضافة «السيء» إلى هاء المذكر، والهاء مضمومة مع الهمزة؛ لأنها اسم كان، وقرأ الباقون غير مضاف منصوبًا منونًا مؤنثًا.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/46]
وحجة من أضاف إلى مذكر أنه لما تقدمت أمور قبل هذا منها حسن ومنها سيء، فالحسن قوله: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا} «23» والسيء هو المنهي عنه في الآية، أضاف «سيئًا» إلى «السيء» خاصة مما تقدم ذكره، ويقوي ذلك قوله: {مكروهًا} فذكر لتذكير السيء، ولو حمل على لفظ {سيئه} في قراءة من لم يضف لقال «مكروه» ولا يحسن حذف علامة التأنيث إذا تأخرت الصفة أو الفعل، فـ {سيئه} اسم كان و{مكروها} خبرها.
13- وحجة من لم يضف أنه لما تم الكلام على {تأويلا} وابتدأ بقوله: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن} «36» وذكر ما بعده، كان كله سيئًا فمن قرأ بالإضافة رده على البعض مما تقدم ذكره، ومن قرأ بغير إضافة ردّه على أقرب الكلام منه خاصة، وهو قوله: «سيء» ولو ردّه على الأقرب منه، وأضاف لأوجب أن فيه حسنًا وفيه سيئًا، وليس هو كذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/47]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {كَانَ سَيِّئَةً} [آية/ 38] بالتنوين نصبًا:
قرأها ابن كثير ونافعٌ وأبو عمرو ويعقوب.
والوجه أن قوله {مَكْرُوهًا} ليس بصفة للسيئة، فيلزم فيه أن يكون مكروهةً بالتاء، ولكن قوله {مَكْرُوهًا} بدل عن {سيئة} كأن قال كان سيئة كان مكروهًا.
ويجوز أن يكون {مكروهًا} خبر {كان}، ويكون {سيئةً} حالًا عن اسم كان، والتقدير كان هو في حال كونه سيئةً مكروهًا.
[الموضح: 757]
ويجوز أن يكون قوله {مكروهًا} حالًا من الذكر الذي في قوله {عِنْدَ رَبِّكَ}.
وقرأ ابن عامر والكوفيون {كان سيّئُهُ} بالرفع ولإضافة من غير تنوين.
والوجه أن فيما ذكره تعالى قبل ذلك الحسن والسيء ثم قال كل ذلك كان السيء منه مكروهًا عند ربك). [الموضح: 758]

قوله تعالى: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 صفر 1440هـ/23-10-2018م, 10:13 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الإسراء

[ من الآية (40) إلى الآية (44) ]
{أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41) قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) }

قوله تعالى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {ليذكروا} [41].
قرأ حمزة والكسائي في كل القرآن {ليذكروا} خفيفًا ذكر يذكر مثل دخل يدخل.
وقرأ الباقون {ليذكروا} مشددًا، وكذلك في جميع القرآن، أرادوا: ليتذكروا فأدغموا التاء في الذال فالتشديد من جلل ذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/374]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الذال وتخفيفها من قوله جل وعز: ليذكروا [الإسراء/ 41].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر ليذكروا مشدّدا، وكذلك في الفرقان [50].
وقرأ حمزة والكسائي (ليذكروا) وكذلك في الفرقان بالتخفيف.
ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا أي: صرّفنا القول فيه كما قال: ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون [القصص/ 51] فهذا حجة من قال: ليذكروا، فالتّذكر هنا أشبه من الذكر، لأنه كأنه يراد به التدبّر، وليس التذكّر الذي بعد نسيان، ولكن كما قال: كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب [ص/ 29]، فإنّما المعنى: ليتدبروه بعقولهم، وليس المراد ليتذكروه بعد نسيانهم.
ووجه التخفيف أن التخفيف قد جاء في هذا المعنى، قال: خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه [البقرة/ 63] فهذا ليس على: لا تنسوا، ولكن تدبروه يقوي ذلك: خذوا ما آتيناكم بقوة [البقرة/ 93]
[الحجة للقراء السبعة: 5/104]
ففي هذا بعث على البصر فيه والتدبر له، والأوّل لهذا المعنى ألزم به وأخصّ.
