جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّ اللّه يدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار} يقول تعالى ذكره: إنّ اللّه له الألوهة الّتي لا تنبغي لغيره، يدخل الّذين آمنوا باللّه وبرسوله بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار، يفعل ذلك بهم تكرمةً على إيمانهم به وبرسوله.
وقوله: {والّذين كفروا يتمتّعون ويأكلون كما تأكل الأنعام} يقول جلّ ثناؤه: والّذين جحدوا توحيد اللّه، وكذّبوا رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم يتمتّعون في هذه الدّنيا بحطامها ورياشها وزينتها الفانية الدّارسة، ويأكلون فيها غير مفكّرين في المعاد، ولا معتبرين بما وضع اللّه لخلقه من الحجج المؤدّية لهم إلى علم توحيد اللّه ومعرفة صدق رسله، فمثلهم في أكلهم ما يأكلون فيها من غير علمٍ منهم بذلك وغير معرفةٍ، مثل الأنعام من البهائم المسخّرة الّتي لا همّة لها إلاّ في الاعتلاف دون غيره {والنّار مثوًى لّهم} يقول جلّ ثناؤه: والنّار نار جهنّم مسكنٌ لهم، ومأوًى، إليها يصيرون من بعد مماتهم). [جامع البيان: 21/197]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 12 - 14.
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام} قال: لا يلتفت إلى آخرته). [الدر المنثور: 13/360]
تفسير قوله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك قال قريته مكة). [تفسير عبد الرزاق: 2/222]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكأيّن من قريةٍ هي أشدّ قوّةٍ من قريتك الّتي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم}
يقول تعالى ذكره: وكم يا محمّد من قريةٍ هي أشدّ قوّةً من قريتك، يقول أهلها أشدّ بأسًا، وأكثر جمعًا، وأعدّ عديدًا من أهل قريتك، وهي مكّة، وأخرج الخبر عن القرية، والمراد به أهلها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وكأيّن من قريةٍ هي أشدّ قوّةً من قريتك الّتي أخرجتك أهلكناهم} قال: هي مكّة.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة في قوله {وكأيّن من قريةٍ هي أشدّ قوّةً من قريتك} قال: قريته مكّة.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حنشٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لمّا خرج من مكّة إلى الغار، أراه قال: التفت إلى مكّة، فقال: أنت أحبّ بلاد اللّه إلى اللّه، وأنت أحبّ بلاد اللّه إليّ، فلو أنّ المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك، فأعتى الأعداء من عتا على اللّه في حرمه، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحول الجاهليّة، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {وكأيّن من قريةٍ هي أشدّ قوّةً من قريتك الّتي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم}.
وقال جلّ ثناؤه: أخرجتك، فأخرج الخبر عن القرية، فلذلك أنّث، ثمّ قال: أهلكناهم، لأنّ المعنى في قوله أخرجتك، ما وصفت من أنّه أريد به أهل القرية، فأخرج الخبر مرّةً على اللّفظ، ومرّةً على المعنى.
وقوله: {فلا ناصر لهم} فيه وجهان من التّأويل: أحدهما أن يكون معناه، وإن كان قد نصب النّاصر بالتّبرئة، فلم يكن لهم ناصرٌ، وذلك أنّ العرب قد تضمر كان أحيانًا في مثل هذا والآخر أن يكون معناه: فلا ناصر لهم الآن من عذاب اللّه ينصرهم). [جامع البيان: 21/197-199]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (حدثنا حسن بن عمر، ثنا معتمرٌ، قال: نا أبي، ثنا حنشٌ، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لمّا خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من مكّة تلقاء الغار، نظر إلى مكّة فقال: أنت أحبّ بلاد اللّه إليّ، ولولا أنّ أهلك أخرجوني منك لم أخرج منك. فأعدى الأعداء من عدا على الله تعالى في حرمه، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحل الجاهليّة قال: فأنزل الله عز وجل على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وكأيّن من قريةٍ هي أشدّ قوّةً من قريتك الّتي أخرجتك أهلكناهم} الآية). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/221]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وكأين من قرية} الآيتين
وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال: أنت أحب بلاد الله إلى الله وأنت أحب بلاد الله إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك لم أخرج منك فأعتى الأعداء من عدا على الله في حرمه أو قتل غير قاتله أو قتل بذحول أهل الجاهلية فأنزل الله تعالى {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم}). [الدر المنثور: 13/361]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك} قال: قريته مكة وفي قوله {أفمن كان على بينة من ربه} قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم {كمن زين له سوء عمله} قال: هم المشركون). [الدر المنثور: 13/361]
تفسير قوله تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أفمن كان على بيّنةٍ من ربّه كمن زيّن له سوء عمله واتّبعوا أهواءهم}.
