تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن أظلم ممّن افترى على اللّه الكذب وهو يدعى إلى الإسلام واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}.
يقول تعالى ذكره: ومن أشدّ ظلمًا وعدوانًا ممّن اختلق على اللّه الكذب، وهو قول قائلهم للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: هو ساحرٌ وما جاء به سحرٌ، فكذلك افتراؤه على اللّه الكذب وهو يدعى إلى الإسلام يقول: إذا دعي إلى الدّخول في الإسلام، قال على اللّه الكذب، وافترى عليه الباطل {واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}. يقول: واللّه لا يوفّق القوم الّذين ظلموا أنفسهم بكفرهم به لإصابة الحقّ). [جامع البيان: 22/614]
تفسير قوله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون}.
يقول تعالى ذكره: يريد هؤلاء القائلون لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: هذا ساحرٌ مبينٌ {ليطفئوا نور اللّه بأفواههم}. يقول: يريدون ليبطلوا الحقّ الّذي بعث اللّه به محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم {بأفواههم}. يعني بقولهم إنّه ساحرٌ، وما جاء به سحرٌ {واللّه متمّ نوره} يقول: اللّه معلنٌ الحقّ، ومظهرٌ دينه، وناصرٌ محمّدًا عليه الصّلاة والسّلام على من عاداه، فذلك إتمام نوره، وعني بالنّور في هذا الموضع الإسلام.
وكان ابن زيدٍ يقول: عني به القرآن.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ليطفئوا نور اللّه بأفواههم} قال: نور القرآن.
واختلفت القرأة في قراءة قوله تعالى: {واللّه متمّ نوره} فقرأته عامّة قرأة المدينة والبصرة وبعض الكوفيّين: (متمٌّ نوره) بالنّصب. وقرأه بعض قرأة مكّة وعامّة قرأة الكوفة: {متمّ} بغير تنوينٍ {نوره} خفضًا، وهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ عندنا
وقوله: {ولو كره الكافرون}. يقول: واللّه مظهرٌ دينه، ناصرٌ رسوله، ولو كره الكافرون باللّه). [جامع البيان: 22/614-615]
تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) )
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {ليظهره على الدّين كله ولو كره المشركون} قال: إذا أنزل عليهم ابن مريم لم يكن في الأرض دينٌ إلا دين الإسلام. قال: فذلك قوله عزّ وجلّ: {ليظهره على الدين كله}). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 62] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون}.
يقول تعالى ذكره: اللّه الّذي أرسل رسوله محمّدًا بالهدى ودين الحقّ، يعني ببيان الحقّ {ودين الحقّ} يعني: وبدين اللّه، وهو الإسلام.
وقوله: {ليظهره على الدّين كلّه}. يقول: ليظهر دينه الحقّ الّذي أرسل به رسوله على كلّ دينٍ سواه، وذلك عند نزول عيسى ابن مريم، وحين تصير الملّة واحدةً، فلا يكون دينٌ غير الإسلام.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن أبي المقدام ثابت بن هرمزٍ، عن أبي هريرة، {ليظهره على الدّين كلّه} قال: خروج عيسى ابن مريم.
وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في معنى قوله: {ليظهره على الدّين كلّه}. والصّواب عندنا من القول في ذلك بعلله فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
- وقد: حدّثني عبد الحميد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا الأسود بن العلاء، عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن، عن عائشة، قالت: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: لا يذهب اللّيل والنّهار حتّى تعبد اللاّت والعزّى. فقالت عائشة: واللّه يا رسول اللّه إن كنت لأظنّ حين أنزل اللّه {هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه} الآية، أنّ ذلك سيكون تامًّا، فقال: إنّه سيكون من ذلك ما شاء اللّه، ثمّ يبعث اللّه ريحًا طيّبةً، فيتوفّى من كان في قلبه مثقال حبّةٍ من خردلٍ من خيرٍ، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم). [جامع البيان: 22/615-616]