فأمّا قوله: واذكروه كما هداكم [البقرة/ 198] فيراد به الذكر باللسان، لأن ضروب الذكر من التلبية وغيرها مندوب إليها، وكذلك قوله: فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا [البقرة/ 200] وكذلك ما في القرآن من قوله: ولقد صرفناه بينهم ليذكروا [الفرقان/ 50] أي: ليدبروا نعمة الله عليهم في سقياهم ويشكروه عليها، فأبى أكثر الناس إلا كفورا [الفرقان/ 50]. فقوله: فأبى أكثر الناس إلا كفورا قريب من قوله: وما يزيدهم إلا نفورا [الإسراء/ 41] أي: ما يزيدهم تصريفنا الآيات لهم وتكريرها إلا نفورا منهم عنها. فهذا على أنهم ازدادوا كفورا عند تفصيل الآي لهم، لا لأن تصريف الآي نفّرهم، ومثل هذا قوله: وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم [التوبة/ 125] وكقوله في الأصنام: رب إنهن أضللن كثيرا من الناس [إبراهيم/ 36] وإنما ضلّوا هم بعبادتها لا أنها هي فعلت بهم شيئا من ذلك، ويدلّ على أنّ التذكر قد لا يكون عن النسيان قوله:
تذكّر من أنّى ومن أين شربه... يؤامر نفسيه كذي الهجمة الأبل). [الحجة للقراء السبعة: 5/105]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن [صَرَفْنَا]، خفيف الراء.
قال أبو الفتح: [صَرَفْنَا] هنا بمعنى صرفنا مشددا على ما بيناه قبل: من كون فعل خفيفة في معنى فعل. ومنه قوله:
ونقرتها بيديك كل منقر
أي نقرتها). [المحتسب: 2/21]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلّا نفورا}
قرأ حمزة والكسائيّ {ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا} بالتّخفيف
[حجة القراءات: 403]
وقرأ الباقون {ليذكروا} بالتّشديد أي ليدبروا ويتعظوا والأصل ليتذكورا فأدغموا التّاء في الذّال وحجتهم أن تذكر أبلغ في الوصف من ذكر لأن أكثر ما يقال ذكر يذكر إذا نسي شيئا ثمّ ذكره وإذا قيل تذكر فمعناه تفكر قال تبارك وتعالى {وليتذكر أولوا الألباب}
وحجّة التّخفيف أن الوجهين متقاربان يقال ذكرت ما صنعت وتذكرت ما صنعت وفي التّنزيل {كلا إنّه تذكرة فمن شاء ذكره وما يذكرون إلّا أن يشاء الله} فهذا بمعنى التفكر والاتعاظ). [حجة القراءات: 404]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (14- قوله: {ليذكروا} خففه حمزة والكسائي، جعلاه من الذكر، وشدد الباقون، جعلوه من التذكر هو التدبر، كأنه بمعنى تذكر بعد تذكر، وهو أولى لأن التذكر فيما أنزل الله من كتابه، والتذكر أولى بنا من الذكر له بعد النسيان، وقوله: {ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون} «القصص 51» يدل على التشديد في {ليتذكروا}، وقد قال تعالى ذكره: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} «ص 29» فالتشديد لـ «التدبر» والتخفيف لـ «الذكر» بعد النسيان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/47]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {ليَذْكُرُوا} [آية/ 41] بسكون الذال وضم الكاف مخففة:
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في الفرقان.
والوجه أنه قد يأتي الذكر والمراد به التذكر والتدبر، كما قال تعالى {خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ} أي تدبروه، وليس يُراد به ضد النسيان.
وقرأ الباقون {لِيَذَّكَّرُوا} بفتح الذال والكاف وتشديدهما.
والوجه أن الأصل ليتذكروا، فأُدغم التاء في الذال، والمعنى ليتدبروا، كما قال تعالى {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِيَذَّكَّرُوا} وقال {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}، وأراد التدبر، لا ضد النسيان). [الموضح: 758]

قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لو كان معه آلهةٌ كما تقولون) (42) وقوله: (عمّا يقولون (43)، وقوله: (يسبّح (44)
قرأ ابن كثير (كما يقولون) و(عما يقولون) و(يسبّح) ثلاثهن بالياء.
وقرأ أبو عمرو والحضرمي (كما تقولون) بالتاء، و(عما يقولون) بالياء، و(يسبّح) بالتاء.
وقرأ حمزة والكسائي كلهن بالتاء.
وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم (كما تقولون) بالتاء، والباقي بالياء.