يقول تعالى ذكره: {أفمن كان} على برهانٍ وحجّةٍ وبيانٍ {من} أمر {ربّه} والعلم بوحدانيّته، فهو يعبده على بصيرةٍ منه، بأنّ له ربًّا يجازيه على طاعته إيّاه الجنّة، وعلى إساءته ومعصيته إيّاه النّار، {كمن زيّن له سوء عمله} يقول: كمن حسّن له الشّيطان قبيح عمله وسيّئه، فأراه جميلاً، فهو على العمل به مقيمٌ {واتّبعوا أهواءهم} يقول: واتّبعوا ما دعتهم إليه أنفسهم من معصية اللّه، وعبادة الأوثان من غير أن يكون عندهم بما يعملون من ذلك برهانٌ وحجّةٌ وقيل: إنّ الّذي عني بقوله: {أفمن كان على بيّنةٍ من ربّه} نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام، وإنّ الّذي عني بقوله: {كمن زيّن له سوء عمله} هم المشركون). [جامع البيان: 21/199]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك} قال: قريته مكة وفي قوله {أفمن كان على بينة من ربه} قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم {كمن زين له سوء عمله} قال: هم المشركون). [الدر المنثور: 13/361] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه قال: كل هوى ضلالة). [الدر المنثور: 13/361]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، عن طاووس قال: ما ذكر الله هوى في القرآن إلا ذمه). [الدر المنثور: 13/361]
تفسير قوله تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا صفوان بن عمرو، عن عبيد الله بن بشر، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {ويسقى من ماء صديد * يتجرعه} [سورة إبراهيم: 16-17]، قال: يقرب إليه، فيكرهه، فإذا أدني منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، وإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره، يقول الله عز وجل: {وسقوا ماءً حميمًا فقطع أمعاءهم} [سورة محمد:15] ويقول الله: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب} [سورة الكهف: 29] ). [الزهد لابن المبارك: 2/587]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله ماء غير آسن قال غير منتن). [تفسير عبد الرزاق: 2/222]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({آسنٍ} [محمد: 15] : «متغيّرٍ»). [صحيح البخاري: 6/134]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله آسنٌ متغيّرٌ كذا لغير أبي ذرٍّ هنا وسيأتي في أواخر السّورة). [فتح الباري: 8/579]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (ثنا أبي ثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن علّي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس في قوله 15 محمّد {آسن} يقول غير متغير). [تغليق التعليق: 4/312]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (آسن متغيّر
أشار به إلى قوله تعالى: {أنهار من ماء غير آسن} (محمّد: 15) أي: غير متغير، ولم يثبت هذا لأبي ذر). [عمدة القاري: 19/172]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({آسن}) في قوله: {فيها أنهار من ماء غير آسن} [محمد: 15] أي (متغير) طعمه وسقط هذا لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/342]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون فيها أنهارٌ من ماءٍ غير آسنٍ وأنهارٌ من لّبنٍ لّم يتغيّر طعمه وأنهارٌ من خمرٍ لّذّةٍ للشّاربين وأنهارٌ من عسلٍ مّصفًّى ولهم فيها من كلّ الثّمرات ومغفرةٌ من رّبّهم كمن هو خالدٌ في النّار وسقوا ماءً حميمًا فقطّع أمعاءهم}.
يقول تعالى ذكره: صفة الجنّة الّتي وعدها المتّقون، وهم الّذين اتّقوا في الدّنيا عقابه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه {فيها أنهارٌ من ماءٍ غير آسنٍ} يقول تعالى ذكره في هذه الجنّة الّتي: ذكرها أنهارٌ من ماءٍ غير متغيّر الرّيح، يقال منه: قد أسن ماء هذه البئر: إذا تغيّرت ريح مائها فأنتنت، فهو يأسن أسنًا، وكذلك يقال للرّجل إذا أصابته ريحٌ منتنةٌ: قد أسن فهو يأسن وأمّا إذا أجن الماء وتغيّر، فإنّه يقال له: أسن فهو يأسن، ويأسن أسونًا، وماءٌ آسنٌ.
وبنحو الّذي قلنا في معنى قوله {من ماءٍ غير آسنٍ} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {فيها أنهارٌ من ماءٍ غير آسنٍ} يقول: غير متغيّرٍ.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله: {أنهارٌ من ماءٍ غير آسنٍ} قال: من ماءٍ غير منتنٍ.