[معاني القراءات وعللها: 2/95]
وقرأ حفص عن عاصم (تسبح) بالتاء، والباقي بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء في (تقولون) فهو مخاطبة، ومن قرأهما بالياء فهي للغيبة، وكل ذلك جائز.
والعرب تخاطب ثم تخبر، وتخبر ثم تخاطب.
وأما قوله (تسبّح له السّماوات) فلتأنيث الجماعة.
ومن قرأ بالياء فلتقديم الفعل الجمع). [معاني القراءات وعللها: 2/96] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {عما يقولون} [43].
قرأ حمزة والكسائي {عما تقولون} {كما تقولون} [42] {تسبح} [44] ثلاثتهن بالتاء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/274]
وقرأهن ابن كثير بالياء، والأمر بينهما؛ قريب؛ لأن العرب تقول: قلت لزيد: فعلت كذا، وقلت له: إنه فعل كذا، {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون}.
أما أبو عمرو فإنه قرأ: {كما تقولون} بالتاء و{تسبح} بالتاء، والأخير بالياء، وشاهده قراءة أُبَيٍّ: {سبحت له السموات} فهو يؤدي إلى التأنيث.
ومن قرأ بالياء فقال: لأن «السموات» جمع قليل، والعرب تذكر فعل جمع المؤنث إذا كان قليلاً كقوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} ولم يقل: انسلخت، و{قال نسوة} ولم يقل: قالت، فسألت محمد بن القاسم الأنباري لم صار ذلك كذلك؟ فقال: سألت ثعلبًا فقال: لأن جمع القليل قبل الكثير، والمذكر قبل المؤنث، فجعل الأول على الأول.
ومن قرأ بالياء فله حجة أخرى: قال: لما فصل بين الاسم فاصل وهو {له} جاز تذكيره.
وقرأ الباقون نافع وغيره -: {كما تقولون} بالتاء {عما يقولون} بالياء، و{يسبح} بالياء أيضًا، وخالفهم حفص عن عاصم فقرأ: {كما يقولون} و{عما يقولون} بالياء فيهما جميعًا و{تسبح} بالتاء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/375] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله: آلهة كما يقولون... عما يقولون... يسبح [الإسراء/ 42، 43، 44].
[الحجة للقراء السبعة: 5/105]
فقرأ ابن كثير: آلهة كما يقولون بالياء: عما يقولون (يسبح له)، ثلاثتهنّ بالياء.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: (كما تقولون) بالتاء هذه وحدها، عما يقولون (يسبح) بالياء في هذين الموضعين.
وقرأ أبو عمرو: (آلهة كما تقولون) بالتاء عما يقولون بالياء، تسبح بالتاء.
وروى حفص عن عاصم آلهة كما يقولون بالياء، سبحانه وتعالى عما يقولون كلاهما بالياء، تسبح بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي: (آلهة كما تقولون) تسبح كلّهن بالتاء.
من قرأ بالياء عما يقولون فالمعنى: عما يقول المشركون من إثبات آلهة من دونه فهو مثل قوله: (قل للذين كفروا سيغلبون) [آل عمران/ 12] لأنهم غيب.
فأما من قرأ: سبحانه وتعالى عما يقولون، فإنه يحتمل وجهين: أحدهما: أن يعطف على يقولون كما عطف قوله: (يحشرون إلى جهنّم) على (سيغلبون). والآخر: أن يكون نزّه نفسه سبحانه عن دعواهم، فقال: سبحانه وتعالى عما يقولون وقراءة نافع وعاصم وابن عامر: (كما تقولون) على ما تقدم. وقوله: عما يقولون على أنه نزّه نفسه عن قولهم، ويجوز أن تحمله على القول، كأنه: قل أنت: سبحانه وتعالى عما يقولون.
فأما قوله: كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا وذلك
[الحجة للقراء السبعة: 5/106]
أن المشركين كانوا يعبدون الملائكة، فقيل لهم: إن الذين عبدتموهم وجعلتموهم آلهة معه يبتغون أن يتخذوا إلى ذي العرش سبيلا بعبادتهم له وتقرّبهم إليه لها، ومثل ذلك قوله: إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا [الدهر/ 29] فهذا قول، وقال قوم من أهل التأويل: إنّ قوله: إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا اتخذت سبيلا إلى مضادّته وممانعته، وزعموا أن ذلك بمنزلة قوله: وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله [المؤمنون/ 91] وتعالى عما يقولون مما يدعونه ويفترونه من اتخاذ الولد، ومن أن يكون معه آلهة.
فأما قوله: تسبح له السموات السبع [الإسراء/ 44] فكل واحد من الياء والتاء حسن وقد تقدم ذكر ذلك في مواضع، وزعموا أن في حرف عبد الله: (سبحت له السموات) فهذا يقوّي التأنيث هنا). [الحجة للقراء السبعة: 5/107] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا * سبحانه وتعالى عمّا يقولون علوا كبيرا} 42 و43
قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر (قل لو كان معه آلهة كما تقولون) بالتّاء {سبحانه وتعالى عمّا يقولون} بالياء الحرف الأول قرؤوه بالتّاء على مخاطبة النّبي صلى الله عليه وسلم لهم أي قل يا محمّد للّذين أشركوا لو كان معه آلهة كما تقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ثمّ قال جلّ وعز مستأنفا بتنزيه نفسه لا على مخاطبتهم {سبحانه وتعالى عمّا يقولون علوا كبيرا} ويجوز أن تحمله على القول كأنّه يقول الله جلّ وعز لنبيه صلى الله عليه قل أنت يا محمّد سبحانه وتعالى عمّا يقولون
وقرأ ابن كثير وحفص جميعًا بالياء قوله {قل لو كان معه آلهة كما يقولون}
[حجة القراءات: 404]
خطاب النّبي صلى الله عليه للمؤمنين يخاطبهم بما يقول المشركون ثمّ عطف عليه بقوله {سبحانه وتعالى عمّا يقولون}
وقرأ حمزة والكسائيّ (كما تقولون) بالتّاء (عمّا تقولون) بالتّاء أيضا قيل للنّبي صلى الله عليه قل للّذين أشركوا لو كان معه آلهة كما تقولون ثمّ عطف عليه قوله (سبحانه وتعالى عمّا تقولون) على مخاطبة النّبي صلى الله عليه وسلم إيّاهم وحجّة التّاء قوله قبلها {أفأصفاكم ربكم بالبنين} ). [حجة القراءات: 405] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (15- قوله: {كما يقولون}، {عما يقولون}، {يسبح له} قرأ ابن كثير وحفص {كما يقولون} بالياء، وقرأ الباقون بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي {عما تقولون} بالتاء، وقرأ الباقون بالياء، وقرأ الحرميان وأبو بكر وابن عامر {يسبح} بالياء، وقرأ الباقون بالتاء.
وحجة من قرأ {كما يقولون} بالياء أنه رده على لفظ الغيبة، في قوله {ليذكروا}، وقوله: {وما يزيدهم} فالمعنى: كما يقوله الكافرون، ومثله في الحجة لمن قرأ {عما يقولون} بالياء.
16- وحجة من قرأ «كما تقولون» بالتاء أنه حمله على الخطاب على معنى، قل لهم يا محمد: لو كان معه آلهة كما تقولون، ثم قال: {سبحانه وتعالى عما تقولون} فجرى الكلام في الخطاب لهم على ذلك، ومن قرأه بالياء رجع إلى الغيبة لأنهم غُيَّب.
17- وحجة من قرأ «تسبح» بالتاء أنه حمله على تأنيث لفظ السماوات، وفي حرف عبد الله «سبَّحت له السماوات» ومن قرأ بالياء ذكر لأنه قد حال بينه وبين المؤنث بالظرف بـ «له» ولأنه تأنيث غير حقيقي، وقد تقدم ذكر {زبورا} «55» في النساء و«يبشر» في آل عمران). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/48]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ} [آية/ 42] {وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} [آية/ 43] {يُسَبِّحُ} [آية/ 44] بالياء فيهن:
قرأها ابن كثير.
والوجه أن معنى {كَمَا يَقُولُونَ}: كما يقول المشركون من إثبات آلهة من دونه، وكذلك {تَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ}.
ويجوز أن يكون قوله {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} على تنزيه الله تعالى نفسه عن دعواهم، فقال {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ}.
وأما {يُسَبّحُ} بالياء؛ فلأن فاعله غير حقيقي التأنيث؛ لأنه جمعٌ، ومع ذلك فالفعل مقدمٌ.
وقرأ حمزة والكسائي ثلاثهن بالتاء.
والوجه أن النبي صلى الله عليه وسلم أُمر بأن يُخاطب المشركين بذلك، فقيل له: قل يا محمد لهم لو كان معه آلهة كما تقولون، وكذلك {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا تَقُولُونَ} بالتاء.