- حدّثني عيسى بن عمرٍو، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمّدٍ، قال: حدّثنا مصعب بن سلاّمٍ، عن سعد بن طريفٍ، قال: سألت أبا إسحاق عن {ماءٍ غير آسنٍ} قال: سألت عنها الحارث، فحدّثني أنّ الماء الّذي غير آسنٍ تسنيمٌ، قال: بلغني أنّه لا تمسّه يدٌ، وأنّه يجيء الماء هكذا حتّى يدخل في فيه.
وقوله: {وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغيّر طعمه} يقول تعالى ذكره: وفيها أنهارٌ من لبنٍ لم يتغيّر طعمه لأنّه لم يحلب من حيوان فيتغيّر طعمه بالخروج من الضّروع، ولكنّه خلقه اللّه ابتداءً في الأنهار، فهو بهيئته لم يتغيّر عمّا خلقه عليه.
وقوله: {وأنهارٌ من خمرٍ لذّةٍ للشّاربين} يقول: وفيها أنهارٌ من خمرٍ لذّةٍ للشّاربين يلتذّون بشربها.
- كما: حدّثني عيسى، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّدٍ، قال: حدّثنا مصعبٌ، عن سعد بن طريفٍ، قال: سألت عنها الحارث، فقال: لم تدسّه المجوس، ولم ينفخ فيه الشّيطان، ولم تؤذها شمسٌ، ولكنّها فوحاء قال: قلت لعكرمة: ما الفوحاء؟ قال: الصّفراء.
- وكما: حدّثني سعد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا حفص بن عمر، قال: حدّثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: {من لبنٍ لم يتغيّر طعمه} قال: لم يحلب.
وخفضت اللّذّة على النّعت للخمرٍ، ولو جاءت رفعًا على النّعت للأنهار جاز، أو نصبًا على يتلذّذ بها لذّةً، كما يقال: هذا لك هبةً كان جائزًا؛ فأمّا القراءة فلا أستجيزها فيها إلاّ خفضًا لإجماع الحجّة من القرّاء عليها.
وقوله: {وأنهارٌ من عسلٍ مصفًّى} يقول: وفيها أنهارٌ من عسلٍ قد صفّي من القذى، وما يكون في عسل أهل الدّنيا قبل التّصفية، وإنّما أعلم تعالى ذكره عباده بوصفه ذلك العسل بأنّه مصفًى أنّه خلق في الأنهار ابتداءً سائلاً جاريًا سيل الماء واللّبن المخلوقين فيها، فهو من أجل ذلك مصفًّى، قد صفّاه اللّه من الأقذاء الّتي تكون في عسل أهل الدّنيا الّذي لا يصفو من الأقذاء إلاّ بعد التّصفية، لأنّه كان في شمعٍ فصفّي منه.
وقوله: {ولهم فيها من كلّ الثّمرات} يقول تعالى ذكره: ولهؤلاء المتّقين في هذه الجنّة من هذه الأنهار الّتي ذكرنا من جميع الثّمرات الّتي تكون على الأشجار {ومغفرةٌ من رّبّهم} يقول: وعفوٌ من اللّه لهم عن ذنوبهم الّتي أذنبوها في الدّنيا، ثمّ تابوا منها، وصفحٌ منه لهم عن العقوبة عليها.
وقوله: {كمن هو خالدٌ في النّار} يقول تعالى ذكره: أمن هو في هذه الجنّة الّتي صفتها ما وصفنا، كمن هو خالدٌ في النّار وابتدئ الكلام بصفة الجنّة، فقيل: مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون، ولم يقل: أمن هو في الجنّة ثمّ قيل بعد انقضاء الخبر عن الجنّة وصفتها {كمن هو خالدٌ في النّار} وإنّما قيل ذلك كذلك، استغناءً بمعرفة السّامع معنى الكلام، ولدلالة قوله: {كمن هو خالدٌ في النّار} على معنى قوله: {مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون}.
وقوله: {وسقوا ماءً حميمًا} يقول تعالى ذكره: وسقي هؤلاء الّذين هم خلودٌ في النّار ماءً قد انتهى حرّه فقطّع ذلك الماء من شدّة حرّه أمعاءهم.