وأما {تسبّح} بالتاء؛ فلأن الفاعل مؤنثٌ.
وقرأ نافعٌ وابن عامر وعاصم ياش- الأولى بالتاء والأُخريين بالياء.
والوجه أن الأولى على خطاب النبي (صلى الله عليه وسلم) بأن يقول لهم ذلك كما تقدم.
[الموضح: 759]
وقوله {وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} محمول على أنه سبحانه نزّه نفسه عن قولهم، و{يُسَبّحُ} بالياء، على ما ذكرنا.
وروى ص- عن عاصم الثالثة بالتاء وهي {تسبّح}، والأوليين بالياء.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب الثانية بالياء وهي قوله {عَمَّا يَقُولُونَ}، والأخريين بالتاء، وقد تقدم وجه هاتين القراءتين). [الموضح: 760] (م)

قوله تعالى: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لو كان معه آلهةٌ كما تقولون) (42) وقوله: (عمّا يقولون (43)، وقوله: (يسبّح (44)
قرأ ابن كثير (كما يقولون) و(عما يقولون) و(يسبّح) ثلاثهن بالياء.
وقرأ أبو عمرو والحضرمي (كما تقولون) بالتاء، و(عما يقولون) بالياء، و(يسبّح) بالتاء.
وقرأ حمزة والكسائي كلهن بالتاء.
وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم (كما تقولون) بالتاء، والباقي بالياء.
[معاني القراءات وعللها: 2/95]
وقرأ حفص عن عاصم (تسبح) بالتاء، والباقي بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء في (تقولون) فهو مخاطبة، ومن قرأهما بالياء فهي للغيبة، وكل ذلك جائز.
والعرب تخاطب ثم تخبر، وتخبر ثم تخاطب.
وأما قوله (تسبّح له السّماوات) فلتأنيث الجماعة.
ومن قرأ بالياء فلتقديم الفعل الجمع). [معاني القراءات وعللها: 2/96] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {عما يقولون} [43].
قرأ حمزة والكسائي {عما تقولون} {كما تقولون} [42] {تسبح} [44] ثلاثتهن بالتاء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/274]
وقرأهن ابن كثير بالياء، والأمر بينهما؛ قريب؛ لأن العرب تقول: قلت لزيد: فعلت كذا، وقلت له: إنه فعل كذا، {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون}.
أما أبو عمرو فإنه قرأ: {كما تقولون} بالتاء و{تسبح} بالتاء، والأخير بالياء، وشاهده قراءة أُبَيٍّ: {سبحت له السموات} فهو يؤدي إلى التأنيث.
ومن قرأ بالياء فقال: لأن «السموات» جمع قليل، والعرب تذكر فعل جمع المؤنث إذا كان قليلاً كقوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} ولم يقل: انسلخت، و{قال نسوة} ولم يقل: قالت، فسألت محمد بن القاسم الأنباري لم صار ذلك كذلك؟ فقال: سألت ثعلبًا فقال: لأن جمع القليل قبل الكثير، والمذكر قبل المؤنث، فجعل الأول على الأول.
ومن قرأ بالياء فله حجة أخرى: قال: لما فصل بين الاسم فاصل وهو {له} جاز تذكيره.
وقرأ الباقون نافع وغيره -: {كما تقولون} بالتاء {عما يقولون} بالياء، و{يسبح} بالياء أيضًا، وخالفهم حفص عن عاصم فقرأ: {كما يقولون} و{عما يقولون} بالياء فيهما جميعًا و{تسبح} بالتاء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/375] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله: آلهة كما يقولون... عما يقولون... يسبح [الإسراء/ 42، 43، 44].
[الحجة للقراء السبعة: 5/105]
فقرأ ابن كثير: آلهة كما يقولون بالياء: عما يقولون (يسبح له)، ثلاثتهنّ بالياء.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: (كما تقولون) بالتاء هذه وحدها، عما يقولون (يسبح) بالياء في هذين الموضعين.
وقرأ أبو عمرو: (آلهة كما تقولون) بالتاء عما يقولون بالياء، تسبح بالتاء.
وروى حفص عن عاصم آلهة كما يقولون بالياء، سبحانه وتعالى عما يقولون كلاهما بالياء، تسبح بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي: (آلهة كما تقولون) تسبح كلّهن بالتاء.
من قرأ بالياء عما يقولون فالمعنى: عما يقول المشركون من إثبات آلهة من دونه فهو مثل قوله: (قل للذين كفروا سيغلبون) [آل عمران/ 12] لأنهم غيب.
فأما من قرأ: سبحانه وتعالى عما يقولون، فإنه يحتمل وجهين: أحدهما: أن يعطف على يقولون كما عطف قوله: (يحشرون إلى جهنّم) على (سيغلبون). والآخر: أن يكون نزّه نفسه سبحانه عن دعواهم، فقال: سبحانه وتعالى عما يقولون وقراءة نافع وعاصم وابن عامر: (كما تقولون) على ما تقدم. وقوله: عما يقولون على أنه نزّه نفسه عن قولهم، ويجوز أن تحمله على القول، كأنه: قل أنت: سبحانه وتعالى عما يقولون.
فأما قوله: كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا وذلك
[الحجة للقراء السبعة: 5/106]
أن المشركين كانوا يعبدون الملائكة، فقيل لهم: إن الذين عبدتموهم وجعلتموهم آلهة معه يبتغون أن يتخذوا إلى ذي العرش سبيلا بعبادتهم له وتقرّبهم إليه لها، ومثل ذلك قوله: إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا [الدهر/ 29] فهذا قول، وقال قوم من أهل التأويل: إنّ قوله: إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا اتخذت سبيلا إلى مضادّته وممانعته، وزعموا أن ذلك بمنزلة قوله: وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله [المؤمنون/ 91] وتعالى عما يقولون مما يدعونه ويفترونه من اتخاذ الولد، ومن أن يكون معه آلهة.
فأما قوله: تسبح له السموات السبع [الإسراء/ 44] فكل واحد من الياء والتاء حسن وقد تقدم ذكر ذلك في مواضع، وزعموا أن في حرف عبد الله: (سبحت له السموات) فهذا يقوّي التأنيث هنا). [الحجة للقراء السبعة: 5/107] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا * سبحانه وتعالى عمّا يقولون علوا كبيرا} 42 و43
قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر (قل لو كان معه آلهة كما تقولون) بالتّاء {سبحانه وتعالى عمّا يقولون} بالياء الحرف الأول قرؤوه بالتّاء على مخاطبة النّبي صلى الله عليه وسلم لهم أي قل يا محمّد للّذين أشركوا لو كان معه آلهة كما تقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ثمّ قال جلّ وعز مستأنفا بتنزيه نفسه لا على مخاطبتهم {سبحانه وتعالى عمّا يقولون علوا كبيرا} ويجوز أن تحمله على القول كأنّه يقول الله جلّ وعز لنبيه صلى الله عليه قل أنت يا محمّد سبحانه وتعالى عمّا يقولون
وقرأ ابن كثير وحفص جميعًا بالياء قوله {قل لو كان معه آلهة كما يقولون}
[حجة القراءات: 404]
خطاب النّبي صلى الله عليه للمؤمنين يخاطبهم بما يقول المشركون ثمّ عطف عليه بقوله {سبحانه وتعالى عمّا يقولون}
وقرأ حمزة والكسائيّ (كما تقولون) بالتّاء (عمّا تقولون) بالتّاء أيضا قيل للنّبي صلى الله عليه قل للّذين أشركوا لو كان معه آلهة كما تقولون ثمّ عطف عليه قوله (سبحانه وتعالى عمّا تقولون) على مخاطبة النّبي صلى الله عليه وسلم إيّاهم وحجّة التّاء قوله قبلها {أفأصفاكم ربكم بالبنين} ). [حجة القراءات: 405] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ} [آية/ 42] {وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} [آية/ 43] {يُسَبِّحُ} [آية/ 44] بالياء فيهن:
قرأها ابن كثير.
والوجه أن معنى {كَمَا يَقُولُونَ}: كما يقول المشركون من إثبات آلهة من دونه، وكذلك {تَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ}.
ويجوز أن يكون قوله {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} على تنزيه الله تعالى نفسه عن دعواهم، فقال {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ}.
وأما {يُسَبّحُ} بالياء؛ فلأن فاعله غير حقيقي التأنيث؛ لأنه جمعٌ، ومع ذلك فالفعل مقدمٌ.
وقرأ حمزة والكسائي ثلاثهن بالتاء.