- كما: حدّثني محمّد بن خلفٍ العسقلانيّ، قال: حدّثنا حيوة بن شريحٍ الحمصيّ، قال: حدّثنا بقيّة، عن صفوان بن عمرٍو، قال: ثني عبيد اللّه بن بسرٍ، عن أبي أمامة الباهليّ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {ويسقى من ماءٍ صديدٍ يتجرّعه} قال: يقرّب إليه فيتكرّهه، فإذا أدني منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شرب قطّع أمعاءه حتّى يخرج من دبره قال: يقول اللّه {وسقوا ماءً حميمًا فقطّع أمعاءهم} يقول اللّه عزّ وجلّ {يشوي الوجوه بئس الشّراب وساءت مرتفقًا}). [جامع البيان: 21/199-202]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا الحسن بن حليمٍ المروزيّ، أنبأ أبو الموجّه، أنبأ عبدان، أنبأ عبد اللّه، أنبأ صفوان بن عمرٍو، عن عبد اللّه بن بشرٍ، عن أبي أمامة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله عزّ وجلّ {ويسقى من ماءٍ صديدٍ يتجرّعه} [إبراهيم: 17] قال: " يقرّب إليه فيتكرّهه، فإذا أدني منه شوى وجهه ووقع فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتّى يخرج من دبره، يقول اللّه عزّ وجلّ {وسقوا ماءً حميمًا فقطّع أمعاءهم} [محمد: 15] يقول اللّه عزّ وجلّ: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه بئس الشّراب} [الكهف: 29] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2/496]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 15.
أخرج ابن جريج، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {أنهار من ماء غير آسن} قال: غير متغير). [الدر المنثور: 13/362]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله {من ماء غير آسن} قال: غير منتن). [الدر المنثور: 13/362]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه {وأنهار من لبن لم يتغير طعمه} قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يحلب). [الدر المنثور: 13/362]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله {وأنهار من لبن لم يتغير طعمه} قال: لم يخرج من بين فرث ودم {وأنهار من خمر لذة للشاربين} قال: لم تدنسه الرجال بأرجلهم {وأنهار من عسل مصفى} قال: لم يخرج من بطون النحل). [الدر المنثور: 13/362]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والترمذي وصححه، وابن المنذر، وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الجنة بحر اللبن وبحر الماء وبحر العسل وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار منها بعد). [الدر المنثور: 13/362]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحرث بن أبي أسامة في مسنده والبيهقي عن كعب رضي الله عنه قال: نهر النيل نهر العسل في الجنة ونهر دجلة نهر اللبن في الجنة ونهر الفرات نهر الخمر في الجنة، ونهر سيحان نهر الماء في الجنة). [الدر المنثور: 13/363]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن الكلبي رضي الله عنه في قوله: {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن} الآية قال: حدثني أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسرى بي فانطلق بي الملك فانتهى بي إلى نهر الخمر فإذا عليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقلت للملك: أي نهر هذا فقال: هذا نهر دجلة، فقلت له: إنه ماء قال هو في ماء في الدنيا يسقي الله به من يشاء وهو في الآخرة خمر لأهل الجنة، قال: ثم انطلقت مع الملك إلى نهر الرب فقلت للملك: أي نهر هذا قال: هو جيحون وهو الماء غير آسن وهو في الدنيا ماء يسقي الله به من يشاء وهو في الآخرة ماء غير آسن ثم انطلق بي فأبلغني نهر اللبن الذي يلي القبلة فقلت للملك: أي نهر هذا قال: هذا نهر الفرات فقلت: هو ماء، قال: هو ماء يسقي الله به من يشاء في الدنيا وهو لبن في الآخرة لذرية المؤمنين الذين رضي الله عنهم وعن آبائهم ثم انطلق بي فأبلغني نهر العسل الذي يخرج من جانب المدينة فقلت للملك الذي أرسل معي: أي نهر هذا قال: هذا نهر مصر، قلت: هو ماء، قال: هو ماء يسقي الله به من يشاء في الدنيا وهو في الآخرة عسل لأهل الجنة {ولهم فيها من كل الثمرات} يقول: في الجنة {ومغفرة من ربهم} يقول: لذنوبهم). [الدر المنثور: 13/363-364]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي وائل رضي الله عنه قال: جاء رجل يقال له نهيك بن سنان إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال: يا أبا عبد الرحمن كيف تقرأ هذا الحرف أياء تجده أم ألفا من ماء غير ياسن أو من ماء غير آسن فقال له عبد الله رضي الله عنه: وكل القرآن أحصيت غير هذا فقال إني لأقرأ المفصل في ركعة، قال: هذا كهذا الشعر إن قوما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن القرآن إذا وقع في القلب فرسخ نفع إني لأعرف النظائر التي كان يقرأ بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 13/364]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن سعد بن طريف رضي الله عنه قال: سألت أبا إسحاق رضي الله عنه عن {ماء غير آسن} قال: سألت عنها الحارث فحدثني أن الماء الذي غير آسن تسنيم قال: بلغني أنه لا تمسه يد وأنه يجيء الماء هكذا حتى يدخل فمه والله تعالى أعلم). [الدر المنثور: 13/364]