والوجه أن النبي صلى الله عليه وسلم أُمر بأن يُخاطب المشركين بذلك، فقيل له: قل يا محمد لهم لو كان معه آلهة كما تقولون، وكذلك {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا تَقُولُونَ} بالتاء.
وأما {تسبّح} بالتاء؛ فلأن الفاعل مؤنثٌ.
وقرأ نافعٌ وابن عامر وعاصم ياش- الأولى بالتاء والأُخريين بالياء.
والوجه أن الأولى على خطاب النبي (صلى الله عليه وسلم) بأن يقول لهم ذلك كما تقدم.
[الموضح: 759]
وقوله {وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} محمول على أنه سبحانه نزّه نفسه عن قولهم، و{يُسَبّحُ} بالياء، على ما ذكرنا.
وروى ص- عن عاصم الثالثة بالتاء وهي {تسبّح}، والأوليين بالياء.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب الثانية بالياء وهي قوله {عَمَّا يَقُولُونَ}، والأخريين بالتاء، وقد تقدم وجه هاتين القراءتين). [الموضح: 760] (م)

قوله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لو كان معه آلهةٌ كما تقولون) (42) وقوله: (عمّا يقولون (43)، وقوله: (يسبّح (44)
قرأ ابن كثير (كما يقولون) و(عما يقولون) و(يسبّح) ثلاثهن بالياء.
وقرأ أبو عمرو والحضرمي (كما تقولون) بالتاء، و(عما يقولون) بالياء، و(يسبّح) بالتاء.
وقرأ حمزة والكسائي كلهن بالتاء.
وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم (كما تقولون) بالتاء، والباقي بالياء.
[معاني القراءات وعللها: 2/95]
وقرأ حفص عن عاصم (تسبح) بالتاء، والباقي بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء في (تقولون) فهو مخاطبة، ومن قرأهما بالياء فهي للغيبة، وكل ذلك جائز.
والعرب تخاطب ثم تخبر، وتخبر ثم تخاطب.
وأما قوله (تسبّح له السّماوات) فلتأنيث الجماعة.
ومن قرأ بالياء فلتقديم الفعل الجمع). [معاني القراءات وعللها: 2/96] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {عما يقولون} [43].
قرأ حمزة والكسائي {عما تقولون} {كما تقولون} [42] {تسبح} [44] ثلاثتهن بالتاء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/274]
وقرأهن ابن كثير بالياء، والأمر بينهما؛ قريب؛ لأن العرب تقول: قلت لزيد: فعلت كذا، وقلت له: إنه فعل كذا، {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون}.
أما أبو عمرو فإنه قرأ: {كما تقولون} بالتاء و{تسبح} بالتاء، والأخير بالياء، وشاهده قراءة أُبَيٍّ: {سبحت له السموات} فهو يؤدي إلى التأنيث.
ومن قرأ بالياء فقال: لأن «السموات» جمع قليل، والعرب تذكر فعل جمع المؤنث إذا كان قليلاً كقوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} ولم يقل: انسلخت، و{قال نسوة} ولم يقل: قالت، فسألت محمد بن القاسم الأنباري لم صار ذلك كذلك؟ فقال: سألت ثعلبًا فقال: لأن جمع القليل قبل الكثير، والمذكر قبل المؤنث، فجعل الأول على الأول.
ومن قرأ بالياء فله حجة أخرى: قال: لما فصل بين الاسم فاصل وهو {له} جاز تذكيره.
وقرأ الباقون نافع وغيره -: {كما تقولون} بالتاء {عما يقولون} بالياء، و{يسبح} بالياء أيضًا، وخالفهم حفص عن عاصم فقرأ: {كما يقولون} و{عما يقولون} بالياء فيهما جميعًا و{تسبح} بالتاء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/375] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله: آلهة كما يقولون... عما يقولون... يسبح [الإسراء/ 42، 43، 44].
[الحجة للقراء السبعة: 5/105]
فقرأ ابن كثير: آلهة كما يقولون بالياء: عما يقولون (يسبح له)، ثلاثتهنّ بالياء.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: (كما تقولون) بالتاء هذه وحدها، عما يقولون (يسبح) بالياء في هذين الموضعين.
وقرأ أبو عمرو: (آلهة كما تقولون) بالتاء عما يقولون بالياء، تسبح بالتاء.
وروى حفص عن عاصم آلهة كما يقولون بالياء، سبحانه وتعالى عما يقولون كلاهما بالياء، تسبح بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي: (آلهة كما تقولون) تسبح كلّهن بالتاء.
من قرأ بالياء عما يقولون فالمعنى: عما يقول المشركون من إثبات آلهة من دونه فهو مثل قوله: (قل للذين كفروا سيغلبون) [آل عمران/ 12] لأنهم غيب.
فأما من قرأ: سبحانه وتعالى عما يقولون، فإنه يحتمل وجهين: أحدهما: أن يعطف على يقولون كما عطف قوله: (يحشرون إلى جهنّم) على (سيغلبون). والآخر: أن يكون نزّه نفسه سبحانه عن دعواهم، فقال: سبحانه وتعالى عما يقولون وقراءة نافع وعاصم وابن عامر: (كما تقولون) على ما تقدم. وقوله: عما يقولون على أنه نزّه نفسه عن قولهم، ويجوز أن تحمله على القول، كأنه: قل أنت: سبحانه وتعالى عما يقولون.
فأما قوله: كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا وذلك
[الحجة للقراء السبعة: 5/106]
أن المشركين كانوا يعبدون الملائكة، فقيل لهم: إن الذين عبدتموهم وجعلتموهم آلهة معه يبتغون أن يتخذوا إلى ذي العرش سبيلا بعبادتهم له وتقرّبهم إليه لها، ومثل ذلك قوله: إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا [الدهر/ 29] فهذا قول، وقال قوم من أهل التأويل: إنّ قوله: إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا اتخذت سبيلا إلى مضادّته وممانعته، وزعموا أن ذلك بمنزلة قوله: وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله [المؤمنون/ 91] وتعالى عما يقولون مما يدعونه ويفترونه من اتخاذ الولد، ومن أن يكون معه آلهة.
فأما قوله: تسبح له السموات السبع [الإسراء/ 44] فكل واحد من الياء والتاء حسن وقد تقدم ذكر ذلك في مواضع، وزعموا أن في حرف عبد الله: (سبحت له السموات) فهذا يقوّي التأنيث هنا). [الحجة للقراء السبعة: 5/107] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({تسبح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ}
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ وحفص {تسبح له السّماوات السّبع} بالتّاء وحجتهم قراءة أبي (سبحت له السّماوات) وأخرى أن السّماوات مؤنّثة
وقرأ الباقون بالياء وحجتهم أن فعل الجمع إذا تقدم يذكر ويؤنث فمن ذكر ذهب إلى جمع السّموات ومن أنث ذهب إلى جماعة السّماوات وأخرى أن ابن مسعود قال إذا اختلفتم في الياء والتّاء فاجعلوها ياء). [حجة القراءات: 405]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ} [آية/ 42] {وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} [آية/ 43] {يُسَبِّحُ} [آية/ 44] بالياء فيهن:
قرأها ابن كثير.
والوجه أن معنى {كَمَا يَقُولُونَ}: كما يقول المشركون من إثبات آلهة من دونه، وكذلك {تَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ}.
ويجوز أن يكون قوله {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} على تنزيه الله تعالى نفسه عن دعواهم، فقال {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ}.
وأما {يُسَبّحُ} بالياء؛ فلأن فاعله غير حقيقي التأنيث؛ لأنه جمعٌ، ومع ذلك فالفعل مقدمٌ.
وقرأ حمزة والكسائي ثلاثهن بالتاء.
والوجه أن النبي صلى الله عليه وسلم أُمر بأن يُخاطب المشركين بذلك، فقيل له: قل يا محمد لهم لو كان معه آلهة كما تقولون، وكذلك {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا تَقُولُونَ} بالتاء.
وأما {تسبّح} بالتاء؛ فلأن الفاعل مؤنثٌ.
وقرأ نافعٌ وابن عامر وعاصم ياش- الأولى بالتاء والأُخريين بالياء.
والوجه أن الأولى على خطاب النبي (صلى الله عليه وسلم) بأن يقول لهم ذلك كما تقدم.
[الموضح: 759]
وقوله {وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} محمول على أنه سبحانه نزّه نفسه عن قولهم، و{يُسَبّحُ} بالياء، على ما ذكرنا.
وروى ص- عن عاصم الثالثة بالتاء وهي {تسبّح}، والأوليين بالياء.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب الثانية بالياء وهي قوله {عَمَّا يَقُولُونَ}، والأخريين بالتاء، وقد تقدم وجه هاتين القراءتين). [الموضح: 760] (م)

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:29 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة