العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > القراءات والإقراء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 10:42 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي القراءات في سورة الفاتحة

القراءات في سورة الفاتحة


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 10:46 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

مقدمات القراءات في سورة الفاتحة

قال أبو بكر أحمد بن موسى ابن مجاهد التميمي البغدادي (ت: 324هـ): (سُورَة فَاتِحَة الْكتاب). [السبعة في القراءات: 103]
قال أبو بكر أحمد بن موسى ابن مجاهد التميمي البغدادي (ت: 324هـ): (ذكر اخْتِلَاف الْقُرَّاء فِي فَاتِحَة الْكتاب). [السبعة في القراءات: 104]
قال أبو بكر أحمد بن الحسين ابن مهران الأصبهاني (ت: 381هـ): (فاتحة الكتاب). [الغاية في القراءات العشر: 137]
قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني (ت: 408هـ): (فاتحة الكتاب).[المنتهى: 2/541]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (اختلافهم في فاتحة الكتاب). [التبصرة: 61]
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444هـ): (سورة أم القرآن). [التيسير في القراءات السبع: 126]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :( (سورة أم القرآن) ). [تحبير التيسير: 186]
قال أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي (ت: 465هـ): (كتاب الفرش
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فاتحة الكتاب). [الكامل في القراءات العشر: 478]
قال أحمد بن علي بن خلف ابن الباذش الأنصاري (ت: 540هـ): (فرش الحروف
سورة أم القرآن). [الإقناع: 2/595]
قال القاسم بن فيرُّه بن خلف الشاطبي (ت: 590هـ): (سورة أم القرآن). [الشاطبية: 9]
- قال علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت: 643هـ): (سورة أم القرآن). [فتح الوصيد: 2/213]
- قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ):(سورة أم القرآن). [كنز المعاني: 1/351]
- قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): (سورة أم القرآن:
هي الفاتحة؛ سميت بذلك لأنها أول القرآن، وأم الشيء: أصله وأوله، ومن ذلك تسمية مكة بأم القرى، ومنه: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} أي أصله، وهو اللوح المحفوظ؛ لأن كل كائن مكتوب فيه، وقوله في الآيات المحكمات: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ}. أي أصل الكتاب؛ لأن تحمل المتشابهات عليها وترد إليها. وقيل: سميت أم القرآن؛ لأن سور القرآن تتبعها كما يتبع الجيش أمه، وهي الراية. وقيل: فيه وجوه أخر، وتسمى بأسماء أخر، أشهرها سورة الحمد، وفاتحة الكتاب؛ لأن الكتاب العزيز بها يفتح كتابة وتلاوة). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/237]
- قال عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي (ت: 1403هـ): (سورة أم القرآن). [الوافي في شرح الشاطبية: 50]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (2 - بَابُ الْبَسْمَلَةِ وَأُمِّ الْقُرْآنِ). [الدرة المضية: 16]
- قال محمد بن الحسن بن محمد المنير السمنودي (ت: 1199هـ):(باب البسملة وأم القرآن). [شرح الدرة المضيئة: 39]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (وقال الإمام أبو محمّدٍ مكّيٌّ في إبانته: ذكر اختلاف الأئمّة المشهورين غير السّبعة في سورة " الحمد " ممّا يوافق خطّ المصحف ويقرأ به). [النشر في القراءات العشر: 1/47]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (سورة أم القرآن). [تقريب النشر في القراءات العشر: 215]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (سورة أمّ القرآن). [طيبة النشر: 38]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (سورة أم القرآن). [شرح طيبة النشر لابن الجزري: 48]
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): (سورة أم القرآن). [شرح طيبة النشر للنويري: 1/300]
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): (قال القتبي: أصل «السورة» الهمز، من: أسأرت: أبقيت، أو الواو من: سورة المجد، وهو الارتفاع.
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/300]
ولها خمسة عشر اسما: فاتحة الكتاب؛ لأنها يفتح بها القرآن، [وأم الكتاب]، وأم القرآن؛ لأنها [مبدأ القرآن ومفتتحه]، فكأنها أصله ومنشؤه، وكذلك تسمى أساسا، وسورة الكنز، والواقية، والكافية، والشافية، والشفاء، وسورة الحمد والشكر والدعاء، وتعليم المسألة لاشتمالها عليها، والصلاة؛ لوجوب قراءتها أو استحبابها فيها، والسبع المثاني؛ لأنها سبع آيات
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/301]
اتفاقا [عند الجمهور]، إلا [أن] منهم من عد التسمية. دون أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: 7]، ومنهم من عكس فثنّى في الصلاة، والكاملة، والرقية.
...
فائدة:
[الصحيح] أنه يجوز أن يقال: سورة الحمد وسورة البقرة، وكذا ورد في الصحيحين.
وقيل: إنما يقال: السورة التي يذكر فيها الحمد أو البقرة).
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/302]
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (سورة الفاتحة). [إتحاف فضلاء البشر: 1/357]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): (سورة الفاتحة). [غيث النفع: 317]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): (وقيل نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة، ولذلك سميت مثاني). [غيث النفع: 317] (م)
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): (سورة الفاتحة). [معجم القراءات: 1/2]

سبب التسمية بأم القرآن:
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (سورة أم القرآن
يعني الفاتحة؛ سميت بذلك لأنها أول القرآن، وأم كل شيء: أصله، كما سميت مكة أم القرى، وقيل لأن سور القرآن تتبعها كما يتبع الجيش أمه، وهي
[شرح طيبة النشر لابن الجزري: 48]
الراية، وقيل غير ذلك). [شرح طيبة النشر لابن الجزري: 49]

نزول السورة
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (وهي مكية في قول ابن عباس، ومدنية في قول مجاهد). [التبصرة: 61]
قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): (وهي مكية وقيل
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/237]
نزلت بالمدينة أيضا). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/238]
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (مكية، وقيل مدنية). [إتحاف فضلاء البشر: 1/357]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): (مكية في قول ابن عباس وقتادة، ومدنية في قول أبي هريرة ومجاهد وعطاء، وقيل نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة، ولذلك سميت مثاني، والصحيح الأول.
وفائدة معرفة المكي والمدني: معرفة الناسخ المنسوخ لأن المدني ينسخ المكي). [غيث النفع: 317]

عد الآي:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (وهي سبع آيات في المدني والكوفي، غير أن الكوفي يعد {بسم الله الرحمن الرحيم} آية، ولا يعدها المدني، ويعد المدني {أنعمت عليهم} آية، ولا يعدها الكوفي). [التبصرة: 61]
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): ("آيها" سبع متفق الإجمال
وخلافها اثنان:
بسم الله الرحمن الرحيم: عدها مكي وكوفي ولم يعد "أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ" [الآية: 7] وعكسه مدني وبصري وشامي، وفيها شبه الفاصلة إياك نعبد.
وسبب الاختلاف في الآي أن النبي كان يقف على رءوس الآي للتوقيف فإذا علم محلها وصل للإضافة والتمام فيحسب السامع
[إتحاف فضلاء البشر: 1/357]
أنها ليست فاصلة وأيضا البسملة نزلت مع السور في بعض الأحرف السبعة، فمن قرأ بحرف نزلت فيه عدها ومن قرأ بغير ذلك لم يعدها). [إتحاف فضلاء البشر: 1/358]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): (وآياتها سبع بالإجماع، لكن من لم يعد البسملة آية في {الصراط} إلى {عليهم} آية، و{غير} إلى {الضالين} آية أخرى، ومن عدها فكلها عنده آية واحدة.
[غيث النفع: 317]
جلالتها أي ما فيها من اسم الله واحدة، هذا إن قلنا:
إن البسملة ليست بآية، ولا بعض آية من أول الفاتحة ولا من أول غيرها، وإنما كتبت في المصاحف للتيمن والتبرك.
أو إنها في أول الفاتحة لابتداء الكتاب على عادة الله عز وجل في ابتداء كتبه، وفي غير الفاتحة للفصل بين السور).
[غيث النفع: 318]

الإمالات
قال أبو بكر أحمد بن الحسين ابن مهران الأصبهاني (ت: 381هـ): (ذكر الإمالات
التي تفرد بها قتيبة عن الكسائي بطريق النهاوندي على طريق الغاية وقد اختار ابن مهران رحمه الله هذا الطريق
سورة الفاتحة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران المقرئ رحمه الله روى النهاوندي عن قتيبة (الحمد لله رب العالمين) (2) بكسر اللام من "الله" كسراً لطيفاً في جميع القرآن ويكسر هنا من "بالله" ومن "دون الله" (........) وما أشبه ذلك.
(مالك يوم الدين) (4) رواه لنا أبو بكر بن مقسم بإمالة الميم، والذي قرأناه في روايته التي يعتمدها وقرأنا بها بالفتح. والله أعلم). [الغاية في القراءات العشر: 459]

غير مصنف:
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (ولما لم يمكن بعد ذكر الكلام في الاستعاذة والبسملة إلا بيان ما اختلف فيه من الحروف بدأ بسورة الحمد، ثم ذكر ما لا يتكرّر في غيرها، ثم أتبعه بما تكرّر فيها وفي غيرها). [شرح طيبة النشر لابن الجزري: 49]
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): (وأول مسائلها «الرحيم مالك»، لكنه باب كبير فقدم جزئياتها، ثم عقد له بابا، وقدمها على الأصول؛ تنبيها على ترتيب المتقدمين). [شرح طيبة النشر للنويري: 1/302]
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): (مهمة:
اعلم أن كلام الله- تعالى- واحد بالذات، متّفقه ومختلفه، فعلى هذا لا تفاضل فيه؛ ولهذا قال ثعلب: إذا اختلف الإعراب في القرآن [عن السبعة لم أفضل إعرابا على إعراب في القرآن]، فإذا خرجت إلى كلام الناس فضلت الأقوى. نقله أبو عمر الزاهد في «اليواقيت».
والصواب أن بعض الوجوه يترجح [بعضها] على بعض باعتبار موافقة الأفصح أو الأشهر أو الأكثر من كلام العرب؛ لقوله تعالى: قُرْآناً عَرَبِيًّا [يوسف: 2] وإذا تواترت
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/302]
القراءة علم كونها من الأحرف السبعة، ولم يتوقف على عربية ولا رسم؛ لأن من لازم قرآنيته وجودهما؛ لأنه لا يكون إلا متصفا بهما، وإنما يذكران لبيان وجود الشرط وتحقيقه؛ ولهذا ينبغي أن يقال: وجه القراءة من العربية، ولا يقال: علة القراءة؛ لعدم توقفها عليها وتأخرها عنها، والله أعلم). [شرح طيبة النشر للنويري: 1/303]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): (مدغمها واحد ليس فيها من ياءات الإضافة ولا من المدغم الجائز المختلف فيه بين القراء شيء). [غيث النفع: 325]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): (تفريع
إذا وصلت سورة البقرة بالفاتحة من قوله تعالى {غير المغضوب عليهم} - والوقف على ما قبله جائز، وليس بحسن، على ما قاله العماني لتعلقه بما قبله، وحسن على ما قاله الداني لما روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يقف عند أواخر الآيات.
وهذه آخر آية عند المدني والبصري والشامي إلى (المتقين): يأتي على ما يقتضيه الضرب أربعمائة وجه وثلاثة وجهًا، بيانها:
لقالون ستة وتسعون، بيانها أنك تضرب خمسة {الرحيم} وهي الطويل والتوسط والقصر والروم والوصل في ثلاثة {الضالين} وهي الطويل والتوسط والقصر خمسة عشر، ثم اضرب الخمسة عشر في ثلاثة (المتقين) خمسة وأربعون، تضيف إليها ثلاثة (المتقين) مع وصل الجميع ثمانية وأربعون، هذا على تسكين الميم، ويأتي مثله على ضمها، فبلغ العدد ما ذكر.
[غيث النفع: 326]
ولورش ستون وجهًا، ثمانية وأربعون على البسملة كقالون، واثنا عشر على تركها، وبيانها أنك تضرب ثلاثة {الضالين} إذا سكت عليه في ثلاثة (المتقين) تسعة، وعلى الوصل ثلاثة (المتقين) فالمجموع اثنا عشر.
وللمكي ثمانية وأربعون كقالون إذا ضم الميم، وللدوري ستون كورش، وللسوسي كذلك، وإنما لم يعدّ معه لمخالفته له في إدغام {فيه هدى} [البقرة 2]
وللشامي ستون كورش، وعاصم كالمكي، وعلى كذلك، ولحمزة ثلاثة أوجه كوصل ورش، فبلغ العدد ما ذكر.
ولا أعني بقولي (من كذا إلى كذا، كذا كذا وجها) أن كل وجه يخالف الآخر في كل أمر، بل تكفي المخالفة ولو في شيء واحد.
وهذا الضرب اعتني به من تساهل من المتأخرين، وقرءوا به وذكروه في كتبهم، وبعضهم أفرده بالتأليف، وهو خلاف الصواب، ولم يسمح لي شيخنا رحمه الله تعالى بالقراءة به، لأنه فيه تركيب الطرق وتخليطها.
وقال الجعبري: «هو ممتنع في كلمة وكذا في كلمتين إن تعلقت إحداهما بالأخرى، وإلا كره».
وقال الشيخ النويري في شرح الدرة: «والقراءة بخلط الطرق وتركيبها حرام أو مكروه أو معيب».
وقال المحقق بعد أن نقل كلام غيره في تركيب ا لقراءات بعضها ببعض: «والصواب عندنا في ذلك التفصيل، وهو إن كانت إحدى القراءاتين مترتبة على الأخرى فالمنع من
[غيث النفع: 327]
ذلك تحريم، كمن يقرأ {فتلقى ءادم من ربه كلمات} [البقرة 37] بالرفع فيهما، أو بالنصب، أخذ رفع {ءادم} من قراءة غير المكي ورفع {كلمات} من قراءته، وأما من لم يكن كذلك فإنا نفرق فيه بين مقام الرواية وغيرها، فإن قرأ بذلك على سبيل الرواية فإنه لا يجوز أيضًا من حيث أنه كذب في الرواية، وتخليط على أهل الدراية، وإن لم يكن على سبيل النقل والرواية، بل على سبيل التلاوة فإنه جائز، وإن كنا نعيبه على أئمة القراءات العارفين باختلاف الروايات من وجه تساوي العلماء بالعوام لا من وجه أن ذلك مكروه أو حرام» انتهى مختصرًا.
وجزم في مواضع أخر بالكراهة من غير تفصيل، والتفصيل هو التحقيق، وقال شيخنا رحمه الله ف ينظمه في {ءالآن} [يونس 51]:
فالطول للتركيب لا يجوز = تاركه بأجره يفوز
وقال القسطلاني: «وأما كثرة الوجوه التي قرأ بها بين السورتين بحيث بلغت الألوف فإنما ذلك عند المتأخرين دون المتقدمين، لأنهم كانوا يقرءون القراءات طريقًا طريقًا، فلا يقع لهم إلا القليل من الأوجه، وأما المتأخرون فقرءوها رواية رواية، بل قراءة قراءة، بل أكثر حتى صاروا يقرأون الختمة الواحدة للسبعة أو العشرة، فتشعبت معهم الطرق وكثرت الأوجه، وحينئذ يجب على القارئ الاحتراز من التركيب في الطرق، ويميز بعضها من بعض، وإلا وقع فيما لا يجوز، وقراءة ما لم ينزل، وقد وقع في هذا كثير من المتأخرين» انتهى.
فإذا فهمت هذا فتعلم أن الصحيح من هذه الأوجه مائة وسبعة عشر، لقالون أربعة وعشرون، بيانها: أنك تأتي بالطويل في {الضآلين} و{الرحيم} ووصله مع الطويل
[غيث النفع: 328]
في (المتقين) فيهما فهذه ثلاثة أوجه، ومثلها مع التوسط في {الضآلين} ومثلها مع القصر تسعة، ثم تصل الجمع مع ثلاثة {للمتقين} تصير اثنى عشر، فهذه على تسكين الميم يندرج معه فيها كل من بسمل وسكن الميم، ولذا تعطف السوسي بالإدغام في {فيه هدى} في جميع الأوجه ويأتي مثلها على ضمها.
ولورش ثمانية عشر وجهًا: إذا بسمل كقالون إذا سكن، وإذا سكت فثلاثة: تطويل {الضآلين} و{للمتقين} وتوسطهما وقصرهما، وإذا وصل فثلاثة {للمتقين}.
وللمكي اثنا عشر وجهًا: كقالون إذا ضم، ويندرج معه إلا أنك تعطفه بالصلة في {فيه} في جميع الوجوه.
والبصري والشامي كورش، ويندرجان معه مع ترك البسملة، إلا أنك تعطف السوسي بالإدغام.
وعاصم وعلي كقالون إذا سكن، وحمزة كورش إذا وصل، ولا يندرج معه لأنه يضم هاء {عليهم} ). [غيث النفع: 329]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 10:49 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي الاستعاذة

الاستعاذة

قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني (ت: 408هـ): (باب الاستعاذة
قال أبو الفضل أقرأني أبو علي بن حبشٍ، عن الحسن بن عطية، عن حمزة بإخفاء التعوذ في كل القرآن، وهي رواية الحلواني عن خلف، وخلاد، وإبراهيم بن زربي، عن سليم.
وقرأ ابن كثير إلا في رواية الهاشمي، وأبو عمرو، وأبو بحرية، وعاصم إلا في رواية الدويري طريق الرازي (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
[المنتهى: 1/534]
وقرأت على أبي بكر ابن الشارب، عن أبي بكر الزينبي عن قنبل، وعلى أبي عدي (أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم).
وقرأت على أبي بكر الهبيري، عن هبيرة (أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الرجيم).
وقرأت عن نافع إلا في رواية أبي عدي، وأبي جعفر، وابن عامر، والكسائي (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم). وبه قرأت على ابن حبش فيما أظن، والله أعلم.
وقرأت عن سهل وأيوب (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم).
[المنتهى: 1/535]
وقرأت عن يعقوب، وسلام، وأبي عبيد، وخلفٍ كأبي عمرو.
وعن حمزة نستعيذ. وليس لها عن الأئمة نص فيما علمت، وقد قال الحلواني وليس للاستعاذة حد ينتهي إليه، من شاء زاد، ومن شاء نقصه. وقد جعل لها وللتسمية كتابًا مفردًا.
والاختيار: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)؛ للحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[المنتهى: 1/536]
وجاء تصديقه {فإذا قرأت القرآن} الآية [النحل: 98]). [المنتهى: 1/537]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (ذكر الاستعاذة والاختلاف في البسملة
اعلم وفقك الله للصواب أن الرواية في الاستعاذة قد عدمت عن كثير من القراء، ورويت عن بعض، فروى الحلواني عن خلف عن سليم عن حمزة إخفاء التعوذ والجهر بالبسملة في فاتحة الكتاب، وروى ابن زربى عن سليم إخفاءهما جميعًا، وروى المسيبي عن نافع ترك التعوذ والجهر بالبسملة، وليس هذا كتاب تقصي الروايات، وإنما نذكر في هذا الباب وغيره حسبما قرأت به، وأنبه على اليسير مما خالفه؛ والمختار لجميع القراء المعول عليه أن يبتدئ القارئ بأعوذ بالله من الشيطان الرجيم جهرًا لقوله تعالى: {وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} ). [التبصرة: 58]
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444هـ): (باب ذكر الاستعاذة
اعلم أن المستعمل عند الحذاق من أهل الأداء في لفظها: (أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم)، دون غيره. وذلك لموافقة الكتاب والسّنة.
فأما الكتاب فقوله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم}.
وأما السّنة فما رواه نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن النّبي، صلى الله عليه وسلم، أنه استعاذ قبل قراءة القرآن بهذا اللّفظ بعينه. وبذلك قرأت، وبه آخذ.
ولا أعلم خلافًا بين أهل الأداء في الجهر بها عند افتتاح القرآن، وعند الابتداء برؤوس الأجزاء، وغيرها، في مذهب الجماعة، اتباعا للنّص، واقتداء بالسنة.
فأما الرّواية بذلك فوردت عن أبي عمرو أداء، من طريق
[التيسير في القراءات السبع: 122]
أبي حمدون عن اليزيدي، عنه. ومن طريق محمّد بن غالب، عن شجاع، عنه.
وروى إسحاق المسيبي عن نافع أنه كان يخفيها في جميع القرآن.
وروى سليم عن حمزة أنه كان يجهر بها في أول أم القرآن خاصّة، ويخفيها بعد ذلك في سائر القرآن.
كذا قال خلف عنه.
وقال خلاد عنه: إنه كان يجيز الجهر بها في ذلك والإخفاء جميعًا، ولا ينكر على من جهر، ولا على من أخفى.
والباقون: لم يأت عنهم في ذلك شيء منصوص. واللّه أعلم). [التيسير في القراءات السبع: 123]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :( (باب ذكر الاستعاذة)
اعلم أن المستعمل عند الحذاق من أهل الأداء في لفظها:
[تحبير التيسير: 181]
أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم دون غيره وذلك لموافقة الكتاب والسّنة [فأما] الكتاب فقوله تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم: فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم) وأما السّنة فما رواه نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنه أستعاذ قبل القراءة بهذا اللّفظ بعينه وبذلك قرأت وبه آخذ ولا أعلم خلافًا بين أهل الأداء في الجهر بها عند افتتاح القرآن وعند الابتداء برءوس الأجزاء وغيرها في مذهب الجماعة اتباعا للنّص واقتداء بالسنة.
فأما الرّواية بذلك فوردت عن أبي عمرو أداء من طريق [أبي] حمدون عن
[تحبير التيسير: 182]
اليزيدي عنه، ومن طريق محمّد بن غالب عن شجاع عنه، وروى إسحاق المسيبي عن نافع أنه كان يخفيها في جميع القرآن وروى سليم عن حمزة أنه كان يجهر بها في أول أم القرآن خاصّة ويخفيها بعد ذلك في سائر القرآن. كذا قال خلف عنه، وقال خلاد عنه: أنه كان يجيز الجهر والإخفاء جميعًا. ولا ينكر على من [يجهر] ولا على من [يخفي] والباقون لم يأت عنهم في ذلك شيء منصوص [والله أعلم] ). [تحبير التيسير: 183]
قال أحمد بن علي بن خلف ابن الباذش الأنصاري (ت: 540هـ): (باب: الاستعاذة
المحتاج إلى معرفته في هذا الباب لفظ الاستعاذة، وصورة استعمالها:
فأما لفظها: فلم يأت فيه عن أحد من السبعة نص، وقد قال أبو الحسن أحمد بن يزيد الحلواني: ليس للاستعاذة حد تنتهي إليه، من شاء زاد، ومن شاء نقص.
واختلف أهل الأداء فيها اختلافا شديدا، فقال لنا أبو القاسم -رحمه الله- عن أبي معشر، عن الرفاعي، عن الخزاعي: إنه قرأ على أبي عدي لورش: "أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم" وهي رواية أهل مصر عن ورش، فيما ذكر الأهوازي.
وبه قرأت على أبي القاسم من طريقه، وكذا روي ابن الشارب عن
[الإقناع: 1/149]
الزينبي عن قنبل، وليست رواية الزينبي في كتابي هذا، ولكني لا أزال أذكر الشيء من رواية لم أضمنها الكتاب على طريق الفائدة والتنبيه، وتنشيط القارئ إلى طلب تلك الروايات والبحث عنها، فاعلمه.
وقيل عن نافع أيضا: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم".
وقيل عن ابن عامر والكسائي: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم" وبه أخذ أبو علي بن حبش في رواية السوسي، وأراه اختيارا منه كما اختار التكبير من {وَالضُّحَى} وكان يأخذ به لجميع القراء.
وقيل عن هبيرة عن حفص: "أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الرجيم".
وقيل عن حمزة: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم"
[الإقناع: 1/150]
وقيل عنه أيضا: "أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم".
واختار بعضهم لجميع القراء: "أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي".
ولكل لفظ من ألفاظ الاستعاذة وجه يستند إليه، وقولهم: "الاستعاذة" يصلح بهذه الألفاظ كلها، ولا يعين واحد منها.
والذي صار إليه معظم أهل الأداء، وأختاره لجميع القراء: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" لما روى عبد الله بن مسعود وأبو هريرة وجبير بن مطعم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه استعاذ عند القراءة بهذا اللفظ بعينه، وجاء تصديقه في التنزيل، قال الله عز وجل: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] فندبه إلى استعمال هذا اللفظ عندما يريد القراءة، والمعنى: فإذا أردت قراءة القرآن.
[الإقناع: 1/151]
وأما صورة استعمالها، فالقراء فيه على ثلاثة أقسام:
قسم ورد عنه إخفاؤها.
وقسم ورد عنه الجهر بها.
وقسم لم يرد عنه نص على إخفاء، ولا جهر.
القسم الأول: ينقسم ثلاثة أقسام: الإخفاء في جميع القرآن وفاتحة الكتاب، والإخفاء في جميع القرآن إلا فاتحة الكتاب، والتخيير بين الإخفاء والجهر.
فأما الإخفاء في جميع القرآن وفاتحة الكتاب: فرواه خلف وأبو حمدون عن المسيبي عن نافع، وإبراهيم بن زربي عن سليم عن حمزة.
وأما الإخفاء في جميعه إلا فاتحة الكتاب: فرواه الحلواني عن خلف.
وأما التخيير: فرواه الحلواني عن خلاد.
وهل تدخل أم القرآن في التخيير؟
فعندي أنها لا تدخل؛ حملا على روايته عن خلف.
[الإقناع: 1/152]
القسم الثاني: روى القصباني عن محمد بن غالب عن شجاع عن أبي عمرو إخفاء الميم من "الرجيم" عند الباء من "بسم الله" إذا آثر الإدغام، وهذا يقتضي الجهر، وكذلك ورد عن أبي حمدون عن اليزيدي عن أبي عمرو أداء.
وذكر عثمان بن سعيد أن ما ورد عن أبي عمرو من الجهر أداء لا نص.
القسم الثالث: سائر القراء لم يرد عنهم نص عن جهر، ولا إخفاء.
والمختار للجماعة الجهر بالاستعاذة، وقد صارت رواية الإخفاء عندهم كالمرفوضة، ورب شيء هكذا يروى ثم يسقط العمل به، وسيمر بك في هذا الكتاب من ذلك أشياء إن شاء الله.
[الإقناع: 1/153]
قال أبو جعفر: الاستعاذة مقدمة على التسمية عند ابتداء القراءة لا عند انتهائها، سواء بدأت بأول سورة أو رأس جزء أو غيرهما، ولك أن تصلها بالتسمية في نَفَس واحد وهو أتم؛ لأنك تكمل الاستفتاح، ولك أن تسكت عليها ولا تصلها بالتسمية، وذلك أشبه بمذهب أهل الترتيل، فأما من لم يسم فالأشبه عندي أن يسكت عليها ولا يصلها بشيء من القرآن، ويجوز وصلها به، والله أعلم). [الإقناع: 1/154]
قال القاسم بن فيرُّه بن خلف الشاطبي (ت: 590هـ): (باب الاستعاذة
95 - إِذَا مَا أَرَدْتَ الدَّهْرَ تَقْرَأُ فَاسْتَعِذْ = جِهَاراً مِنَ الشَّيْطَانِ بِاللهِ مُسْجَلاَ
96 - عَلَى مَا أَتَى في النَّحْلِ يُسْراً وَإِنْ تَزِدْ = لِرَبِّكَ تَنْزِيهاً فَلَسْتَ مُجَهَّلاَ
97 - وَقَدْ ذَكَرُوا لَفْظَ الرَّسُولِ فَلَمْ يَزِدْ = وَلَوْ صَحَّ هذَا النَّقْلُ لَمْ يُبْقِ مُجْمَلاَ
98 - وَفِيهِ مَقَالٌ في الْأُصُولِ فُرُوعُهُ = فَلاَ تَعْدُ مِنْهَا بَاسِقاً وَمُظَلِّلاَ
99 - وَإِخْفَاؤُهُ فَصلْ أَبَاهُ وَعُاَتُنَا = وَكَمْ مِنْ فَتىً كالْمَهْدَوِي فِيهِ أَعْمَلاَ). [الشاطبية: 8]
- قال علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت: 643هـ): (الاستعاذة
[95] إذا ما أردت الدهر تقرأ فاستعذ = جهارًا من الشيطان بالله مسجلا
الاستعاذة : استدعاء عصمة الله ومنعه؛ إذ التعوذ الالتجاء إليه والاعتصام به.
وقوله: (إذا ما أردت)، تنبيه على معنى قوله عز وجل: {فإذا قرأت القرءان ..}؛ لأن معناه: وإذا أردت قراءة القرآن ، وهو كقولك : إذا أكلت فسم الله ؛ أي إذا أردت الأكل.
وقد تمسك قومٌ بظاهره ، فذهبوا إلى الاستعاذة بعد القراءة ؛ وليس ذلك معناه، وإنما هو استغناء بالفعل عن ذكر الإرادة لشدة اتصاله بها، ولكونه موجودًا عنها.
وقوله: (جهارًا)، هو المختار لسائر القراء.
والمسجل : المطلق؛ أي لجميع القراء وفي جميع القرآن .
[فتح الوصيد: 2/197]
[96] على ما أتي في النحل يسرًا وإن تزد = لربك تنزيهًا قلت فلست مجهلا
أي على اللفظ الذي أتى في النحل؛ أي بـ : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
ومعنى (يسرًا)، أي ميسرا . والميسَّر: المسهل؛ فهو في موضع الحال. وزيادة التنزيه أن تقول: أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم؛ أو أعوذ بالله السميع العليم، ونحو ذلك.
[97] وقد ذكروا لفظ الرسول فلم يزد = ولو صح هذا النقل لم يُبق مجملا
هو ما روي عن ابن مسعود أنه قال: «قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أعوذ بالله السميع العليم، فقال لي: يا ابن أم عبد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. هكذا أقرأنيه جبريل عن القلم عن اللوح المحفوظ». وفي بعض الطرق: «هكذا أخذتها عن جبريل عن ميكائيل عن اللوح المحفوظ».
[فتح الوصيد: 2/198]
وروى نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل القراءة : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
ولو صح هذا النقل لارتفع الإجمال، ولتقيد به إطلاق الآية، ولكنه المختار، لموافقته لفظ الآية، ولورود الحديث على الجملة.
وأصل أَعُوذُ، أَعْوُذُ، فاستثقلت الضمة على الواو، فنقلت إلى العين.
[98] وفيه مقالٌ في الأصول فروعه = فلا تعدُ منها باسقًا ومُظللا
يعني أصول الفقه وأصول القراءات.
أما أصول الفقه، ففيها فروع ذلك المقال؛ أي ما تشعب منه. وذلك أن القراء يقولون اتباعًا لنص الكتاب، فلا بد من معرفة النص والظاهر، وهل هذا الأمر على الوجوب أم لا ؟!
وأما أصول القراءات ففيها الحديثُ في استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتاج إلى معرفة ما قيل في سنده.
والباسق: الطويل المرتفع.
والمظلل : الساتر بظله من استظل به.
[فتح الوصيد: 2/199]
[99] وإخفاؤه (فـ ) صلٌ (أ)باه وعاتُنا = وكم من فتًى كالمهدوي فيه أعملا
نقل إخفاء التعوذ عن حمزة ونافع في قوله: (فصلٌ أباه وعاتُنا)، وأشار بظاهر اللفظ إلى ضعف هذا المذهب.
قال الحافظ أبو عمرو : «روى المسيبي عن نافع إخفاء الاستعاذة في جميع القرآن.
وروى سليم عن حمزة أنه كان يجهر بها في أول أم القرآن ، ويخفيها بعد ذلك في جميع القرآن، كذا قال خلف عنه.
وقال خلاد : إنه كان يجيز الجهر والإخفاء جميعًا».
ولم يذكر في القصيد الجهر بها عن حمزة في رواية خلف عن سليم في أول الفاتحة خاصة، لضعف ذلك.
وروى الحُلواني عن خلف قال : «كنا نقرأ على سليم، فنخفي التعوذ ونجهر ببسم الله في الحمد خاصة، وتخفيهما جميعًا في سائر القرآن».
وروى غير الحلواني عن سليم أنه كان يخفيهما جميعًا في ذلك كله.
وكذلك لم يذكر التخيير لخلاد غير سليم؛ لأنه لا معول عليه، وإنما ذكر مذهب حمزة في الإخفاء وهو الذي نقله الأئمة، ونبه على أنه مرغوب عنه عند الوعاة الحذاق.
[فتح الوصيد: 2/200]
والغرض بإخفائه الفصل بينه وبين البسملة، فإنها عنده آية من الفاتحة ليفصل بين القرآن وغيره.
وذكر المهدوي وغيره الإخفاء ، وأخذوا به في الفاتحة وغيرها.
وروي عن نافع أيضًا الإخفاء للفرق كما سبق.
وروى عنه ترك التعوذ أصلًا، إشعارًا بأن الأمر على الندب لا على الوجوب.
ولم ينقل المهدوي عن نافع الإخفاء).[فتح الوصيد: 2/201]
- قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ): ( [1] باب الاستعاذة:
ب: الاستعاذة: طلب الإعاذة، وهي: العصمة كالاستجارة والاستغاثة، من (عاذ به): إذا التجأ إليه.
ح: (بابُ): خبر مبتدأ محذوف.
ص: يقول: هذا بابٌ يذكر فيه مذاهب القراء في الاستعاذة قبل القراءة، ولفظ الاستعاذة على اختلافه خبر بمعنى الدعاء.
[95] إذا ما أردت الدهر تقرأ فاستعذ = جهارًا من الشيطان بالله مسجلا
ب: (الإرادة): القصد، و(الجهار): الإعلان، مصدر (جاهر) كـ (قاتل قتالا)، أو (جهر) كـ (حسب حسابًا)، و(الإسجال): الإطلاق.
ح: (إذا) ظرف زمان فيه معنى الشرط، و(ما): زائدة لتأكيد الشريط، و (الدهر): ظرف لـ (أردت)، أي: في جميع الدهر و(تقرأ): في تقدير: (أن تقرأ) بمعنى القراءة، فلما حذف (أن) رفع الفعل، كما تقول: (تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه)، و(تقرأ): في موضع النصب مفعولًا لـ (أردت)، و(فاستعذ): جواب الشرط، و (جهارًا): صفة مصدر محذوف، أي: تعوذا جهارًا، أي: ذا جهار، أو حال، أي: مجاهرًا، (بالله): صلة (فاستعذ)، و (مسجلا): صفة أيضًا للمصدر المحذوف، أو حال.
[كنز المعاني: 1/326]
ص: يقول: إذا أردت قراءة القرآن في سائر الأزمان: فتعوذ بالله من الشيطان تعوذًا معلنًا مطلقًا لجميع القراء في جميع القرآن، لا يختص بقارئ وبسورة وبحزبٍ دون غيرها، مأخوذ من قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم)} [النحل: 98].
أي: إذا أردت القراءة بإطلاق اللازم وإرادة الملزوم، كقوله تعالى: {إذا قمتم إلا الصلاة فاغسلوا وجوهكم} [المادة: 6]، وصرح الشيخ بذلك بقوله: (إذا ما أردت).
واعلم أن الجهار إنما يحسن بحضرة من يسمع قراءته، فأما من يقرأ خاليًا أو في الصلاة فالإخفاء أولى.
[96] على ما أتى في النحل يُسرًا وإن تزد = لربك تنزيهًا فلست مجهلا
ب: (أتى): ورد، (في النحل): في سورة النحل، وهو قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98]، (اليسر) السهل، (التنزيه): تبرئة الله عن كل سوء، (المجهل): المنسوب إلى الجهل.
[كنز المعاني: 1/327]
ح: (على ما أتى): منصوب المحل نعتًا آخر للتعوذ، أو حالًا، أي: معتمدًا على ما أتى، (يسرًا): مصدر بمعنى الحال، أي: ميسرًا، (تزد) من (زاد) المتعدي إلى المفعولين نحو قوله تعالى: {وزدناهم هدًى} [الكهف: 13] أحدهما: محذوف، والآخر: (تنزيهًا)، أي: وإن تزد الاستعاذة تنزيهًا، و(لربك): مفعول له، أي: تزد لأجل الله تنزيهًا، ويجوز أن يكون (لربك): صلة لـ (تنزيهًا) وعمل المصدر فيما قبله للاتساع في الظروف، ويجوز أن يكون (لربك): مفعولًا أولًا، زيدت اللام للتأكيد.
ص: أي: استعذ كما ورد في سورة لنحل من غير زيادة تنزيه عليه، حال كون ذلك سهلًا ميسرًا، لكونه أقل حروفًا وكلماتٍ، وإن زدت الاستعاذة تنزيهًا بأن قلت: (أعوذ بالله السميع العليم)، أو (أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم)، ونحوه لم تُنسب إلى الجهل، لأنه أيضًا
[كنز المعاني: 1/328]
مروي مرضي.
[97] وقد ذكروا لفظ الرسول فلم يزد = ولو صح هذا النقل لم يبق مجملا
ب: (الإجمال): في أصول الفقه: كون اللفظ مشتركًا بين معنيين فصاعدًا، نحو: {ثلاثة قروء} [البقرة: 228]، وههنا بمعنى الإطلاق، وكلاهما قريب.
ح: (مجملًا): بمعنى إجمالًا: أو صفة موصوف محذوف، أي: لفظًا موصوفًا بالإجمال.
[كنز المعاني: 1/329]
ص: أي: قد ذكر جماعة من القراء أخبارًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزد الرسول صلى الله عليه وسلم لفظةً على ما ورد في النحل.
كما روي عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بالله السميع
[كنز المعاني: 1/330]
العليم من الشيطان الرجيم، فقال: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
وكلاهما ضعيف معارض بما هو أصح منه، نحو: ما أخرج أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام بالليل يقول: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه».
[كنز المعاني: 1/331]
وأشار إلى الضعف بقوله:
............ = ولو صح هذا النقل لم يُبق مجملا
لأن (لو) لامتناع الشيء لامتناع غيره، وإجمال الآية: أنها لا تدل إلا على طلب الاستعاذة، فبأي لفظٍ طلب المخاطب حصل المقصود، كما في قوله تعالى: {وسئلوا الله من فضله} [النساء: 32]، وأما تعيين لفظ دون آخر فمعنى لم يُفهم من إطلاق الآية.
[98] وفيه مقالٌ في الأصول فروعه = فلا تعد منها باسقًا ومظللا
ب: (المقال): مصدر بمعنى المفعول، (الأصل): ما يتفرع منه غيره، و (الفرع): ما يتفرع من غيره، (لا تعد): لا تتجاوز، (الباسق): الشجر المرتفع، (المظلل): ما له ظلٌ لكثرة فروعه.
[كنز المعاني: 1/332]
ح: (مقال): مبتدأ، (فروعه): مبتدأ ثانٍ، (في الأصول): خبره، والجملة: صفة المبتدأ الأول، و(فيه): خبر، وضمير (فيه): راجع إلى التعوذ، وفي (منها): إلى (فروعه)، و(باسقًا): صفة موصوفٍ محذوف، أي: فرعًا باسقًا، وهو مفعول (لا تعد)، وكذلك: (مظللًا).
والمراد بـ (الأصول): أصول الفقه؛ لأن الأصولي يبحث: أن الأمر هل هو للوجوب أم لا؟ وأن مثل {فاستعذ بالله} [النحل: 98] هل هو نص حتى يصح الاستدلال به في تعيين هذا اللفظ أم مجمل حتى لا يصح؟ أو أمهات كتب القراءة؛ لأن فيها تفاريع هذا
[كنز المعاني: 1/333]
البحث.
ص: يعني: أن في التعوذ، هل يتعين على ما في النحل أم لا؟ كلامٌ في أصول الفقه، أو في طوال كتب القراءة شعبه وأقسامه، فتأملها ولا تتجاوز عن الرفيع المظلل منها، أي: عن القول الراجح المشهور.
[99] وإخفاؤه فصلٌ أباه وعاتنا = وكم من فتى كالمهدوي فيه أعملا
ب: (أبى الأمر): إذا عصاه، و(الوعاة): جمع واعٍ بمعنى الحافظ، (المهدوي): هو أبو العباس أحمد بن عمار المقرئ، منسوب إلى (المهدية)
[كنز المعاني: 1/334]
قرية من بلاد المغرب، (أعمل الفكر): إذا حمله على العمل.
ح: (اخفاؤه): مبتدأ، خبره: (فصلٌ)، (أباه وعاتنا): جملة وصف بها الخبر، و(كم) الخبرية: مرفوعة المحل على الابتداء، وخبره: (أعملا)، ومفعول (أعملا): محذوف، أي: أعمل الفكر.
ص: أي: إخفاء التعوذ قسمٌ من أقسام الكلام رده علماؤنا الوعاة للعلوم، لأن الآية مطلقة، فتقييدها بالإخفاء خلاف الظاهر، ولا يقال: تقييدها بالجهر أيضًا خلاف الظاهر؛ لأن المقصود إظهار شعار القرآن، والجهر أظهر لشعاره.
والفاء: رمز حمزة، والألف: رمز نافع، والواو في (وعاتنا) -: للفصل، أي: روي الإخفاء عن حمزة ونافع.
[كنز المعاني: 1/335]
وفي قوله: (وإخفاؤه فصلٌ) إشارة إلى أن الإخفاء للفصل بين القرآن وغيره). [كنز المعاني: 1/336]
- قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): (باب: الاستعاذة
كل ما يأتي في كتب العلماء من قولهم: باب، أو فرع، أو نحو ذلك فهو خبر مبتدأ محذوف. وبعضهم يظهره: أي هذا باب نذكر فيه مذاهب القراء في الاستعاذة قبل القراءة، وهي طلب الإعاذة من الله تعالى، وهي عصمته كالاستجارة والاستعانة والاستغاثة، يقال: عذت بفلان واستعذت به: أي لجأت إليه، ولفظ الاستعاذة على اختلافه كما سيأتي ذكره كلفظ الخبر، ومعناه الدعاء: أي اللهم أعذني.
95-
إِذَا مَا أَرَدْتَ -الدَّهْرَ- تَقْرَأُ فَاسْتَعِذْ،.. جِهَاراً مِنَ الشَّيْطَانِ بِاللهِ مُسْجَلا
الدهر منصوب على الظرف وجهارا مصدر في موضع الحال: أي مجاهرا أو جاهرا أو يكون نعت مصدر محذوف: أي تعوذا جهارًا أي ذا جهار، وهذا في استعاذة القارئ على المقرئ أو بحضرة من يسمع قراءته أما من قرأ خاليا أو في الصلاة فالإخفاء له أولى، ومسجلا: بمعنى مطلقا لجميع القراء في جميع القرآن لا يختص ذلك بقارئ دون غيره ولا بسورة ولا بحزب ولا بآية دون باقي السور والأحزاب والآيات، وهذا بخلاف البسملة على ما سيأتي، ووقت الاستعاذة ابتداءُ القراءة على ذلك العمل في نقل الخلف عن السلف إلا ما شذ عن بعضهم أن موضعها بعد الفراغ من القراءة، وقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} معناه إذا أردت القراءة كقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا}. وقول
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/219]
النبي -صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم فليستنثر، ومن أتى الجمعة فليغتسل". كل ذلك على حذف الإرادة للعلم بها، وأظهر الشاطبي -رحمه الله- في نظمه ذلك المقدر المحتاج إليه في الآية، وهو الإرادة فقال: إذا ما أردت الدهر تقرأ،.. ولم يقل إذا ما قرأت الدهر للكل فاستعذ إشارة إلى تفسير الآية وشرحها، وهو كقولك: إذا أكلت فسم الله إذا أردت الأكل استغنى بالفعل عن ذكر الإرادة؛ لشدة اتصاله بها، ولكونه موجودا فيها.
96-
عَلَى مَا أَتَى في النَّحْلِ يُسْراً وَإِنْ تَزِدْ،.. لِرَبِّكَ تَنْزِيهاً فَلَسْتَ مُجَهَّلا
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/220]
أي استعذ معتمدا على ما أتى في سورة النحل دليلا ولفظا، وهو قوله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}، فهذا اللفظ هو أدنى الكمال في الخروج عن عهدة الأمر بذلك، ولو نقص منه بأن قال: أعوذ بالله من الشيطان ولم يقل الرجيم كان
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/221]
مستعيذا، ولم يكن آتيا باللفظ الكامل في ذلك، ويسرا مصدر في موضع الحال من فاعل أتى أي أتى ذا يسر، أي سهلا ميسرا وتيسره قلة كلماته فهو أيسر لفظا من غيره على ما سنذكره، وزاد يتعدى إلى مفعولين نحو قوله تعالى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدىً}. والمفعول الأول هنا محذوف: أي وإن تزد لفظ الاستعاذة تنزيها: أي لفظ تنزيه يريد بذلك أن تذكر صفة من صفات الله تعالى تثني عليه بها سواء كانت صفة سلب أو ثبوت نحو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم، أو أعوذ بالله السميع العليم فكل صفة أثبتها له فقد نزهته عن الاتصاف بضدها وقوله: لربك متعلق بتنزيها، ولا يمتنع ذلك من جهة كونه مصدرا فلا يتقدم معموله عليه فإن هذه القاعدة مخالفة ي الظروف؛ لاتساع العرب فيها وتجويزها من الأحكام فيها ما لم تجوزه في غيرها، وقد ذكرت ذلك في نظم المفصل وقررناه في الشرح الكبير، ومن منع هذا قدر لأجل تعظيم ربك وقيل لربك هو المفعول الأول دخلت اللام زائدة أي وإن تزد ربك تنزيها وقوله: فلست مجهلا أي منسوبا إلى الجهل؛ لأن ذلك كله صواب مروي، وليس في الكتاب ولا في السنة الثابتة ما يرد ذلك.
97-
وَقَدْ ذَكَرُوا لَفْظَ الرَّسُولِ فَلَمْ يَزِدْ،.. وَلَوْ صَحَّ هذَا النَّقْلُ لَمْ يُبْقِ مُجْمَلا
أي: وقد ذكر جماعة من المصنفين في علم القراءات أخبارا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغيره لم يزد لفظها على ما أتى في النحل.
منها: "أن ابن مسعود رضي
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/222]
الله عنه قرأ على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أعوذ بالله السميع العليم فقال: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
وعن جبير بن مطعم قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
وكلا الحديثين ضعيف والأول لا أصل له في كتب أهل الحديث.
والثاني أخرجه أبو داود بغير هذه العبارة وهو: "أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه".
ثم يعارض كل واحد منهما بما هو أصح منهما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه". قال الترمذي: هو أشهر حديث في هذا الباب. وفي صحيح أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة عن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "أنه كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ونفخه وهمزه ونفثه".
وأشار بقوله: ولو صح هذا النقل إلى عدم صحته كما ذكرناه، وقوله: لم يبق مجملا أي إجمالا في الآية وذلك أن آية النحل لا تقتضي إلا طلب أن يستعيذ القارئ بالله من الشيطان الرجيم فبأي لفظ فعل المخاطب فقد حصل المقصود كقوله تعالى: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}.
ولا يتعين للسؤال هذا اللفظ فبأي لفظ سأل كان ممتثلا، ففي الآية إطلاق عبر عنه بالإجمال وكلاهما قريب، وإن كان بينهما فرق في علم أصول الفقه.
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/223]
وأما زوال إجمال الآية لصحة ما رواه من الحديث، فوجهه أنه كان يتعين ختما أو أولوية وأياما كان فهو معنى غير المفهوم من الإطلاق والإجمال إذ الألفاظ كلها في الاستعاذة بالنسبة إلى الأمر المطلق سواء يتخير فيها المكلف وإذا ثبتت الأولوية لأحدها أو تعين فقد زال التخيير والله أعلم.
98-
وَفِيهِ مَقَالٌ في الأُصُولِ فُرُوعُهُ،.. فَلاَ تَعْدُ مِنْهَا بَاسِقاً وَمُظَلِّلا
أي في التعوذ قول كثير وكلام طويل تظهر لك فروعه في الكتب التي هي أصول وأمهات، يشير إلى الكتب المطولة في هذا العلم كالإيضاح لأبي علي الأهوازي والكامل لأبي القاسم الهذلي وغيرهما؛ ففيها يبسط الكلام في ذلك ونحوه فطالعها وانظر فيها ولا تتجاوز منها القول الصحيح الظاهر البين المتضح الحجج، وأشار إلى ذلك بقوله: باسقا أي عاليا والمظلل ما له ظل؛ لكثرة فروعه وورقه أي قولا باسقا، وقيل مراده بالأصول علم أصول الفقه لأجل الكلام المتعلق بالنصوص فالهاء في فيه تعود إلى لفظ الرسول أو إلى النقل أو إلى المذكور بجملته، وقد أوضحنا ذلك كله في الشرح الكبير والله أعلم.
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/224]
99-
وَإِخْفَاؤُهُ "فَـ"ـصلْ "أَ"بَاهُ "وَ"عُاَتُنَا،.. وَكَمْ مِنْ فَتىً كالمَهْدَوِي فِيهِ أَعْمَلاَ
أي روى إخفاء التعوذ عن حمزة ونافع؛ لأن الفاء رمز حمزة والألف رمز نافع، وهذا أول رمز وقع في نظمه والواو في وعاتنا للفصل وتكررت بقوله: وكم هذا هو المقصود بهذا النظم في الباطن.
وأما ظاهره فقوله "فصل" يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه فصل من فصول القراءة وباب من أبوابها كرهه مشايخنا وحفاظنا: أي ردوه ولم يأخذوا به والوعاة جمع واع كقاض وقضاة يقال: وعاه أي حفظه:
والثاني أن يكون أشار بقوله فصل إلى بيان حكمة إخفاء التعوذ، وهو الفصل بين ما هو من القرآن وغيره فقوله: وإخفاؤه فصل جملة ابتدائية و"أباه وعاتنا" جملة فعلية وهي صفة لفصل على الوجه الأول مستأنفة على الوجه الثاني؛ لأن الوعاة ما أبوا كونه فاصلا بين القرآن وغيره وإنما أبا الإخفاء الوعاة؛ لأن الجهر به إظهار لشعار القراءة كالجهر بالتلبية وتكبيرات العيد.
ومن فوائده أن السامع له ينصت للقراءة من أولها لا يفوته منها شيء، وإذا أخفى التعوذ لم يعلم السامع بالقراءة إلا بعد أن فاته من المقروء شيء، وهذا المعنى هو الفارق بين القراءة خارج الصلاة وفي الصلاة فإن المختار في الصلاة الإخفاء؛ لأن المأموم منصت من أول الإحرام بالصلاة ثم أشار بقوله: وكم من فتى إلى أن جماعة من المصنفين الأقوياء في هذا العلم اختاروا الإخفاء وقرروه واحتجوا له، وذكر منهم المهدوي وهو أبو العباس أحمد بن عمار المقرئ المفسر مؤلف الكتب المشهورة التفصيل
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/225]
والتحصيل والهداية وشرحها منسوب إلى المهدية من بلاد أفريقية بأوائل المغرب، والهاء في فيه للإخفاء "وأعملا" فعل ماضٍ خبر "وكم من فتى" أي أعمل فكره في تصحيحه وتقريره، وفيه وجوه أخر ذكرناها في الشرح الكبير والله أعلم). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/226]
- قال عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي (ت: 1403هـ): (2 باب الاستعاذة
الاستعاذة: طلب العوذ، وهو الامتناع بالحفظ والعصمة، والمراد هنا الاستعاذة قبل القراءة في مذهب القراء، ولفظ الاستعاذة على اختلافه بالنقص والزيادة خبر بمعنى الدعاء. أي «اللهم أعذني من البلاء وشر الأعداء» والاستعاذة ليست
[الوافي: 40]
من القرآن بإجماع العلماء.
95 - إذا ما أردت الدّهر تقرأ فاستعذ ... جهارا من الشّيطان بالله مسجلا
96 - على ما أتى في النّحل يسرا وإن تزد ... لربّك تنزيها فلست مجهّلا
اللغة: (أردت) قصدت. (الدهر): ظرف الزمان. (الجهار): الإعلان ضد الإخفاء، مصدر جاهر إذا أعلن جهارا، كجاهد جهادا. وهو صفة مصدر محذوف والتقدير تعوذا جهارا أي ذا جهار. ومسجلا اسم مفعول أسجل بمعنى أطلق فمسجلا:
بمعنى مطلقا وهو أيضا صفة المصدر المحذوف أي: تعوذا جهارا مطلقا. وقوله: (على ما أتى): جار ومجرور متعلق بمحذوف وصف آخر للمصدر المحذوف أي: تعوذا كائنا على اللفظ الذي ورد في سورة النحل. و(اليسر): السهل وهو مصدر منصوب في موضع الحال من فاعل أتى أي: حال كون هذا اللفظ يسرا أي: ذا يسر وسهولة. و(التنزيه):
التقديس. و(المجهل): المنسوب للجهل اسم مفعول.
والمعنى: إذا أردت قراءة القرآن في أي زمن من الأزمان، ولأي قارئ من القراء، ومن أي جزء من أجزاء القرآن، سواء كان ذلك أول السورة أو أثناءها فتعوذ في ابتداء قراءتك تعوذا مجهورا به مطابقا للفظ الوارد في سورة النحل، حال كون هذا اللفظ ميسرا في النطق سهلا على اللسان لقلة كلماته وحروفه، بأن تقول في ابتداء قراءتك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من غير أن تزيد على هذا اللفظ شيئا، وإن شئت زيادة التعظيم لربك بوصف كمال ونعت جلال، فلست منسوبا إلى الجهل؛ لأنك أتيت بما يفيد كمال تنزيه الله عزّ وجلّ وتبرئته من جميع النقائص، كأن تقول: أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، أو أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وهكذا. وقد نبه الناظم بقوله: إذا ما أردت إلخ، إلا أن قوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ معناه فإذا أردت قراءة القرآن، فاستعذ، فيكون في الآية مجاز مرسل من إطلاق اسم المسبب وإرادة اسم السبب كقوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة.
[الوافي: 41]
97 - وقد ذكروا لفظ الرّسول فلم يزد ... ولو صحّ هذا النّقل لم يبق مجملا
اللغة: (الواو): في ذكروا لعلماء القرآن والمحدثين. ولفظ (الرسول): أي تعوذه أو استعاذته. و(مجملا): مصدر ميمي المراد به الحدث «أي إجمالا».
والمعنى: أن جماعة من القراء والمحدثين ذكروا تعوذ الرسول صلّى الله عليه وسلم، فلم يزد الرسول شيئا على اللفظ الوارد في سورة النحل، فمن ذلك ما روى أن ابن مسعود قرأ على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، فقال له الرسول صلّى الله عليه وسلم: «يا ابن أم عبد قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، وروى نافع عن جبير بن مطعم أن الرسول صلّى الله عليه وسلم كان يقول: «أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم». وهذان الحديثان ضعيفان، قال أبو شامة: والأول لا أصل له في كتب الحديث، والثاني أخرجه أبو داود ولكن بغير هذه العبارة. وليس أدل على ضعف الحديثين من ورود أحاديث أخر أصح سندا منهما تعارضهما: منها: ما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري: قال: كان رسول الله صلّى الله
عليه وسلم إذا قام من الليل يقول «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه»، قال الترمذي: هو أشهر حديث في هذا الباب. وفي صحيح ابن خزيمة عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهمزه ونفخه ونفثه». وقد أشار الناظم إلى ضعف الحديثين السابقين وأمثالهما بقوله: ولو صح هذا النقل لم يبق مجملا؛ والمراد بالإجمال: الإطلاق، أي لو صحّ نقل ترك الزيادة لذهب إجمال الآية، واتضح معناها وتعين لفظها، فلا يجوز العدول عنه.
المعنى: لو كانت الأحاديث الدالة على ترك الزيادة على آية النحل ثابتة صحيحة السند لم تبق إجمالا في الآية، بل تكون الآية حينئذ واضحة المعنى، بينة المراد متعينا لفظها عند التعوذ فيقال:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بلا زيادة عليه أو نقص عنه، ولكن هذه الأحاديث الدالة على ترك الزيادة ضعيفة معارضة بأصح منها سندا، فحينئذ تبقى الآية على إجمالها وإطلاقها فلا يتقيد القارئ بلفظها، بل يجوز له النقص عنه بأن
[الوافي: 42]
يقول: أعوذ بالله من الشيطان، والزيادة عليه بأن يقول: أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، أو نحو ذلك، ويعتبر القارئ عندئذ ممتثلا للأمر في الآية الكريمة سواء نقص عنها لفظا أو زاد عليها لفظا، أو اثنين، أو ثلاثة، ومما ينبغي التنبه له:
أن الأمر في الآية الكريمة للندب على ما ذهب إليه جماهير العلماء من السلف والخلف.
98 - وفيه مقال في الأصول فروعه ... فلا تعد منها باسقا ومظلّلا
اللغة: ضمير (فيه): يعود على التعوذ. و(مقال): مصدر ميمي، والمراد به القول. و(الفروع):
جمع فرع وهو الغصن. و(الباسق): الشجر الطويل المرتفع. و(المظلل): ما له ظل لكثرة ورقه.
والمعنى: أن في التعوذ قولا كثيرا، وكلاما طويل الذيل، ممتد النسق، انتشرت فروعه في أصول الفقه، وأصول الحديث، وأصول القراءات. فأما أصول الفقه: فيبحث فيها عن التعوذ من حيث إن الأمر به في الآية؛ هل هو للوجوب أو للندب؟ وهل الآية واضحة الدلالة فيتعين لفظها أم مجملة فيصلح كل لفظ يدل على التعوذ؟. وأما أصول الحديث:
فيبحث فيها عن درجة الأحاديث الدالة على التعوذ وعن سندها وحال رواتها. وأما أصول القراءات- والمراد بها أمهات الكتب المؤلفة في هذا الشأن ك «الكامل» للإمام الهذلي، و«الإيضاح» للأهوازي، و«جامع البيان» للداني- فيبحث فيها عن التعوذ من حيث الجهر به والإخفاء، ومن حيث الوقف عليه أو وصله بما بعده. وقوله: فلا تعد منها باسقا ومظللا، معناه: فارجع إلى هذه الأصول وأمعن النظر فيها ولا تتجاوز منها القول الذي
تعضده الأدلة، وتؤازره البراهين. فكنى بالباسق والمقال عن هذا القول.
99 - وإخفاؤه فصل أباه وعاتنا ... وكم من فتى كالمهدوي فيه أعملا
اللغة: (الإخفاء): الإسرار، وضمير (وإخفاؤه): يعود على التعوذ، و(أبى الشيء):
تجنبه وامتنع من فعله. و(الوعاة) جمع واع كقضاة جمع قاض وهو الحافظ المدقق، وقد جرى كثير من شراح القصيدة على أن الفاء رمز لحمزة والألف رمز لنافع. وعلى هذا يكون.
المعنى: أن حمزة ونافعا كانا يخفيان التعوذ عند قراءتهما. وممن أخذ به لحمزة مطلقا في جميع القرآن: الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي المقرئ المفسر المتوفّى سنة
[الوافي: 43]
ثلاثين وأربعمائة، فإنه أعمل فكره في تصحيح الإخفاء وتقريره والقراءة والإقراء به، وروى خلف عن سليم عن حمزة أنه كان يجهر بالتعوذ في أول الفاتحة ويخفيه في سائر القرآن. وروى خلاد عن سليم أن حمزة كان يخير القارئ بين الجهر والإخفاء في التعوذ. وروى المسيبي عن نافع أنه كان يخفي التعوذ في جميع القرآن. وعلى هذا يكون قول الناظم: وإخفاؤه فصل، في قوة الاستثناء من عموم قوله: فاستعذ جهارا من الشيطان بالله مسجلا؛ فإنه بعمومه يدل على الأمر بالتعوذ جهارا في جميع الأوقات، وفي سائر القرآن، ولجميع القراء. ولكن الصحيح:
أن لا رمز في البيت، وأن قوله: فصل: معناه: فرق، وأنه بيان لحكمة إخفاء التعوذ، وهو الفرق بين القرآن وغيره، أو معناه: أن إخفاء التعوذ حكم من أحكامه. وكيفية من كيفياته، فكأنه قال: إخفاء التعوذ فرق بين القرآن وغيره، أو كيفية من كيفياته، ردّه- أي الإخفاء- علماؤنا الحفاظ الأثبات ولم يأخذوا به، بل أخذوا بالجهر به في جميع القرآن، ولكل القراء، كما أفاد ذلك عموم قوله: فاستعذ جهارا من الشيطان بالله مسجلا؛ ذلك أن الجهر بالتعوذ إظهار لشعار القراءة كالجهر بالتلبية وتكبيرات العيد. ومن فوائد الجهر به: أن السامع للقراءة يتمكن من الإصغاء لها من أولها، فلا يفوته شيء منها، وإذا أخفى القارئ التعوذ فلا يعلم السامع للقراءة إلا بعد أن يفوته شيء منها. وهذا المعنى هو الفارق بين القراءة في الصلاة وخارجها فإن المستحب للقارئ في الصلاة إخفاء التعوذ وإن كان إماما وفي صلاة جهرية؛ لأن المأموم منصت في الصلاة من أول الإحرام فلا يفوته شيء من قراءة إمامه.
وفصل الخطاب في هذا المقام أن يقال: إن التعوذ يستحب إخفاؤه في مواطن، والجهر به في مواطن أخرى، فمواطن الإخفاء:
(1) إذا كان القارئ يقرأ سرّا، سواء كان منفردا أم في مجلس.
(2) إذا كان خاليا سواء قرأ سرّا أم جهرا.
(3) إذا كان في الصلاة، سواء كانت الصلاة سرية أم جهرية، وسواء كان منفردا أم
مأموما أو إماما.
(4) إذا كان يقرأ وسط جماعة يتدارسون القرآن، كأن يكون في مقرأة ولم يكن هو المبتدئ بالقراءة، وما عدا هذه المواطن يستحب الجهر بالتعوذ فيها.
[الوافي: 44]
«تتمة» لو قطع القارئ قراءته لطارئ قهري كعطاس أو تنحنح- أو كلام يتعلق بمصلحة القراءة؛ كأن شك في شيء في القراءة وسأل من بجواره ليتثبت؛ فإنه لا يعيد التعوذ. أما لو قطعها إعراضا عنها، أو لكلام لا تعلق له بها ولو ردّا لسلام؛ فإنه يستأنف التعوذ). [الوافي: 45]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (باب اختلافهم في الاستعاذة
والكلام عليها من وجوهٍ (الأوّل) في صيغتها وفيه مسألتان:
(الأولى) أنّ المختار لجميع القرّاء من حيث الرّواية (أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم) كما ورد في سورة النّحل فقد حكى الأستاذ أبو طاهر بن سوارٍ وأبو العزّ القلانسيّ وغيرهما الاتّفاق على هذا اللّفظ بعينه، وقال الإمام أبو الحسن السّخاويّ في كتابه " جمال القرّاء " إنّ الّذي عليه إجماع الأمّة هو: (أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم) ، وقال الحافظ أبو عمرٍو الدّانيّ أنّه هو المستعمل عند الحذّاق دون غيره، وهو المأخوذ به عند عامّة الفقهاء: كالشّافعيّ وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم، وقد ورد النّصّ بذلك عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ففي الصّحيحين من حديث سليمان بن صردٍ رضي اللّه عنه قال: استبّ رجلان عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن عنده جلوسٌ وأحدهما يسبّ صاحبه مغضبًا قد احمرّ وجهه. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجده - لو قال - أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. الحديث لفظ
[النشر في القراءات العشر: 1/243]
البخاريّ في باب الحذر من الغضب في كتاب الأدب، ورواه أبو يعلى الموصليّ في مسنده عن أبيّ بن كعبٍ رضي اللّه عنه، وكذا رواه الإمام أحمد والنّسائيّ في عمل اليوم واللّيلة، وهذا لفظه نصًّا، وأبو داود ورواه أيضًا التّرمذيّ من حديث معاذ بن جبلٍ بمعناه. وروي هذا اللّفظ من التّعوّذ أيضًا من حديث جبير بن مطعمٍ، ومن حديث عطاء بن السّائب عن السّلميّ عن ابن مسعودٍ. وقد روى أبو الفضل الخزاعيّ عن المطّوّعيّ عن الفضل بن الحباب عن روح بن عبد المؤمن، قال: قرأت على يعقوب الحضرميّ فقلت: أعوذ بالسّميع العليم. فقال لي: قل (أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم) فإنّي قرأت على سلّام بن المنذر فقلت: أعوذ بالسّميع العليم فقال لي: قل (أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم) فإنّي قرأت على عاصم بن بهدلة فقلت: أعوذ بالسّميع العليم فقال لي: قل (أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم) فإنّي قرأت على زرّ بن حبيشٍ فقلت: أعوذ بالسّميع العليم فقال لي: قل (أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم) فإنّي قرأت على عبد اللّه بن مسعودٍ فقلت: أعوذ بالسّميع العليم فقال لي: قل (أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم) فإنّي قرأت على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت: أعوذ بالسّميع العليم فقال لي: يا ابن أمّ عبدٍ قل (أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم) هكذا أخذته عن جبريل عن ميكائيل عن اللّوح المحفوظ.
حديثٌ غريبٌ جيّد الإسناد من هذا الوجه (وروّيناه مسلسلًا) من طريق روحٍ أيضًا قرأت على الشّيخ الإمام العالم العارف الزّاهد جمال الدّين أبي محمّدٍ، محمّد بن محمّد بن محمّد بن محمّد بن الجمّاليّ النّسائيّ مشافهةً فقلت: أعوذ بالسّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على الشّيخ الإمام شيخ السّنّة سعد الدّين محمّد بن مسعود بن محمّدٍ الكارزينيّ فقلت: أعوذ بالسّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على أبي الرّبيع عليّ بن عبد الصّمد بن أبي الجيش: أعوذ بالسّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على والدي: أعوذ بالسّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على محيي الدّين أبي محمّدٍ
[النشر في القراءات العشر: 1/244]
يوسف بن عبد الرّحمن بن عليّ بن محمّد بن الجوزيّ أعوذ بالسّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على والدي أعوذ بالسّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على أبي الحسن عليّ بن يحيى البغداديّ أعوذ بالسّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على أبي بكرٍ محمّد بن عبد الباقي الأنصاريّ: أعوذ بالسّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على هنّاد بن إبراهيم النّسفيّ: أعوذ بالسّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على محمود بن المثنّى بن المغيرة. أعوذ باللّه السّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على أبي عصمة محمّد بن أحمد السّجزيّ: أعوذ باللّه السّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على أبي محمّدٍ عبد اللّه بن عجلان بن عبد اللّه الزّنجانيّ: أعوذ باللّه السّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على أبي عثمان سعيد بن عبد الرّحمن الأهوازيّ: أعوذ باللّه السّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على محمّد بن عبد اللّه بن بسطامٍ: أعوذ باللّه السّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على روح بن عبد المؤمن: أعوذ باللّه السّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على يعقوب بن إسحاق الحضرميّ: أعوذ باللّه السّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على سلّام بن المنذر: أعوذ باللّه السّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على عاصم بن أبي النّجود: أعوذ باللّه السّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على زرّ بن حبيشٍ: أعوذ باللّه السّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على عبد اللّه بن مسعودٍ: أعوذ باللّه السّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أعوذ باللّه السّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه
[النشر في القراءات العشر: 1/245]
من الشّيطان الرّجيم. فإنّي قرأت على جبريل: أعوذ باللّه السّميع العليم فقال لي: قل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. ثمّ قال لي: جبريل هكذا أخذت عن ميكائيل وأخذها ميكائيل عن اللّوح المحفوظ.
(وقد أخبرني) بهذا الحديث أعلى من هذا شيخاي الإمامان، الوليّ الصّالح أبو العبّاس أحمد بن رجبٍ المقرئ وقرأت عليه، أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم، والمقرئ المحدّث الكبير يوسف بن محمّدٍ السّومريّ البغداديّان فيما شافهني به، وقرأ على أبي الرّبيع بن أبي الحبش المذكور، وأخبرني به عاليًا جدًّا جماعةٌ من الثّقات منهم أبو حفصٍ عمر بن الحسن بن مزيد بن أميلة المراغيّ، وقرأت عليه أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم، عن شيخه الإمام أبي الحسن عليّ بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاريّ، قال: أخبرنا الإمام أبو الفرج عبد الرّحمن بن عليّ بن محمّد بن الجوزيّ في كتابه فذكره بإسناده، وروى الخزاعيّ أيضًا في كتابه المنتهى بإسنادٍ غريبٍ عن عبد اللّه بن مسلم بن يسارٍ قال: قرأت على أبيّ بن كعبٍ فقلت: أعوذ باللّه السّميع العليم فقال: يا بنيّ عمّن أخذت هذا؟ قل أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم كما أمرك اللّه عزّ وجلّ.
(الثّانية) دعوى الإجماع على هذا اللّفظ بعينه مشكلةٌ والظّاهر أنّ المراد على أنّه المختار فقد ورد تغيير هذا اللّفظ والزّيادة عليه والنّقص منه كما سنذكره ونبيّن صوابه (وأمّا أعوذ) فقد نقل عن حمزة فيه، أستعيذ، ونستعيذ، واستعذت، ولا يصحّ، وقد اختاره بعضهم كصاحب الهداية من الحنفيّة قال: لمطابقة لفظ القرآن يعني قوله تعالى: (فاستعذ باللّه) وليس كذلك وقول الجوهريّ: عذت بفلانٍ واستعذت به، أي: لجأت إليه، مردودٌ عند أئمّة اللّسان، بل لا يجزي ذلك على الصّحيح كما لا يجزي: أتعوّذ، ولا تعوّذت، وذلك لنكتةٍ ذكرها الإمام الحافظ العلّامة أبو أمامة محمّد بن عليّ بن عبد الرّحمن بن النّقّاش - رحمه اللّه تعالى - في كتابه (اللّاحق السّابق والنّاطق الصّادق) في التّفسير فقال: بيان الحكمة الّتي لأجلها
[النشر في القراءات العشر: 1/246]
لم تدخل السّين والتّاء في فعل المستعيذ الماضي والمضارع فقد قيل له: استعذ، بل لا يقال إلّا أعوذ دون أستعيذ وأتعوّذ واستعذت وتعوّذت، وذلك أنّ السّين والتّاء شأنهما منه أنّ الدّلالة على الطّلب فوردتا إيذانًا بطلب التّعوّذ فمعنى استعذت باللّه أطلب منه أن يعيذك. فامتثال الأمر هو أن يقول، أعوذ باللّه ; لأنّ قائله متعوّذٌ، أو مستعيذٌ قد عاذ والتجأ والقائل أستعيذ باللّه ليس بعائذٍ، إنّما، وهو طالبٌ العياذ كما تقول أستخير، أي: أطلب خيرته، وأستقيله أي: أطلب إقالته وأستغفره وأستقيله، أي: أطلب مغفرته ; في فعل الأمر إيذانًا بطلب هذا المعنى من المعاذية، فإذا قال المأمور: أعوذ باللّه، فقد امتثل ما طلب منه، فإنّه طلب منه نفس الاعتصام والالتجاء وفرقٌ بين الاعتصام وبين طلب ذلك، فلمّا كان المستعيذ هاربًا ملتجأً معتصمًا باللّه أتى بالفعل الدّالّ على طلب ذلك فتأمّله. قال: والحكمة الّتي لأجلها امتثل المستغفر الأمر بقوله لها: أستغفر اللّه أنّه يطلب المغفرة الّتي لا تتأتّى إلّا منه بخلاف العياذ واللّجأ والاعتصام فامتثل الأمر بقوله: أستغفر اللّه، أي: أطلب منه أن يغفر لي، انتهى. وللّه درّه ما ألطفه وأحسنه، فإن قيل فما تقول في الحديث الّذي رواه الإمام أبو جعفر بن جريرٍ الطّبريّ في تفسيره: حدّثنا أبو كريبٍ، ثنا عثمان بن سعيدٍ، ثنا بشر بن عمارة، ثنا أبو روقٍ، عن الضّحاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: أوّل ما نزل جبريل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: يا محمّد استعذ، قال: أستعيذ بالسّميع العليم من الشّيطان الرّجيم. ثمّ قال: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم. اقرأ باسم ربّك؟ قلت: ما أعظمه مساعدًا لمن قال به لو صحّ فقد قال شيخنا الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثيرٍ - رحمه اللّه - بعد إيراده: وهذا إسنادٌ غريبٌ. قال: وإنّما ذكرناه ليعرف، فإنّ في إسناده ضعفًا وانقطاعًا. قلت: ومع ضعفه وانقطاعه وكونه لا تقوم به حجّةٌ، فإنّ الحافظ أبا عمرٍو الدّانيّ - رحمه اللّه تعالى - رواه على الصّواب من حديث أبي روقٍ أيضًا عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: أوّل ما نزل جبريل - عليه السّلام - على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم علّمه
[النشر في القراءات العشر: 1/247]
الاستعاذة. قال: يا محمّد قل أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. ثمّ قال: قل بسم اللّه الرّحمن الرّحيم.
والقصد أنّ الّذي تواتر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في التّعوّذ للقراءة ولسائر تعوّذاته من رواياتٍ لا تحصى كثرةً ذكرناها في غير هذا الموضع هو لفظ: أعوذ، وهو الّذي أمره اللّه تعالى به وعلّمه إيّاه فقال: " وقل ربّ أعوذ بك من همزات الشّياطين، قل أعوذ بربّ الفلق، قل أعوذ بربّ النّاس "، وقال عن موسى - عليه السّلام - " أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين، إنّي عذت بربّي وربّكم "، وعن مريم - عليها السّلام - " أعوذ بالرّحمن منك " وفي صحيح أبي عوانة عن زيد بن ثابتٍ رضي اللّه عنه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أقبل علينا بوجهه فقال: تعوّذوا باللّه من عذاب النّار، قلنا نعوذ باللّه من عذاب النّار، قال: تعوّذوا باللّه من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قلنا نعوذ باللّه من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قال: تعوّذوا باللّه من فتنة الدّجّال. قلنا نعوذ باللّه من فتنة الدّجّال فلم يقولوا في شيءٍ من جوابه صلّى اللّه عليه وسلّم نتعوّذ باللّه، ولا تعوّذنا على طبق اللّفظ الّذي أمروا به كما أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يقل أستعيذ باللّه، ولا استعذت على طبق اللّفظ الّذي أمره اللّه به، ولا كان صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه يعدلون عن اللّفظ المطابق الأوّل المختار إلى غيره، بل كانوا هم أولى بالاتّباع وأقرب إلى الصّواب وأعرف بمراد اللّه تعالى، كيف وقد علّمنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كيف يستعاذ فقال: إذا تشهّد أحدكم فليستعذ باللّه من أربعٍ: اللّهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب جهنّم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شرّ فتنة المسيح الدّجّال. رواه مسلمٌ وغيره، ولا أصرح من ذلك.
(وأمّا باللّه) فقد جاء عن ابن سيرين: أعوذ بالسّميع العليم، وقيّده بعضهم بصلاة التّطوّع، ورواه أبو عليٍّ الأهوازيّ عن ابن واصلٍ وغيره عن حمزة، وفي صحّة ذلك عنهما نظرٌ. (وأمّا الرّجيم) فقد ذكر
[النشر في القراءات العشر: 1/248]
الهذليّ في كامله عن شبل بن حميدٍ يعني ابن قيسٍ أعوذ باللّه القادر من الشّيطان الغادر، وحكي أيضًا عن أبي زيدٍ عن أبي السّمّاك " أعوذ باللّه القويّ من الشّيطان الغويّ " وكلاهما لا يصحّ (وأمّا تغييرهما) بتقديمٍ وتأخيرٍ ونحوه فقد روى ابن ماجه بإسنادٍ صحيحٍ من حديث عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه عن النّبيّ - صلّى اللّه عليه وعلى آله وسلّم -: اللّهمّ أنّي أعوذ بك من الشّيطان الرّجيم. وكذا رواه أبو داود من حديث عبد الرّحمن بن أبي ليلة عن معاذ بن جبلٍ، وهذا لفظه والتّرمذيّ بما معناه، وقال: مرسلٌ. يعني أنّ عبد الرّحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذًا ; لأنّه مات قبل سنة عشرين ورواه ابن ماجه أيضًا بهذا اللّفظ عن جبير بن مطعمٍ واختاره بعض القرّاء، وفي حديث أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إذا خرج أحدكم من المسجد فليقل اللّهمّ اعصمني من الشّيطان الرّجيم. رواه ابن ماجه، وهذا لفظه والنّسائيّ من غير ذكر الرّجيم، وفي كتاب ابن السّنّيّ: اللّهمّ أعذني من الشّيطان الرّجيم وفيه أيضًا عن أبي أمامة رضي اللّه عنه: اللّهمّ إنّي أعوذ بك من إبليس وجنوده. وروى الشّافعيّ في مسنده عن أبي هريرة: أنّه تعوّذ في المكتوبة رافعًا صوته: ربّنا إنّا نعوذ بك من الشّيطان الرّجيم (وأمّا الزّيادة) فقد وردت بألفاظٍ منها ما يتعلّق بتنزيه اللّه تعالى (الأوّل) " أعوذ باللّه السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم " نصّ عليها الحافظ أبو عمرٍو الدّانيّ في جامعه، وقال إنّ على استعماله عامّة أهل الأداء من أهل الحرمين والعراقيّين والشّام ورواه أبو عليٍّ الأهوازيّ أدّاه عن الأزرق بن الصّبّاح، وعن الرّفاعيّ عن سليمٍ وكلاهما عن حمزة ونصًّا عن أبي حاتمٍ، ورواه الخزاعيّ عن أبي عديٍّ عن ورشٍ أداءً.
(قلت): وقرأت، أنا به في اختيار أبي حاتمٍ السّجستانيّ، ورواية حفصٍ من طريق هبيرة. وقد رواه أصحاب السّنن الأربعة وأحمد عن أبي سعيدٍ الخدريّ بإسنادٍ جيّدٍ، وقال التّرمذيّ هو أشهر حديثٍ في هذا الباب، وفي مسند أحمد بإسنادٍ صحيحٍ عن معقل بن يسارٍ
[النشر في القراءات العشر: 1/249]
عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: من قال حين يصبح ثلاث مرّاتٍ أعوذ باللّه السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم، ثمّ قرأ ثلاث آياتٍ من آخر سورة الحشر، وكّل اللّه به سبعين ألف ملكٍ يصلّون عليه حتّى يمسي، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيدًا، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة، رواه التّرمذيّ، وقال: حسنٌ غريبٌ. (الثّاني): (أعوذ باللّه العظيم من الشّيطان الرّجيم) ذكره الدّانيّ أيضًا في جامعه عن أهل مصر وسائر بلاد المغرب، وقال إنّه استعمله منهم أكثر أهل الأداء، وحكاه أبو معشرٍ الطّبريّ في سوق العروس عن أهل مصر أيضًا، وعن قنبلٍ والزّينبيّ ورواه الأهوازيّ عن المصريّين عن ورشٍ، وقال على ذلك وجدت أهل الشّام في الاستعاذة، إلّا أنّي لم أقرأ بها عليهم من طريق الأداء عن ابن عامرٍ، وإنّما هو شيءٌ يختارونه ورواه أداءً عن أحمد بن جبيرٍ في اختياره، وعن الزّهريّ وأبي بحريّة وابن مناذر وحكاه الخزاعيّ عن الزّينبيّ عن قنبلٍ ورواه أبو العزّ أداءً عن أبي عديٍّ عن ورشٍ ورواه الهذليّ عن ابن كثيرٍ في غير رواية الزّينبيّ.
(الثّالث): (أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم. إنّ اللّه هو السّميع العليم) رواه الأهوازيّ عن أبي عمرٍو، وذكره أبو معشرٍ عن أهل مصر والمغرب وروّيناه من طريق الهذليّ عن أبي جعفرٍ وشيبة ونافعٍ في غير رواية أبي عديٍّ عن ورشٍ، وحكاه الخزاعيّ وأبو الكرم الشّهرزوريّ عن رجالهما عن أهل المدينة وابن عامرٍ والكسائيّ وحمزة في أحد وجوهه. وروي عن عمر بن الخطّاب ومسلم بن يسارٍ وابن سيرين والثّوريّ (وقرأت أنا) به في قراءة الأعمش، إلّا أنّه في رواية الشّنبوذيّ عنه أدغمت الهاء في الهاء. (الرّابع): (أعوذ باللّه السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم) رواه الخزاعيّ عن هبيرة عن حفصٍ قال: وكذا في حفظي عن ابن الشّارب عن الزّينبيّ عن قنبلٍ، وذكره الهذليّ عن أبي عديٍّ عن ورشٍ. (الخامس): (أعوذ باللّه العظيم من الشّيطان الرّجيم إنّ اللّه هو السّميع العليم) رواه الهذليّ عن الزّينبيّ عن ابن كثيرٍ.
[النشر في القراءات العشر: 1/250]
(السّادس): (أعوذ باللّه السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم، إنّ اللّه هو السّميع العليم) ذكره الأهوازيّ عن جماعةٍ (وقرأت به) في قراءة الحسن البصريّ. (السّابع): أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم، وأستفتح اللّه وهو خير الفاتحين. رواه أبو الحسين الخبّازيّ، عن شيخه أبي بكرٍ الخوارزميّ، عن ابن مقسمٍ، عن إدريس، عن خلفٍ، عن حمزة (الثّامن) - أعوذ باللّه العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشّيطان الرّجيم. رواه أبو داود في الدّخول إلى المسجد، عن عمرو بن العاص، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقال: إذا قال ذلك، قال الشّيطان: حفظ منّي سائر اليوم إسناده جيّدٌ، وهو حديثٌ حسنٌ، ووردت بألفاظٍ تتعلّق بشتم الشّيطان نحو (أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم الخبيث المخبث والرّجس النّجس) ، كما رويناه في كتابي الدّعاء لأبي القاسم الطّبرانيّ، وعمل اليوم واللّيلة لأبي بكر بن السّنّيّ، عن ابن عمر - رضي اللّه عنهما - قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا دخل الخلاء قال: (اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الرّجس النّجس الخبيث المخبث الشّيطان الرّجيم.) وإسناده ضعيفٌ، ووردت أيضًا بألفاظٍ تتعلّق بما يستعاذ منه، ففي حديث جبير بن مطعمٍ: من الشّيطان الرّجيم من همزه ونفثه ونفخه رواه ابن ماجه، وهذا لفظه، وأبو داود والحاكم وابن حبّان في صحيحيهما. وكذا في حديث أبي سعيدٍ وفي حديث ابن مسعودٍ: من الشّيطان الرّجيم وهمزه ونفخه ونفثه.
وفسّروه فقالوا: همزه الجنون، ونفثه الشّعر، ونفخه الكبر.
وأمّا النّقص فلم يتعرّض للتّنبيه عليه أكثر أئمّتنا، وكلام الشّاطبيّ - رحمه اللّه - يقتضي عدمه، والصّحيح جوازه؛ لما ورد، فقد نصّ الحلوانيّ في جامعه على جواز ذلك، فقال: وليس للاستعاذة حدٌّ ينتهى إليه. من شاء زاد، ومن شاء نقص، أي: بحسب الرّواية كما سيأتي، وفي سنن أبي داود من حديث جبير بن مطعمٍ (أعوذ باللّه من الشّيطان) من غير ذكر الرّجيم، وكذا رواه غيره، وتقدّم في حديث أبي هريرة من رواية النّسائيّ " اللّهمّ اعصمني من الشّيطان " من غير ذكر الرّجيم.
[النشر في القراءات العشر: 1/251]
فهذا الّذي أعلمه ورد في الاستعاذة من الشّيطان في حال القراءة وغيرها، ولا ينبغي أن يعدل عمّا صحّ منها حسبما ذكرناه مبيّنًا، ولا يعدل عمّا ورد عن السّلف الصّالح، فإنّما نحن متّبعون لا مبتدعون. قال الجعبريّ في شرح قول الشّاطبيّ:
وإن تزد لربّك تنزيهًا فلست مجهّلًا
. هذه الزّيادة وإن أطلقها وخصّها فهي مقيّدةٌ بالرّواية، وعامّةٌ في غير التّنزيه.
في حكم الجهر بها والإخفاء، وفيه مسائل
(الأولى) أنّ المختار عند الأئمّة القرّاء هو الجهر بها عن جميع القرّاء، لا نعلم في ذلك خلافًا عن أحدٍ منهم إلّا ما جاء عن حمزة وغيره ممّا نذكره وفي كلّ حالٍ من أحوال القراءة كما نذكره، قال الحافظ أبو عمرٍو في جامعه: لا أعلم خلافًا في الجهر بالاستعاذة عند افتتاح القرآن، وعند ابتداء كلّ قارئٍ بعرضٍ، أو درسٍ، أو تلقينٍ في جميع القرآن إلّا ما جاء عن نافعٍ وحمزة، ثمّ روى عن ابن المسيّبيّ، أنّه سئل عن استعاذة أهل المدينة أيجهرون بها أم يخفونها؟ قال: ما كنّا نجهر، ولا نخفي، ما كنّا نستعيذ ألبتّة. وروى عن أبيه، عن نافعٍ أنّه كان يخفي الاستعاذة ويجهر بالبسملة عند افتتاح السّور ورءوس الآيات في جميع القرآن. وروي أيضًا عن الحلوانيّ، قال خلفٌ: كنّا نقرأ على سليمٍ فنخفي التّعوّذ، ونجهر بالبسملة في " الحمد " خاصّةً، ونخفي التّعوّذ والبسملة في سائر القرآن نجهر برءوس أثمنتها، وكانوا يقرءون على حمزة فيفعلون ذلك، قال الحلوانيّ: وقرأت على خلّادٍ؛ ففعلت ذلك. قلت: صحّ إخفاء التّعوّذ من رواية المسيّبيّ عن نافعٍ، وانفرد به الوليّ عن إسماعيل بن نافعٍ، وكذلك الأهوازيّ عن يونس، عن ورشٍ، وقد ورد من طرق كتابنا عن حمزة على وجهين: أحدهما إخفاؤه، وحيث قرأ القارئ مطلقًا - أي في أوّل الفاتحة وغيرها - وهو الّذي لم يذكر أبو العبّاس المهدويّ عن حمزة من
[النشر في القراءات العشر: 1/252]
روايتي خلفٍ وخلّادٍ سواءً. وكذا روى الخزاعيّ عن الحلوانيّ عن خلفٍ وخلّادٍ. وكذا ذكر الهذليّ في كامله وهي رواية إبراهيم بن زربيٍّ، عن سليمٍ، عن حمزة. الثّاني: الجهر بالتّعوّذ في أوّل الفاتحة فقط، وإخفاؤه في سائر القرآن، وهو الّذي نصّ عليه في " المبهج " عن خلفٍ، عن سليمٍ، وفي اختياره وهي رواية محمّد بن لاحقٍ التّميميّ، عن سليمٍ، عن حمزة، ورواه الحافظ الكبير أبو الحسن الدّارقطنيّ في كتابه، عن أبي الحسن بن المنادي، عن الحسن بن العبّاس، عن الحلوانيّ، عن خلفٍ، عن سليمٍ، عن حمزة، أنّه كان يجهر بالاستعاذة والبسملة في أوّل سورة فاتحة الكتاب، ثمّ يخفيها بعد ذلك في جميع القرآن، وقرأت على خلّادٍ فلم يغيّر عليّ، وقال لي: كان سليمٌ يجهر فيهما جميعًا، ولا ينكر على من جهر ولا على من أخفى، وقال أبو القاسم الصّفراويّ في " الإعلان ": واختلف عنه - يعني عن حمزة - أنّه كان يخفيها عند فاتحة الكتاب وكسائر المواضع، أو يستثني فاتحة الكتاب فيجهر بالتّعوّذ عندها، فروي عنه الوجهان جميعًا. انتهى. وقد انفرد أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطّبريّ، عن الحلوانيّ، عن قالون بإخفائها في جميع القرآن.
(الثّانية) أطلقوا اختيار الجهر في الاستعاذة مطلقًا، ولا بدّ من تقييده، وقد قيّده الإمام أبو شامة - رحمه اللّه تعالى - بحضرة من يسمع قراءته، ولا بدّ من ذلك، قال: لأنّ الجهر بالتّعوّذ إظهارٌ لشعائر القراءة، كالجهر بالتّلبية وتكبيرات العيد، ومن فوائده أنّ السّامع ينصت للقراءة من أوّلها لا يفوته منها شيءٌ، وإذا أخفى التّعوّذ لم يعلم السّامع بالقراءة إلّا بعد أن فاته من المقروء شيءٌ. وهذا المعنى هو الفارق بين القراءة خارج الصّلاة وفي الصّلاة، فإنّ المختار في الصّلاة الإخفاء ; لأنّ المأموم منصتٌ من أوّل الإحرام بالصّلاة، وقال الشّيخ محيي الدّين النّوويّ - رحمه اللّه -: إذا تعوّذ في الصّلاة الّتي يسرّ فيها بالقراءة أسرّ بالتّعوّذ، فإن تعوّذ في الّتي يجهر فيها بالقراءة فهل يجهر؟ فيه خلافٌ؛ من أصحابنا من قال: يسرّ، وقال الجمهور والشّافعيّ: في المسألة قولان: أحدهما يستوي الجهر والإسرار، وهو نصّه
[النشر في القراءات العشر: 1/253]
في الأمّ، والثّاني يسنّ الجهر، وهو نصّه في الإملاء. ومنهم من قال: قولان أحدهما يجهر صحّحه الشّيخ أبو حامدٍ الإسفرايينيّ إمام أصحابنا العراقيّين وصاحبه المحامليّ وغيره، وهو الّذي كان يفعله أبو هريرة، وإنّ ابن عمر - رضي اللّه عنهما - يسرّ، وهو الأصحّ عند جمهور أصحابنا، وهو المختار.
(قلت): حكى صاحب البيان القولين على وجهٍ آخر، فقال: أحد القولين أنّه يتخيّر بين الجهر والسّرّ ولا ترجيح، والثّاني يستحبّ فيه الجهر، ثمّ نقل عن أبي عليٍّ الطّبريّ أنّه يستحبّ فيه الإسرار، وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد، ومذهب مالكٍ في قيام رمضان. ومن المواضع الّتي يستحبّ فيها الإخفاء إذا قرأ خاليًا، سواءٌ قرأ جهرًا أو سرًّا، ومنها إذا قرأ سرًّا فإنّه يسرّ أيضًا، ومنها إذا قرأ في الدّور ولم يكن في قراءته مبتدئًا يسرّ بالتّعوّذ؛ لتتّصل القراءة ولا يتخلّلها أجنبيٌّ، فإنّ المعنى الّذي من أجله استحبّ الجهر هو الإنصات فقط في هذه المواضع.
(الثّالثة) اختلف المتأخّرون في المراد بالإخفاء، فقال كثيرٌ منهم هو الكتمان وعليه حمل كلام الشّاطبيّ أكثر الشّرّاح، فعلى هذا يكفي فيه الذّكر في النّفس من غير تلفّظٍ، وقال الجمهور: المراد به الإسرار، وعليه حمل الجعبريّ كلام الشّاطبيّ، فلا يكفي فيه التّلفّظ وإسماع نفسه، وهذا هو الصّواب ; لأنّ نصوص المتقدّمين كلّها على جعله ضدًّا للجهر وكونه ضدًّا للجهر يقتضي الإسرار به، واللّه تعالى أعلم.
(فأمّا قول) ابن المسيّبيّ ما كنّا نجهر، ولا نخفي، ما كنّا نستعيذ ألبتّة - فمراده التّرك رأسًا كما هو مذهب مالكٍ - رحمه اللّه تعالى - كما سيأتي.
الثّالث في محلّها
وهو قبل القراءة إجماعًا، ولا يصحّ قولٌ بخلافه، عن أحدٍ ممّن يعتبر قوله، وإنّما آفة العلم التّقليد، قد نسب إلى حمزة وأبي حاتمٍ، ونقل عن أبي هريرة
[النشر في القراءات العشر: 1/254]
رضي اللّه عنه، وابن سيرين وإبراهيم النّخعيّ، وحكي عن مالكٍ، 55 وذكر أنّه مذهب داود بن عليٍّ الظّاهريّ وجماعته عملًا بظاهر الآية وهو: فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه فدلّ على أنّ الاستعاذة بعد القراءة. وحكي قولٌ آخر، وهو الاستعاذة قبل وبعد. ذكره الإمام فخر الدّين الرّازيّ في تفسيره، ولا يصحّ شيءٌ في هذا عمّن نقل عنه، ولا ما استدلّ به لهم، أمّا حمزة وأبو حاتمٍ فالّذي ذكر ذلك عنهم هو أبو القاسم الهذليّ، فقال في كامله: قال حمزة في رواية ابن قلوقا: إنّما يتعوّذ بعد الفراغ من القرآن، وبه قال أبو حاتمٍ.
(قلت:) أمّا رواية ابن قلوقا، عن حمزة فهي منقطعةٌ في الكامل لا يصحّ إسنادها، وكلّ من ذكر هذه الرّواية عن حمزة من الأئمّة كالحافظين أبي عمرٍو الدّانيّ وأبي العلاء الهمدانيّ وأبي طاهر بن سوّارٍ وأبي محمّدٍ سبط الخيّاط، وغيرهم - لم يذكروا ذلك عنه، ولا عرّجوا عليه، وأمّا أبو حاتمٍ فإنّ الّذين ذكروا روايته واختياره كابن سوّارٍ وابن مهران وأبي معشرٍ الطّبريّ والإمام أبي محمّدٍ البغويّ، وغيرهم - لم يذكروا شيئًا، ولا حكوه، وأمّا أبو هريرة فالّذي نقل عنه رواه الشّافعيّ في مسنده: أخبرنا إبراهيم بن محمّدٍ، عن ربيعة بن عثمان، عن صالح بن أبي صالحٍ أنّه سمع أبا هريرة وهو يؤمّ النّاس رافعًا صوته (ربّنا إنّا نعوذ بك من الشّيطان الرّجيم) في المكتوبة إذا فرغ من أمّ القرآن. وهذا الإسناد لا يحتجّ به ; لأنّ إبراهيم بن محمّدٍ هو الأسلميّ، وقد أجمع أهل النّقل والحديث على ضعفه ولم يوثّقه سوى الشّافعيّ. قال أبو داود: كان قدريًّا رافضيًّا مأبونًا كلّ بلاءٍ فيه، وصالح بن أبي صالحٍ الكوفيّ ضعيفٌ واهٍ، وعلى تقدير صحّته لا يدلّ على الاستعاذة بعد القراءة، بل يدلّ أنّه كان يستعيذ إذا فرغ من أمّ القرآن، أي للسّورة الأخرى، وذلك واضحٌ. فأمّا أبو هريرة هو ممّن عرف بالجهر بالاستعاذة، وأمّا ابن سيرين والنّخعيّ فلا يصحّ عن واحدٍ منهما عند أهل النّقل، وأمّا مالكٌ فقد حكاه عنه القاضي أبو بكر بن العربيّ في المجموعة، وكفى في الرّدّ والشّناعة على قائله، وأمّا داود وأصحابه، فهذه كتبهم موجودةٌ
[النشر في القراءات العشر: 1/255]
لا تعدّ كثرةً، لم يذكر فيها أحدٌ شيئًا من ذلك. ونصّ ابن حزمٍ إمام أهل الظّاهر على التّعوّذ قبل القراءة ولم يذكر غير ذلك (وأمّا الاستدلال) بظاهر الآية فغير صحيحٍ، بل هي جاريةٌ على أصل لسان العرب وعرفه، وتقديرها عند الجمهور: إذا أردت القراءة فاستعذ، وهو كقوله تعالى: إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم وكقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: من أتى الجمعة فليغتسل، وعندي أنّ الأحسن في تقديرها: إذا ابتدأت وشرعت، كما في حديث جبريل - عليه السّلام -: فصلّى الصّبح حين طلع الفجر. أي: أخذ في الصّلاة عند طلوعه، ولا يمكن القول بغير ذلك. وهذا بخلاف قوله في الحديث: ثمّ صلّاها بالغد بعد أن أسفر. فإنّ الصّحيح أنّ المراد بهذا الابتداء، خلافًا لمن قال: إنّ المراد الانتهاء.
ثمّ إنّ المعنى الّذي شرعت الاستعاذة له يقتضي أن تكون قبل القراءة؛ لأنّها طهارة الفم ممّا كان يتعاطاه من اللّغو والرّفث وتطييبٌ له، وتهيّؤٌ لتلاوة كلام اللّه تعالى، فهي التجاءٌ إلى اللّه تعالى، واعتصامٌ بجنابه من خللٍ يطرأ عليه، أو خطأٍ يحصل منه في القراءة وغيرها وإقرارٌ له بالقدرة، واعترافٌ للعبد بالضّعف والعجز عن هذا العدوّ الباطن الّذي لا يقدر على دفعه ومنعه إلّا اللّه الّذي خلقه، فهو لا يقبل مصانعةً، ولا يدارى بإحسانٍ، ولا يقبل رشوةً، ولا يؤثّر فيه جميلٌ، بخلاف العدوّ الظّاهر من جنس الإنسان كما دلّت عليه الآي الثّلاث من القرآن الّتي أرشد فيها إلى ردّ العدوّ الإنسانيّ، فقال تعالى في الأعراف: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين فهذا ما يتعلّق بالعدوّ الإنسانيّ، ثمّ قال: وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه الآية، وقال في " المؤمنون " ادفع بالّتي هي أحسن السّيّئة ثمّ قال: وقل ربّ أعوذ بك الآية، وقال في فصّلت ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الّذي بينك وبينه عداوةٌ الآيات، وقلت في ذلك وفيه أحسن الاكتفاء وأملح الاقتفاء:
[النشر في القراءات العشر: 1/256]
شيطاننا المغوي عدوٌّ فاعتصم... باللّه منه والتجي وتعوّذ
وعدوّك الإنسيّ دار وداده... تملكه وادفع بالّتي فإذا الّذي
(الرّابع) في الوقف على الاستعاذة وقلّ من تعرّض لذلك من مؤلّفي الكتب، ويجوز الوقف على الاستعاذة والابتداء بما بعدها بسملةً كان أو غيرها، ويجوز وصله بما بعدها، والوجهان صحيحان، وظاهر كلام الدّانيّ - رحمه اللّه - أنّ الأولى وصلها بالبسملة ; لأنّه قال في كتابه " الاكتفاء ": الوقف على آخر التّعوّذ تامٌّ، وعلى آخر البسملة أتمّ. وممّن نصّ على هذين الوجهين الإمام أبو جعفر بن الباذش، ورجّح الوقف لمن مذهبه التّرتيل، فقال في كتابه " الإقناع ": لك أن تصلها - أي: الاستعاذة - بالتّسمية في نفسٍ واحدٍ، وهو أتمّ ولك أن تسكت عليها، ولا تصلها بالتّسمية، وذلك أشبه بمذهب أهل التّرتيل. فأمّا من لم يسمّ - يعني مع الاستعاذة - فالأشبه عندي أن يسكت عليها، ولا يصلها بشيءٍ من القرآن، ويجوز وصلها. قلت: هذا أحسن ما يقال في هذه المسألة، ومراده بالسّكت الوقف؛ لإطلاقه ولقوله في نفسٍ واحدٍ. وكذلك نظمه الأستاذ أبو حيّان في قصيدته حيث قال:
وقف بعد أو صلا
. وعلى الوصل لو التقى مع الميم مثلها نحو: (الرّحيم ما ننسخ) - أدغم لمن مذهبه الإدغام، كما يجب حذف همزة الوصل في نحو: (الرّحيم اعلموا أنّما الحياة الدّنيا) ونحو: (الرّحيم القارعة). وقد ورد من طريق أحمد بن إبراهيم القصبانيّ، عن محمّد بن غالبٍ، عن شجاعٍ، عن أبي عمرٍو أنّه كان يخفي الميم من الرّحيم عند باء بسم اللّه، ولم يذكر ابن شيطا، وأكثر العراقيّين سوى وصل الاستعاذة بالبسملة، كما سيأتي في باب البسملة.
(الخامس) في حكم الاستعاذة استحبابًا ووجوبًا
وهي مسألةٌ لا تعلّق للقراءات بها، ولكن لمّا ذكرها شرّاح الشّاطبيّة لم يخل كتابنا من ذكرها؛ لما يترتّب عليها من الفوائد. وقد تكفّل أئمّة التّفسير والفقهاء بالكلام فيها، ونشير إلى ملخّص ما ذكر فيها من مسائل (الأولى) ذهب الجمهور
[النشر في القراءات العشر: 1/257]
إلى أنّ الاستعاذة مستحبّةٌ في القراءة بكلّ حالٍ: في الصّلاة وخارج الصّلاة، وحملوا الأمر في ذلك على النّدب، وذهب داود بن عليٍّ وأصحابه إلى وجوبها حملًا للأمر على الوجوب كما هو الأصل، حتّى أبطلوا صلاة من لم يستعذ. وقد جنح الإمام فخر الدّين الرّازيّ - رحمه اللّه - إلى القول بالوجوب، وحكاه عن عطاء بن أبي رباحٍ، واحتجّ له بظاهر الآية من حيث الأمر والأمر ظاهره الوجوب، وبمواظبة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عليها؛ ولأنّها تدرأ شرّ الشّيطان، وما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجبٌ؛ ولأنّ الاستعاذة أحوط، وهو أحد مسالك الوجوب، وقال ابن سيرين: إذا تعوّذ مرّةً واحدةً في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب، وقال بعضهم: كانت واجبةً على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم دون أمّته، حكى هذا من القولين شيخنا الإمام عماد الدّين بن كثيرٍ - رحمه اللّه تعالى - في تفسيره.
(الثّانية) الاستعاذة في الصّلاة للقراءة لا للصّلاة. وهذا مذهب الجمهور كالشّافعيّ وأبي حنيفة ومحمّد بن الحسن وأحمد بن حنبلٍ، وقال أبو يوسف: هي للصّلاة، فعلى هذا يتعوّذ المأموم وإن كان لا يقرأ، ويتعوّذ في العيدين بعد الإحرام وقبل تكبيرات العيد. ثمّ إذا قلنا بأنّ الاستعاذة للقراءة فقط، فهل قراءة الصّلاة قراءةٌ واحدةٌ فتكفي الاستعاذة في أوّل ركعةٍ، أو قراءة كلّ ركعةٍ مستقلّةٌ بنفسها فلا يكفي؟ قولان للشّافعيّ، وهما روايتان عن أحمد، والأرجح الأوّل؛ لحديث أبي هريرة في الصّحيح أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا نهض من الرّكعة الثّانية استفتح القراءة ولم يسكت ولأنّه لم يتخلّل القراءتين أجنبيٌّ، بل تخلّلها ذكرٌ، فهي كالقراءة الواحدة حمدٌ للّه، أو تسبيحٌ، أو تهليلٌ، أو نحو ذلك. ورجّح الإمام النّوويّ وغيره الثّاني، وأمّا الإمام مالكٌ فإنّه قال: لا يستعاذ إلّا في قيام رمضان فقط، وهو قولٌ يعرف لمن قبله، وكأنّه أخذ بظاهر الحديث الصّحيح، عن عائشة - رضي اللّه عنها - كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يستفتح الصّلاة بالتّكبير والقراءة بـ: الحمد للّه ربّ العالمين، ورأى أنّ هذا دليلٌ على ترك التّعوّذ، فأمّا قيام رمضان
[النشر في القراءات العشر: 1/258]
فكأنّه رأى أنّ الأغلب عليه جانب القراءة، واللّه أعلم.
(الثّالثة) إذا قرأ جماعةٌ جملةً هل يلزم كلّ واحدٍ الاستعاذة، أو تكفي استعاذة بعضهم؟ لم أجد فيها نصًّا، ويحتمل أن تكون عينًا على كلٍّ من القولين بالوجوب والاستحباب، والظّاهر الاستعاذة لكلّ واحدٍ ; لأنّ المقصود اعتصام القارئ والتجاؤه باللّه تعالى عن شرّ الشّيطان كما تقدّم، فلا يكون تعوّذٌ واحدٌ كافيًا عن آخر كما اخترناه في التّسمية على الأكل، وذكرناه في غير هذا الموضع، وإنّه ليس من سنن الكفايات، واللّه أعلم.
(الرّابعة) إذا قطع القارئ القراءة لعارضٍ من سؤالٍ، أو كلامٍ يتعلّق بالقراءة لم يعد الاستعاذة، وبخلاف ذلك ما إذا كان الكلام أجنبيًّا، ولو ردًّا للسّلام، فإنّه يستأنف الاستعاذة، وكذا لو كان القطع إعراضًا عن القراءة كما تقدّم، واللّه أعلم. وقيل: يستعيذ، واستدلّ له بما ذكره أصحابنا). [النشر في القراءات العشر: 1/259]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (باب الاستعاذة
المختار لجميع القراء «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» على الصيغة الواردة في سورة النحل، وقد حكى غير واحد الاتفاق على هذا، ويجهر بها عن جميعهم قبل القراءة، وروى عن حمزة إخفاؤها قيل حيث قرأ، وروى عنه الإخفاء في غير الفاتحة.
وانفرد أبو إسحاق الطبري عن الحلواني عن قالون- بإخفاء الاستعاذة في جميع القرآن.
ولا حرج على القارئ في الإتيان بذلك اللفظ من الاستعاذة؛ بل يجوز له التعوذ بما صح عن أئمة القراءة من زيادة ونقص، ويجوز الوقف عليه ووصله بما بعده بسملة كان أو غيرها من القرآن، والتعوذ مستحب عند أكثر العلماء، وقال بعضهم بوجوبه، والله أعلم). [تقريب النشر في القراءات العشر: 208]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :(باب الاستعاذة
103 - وقل أعوذ إن أردت تقرا = كالنّحل جهراً لجميع القرّا
104 - وإن تغيّر أو تزد لفظًا فلا = تعد الّذى قد صحّ ممّا نقلا
105 - وقيل يخفي حمزةٌ حيث تلا = وقيل لا فاتحةٌ وعلّلا
106 - وقف لهم عليه أو صل واستحب = تعوّذٌ وقال بعضهم يجب). [طيبة النشر: 38]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (باب الاستعاذة
أي هذا باب يذكر فيه مذاهب القراء في الاستعاذة قبل الشروع في القراءة فهو خبر مبتدأ محذوف، وكذلك كل ما يأتي من الأبواب، وكذا قول العلماء في كتبهم باب أو فصل أو كتاب أو فرع، وبدأ به لأن الاستعاذة أول ما يبدأ به عند الشروع في القراءة، والاستعاذة: طلب العوذ من الله تعالى، والعوذ مصدر عاذ بكذا: أي استجار به وامتنع.
وقل أعوذ إن أردت تقرا = كالنّحل جهرا لجميع القرّا
أمر القارئ أن يقول إذا أراد القراءة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كما ورد في سورة النحل، وهذا اللفظ هو أدنى الكمال عندهم، وهو المختار لجميع القراء، وقد
حكى عن غير واحد من الأئمة الاتفاق على هذا اللفظ بعينه، وإنما نص على هذا اللفظ بعينه لينبه على أنه لا يجوز أستعيذ ولا استعذت ولا نحو ذلك، وما ورد عن حمزة في ذلك فلا يصح، وذلك أن المستعيذ طالب العوذ، بخلاف العائذ، وفرق بين الفاعل وطالب الفعل كما أوضحه في النشر فأمر منه بلفظ أعوذ ووكل باقية إلى ما في سورة النحل، وكذلك المختار لجميع القراء الجهر وإن كان ورد عن بعضهم إخفاؤه كما سيأتي ذكره، واللام في قوله جميع يتعلق بقل وبتقرأ وتجهرا.
وإن تغير أو تزد لفظا فلا = تعد الّذي قد صحّ ممّا نقلا
أي وإن تغير شيئا من لفظ الاستعاذة المتقدم كما أشار إليه أو تزد في لفظه
[شرح طيبة النشر لابن الجزري: 44]
فلا تتجاوز به ما ورد عن السلف وصح عن الأئمة نقله، فمن ذلك: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وأعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وأعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم، وورد أيضا غير ذلك من زيادة ونقص، وفي صحته نظر، وفي قوله: وإن تزد، إشارة إلى أنه لم يصح عنده نقص من اللفظ المختار. وقول الشاطبي رحمه الله. وإن تزد لربك تنزيها، صريح في إطلاق الزيادة، وهو مشكل. قال الجعبري رحمه الله تعالى في شرحه: هذه الزيادة وإن أطلقها وخصها فهي مقيدة بالرواية وعامة في غير التنزيه.
وقيل يخفى حمزة حيث تلا = وقيل لا فاتحة وعلّلا
هذا كالاستدراك على قوله: جهرا لجميع القراء، وهو أنه ورد عن حمزة روايتان في إخفاء التعوذ سوى الجهر، وهو الإخفاء مطلقا: أي حيث قرأ سواء كان أول سورة أو أثناءها، والثاني الإخفاء إلا في فاتحة الكتاب كما ذكره في النشر، والأصح عنه الجهر كما تقدم، وكذلك نقل عن نافع الإخفاء مطلقا ولكنه من غير طريق كتابنا، ووجه إخفاء حمزة ليفرق بين القرآن وغيره، ووجه تخصيص الفاتحة بالجهر الفرق بين ابتداء القرآن وغيره، وذلك أن القرآن عنده كالسورة الواحدة، ولهذا آثر وصل السورة بالسورة من غير فصل بين السورتين ببسملة ولا غيرها، ولأن أبا هريرة رضي الله عنه جهر بها في أول الفاتحة، والألف في عللا للتثنية: أي والقولان معلولان: أي ضعيفان، ويحتمل أن يراد أن لكل منهما علة:
أي وجه.
وقف لهم عليه أوصل واستحب = تعوّذ وقال بعضهم يجب
أي يجوز لكل واحد من القراء الوقف على التعوذ ووصله بما بعده سواء كان بسملة أو غيرها، وهذه مسألة عزيزة قلّ من تعرض لها، وقد أشار إليها الداني في كتابه الاكتفاء، والأستاذ أبو جعفر بن الباذش في كتاب الإقناع، وأجاد في ذلك في كتاب النشر (قوله: واستحب) يشير إلى مسألة مهمة وإن لم تتعلق بالقراءة، وهي التعوذ واجب أو مستحب، فالذي ذهب إليه الجمهور أنه مستحب
[شرح طيبة النشر لابن الجزري: 45]
قبل القراءة على كل حال في الصلاة وغيرها، وحملوا الأمر في ذلك على الندب، وذهب آخرون إلى الوجوب، وجنح الإمام الرازي في تفسيره وحكاه عن عطاء بن أبي رباح، وأوضح ذلك وبالغ داود الظاهري وأصحابه في ذلك حتى أبطلوا صلاة من لا يستعيذ، وهو قول ظاهر القوة: أعني القول بالوجوب، وأما ما ينقل عنهم أو عن غيرهم من الاستعاذة بعد القراءة لظاهر الآية فليس بصحيح عنهم ولا عن غيرهم كما بينه في النشر). [شرح طيبة النشر لابن الجزري: 46]
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): (باب الاستعاذة
الباب: ما يتوصل للشيء منه، وهو خبر مبتدأ محذوف أي: هذا باب الاستعاذة، وعليه كان المتقدمون.
والإضافة إما بمعنى [«في»، أو] اللام التي للاستحقاق؛ كقولهم: (جلّ الفرس)، وكذا في كل باب، وحذف المتوسطون المبتدأ، والمتأخرون بين حذف المضاف [وحذف] المضاف إليه. والاستعاذة: طلب العوذ، مصدر استعاذ بالله: طلب عصمته، من: عاذ [يعوذ] عوذا [وعياذا] وعياذة، وقدمها وضعا؛ لتقدمها حكما.
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/276]
ص:
وقل أعوذ إن أردت تقرا = كالنّحل جهرا لجميع القرّا
ش: الواو للاستئناف، و(قل) فعل أمر، وهو مبني على ما يجزم به مضارعه، و(أعوذ) مضارع مرفوع إما لتجرده من الناصب والجازم، وهو مذهب الكوفيين [وهو] الصحيح، أو لحلوله محل الاسم، وهو مذهب البصريين.
ولا فاعل له هنا؛ لأن المراد منه لفظه وهو مفعول (قل)، والجملة إما جواب [(إن)]، أو دليله [أي: إذا أردت قراءة القرآن وقتا ما فاقرأ قبل القراءة الاستعاذة لجميع القراء واجهر بها أو أي شيء قرأت من ابتداء سورة أو آية أو بعضهما] على خلاف، وعليهما فلا محل لها؛ لعدم اقترانها بالفاء، أو بـ «إذا» على الأول، ولاستئنافها على الثاني.
(وأردت): قصدت، فعل الشرط، و(تقرا) مفعوله؛ فيلزم تقدير (إن)، ويجوز نصبه؛ كقول طرفة:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... .... ...
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/277]
و (كالنحل) إما حال فاعل (قل) فيتعلق بواجب الحذف، أي: قل هذا اللفظ حال كونك مكملا له كلفظ النحل، أو من (أعوذ)، أو صفة مصدر حذف.
وجهرا: [مصدر «جهر»] أي: قل هذا اللفظ قولا ذا جهر، أو حال فاعل (قل) وحذف مفعول «تقرأ»؛ لأنه لم يتعلق بذكره غرض؛ إذ المراد: تقرأ آية أو سورة [أو أعم]، وليس من استعمال المشترك في مفهوميه. ونبه بـ (إن) أردت تقرأ على تقديم الاستعاذة على القراءة، أي: قل: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، لجميع القراء جهرا إن أردت قراءة ما.
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/278]
وقد ذكر في هذا [البيت] حكم الاستعاذة، والكلام عليها من وجوه:
الأول: في محلها.
وهو قبل القراءة اتفاقا.
وأما قول الهذلي في (كامله): قال حمزة في رواية [ابن] قلوقا: «إنما يتعوذ بعد الفراغ»، وبه قال [أبو] حاتم، فلا دليل فيه؛ لأن رواية ابن قلوقا عن حمزة منقطعة في «الكامل» لا يصح إسنادها، وكل من ذكر هذه الرواية [عنه] كالداني والهمذاني، وابن سوار، وغيرهم لم يذكروا ذلك؛ ولذا لم يذكر أحد عن أبي حاتم ما ذكره الهذلي، ولا دليل لهم في الآية؛ لجريانها على ألسنة العرب وعرفهم؛ لأن تقديرها: إذا أردت القراءة؛ كقوله: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة: 6]؛
وكالحديث: «من أتى الجمعة فليغتسل»، وأيضا فالمعنى الذي شرعت له يقتضي تقدمها، وهو الالتجاء إلى الله تعالى
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/279]
والاعتصام بجانبه من خطل أو خلل يطرأ في القراءة أو غيرها، والإقرار له بالمعذرة، واعتراف العبد بالضعف والعجز عن هذا العدو الذي لا يقدر على دفعه إلا الله تعالى.
الثاني: في صفتها.
والمختار لجميع القراء: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، بل حكى الأستاذ أبو طاهر ابن سوار وأبو العز وغيرهما الاتفاق على ذلك، بل قال السخاوي: هو الذي عليه إجماع الأمة. وفي دعواهما نظر، ولعلهما أرادا المختار؛ فقد ورد غير ذلك. أما (أعوذ) فنقل عن حمزة: «أعوذ» و«نستعيذ» و«استعذت» ولا يصح؛ لما سيأتي، واختاره
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/280]
صاحب «الهداية» من الحنفية.
قال: لمطابقة لفظ القرآن، يعني فَاسْتَعِذْ [النحل: 98].
ويؤخذ من هذا التعليل: أنه لا يجزئ عنده إلا «أستعيذ» وفيه نظر، بل لا يجزئ «أستعيذ».
والدليل عليه أن السين والتاء شأنهما الدلالة على الطلب إيذانا بطلب التعوذ؛ فمعنى «استعذ بالله»: اطلب من الله أن يعيذك. فامتثال الأمر [قولك]: «أعوذ»؛ لأن قائله متعوذ ومستعيذ، قد عاذ والتجأ، وقائل: «أستعيذ» طالب العياذ لا متعوذ، ك «أستخير» [الله]، أي: أطلب خيرته، وكذلك [أستغفره] وأستقيله، فدخلت [استعذ] على الأمر إيذانا بطلب هذا المعنى من المعاذ به، فإذا قال المأمور: (أعوذ) فقد امتثل ما طلب منه؛ فإن المطلوب منه نفس الاعتصام، وفرق بينه وبين طلب الاعتصام، فلما كان المستعيذ هاربا ملتجئا معتصما بالله أتى بالفعل الدال على ذلك، فتأمله.
فإن قلت: فما تقول في الحديث الذي رواه أبو جعفر الطبري بسنده إلى ابن عباس قال: أول ما نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا محمّد استعذ».
قال: «أستعيذ بالسّميع العليم من الشّيطان الرّجيم ».
فالجواب: أن التمسك به يتوقف على صحته، وقد قال الحافظ أبو الفداء إسماعيل ابن كثير: «في إسناده ضعف وانقطاع». انتهى.
ومع ذلك فإن الداني رواه على الصواب عن ابن عباس: أن جبريل قال: «يا محمّد قل: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم».
والحاصل أن المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في جميع تعوذاته: أعوذ، وهو الذي أمره الله به وعلمه له فقال: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ [المؤمنون: 97]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس: 1]، وقال تعالى عن موسى: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [البقرة: 67]، وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ [الدخان: 20]، وقال سيد البشر: «إذا تشهّد أحدكم
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/281]
فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهمّ إنّي أعوذ بك ... الحديث ».
ولم يقل: أستعيذ، ولا أصرح في بيان الآية من هذا.
وأما «بالله» فجاء عن ابن سيرين [أعوذ] بالسميع العليم. قيل: وعن حمزة.
وأما «الرجيم» ففي «كامل الهذلي» «أعوذ بالله القادر من الشيطان الغادر».
وعن أبي السمال: «أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي».
الثالث: في الجهر بها والإخفاء.
والمختار: الجهر بها عند جميع القراء، إلا ما سنذكر عن حمزة، وفي كل حال من أحوال القراءة.
قال الداني: لا أعلم خلافا في الجهر بالاستعاذة عند افتتاح القرآن، وعند ابتداء كل قارئ لعرض أو تدريس أو تلقين، وفي جميع القرآن، إلا ما جاء عن حمزة ونافع.
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/282]
ثم روي عن ابن المسيبي أنه قال: ما كنا نستعيذ البتة.
وروي عن نافع أنه كان يجهر بالتسمية، ويخفي الاستعاذة عند افتتاح السور ورءوس الآي.
[ثم] قال المصنف: وقد صح إخفاء التعوذ من رواية المسيبي. وسيأتي عن حمزة.
واعلم أن في البيت أربع مسائل: حكم الاستعاذة، وابتداؤها بـ «أعوذ»، وكونها كالنحل، [وجهرا].
فقوله: (لجميع القراء) إما حال من (أعوذ)، أي: قل هذا اللفظ لجميع القراء؛ لقول المصنف في «نشره»: نقل عن حمزة: أستعيذ، ولا يصح؛ فيكون إجماعا، أو متعلق بـ «جهرا» ثم استثنى حمزة، وهو صريح كلام الداني، ولما صح عنده [إخفاء] الاستعاذة عن نافع لم يستثنه، أو بـ (كالنحل) تبعا للسخاوي وغيره، وهو أبعدها؛ لتجويزه [الزيادة] والتغيير، والأولى أن يكون المراد: قل التعوذ ابتداء لجميع القراء؛ لأنه طعن فيما روي عن حمزة وأبي حاتم.
تنبيه:
أطلقوا الجهر، وقيده أبو شامة بحضرة سامع، قال: لأنه [من فوائدها أن السامع] راح ينصت للقراءة من أولها فلا يفوته شيء، وعند الإخفاء لم يعلم السامع إلا بعد فوات جزء، وهذا الفارق بين الصلاة وغيرها؛ [فإن المختار فيها] الإخفاء. انتهى. وهو كلام حسن لا بد منه.
وقال الجعبري- رحمه الله-: «هي على سنن القراءة، إن جهرا فجهر، وإن سرّا فسر».
قلت: وفيه نظر؛ لأن المأتي بها لأجله يحصل بالجهر والسر.
وأيضا فالإجماع على أنها دعاء لا قرآن، فينبغي السر بها جريا على سنن الدعاء، وفرقا بين القرآن وغيره [كأن] دعت الضرورة إلى الجهر بها بحضرة سامع، ومحل الضرورة [في مثله] لا يتجاوز.
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/283]
ص:
وإن تغيّر أو تزد لفظا فلا = تعد الذي قد صحّ ممّا نقلا
ش: (إن) حرف شرط، و(تغير) فعله، و(تزد) عطف عليه، و(لفظا) مفعول (تغير)، ومقدر مثله في الثاني، وهو: الأولى، أو العكس، وأطلق (لفظا)؛ ليصدق على كل لفظ سواء كان تنزيها أو ذمّا للشيطان، والفاء للجواب، و(لا) ناهية، و(تعد) مجزوم [بالحذف للنهي]، والموصول مفعوله، [(ومن) تتعلق بـ (تعد)، (وما) موصول، و(نقل) صلته]، وعبر بالموصول ليعم المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أئمة القراء.
أي: وإن ترد أن تغير الاستعاذة عن النظم الوارد في سورة النحل أو تزد لربك تنزيها، أو للشيطان ذمّا بأي لفظ شئت، فلا تتجاوز عن المنقول اللفظ الذي قد صح منه.
وذكر الناظم- أثابه الله تعالى- في هذا حكم التغيير والزيادة:
أما التغيير فروى ابن ماجة بإسناد صحيح عنه صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الشّيطان الرّجيم».
ورواه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل وهذا لفظه، والترمذي لكن بمعناه وقال: مرسل، واختاره بعض القراء، وروى غير هذا.
وأما الزيادة فوردت بألفاظ، منها ما يتعلق بتنزيه الله- تعالى- ومنها ما يتعلق بذم الشيطان، فالأول ورد على أنواع:
الأول: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم».
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/284]
قال الداني: وعليه عامة أهل الأداء من أهل الحرمين والشام والعراقين، ورواه الخزاعي عن أبي عدي عن ورش، والأهوازي عن حمزة، ورواه أصحاب السنن الأربعة وأحمد عن أبي سعيد بإسناد جيد.
قال الترمذي: وهو أصح حديث في الباب.
فإن قلت: هذا الحديث معارض بما رواه ابن مسعود من قوله صلى الله عليه وسلم حين قرأ عليه فقال:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: «قل يا ابن أمّ [عبد]: «أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم».
قلت: يكفى في ترجيح الأول قول الترمذي: هو أصح حديث في الباب.
الثاني: «أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم».
قال الداني: وعليه أهل مصر وسائر بلاد المغرب، وروي عن قنبل، وورش وأهل الشام.
الثالث: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم».
ذكره أبو معشر عن أهل مصر، والمغرب، [وروي عن أبي جعفر وشيبة ونافع، في غير رواية أبي عدي عن ورش، وابن عامر، والكسائي، وحمزة في أحد وجوهه ].
الرابع: «أعوذ بالله السميع العليم [من الشيطان الرجيم]».
رواه الزينبي عن قنبل، وأبو عدي عن ورش.
[الخامس:] «أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم».
رواه الزينبي عن ابن كثير.
السادس: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم».
ذكره الأهوازي عن جماعة.
السابع: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأستفتح الله وهو خير الفاتحين».
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/285]
رواه إدريس عن حمزة.
الثامن: «أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم».
رواه أبو داود في دخول المسجد عن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إذا قال ذلك قال الشيطان: «عصم منّي سائر اليوم» وإسناده جيد، وهو حديث حسن.
وأما ما يتعلق بشتم الشيطان فخرج الطبراني من حديث أبي بكر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهمّ إنّي أعوذ بك من الرّجس النّجس الخبيث المخبّث الشّيطان الرّجيم، ونفخه» رواه ابن ماجة، وهذا لفظه، وأبو داود، والحاكم، وابن حبان في صحيحيهما.
وأما النقص فأهمله أكثرهم؛ ولذا لم يذكره [لا] لضعفه، [فقد] قال الناظم في «نشره»: والصحيح جوازه، فقد قال الحلواني في جامعه: من شاء زاد أو نقص- يعني بحسب الرواية- وفي سنن أبي داود وغيره من حديث [جبير] بن مطعم: «أعوذ بالله من الشيطان» فقط.
ص:
وقيل يخفي حمزة حيث تلا = وقيل لا فاتحة وعلّلا
ش: (قيل) مبني للمفعول، و(يخفي حمزة) فعلية، و(حيث) من الظروف الملازمة للإضافة إلى الجمل، وهي مبنية على الضم الصحيح لقطعها عن الإضافة، وفيها ست لغات: تثليث الثاء مع الياء والواو، وهي مضافة إلى جملة (تلا)، وجملة (يخفي) نائب عن فاعل (قيل)، أي: وقيل هذا اللفظ، ولا (فاتحة) نائب فاعل (قيل)، ولا بد من تقدير محذوف، أي: وقيل لا فاتحة فلا يخفي فيها، (وعللا) فعلية مستأنفة، أي: وقيل: يخفي حمزة الاستعاذة في كل مكان تلاه من القرآن سواء كان فاتحة أو غيرها، وهذه طريقة المهدوي والخزاعي، وقيل: يخفي في جميع (القرآن) إلا [في] الفاتحة فيجهر
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/286]
بالتعوذ في أولها، وهي طريقة «المبهج» عن سليم، وذكر الصفراوي الوجهين عن حمزة.
تنبيه:
لا بد في الإخفاء من إسماع القارئ نفسه، ولا يكفي التصور ولا فعل القارئ دون صوت عند الجمهور، وقال كثير: هو الكتمان، فيكفي ذكره بالنفس بلا لفظ، وحمل أكثرهم كلام الشاطبي عليه.
قوله: (وعللا) أي: ضعّف، يحتمل ألفه التثنية وهو الأولى؛ لاجتماعهما في علة التضعيف، وهو فوات السامع شيئا، والإطلاق؛ لأن القول الثاني بأن فعلها في الفاتحة دون غيرها تحكّم؛ فهو ظاهر الضعف.
ص:
وقف لهم عليه أو صل واستحب = تعوّذ وقال بعضهم يجب
ش: [الواو لعطف جملة طلبية على مثلها، و] الجاران متعلقان بـ (قف)، وضمير (عليه) للتعوذ، و(أو صل) التعوذ بما بعده، كذلك، ولا محل لهما، والباقي [واضح].
أي: قف للقراء على الاستعاذة، قال [الداني]: وهو تام. أو صلهما بما بعدها من البسملة، قال الداني: وهو أتم من الأول، أو من السورة، فيتصور أربع صور، ورجح ابن الباذش الوقف لمن مذهبه الترتيل.
قال: فأما من لم يسم- يعني مع الاستعاذة- فالأشبه عندي أن يسكت، أي: يقف عليها ولا يصلها بشيء من القرآن، وعلى الوصل لو التقى مع الميم مثلها، نحو «الرجيم ما ننسخ» أدغم لمن مذهبه الإدغام.
وقوله: (واستحب تعوذ) إما من عطف الخبر على الإنشاء عند من جوّزه، أو جملة مستأنفة عند من منعه، وجملة: (قال بعضهم) معطوفة على (واستحب) فلا محل لهما مطلقا، وجملة: (يجب التعوذ) محكية بالقول، فمحلها نصب.
أي: يستحب التعوذ عند القراءة مطلقا [في الصلاة] وخارجها عند الجمهور.
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/287]
وقال داود وأصحابه: يجب؛ إبقاء لصيغة «افعل» على أصلها، وجنح له الإمام فخر الدين الرازي وحكاه عن [ابن] أبي رباح.
فائدتان:
[الأولى]: إذا قطع القارئ القراءة لعارض من سؤال أو كلام يتعلق بالقراءة لم يعد الاستعاذة، بخلاف الكلام الأجنبي فيعيدها، ولو رد السلام، وكذا [لو كان القطع] إعراضا عن القراءة.
وقيل: يستعيذ.
الثانية: لو قرأ جماعة هل يجزئ تعوذ أحدهم؟ لا نص فيها، والظاهر عدمه؛ لأن المقصود [الاعتصام] والالتجاء؛ فلا بد من تعوذ كل قارئ. قاله المصنف). [شرح طيبة النشر للنويري: 1/288]

قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (باب الاستعاذة:
هي مستحبة عند الأكثر، وقيل واجبة وبه قال الثوري وعطاء لظاهر الآية، وقال بعضهم موضع الخلاف إنما هو في الصلاة خاصة أما في غيرها فسنة قطعا، وعلى الأول هي سنة عين لا سنة كفاية فلو قرأ جماعة جملة شرع لكل واحد الاستعاذة.
والذي اتفق عليه الجمهور: قديما وحديثا أنها قبل القراءة، وقيل بعدها ونقل عن حمزة وقيل قبلها بمقتضى الخبر، وبعدها بمقتضى القرآن جمعا بين الأدلة ونقل الثاني عن مالك وغيره لم يصح وكذا الثالث، والمختار لجميع القراء في كيفيتها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهو المأخوذ به عند عامة الفقهاء، وحكي فيه الإجماع لكنه تعقب بما روي من الزيادة والنقص فلا حرج على القارئ في الإتيان بشيء من صيغ الاستعاذة مما صح عند أئمة القراء.
فما ورد: في الزيادة على اللفظ المتقدم أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان
[إتحاف فضلاء البشر: 1/107]
الرجيم نص عليه الداني في الجامع، ورواه أصحاب السنن الأربعة عن أبي سعيد الخدري بإسناد جيد، وروي ذلك عن الحسن مع زيادة: إن الله هو السميع العليم مع الإدغام، وعن الأعمش من رواية المطوعي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم، وعن الشنبوذي كذلك لكن بالإدغام.
ومما ورد في النقص عنه: ما في حديث جبير بن مطعم المروي في أبي داود أعوذ بالله من الشيطان فقط.
ويستحب: الجهر بها عند الجميع إلا ما صح من إخفائها من رواية المسيبي عن نافع، ولحمزة وجهان: الإخفاء مطلقا والجهر أول الفاتحة فقط، والمراد بالإخفاء الإسرار على ما صوبه في النشر، ومحل الجهر حيث يجهر بالقراءة فإن أسر القراءة أسر الاستعاذة؛ لأنها تابعة، وهذا في غير الصلاة أما فيها فالمختار الإسرار مطلقا، وقيد أبو شامة إطلاقهم اختيار الجهر بحضرة سامع، ويجوز الوقف على التعوذ ووصله بما بعده ببسملة كان أو غيرها من القرآن، وظاهر كلام الداني أن الأول وصلها بالبسملة، وأما من لم يسم فالأشبه الوقف على الاستعاذة ويجوز الوصل، وعليه لو التقى مع الميم مثلها نحو: "الرجيم ما ننسخ" أدغم من مذهبه الإدغام، كما يجب حذف همزة الوصل في نحو: "الرجيم اعلموا أنما".
تتمة:
إذا قطع القارئ القراءة لعارض من سؤال أو كلام يتعلق بالقراءة لم يعده بخلاف ما إذا كان الكلام أجنبيا، ولو رد السلام فإنه يستأنف الاستعاذة، وكذا لو كان القطع إعراضا عن القراءة). [إتحاف فضلاء البشر: 1/108]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): (باب الاستعاذة
أما حكمها: فلا خلاف بين العلماء أن القارئ مطلوب منه في أول قراءته أن يتعوذ.
وهل هو على الندب؟ وهو المشهور، وقول الجمهور، أو على الوجوب؟ وبه قال عطاء والثوري وداود وأصحابه، وإليه جنح الفخر الرازي، قولان وقال ابن سيرين: «إن تعوذ مرة في عمره كفى في إسقاط الواجب».
[غيث النفع: 306]
وأما صيغتها: فالمختار عند جميع القراء (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) وكلهم يجيز غير هذه الصيغة من الصيغ الواردة، نحو (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) و(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم) و(أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الرجيم).
وأما الجهر بها: فقال الداني: «لا أعلم خلافًا بين أهل الأداء في الجهر بها عند افتتاح القرآن، وعند الابتداء برءوس الأجزاء أو غيرها في مذاهب الجماعة، اتباعًا للنص، واقتداءً بالسنة».
وكذلك ذكره غيره، وكلهم أطل، وقيده الإمام أبو شامة، وتبعه جماعة من شراح القصيد وغيرهم كالمحقق بما إذا كان بحضرة من يسمع قراءته، قال: «لأن السامع
[غيث النفع: 307]
ينصت للقراءة من أولها، فلا يفوته منها شيء، لأن التعوذ شعار القراءة، وإذا أخفى التعوذ لم يعلم السامع بالقراءة إلا بعد أن يفوته منها شيء» انتهى.
ويؤخذ منه أنه إذا قرأ سرًا فإنه يسر، وبه صرح المحقق، قال: «وكذلك إذا قرأ في الدور ولم يكن في قراءته مبتدئًا، فإنه يسر التعوذ، لتتصل القراءة، ولا يتخللها أجنبي، فإن المعنى الذي من أجله استحب الجهر، وهو الإنصات، فُقِدَ ف يهذه المواضع».
ويعني بالمواضع ما ذكره أبو شامة ومسألة من قد قرأ سرًا وهذه، وهذا قيد حسن لا بد منه، ويدل عليه أمور:
منها: أن الله أمر بالاستعاذة، ولم يعين سرًا ولا جهرًا، ولا خلاف أعلمه أن من تعوذ سرًا فقد امتثل أمر الله عز وجل، كمن ذكر سرًا فقد امتثل أمره بالذكر.
ومنها: أن المطلوب من الاستعاذة الالتجاء والاعتصام والاستجارة بالله جل وعلا من ضرر الشيطان في دين أو دنيا، فإنه لا يفكه عن ذلك إلا الله القادر عليه، لا غيره، لأنه شرير بالطبع، لا يقبل جعلاً ولا يؤثر فيه جميل، ولا يمكن علاجه بنوع من أنواع الحيل التي تعالج بها بنو آدم، وطلب هذا من الله يحصل بالسر كما يحصل بالجهر، لأن الله تعالى يعلم السر وأخفى.
ومنها: أن الإجماع منعقد على أنها ليست من القرآن، وإنما هي دعاء، والدعاء من آدابه ومستحباته الإخفاء، قال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} [الأعراف: 55] وقال {إذ نادى ربه نداء خفيا} [مريم].
[غيث النفع: 308]
والمراد بالإخفاء الإسرار لا الكتمان، وقال بعضهم: هو الكتمان، فيكفي عنده الذكر في النفس من غير تلفظ، والأول أولى، وهو مذهب الجمهور.
وأما الوقف عليها: فإن كانت مع البسملة جاز فيها لكل القراءة أربعة أوجه.
الأول: الوقف عليها، وهو أحسنها.
الثاني: الوقف على التعوذ ووصل البسملة بأول القراءة.
الثالث: وصلها والوقف على البسملة، ولا تسكن ميم (الرحيم) ولا تخفى، لأجل باء (بسم) لأن قبلها ساكنًا، وقد أجمعوا على ترك ذلك إذا سكن ما قبل الميم، نحو {إبراهيم بنيه} [البقرة: 132] إلا ما رواه القصباني وغيره من الإخفاء، وليس ذلك من طرق القصيد، بل ولا من طرق النشر.
[غيث النفع: 309]
الرابع: وصلها ووصل البسملة بأول القراءة، سواء كانت القراءة أول السورة أم لا، إلا أنه إذا كانت أول سورة فلا خلاف في البسملة لجميع القراء، وإن لم تكن أول سورة فيجوز ترك البسملة، وعليه فيجوز الوقف على التعوذ ووصله بالقراءة، إلا أن يكون في أول قراءته اسم الجلالة فالأولى أن لا يصل، لما في ذلك من البشاعة.
فإن عرض للقارئ ما قطع قراءته فإن كان أمرًا ضروريًا، كسعال أو كلام يتعلق بالقراءة فلا يعيد التعوذ، وإن كان أجنبيًا قال المحقق وغيره: (ولو رد السلام أعاده وكذلك لو قطع القراءة ثم بدا له فعاد إليها) ). [غيث النفع: 310]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 10:52 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي البسملة

البسملة
قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني (ت: 408هـ): (باب التسمية
روى الحسن بن عطية، وإبراهيم بن زربي بإخفاء التسمية عند السور، ورؤوس الآي في جميع القرآن، وبه قرأت من طريق حمزة إلا في أول فاتحة الكتاب.
سمعت أبا بكر يقول قرأت على الكوفيين، وعلى أصحاب البزاز، وعلى أصحاب الضبي، وعلى أبي مزاحم بالجهر عند رؤوس الأئمة وعند فاتحة الكتاب فقط.
وأبو عمرو - فيما قرأت على البغداديين - يخفي التسمية عند السور، ورؤوس الأئمة إلا في أول فاتحة الكتاب، وبه قرأ عن شجاع،
[المنتهى: 1/538]
والأزرق طريق أبي عدي، وحماد طريق أبي القاسم الضرير، وهي رواية الفراء عن علي.
وقرأت عن أبي حمدون، عن اليزيدي طريق دلبة بإظهارها بين السور، ورؤوس الأئمة إلا بين الأنفال وبراءة، وهو مذهب البصريين عن أبي عمرو، وبه قرأت من طريق القصباني.
والباقون يجهرون عند السور فقط، وبه قرأ على ابن حبش عن أبي عمرو.
قال أبو الفضل: وهو اختياري).[المنتهى: 1/539]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (وأما البسملة فكان أهل الحرمين إلا ورشًا وعاصم والكسائي يفصلون بين كل سورة ببسم الله الرحمن الرحيم، وقد قرأت على الشيخ أبي عدي بالفصل لورش وهو اختيار أبي بكر الأذفوي رحمه الله، وقرأت على الشيخ أبي الطيب رحمه الله لورش بترك الفصل، وليس عن أبي عمرو وابن عامر في ذلك رواية مشهورة، والمختار عند الشيوخ ترك الفصل لهما، وأن يفصل القارئ بسكت بين كل سورتين، وكذلك قرأت لورش على أبي الطيب بسكت بين كل سورتين من غير تسمية، واختار أيضًا القراء في قراءة أبي عمرو وابن عامر وورش إذا لم يفصلوا أن يفصل لهم بالبسملة بين المدثر والقيامة، وبين الانفطار والمطففين، وبين الفجر ولا أقسم، وبين العصر والهمزة، هذه الأربع
[التبصرة: 58]
السور لا غير، وقد كان الشيخ أبو الطيب ربما سمح بالفصل في قراءة أبي عمرو وابن عامر وهي رواية البصريين عن أبي عمرو، والاختيار عنده أن لا يفصل إلا بالسكت، وهو اختيار ابن مجاهد رحمهما الله.
فأما حمزة فإنه يصل السورة بالسورة من غير فصل ولا سكت إلا في فاتحة الكتاب وحدها، فإنه يبتدئ بالبسملة ثم لا يعيدها، واختيار القراء أيضًا له أن يفصل بسكت بين الثماني السور المذكورة، وأجمعوا على ترك الفصل بين الأنفال والبراءة، لإجماع المصاحف على ترك التسمية بينهما، فأما السكت بينهما فقد قرأت به لجماعتهم، وليس هو منصوصًا، ويجب أن تعلم أنك إذا فصلت بالتسمية فلك أن تصل التسمية بآخر السورة، ثم تتمادى في السورة الأخرى، ولك أن تقف على آخر السورة ثم تبتدئ بالتسمية، وليس لك أن تفصل آخر السورة بالتسمية ثم تقف عليها دون أن تصل ذلك بالسورة الأخرى فاعلم ذلك.
واعلم أن الاختلاف الذي وقع في هذا الباب إنما هو في الوصل، فأما إن ابتدأ القارئ بسورة أيّ سورة كانت سوى براءة لمن كان من القراء فإنه يبتدئ بالتعوذ ثم التسمية، لا أعلم في ذلك اختلافًا، إلا ما ذكرنا من إخفاء التعوذ، وهو غير معول به، فإذا ابتدأ القارئ بغير أول سورة عوذ فقط، هذه عادة القراء إلا ما ذكره المسيبي عن قراء المدينة أنهم يفتتحون بالبسملة في غير أوائل السور، يريد الأجزاء
[التبصرة: 59]
وهي الأحزاب هذا معنى كلامه، وكذلك روى عن الحلواني عن سليم عن حمزة، وقد روى مثل ذلك عن أبي عمرو، وذلك واسع، وبترك التسمية في غير أوائل السور قرأت فأما براءة فالتعوذ في الابتداء بها لجميعهم لا غير). [التبصرة: 60]
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444هـ): (باب ذكر التّسمية
اختلفوا في التّسمية بين السّور، فكان ابن كثير، وقالون، وعاصم، والكسائيّ يبسملون بين كل سورتين في جميع القرآن، ما خلا الأنفال وبراءة: فإنه لا خلاف في ترك التّسمية بينهما.
وكان الباقون: فيما قرأنا لهم، لا يبسملون بين السّور.
وأصحاب حمزة يصلون آخر السّورة بأول الأخرى.
ويختار في مذهب ورش، وأبي عمرو، وابن عامر: السكت بين السورتين، من غير قطع.
وابن مجاهد: يرى وصل السّورة بالسورة، وتبيين الإعراب. ويرى السكت أيضا.
وكان بعض شيوخنا يفصل في مذهب هؤلاء بالتّسمية بين المدثر والقيامة، وبين الانفطار والمطففين، وبين الفجر والبلد، وبين العصر والهمزة. ويسكت بينهنّ سكتة في مذهب حمزة.
[التيسير في القراءات السبع: 124]
وليس في ذلك أثر يروى عنهم، وإنما هو استحباب من الشّيوخ.
ولا خلاف في التّسمية في أول فاتحة الكتاب، وفي أول كل سورة ابتدأ القارئ بها ولم يصلها بما قبلها، في مذهب من فصل أو من لم يفصل.
فأما الابتداء برؤوس الأجزاء الّتي في بعض السّور، فأصحابنا يخيرون القارئ بين التّسمية وتركها في ذلك، في مذهب الجميع.
والقطع عليها إذا وصلت بأواخر السّور غير جائز. وباللّه التّوفيق). [التيسير في القراءات السبع: 125]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :( (باب ذكر التّسمية)
اختلفوا في التّسمية بين السّور فكان ابن كثير وقالون وعاصم والكسائيّ وأبو جعفر يبسملون بين كل سورتين في جميع القرآن ما خلا الأنفال وبراءة فإنّه لا خلاف في ترك البسملة بينهما. وكان الباقون فيما قرأنا لهم لا يبسملون بين السورتين، وأصحاب حمزة وخلف يصلون آخر السّورة بأول الأخرى، ويختار في مذهب ورش وأبي عمرو وابن عامر [ويعقوب] السكت بين السورتين من غير قطع وابن مجاهد يرى وصل السّورة بالسورة وتبيين الإعراب ويرى السكت أيضا.
قلت: وبكل من السكت والوصل قطع جماعة من الأئمّة لورش وأبي عمرو وابن عامر ويعقوب، وبالسكت قرأ المؤلف لورش على جميع شيوخه ولأبي عمرو على أبي الحسن وأبي الفتح وابن خاقان ولابن عامر على أبي الحسن وبالوصل قرأ على الفارسي لأبي عمرو وبالبسملة قرأ لابن عامر على الفارسي وأبي الفتح فهذا من [المواضع] الّتي خرج فيها عن [طرق] الكتاب والله الموفق.
[تحبير التيسير: 184]
وكان بعض شيوخنا يفصل في مذهب هؤلاء الساكتين بالتّسمية بين المدثر والقيامة وبين الانفطار والمطففين وبين الفجر والبلد وبين العصر والهمزة ويسكت [فيهنّ] سكتة خفيفة في مذهب حمزة والواصلين وليس في ذلك أثر يروى عنهم وإنّما هو استحباب من الشّيوخ.
ولا خلاف في التّسمية في أول فاتحة الكتاب وفي أول كل سورة ابتدأ القارئ بها ولم يصلها بما قبلها في مذهب من فصل [أو من] لم يفصل.
فأما الابتداء برءوس الأجزاء الّتي في بعض السّور نحو: (سيقول السّفهاء) و(تلك الرّسل) وشبهه فأصحابنا يخيرون القارئ بين التّسمية [وتركها في ذلك في مذهب الجميع. والقطع عليها إذا وصلت بأواخر السّور غير جائز في ذلك والله أعلم] [وصلى اللّه على سيدنا محمّد وآله وصحبه أجمعين] ). [تحبير التيسير: 185]
قال أحمد بن علي بن خلف ابن الباذش الأنصاري (ت: 540هـ): (باب التسمية
هذا الباب مقسم أربعة أقسام: حكم التسمية في أول فاتحة الكتاب وكل سورة مبدوء بها ما خلا براءة، وحكمها بين الأنفال وبراءة، وحكمها بين سائر سور القرآن، وحكمها في أوائل الأجزاء غير أوائل السور.
القسم الأول: أجمعوا على إثبات التسمية في أول فاتحة الكتاب وكل سورة مبدوء بها ما خلا براءة، إلا أني قرأت عن الخرقي عن ابن سيف عن الأزرق عن ورش بتركها في فاتحة الكتاب سرا وجهرا، وهي رواية
[الإقناع: 1/155]
خلاد الكاهلي عن حمزة، ويجب على هذا ألا يسمي في أول كل سورة مبدوء بها، ولا يؤخذ بهذا.
على أن ابن شريح ذكر لنا عن أبيه أن حمزة إذا بدأ بأول سورة غير الحمد لم يسم، وإذا بدأ بالحمد سمى، وهذا غير مشهور لحمزة.
وقد حدثني أبو القاسم عن أبي معشر عن أبي علي الدقاق عن أبي الفضل الخزاعي قال: سمعت أبا بكر -يعني الشذائي- يقول: قرأت على الكوفيين وعلى أصحاب الضبي، وعلى أبي مزاحم بالجهر عن رءوس الآي، عند فاتحة الكتاب فقط.
قال أبو جعفر: فإذا كان أصحاب أبي عمارة يحافظون على التسمية
[الإقناع: 1/156]
في رءوس الآي وإن لم يكن أول سورة فهم عليها أول سورة أشد محافظة، وسألت أبي -رضي الله عنه- عن ذلك فأخبرني أن الذي نأخذ به لحمزة التسمية وبه آخذ، ولا أعلم أبا القاسم شيخنا شيخا إلا آخذا بالتسمية في ذلك، وقد نص عليه الأهوازي عن خلف وخلاد.
على أن إجماعهم على إثبات التسمية في أوائل السور اختيار منهم واستحباب لا إيجاب، وقد جاء في صحيح الحديث البدء بأول سورة من غير تسمية.
القسم الثاني: أجمعوا على تركها بين الأنفال وبراءة اتباعا لمصحف عثمان -رضي الله عنه- المجمع عليه، إلا أنه روي عن يحيى وغيره عن أبي بكر عن عاصم أنه كان يكتب بينهما التسمية، ويروى ذلك عن زر عن
[الإقناع: 1/157]
عبد الله، وأنه أثبته في مصحفه، ولا يؤخذ بهذا.
القسم الثالث: قرأ ابن كثير وقالون وعاصم والكسائي بالفصل بالتسمية بين كل سورتين ما خلا ما ذكرنا.
ولك في الفصل ثلاثة أوجه: أن تقف على آخر السورة، ثم تسمي وتسكت، ثم تفتتح السورة الأخرى.
ولك أن تقف على آخر السورة، ثم تسمي وتصل بالتسمية أول السورة الأخرى.
ولك أن تصل التسمية بآخر السورة، وبأول السورة الأخرى.
ويمتنع وجه رابع: وهو أن تصل التسمية بآخر السورة، ثم تقف عليها دون وصلها بالسورة الأخرى؛ لأن التسمية إنما هي في الابتداء، لا في الانتهاء.
فأما حمزة فورد عنه ترك الفصل نصا من طريق الحلواني عن خلف وخلاد وغيره، وأصحابه يختارون له وصل السورة بالسورة إلا الأنفال ببراءة، فإنهم يأخذون له بالسكت بينهما.
ومن هؤلاء المختارين لوصل السورة بالسورة من يأخذ له بالسكت
[الإقناع: 1/158]
بين السور الأربع التي تذكر بعد، وإن التزمت السكت له في جميع القرآن فحسن.
ومن يأخذ له بوصل السورة بالسورة لا يلتزم الوصل البتة، بل آخر السورة عنده كآخر آية، وأول السورة الأخرى كأول آية أخرى، فكما لا يلتزم له ولا لغيره وصل رأس آية بأول آية أخرى كذلك لا يلتزم له وصل السورة بالسورة حتما، ألا تراهم رووا عنه أنه قال: القرآن عندي كالسورة الواحدة، فإذا سميت أول فاتحة الكتاب أجزأني، بين لي هذا أبو الحسن بن شريح، وقوله عندي هو الصواب وقد خولف فيه.
فأما ابن عامر فلم يأت عنه نص، والأكابر من القراء يأخذون له بالفصل، وبه قرأت له على أبي القاسم من الطرق المذكورة هنا، وبه كان يأخذ له النقاش وابن الأخرم وغيرهما.
فأما أبو عمرو وورش فلم يأت عنهما أيضا نص، واختلف أهل الأداء، فمنهم من أخذ لهما بالفصل، ومنهم من أخذ لهما بتركه.
وقد ذكر مكي -رحمه الله- أنه قرأ على أبي عدي بالفصل، وكذلك قال محمد بن شريح عن ابن نفيس عنه، وهو اختيار ابن شريح، وبه قرأت على أبيه.
وقال أبو الفضل الخزاعي عن أبي عدي بغير فصل، فدل هذا على أن
[الإقناع: 1/159]
أبا عدي كان يخير، وما خير إلا لعدم النص، على أن ابن مروان ذكر أنه قرأ على ابن سيف بغير فصل، قال: وذكر ابن سيف أنه قرأ كذلك على أبي يعقوب، وذكر أبو يعقوب أنه قرأ كذلك على ورش، وذكر ورش أنه قرأ كذلك على نافع. وقرأت له على أبي القاسم من طريق الخرقي بغير فصل، وبه قرأت على أبي -رضي الله عنه- وبه أخذ الشيخان أبو محمد وأبو عمرو وأصحاب الأصبهاني من البغداديين، وغيرهم يأخذون لورش بالفصل.
والبصريون يأخذون لأبي عمرو بالفصل، والبغداديون يأخذون له بتركه، وكثير من الناس يأخذون لكل من لم يرد عنه الفصل بالفصل،
[الإقناع: 1/160]
ويقول: أوثره لفضله، هو اختيار محمد بن شريح، ومنهم من يخير القارئ، وممن لم يأخذ بترك الفصل لهم من يصل السورة بالسورة لما فيه من بيان الإعراب، ومنهم من يأخذ بالسكت لما فيه من الإشعار بتمام السورة، وكلاهما مذكور عن ابن مجاهد.
ومن الآخذين لهم بالوصل من يفصل بين أربع سور: المدثر والقيامة، والانفطار والمطففين، والفجر والبلد، والعصر والهمزة.
وقال الخزاعي: سمعت طلحة بن محمد يقول: كان أكثر قراءة ابن مجاهد وصل السورة بالسورة إلا في مواضع مخصوصة من القرآن، كان يعتمد أن يقف ويُوقِف عليها، من ذلك: {وَأَهْلُ الْمَغْفِرَة، لا أُقْسِمُ} [المدثر:56، القيامة: 1] وعند قوله: {يَوْمَئِذٍ لِلَّه، وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [الانفطار: 19، المطففين: 1] وقوله: {وَادْخُلِي جَنَّتِي، لا أُقْسِمُ} [الفجر: 30، البلد: 1] يقف، وهو في ذلك يصل.
[الإقناع: 1/161]
ولم يذكر عنه الخزاعي "العصر والهمزة" وكثير من أهل الأداء يأبى هذا، ويأبى في هذه السورة إلا ما يلتزم في سائر القرآن، من فصل وتركه، وللطائفتين في ذلك حجج ليس هذا موضع ذكرها.
وكان ابن عبد الوهاب، فيما قال لنا أبو القاسم، ممن ينكر ذلك، وكذلك كان أبو داود.
وقال طاهر بن غلبون، فيما حدثنا به أبو داود عن أبي عمرو عنه: أختار في قراءة ورش وابن عامر وأبي عمرو في خمسة مواضع أن توصل فيها السورة بالسورة التي بعدها من غير فصل بشيء لحسن ذلك، ومشاكلة آخر السورة الأولى لأول التي بعدها، وهي: الأنفال ببراءة، والأحقاف بالذين كفروا، واقتربت بالرحمن، والواقعة بالحديد، والفيل بإيلاف قريش، وهذا كان يستحسنه أبي -رضي الله عنه- وهو كان اختيار محمد بن أبي الحسن الصقلي، فيما أخبرني أبو القاسم عنه.
القسم الرابع: فأما حكمها في أوائل الأجزاء غير أوائل السور، فقد روينا عن أبي القاسم المسيبي أنه قال: كنا إذا افتتحنا الآية على مشايخنا من بعض السور نبدأ بالتسمية.
[الإقناع: 1/162]
وقد روي عن حمزة أنه استشهد بآية، وسمى قبلها، ولم يأت عن أحد من سائر القراء فيه نص باستعمال التسمية ولا تركها.
واختلف أهل الأداء في ذلك، فمنهم من أخذ للجميع بالتسمية جهرا، ومنهم من أخذ بها مخفاة، ومنهم من أخذ بتركها سرا وجهرا، وهو الذي يأخذ به الأندلسيون، وبه كان يأخذ شيخنا أبو القاسم ويأبي غيره، على أنه أكثر ما قرأ في ذلك بالتسمية، وأما أنا فقرأت عليه لأبي عمرو وورش من الطرق المذكورة في هذا الكتاب بتركها، وللباقين بالتسمية جهرا.
قال أبو جعفر: واختياري التسمية في أوائل الأجزاء لمن فصل بين السور، وتركها لمن لم يفصل.
ونص التسمية عند الجميع: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وهي ثابتة على رأس كل سورة في أكثر المصاحف إلا براءة، وقد تقدم القول فيها، وليست: "بسم الله" من القرآن عند أحد من الأئمة، وإن كان بعضهم يرى حكمها حكم الحمد في التلاوة في الصلاة فإن ذلك لا يوجب أن تكون عنده قرآنا، ولو كان عنده قرآنا لكفر من يقول: ليست بقرآن، وهكذا بين هذا القاضي أبو بكر بن الطيب، رضي الله عنه). [الإقناع: 1/163]
قال القاسم بن فيرُّه بن خلف الشاطبي (ت: 590هـ): (باب البسملة
100 - وَبَسْمَلَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ بِسُنَّةٍ = رِجَالٌ نَمَوْهاَ دِرْيَةً وَتَحَمُّلاَ
101 - وَوَصْلُكَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فَصَاحَةٌ = وَصِلْ وَاسْكُتَنْ كُلٌّ جَلاَيَاهُ حَصَّلاَ
102 - وَلاَ نَصَّ كَلاَّ حُبَّ وجْهٍ ذَكَرْتُهُ = وَفِيهاَ خِلاَفٌ جِيدُهُ وَاضِحُ الطُّلاَ
103 - وسَكْتُهُمُ الْمُخْتَارُ دُونَ تَنَفُّسٍ = وَبَعْضُهُمُ فِي الْأَرْبِعِ الرُّهْرِ بَسْمَلاَ
104 - لَهُمْ دُونَ نَصٍّ وَهْوَ فِيهِنَّ سَاكِتٌ = لِحَمْزَةَ فَافْهَمْهُ وَلَيْسَ مُخَذَّلاَ
105 - وَمَهْمَا تَصِلْهَا أَوْ بَدَأْتَ بَرَاءَةً = لِتَنْزِيلِهاَ بالسَّيْفِ لَسْتَ مُبَسْمِلاَ
106 - وَلاَ بُدَّ مِنْهاَ في ابْتِدَائِكَ سُورَةً = سِوَاهاَ وَفي الْأَجْزَاءِ خُيِّرَ مَنْ تَلاَ
107 - وَمَهْمَا تَصِلْهَا مَعْ أَوَاخِرِ سُورَةٍ = فَلاَ تَقِفَنَّ الدَّهْرَ فِيهاَ فَتَثْقُلاَ). [الشاطبية: 9]
- قال علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت: 643هـ): (باب البسملة
[100] وبسمل بين السورتين (بـ) سُنةٍ = (ر)جالٌ (نـ)موها (د)رية وتحملا
البسملة : مصدر بسمل ، إذا قال: بسم الله.
والتسمية : مصدر سمى، إذا ذكر الاسم.
قال الزجاج : «لم تبن العرب من هذا فعلًا ولم تتكلم به».
قال : «وقد ذكر بعض النحويين أنه يقال : بسملتُ أُبسمل بسملة».
قال: «وهذا قاله قياسًا لا سماعًا».
قال أبو علي: «يقال هلل إذا قال: لا إله إلا الله ؛ أخذ من حروف هذه الكلمات».
قال غيره : «يقال : لا تحبذ بما لا ينفعك ؛ أي : لا تقل حبذا».
واتفق القراء عليها في أول الفاتحة :
فابن كثير وعاصم والكسائي يعتقدونها آية منها ومن كل سورة.
ووافقهم حمزة على الفاتحة خاصة، والقرآن كله بعد ذلك عنده في حكم السورة الواحدة.
[فتح الوصيد: 2/202]
وأبو عمرو وقالون ومن تابعه من قراء المدينة لا يعتقدونها آية من الفاتحة.
و(نموها): رفعوها ؛ يعني السنة المنقولة لمن سمى بين السورتين، وذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «اقرأوا ما في المصحف»، وقد ثبتت بين السورتين في المصاحف.
وروي عن سعيد بن جبير قال: «كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرفون انقضاء السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا نزلت علموا أن قد انقضت السورة ونزلت أخرى».
وفي رواية أخرى عن سعيد: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم انقضاء السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم».
ففيه دليل على أنها قد تكرر إنزالها في أول كل سورة.
فهذه السنة التي (نموها درية) . والدرية: من الدراية، كالركبة من الركوب، والجلسة من الجلوس.
ودرية : حال؛ أي دارين متحملين.
[فتح الوصيد: 2/203]
[101] ووصلك بين السورتين (فـ) صاحةٌ = وصل واسكتن (كـ)ل (جـ)لاياه (حـ)صلا
(فصاحةٌ)، لما فيه من تبين الإعراب.
وكيفية الوصل في نحو: {فحدث ألم}، و{الحاكمين اقرأ}، و{حاميةٌ ألهاكم}.
وحجته في الوصل، ما قدمناه من أن القرآن عنده في حكم السورة الواحدة.
و(الجلايا)، جمع جلية.
وهذا التخيير، لما روي عن أهل الأداء فيه.
أما ابن مجاهد فروي عنه الوصل لحمزة لمن ترك التسمية.
وروي عن غير ابن مجاهد أيضًا، للعلة التي قدمتها لحمزة.
وأما السكت، فعليه أكثر أهل الأداء وأجلاء المتصدرين، وهو مروي أيضًا عن ابن مجاهد. ووجهه أنه عوضٌ من الفصل ، لما فيه من الإشعار بالانقضاء والابتداء .
[فتح الوصيد: 2/204]
[102] ولا نص (كـ)لا (حـ)ب وجهٌ ذكرته = وفيها خلافٌ (جـ)يده واضحُ الطلا
يعني أنه لا نص في ذلك عن ابن عامر وأبي عمرو، ولكنه وجه مستحب من الشيوخ، يعني التخيير من غير تحديد. وهذا قول ابن غلبون وقول الحافظ أبي عمرو رحمه الله في مصنفاته وغيرهما.
قال ابن غلبون : «لم يأت عنهما رواية منصوصة بفصل ولا بغير فصل، والمأخوذ في قراءتهما بغير فصل، وبه قرأت».
ونقل أبو طاهر بن أبي هاشم عن أبي عمرو الوصل بينهما كحمزة.
قال: «ولم يأتنا عن ابن عامر في هذا شيء».
وقد ذكر المهدوي وغيره عن أبي عمرو الفصل بالتسمية والوصل مثل حمزة، والسكت.
يقال: حبت وأحببت.
قال الشاعر :
وأقسم لولا تمره ما حببته.
[فتح الوصيد: 2/205]
والخلاف المشار إليه عن ورش، أن أبا غانم المظفر بن أحمد بن حمدان المقرئ كان يأخذ بالتسمية بين السورتين لورش في جميع القرآن.
وتابعه على ذلك الآخذون عنه، کالأذفوي محمد بن أحمد وغيره.
قال الحافظ أبو عمرو: «وسائر المصريين المحققين على خلاف ذلك، يعني في رواية أبي يعقوب عن ورش. وقد روى غير أبي يعقوب التسمية عن ورش».
وقد نقل ابن غلبون ترك الفصل منصوصًا عن ورش.
و(الطلا)، جمع طلية، وهي صفحة العنق ؛ وهذا مثل للأمر الواضح كما سبق في قوله: (جيدًا مُعمًّا ومخولا).
[فتح الوصيد: 2/206]
[103] وسكتهم المختار دون تنفسٍ = وبعضهم في الأربع الزهر بسملا
[104] لهم دون نص وهو فيهن ساكتٌ = لـ (حمزة) فافهمه وليس مخذلا
إنما اختار أهل الأداء لمن ترك التسمية تقليل السكت من غير تنفس، لأن ذلك يكفي في الإشعار بانقضاء السورة، وفي العَوض من الفصل؛ ولأنه إذا طال السكت ، صار مبتدءً بالسورة ، فتلزمه التسمية.
و(في الأربع الزهر)، يعني في القيامة والمطففين والبلد والهمزة .
قال الحافظ أبو عمرو رحمه الله: «اختلف علينا شيوخنا فيهن، فقرأت على ابن خاقان وابن غلبون بالتسمية بينهن، وحكيا ذلك لي عن قرأهما. وقرأت على أبي الفتح الضرير بترك التسمية كسائر القرآن. وحكى ذلك أيضًا عن قرأته».
[فتح الوصيد: 2/207]
قال أبو عمرو: «وأنا لا آمر بذلك ولا أنهى عنه، وإنما ذلك استحباب من الشيوخ ، لئلا يأتوا بعد (المغفرة) بـ (لا)، وبعد اسم الله تعالى بأول المطففين».
والذي ذكره من ذلك لازم مع التسمية.
(وليس مخذلا)، يعني هذا المذهب.
واختار ابن غلبون أيضًا لجميع القراء وصل براءة بالأنفال ، ولمن لم يبسمل وصل {الذين كفروا} بالأحقاف، و {الرحمن} بآخر اقتربت الساعة والحديد بأخر الواقعة، وسورة قريش بأخر الفيل.
[105] ومهما تصلها أو بدأت براعةً = لتنزيلها بالسيف لست مبسملا
لا خلاف بين أئمة أهل القرآن في ترك التسمية أول براءة ، سواءٌ
[فتح الوصيد: 2/208]
ابتدأها القارئ أو قرأها بعد الأنفال.
واختلف في سبب ذلك، فقيل: لأنهم لم يتيقنوا أنهما سورتان.
وقد سأل ابن عباس عثمان رضي الله عنهما عن ذلك فقال: «كانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وبراءة من آخر القرآن، فكانت قصتها شبيهة بقصتها، وقُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، وظننت أنها منها؛ فمن ثم قرئت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر : بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطوال».
وقيل -وهو الأقوى-: إنما لم يفعل ذلك ، لأنها نزلت بالسيف كما رُوي عن ابن عباس قال: «سألت عليا رضي الله عنه: لِمَ لَمْ يكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم ؟ فقال : لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان ، وبراءة ليس فيها أمان ، نزلت بالسيف».
وقال محمد بن يزيد المبرد في ذلك: «بسم الله عِدةٌ برحمة، وبراءة أنزلت على سخط وعلى التهديد والوعيد، فكيف يعدهم بأنه رحمان رحيم، ثم يتبرأ منهم ؟».
[فتح الوصيد: 2/209]
قلت: ولو كان كما قيل أولًا، لكان القارئ إذا ابتدأها مخيرًا في التسمية، كسائر الأجزاء.
على أن لقائلٍ أن يقول: الفرق بينها وبين الأجزاء، أن الأجزاء إذا بسمل فيها، لما يوهم ذلك ما يوهم في براءة إذا بسمل في أولها من أنها أول سورة ، فترك هذا الوهم البسملة في أولها، بخلاف سائر الأجزاء.
وقوله: (ومهما تصلها)، إضمارٌ على شريطة التفسير، وليس (براءة) بمفعول (بدأت)، وإنما هو بدلٌ من الضمير؛ والتقدير : ومهما تصلها أو بدأتها براءةً، وقد قال الله تعالى : {فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم}، وهو إضمارٌ على شريطة التفسير؛ لأن قوله: {قال أنتم شر مكانًا}، بدل منه.
[106] ولابد منها في ابتدائك سورةً = سواها وفي الأجزاء خير من تلا
إن قال قائلٌ: قد أهمل صاحب القصيد ذكر اتفاقهم على التسمية أول الفاتحة، قلت: لم يُهمله، وهو مذكور في قوله:
ولا بد منها في ابتدائك سورةً = سواها...
فقد بين أنه لا بد من التسمية مهما ابتدأت سورة.
وأنت عند قراءة الفاتحة لا تكون إلا مبتدئا بها على كل حال.
وإنما اتفقوا عليها في ابتداء كل سورةٍ لما في الحديث: «إن جبريل عليه السلام
[فتح الوصيد: 2/210]
نزل بكل سورة مفتتحًا بالتسمية».
وقد روى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُنزلت علي أنفًا سورة ، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم : {إنا أعطيناك الكوثر ...} حتى ختمها».
وأما الأجزاء كقوله : {واذكروا الله} و{تلك الرسل} وشبه ذلك، فقد خيروا القارئ في ذلك.
قال الحافظ أبو عمرو رحمه الله: «وفي التسمية أثر مروي عن أهل المدينة، قال أبو القاسم المسيبي: كنا إذا افتتحنا الآية على مشايخنا من بعض السور نبدأ : بسم الله الرحمن الرحيم».
وروي نحوه عن حمزة.
قال عاصم بن يزيد الأصبهاني: «سئل حمزة عن أصحاب محمد عليه السلام فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم {تلك أمة قد خلت} ... الآية»..
وروي عن ابن عباس أنه كان يفتتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم.
[فتح الوصيد: 2/211]
وهو عام في ابتداء السور وأبعاضها.
فكان شيخنا رحمه الله يأمر بالتسمية في النساء إذا استعاذ القارئ وابتدأ {الله لا إله إلا هو ليجمعنكم ..} وفي حم السجدة إذا قرأ بعد الاستعاذة : {إليه يرد علم الساعة}.
[107] ومهما تصلها مع أواخر سورةٍ = فلا تقفن الدهر فيها فتثقلا
اختار الأئمة لمن يفصل بالتسمية أن يقف القارئ على أواخر السور، ثم يبتدئ بالتسمية موصولة بأول السورة، ولا يقطع على التسمية ألبتة إذا وصلها بآخر سورة؛ لأن التسمية للمستأنفة لا للسالفة، فإذا لم يصلها بآخر سورة جاز أن يسكت عليها.
والأول أولى لما ذكرته.
وقوله: (فتثقلا)، منصوبٌ على الجواب بالفاء).[فتح الوصيد: 2/212]
- قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ): ( [2] باب البسملة:
[100] وبسمل بين السورتين بسنةٍ = رجالٌ نموها درية وتحملا
ب: (بسمل): قال: بسم الله، كـ (حوقل): إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، و(هلل): إذا قال: لا إله إلا الله، و(حسبل): إذا قال: حسبنا الله، و (السورة): ما يسور، وسميتُ سورة لأنها سورت بالبسملة، أو تميزت عما بعدها وما قبلها، و(السنة) لغةً -: الطريقة، واصطلاحًا: قول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله أو تقريره، (نموها): أي رفعوها وأسندوها إلى الصحابة رضي الله عنه.
ح: (رجالٌ): فاعل (بسمل)، و(بسنة): حال من (رجل) مقدم عليه، (نموها): صفة (رجال)، والضمير: للبسملة أو للسنة، (درية وتحملا): مصدران بمعنى الحال: أي: ذوي درية وتحمل.
ص: أي: تلفظ بـ (بسم الله) وفصل بها بين كل سورتين: قالون والكسائي وعاصم وابن كثير، المرموز عنهم بالباء والراء والنون والدال، وترك الباقون البسملة، لأن (بسمل) من قبيل الإثبات الدال
[كنز المعاني: 1/337]
على حذف الباقين.
أما دليل المبسملين: فرسم الصحابة إياها في المصاحف، وما روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه: بسم الله الرحمن الرحيم علم أن تلك السورة قد ختمت»، وغير ذلك، ولهذا قال: (بسنةٍ): أي: آخذين بسنةٍ متمسكين بها.
ودليل التاركين: ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (كنا نكتب: (باسمك اللهم)، فلما نزلت: {بسم الله مجراها} [هود: 41] كتبنا: {بسم الله}، فلما نزلت: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} [الإسراء: 110] كتبنا:
[كنز المعاني: 1/338]
{بسم الله الرحمن}، فلما نزلت: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} [النمل: 30] كتبناها).
ثم المبسملون: بعضهم عدها آية من كل سورة سوى براءة -، وهم: غير قالون، وعدَّها حمزة من التاركين آية من الفاتحة فقط،
[كنز المعاني: 1/339]
ولا شبهة عند الكل في سورة النمل أنها آية.
وقوله: (رجالٌ) مدحٌ لهم بكمال الرجولية، أي: بسمل رجالٌ أسندوا البسملة إلى الصحابة رضي الله عنه جامعين بين الدراية والرواية.
[101] ووصلك بين السورتين فصاحةٌ = وصل واستكن كل جلاياه حصلا
ب: (الوصل): ضد الوقف في القراءة، وهو: أن يصل القارئ آخر كل سورة بأول أخرى، و(الفصاحة): خلوص الكلام من التعقيد من: فصح الرغوة: إذا خلصت، و(السكت): من السكوت، وههنا: أن لا يصل، وينقص التوقف عن مرتبة الوقف، و(الجلايا): جمع الجلية، وهي: الظاهر البين.
ح: (وصلك): مبتدأ، (بين السورتين): ظرفٌ له أو مفعول به، (فصاحة): خبره، الواو في (واستكن): بمعنى (أو) للتخيير بين الأمرين،
[كنز المعاني: 1/340]
لأن الجمع بينهما محال، والنون: للتوكيد لدلالة رجحان السكت، (جلاياه): مفعول (حصلا)، والضمير: للتخيير المدلول عليه، أو لـ (كل)، بمعنى: كل حصل جلايا ما ذهب إليه وصوبه.
ص: أي: وصل حمزة المرموز له بالفاء بين كل سورتين؛ لأن كل القرآن عنده كسورةٍ واحدةٍ، ووصفه بالفصاحة لبيان الإعراب، وخير بين الوصل والسكت: ابن عامر وورش وأبو عمرو المرموز لهم بالكاف
[كنز المعاني: 1/341]
والجيم والحاء من الذين لم يبسملوا في كل سورة.
[102] ولا نص كل حب وجهٌ ذكرته = وفيها خلافٌ جيده واضحُ الطلا
ب: (كلا) حرف الردع، (حببتُ الشيء): أحببته، (الجيد): العنق، (الواضح): الظاهر، (الطلا): جمع الطلية، وهي صفحة العنق.
ح: (نص): اسم (لا)، خبرها: محذوف، أي: لا نص في التخيير، (حب): فعل مجهول، فاعله، (وجه)، و(ذكرته): صفة الوجه، (خلافٌ): مبتدأ، خبره: (فيها)، والضمير: راجع إلى البسملة، (جيده): مبتدأ ثان، (واضح الطلا): خبره، والجملة: صفة المبتدأ الأول، والإضافة إلى (الطلا) لفظية، وجمع (الطلا) مع أن لكل عنق صفحتين لعدم الالتباس، أو لأن أقل الجمع اثنان، أن يكون (الطلا) نفس الأعناق، فيكون المعنى: جيده واضحٌ من بين الأعناق، كناية عن الشهرة والظهور.
ص: أي: لا نص في تخيير الوصل والسكت عن ابن عامر وأبي عمرو، بل هو اختيارٌ من الشيوخ لهم، وهو معنى: (حب وجهٌ ذكرته)، وهو قول ابن غلبون
[كنز المعاني: 1/342]
والحافظ أبي عمرو.
وفي البسملة خلافٌ عن ورش، جيدُ ذلك الخلاف واضح الصفحات، أي ظاهر بين، لأن بعضهم نقل الفصل بالبسملة عنه، وبعضهم نقل الوصل.
[103] وسكتهم المختار دون تنفسٍ = وبعضهم في الأربع الزهر بسملا
ب: (الزهر): جمع (الزهراء)، تأنيث (الأزهر)، وهو: النير المضيء، و(الأربع الزهر): سورة القيامة والمطففين والبلد والهمزة.
[كنز المعاني: 1/343]
ح: (المختار): خبر (سكتهم)، وضميرهم: يرجع إلى الثلاثة المخيرين بين الوصل والسكت، (دون تنفس): حال من ضمير (المختار)، و(بعضهم): مبتدأ، (بسملا): خبره، و(في الأربع الزهر): ظرف الخبر، والضمير: يرجع إلى القراء لجري ذكرهم معنًى.
ص: أي: السكت هو المختار على الوصل حال كون السكت أقل من قدر التنفس، لأن ذلك يكفي في الإشعار بانقضاء السورة، وإنما كان مختارًا للإشعار بانقضاء السورة.
وبعض القراء في السور الأربع يبسملون لئلا يصلوا أواخر ما قبلهن بهن، فلا يحسن، كما إذا قلت: {أهل التقوى وأهل المغفرة، لا أقسم} [المدثر: 56، القيامة: 1]، فلا يحسن في السمع، ولم يبين السور الأربع لشهرتهن، وأشار إلى الشهرة بالزهر.
[104] لهم دون نص وهو فيهن ساكتٌ = لحمزة فافهمه وليس مخذلا
[كنز المعاني: 1/344]
ب: (ساكت): آتٍ بالسكت، (الفهم): الإدراك، (المخذل): الذي ترك نصره.
ح: (لهم) متعلق بـ (بسملا)، والضمير: لتاركي البسملة، وضمير (هو): مبتدأ يرجع إلى البعض المذكور، (لحمزة): متعلق بـ (ساكت)، أي: البعض ساكت تابعًا لحمزة، واسم (ليس): ضمير يرجع إلى البعض، أو إلى السكت، أو إلى المذهب.
ص: أي: بسمل بعضهم في الأربع الزهر تابعين لابن عامر وأبي عمرو وورش من غير نص عنهم في ذلك، والبعض الذي بسملوا في الأربع الزهر اكتفوا بالسكت فيهن لحمزة، لأن مذهبه الوصل ويحصل دفع الوهم المذكور بالسكت، فافهم ذلك المذهب، وليس ذلك المذهب متروكًا نصره، أي: مؤيد قوي.
105- ومهما تصلها أو بدأت براءة = لتنزيلها بالسيف لست مبسملا
ب: (براءة): اسم السورة، سميت بها لأن في أولها لفظ {براءة} [التوبة: 1].
[كنز المعاني: 1/345]
ح: (مهما): كلمة الشرط، وقد مر بحثه في أصله، ضمير (تصلها): راجع إلى (براءة)، و (براءة): مفعول (بدأت)، أي: بدأت ببراءة، أي: ابتدأت بها، ومعنى (بدأه): فعله ابتداء لقوله تعالى: {الله يبدؤا الخلق} [يونس: 34]، والمصراع من باب تنازع الفعلين، وإعمال الثاني، لكن الأحسن حذف الضمير من تصلها، كقوله تعالى: {ءاتوني أفرغ عليه قطرًا} [الكهف: 96]، ويجوز أن تكون (براءة): بدلًا من الضمير في (تصلها)، (بالسيف): حال، أي: لتنزيل براءة ملتبسةً بالسيف.
ص: يعني: مهما تفتتح القراءة ببراءة أو تصلها بالقراءة قبلها لم تبسمل عند كل القراء، سواءٌ بسمل في غيرها أم لم يبسمل. وعلل ترك البسملة: بأن تلك السورة نزلت أمرًا بالحرب ونبذ العهد، وفيها آية السيف، والبسملة آية أمان، فلم تناسبها، كما روي هذا المعنى عن علي رضي الله عنه، أو
[كنز المعاني: 1/346]
لأن البسملة نزلت مع كل سورة سواها، أو لأنها مع الأنفال سورة واحدة.
[106] ولابد مها في ابتدائك سورة = سواها وفي الأجزاء خير من تلا
ب: (خيرت فلانًا في أمر فلان): إذا جعلته ذا اختيارٍ فيه فعلًا وتركًا، (تلا): من التلاوة بمعنى القراءة.
ح: الضمير في (منها): يرجع إلى البسملة، وفي (سواها): إلى براءة، و(سورة): نكرة لا في سياق النفي، لكن المراد منها العموم بدليل الاستثناء، (في الأجزاء): ظرف (خير)، أي: في ابتداء الأجزاء، (من تلا): مفعول أقيم مقام الفاعل، على تقدير كون (خيرٌ) مجهولًا، أو فاعل على تقدير كونه معروفًا.
ص: أي: لابد من البسملة إذا ابتدأت بسورةٍ من سائر السور إلا سورة براءة، سواء في ذلك من بسمل ومن لم يبسمل، لكتابتها في المصاحف، وحملهم إياها على ألف الوصل تسقط في الدرج وتثبت في الابتداء.
[كنز المعاني: 1/347]
وفي الفاتحة سواء ابتدأت بها أو وصلت لابد من البسملة، لأنها لا تكون إلا مبتدأ، وإن قرئت عند ختم القرآن، لأن المقصود ابتداء ختمة أخرى.
وخُيِّر القارئ عند كل القراء إذا ابتدأ بالأجزاء أو الأعشار أو الأحزاب.
[كنز المعاني: 1/348]
أما وجه التسمية: فللابتداء، ووجه الترك: فلأن موضعها أوائل السور، ولذلك لم تكتب في المصاحف.
[107] ومهما تصلح مع أواخر سورة = فلا تقفن الدهر فيلها فتثقلا
ب: (لا تقفن): لا تأت بالوقف، (فتثقلا): أي: تصير مستثقلا، (أواخر): جمع في معنى المفرد، أو (السورة) مفرد في معنى الجمع.
ح: (فلا تقفن): جزاء الشرط، و(الدهر): نصب على الظرف، وضمير (فيها): راجع إلى البسملة، و (في): بمعنى (على)، نحو: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} [طه: 71]، (فتُثقلا): نصب على جواب النهي بتقدير (أن).
ص: يقول: مهما وصلت البسملة بآخر سورة من السور فلا تقف على البسملة أو لا تقطعها عن السورة الأخرى، لأن البسملة للافتتاح لا للاختتام، فتصير مستثقلًا عند أئمة القراءة لأجل ذلك الوقف، فإذا ابتدأ القارئ يصلها بأول السورة.
واعلم أن للبسملة باعتبار الوصل والقطع أربعة أحوال:
[1] وصلها أولًا وآخرًا.
[كنز المعاني: 1/349]
[2] وقطعها أولًا وآخرًا، وهما متوسطان.
[3] الوصل أولًا فقط، وهو مكروه، وعند صاحب التيسير غير جائز.
[4] والوصل آخرًا، وهو مستحب). [كنز المعاني: 1/350]
- قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): (باب: البسملة
البسملة، مصدر بسمل؛ إذا قال: "بسم الله" وهي لغة مولدة، ومثلها: هلل؛ إذا قال: "لا إله إلا الله" وحمدل؛ إذا قال: "الحمد لله"، وحسبل؛ إذا قال: "حسبي الله"، وحوقل وحواق؛ إذا قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله" وحيعل؛ إذا قال: "حي على الصلاة" أريد الاختصار، فعبر بكلمة واحدة عن كلمتين أو أكثر، سبك لفظ تلك الكلمة منها، ومنه ما فعلوا في النسب من عبقسي وعبشمي وعبدري وحضرمي: ثم البسملة مستحبة عند ابتداء كل أمر مباح أو مأمور به، وهي من القرآن العظيم من قصة سليمان عليه السلام في سورة النمل.
وأما في أوائل السور، ففيها اختلاف للعلماء قرائهم وفقهائهم قديما وحديثا في كل موضع رمست فيه من المصحف. والمختار أنها في تلك المواضع كلها من القرآن، فيلزم من ذلك قراءتها في مواضعها، ولها حكم غيرها من الجهر والإسرار في الصلاة وغيرها.
وقد أفردت لتقرير ذلك كتابا مبسوطا مستقلا بنفسه، ثم اختصرته في جزء لطيف بعون الله عز وجل.
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/226]
100-
وَبَسْمَلَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ "بِـ"سُنَّةٍ،.. "رِ"جَالٌ "نَـ"ـمَوْهاَ "دِ"رْيَةً وَتَحَمُّلاَ
البسملة تقع في قراءة القراء في ثلاثة مواضع، إذا ابتدءوا سورة أو جزءا وسيأتي الكلام فيهما، والثالث بين كل سورتين فابتدأ ببيانه لأن الاختلاف فيه أكثر والحاجة إلى معرفته أمسّ وفاعل بسمل قوله: رجال، وبسنة حال مقدمة أي آخذين أو متمسكين بسنة وهي كتابة الصحابة -رضي الله عنهم- لها في المصحف الكريم.
وما روي من الآثار في ذلك أو تكون نعت مصدر محذوف أي بسملة ملتبسة بسنة منقولة ونموها أي نقلوها ورفعوها وأسندوها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- والضمير للبسملة أو للسنة والجملة صفة لرجال أو للسنة، ودرية وتحملا مصدران في موضع الحال من فاعل نموها أي ذوي درية وتحمل أي دارين متحملين لها أي جامعين بين الدرية والرواية، والمبسملون من القراء هم الذين رمز لهم في هذا البيت من قوله بسنة رجال نموها درية.
وعلم من ذلك أن الباقين لا يبسملون؛ لأن هذا من قبيل الإثبات والحذف.
قال أبو طاهر بن أبي هاشم صاحب ابن مجاهد: أولى القولين
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/227]
بالصواب عندي الفصل بين السورتين بالبسملة؛ لاتباع المصحف، وللحديث الذي يروي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: اقرءوا ما في المصحف، ثم ذكر قول ابن عمر: فلم كُتِبت في المصحف إن لم تقرأ؟ قال أبو طاهر: ألا ترى أن ترك قراءتها كان عند ابن عمر كترك قراءة غيرها مما هو مرسوم في المصحف من سائر آي القرآن؛ إذ كان رسمها في الخط كرسم ما بعدها لا فرق بينهما، قال: وقد أجمع مع ذلك من أئمة القراءة بالأمصار على الجهر بها بين السورتين أهل الحرمين وعاصم والكسائي وأهل الشام.
101-
وَوَصْلُكَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ "فَـ"ـصَاحَةٌ،.. وَصِلْ وَاسْكُتَنْ "كُـ"ـلٌّ "جَـ"ـلاَيَاهُ "حَـ"ـصَّلاَ
بين في صدر هذا البيت قراءة حمزة -رضي الله عنه- ورمز له بقوله: فصاحة وبين في عجز البيت قراءة ابن عامر وورش وأبي عمرو، ورمز لهم بقوله: كل جلاياه حصلا، وبين السورتين ظرف للوصل أو مفعول به وفصاحة خبره، وإنما كان فصاحة؛ لأنه يستلزم بيان إعراب أواخر السور ومعرفة أحكام ما يكسر منها وما يحذف؛ لالتقاء الساكنين كآخر المائدة والنجم وبيان همزة القطع والوصل كأول القارعة، و{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}.
وما يسكت عليه في مذهب خلف كآخر "والضحى" فكل ذلك لا يحكمه ويتقنه إلا من عرف كيف يصله وسكوت خلف لا يخرجه عن كونه وصلا فإنه لا يفعل ذلك إلا في الوصل كما سيأتي شرحه في قوله: روى خلف في الوصل،..
وقد نقل أبو علي الأهوازي عن حمزة أنه قال: إنما فعلت ذلك؛ ليعرف القارئ كيف إعراب أواخر السور أي: ووصلك بين السورتين بعد إسقاط البسملة يستلزم فصاحة ثم بين قراءة غير حمزة ممن لم يبسمل فقال وصل واستكن وهذا على التخيير وإلا فالجمع بينهما محال إلا في حالتين أي
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/228]
صل إن شئت كما سبق لحمزة واسكت على آخر السورة إن شئت، وبهذا التقدير دخل الكلام معنى التخيير وإلا فالواو ليست بموضوعة له وقد قيل إنها قد تأتي للتخيير مجازًا والنون في واسكتن للتوكيد ولعله قصد بذلك أن السكوت لهم أرجح من الوصل، وقال صاحب التيسير على اختيار ذلك لهم، وقال الشيخ رحمة الله عليه: أكثر أهل الأداء لما فيه من الفصل، وقد روي السكت أيضا عن حمزة، وجلاياه جمع جلية وهو مفعول حصل، والهاء في جلاياه تعود على التخيير أي كل من أهل الأداء استوضح التخيير، ورآه صوابا أو تعود على كل؛ أي كل من القراء حصل جلايا ما ذهب إليه وصوبه والله أعلم.
102-
وَلاَ نَصَّ كَلاَّ حُبَّ وجْهٍ ذَكَرْتُهُ،.. وَفِيهاَ خِلاَفٌ جِيدُهُ وَاضِحُ الطُّلا
أي لم يرد بذلك نص عن هؤلاء بوصل ولا سكوت وإنما التخيير بينهما لهم اختيار من المشايخ واستحباب منهم، وهذا معنى قوله: "حب وجه ذكرته"، وكلا حرف ردع وزجر كأنه منع من اعتقاد النصوصية عن أحد منهم على ذلك، ثم قال: "وفيها" أي في البسملة خلاف عنهم جيد ذلك الخلاف واضح، الطلا: أي أنه مشهور معروف عند العلماء والجيد: العنق، والطلا جمع طلاة أو طلية والطلية صفحة العنق وله طليتان فجاء بالجمع في موضع التثنية لعدم الإلباس كقولهم: عريض الحواجب وطويل الشوارب، وقيل الطلا الأعناق أنفسها فكأنه قال عنق هذا
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/229]
الخلاف واضح الأعناق أي هو الواضح من بينها، وإنما تتضح الأعناق إذا كانت مرتفعة وارتفاع الأعناق والرءوس يكنى به عن ارتفاع المنزلة وعلو المرتبة، ومنه الحديث الصحيح: "المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة".
فحاصل ما في هذا البيت أن الخلاف في البسملة مروي عن ابن عامر وورش وأبي عمرو بل أكثر المصنفين لم يذكروا عن ابن عامر إلا البسملة، وقد ذكرنا عبارة المصنفين عنهم في ذلك في الشرح الكبير، فإذا قلنا لا يبسملون فهل يصلون كحمزة أو يسكتون لم يأت عنهم نص في ذلك، وذكر
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/230]
الشيوخ الوجهين لهم استحبابا، وقد بسطنا الكلام في ذلك بسطا شافيا ولم نجعل في هذا البيت رمزا لأحد كما ذكر غيرنا فإنا إذا قلنا إن كلا حب رمز ابن عامر وأبي عمرو لزم من مفهوم ذلك أن يكون ورش عنه نص في التخيير، وليس كذلك بل لم يرد عنه نص في ذلك، وإن قلنا: إن جيده رمز ورش لزم أن يكون ابن عامر وأبو عمرو لم يرد عنهما خلاف في البسملة، وهو خلاف المنقول، فلهذا قلنا لا رمز في البيت أصلا والله أعلم.
103-
وسَكْتُهُمُ المُخْتَارُ دُونَ تَنَفُّسٍ،.. وَبَعْضُهُمُ فِي الأَرْبِعِ الزُّهْرِ بَسْمَلا
السكت والسكوت واحد كلاهما مصدر سكت والضمير في سكتهم
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/231]
يعود على الثلاثة المخير لهم بين الوصل والسكت أي السكت المنسوب إليهم المختار فيه أن يكون دون تنفس فالمختار على هذا يكون مبتدأ ثانيا ويجوز أن يكون صفة السكت، ويجوز أن يكون خبره كأنه لما خير أولا بين الوصل والسكت أردفه بأن السكت هو المختار على ما أشرنا إليه في قوله: واسكتن، وقوله بعد ذلك: دون تنفس خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أو حال من ضمير المختار، والإشارة بقولهم: "دون تنفس" إلى عدم الإطالة المؤذنة بالإعراض عن القراءة وإلا فلأواخر السور حكم الوقف على أواخر الآيات وفي أثنائها من الوقوف التامة والكافية فما ساغ ثم من السكوت فهو سائغ هنا وأكثر والله أعلم.
ثم قال: وبعضهم؛ أي: وبعض المشايخ من المقرئين الذين استحبوا التخيير بين الوصل والسكوت واختاروا في السكوت أن يكون دون تنفس اختاروا أيضا البسملة لهؤلاء الثلاثة في أوائل أربع سور هي القيامة والمطففين والبلد والهمزة دون سائر السور، قالوا: لأنهم استقبحوا وصلها بآخر السور قبلها من غير تسمية، وقوله: الزهر جمع زهراء تأنيث أزهر أي المضيئة المنيرة كنى بذلك عن شهرتها ووضوحها بين أهل هذا الشأن فلم يحتج إلى تعيينها.
104-
لَهُمْ دُونَ نَصٍّ وَهْوَ فِيهِنَّ سَاكِتٌ،.. لِحَمْزَةَ فَافهَمْهُ وَلَيْسَ مُخَذَّلا
لهم: أي لابن عامر وورش وأبي عمرو، "دون نص" أي من غير نص، وقد استعمل -رحمه الله- لفظ دون بمعنى غير كثيرا كقوله: ومن دون وصل ضمها، "وسلطانية" من دون هاء، ولفظ غير مؤات له في المواضع كلها، قال صاحب التيسير: وليس في ذلك أثر عنهم، وإنما هو استحباب من
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/232]
الشيوخ، ثم قال: وهو فيهن أي: وذلك البعض يسكت في هذه المواضع الأربعة لحمزة؛ لأن حمزة مذهبه الوصل فاكتفى له هنا بالسكت ثم قال فافهمه أي افهم هذا المذهب المذكور وليس مخذلا يقال خذله إذا ترك عونه ونصرته خذلانا وخذل عنه أصحابه تخذيلا أي حملهم على خذلانه فالتقدير وليس مخذلا عنه أصحابه ويجوز أن يكون اسم ليس عائدا على البعض في قوله: "وبعضهم" كأن التقدير، وليس ذلك القائل مخذلا عن نصرة هذا المذهب بل قد انتصب له من ساعده ونصره وأعانه، وإني أقول لا حاجة إلى تكلف التسمية لأجل المعنى المذكور بل السكوت كافٍ للجميع كما يكتفي به لحمزة وكما يكتفي به بين الآيات الموهم اتصالها أكثر مما في هذه الأربعة أو مثلها مثل: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} بعد قوله: {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}، وقوله: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ} بعد قوله: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}.
ويمكن حمل قول الشاطبي -رحمه الله- وليس مخذلا على السكوت المفهوم من قوله: وهو فيهن ساكت أي ليس هذا السكوت مخذلا بل هو مختار لحمزة وغيره، ولقد أعجبني قول أبي الحسن الحصري رحمه الله:
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/233]
ولم أقر بين السورتين مبسملا،.. لورش سوى ما جاءَ في الأربع الغر
وحجتهم فيهن عندي ضعيفة،.. ولكن يقرون الرواية بالنصر
قال: من شرح هذا لو قال: يقرون المقالة موضع قوله: الرواية لكان أجود؛ إذ لا رواية عنهم بذلك قد أشبعت الكلام في هذا في الشرح الكبير.
105-
وَمَهْمَا تَصِلْهَا أَوْ بَدَأْتَ بَرَاءَةً،.. لِتَنْزِيلِهاَ بالسَّيْفِ لَسْتَ مُبَسْمِلا
قد سبق الكلام في مهما وأن فيها معنى الشرط فتدخل الفاء في جوابها كقوله فيما مضى: فكن عند شرطي،.. وفيما يأتي: "فلا تقفن الدهر،.. " وهي محذوفة في هذا البيت لضرورة الشعر، والتقدير فلست مبسملا وقيل إنما تدخل الفاء؛ لأنه خبر بمعنى النهي وهو فاسد؛ فإن الفاء لازمة في النهي فكيف الخبر الذي بمعناه، وقوله: تصلها الضمير فيه لبراءة أضمر قبل الذكر على شريطة التفسير، وبراءة مفعول بدأت، والقاعدة تقتضي حذف المفعول من الأول فلا حاجة إلى إضماره كقوله تعالى: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا}.
وقيل: براءة بدل من الضمير في تصلها بمعنى أن سورة براءة لا بسملة في أولها سواء ابتدأ بها القارئ أو وصلها بالأنفال لأن البسملة لم ترسم في أولها بخلاف غيرها من السور.
ثم بين الحكمة التي لأجلها لم تشرع في أولها البسملة فقال: "لتنزيلها بالسيف" أي ملتبسة بالسيف كنى بذلك عما اشتملت عليه السورة من
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/234]
الأمر بالقتل والأخذ والحصر ونبذ العهد، وفيها الآية التي يسميها المفسرون آية السيف، وهذا التعليل يروى عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعن غيره، قال القاضي أبو بكر ابن الباقلاني: وعليه الجمهور من أهل العلم، وقد زدت في الشرح الكبير هذا المعنى بسطا وتقريرا، وذكرت وجوها أخر في التعليل، ونقل الأهوازي أن بعضهم بسمل في أول براءة.
106-
وَلاَ بُدَّ مِنْهاَ في ابْتِدَائِكَ سُورَةً،.. سِوَاهاَ وَفي الأَجْزَاءِ خُيِّرَ مَنْ تَلا
الضمير في منها للبسملة وفي سواها لبراءة، وسورة منصوب على إسقاط الخافض أي بسورة، وكذا قوله: "أبو بدأت براءة" أي براءة يقال بدأت بالشيء أي ابتدأت به، وأما بدأت الشيء من غير باء فمعناه فعلته ابتداء ومنه: "بدأ اللَّه الخلق".
وسورة نكرة في كلام موجب فلا عموم لها إلا من جهة المعنى، فكأنه قال: مهما ابتدأت سورة سوى براءة فبسمل، ولو قال:
ولا بد منها في ابتدا كل سورة ... سواها .....................
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/235]
لزال هذا الإشكال.
ومعنى البيت: أن القراء كلهم اتفقوا في إبتداء السور على البسملة سواء في ذلك من بسمل منهم بين السورتين ومن لم يبسمل، ووجهه أنهم حملوا كتابة ما في المصحف على ذلك كما تكتب همزات الوصل وهي ساقطة في الدرج.
قال بعض العلماء: ولا خلاف بين القراء في البسملة أول فاتحة الكتاب سواء وصلها القارئ بسورة أخرى قبلها أو ابتدأ بها، ولم يذكر ذلك في القصيدة اعتمادا على أن الفاتحة في غالب الأحوال لا يكون القارئ لها إلا مبتدئا، ثم قال: وفي الأجزاء أي وفي ابتداء الأجزاء والأحزاب والأعشار وغير ذلك، ويجمع ذلك أن تقول: كل آية يبتدأ بها غير أوائل السور خير المشايخ فيه فسوغوا البسملة فيه؛ لأنه موضع ابتداء في الجملة كما يسمى في ابتداء الوضوء والأكل والشرب ومن تلا فاعل خير وتلا بمعنى قرأ كنى بذلك عن أهل الأداء ولو كان خُير بضم الخاء وكسر الياء لكان حسنا أي خير التالي وهو القارئ في ذلك والله أعلم.
107-
وَمَهْمَا تَصِلْهَا مَعْ أَوَاخِرِ سُورَةٍ،.. فَلاَ تَقِفَنَّ -الدَّهْرَ- فِيهاَ فَتَثْقُلا
الضمير في تصلها وفيها للبسملة وأواخر جمع في موضع مفرد أي بآخر سورة أي بالكلمات الأواخر أو نقول سورة لفظ مفرد في موضع جمع؛ لأنه ليس المراد سورة واحدة بل جميع السور فكأنه قال مع أواخر السور، والدهر نصب على الظرفية وفيها بمعنى عليها كما قيل ذلك في قوله تعالى: {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}.
أي عليها، "ولا تقفن" نهي نصب
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/236]
في جوابه فتثقلا بإضمار أن بعد الفاء، ومعنى فتثقل أي يستثقل ويتبرم بك؛ لأن البسملة لأوائل السور لا لأواخرها فإن ابتليت بوصلها بالآخر فتمم الوصل بأول السورة الأخرى فتتصل بهما كما تتصل سائر الآيات بما قبلها وما بعدها، ولك أن تقطعها من الآخر والأول وتلفظ بها وحدها، والأولى قطعها من الآخر ووصلها بالأول فهذه أربعة أوجه الأول مكروه والآخر مستحب، وما بينهما وجهان متوسطان وهما وصل البسملة بهما وقطعها عنهما، ويتعلق بالوصل والقطع أحكام ذكرناها في الكبير، قال صاحب التيسير: والقطع عليها إذا وصلت بأواخر السور غير جائز والله أعلم). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/237]
- قال عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي (ت: 1403هـ): (باب البسملة
البسملة: مصدر مولد بسمل إذا قال: بِسْمِ اللَّهِ*، نحو هيلل إذا قال: لا إله إلا الله، وحمدل إذا قال: الحمد لله، وحسبل إذا قال: حسبي الله، وحيعل إذا قال: حي على الصلاة، وحوقل إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
100 - بسمل بين السّورتين بسنّة ... رجال نموها درية وتحمّلا
101 - ووصلك بين السّورتين فصاحة ... وصل واسكتا كلّ جلاياه حصّلا
اللغة: (السنة) لغة: الطريقة. واصطلاحا: قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم أو فعله أو تقريره أو وصفه.
ومعنى (نموها) رفعوها ونقلوها. و(الدرية): الدراية والعلم والمعرفة. و(التحمل): النقل عن الغير. و(درية وتحملا): مصدران في موضع الحال من فاعل (نموها): أي نقلوها حال كونهم ذوي معرفة ودراية وتحمل. و(الجلايا): جمع جلية من جلا الأمر إذا انكشف وظهر.
والمعنى: أن المشار إليهم بالباء، والراء، والنون، والدال، وهم: قالون، والكسائي، وعاصم، وابن كثير؛ قرءوا بإثبات البسملة بين كل سورتين حال كونهم متمسكين في ذلك بسنة نقولها وأسندوها إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، وحال كونهم ذوي علم ومعرفة ونقل عن الغير؛ أي جامعين بين الدراية والرواية. والمراد بالسنة التي نقولها: ما ثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان لا يعلم انقضاء السورة حتى تنزل عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وكتابة الصحابة لها في المصاحف العثمانية. وقوله: ووصلك بين السورتين فصاحة، معناه أن المشار إليه بالفاء وهو حمزة قرأ
[الوافي: 45]
بوصل آخر السورة بأول التالية من غير بسملة بينهما، وفي قوله: فصاحة؛ إشارة إلى حكمة هذا الوصل، وهي أن فيه بيان إعراب آخر السورة كآخر التوبة مع أول يونس، وبيان همزة الوصل كآخر العاديات مع أول القارعة. وهمزة القطع كآخر القارعة مع أول أَلْهاكُمُ. وسكت خلف على مثل: فَحَدِّثْ آخر والضحى، لا
يخرجه عن كونه وصلا؛ فإنه لا يفعل ذلك إلا في حال الوصل؛ ولأنه في هذه الحال يعتبر واصلا آخر والضحى بأول الشرح من غير بسملة بينهما، والواو في قوله: واسكتن، بمعنى أو خيّر الناظم القارئ بين الوصل والسكت بين كل سورتين لمن رمز لهم بالكاف، والجيم، والحاء وهم: ابن عامر، وورش، وأبو عمرو، فيكون لكل واحد منهم بين كل سورتين وجهان:
الوصل كحمزة، والسكت: بدون بسملة. والسكت هو الوقف على آخر السورة وقفة لطيفة من غير تنفس كسكت حمزة على الهمز.
والمعنى: كل جلاياه حصلا أن كل واحد من القراء الثلاثة: ابن عامر، وورش، وأبي عمرو، حصل جلايا ما ذهب إليه وصوبه، وينبغي أن يعلم أنه لا بدّ من الإتيان بالبسملة لجميع القراء بين آخر سورة الناس وأول سورة الفاتحة. فإن الفاتحة وإن وصلت لفظا فهي مبتدأ بها حكما إذ ليس قبلها شيء حقيقة.
102 - ولا نصّ كلّا حبّ وجه ذكرته ... وفيها خلاف جيده واضح الطّلا
اللغة: (كلا): حرف ردع وزجر. و(الجيد): العنق. و(الواضح): الظاهر.
و (الطلى): جمع طلية وهي صفحة العنق.
والمعنى: لم يرد نص عن ابن عامر، وورش، وأبي عمرو بوصل ولا بسكت، وإنما التخير بين هذين الوجهين لهم اختيار من أهل الأداء، واستحباب من شيوخ الإقراء، وهذا معنى قوله: حب وجه ذكرته، و(كلا) حرف ردع وزجر كما سبق، وكأن الناظم يزجر من يعتقد ورود النص عن أحد منهم بوصل أو سكت، وقوله: وفيها خلاف جيده واضح الطلى، معناه: أن في البسملة خلافا عن هؤلاء الثلاثة مشهورا عند علماء هذه الصناعة.
والخلاصة: أن الخلاف في البسملة وارد عن هؤلاء الثلاثة، فإذا قلنا: إنهم يبسملون وأخذنا لهم بالبسملة فالأمر ظاهر، وإن قلنا: إنهم لا يبسملون فهل
[الوافي: 46]
يصلون كحمزة أو يسكتون، لم يرد عنهم في ذلك نص، فذكر الشيوخ لهم هذين الوجهين استحبابا، وعلى ما تقرر لا يكون في البيت رمز لأحد، وهذا ما عليه المحققون، وهذا الحكم الذي ذكرنا لكل قارئ عام، يجري بين كل سورتين سواء كانت الثانية بعد الأولى مباشرة كآخر البقرة وأول آل عمران، أو لم تكن بعدها مباشرة كآخر يونس مع أول النحل، لكن يشترط أن تكون الثانية بعد الأولى في ترتيب القرآن والتلاوة كما مثلنا، فإن كانت قبلها فيما ذكر كآخر الأنبياء مع أول هود؛ فإنه يتعين الإتيان بالبسملة لجميع القراء، ولا يجوز لواحد منهم الوصل ولا السكت، كذلك لو وصل آخر السورة بأولها، كأن كرر سورة الإخلاص؛ فإن البسملة تكون حينئذ متعينة للجميع.
وأيضا تتعين البسملة لكل القراء لو وصل آخر الناس بأول الفاتحة كما تقدم.
103 - وسكتهم المختار دون تنفّس ... وبعضهم في الأربع الزّهر بسملا
104 - لهم دون نصّ وهو فيهنّ ساكت ... لحمزة فافهّمه وليس مخذّلا
اللغة: و(سكتهم): مبتدأ، و(المختار): خبره، و(دون تنفس) ظرف متعلق بمحذوف خبر بعد خبر، أو حال من ضمير المختار، و(الأربع الزهر): هي السور الآتية: القيامة،
المطففين، البلد، الهمزة. و(الزهر): جمع الزهراء تأنيث الأزهر وهو المنير المشرق، ووصف هذه السور بالزهر كناية عن شهرتها ووضوحها، ولذلك لم يحتج لتعينها. والضمير في (وسكتهم) يعود على القراء الثلاثة المذكورين في البيت قبله وهم: ابن عامر، وورش، وأبو عمرو.
والمعنى: أن السكت الوارد عن هؤلاء هو المختار المقدم على الوصل؛ لأن فيه تنبيها على نهاية السورة. وهذا السكت يكون دون تنفس بأن تقف على آخر السورة وقفة خفيفة دون تنفس، ثم بيّن أن بعض أهل الأداء اختار الفصل بالبسملة بين المدثر والقيامة، وبين الانفطار والتطفيف، وبين الفجر والبلد، وبين العصر والهمزة، لمن ورد عنه السكت في غيرهن، وهم: ورش وأبو عمرو وابن عامر، من غير نص عنهم، وإنما هو استحباب من الشيوخ لهم، واختار السكت بين ما ذكر لمن روي
[الوافي: 47]
عنه الوصل في غيرهن وهم المذكورون وحمزة، فإذا كنت تقرأ لورش، أو أبي عمرو، أو ابن عامر بالسكت بين السور ووصلت للسور المذكورة؛ استحب لك- عند هذا البعض- أن تفصل بينهن بالبسملة. وإن كنت تقرأ لأحدهم أو لحمزة بالوصل بين السور؛ استحب لك- عند هذا البعض- أن تسكت بينهن. وقوله: فافهمه وليس مخذلا، معناه: فافهم هذا المذهب الذي يفرق بين هذه السور وبين غيرها من سور القرآن، وليس هذا المذهب ضعيفا متروك العون والنصرة، بل هو مذهب مؤيد منصور. ولكن مع هذا فالمحققون من العلماء على عدم التفرقة بين هذه السور وبين غيرها، وهو المذهب الصحيح المختار الذي عليه العمل في سائر الأمصار، فإن قلت: من أين يعلم أن اختيار البسملة بين السورة المذكورة في مذهب هذا البعض إنما يكون حال السكت في غيرها؟ قلت: يعلم ذلك من اختيار السكت بين هذه السور حال الوصل في غيرها. فإن قلت: من أين يعلم اختيار السكت بين هذه السور حال الوصل في غيرها لورش وأبي عمرو وابن عامر والناظم لم ينص إلا على اختيار السكت فيها لحمزة؟ قلت:
يعلم ذلك من قوله: وهو فيهن ساكت لحمزة؛ فإن المراد به: وهو فيهن ساكت لكل من وصل في غيرها، وإنما خص حمزة بالذكر؛ لأنه الأصل في الوصل بين السور.
105 - ومهما تصلها أو بدأت براءة ... لتنزيلها بالسّيف لست مبسملا
اللغة: الضمير في (تصلها) يعود على براءة.
المعنى: إذا وصلت براءة بالسورة قبلها وهي الأنفال، أو ابتدأت بها القراءة فلا تبسمل في أولها لأحد من القراء، سواء كان مذهبه بين السورتين البسملة أو السكت أو الوصل.
ثم علل الناظم ترك البسملة في أول براءة بأنها نزلت مشتملة على السيف، وكنى بذلك عما انطوت عليه سورة براءة من الأمر بالقتل والأخذ والحصر ونبذ العهد والوعيد والتهديد وفيها آية السيف، وقد نقل العلماء هذا التعليل عن عليّ رضي الله عنه. قال ابن عباس: سألت عليّا رضي الله عنه: لم لم تكتب البسملة في أول براءة؟ فقال: لأن بسم الله أمان، وبراءة ليس فيها أمان؛ لأنها نزلت بالسيف ولا تناسب بين الأمان والسيف.
[الوافي: 48]
106 - ولا بدّ منها في ابتدائك سورة ... سواها وفي الأجزاء خيّر من تلا
اللغة: الضمير في (منها): يعود على البسملة وفي (سواها): يعود على براءة، و(سورة): منصوب على نزع الخافض، لما ذكر في الأبيات السابقة مذاهب القراء بين السورتين ذكر هنا مذهبهم في ابتداء السور، فقال: إذا ابتدأت قراءتك بأول سورة من سور القرآن فلا بد من الإتيان بالبسملة لجميع القراء سواء في ذلك من مذهبه البسملة بين السورتين، ومن مذهبة وصل السورة بأول التالية، ومن مذهبه التخيير بين الوصل والسكت والبسملة. فالقراء متفقون على البدء بالبسملة في ابتداء أي سورة، وهذا الحكم عام في الابتداء بأي سورة من سور القرآن إلا براءة فلا بسملة عند الابتداء بها لأحد من القراء.
وقوله (وفي الأجزاء خيّر من تلا) يصح قراءة (خير) بالبناء للفاعل.
والمعنى: خير أهل الأداء القارئ إذا ابتدأ قراءته بشيء من أجزاء السور بين الإتيان بالبسملة وتركها. ويصح قراءة خير بالبناء للمفعول.
ومن المعنى: خير القارئ إذا ابتدأ بشيء من أجزاء السور بين الإتيان بالبسملة وتركها، وذلك لجميع القراء. ولا فرق في هذا الحكم بين أجزاء براءة وأجزاء غيرها من السور، واستثنى بعضهم أجزاء براءة فمنع من الإتيان فيها بالبسملة، وألحق أجزاء السورة بأولها في عدم جواز الإتيان بالبسملة. والمراد بأجزاء السور: ما بعد أوائلها ولو بآية أو كلمة، فيدخل في ذلك: أوائل الأجزاء المصطلح عليها، وأوائل الأحزاب والأعشار. وأول كل آية ابتدأ بها غير أول آية في السورة.
107 - ومهما تصلها مع أواخر سورة ... فلا تقفنّ الدّهر فيها فتثقلا
اللغة والمعنى: الضمير في (تصلها) و(فيها) يعود على البسملة. وفي بمعنى على.
يقول: إذا وصلت البسملة بآخر سورة امتنع الوقف على البسملة وتعين وصلها بأول السورة التالية والحاصل أن الأوجه العقلية الجائزة بين كل سورتين لمن مذهبه البسملة أربعة:
(الأول) الوقف على آخر السورة وعلى البسملة.
(الثاني) الوقف على آخر السورة ووصل البسملة بأول التالية.
(الثالث) وصل آخر السورة بالبسملة مع وصل البسملة بأول السورة التالية.
[الوافي: 49]
(الرابع) وصل آخر السورة بالبسملة مع الوقف عليها، وهذا الوجه هو الذي نهى الناظم عن الإتيان به، فيكون ممتنعا فتبقى الأوجه الثلاثة الأولى على الجواز. وعلى هذا يكون لكل من مذهبه البسملة بين السورتين وهم: قالون، والكسائي، وعاصم، وابن كثير، هذه الأوجه الثلاثة بين كل سورتين. ويكون لورش، وأبي عمرو، وابن عامر، بين كل سورتين خمسة أوجه. الثلاثة المذكورة، والوصل، والسكت دون بسملة على كل منهما. أما حمزة: فليس له بين كل سورتين إلا وجه واحد وهو الوصل بلا بسملة
وقولوه فتثقلا معناه فتصير مستثقلا عند أئمة القراءة لأنك فعلت ما لا ينبغي حيث جعلت البسملة لختم السورة وهي لم تشرع إلا للبدء بالسورة وينبغي أن يعلم أن بين الأنفال وبراءة ثلاثة أوجه لجميع القراء وهي: الوقف، والسكت، والوصل). [الوافي: 50]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (10 - وَبَسْمَلَ بَيْنَ السُّوْرَتَيْنِ أَئِمَّةٌ = .... .... .... .... ....). [الدرة المضية: 16]
- قال محمد بن الحسن بن محمد المنير السمنودي (ت: 1199هـ):(ولما فرغ من الخطبة وبيان الاصطلاح شرع في القصد فقال:
باب البسملة وأم القرآن
ص - وبسمل بين السورتين (أ)ئمة = ومالك )حُـ)ـز (فـ)ـز والصراط (فـ)ـأسجلا
ش - أهمل الناظم - رحمه الله تعالى - الاستعاذة جبريًا على ماشرطه من أنه إذا وافق كل أصله في مسألة أهملها.
وأخبر أن المشار إليه بألف أئمة وهو أبو جعفر قرأ بالبسملة بين كل سورتين سوى براءة بلا خلاف اتباعًا للرسم، وهذا الموضع خالف فيه أبو جعفر أصله باعتبار أحد راويي نافع لأن نافعًا يترك البسملة من رواية ورش ولم يذكر الخلاف لابن وردان فقط بل ذكر أبا جعفر بتمامه وهذا يفعله عند اختلاف الروايتين في جميع القصيدة لأن هذا من جملة
[شرح الدرة المضيئة: 38]
اصطلاحه فقياس عليه نظائره، ووافق الإمامان أصلهما فلم يذكرهما كما شرط، فتعين ليعقوب كأبي عمرو البسملة والسكت والوصل، والوصل لخلف كأصله حمزة في جميع القرآن). [شرح الدرة المضيئة: 39]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (باب اختلافهم في البسملة
والكلام على ذلك في فصولٍ
(الأوّل) بين السّورتين. وقد اختلفوا في الفصل بينهما بالبسملة وبغيرها وفي الوصل بينهما، ففصل بالبسملة بين كلّ سورتين إلّا بين الأنفال وبراءةٌ ابن كثيرٍ، وعاصمٌ، والكسائيّ وأبو جعفرٍ، وقالون الأصبهانيّ عن ورشٍ، ووصل بين كلّ سورتين حمزة، واختلف عن خلفٍ في اختياره بين الوصل والسّكت، فنصّ له أكثر الأئمّة المتقدّمين على الوصل، وهو الّذي في " المستنير "، " والمبهج "، و " كفاية " سبط الخيّاط، وغاية أبي العلاء، ونصّ له صاحب الإرشاد على السّكت، وهو الّذي عليه أكثر المتأخّرين الآخذين بهذه القراءة كابن الكدّيّ، وابن الكالّ، وابن زريقٍ الحدّاد،، وأبي الحسن الدّيوانيّ، وابن مؤمنٍ صاحب الكنز، وغيرهم، واختلف أيضًا عن الباقين، وهم أبو عمرٍو، وابن عامرٍ ويعقوب،
[النشر في القراءات العشر: 1/259]
وورشٌ من طريق الأزرق بين الوصل والسّكت والبسملة. فأمّا أبو عمرٍو فقطع له بالوصل صاحب " العنوان " وصاحب " الوجيز "، وهو أحد الوجهين في جامع البيان للدّانيّ، وبه قرأ شيخه الفارسيّ، عن أبي طاهرٍ، وهو طريق أبي إسحاق الطّبريّ في المستنير وغيره، وهو ظاهر عبارة الكافي، وأحد الوجهين في الشّاطبيّة، وبه قرأ صاحب التّجريد على عبد الباقي،، وهو أحد الوجوه الثّلاثة في الهداية، وبه قطع في غاية الاختصار لغير السّوسيّ، وبه قطع الحضرميّ في " المفيد " للدّوريّ عنه، وقطع له بالسّكت صاحب " الهداية " في الوجه الثّاني و " التّبصرة " و " تلخيص العبارات "، و " تلخيص أبي معشرٍ " والإرشاد لابن غلبون والتّذكرة "، وهو الّذي في " المستنير " و " الرّوضة " وسائر كتب العراقيّين لغير ابن حبشٍ عن السّوسيّ، وفي " الكافي " أيضًا، وقال: إنّه أخذ من البغداديّين، وهو الّذي اختاره الدّانيّ، وقرأ به على أبي الحسن وأبي الفتح وابن خاقان، ولا يؤخذ من التّيسير بسواه عند التّحقيق، وهو الوجه الآخر في الشّاطبيّة وبه قرأ صاحب " التّجريد " على الفارسيّ للدّوريّ، وقطع به في غاية " الاختصار " للدّوريّ أيضًا، وقطع له بالبسملة صاحب " الهادي " وصاحب " الهداية " في الوجه الثّالث، وهو اختيار صاحب " الكافي "، وهو الّذي رواه ابن حبشٍ عن السّوسيّ، وهو الّذي في غاية الاختصار للسّوسيّ، وقال الخزاعيّ، والأهوازيّ ومكّيٌّ وابن سفيان والهذليّ: والتّسمية بين السّورتين مذهب البصريّين، عن أبي عمرٍو، وأمّا ابن عامرٍ فقطع له بالوصل صاحب " الهداية "، وهو أحد الوجهين في " الكافي " " والشّاطبيّة " وقطع له بالسّكت صاحبا " التّلخيص " و " التّبصرة "، وابنا غلبون، واختيار الدّانيّ، وبه قرأ على شيخه أبي الحسن، ولا يؤخذ من اليسير بسواه، وهو الوجه الآخر في " الشّاطبيّة " وقطع له بالبسملة صاحب العنوان، وصاحب التّجريد، وجميع العراقيّين، وهو الوجه الآخر " الكافي "، وبه قرأ الدّانيّ على الفارسيّ وأبي الفتح، وهو الّذي لم يذكر المالكيّ في " الرّوضة " سواه، وهو الّذي في الكامل، وأمّا يعقوب فقطع له بالوصل صاحب " غاية الاختصار "، وقطع له بالسّكت صاحب " المستنير " و " الإرشاد " و " الكفاية "
[النشر في القراءات العشر: 1/260]
وسائر العراقيّين، وقطع له بالبسملة صاحب التّذكرة، والدّانيّ وابن الفحّام وابن شريحٍ، وصاحب " الوجيز "، و " الكامل "، وأمّا ورشٌ من طريق الأزرق فقطع له بالوصل صاحب " الهداية " وصاحب " العنوان " الحضرميّ وصاحب " المفيد "، وهو ظاهر عبارة " الكافي "، وأحد الوجوه الثّلاثة في " الشّاطبيّة "، وقطع له بالسّكت ابنا غلبون، وابن بلّيمة صاحب " التّلخيص "، وهو الّذي في " التّيسير "، وبه قرأ الدّانيّ على جميع شيوخه، وهو الوجه الثّاني في " الشّاطبيّة " وأحد الوجهين في " التّبصرة " من قراءته على أبي الطّيّب، وهو ظاهر عبارة الكامل الّذي لم يذكر له غيره، وقطع له بالبسملة صاحب " التّبصرة " من قراءته على أبي عديٍّ، وهو اختيار صاحب " الكافي "، وهو الوجه الثّالث في " الشّاطبيّة "، وبه كان يأخذ أبو غانمٍ وأبو بكرٍ الأذفويّ وغيرهما عن الأزرق.
(الثّاني) أنّ الآخذين بالوصل لمن ذكر من حمزة وأبي عمرٍو، وابن عامرٍ، أو يعقوب، أو ورشٍ اختار كثيرٌ منهم لهم السّكت بين (المدّثّر، ولا أقسم بيوم القيامة - وبين - الانفطار وويلٌ للمصلّين - وبين والفجر، ولا أقسم بهذا البلد - وبين والعصر، وويلٌ لكلّ همزةٍ) كصاحب " الهداية " وابني غلبون، وصاحب " المبهج " وصاحب " التّبصرة "، وصاحب " الإرشاد "، وصاحب " المفيد "، ونصّ عليه أبو معشرٍ في " جامعه " وصاحب " التّجريد " وصاحب " التّيسير "، وأشار إليه الشّاطبيّ ونقل عن ابن مجاهدٍ في غير (والعصر، والهمزة) ، وكذا اختاره ابن شيطا صاحب " التّذكار "، وبه قرأ الدّانيّ على أبي الحسن بن غلبون، وكذا الآخذون بالسّكت لمن ذكر من أبي عمرٍو، وابن عامرٍ، ويعقوب، وورشٍ، اختار كثيرٌ منهم لهم البسملة في هذه الأربعة المواضع كابني غلبون، وصاحب " الهداية "، ومكّيٍّ، وصاحب " التّبصرة "، وبه قرأ الدّانيّ على أبي الحسن، وخلف بن خاقان، وإنّما اختاروا ذلك لبشاعة وقوع مثل ذلك إذا قيل: (أهل المغفرة لا) أو: (ادخلي جنّتي لا) أو: (للّه ويلٌ) أو: (وتواصوا بالصّبر ويلٌ) من غير فصلٍ، ففصلوا بالبسملة للسّاكت، وبالسّكت للواصل، ولم يمكنهم البسملة له ; لأنّه ثبت
[النشر في القراءات العشر: 1/261]
عنه النّصّ بعدم البسملة، فلو بسملوا لصادموا النّصّ بالاختيار، وذلك لا يجوز.
والأكثرون على عدم التّفرقة بين الأربعة وغيرها، وهو مذهب فارس بن أحمد، وابن سفيان صاحب " الهادي "، وأبي الطّاهر صاحب " العنوان " وشيخه عبد الجبّار الطّرسوسيّ صاحب " المستنير "، و " الإرشاد "، و " الكفاية "، وسائر العراقيّين، وهو اختيار أبي عمرٍو الدّانيّ والمحقّقين، واللّه تعالى أعلم.
تنبيهاتٌ
(أوّلها) تخصيص السّكت والبسملة في الأربعة المذكورة مفرّعٌ على الوصل والسّكت مطلقًا. فمن خصّها بالسّكت، فإنّ مذهبه في غيرها الوصل، ومن خصّها بالبسملة فمذهبه في غيرها السّكت وليس أحدٌ يروي البسملة لأصحاب الوصل كما توهّمه المنتجب، وابن بصخان، فافهم ذلك فقد أحسن الجعبريّ في فهمه ما شاء وأجاد الصّواب، واللّه أعلم.
وانفرد الهذليّ بإضافته إلى هذه الأربعة موضعًا خامسًا، وهو البسملة بين الأحقاف والقتال عن الأزرق، عن ورشٍ وتبعه في ذلك أبو الكرم، وكذلك انفرد صاحب " التّذكرة " باختيار الوصل لمن سكت من أبي عمرٍو، وابن عامرٍ، وورشٍ في خمسة مواضع وهي: الأنفال ببراءة، والأحقاف بالّذين كفروا، واقتربت بالرّحمن، والواقعة بالحديد، والفيل بـ " لإيلاف قريشٍ ". قال الحسن: ذلك بمشاكلة آخر السّورة لأوّل الّتي تليها.
(ثانيها) أنّه تقدّم تعريف السّكت، وأنّ المشترط فيه يكون من دون تنفّسٍ، وأنّ كلام أئمّتنا مختلفٌ فيه طول زمنه وقصره، وحكاية قول سبط الخيّاط:
إنّ الّذي يظهر من قول طول زمن السّكت بقدر البسملة، وقد قال أيضًا في " كفايته " ما يصرّح بذلك حيث قال، عن أبي عمرٍو، وروي، عن أبي عمرٍو إسرارها، أي: إسرار البسملة. قلت: والّذي قرأت به وآخذ: السّكت عن جميع من روي عنه السّكت بين السّورتين سكتًا يسيرًا من دون تنفّسٍ قدر السّكت
[النشر في القراءات العشر: 1/262]
لأجل الهمز، عن حمزة وغيره حتّى أنّي أخرجت وجه حمزة مع وجه ورشٍ بين سورتي (والضّحى، وألم نشرح) على جميع من قرأته عليه من شيوخي، وهو الصّواب واللّه أعلم.
(الثّالث) أنّ كلًّا من الفاصلين بالبسملة والواصلين والسّاكتين إذا ابتدأ سورةً من السّور بسمل بلا خلافٍ عن أحدٍ منهم، إلّا إذا ابتدأ (براءةٌ) كما سيأتي، سواءٌ كان الابتداء عن وقفٍ أم قطعٍ، أمّا على قراءة من فصل بها فواضحٌ، وأمّا على قراءة من ألغاها فللتّبرّك والتّيمّن، ولموافقة خطّ المصحف ; لأنّها عند من ألغاها إنّما كتبت لأوّل السّورة تبرّكًا، وهو لم يلغها في حالة الوصل إلّا لكونه لم يبتدئ، فلمّا ابتدأ لم يكن بدٌّ من الإتيان بها؛ لئلّا يخالف المصحف وصلًا ووقفًا، فيخرج عن الإجماع، فكأنّ ذلك عنده كهمزات الوصل تحذف وصلًا وتثبت ابتداءً ; ولذلك لم يكن بينهم خلافٌ في إثبات البسملة أوّل الفاتحة سواءٌ وصلت بسورة النّاس قبلها أو ابتدئ بها لأنّها ولو وصلت لفظًا فإنّها مبتدأٌ بها حكمًا ; ولذلك كان الواصل هنا حالًّا مرتحلًا، وأمّا ما رواه الخرقيّ عن ابن سيفٍ، عن الأزرق، عن ورشٍ أنّه ترك البسملة أوّل الفاتحة فالخرقيّ هو شيخ الأهوازيّ، وهو محمّد بن عبد اللّه بن القاسم مجهولٌ لا يعرف إلّا من جهة الأهوازيّ، ولا يصحّ ذلك عن ورشٍ، بل المتواتر عنه خلافه، قال الحافظ أبو عمرٍو في كتابه " الموجز ": اعلم أنّ عامّة أهل الأداء من مشيخة المصريّين رووا أداءً عن أسلافهم، عن أبي يعقوب، عن ورشٍ أنّه كان يترك البسملة بين كلّ سورتين في جميع القرآن إلّا في أوّل فاتحة الكتاب، فإنّه يبسمل في أوّلها لأنّها أوّل القرآن، فليس قبلها سورةٌ يوصل آخرها بها. هكذا قرأت على ابن خاقان، وابن غلبون، وفارس بن أحمد - وحكوا ذلك - عن قراءتهم متّصلًا، وانفرد صاحب الكافي بعدم البسملة لحمزة في ابتداء السّور سوى الفاتحة، وتبعه على ذلك ولده أبو الحسن شريحٌ فيما حكاه عنه أبو جعفر بن الباذش من أنّه من كان يأخذ لحمزة بوصل السّورة
[النشر في القراءات العشر: 1/263]
بالسّورة لا يلتزم بالوصل ألبتّة، بل آخر السّورة عنده كآخر آيةٍ، وأوّل السّورة الأخرى كأوّل آيةٍ أخرى، فكما لا يلتزم له ولا لغيره وصل الآيات بعضهنّ ببعضٍ كذا لا يلتزم له وصل السّورة حتمًا، بل إن وصل فحسنٌ وإن ترك فحسنٌ.
(قلت): حجّته في ذلك قول حمزة: القرآن عندي كسورةٍ واحدةٍ. فإذا قرأت (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم) في أوّل فاتحة الكتاب أجزأني، ولا حجّة في ذلك؛ فإنّ كلام حمزة يحمل على حالة الوصل لا الابتداء؛ لإجماع أهل النّقل على ذلك، واللّه أعلم.
(الرّابع) لا خلاف في حذف البسملة بين الأنفال وبراءة، عن كلّ من بسمل بين السّورتين. وكذلك في الابتداء ببراءة على الصّحيح عند أهل الأداء، وممّن حكى بالإجماع على ذلك أبو الحسن بن غلبون، وابن القاسم بن الفحّام، ومكّيٌّ، وغيرهم، وهو الّذي لا يوجد نصٌّ بخلافه، وقد حاول بعضهم جواز البسملة في أوّلها. قال أبو الحسن السّخاويّ: إنّه القياس، قال: لأنّ إسقاطها إمّا أن يكون لأنّ براءة نزلت بالسّيف، أو لأنّهم لم يقطعوا بأنّها سورةٌ قائمةٌ بنفسها دون الأنفال، فإن كان لأنّها نزلت بالسّيف فذاك مخصوصٌ بمن نزلت فيه، ونحن إنّما نسمّي للتّبرّك، وإن كان إسقاطها لأنّه لم يقطع بأنّها سورةٌ وحدها، فالتّسمية في أوائل الأجزاء جائزةٌ. وقد علم الغرض بإسقاطها، فلا مانع من التّسمية.
(قلت): لقائلٍ أن يقول: يمنع بظاهر النّصوص، وقال أبو العبّاس المهدويّ: فأمّا براءةٌ فالقرّاء مجتمعون على ترك الفصل بينه وبين الأنفال بالبسملة. وكذلك أجمعوا على ترك البسملة في أوّلها حال الابتداء بها سوى من رأى البسملة في حال الابتداء بأوساط السّور، فإنّه لا يجوز أن يبتدأ بها من أوّل براءة عند من جعلها والأنفال سورةً واحدةً، ولا يبتدأ بها في قول من جعل علّة تركها في أوّلها أنّها نزلت بالسّيف، وقال أبو الفتح بن شيطا: ولو أنّ قارئًا ابتدأ قراءته من أوّل التّوبة فاستعاذ ووصل الاستعاذة بالتّسمية متبرّكًا بها، ثمّ تلا السّورة لم يكن عليه حرجٌ إن شاء اللّه تعالى،
[النشر في القراءات العشر: 1/264]
كما يجوز له إذا ابتدأ من بعض سورةٍ أن يفعل ذلك، وإنّما المحذور أن يصل آخر الأنفال بأوّل براءة، ثمّ يفصل بينهما بالبسملة لأنّ ذلك بدعةٌ وضلالٌ وخرقٌ للإجماع، ومخالفٌ للمصحف.
(قلت): ولقائلٍ أن يقول له ذلك أيضًا في البسملة أوّلها أنّه خرقٌ للإجماع ومخالفٌ للمصحف، ولا تصادم النّصوص بالآراء، وما رواه الأهوازيّ في كتابه " الإيضاح "، عن أبي بكرٍ من البسملة أوّلها فلا يصحّ، والصّحيح عند الأئمّة أولى بالاتّباع، ونعوذ باللّه من شرّ الابتداع.
(الخامس) يجوز في الابتداء بأوساط السّور مطلقًا سوى (براءة) البسملة وعدمها لكلٍّ من القرّاء تخيّرًا.
وعلى اختيار البسملة جمهور العراقيّين، وعلى اختيار عدمها جمهور المغاربة وأهل الأندلس، قال ابن شيطا على أنّني قرأت على جميع شيوخنا في كلّ القراءات عن جميع الأئمّة الفاضلين بالتّسمية بين السّورتين، والتّاركين لها عند ابتداء القراءة عليهم بالاستعاذة موصولةً بالتّسمية مجهورًا بهما، سواءٌ كان المبدوء به أوّل سورةٍ، أو بعض سورةٍ، قال: ولا علمت أحدًا منهم قرأ على شيوخه إلّا كذلك. انتهى، وهو نصٌّ في وصل الاستعاذة بالبسملة كما سيأتي، وقال ابن فارسٍ في " الجامع ": وبغير تسميةٍ ابتدأت رءوس الأجزاء على شيوخي الّذين قرأت عليهم في مذاهب الكلّ، وهو الّذي أختار، ولا أمنع من البسملة، وقال مكّيٌّ في تبصرته: فإذا ابتدأ القارئ بغير أوّل سورةٍ عوّذ فقط، هذه عادة القرّاء، ثمّ قال: وبترك التّسمية في أوائل السّور قرأت، وقال ابن الفحّام: قرأت على أبي العبّاس - يعني ابن نفيسٍ - أوّل حزبي من وسط سورةٍ، فبسملت، فلم ينكر عليّ وأتبعت ذلك: هل آخذ ذلك عنه على طريق الرّواية، فقال: إنّما أردت التّبرّك، ثمّ منعني بعد ذلك، وقال: أخاف أن تقول روايةً.
- قال - وقرأت بذلك على غيره، فقال: ما أمنع، وأمّا قرأت بهذا فلا. انتهى، وهو صريحٌ في منعه روايةً، وقال الدّانيّ في جامعه: وبغير تسميةٍ ابتدأت رءوس الأجزاء على شيوخي الّذين قرأت عليهم في مذهب الكلّ، وهو الّذي
[النشر في القراءات العشر: 1/265]
أختار، ولا أمنع من التّسمية.
(قلت): وأطلق التّخيير بين الوجهين جميعًا أبو معشرٍ الطّبريّ وأبو القاسم الشّاطبيّ وأبو عمرٍو الدّانيّ في " التّيسير "، ومنهم من ذكر البسملة وعدمها على وجهٍ آخر وهو التّفصيل، فيأتي بالبسملة عمّن فصل بها بين السّورتين كابن كثيرٍ وأبي جعفرٍ، ويتركها عمّن لم يفصل بها كحمزة وخلفٍ وهو اختيار سبط الخيّاط وأبي عليٍّ الأهوازيّ بن الباذش يتبعون وسط السّورة بأوّلها، وقد كان الشّاطبيّ يأمر بالبسملة بعد الاستعاذة في قوله تعالى: اللّه لا إله إلّا هو، وقوله: إليه يردّ علم السّاعة ونحوه لما في ذلك من البشاعة، وكذا كان يفعل أبو الجود غياث بن فارسٍ وغيره، وهو اختيار مكّيٍّ في غير " التّبصرة ".
(قلت): وينبغي قياسًا أن ينهى عن البسملة في قوله تعالى: الشّيطان يعدكم الفقر، وقوله: لعنه اللّه ونحو ذلك للبشاعة أيضًا.
(السّادس) الابتداء بالآي وسط براءة قلّ من تعرّض للنّصّ عليها، ولم أر فيها نصًّا لأحدٍ من المتقدّمين، وظاهر إطلاق كثيرٍ من أهل الأداء التّخيير فيها، وعلى جواز البسملة فيها نصّ أبو الحسن السّخاويّ في كتابه " جمال القرّاء " حيث قال: ألا ترى أنّه يجوز بغير خلافٍ أن يقول: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً وفي نظائرها من الآي، وإلى منعها جنح أبو إسحاق الجعبريّ، فقال رادًّا على السّخاويّ: إن كان نقلًا فمسلّمٌ، وإلّا فردٌّ عليه أنّه تقريعٌ على غير أصلٍ وتصادمٌ لتعليله. قلت: وكلاهما يحتمل، الصّواب أن يقال: إنّ من ذهب إلى ترك البسملة في أوساطٍ غير براءة لا إشكال في تركها عنده في وسط براءة، وكذا لا إشكال في تركها فيها عند من ذهب إلى التّفضيل، إذ البسملة عندهم في وسط السّورة تبعٌ لأوّلها، ولا تجوز البسملة أوّلها فكذلك وسطها، وأمّا من ذهب إلى البسملة في الأجزاء مطلقًا، فإن اعتبر بقاء أثر العلّة الّتي من أجلها حذفت البسملة من أوّلها وهي نزولها بالسّيف كالشّاطبيّ ومن سلك مسلكه لم يبسمل، وإن لم يعتبر بقاء أثرها، أو لم يرها علّةً بسمل بلا نظرٍ، واللّه تعالى أعلم.
[النشر في القراءات العشر: 1/266]
(السّابع) إذا فصل بالبسملة بين السّورتين أمكن أربعة أوجهٍ: الأوّل أولاها قطعها عن الماضية ووصلها بالآتية، والثّاني وصلها بالماضية وبالآتية، والثّالث قطعها عن الماضية وعن الآتية، وهو ممّا لا نعلم خلافًا بين أهل الأداء في جوازه إلّا ما انفرد به مكّيٌّ، فإنّه نصّ في " التّبصرة " على جواز الوجهين الأوّلين ومنع الرّابع، وسكت عن هذا الثّالث فلم يذكر فيه شيئًا، وقال في " الكشف " ما نصّه: إنّه أتى بالبسملة على إرادة التّبرّك بذكر اللّه وصفاته في أوّل الكلام وإثباتها للافتتاح في المصحف، فهي للابتداء بالسّورة، فلا يوصف على التّسمية دون أن يوصل بأوّل السّورة. انتهى، وهو صريحٌ في اقتضاء منع الوجهين الثّالث والرّابع. وهذا من أفراده كما سنوضّحه في باب التّكبير آخر الكتاب، إن شاء اللّه تعالى. والرّابع وصلها بالماضية وقطعها عن الآتية، وهو ممنوعٌ ; لأنّ البسملة لأوائل السّور لا لأواخرها، قال: صاحب " التّيسير ": والقطع عليها إذا وصلت بأواخر السّور غير جائزٍ.
تنبيهاتٌ
(أوّلها) أنّ المراد بالقطع المذكور هو الوقف كما نصّ عليه الشّاطبيّ وغيره من الأئمّة، قال الدّانيّ في جامعه: واختياري في مذهب من فصّل أن يقف القارئ على آخر السّورة ويقطع على ذلك، ثمّ يبتدئ بالتّسمية موصولةً بأوّل السّورة الأخرى. انتهى، وذلك أوضح. وإنّما نبّهت عليه ; لأنّ الجعبريّ - رحمه اللّه - ظنّ أنّه السّكت المعروف، فقال في قول الشّاطبيّ: " فلا تقفنّ "، ولو قال: فلا تسكتنّ لكان أسدّ. وذلك وهمٌ لم يتقدّمه أحدٌ إليه، وكأنّه أخذه من كلام السّخاويّ حيث قال: فإذا لم يصلها بآخر سورةٍ جاز أن يسكت عليها، فلم يتأمّله، ولو تأمّله لعلم أنّ مراده بالسّكت الوقف، فإنّه قال في أوّل الكلام: اختار الأئمّة لمن يفصل بالتّسمية أن يقف القارئ على أواخر السّور، ثمّ يبتدئ بالتّسمية.
[النشر في القراءات العشر: 1/267]
(ثانيها) تجوز الأوجه الأربعة في البسملة مع الاستعاذة من الوصل بالاستعاذة والآية، ومن قطعها عن الاستعاذة والآية، ومن قطعها عن الاستعاذة ووصلها بالآية، ومن عكسه كما تقدّم الإشارة إلى ذلك في الاستعاذة، وإلى قول ابن شيطا في الفصل الخامس قريبًا في قطعه بوصل الجميع، وهو ظاهر كلام سبط الخيّاط، وقال ابن الباذش: إنّ الوقف على الجميع أشبه بمذهب أهل التّرتيل.
(ثالثها) إنّ هذه الأوجه ونحوها الواردة على سبيل التّخيير، إنّما المقصود بها معرفة جواز القراءة بكلٍّ منها على وجه الإباحة لا على وجه ذكر الخلف، فبأيّ وجهٍ قرئ منها جاز، ولا احتياج إلى الجمع بينها في موضعٍ واحدٍ إذا قصد استيعاب الأوجه حالة الجمع والإفراد. وكذلك سبيل ما جرى مجرى ذلك من الوقف بالسّكون وبالرّوم والإشمام، وكالأوجه الثّلاثة في التقاء السّاكنين وقفًا إذا كان أحدهما حرف مدٍّ أو لينٍ، وكذلك كان بعض المحقّقين لا يأخذ منها إلّا بالأصحّ الأقوى، ويجعل الباقي مأذونًا فيه، وبعضٌ لا يلتزم شيئًا، بل يترك القارئ يقرأ ما شاء منها، إذ كلّ ذلك جائزٌ مأذونٌ فيه منصوصٌ عليه، وكان بعض مشايخنا يرى أن يجمع بين هذه الأوجه على وجهٍ آخر، فيقرأ بواحدٍ منها في موضعٍ وبآخر في غيره؛ ليجمع الجميع المشافهة، وبعض أصحابنا يرى الجمع بينها وبين أوّل موضعٍ وردت، أو في موضعٍ ما على وجه الإعلام والتّعليم وشمول الرّواية، أمّا من يأخذ بجميع ذلك في كلّ موضعٍ فلا يعتمده إلّا متكلّفٌ غير عارفٍ بحقيقة أوجه الخلاف، وإنّما ساغ الجمع بين الأوجه في نحو التّسهيل في وقف حمزة لتدريب القارئ المبتدئ ورياضته على الأوجه الغريبة ليجري لسانه ويعتاد التّلفّظ بها بلا كلفةٍ، فيكون على سبيل التّعليم ; فلذلك لا يكلّف العارف بجمعها في كلّ موضعٍ، بل هو بحسب ما تقدّم، ولقد بلغني عن جلّة مشيخة الأندلس - حماها اللّه - أنّهم لا يأخذون
[النشر في القراءات العشر: 1/268]
في وجهي الإسكان والصّلة من ميم الجمع لقالون إلّا بوجهٍ واحدٍ معتمدين ظاهر قولي الشّاطبيّ وقالون بتخييره جلا، وسيأتي ذلك.
(رابعها) يجوز بين الأنفال وبراءة إذا لم يقطع على آخر الأنفال كلٌّ من الوصل والسّكت والوقف لجميع القرّاء. أمّا الوصل لهم فظاهرٌ ; لأنّه كان جائزًا مع وجود البسملة، فجوازه مع عدمها أولى عن الفاصلين والواصلين، وهو اختيار أبي الحسن بن غلبون في قراءة من لم يفصل، وهو في قراءة من يصل أظهر، وأمّا السّكت فلا إشكال فيه عن أصحاب السّكت، وأمّا عن غيرهم من الفاصلين والواصلين فمن نصّ عليه لهم ولسائر القرّاء أبو محمّدٍ مكّيٌّ في تبصرته، فقال: وأجمعوا على ترك الفصل بين الأنفال وبراءة لإجماع المصاحف على ترك التّسمية بينهما. فأمّا السّكت بينهما فقد قرأت به لجماعتهم، وليس هو منصوصًا، وحكى أبو عليٍّ البغداديّ في روضته، عن أبي الحسن الحمّاميّ أنّه كان يأخذ بسكتةٍ بينهما لحمزة وحده. فقال: وكان حمزة وخلفٌ والأعمش يصلون السّورة إلّا ما ذكره الحمّاميّ، عن حمزة أنّه سكت بين الأنفال والتّوبة، وعليه أعوّل. انتهى، وإذا أخذ بالسّكت عن حمزة فالأخذ عن غيره أحرى. قال الأستاذ المحقّق أبو عبد اللّه بن القصّاع في كتابه " الاستبصار في القراءات العشر ": واختلف في وصل الأنفال بالتّوبة فبعضهم يرى وصلهما، ويتبيّن الإعراب وبعضهم يرى السّكت بينهما. انتهى.
(قلت): وإذا قرئ بالسّكت على ما تقدّم فلا يتأتّى وجه إسرار البسملة على مذهب سبط الخيّاط المتقدّم، إذ لا بسملة بينهما يسكت بقدرها، فاعلم ذلك. وأمّا الوقف فهو الأقيس، وهو الأشبه بمذهب أهل التّرتيل، وهو اختياري في مذهب الجميع ; لأنّ أواخر السّور من أتم التّمام. وإنّما عدل عنه في مذهب من لم يفصل من أجل أنّه لو وقف على آخر السّور للزمت البسملة أوائل السّور، ومن أجل الابتداء. وإن لم يؤت بها خولف الرّسم في الحالتين كما تقدّم، واللّازم هنا منتفٍ والمقتضى للوقف قائمٌ، فمن ثمّ اخترنا الوقف، ولا نمنع غيره، واللّه أعلم.
[النشر في القراءات العشر: 1/269]
(خامسها) ما ذكر من الخلاف بين السّورتين هو عامٌّ بين كلّ سورتين سواءٌ كانتا مرتّبتين، أو غير مرتّبتين، فلو وصل آخر الفاتحة مبتدئًا بآل عمران، أو آخر آل عمران بالأنعام - جازت البسملة وعدمها على ما تقدّم، ولو وصلت التّوبة بآخر سورةٍ سوى الأنفال فالحكم كما لو وصلت بالأنفال، أمّا لو وصلت السّورة بأوّلها كأن كرّرت مثلًا كما تكرّر سورة الإخلاص فلم أجد فيه نصًّا، والّذي يظهر البسملة قطعًا؛ فإنّ السّورة والحالة هذه مبتدئةٌ كما لو وصلت النّاس بالفاتحة، ومقتضى ما ذكره الجعبريّ عموم الحكم، وفيه نظرٌ، إلّا أن يريد في مذهب الفقهاء عند من يعدّها آيةً، وهذا الّذي ذكرناه على مذاهب القرّاء. وكذلك يجوز إجراء أحوال الوصل في آخر السّورة الموصل طرفاها من إعرابٍ وتنوينٍ، واللّه تعالى أعلم.
(الثّامن) في حكمها، وهل هي آيةٌ في أوّل كلّ سورةٍ كتبت فيه أم لا؟ وهذه مسألةٌ اختلف النّاس فيها، وبسط القول فيها في غير هذا الموضع، ولا تعلّق للقراءة بذلك، إلّا أنّه لمّا جرت عادة أكثر القرّاء للتّعرّض لذلك لم نخل كتابنا منه؛ لتعرف مذاهب أئمّة القراءة فيها، فنقول: اختلف في هذه المسألة على خمسة أقوالٍ (أحدها) أنّها آيةٌ من الفاتحة فقط، وهذا مذهب أهل مكّة والكوفة، ومن وافقهم، وروي قولًا للشّافعيّ (الثّاني) أنّها آيةٌ من أوّل الفاتحة، ومن أوّل سورةٍ، وهو الأصحّ من مذهب الشّافعيّ، ومن وافقه، وهو روايةٌ عن أحمد، ونسب إلى أبي حنيفة. (الثّالث) أنّها آيةٌ من أوّل الفاتحة، بعض آيةٍ من غيرها، وهو القول الثّاني للشّافعيّ. (الرّابع) أنّها آيةٌ مستقلّةٌ في أوّل كلّ سورةٍ لا منها، وهو المشهور عن أحمد، وقال داود وأصحابه، وحكاه أبو بكرٍ الرّازيّ، عن أبي الحسن الكرخيّ، وهو من كبار أصحاب أبي حنيفة (الخامس) أنّها ليست بآيةٍ ولا بعض آيةٍ من أوّل الفاتحة، ولا من أوّل غيرها، وإنّما كتبت للتّيمّن والتّبرّك، وهو مذهب مالكٍ وأبي حنيفة والثّوريّ، ومن وافقهم، وذلك مع
[النشر في القراءات العشر: 1/270]
إجماعهم على أنّها بعض آيةٍ من سورة النّمل، وأنّ بعضها آيةٌ من الفاتحة.
(قلت): وهذه الأقوال ترجع إلى النّفي والإثبات، والّذي نعتقده أنّ كليهما صحيحٌ، وأنّ كلّ ذلك حقٌّ، فيكون الاختلاف فيهما كاختلاف القراءات. قال السّخاويّ - رحمه اللّه -: واتّفق القرّاء عليها في أوّل الفاتحة، فإنّ ابن كثيرٍ، وعاصمًا، والكسائيّ يعتقدونها آيةً منها ومن كلّ سورةٍ، ووافقهم حمزة على الفاتحة خاصّةً. قال: وأبو عمرٍو، وقالون، ومن تابعه من قرّاء المدينة لا يعتقدونها آيةً من الفاتحة. انتهى. ويحتاج إلى تعقّبٍ، فلو قال: يعتقدونها من القرآن أوّل كلّ سورةٍ ليعمّ كونها آيةً منها أو فيها، أو بعض آيةٍ - لكان أسدّ ; لأنّا لا نعلم أحدًا منهم عدّها آيةً من كلّ سورةٍ سوى الفاتحة نصًّا، وقوله: إنّ قالون ومن تابعه من قرّاء المدينة لا يعتقدونها آيةً من الفاتحة ففيه نظرٌ، إذ قد صحّ نصًّا أنّ إسحاق بن محمّدٍ المسيّبيّ أوثق أصحاب نافعٍ وأجلّهم، قال: سألت نافعًا، عن قراءة بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فأمرني بها، وقال: أشهد أنّها آيةٌ من السّبع المثاني، وأنّ اللّه أنزلها. روى ذلك الحافظ أبو عمرٍو الدّانيّ بإسنادٍ صحيحٍ، وكذلك رواه أبو بكر بن مجاهدٍ، عن شيخه موسى بن إسحاق القاضي عمّ محمّد بن إسحاق المسيّبيّ، عن أبيه، وروّينا أيضًا عن المسيّبيّ قال: كنّا نقرأ (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم) أوّل فاتحة الكتاب، وفي أوّل سورة البقرة، وبين السّورتين في العرض والصّلاة، هكذا كان مذهب القرّاء بالمدينة قال: وفقهاء المدينة لا يفعلون ذلك.
(قلت): وحكى أبو القاسم الهذليّ، عن مالكٍ أنّه سأل نافعًا عن البسملة فقال: السّنّة الجهر بها، فسلّم إليه وقال: كلّ علمٍ يسأل عنه أهله.
ذكر اختلافهم في سورة أمّ القرآن
اختلفوا في (مالك يوم الدّين) فقرأ عاصمٌ، والكسائيّ، ويعقوب، وخلفٌ بالألف مدًّا، وقرأ الباقون بغير ألفٍ قصرًا.
واختلفوا في: الصّراط، وصراطٍ. فرواه رويسٌ حيث وقع وكيف أتى بالسّين، واختلف، عن قنبلٍ، فرواه عنه بالسّين كذلك ابن مجاهدٍ وهي رواية أحمد بن ثوبان، عن قنبلٍ، ورواية
[النشر في القراءات العشر: 1/271]
الحلوانيّ عن القوّاس، ورواه عنه ابن شنبوذ، وكذلك سائر الرّواة، عن قنبلٍ، وبذلك قرأ الباقون إلّا حمزة فروى عنه خلفٌ بإشمام الصّاد الزّاي في جميع القرآن، واختلف عن خلّادٍ في إشمام الأوّل فقط، أو حرفي الفاتحة خاصّةً، أو المعروف باللّام في جميع القرآن، أو لا إشمام في الحرف الأوّل حسب ما في " التّيسير " " والشّاطبيّة "، وبذلك قرأ الدّانيّ على أبي الفتح فارسٍ، وصاحب " التّجريد " على عبد الباقي، وهي رواية محمّد بن يحيى الخنيسيّ، عن خلّادٍ، وقطع له بالإشمام في حرفي الفاتحة فقط صاحب " العنوان " والطّرسوسيّ من طريق ابن شاذان عنه، وصاحب " المستنير " من طريق ابن البختريّ، عن الوزّان عنه، وبه قطع أبو العزّ الأهوازيّ عن الوزّان أيضًا، وهي طريق ابن حامدٍ، عن الصّوّاف، وقطع له بالإشمام في المعروف باللّام خاصّةً هنا وفي جميع القرآن جمهور العراقيّين، وهي طريق بكّارٍ عن الوزّان، وبه قرأ صاحب التّجريد على الفارسيّ والمالكيّ، وهو الّذي في روضة أبي عليٍّ البغداديّ، وطريق ابن مهران، عن ابن أبي عمر، عن الصّوّاف عن الوزّان، وهي رواية الدّوريّ، عن سليمٍ، عن حمزة، وقطع له بعدم الإشمام في الجميع صاحب " التّبصرة "، و " الكافي "، و " التّلخيص "، و " الهداية "، و " التّذكرة "، وجمهور المغاربة، وبه قرأ الدّانيّ على أبي الحسن، وهي طريق ابن الهيثم والطّلحيّ، ورواية الحلوانيّ، عن خلّادٍ، وانفرد ابن عبيدٍ على أبي عليٍّ الصّوّاف على الوزّان عنه بالإشمام في المعرّف والمنكّر كرواية خلفٍ، عن حمزة في كلّ القرآن، وهو ظاهر " المبهج " عن ابن الهيثم.
واختلفوا في ضمّ الهاء وكسرها من ضمير التّثنية والجمع إذا وقعت بعد ياءٍ ساكنةٍ نحو: عليهم وإليهم ولديهم، وعليهما وإليهما وفيهما، وعليهنّ وإليهنّ وفيهنّ، وأبيهم وصياصيهم وبجنّتيهم وترميهم ووما نريهم وبين أيديهنّ وشبه ذلك. وقرأ يعقوب جميع ذلك بضمّ الهاء، وافقه حمزة في: عليهم وإليهم ولديهم فقط، فإن سقطت منه الياء لعلّةٍ جزم، أو بناءً نحو: وإن يأتهم، ويخزهم، أولم يكفهم، فاستفتهم، فآتهم، فإنّ رويسًا يضمّ الهاء في ذلك كلّه إلّا قوله تعالى: ومن يولّهم يومئذٍ في الأنفال، فإنّ كسرها
[النشر في القراءات العشر: 1/272]
بلا خلافٍ، واختلف عنه في ويلههم الأمل في الحجر، ويغنهم اللّه في النّور، وقهم السّيّئات، وقهم عذاب الجحيم وكلاهما في غافرٍ، فكسر الهاء في الأربعة القاضي أبو العلاء عن النّحاس.
وكذلك روى الهذليّ عن الحمّاميّ في الثّلاثة الأول، وكذا نصّ الأهوازيّ، وقال الهذليّ: هكذا أخذ علينا في التّلاوة ولم نجده في الأصل مكتوبًا، زاد ابن خيرون عنه كسر الرّابعة وهي وقهم عذاب الجحيم وضمّ الهاء في الأربعة الجمهور، عن رويسٍ، وانفرد فارس بن أحمد، عن يعقوب بضمّ الهاء في (ببغيهم) في الأنعام، و (حليّهم) في الأعراف، ولم يرو ذلك غيره، وانفرد ابن مهران، عن يعقوب بكسر الهاء من أيديهنّ وأرجلهنّ وبذلك، قرأ الباقون في جميع الباب
واختلفوا في صلة ميم الجمع بواوٍ وإسكانها، وإذا وقعت قبل محرّكٍ نحو أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، وممّا رزقناهم ينفقون، عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون، على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةٌ ولهم عذابٌ فضمّ الميم من جميع ذلك، ووصلها بواوٍ في اللّفظ وصلًا ابن كثيرٍ وأبو جعفرٍ، واختلف، عن قالون، فقطع له بالإسكان صاحب " الكافي "، وهو الّذي في " العنوان "، وكذا قطع في " الهداية " من طريق أبي نشيطٍ، وهو الاختيار له في " التّبصرة "، ولم يذكر في " الإرشاد " غيره، وبه قرأ الدّانيّ على أبي الحسن من طريق أبي نشيطٍ، وعلى أبي الفتح، عن قراءته على عبد اللّه بن الحسين من طريق الحلوانيّ وصاحب " التّجريد " عن ابن نفيسٍ من طريق أبي نشيطٍ وعليه، وعلى الفارسيّ والمالكيّ من طريق الحلوانيّ، وقرأ الهذليّ أيضًا من طريق أبي نشيطٍ، وبالصّلة قطع صاحب " الهداية " للحلوانيّ، وبه قرأ الدّانيّ على أبي الفتح من الطّريقين، عن قراءته على عبد الباقي بن الحسن، وعن قراءته على عبد اللّه بن الحسين، وطريق الجمّال عن الحلوانيّ، وبه قرأ الهذليّ، وأطلق الوجهين عن قالون بن بلّيمة صاحب " التّلخيص " من الطّريقين، ونصّ على الخلاف صاحب التّيسير من طريق أبي نشيطٍ وأطلق التّخيير له في " الشّاطبيّة "، وكذا جمهور الأئمّة العراقيّين من الطّريقين
[النشر في القراءات العشر: 1/273]
وانفرد الهذليّ عن الهاشميّ عن ابن جمّازٍ بعدم الصّلة مطلقًا كيف وقعت، إلّا أنّه مقيّدٌ بما لم يكن قبل همز قطعٍ، كما سيأتي في باب النّقل، ووافق ورشًا على الصّلة إذا وقع بعد ميم الجمع همزة قطعٍ نحو (عليهم أأنذرتهم أم) (معكم إنّما) (وأنّهم إليه) والباقون بإسكان الميم في جميع القرآن، وأجمعوا على إسكانها وقفًا، واختلفوا في كسر ميم الجمع وضمّها وضمّ ما قبلها وكسره إذا كان بعد الميم ساكنٌ، وكان قبلها هاءٌ وقبلها كسرةٌ، أو ياءٌ ساكنةٌ نحو: قلوبهم العجل، وبهم الأسباب، ويغنيهم اللّه، ويريهم اللّه، وعليهم القتال، ومن يومهم الّذي، فكسر الميم والهاء في ذلك كلّه أبو عمرٍو وضمّ الميم وكسر الهاء نافعٌ، وابن كثيرٍ، وابن عامرٍ، وعاصمٌ وأبو جعفرٍ، وضمّ الميم والهاء جميعًا حمزة، والكسائيّ، وخلفٌ، وأتبع يعقوب الميم الهاء على أصله المتقدّم، فضمّها حيث ضمّ الهاء وكسرها حيث كسرها، فيضمّ نحو (يريهم اللّه) ، (عليهم القتال) ؛ لوجود ضمّة الهاء، وبكسر نحو في قلوبهم العجل؛ لوجود الكسرة، ورويسٌ على الخلاف في نحو يغنهم اللّه.
هذا حكم الوصل، وأمّا حكم الوقف فكلّهم على إسكان الميم، وهي في الهاء على أصولهم، فحمزة يضمّ نحو: عليهم القتال وإليهم اثنين ويعقوب يضمّ ذلك، ويضمّ في نحو يريهم اللّه ولا يهديهم اللّه ورويسٌ في نحو: يغنهم اللّه على أصله بالوجهين، وأجمعوا على ضمّ الميم إذا كان قبلها ضمٌّ، سواءٌ كان هاءً أم كافًا أم تاءً نحو يلعنهم اللّه ويلعنهم اللّاعنون، ومنهم الّذين، وعنهم ابتغاء، وعليكم القتال، وأنتم الأعلون وما أشبه ذلك، وإذا وقفوا سكّنوا الميم). [النشر في القراءات العشر: 1/274]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (باب البسملة
اختلفوا في الفصل بين السورتين بالبسملة، وتركه:
فابن كثير وعاصم وأبو جعفر وقالون وورش من طريق الأصبهاني يفصلون بها بين كل سورتين.
وحمزة يصل السورة بالسورة من غير بسملة، وكذلك خلف، وجاء عنه أيضًا السكت قليلًا، أي دون تنفس من غير بسملة.
واختلف عن الباقين وهم: أبو عمرو وابن عامر ويعقوب وورش من طريق الأزرق، فقرأت لكل بالبسملة وبالوصل وبالسكت، فالبسملة لأبي عمرو في الهادي، وأحد الثلاثة في الهداية، واختيار صاحب الكوفي،
[تقريب النشر في القراءات العشر: 209]
وهو الذي رواه ابن حبش عن السوسي، والذي في غاية الاختصار له ولابن عامر في العنوان والروضة والتجريد، وعند العراقيين، وهو الثاني في الكافي، وقراءة الداني على أبي الفتح والفارسي، وليعقوب في التذكرة والوجيز، وعند الداني وابن الفحام وابن شريح، ولورش في التبصرة، واختيار الكوفي، وأحد الثلاثة في الشاطبية.
[تقريب النشر في القراءات العشر: 210]
والوصل لأبي عمرو في العنوان والوجيز، وأحد الوجهين في جامع الداني وبه قرأ علي الفارسي عن أبي طاهر، وهو قراءة صاحب التجريد على عبد الباقي، وأحد الثلاثة في الهداية، وبه قطع في غاية الاختصار لغير السوسي وطريق الطبري في المستنير وغيره، وظاهر عبارة الكافي، وأحد وجهي الشاطبية، ولابن عامر في الهداية، وأحد وجهي الكافي، والشاطبية، وليعقوب في غاية الاختصار وغيرها، ولورش في الهداية
[تقريب النشر في القراءات العشر: 211]
والعنوان، وظاهر الكافي، وأحد الثلاثة في الشاطبية، والسكت لأبي عمرو في التبصرة، والتلخيصين، وإرشاد ابن غلبون، والتذكرة، وأحد وجهي الهداية، والشاطبية، واختيار الداني، وبه قرأ على أبي الحسن، وأبي الفتح، وابن خاقان، وهو الذي في المستنير، والروضة وسائر العراقيين.
ولابن عامر في التلخيص، والتبصرة، ولابني غلبون، واختيار
[تقريب النشر في القراءات العشر: 212]
الداني، وبه قرأ على أبي الحسن، وأحد وجهي الشاطبية، وليعقوب في الإرشادين، وسائر كتب العراق، ولورش في التلخيص، والتيسير، وبه قرأ على شيوخه، ولابني غلبون، وأحد الثلاثة في الشاطبية وقرأ به في التبصرة على أبي الطيب.
واختار بعض أهل الأداء عن من وصل السورة بالسورة، السكت بين (المدثر) و(القيامة) وبين (الانفطار) و (التطفيف)، وبين (الفجر) و(البلد)، وبين (العصر) و (الهمزة)؛ من أجل بشاعة اللفظ بـ {لا} و {ويل}، وكذلك اختاروا عن من سكت الفصل بالبسملة في هذه المواضع الأربعة، وأجمعوا على البسملة أول كل سورة ابتدئ بها، إلا براءة فإنه لا يجوز البسملة
[تقريب النشر في القراءات العشر: 213]
أولها ولو وصلت بالأنفال قبلها؛ بل يجوز عن كل من القراء بينهما ثلاثة أوجه وهي: الوصل والسكت والوقف، وانفرد ابن شريح بعدم البسملة عن حمزة في ابتداء السور سوى الفاتحة، وتجوز البسملة عن كل من القراء بعد الاستعاذة إذا ابتدئ بأوساط السور، واستثنى بعضهم وسط براءة، وأجازه بعضهم وكلاهما محتمل، وذهب بعضهم إلى أن البسملة في أوساط السور تكون عن من فصل بها بين السورتين دون من لم يفصل، وإذا فصل بالبسملة بين السورتين فلا يجوز القطع عليها إذا وصلت بآخر السورة، ويجوز كل من الأوجه الثلاثة الباقية على وجه التخيير، وانفرد مكي في الكشف بمنع القطع على البسملة إذا قطعت عن آخر السورة، ولم يجزه في التبصرة). [تقريب النشر في القراءات العشر: 214]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :(باب البسملة
107 - بسمل بين السّورتين بي نصف = دم ثق رجا وصل فشا وعن خلف
108 - فاسكت فصل والخلف كم حمًا جلا = واختير للسّاكت في ويلٌ ولا
109 - بسملةٌ، والسّكت عمّن وصلا = وفي ابتدا السّورة كلٌّ بسملا
110 - سوى براءةٍ فلا ولو وصل = ووسطًا خيّر وفيها يحتمل
111 - وإن وصلتها بآخر السّور = فلا تقف وغيره لا يحتجر). [طيبة النشر: 38]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :(باب البسملة
البسملة مصدر بسمل إذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم، كما يقال هلل وهيلل: إذا قال لا إله إلا الله، وكذا حوقل وحولق: إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وكذا حيعل وحمدل وحسبل وكأنها لغة مولدة أريد بذلك الاختصار، وهي مستحبة عند ابتداء كل أمر مباح أو مأمور به؛ وهي من القرآن في قصة سليمان في النمل بلا خلاف، وأما في أوائل السور فالخلاف فيها مشهور بين القراء والفقهاء في كل موضع رسمت، والظاهر أنها من ذلك لأنها كتبت بقلم الوحي، والله تعالى أعلم. وأتبع باب الاستعاذة بباب البسملة على حسب ترتيبها في القراءة، والبسملة تأتي في ثلاثة مواضع إذا ابتدأ سورة أو موضعا منها أو بين السورتين، فابتدأ بالثالث للاختلاف فيه فقال:
بسمل بين السّورتين (ب) ي (ن) صف = (د) م (ث) ق (ر) جا وصل (ف) شا وعن خلف
أي قرأ بالبسملة بين السورتين قالون وعاصم وابن كثير وأبو جعفر والكسائي بغير خلاف عن أحد منهم، وكذلك الأصبهاني عن ورش كما سيأتي التنبيه عليه في البيت الآتي، ووجه البسملة عند من بسمل كتابتها في المصاحف العثمانية واعتقد بعضهم أنها آية، ووصل السورة بالسورة من غير بسملة حمزة، وورد الوصل والسكت عن خلف في اختياره، وأتى باسمه، لأنه ليس له رمز كما تقدم.
واختلف عن الباقين في السكت والوصل والبسملة كما سيأتي في البيت الآتي؛ فوجه البسملة كتابتها في المصاحف العثمانية، ووجد الوصل عدم اعتقاد كونها
[شرح طيبة النشر لابن الجزري: 46]
آية، وأن إثباتها في رسم المصاحف كإثبات همزة الوصل فلذلك أثبتوها في الابتداء وحذفوها في الوصل؛ ووجه السكت الإيذان بانقضاء السورة قوله:
(نصف) اسم من الإنصاف، والنصف من الرجال والنساء: من هو بين الحداثة والكبر، والنصف الشيب رأسه وغيره: أي بلغ نصفه قوله: (دم) لفظ أمر، والمراد به الدعاء للقارئ بالبقاء وطول العمر. وثق من الثقة: أي وكن واثقا حسن الرجاء. قوله: (رجا) هو الأمل ممدود وقصر ضرورة. قوله: (وصل) أي السورة بالسورة.
فاسكت وصل والخلف (ك) م (حما ج) لا = واختير للسّاكت في ويل ولا
عطف الخلف على الوصل والسكت ليعلم أن من ذكر بعده له الوجهان وضدهما وهو البسملة، فيكون لكل من المذكورين وهم ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وورش من طريق الأزرق الأوجه الثلاثة، وهي السكت والوصل والبسملة، ويبقى الأصبهاني عن ورش مثل قالون كما تقرر في الخطبة، وقد تقدم لقالون البسملة، وكم هنا خبرية: أي كم كشف شيئا ممنوعا لا يوصل إليه قوله: (جلا) أي كشف قوله: (واختير الخ) مع صدر البيت الآتي: يعني أن بعض أهل الأداء اختار في السورة التي أولها ويل ولا، يريد «ويل للمطففين» و «ويل لكل همزة» و «ولا أقسم بيوم القيامة و «لا أقسم بهذا البلد» البسملة لمن سكت من القراء وهم: خلف وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وورش من طريق الأزرق، والسكت عمن وصل منهم، وهم: حمزة وخلف وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وورش من طريق الأزرق؛ ووجه ذلك البشاعة التي تكون في الوصل إذا قال:
«وأهل المغفرة لا، ولله ويل، وادخلي جنتي لا، وتواصوا بالصبر ويل».
بسملة والسّكت عمّن وصلا = وفي ابتدأ السّورة كلّ بسملا
وهذا الموضع الثاني من مواضع البسملة، وهو ابتداء السورة فأجمع القراء على البسملة فيه إلا سورة براءة كما سيأتي في البيت الآتي:
[شرح طيبة النشر لابن الجزري: 47]
سوى براءة فلا ولو وصل = ووسطا خيّر وفيها يحتمل
أي فلا يبسمل في ابتدائها قوله: (ووسطا) أي وسط السورة: يعنى ألفاظها وأجزاءها، هذا الموضع الثالث وهو أوساط السورة؛ فالقارئ فيه مخير بين الإتيان بالبسملة فيه بعد الاستعاذة، وذلك سوى براءة فإنه يحتمل التخيير فيها كغيرها، ويحتمل المنع من البسملة فيها. وقد اختلف رأي أصحابنا في ذلك كما بينه في النشر قوله: (خير) أي بين البسملة وعدمها قوله: (وفيها) أي في أجزاء براءة وألفاظها قوله: (يحتمل) أي التخيير بين البسملة وعدمها.
تنبيه
استثناء سورة براءة من الابتداء بالبسملة ومن البسملة بينها وبين سورة الأنفال أيضا لمن بسمل بين السورتين، وهذا معنى قوله: ولو وصل، وذلك لإجماع المصاحف على حذفها فيها واختلف في العلة التي من أجلها لا يبسمل في سورة براءة بحالة، فذهب الأكثرون إلى أنه لسبب نزولها بالسيف: يعني ما اشتملت عليه من الأمر بالقتل والأخذ والحصر ونبذ العهد، وأيضا فيها الآية المسماة بآية السيف وهي: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله، الآية، وذهب بعضهم إلى أنها احتمال كونها من الأنفال.
وإن وصلتها بآخر السّور = فلا تقف وغيره لا يحتجر
فكأي إذا فصلت بالبسملة بين السورتين، أمكن أربعة أوجه يمتنع منها وجه وهو وصلها بآخر السورة الماضية وقطعها عن السورة الآتية، وتبقى الثلاثة الأخرى جائزة: أحدها قطعها عن الماضية ووصلها بالآتية، والثاني وصلها بالماضية والآتية، والثالث قطعها عنهما، فهذه الثلاثة لا منع منها وأولها أولها). [شرح طيبة النشر لابن الجزري: 48]
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): (باب البسملة
هي مصدر «بسمل»، إذا قال: بسم الله، ك «حوقل» إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، و«حمدل» إذا قال: الحمد لله، وهو شبيه بباب النسب، أي أنهم يأخذون اسمين فيركبون منهما اسما واحدا فينسبون إليه، كقولهم: حضرمي، وعبشمي، وعبقسي، نسبة إلى: حضر موت، وعبد شمس، وعبد القيس، لا جرم أن بعضهم قال في «بسمل» و«هلل»: إنها لغة مولدة.
قال الماوردي: يقال لمن بسمل مبسمل، وهي لغة مولدة، ونقلها غيره كثعلب، والمطرز، ولم يقل: إنها مولدة. [وذكرها بعد التعوذ؛ لوقوعها بعده في التلاوة].
ص:
بسمل بين السّورتين (ب) ى (ن) صف = (د) م (ث) ق (ر) جا وصل (ف) شا وعن خلف
فاسكت فصل والخلف (ك) م (حما) (ج) لا = ... ...
ش: (بين السورتين) ظرف [بسمل] و(بى) فاعله، إما باعتبار أنه صار عند القراء اسما للقارئ، فحيث قالوا: بسمل (بى)، فكأنهم قالوا: بسمل قالون، وإما على حذف
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/289]
مضاف، وكأنهم قالوا: بسمل ذو باء (بى)، وهكذا جميع رموز الكتاب تجعل كأنها أسماء مستقلة، سواء كانت الكلمة في صورة الاسم أو الفعل أو الجار والمجرور، فيحكم على تلك الكلمة بالفاعلية والابتدائية، والخبرية والمفعولية، سواء كان مفعولا صريحا، أو بنزع الخافض أو بالإضافة إليها، وحاصله أنه لا ينظر إلى صورته أصلا، وكذلك إذا جمع الناظم بين كلمات رمز بلا عاطف فتجعل معطوفات بحذف العاطف، فقوله: (بى) فاعل) والأربعة بعده معطوفات بمحذوف، (وصل) أمر متعد لـ (فشا) بلام مقدرة، فهو في محل نصب، و(فاسكت) جواب شرط مقدر، أي: وأما عن خلف، و«صل» معطوف على (اسكت)، و(الخلف) مبتدأ، وخبره كائن عن (كم).
و (حمى وجلا) معطوفان على (كم)، ومحلها نصب، أي: بسمل بين السورتين باتفاق ذو باء (بى) قالون، ونون (نصف) عاصم، ودال (دم) ابن كثير وثاء (ثق) (أبو جعفر) وراء (رجا) (الكسائي)، ووصل بينهما باتفاق ذو فاء (فشا) [حمزة].
واختلف عن (خلف) في اختياره في الوصل والسكت، وعن ذي كاف (كم) ابن عامر، وحما (البصريّين)، وجيم جلا (ورش) من طريق الأزرق.
أما خلف: فنص له على الوصل أكثر المتقدمين، وهو الذي في «المستنير» و«المبهج» و«كفاية سبط الخياط» و«غاية أبي العلاء»، وعلى السكت أكثر المتأخرين.
وأما ابن عامر: فقطع له بالوصل صاحب «الهداية»، وبالسكت صاحب «التلخيص» و«التبصرة»، وابن غلبون، واختاره الداني، وبه قرأ على أبي الحسن، ولا يؤخذ من
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/290]
«التيسير» بسواه، وبالبسملة صاحب «العنوان» و«التجريد» وجمهور العراقيين.
وبه قرأ الداني على الفارسي، وأبي الفتح.
وأما أبو عمرو فقطع له بالوصل صاحب «العنوان» و«الوجيز».
وبه قرأ على الفارسي عن أبي طاهر.
وبه قرأ صاحب «التجريد» على عبد الباقي، وبالسكت صاحب «التبصرة» و«تلخيص العبارات» و«المستنير» و«الروضة» وسائر كتب العراقيين، وبالبسملة صاحب «الهادي»، واختاره صاحب «الكافي»، وهو الذي رواه ابن حبش عن السوسي والثلاثة في «الهداية».
وقال الخزاعي والأهوازي، ومكي، وابن سفيان، والهذلي: والتسمية بين السورتين مذهب البصريين عن أبي عمرو.
وأما يعقوب فقطع له بالوصل صاحب «غاية الاختصار»، وبالسكت صاحب «المستنير» و«الإرشاد» و«الكفاية» وسائر العراقيين، وبالبسملة صاحب «التذكرة» و«الكافي» و«الوجيز» و«الكامل» وابن الفحام.
وأما الأزرق فقطع له بالوصل صاحب «الهداية» و«العنوان» و«المفيد» وجماعة، وبالسكت ابنا غلبون وجماعة، وهو الذي في «التيسير».
وبه قرأ الداني على جميع شيوخه، وبالبسملة صاحب «التبصرة» من قراءته على أبي عدى، وهو الذي اختاره صاحب «الكافي».
وبه كان يأخذ أبو حاتم وأبو بكر الأدفوي وغيرهما عن الأزرق والثلاثة في «الشاطبية».
وجه إثباتها بين السور: ما روي [عن] سعيد بن جبير قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم انقضاء السّورة حتّى تنزل بسم الله الرّحمن الرّحيم».
ولثبوتها في المصحف بين السور عدا «براءة».
ووجه تركها: قول ابن مسعود: كنا نكتب (باسمك اللهم)، فلما نزل بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها [هود: 41] كتبنا (بسم الله)، فلما نزل قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: 110] كتبنا (بسم الله الرحمن)، فلما نزل إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ ... الآية [النمل: 30] كتبناها.
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/291]
فهذا دليل على أنها لم تنزل أول كل سورة.
ووجه الوصل: أنه جائز بين كل اثنتين، وكان حمزة يقول: القرآن كله عندي كالسورة، فإذا بسملت في الفاتحة أجزأني ولم أحتج لها.
وحينئذ فلا حاجة للسكت؛ لأنه بدل منها.
ووجه السكت: أنهما اثنتان وسورتان وفيه إشعار بالانفصال، والله أعلم.
ص:
... ... ... واختير للسّاكت في (ويل) ولا
بسملة والسّكت عمّن وصلا ... ... ...
ش: (واختير) مبني للمفعول، ولام (للساكت) و(في) متعلقان بـ (اختير)، والمجرور لفظ (ويل) و(لا) معطوف عليه، وأطلقهما ليعما جميع مواقعهما، وكل منهما في موضعين وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين: 1] ووَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة: 1] ولا أُقْسِمُ [القيامة: 1] أول القيامة، والبلد، و(بسملة) نائب عن الفاعل، أي: واختير في هذا اللفظ بسملة، و(السكت) عطف على «بسملة».
أي: واختير عمن وصل السكت: أي: اختار كثير من الآخذين بالسكت لمن ذكر من ورش والبصريين، وابن عامر، وخلف، كابني غلبون وصاحب «الهداية»، ومكي.
وبه قرأ الداني على أبي الحسن، وابن خاقان البسملة بين «المدثر» ولا أُقْسِمُ وبين «الانفطار» ووَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وبين «الفجر» ولا أُقْسِمُ وبين «العصر» ووَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ للإتيان بـ «لا» بعد [«المغفرة»] و«جنتي» وب «ويل» بعد اسم الله- تعالى- و«الصبر» والكراهة في التلاصق؛ ولهذا ذمّ الخطيب الواصل «من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما».
قال المصنف: والظاهر أنه إنما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس خطيب القوم أنت»؛ لأنه زاد حدّا في تقصير الخطبة، وهو الذي يقتضيه سياق مسلم للحديث؛ لأنه في مقام تعليم ورشد وبيان ونصح، فلا يناسب غاية الإيجاز، وهذا هو الصحيح في سبب الذم. وقيل: لجمعه بين الله ورسوله في كلمة. وليس بشيء.
وفيما عدل إليه القراء؛ لأنهم فروا من قبيح إلى أقبح؛ لأن من وجوه البسملة الوصل
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/292]
فيلتصق معهم «الرحيم» بـ «ويل»، وأيضا قد وقع في القرآن كثير من هذا؛ نحو: وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً لا يُحِبُّ [النساء: 147 - 148] إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَيْلٌ [المرسلات:
44 - 45]. واختار أيضا كثير من الآخذين بالوصل لمن ذكر، ويدخل فيهم حمزة:
كصاحب «الهداية» و«المبهج» و«التبصرة» و«الإرشاد» و«المفيد» و«التجريد» و«التيسير» وابني غلبون- السكت بين الأربع، وهو مذهب حسن.
والأحسن عدم التفرقة، واختاره الداني والمحققون، ووجهه عدم النقل. والله أعلم.
ص:
... ... ... .... وفي ابتدأ السّورة كلّ بسملا
سوى براءة فلا ولو وصل = ووسطا خيّر وفيها يحتمل
ش: (كل بسمل) كبرى، (وفي) يتعلق بـ (بسمل)، وقصر (ابتدأ) للضرورة، و(سوى) قال ابن مالك والزجاج: ك «غير» معنى وإعرابا، ويؤيدها حكاية الفراء: أتاني سواك.
وقال سيبويه والجمهور: ظرف دائما بدليل وصل الموصول بها؛ ك «جاء» الذي سواك.
وقال الرماني، والعكبري: وتستعمل ظرفا غالبا وك «غير» قليلا.
والإجماع على خفض المستثنى بها.
وقوله: (فلا) أي: فلا يبسمل في أولها إن لم توصل بما قبلها بأن ابتدئ بها، ولو وصل أولها بما قبله فهو عطف على محذوف، (ووسطا) منصوب بنزع الخافض، أي:
وخير في وسط كل سورة، و(فيها) يتعلق بـ (يحتمل)، أي: يحتمل في وسط «براءة» أن يقال بالبسملة وعدمها.
واعلم أن المراد بالوسط هنا: ما كان من بعد أول السورة ولو بكلمة، أي: أن كل من بسمل أو وصل أو سكت [بين السورتين] إذا ابتدأ أي سورة قرأها يبسمل اتفاقا، أما عند من بسمل فواضح، وأما عند غيره فللتبرك وموافقة خط المصحف؛ لأنها عنده إنما كتبت لأول السورة فأتى بها ابتداء لئلا يخالف المصحف وصلا وابتداء، ويجعلها في الوصل كهمزة الوصل، ولهذا اتفقوا عليها أول الفاتحة، ولو وصلت بـ «الناس»؛ لأنها لو وصلت لفظا فهي مبتدأ بها حكما.
قال الداني: لأنها أول القرآن فلا سورة قبلها توصل بها. قال: وبها قرأت على
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/293]
ابن غلبون وابن خاقان وفارس، فعلى هذا يكون قول الناظم: (وفي ابتدأ السورة) شاملا لهذه المسألة.
إشارة: لا فرق بين قول الناظم: (وفي ابتدأ السورة)، وبين قول «التيسير»: «أول الفاتحة»؛ لأن صاحب هذا [اللفظ] - أعني الداني- قال: لأنها وإن وصلت بـ «الناس» فهي مبتدأ حكما؛ لأنه لا بشيء قبلها يوصل.
إذا عرفت هذا علمت أنه لا يرد على الناظم ولا الشاطبي ما أورده الجعبري عليه من أن عبارة «التيسير» أولى؛ لأن من عبر بالابتداء يخرج عن كلامه وصل الفاتحة بالناس، فيكون مفهومه أن لا بسملة، وليس كذلك؛ لأن الإيراد لا يرد إلا إن أمكن وروده، ولا يمكن هنا؛ لأن الفاتحة لا تكون [أبدا] إلا [مبتدأ] بها.
إشارة أخرى: إذا فهمت كلام الداني أيضا- أعني قوله: لأنها مبتدأ بها ... إلخ- ظهر لك فساد قول الجعبري في تعليلها: إذ تلك جزء [لا لفصل كذه] من قوله:
يا علماء العصر حيّيتم = دونكم من خاطري مسألة
ما سورتان اتّفق الكلّ على = أن يثبتوا بينهما بسمله
وأجمعوا أيضا على أنّهم = لم يثبتوا بينهما بسمله
ثم أجاب فقال:
ما لي أرى المقرئ المشرقي = يبهم أعلام الهدى الواضحة
سألتنا عن مبهم واضح = هما هديت النّاس والفاتحة
إذ تلك جزء لا لفصل كذه = وتركت بل نافت الفاضحه
فجعل علة البسملة أول الفاتحة حالة الوصل كونها جزءا منها، ولا تتم هذه العلة إلا إذا اتفق كل القراء على جزئيتها، وليس كذلك؛ فقد قال السخاوي: اتفق القراء عليها أول الفاتحة: فابن كثير، وعاصم يعتقدونها آية منها ومن كل سورة، ووافقهم حمزة على الفاتحة فقط، وأبو عمرو وقالون ومن تابعه من قراء المدينة لا يعتقدونها آية من
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/294]
الفاتحة. انتهى.
فالصحيح على هذا تعليل الداني، وقد اعترف هو أيضا بذلك، حيث قال في آخر كلامه على قول الشاطبي:
ولا بد منها في ابتدائك سورة ... ... ... ... ...
وقراء المدينة وأبو عمرو لا يرونها آية من الأوائل، ومراده أول كل سورة؛ لقوله عقب هذا: وحمزة يراها آية من أول الفاتحة فقط.
قوله: (سوى براءة) يعني أن القارئ إذا ابتدأ بـ «براءة» أو وصلها بما قبلها لا يبسمل، وهذا هو الصحيح فيما إذا ابتدئ بها، وسيأتي مقابله.
وأما إذا وصلها بالأنفال فحكى على منعه الإجماع: مكيّ وابنا غلبون والفحام وغيرهم، والعلة قول ابن عباس- رضي الله عنهما-: [سألت عليّا: لم لم تكتب؟ قال: لأن] «بسم الله» أمان، وليس فيها أمان، أنزلت بالسيف.
ومعنى ذلك أن العرب كانت تكتبها أول مراسلاتهم في الصلح والأمان، فإذا نبذوا العهد ونقضوا الأمان لم يكتبوها، فنزل القرآن على هذا؛ فصار عدم كتابتها دليلا على أن هذا الوقت وقت نقض عهد وقتال فلا يناسب البسملة.
وقيل: العلة قول عثمان لما سئل عنها: كانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وبراءة من آخر القرآن، وقصتها شبيهة بقصتها، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا، فظننت أنها منها فقرنت بينهما. وهو يجيز الخلاف؛ لأن غايته أنها جزء منها.
وقيل: قول أبي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بها في أول كل سورة، ولم يأمرنا في أولها بشيء.
قلت: ويرد عليه أن من لم يبسمل في أول غيرها لا يبسمل، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بها في غيرها وإلا بسمل، وأيضا عدم الأمر يوجب التخيير لا الإسقاط أصلا؛ لأن الأجزاء أيضا لم يكن يأمرهم فيها بشيء.
وقيل: قول مالك: نسخ أولها، وهو يوجب التخيير.
تنبيه:
حاول [بعضهم] جواز البسملة في أول براءة حال الابتداء بها، قال السخاوي:
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/295]
وهو القياس؛ لأن إسقاطها إما لأن (براءة) نزلت بالسيف، أو لعدم قطعهم بأنها سورة مستقلة، فالأول مخصوص بمن نزلت فيه ونحن إنما نسمي للتبرك، والثاني يجوزها لجوازها في الأجزاء إجماعا، وقد علم الغرض من إسقاطها فلا مانع منها. انتهى.
ووافقه المهدوي وابن شيطا:
قال المهدوي: فأما براءة فالقراء مجمعون على ترك الفصل بينها وبين الأنفال [بالبسملة]، وكذلك أجمعوا على [ترك] البسملة في أولها في حال الابتداء بها، سوى من رأى البسملة في أوساط السور، فإنه يجوز أن يبتدئ بها من أول براءة عند من جعلها هي والأنفال سورة واحدة، ولا يبتدأ بها عند من جعل العلة السيف.
وقال أبو الفتح بن شيطا: ولو أن قارئا ابتدأ قراءته من أول التوبة: فاستعاذ ووصل الاستعاذة بالبسملة [متبركا بها، ثم تلا السورة]، لم يكن عليه حرج- إن شاء الله تعالى- كما يجوز له إذا ابتدأ من بعض السورة أن يفعل ذلك، وإنما المحذور أن يصل آخر الأنفال بأول براءة، ثم يصل بينهما بالبسملة؛ لأن ذلك بدعة وضلال وخرق للإجماع [ومخالف للمصحف]. انتهى.
فهذان النصان قد تواردا على جوازها حالة الابتداء؛ اعتدادا بالتعليل بعدم القطع بأنها سورة مستقلة، وهو [إنما يدل على جوازها حالة] الابتداء لا حالة الوصل؛ لأنه لا يجوز الفصل بها بين الأجزاء حالة الوصل. وأما التعليل بالسيف فيعم حالة الابتداء والوصل، إلا أن الخلاف إنما هو في الابتداء [فقط] كما تقدم.
قوله: (ووسطا خير ... ) أي: إذا ابتدئ بوسط سورة مطلقا سوى براءة جازت البسملة وعدمها لكل القراء تخييرا، واختارها جمهور العراقيين وتركها جمهور المغاربة، ومنهم من أتبع الوسط للأول؛ فبسمل لمن بسمل بينهما وترك لغيره، واختاره السبط والأهوازي وغيرهما.
قوله: (وفيها يحتمل) أي: إذا ابتدئ بوسط [براءة] فلا نص فيها للمتقدمين، واختار السخاوي الجواز، قال: ألا ترى أنه يجوز بغير خلاف أن يقول: بِسْمِ اللَّهِ*
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/296]
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [التوبة: 36] وفي نظائرها من الآي؟
وإلى منعهما ذهب الجعبري، ورد على السخاوي فقال: إن كان نقلا فمسلم، وإلا فيرد عليه أنه تفريع على غير أصل ومصادم لتعليله.
قلت: لعل الجعبري لم يقف على كلامه، وإلا فهو قد أقام الدليل على جوازها في أولها كما تقدم.
وإذا تأصل ذلك بنى عليه هذا، وقد أفسد أدلة المانعين وألزمهم القول بها قطعا كما تقدم، وليس هذا مصادما لتعليله؛ لأنه لم يقل بالمنع حتى يعلله، فكيف يكون له تعليل؟
والله أعلم. [لكن في قوله: (ألا ترى.. ) إلخ نظر؛ لأنه محل النزاع].
قال المصنف: والصواب أن من ترك البسملة في [وسط] غيرها أو جعل الوسط تبعا للأول لا إشكال عنده في تركها، وأما من بسمل في الأجزاء مطلقا: فإن اعتبر بقاء أثر العلة التي من أجلها حذفت البسملة أولها، [وهو] نزولها بالسيف، كالشاطبي [وأتباعه] لم يبسمل، وإن لم يعتبر البقاء أو لم يرها علة بسمل، والله أعلم.
ص:
وإن وصلتها بآخر السّور = فلا تقف وغيره لا يحتجر
ش: (إن) شرطية و(وصلتها) جملة الشرط، وهي ماضية، ومعناها الاستقبال، والجار يتعلق بـ (وصلت)، والفاء للجواب، وجملة الجواب محلها جزم لاقترانها بالفاء، (وغيره لا يحتجر) اسمية.
أي: أنك إذا بسملت بين السورتين أمكن أربعة أوجه: وصلها بالآخر مع الأول، وفصلها عنهما، وقطعها عن الآخر مع وصلها بالأول. وهذه الثلاثة داخلة في قوله:
(وغيره لا يحتجر) وهي جائزة إجماعا.
والرابع: وصل البسملة بالآخر مع الوقف عليها، وهو ممتنع؛ لأن البسملة للأوائل لا للأواخر، وقال في «التيسير»: لا يجوز.
فإن قلت: كان ينبغي أن يقول: «فلا سكت»؛ لأنه لا يلزم من امتناع الوقف امتناع السكت، وكلاهما ممنوع، كما اعترض به الجعبري كلام الشاطبي.
قلت: الذي نص عليه أئمة هذا الشأن إنما هو الوقف خاصة، كما هو صريح كلام
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/297]
الشاطبي، وقال الداني في «جامعه»: واختياري في مذهب من فصل بأن يقف القارئ على آخر السورة ويقطع على ذلك [ثم يبتدئ بالتسمية موصولة بأول السورة الأخرى، والله أعلم]. ولم يسبق الجعبري بذلك، وكأنه فهمه من كلام السخاوي حيث قال: فإذا لم يصلها بآخر سورة جاز أن يسكت عليها، وإنما مراده بالسكت الوقف؛ لأنه قال قبله:
اختيار الأئمة [لمن يفصل بالتسمية] أن يقف القارئ [على أواخر السورة ثم يبتدئ بالتسمية]. والله أعلم.
[تتمات]
الأولى: أن هذه الأوجه ونحوها الواردة على سبيل التخيير إنما المقصود منها معرفة جواز القراءة [على وجه الإباحة لا على وجه ذكر الخلف] بكل [منها]، فأي وجه قرئ [به] جاز، ولا حاجة للجميع في موضعه إلا إذا قصد استيعاب الأوجه، وكذا الوقف بالسكون والروم [والإشمام]، أو بالطول، والتوسط، والقصر، وكذلك كان بعض المحققين لا يأخذ إلا بالأقوى ويجعل الباقي مأذونا فيه، وبعضهم يرى القراءة بواحد في موضع وبآخر في آخر، وبعضهم يرى جمعها في أول موضع، أو موضع [ما] على وجه التعليم والإعلام وشمول الرواية، أما الأخذ بالكل [في كل موضع] [فلا يعتمده إلا متكلف غير عارف بحقيقة أوجه الخلاف]، وإنما شاع الجمع بين أوجه تسهيل حمزة وقفا لتدريب المبتدئ؛ فلذا لا يكلف العارف بجمعها.
الثانية: يجوز بين الأنفال وبراءة الوصل والسكت والوقف لجميع القراء، أما الوصل فقد كان جائزا مع وجود البسملة فمع عدمها أولى، وهو اختيار أبي الحسن بن غلبون في قراءة من لم يفصل، وهو في قراءة من فصل [أظهر].
وأما السكت فلا إشكال فيه عن أصحاب السكت، ونص عليه لغيرهم من الفاصلين والواصلين مكي وابن القصاع، وأما الوقف فهو الأقيس وهو الأشبه بمذهب أهل
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/298]
الترتيل.
قال المصنف: وهو اختياري للجميع؛ لأن أواخر السور من أتم التمام، وإنما عدل عنه كمن لم يفصل؛ لأنه لو وقف على أواخر السور للزمت البسملة أوائل السور من أجل الابتداء، وإن لم يؤت بها خولف الرسم في الحالين، واللازم هنا منتف، والمقتضى للوقف قائم، فمن ثم أجيز الوقف ولم يمنع غيره.
الثالثة: ما ذكر من الخلاف بين السورتين عام ترتبا أم لا، كواصل آخر آل عمران بأول البقرة. أما لو كررت السورة فقال المصنف: لم أجد فيها نصّا، والظاهر البسملة قطعا؛ فإن السورة والحالة هذه مبتدأة، كما لو وصلت الناس بالفاتحة قال: ومقتضى ما ذكره الجعبري عموم الحكم، وفيه نظر، إلا أن يريد في مذهب الفقهاء عند من يعدها آية، وهذا الذي ذكرناه على مذهب القراء. انتهى.
ولذلك يجوز إجراء أحوال الوصل في آخر السورة الموصل طرفاها من إعراب وتنوين، والله أعلم.
خاتمة:
في وصل «الرحيم» [ب «الحمد» ثلاثة أوجه:
الأول: للجمهور كسر ميم «الرحيم»]، والأصح أنها حركة إعراب، وقيل: يحتمل أن تكون الميم سكنت بنية الوقف، فلما وقع بعدها ساكن حركت بالكسر.
الثاني: سكون الميم والابتداء بقطع الهمزة، وروته أم سلمة عنه صلى الله عليه وسلم.
الثالث: حكاه الكسائي عن بعض العرب، وقال ابن عطية: إنه لم يقرأ به، وهو فتح الميم مع الوصل، كأنهم سكنوا الميم وقطعوا الألف ثم أجروا الوقف مجرى الوصل، فنقلت حركة همزة الوصل إلى الميم الساكنة، ويحتمل نصب الميم بـ «أعنى» مقدرا. والله أعلم). [شرح طيبة النشر للنويري: 1/299]

قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (البسملة هي مصدر بسمل إذا قال: بسم الله كحوقل إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، والكلام عليها في مباحث.
الأول: لا خلاف أنها بعض آية من النمل، واختلف فيها أول الفاتحة فذهب إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه إلى أنها آية مستقلة من أول الفاتحة بلا خلاف عنده ولا عند أصحابه، لحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها المروي في البيهقي وصحيح ابن خزيمة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية، وأيضا فهي آية مستقلة منها في أحد الحروف السبعة المتفق على تواترها،
[إتحاف فضلاء البشر: 1/358]
وعليه ثلاثة من القراء السبع ابن كثير وعاصم والكسائي فيعتقدونها آية منها، بل ومن القرآن أول كل سورة، وأما غير الفاتحة ففيها ثلاثة أقوال:
أولها: أنها ليست بآية تامة من كل سورة بل بعض آية، ثانيها: أنها ليست بقرآن في أوائل السور خلا الفاتحة، ثالثها: أنها آية تامة من أول كل سورة سوى براء.
وليعلم: أنه لا خلاف بينهم في إثباتها أول الفاتحة سواء وصلت بالناس أو ابتدئ بها؛ لأنها وإن وصلت لفظا فإنها مبتدأ بها حكما.
الثاني في حكمها: بين السورتين فقالون وورش من طريقي الأصبهاني وابن كثير وعاصم والكسائي، وكذا أبو جعفر بالفصل بينهما بالبسملة؛ لأنها عندهم آية لحديث سعيد بن جبير وافقهم ابن محيصن والمطوعي.
واختلف: عن ورش من طريق الأزرق وأبي عمرو وابن عامر وكذا يعقوب في الوصل والسكت، وبالبسملة بينهما جمعا بين الدليلين، فالبسملة لورش في التبصرة وهو أحد الثلاثة في الشاطبية، والوصل بلا بسملة له من العنوان، والمفيد وهو الثاني في الشاطبية، والسكت له في التيسير وبه قرأ الداني على جميع شيوخه، وهو الثالث في الشاطبية، وهو لأبي عمرو في سائر كتب العراقين، لغير ابن حبش عن السوسي هو أحد الوجهين في الشاطبية والهداية، واختاره الداني ولا يؤخذ من التيسير سواه عند التحقيق، وقطع له بالوصل بلا بسملة صاحب العنوان، والوجيز هو الثاني في الشاطبية كجامع البيان، وقطع له بالبسملة في الهادي والهداية في
[إتحاف فضلاء البشر: 1/359]
الوجه الثالث، ورواه ابن حبش عن السوسي وهي لابن عامر في العنوان، وفاقا لسائر العراقيين، والوصل له من الهداية وهو أحد الوجهين في الشاطبية، والسكت له من التبصرة، واختاره الداني وهو الثاني في الشاطبية وقطع به ليعقوب صاحب المستنير كسائر العراقيين، وبالوصل صاحب الغاية وبالبسملة الداني، وافقهم اليزيدي فالوصل لبيان ما في آخر السورة من إعراب وبناء وهمزات وصل، ونحو ذلك والسكت؛ لأنهما آيتان وسورتان.
واشترط: في السكت أن يكون من دون تنفس، واختلفت ألفاظهم في التأدية عن زمن السكت فقيل وقفة تؤذن بأسرار البسملة، وقيل سكتة يسيرة وقيل غير ذلك، قال في النشر: والصواب حمل دون من قولهم دون تنفس على معنى غير، وبه يعلم أن السكت لا يكون إلا مع عدم التنفس قل زمنه أم كثر.
ثم: ما ذكر من الخلاف بين السورتين هو عام بين كل سورتين سواء كانتا مرتبتين أم لا، فلو وصل آخر الفاتحة بالأنعام مثلا جازت البسملة وعدمها على ما تقدم، أما لو وصلت السورة بأولها كان كررت كما تكرر سورة الإخلاص فقال محرر الفن الشمس بن الجزري:لم أجد فيه نصا والذي يظهر البسملة قطعا، فإن السورة والحالة هذه مبتدأة كما لو صلت الناس بالفاتحة ا. هـ.
وإذا فصل: بين السورتين بالبسملة جاز لكل من رويت عنه ثلاثة أوجه وصلها بالماضية مع فصلها عنهما؛ لأن كلا من الطرفين وقف تام وفصلها عن الماضية ووصلها بالآتية.
قال الجعبري: وهو أحسنها لإشعاره بالمراد، وهو أنها للتبرك أو من السورة،
[إتحاف فضلاء البشر: 1/360]
ويمتنع وصلها بالماضية وفصلها عن الآتية، إذ هي لأوائل السور لا لأواخرها، والمراد بالفصل والقطع الوقف.
وقرأ: حمزة وكذا خلف بوصل آخر السورة بأول التي تليها من غير بسملة؛ لأن القرآن عندهما كالسورة الواحدة وافقهما الشنبوذي والحسن.
وقد اختار: كثير من أهل الأداء عمن وصل لمن ذكر من ورش وأبي عمرو وابن عامر وحمزة، وكذا يعقوب السكت بين المدثر والقيامة وبين الانفطار والمطففين، وبين الفجر والبلد وبين العصر والهمزة، كاختيار الآخذين بالسكت لورش أو أبي عمرو أو ابن عامر أو يعقوب الفصل بالبسملة بين السور المذكورة، لبشاعة اللفظ بلا، وويل والأكثرون على عدم التفرقة وهو مذهب المحققين.
الثالث: لا خلاف في حذف البسملة إذا ابتدأت براءة أو وصلتها بالأنفال على الصحيح وقد حاول بعضهم جوازها في أولها وقال السخاوي إنه القياس ووجهوا المنع بنزولها بالسيف قال ابن عباس رضي الله عنه بسم الله أمان وليس فيها أمان ومعناه أن العرب كانت تكتبها أول مراسلاتهم في الصلح فإذا نبذوا العهد لم يكتبوها قال السخاوي فيكون مخصوصا بمن نزلت فيه ونحن إنما نسمي للتبرك ا. هـ. واحتج للمنع بغير ذلك.
[إتحاف فضلاء البشر: 1/361]
وأما غير براءة فقد اتفق الكل على الإتيان بالبسملة في أول كل سورة، ابتدءوا بها ولو حكما كأول الفاتحة، حيث وصلت بالناس كما تقدم إلا الحسن فإنه يسمى أول الحمد فقط.
الرابع: يجوز البسملة وعدمها في الابتداء بما بعد أوائل السور ولو بكلمة لكل من القراء تخييرا كذا أطلق الشاطبي كالداني في التيسير، وعلى اختيار البسملة جمهور العراقيين، وعلى اختيار عدمها جمهور المغاربة، ومنهم من خص البسملة بمن فصل بها بين السورتين كابن كثير ومن معه، وبتركها من لم يفصل بها كحمزة ومن معه.
وأما: الابتداء بما بعد أول براءة منها فلا نص للمتقدمين فيه، وظاهر إطلاق كثير كالشاطبي التخيير فيها، واختار السخاوي الجواز، وإلى المنع ذهب الجعبري والصواب كما في النشر: أن يقال إن من ذهب إلى ترك البسملة في أوساط غير براءة لا إشكال في تركها عنده في أوساط براءة، وكذا لا إشكال في تركها عند من ذهب إلى التفصيل، إذ البسملة عندهم وسط السورة تبع لأولها ولا تجوز البسملة أولها فكذا وسطها، وأما من ذهب إلى البسملة في الأجزاء مطلقا فإن اعتبر بقاء أثر العلة من أجلها حذفت أولها وهي نزولها بالسيف كالشاطبي لم يبسمل وإن لم يعتبر بقاء أثرها أو لم يرها علة بسمل بلا نظر والله أعلم.
خاتمة:
يعلم مما تقدم من التخيير في الابتداء بالإجراء مع ثبوت البسملة بين السور أنه لا يجوز وصل البسملة بجزء من أجزاء السورة، لا مع الوقف ولا مع وصله بما بعده، إذ القراءة سنة متبعة، وليس أجزاء السورة محلا للبسملة عند أحد، والمنع من ذلك أولى من منع وصلها بآخر السورة، والوقف عليها إذ ذاك محل لها في الجملة، وقد منعت لكون البسملة للأوائل لا للأواخر، قال شيخنا رحمه الله تعالى: هذا ما
[إتحاف فضلاء البشر: 1/362]
تيسر من الكلام على البسملة). [إتحاف فضلاء البشر: 1/363]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): (باب البسملة
لا خلاف بينهم في أن القارئ إذا افتتح قراءته بأول سورة غير براءة أنه يبسمل وسواء كان ابتداؤه عن قطع أو وقف، وربما يظن بعضهم أن الابتداء لا يكون إلا بعد قطع، وليس كذلك.
والمراد بالقطع عند المحققين: ترك القراءة رأسًا، بأن تكون نية القارئ ترك القراءة والانتقال منها لأمر آخر، وبالوقف: قطع الصوت على الكلمة زامنًا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة.
وكثير من المتقدمين يطلقون القطع على الوقف، ويأتي مثله في كلامنا في باب التكبير إن شاء الله وكذلك الفاتحة ولو وصلت بغيرها من السور لأنها وإن وصلت لفظًا فهي مبتدأ بها حكمًا.
واختلفوا في إثباتها بين السورتين، سواء كانتا مترتبتين أو غير مترتبتين، فأثبتهما قالون والمكي وعاصم وعلي، وحذفها حمزة ووصل السورتين.
واختلف عن ورش والبصري والشامي، فقطع لهم بعض أهل الأداء بتركها، وبعضهم بإثباتها.
[غيث النفع: 311]
وهو المأخوذ به عندي تبعًا لأبي شامة والقسطلاني، من قوله:
.................. = وفيها خلاف جيده واضح الطلا
ومعنى البيت: ولا نص لهم، أي لذوي كاف (كل) وجيم (جلاياه) وحاء (حصلا) الشامي وورش والبصري، في التخيير بين السكت والوصل المدلول عليه بالواو التي بمعنى (أو) في البيت قبله، وارتدع وانزجر أن تنسب للعلماء شيئًا لم ينقل عنهم.
ويحتمل أن تكون (كلا) هنا حرف جواب بمنزلة نعم، فيكون تصديقًا للمنفي بلا الجنسية المحذوف خبرها، وقد جوز فيها هذا المعنى النضر بن شميل والفراء وغيرهما، ويرون أن معنى الردع والزجر ليس مستمرًا فيها، بل هو وجه أي سبيل مقصود، وهو أحد معاني الوجه لغة أحبته العلماء واختاروه لهم.
[غيث النفع: 312]
ثم استأنف فقال (وفيها) أي البسملة، لمن لهم التخيير خلاف في إثباتها وحذفها، مشهور كشهرة ذي العنق الطويل بين أصحاب الأعناق القصيرة، وهو كذلك في كتب أئمة القراءة، وعليه فلا رمز لأحد في البيت، والله أعلم.
وإنما اختلفوا في الوصل ولم يختلفوا في الابتداء لأنها مرسومة في جميع المصاحف، فمن تركها في الوصل لو لم يأت بها في الابتداء لخالف المصاحف، وخرق الإجماع.
ولا خلاف بينهم في حذفها من أول براءة، لأنها لم ترسم فيه في جميع المصاحف، وإن وصلتها بسورة أخرى كالأنفال أو غيرها، فيجوز لجميع القراء الوصل والسكت والوقف.
وكل من بسمل بين السورتين فله ثلاثة أوجه:
الأول: الوقف على آخر السورة، ووصل البسملة بأول السورة، قال الجعبري: «وهو أحسنها» .
الثاني: الوقف على آخر السورة، والوقف عليها.
الثالث: وصلها بآخر السورة وبأول الثانية.
ويمكن وجه رابع، وهو وصلها بآخر السورة والوقف عليها، وهو لا يجوز، لأن البسملة لأوائل السور لا لأواخرها.
[غيث النفع: 313]
وهذه الأوجه على سبيل التخيير، لا على وجه ذكر الخلاف، فبأي وجه منها قرأ جاز، ولا احتياج إلى الجمع بينها في موضع واحد، إلا إذا قصد القارئ أخذها على المقرئ لتصح له الرواية لجمعها، فيقرأ بها ويقرأ بعد ذلك بأيها شاء.
مسألة
لو وصل القارئ آخر السورة بأولها كأصحاب الأوراد في تكرير سورة الإخلاص أو غيرها فهل حكم ذلك حكم السورتين أم لا؟
قال المحقق في نشره «لم أجد فهيا نصًا، والذي يظهر البسملة قطعًا، فإن السورة والحالة هذه مبتدأة» انتهى.
ويأتي على ترك البسملة لورش وبصر وشام وجهان:
الأول: السكت، وجرى عمل الشيوخ بتقديمه على الوصل، وليس ذلك بواجب، والمختار فيه أنه سكت يسير من دون تنفس، قدر سكت حمزة لأجل الهمزة.
قال المحقق: «إني أخرجت وجه حمزة مع وجه ورش بين سورتي {والضحى} و{ألم نشرح} على جميع من قرأت عليه من شيوخي، وهو الصواب» انتهى.
الثاني: الوصل، وهو أن تصل آخر السورة بأول الثانية، كآيتين وصلت إحداهما بالأخرى.
ولا خلاف بينهم في جواز البسملة في الابتداء بأواسط السور، وإنما اختلفوا في المختار: فاختراها جمهور العراقيين.
[غيث النفع: 314]
واختار تركها جمهور المغاربة.
وفصل بعضهم: فيأتي بها لمن له البسملة بين السورتين، كقالون، ويتركها لمن لم يبسمل، كحمزة.
والمراد بالأواسط هنا ما كان بعد أول السورة ولو بكلمة.
اختلف المتأخرون في أجزاء براءة هل هي كأجزاء سائر السور أم لا؟ فقال السخاوي: «هي كهي» وجوز البسملة فيها، وجنح الجعبري إلى المنع.
وقال المحقق: «الصواب أن يقال إن من ذهب إلى ترك البسملة في أوساط غير براءة لا إشكال ف يتركها عنده في وسط براءة، وكذا لا إشكال في تركها فيها عند من ذهب إلى التفصيل، إذ البسملة عندهم في وسط السورة تبع لأولها، ولا تجوز البسملة أولها فكذلك وسطها، وأما من ذهب إلى البسملة في الأجزاء مطلقًا فإن اعتبر بقاء أثر العلة التي من أجلها حذفت البسملة من أولها وهي نزولها بالسيف، كالشاطبي ومن سلك مسلكه لم يبسمل، ومن لم يعتبر بقاء أثرها ولم يرها علة بسمل بلا نظر» انتهى. وهو كلام نفيس بين ظاهر، وحكم الأربع الزهر يأتي عند أولها، والله أعلم). [غيث النفع: 316]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): (جلالتها أي ما فيها من اسم الله واحدة، هذا إن قلنا:
إن البسملة ليست بآية، ولا بعض آية من أول الفاتحة ولا من أول غيرها، وإنما كتبت في المصاحف للتيمن والتبرك.
أو إنها في أول الفاتحة لابتداء الكتاب على عادة الله عز وجل في ابتداء كتبه، وفي غير الفاتحة للفصل بين السور.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم».
وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والثوري، وحكى عن أحمد وغيره، وانتصر له مكي في كشفه، وقال: «إنه الذي أجمع عليه الصحابة والتابعون، والقول بغيره محدث بعد إجماعهم».
[غيث النفع: 318]
وشنع القاضي أبو بكر بن الطيب بن الباقلاني المالكي البصري نزيل بغداد على من خالفه، وكان أعرف الناس بالمناظرة وأدقهم فيها نظرًا، حتى قيل: «من سمع مناظرة القاضي أبي بكر لم يستلذ بعدها بسماع كلام أحد من المتكلمين والفقهاء والخطباء».
وأما إن قلنا إنها آية من أول الفاتحة ومن أول كل سورة وهو الأصح من مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه.
[غيث النفع: 319]
أو إنها آية من الفاتحة فقط، أو إنها آية من الفاتحة، بعض آية من غيرها، فلا بد من عد جلالتها.
وبقي قول خامس وهو أنها آية مستقلة في أول كل سورة، لا منها، وهو المشهور عن أحمد، وقول داود وأصحابه، وحكاه أبو بكر الرازي عن أبي الحسن الكرخي وهو من كبار أصحاب أبي حنيفة.
وعليه فلا تعد جلالة البسملة مع السور، وإنما تعد في جملة ما في القرآن، وإنما اقتصرنا في عد ما في الفاتحة وغيرها من الجلالات على القول الأول لأنه مذهبنا.
وأيضًا فإن المحققين من الشافعية وعزاه الماوردي للجمهور على أنها آية حكمًا لا قطعًا.
[غيث النفع: 320]
قال النووي: «والصحيح أنها قرآن على سبيل الحكم، ولو كانت قرآنًا على سبيل القطع لكفرنا فيها، وهو خلاف الإجماع».
وقال المحلي عند قول منهاج فقههم: «والبسملة منها -أي من الفاتحة- عملاً، لأنه صلى الله عليه وسلم عدها آية منها، صححه ابن خزيمة والحاكم ويكفي في ثبوتها من حيث العمل الظن» انتهى.
ومعنى الحكم والعمل: أنه لا تصح صلاة من لم يأت بها في أول الفاتحة، وهو نظير كون الحجر من البيت، أي في الحكم، باعتبار الطواف والصلاة فيه لا له، باعتبار أنه من البيت، إذ لم يثبت ذلك بقاطع.
[غيث النفع: 321]
وإذا قلنا إنها قطعًا لا حكمًا كما هو ظاهر عبارة كثير، فيكون من باب اختلاف القراء في إسقاط بعض الكلمات وإثباتها، وكل قرأ بما تواتر عنده، والفقهاء تبع للقراء في هذا، وكل علم يُسأل عنه أهله، والمسألة طويلة الذيل، وما ذكرناه لب كلامهم وتحقيقه.
واعلم أني حيث لم أتعرض لعدها في سورة فاعلم أنها لم تذكر فيها إلا في بسملتها، والله الموفق). [غيث النفع: 322] (م)
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): (بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
{بسم الله الرحيم, الحمد} قرئ في الشواذ (بسمي الله..) على وزن (هدي), وهو لغة في الاسم.
قرأ قوم من الكوفيين بسكون الميم "الرحيم الحمد" يقفون عليها، ويبتدئون بهمزة مقطوعة، وروت هذا أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم والجمهور على جر الميم ووصل الألف من الحمد "الرحيم الحمد".. وحكى الكسائي عن بعض العرب أنه يقرأ: "الرحيم الحمد" بفتح الميم وصلة الألف، كأنك سكنت الميم، وقطعت الألف، ثم ألقيت حركتها على الميم وحذفت.
وذكر ابن عطية أنها لم ترد قراءة عن أحد فيما علم). [معجم القراءات: 1/3]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 10:53 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي القراءات في قول الله تعالى: {الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين}

القراءات في قول الله تعالى: {الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين}

قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين}
قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني (ت: 408هـ): ({الحمد لله} [2]: بكسر اللام التي قبل الألف إذا اتصلت به لام الإضافة حيث وقع قتيبة، زاد المطرز عن ابن زياد، وفيهما وجد أيضًا في تعليقي عن أصحاب النهاوندي وإن كان قبلها غيرها، في موضع خفض).[المنتهى: 2/541]
قال أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي (ت: 465هـ): ( (الْحَمْدُ لِلَّهِ) بضم اللام ابن أبي عبلة، الباقون بكسرها، وهو الاختيار للحمصي، بكسر اللام للملك). [الكامل في القراءات العشر: 478]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ( (قرأ) إبراهيم بن أبي عبلة (الحمد للّه) بضمّ اللّام الأولى، (وقرأ) الحسن البصريّ بكسر الدّال وفيهما بعدٌ في العربيّة ومجازهما الاتّباع). [النشر في القراءات العشر: 1/47]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ( (قلت): كذا اقتصر على نسبة هذه القراءات لمن نسبها إليه، وقد وافقهم عليها غيرهم وبقيت قراءاتٌ أخرى عن الأئمّة المشهورين في الفاتحة توافق خطّ المصحف
[النشر في القراءات العشر: 1/47]
وحكمها حكم ما ذكر ذكرها الإمام الصّالح الوليّ أبو الفضل الرّازيّ في كتاب اللّوامح له: وهي (الحمد للّه) بنصب الدّال، (عن) زيد بن عليّ بن الحسين بن عليٍّ - رضي اللّه عنهم -، (وعن) رؤبة بن العجّاج وعن هارون بن موسى العتكيّ ووجها النّصب على المصدر وترك فعله للشّهرة، (وعن) الحسن أيضًا، (الحمد للّه) بفتح اللّام إتباعًا لنصب الدّال وهي لغة بعض قيسٍ وإمالة الألف من (للّه) لقتيبة عن الكسائيّ ووجهها الكسرة بعد، (وعن) أبي زيدٍ سعيد بن أوسٍ الأنصاريّ، (ربّ العالمين) بالرّفع والنّصب وحكاه عن العرب ووجهه أنّ النّعوت إذا تتابعت وكثرت جازت المخالفة بينها فينصب بعضها بإضمار فعلٍ ويرفع بعضها بإضمار المبتدأ ولا يجوز أن ترجع إلى الجرّ بعدما انصرفت عنه إلى الرّفع والنّصب). [النشر في القراءات العشر: 1/48]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ( (قلت): وبقي منها رواياتٌ أخرى روّيناها منها إمالة (العالمين والرّحمن) بخلافٍ لقتيبة عن الكسائيّ، ومنها إشباع الكسرة من (ملك يوم الدّين) قبل الياء حتّى تصير ياءً، وإشباع الضّمّة من (نعبد وإيّاك) حتّى تصير واوًا رواية كردمٍ عن نافعٍ ورواها أيضًا الأهوازيّ عن ورشٍ ولها وجهٌ ومنها، (يعبد) بالياء وضمّها وفتح الباء على البناء للمفعول قراءة الحسن، وهي مشكلةٌ وتوجّه على الاستعارة والالتفات). [النشر في القراءات العشر: 1/49] (م)
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (وعن الحسن: "الحمد لله" حيث وقع بكسر الدال اتباعا لكسرة لام الجر بعدها والجمهور بالرفع على الابتداء والخبر ما بعده أي: متعلقة). [إتحاف فضلاء البشر: 1/363]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {العالمين} إذا وقف عليه جاز فيه لكل القراء ثلاثة أوجه، الإشباع لاجتماع الساكنين اعتدادًا بالعارض، والتوسط لمراعاة اجتماع الساكنين وملاحظة كونها عارضًا، والقصر لأن السكون عارض فلا يعتد به، وأجر على هذا جميع ما ماثله). [غيث النفع: 322]
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ( {الحمد لله}
قرأ الجمهور (الحمد لله) بضم الدال.
قال الفراء: اجتمع القراء على رفع «الحمد»، وروي عن ابن عباس أنه قال: «الرفع هو القراءة»، لأنه المأثور، وهو الاختيار في العربية.
[معجم القراءات: 1/3]
قرأ إبراهيم عن أبي عبلة (الحمد لله) بضم اللام من لفظ الجلالة إتباعاً لضمة الدال قبلها, ورويت هذه القراءة عن الحسن وذكر الفراء أنها لغة لبعض بني ربيعة.
وقرأ الحسن وزيد بن على ورؤبة وأبو نهيك (الحمد لله) بكسر الدال إتباعاً لكسرة اللام بعدها, وهي أغرب من القراءة السابقة لأن فيها إتباع حركة معرب, وهو الدال, لحركة غير إعراب وهي حركة اللام.
ومثل هذا عند ابن جني لغية ضعيفة؛ لأن حركة الإعراب لا تستهلك لحركة الإتباع إلا على مثل هذه اللغية.
[معجم القراءات: 1/4]
وقرأ هارون العتكي ورؤبة وسفيان بن عيينة وزيد بن علي والحسن ولبن السميفع (الحمد لله) بالنصب على إضمار فعل, وذكر الطوسي أن نصب الدال لغة في قرش والحارث بن أسامة بن لؤي.
وقرأ الحسن (الحمد لله), بفتح اللام إتباعاً لنصب الدال وهي لغة بعض قيس.
قال ابن خالويه: هذه الوجوه الأربعة في (الحمد لله) وإن كانت سائغة في العربية فإني سمعت ابن مجاهد يقول: لا يقرأ بشيء من ذلك إلا بما عليه الناس في كل مصر (الحمد لله) بضم الدال وكسر اللام.
وقال الزجاج: فأما القرآن فلا يقرأ فيه (الحمد لله) إلا بالرفع؛ لأن السنة تتبع في القرآن, ولا يلتفت فيه إلى غير الرواية الصحيحة التي قرأ بها القراء المشهورون بالضبط والثقة, والرفع القراءة.
{لله} قرأ بعض الأعراب (الحمد لاه)
قال أبو زيد (قال لي الكسائي: ألفت كتاباً في معاني القرآن, فقلت له: أسمعت (الحمد لاه رب العالمين) فقال: لا, فقلت أسمعها.
قال الأزهري: ولا يجوز في القرآن إلا (الحمد لله), وإنما يقرأ ما حكاه أبو زيد الأعراب, ومن لا يعرف سنة القرآن).
[معجم القراءات: 1/5]
وقرأ قتيبة عن الكسائي (لله), بإمالة الألف, وهي عند الصفراوي إمالة لطيفة.
{لله} وقد تفرد قتيبة بهذه الإمالة عنه إذا دخل على لفظ الجلالة لأم الجر خاصة- وقراءة الجماعة على الفتح.
رب العالمين - قراءة الجمهور (رب) بالخفض على الوصف للفظ الجلالة (لله).
وقرأ زيد بن على وأبو زيد والكسائي وأبو العالية وعيسي بن عمر وابن السميفع (رب) بالنصب على المدح, وهي فصيحة لولا خفض الصفات بعدها (الرحمن الرحيم مالك) وسأل سيبويه يونس عنها فذكر أنها عربية.
قال ابن عطية: «... وقال بعضهم: هو على النداء».
وحكى الأهوازي قراءة زيد بن علي (رب العالمين, الرحمن الرحيم) بنصب الثلاثة, وعلى هذا فلا ضعف في هذه القراءة.
وقرأ أبو جعفر وأبو زيد وأبو رزين العقيلي والربيع بن خثيم وأبو عمران الجوني (رب) بضم الباء, أي: هو رب.
[معجم القراءات: 1/6]
قال ابن الجزري:- وعن أبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري «رب العالمين» بالرفع والنصب، وحكاه عن العرب، ووجهه أن النعوت إذا تتابعت وكثرت جازت المخالفة بينها، فينصب بعضها بإضمار فعل، ويرفع بعضها بإضمار المبتدأ، ولا يجوز أن ترجع إلى الجر بعدما انصرفت عنه إلى الرفع والنصب.
{العالمين} - قرأ بإمالة الألف بخلاف قتيبة عن الكسائي.
- وذكر العكبري أنه يقرا (العالمين)، بالهمزة الساكنة، ونقل ابن جني أنها لغة). [معجم القراءات: 1/7]

قوله تعالى: {الرحمن الرحيم}
قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني (ت: 408هـ): ({الرحمن} [3] بفتحة مشبعة قتيبة طريق النهاوندي). [المنتهى: 2/541]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ( (قلت): وبقي منها رواياتٌ أخرى روّيناها منها إمالة (العالمين والرّحمن) بخلافٍ لقتيبة عن الكسائيّ، ومنها إشباع الكسرة من (ملك يوم الدّين) قبل الياء حتّى تصير ياءً، وإشباع الضّمّة من (نعبد وإيّاك) حتّى تصير واوًا رواية كردمٍ عن نافعٍ ورواها أيضًا الأهوازيّ عن ورشٍ ولها وجهٌ ومنها، (يعبد) بالياء وضمّها وفتح الباء على البناء للمفعول قراءة الحسن، وهي مشكلةٌ وتوجّه على الاستعارة والالتفات). [النشر في القراءات العشر: 1/49] (م)
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): ( [إذا قرئ الرَّحِيمِ مالِكِ [3 - 4] بالإدغام لأبي عمرو، ويعقوب ووقف على الدِّينِ [4] ففيها ستة أوجه وهي ثلاثة: الإدغام مع مثلها في «الدين» أعني الطول مع طول، وكذلك التوسط والقصر، وكل من الثلاثة أيضا مع القصر بالروم، أي: في «الدين»، ولا يتأتى روم «الرحيم» لأنه ميم في ميم وهو مستثنى] ). [شرح طيبة النشر للنويري: 1/303]
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (وقرأ: "الرَّحِيمِ، مَالِك" [الآية: 3، 4] بإدغام الميم الأولى في الثانية أبو عمرو بخلف عنه من روايتيه، وكذا يعقوب من المصباح مع مد مالك وافقهما ابن محيصن من المفردة واليزيدي بخلف، والحسن والمطوعي وخص الشاطبي في إقرائه الإدغام بالسوسي والإظهار بالدوري، ويجوز المد والقصر والتوسط في حرف المد السابق قبل المدغم ونظائره). [إتحاف فضلاء البشر: 1/363]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {الرحيم} إذا وقف عليه وكذا ما ماثله ففيه ثلاثة {العالمين} والروم، وهو: النطق ببعض الحركة.
[غيث النفع: 322]
وقال بعضهم: «هو تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب معظمها» وكلا القولين واحد، ولا يكون إلا مع القصر). [غيث النفع: 323]
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ( {الرحمن الرحيم (3)}
{الرحمن الرحيم}
- قرأ الجمهور «الرحمن الرحيم» بالخفض على النعت للفظ
الجلالة الله»
- وقرأ أبو العالية وابن السميفع وعيسى بن عمر وزيد بن علي
(الرحمن الرحيم) بالنصب على المدح، وذكرت فيما سبق أنها حكاها الأهوازي عن زيد بنصب الثلاثة (رب العالمين....) وذكرت تخريجها عن ابن الجزري وغيره،- وقرأ أبو رزين العقيلي والربيع بن خثيم وأبو عمران الجوني
(الرحمن الرحيم) على الابتداء والخبر، أي: هو الرحمن الرحيم الرحمن
{الرحمن}
- قرأه بإمالة الألف بخلاف قتيبة عن الكسائي.
[معجم القراءات: 1/7]
{الرحيم}
ملك- قرأ أبو عمرو ويعقوب وابن محيصن واليزيدى والحسن والمطوعى والدوري والسوسي بالإدغام (الرحيم مالك)
- وذكر مكي الإدغام عن أبى عمرو (الرحيم * ملك) بدون ألف في (مالك)
- وقراءة باقي القراء بالإظهار). [معجم القراءات: 1/8]

قوله تعالى: {مالك يوم الدين}
قال أبو بكر أحمد بن موسى ابن مجاهد التميمي البغدادي (ت: 324هـ): (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
1 - اخْتلفُوا فِي قَوْله {مَالك يَوْم الدّين} فِي إِثْبَات الْألف وإسقاطها
فَقَرَأَ عَاصِم وَالْكسَائِيّ {مَالك يَوْم الدّين} بِأَلف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ملك} بِغَيْر ألف
وَلم يمل أحد الْألف من {ملك}
وَحجَّة من قَرَأَ {مَالك} قَوْله {مَالك الْملك} آل عمرَان 26 وَلم يقل ملك الْملك
و{مَالك} أمدح من {ملك} لِأَنَّهُ يجمع الِاسْم وَالْفِعْل
وَقَالَ أَبُو حمدون عَن اليزيدي عَن أبي عَمْرو {ملك} يجمع مَالِكًا و{ملك} لَا يجمع ملكا
و{مَالك يَوْم الدّين} إِنَّمَا هُوَ ذَلِك الْيَوْم بِعَيْنِه و(ملك يَوْم الدّين) ملك ذَلِك الْيَوْم بِمَا فِيهِ
وَحجَّة من قَرَأَ {ملك} قَوْله (ملك النَّاس) وَقَوله {الْملك القدوس}
وَقد رويا جَمِيعًا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَدثنِي مَدين بن شُعَيْب عَن مُحَمَّد بن شُعَيْب الْجرْمِي عَن أبي معمر عَن عبد الْوَارِث عَن أبي عَمْرو أَنه قَرَأَ (مَلْك) سَاكِنة اللَّام
وروى غَيره عَن عبد الْوَارِث عَن أبي عَمْرو (ملك) مَكْسُورَة الْمِيم وساكنة اللَّام
قَالَ أَبُو بكر وَهَذَا من اختلاس أبي عَمْرو الَّذِي ذكر أَنه كَانَ يَفْعَله كثيرا وَهُوَ كَقَوْل الْعَرَب فِي كبد كبد يسكنون وسط الِاسْم فِي الضَّم وَالْكَسْر استثقالا). [السبعة في القراءات: 104-105]
قال أبو بكر أحمد بن الحسين ابن مهران الأصبهاني (ت: 381هـ): ({مالك} عراقي غير أبي عمرو وحمزة-). [الغاية في القراءات العشر: 137]
قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني (ت: 408هـ): ({مالك} [4] بألف عراقي، وحمصي غير أبي عمرو، وحمزة، وقاسمٍ ساكنة اللام عبد الوارث).[المنتهى: 2/541]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (قرأ عاصم والكسائي (مالك) بالألف، وقد روى أبو الحارث عن الكسائي (مالك) بغير ألف وبالألف كأنه خير فيه، وبالألف قرأت للكسائي في روايته، وقرأ الباقون بغير ألف). [التبصرة: 61]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (وأجمعوا على كسر الكاف من (ملك) من غير البلوغ ياءا، وعلى ضم الدال من (نعبد) من غير بلوغ واو، وكذلك ما كان مثله إلا شيئًا تفرد به عن ورش بعض قراء أهل المغرب وشاذ من غيرهم من الإشباع حتى تولد بعد الحركة حرف، وليس بالقوي ولا المشهور عند الحفاظ من رواية نافع، ولا عليه عمل عند من قرأنا عليه، وله وجيه). [التبصرة: 61] (م)
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444هـ): (قرأ عاصم والكسائيّ: {مالك يوم الدّين}: بالألف. والباقون: بغير ألف). [التيسير في القراءات السبع: 126]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (قرأ عاصم والكسائيّ ويعقوب وخلف: (ومالك يوم الدّين) بالألف والباقون بغير ألف). [تحبير التيسير: 186]
قال أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي (ت: 465هـ): ( (مَالِكِ) بالألف وكسر الكاف محبوب عن ابْن كَثِيرٍ، وابْن مِقْسَمٍ، ويَعْقُوب، وسلام، وأيوب، وابن سهل، وأبو السَّمَّال، وقَتَادَة، والْجَحْدَرِيّ، وابن صالح، والأصمعي عن أَبِي عَمْرٍو في قول الأهوازي، وعَاصِم، وطَلْحَة، وخلف، وابْن سَعْدَانَ، وابن صبيح والْعَبْسِيّ، وابن عيسى، وعلى غير الشيرازي، وسورة " ملك " على الفعل (يَوْمَ) نصب أبو حنيفة، وأبو حيوة، وتفرد أبو حنيفة، وابْن مِقْسَمٍ بـ " مالك الناس " بالألف، زاد أبو حنيفة " المالك الحق " حيث وقع ابن ميسرة، وعبد الوهاب، وعبد الوارث غير المنقري بإسكان اللام، الباقون (مَلِكِ) بغير ألف بفتح الميم وكسر اللام والكاف كرواية أبو عبيد بن نعيم عن أبي بكر وخلف عن الكسائي، وهو الاختيار لأربعة أشياء: أحدها: أنها قراءة أهل الحرمين، والثاني: كقوله ة (مَلِكِ النَّاسِ)، والثالث: قوله: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)، والرابع: أن الملك يعم والمالك يخص). [الكامل في القراءات العشر: 478]
قال أحمد بن علي بن خلف ابن الباذش الأنصاري (ت: 540هـ): ([4]- {مَالِكِ} بألف: عاصم والكسائي). [الإقناع: 2/595]
قال القاسم بن فيرُّه بن خلف الشاطبي (ت: 590هـ): (108 - وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ رَاوِيهِ نَاَصِرٌ = .... .... .... .... ). [الشاطبية: 9]
- قال علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت: 643هـ): ([108] ومالك يوم الدين (ر)اويه (نـ)اصرٌ = وعند سراطٍ والسراط لـ (قُنبلا)
[109] بحيث أتى والصاد زايًا أشمها = لدى (خلفٍ) واشمم لـ (خلاد) الاولا
اعلم أن الغرض بذكر حجج القراء، إبداء وجه القراءة في العربية، لا نصر إحدى القراءتين وتزييف الأخرى؛ لأن الكل ثابت صحيحٌ متفقٌ على صحته، بخلاف الخلاف في مسائل الفقه. ومن ظن غير هذا ، فقد اعتقد خلاف الحق.
والقراءة سنةٌ لا رأيٌ، وهي كلها وإن كانت عن السبعة، مرويةٌ متواترةٌ لا يقدح في تواترها نقلها عنهم، لأن المتواتر إذا أسند من طريق الآحاد، لا يقدح ذلك في تواره، كما لو قلت: أخبرني فلانٌ عن فلان أنه رأى مدينة سمرقند-وقد علم وجودها بطريق التواتر- لم يقدح ذلك في ما سبق من العلم بها.
ونحن نقول : إن قراءة السبعة كلها متواترةٌ، وقد وقع الوفاق على أن المكتوب في مصاحف الأئمة متواتر الكلمات والحروف.
فإذا نازعنا أحد بعد ذلك في تواتر القراءة المنسوبة إلى السبعة، فرضنا الكلام في بعض السور، فقلنا : ما تقول في قراءة ابن كثير، مثلًا في سورة
[فتح الوصيد: 2/213]
التوبة: {تجري من تحتها} بزيادة {من}، وقراءة غيره : (تجرى تحتها)؛ وفي قوله تعالى: {يقص الحق} و{يقض الحق}، أهما متواترتان ؟ فإن قال نعم، فهو الغرض، وإن نفى تواترهما خرق الإجماع المنعقد على ثبوتهما، وباهت في ما هو معلوم منهما.
وإن قال بتواتر بعض دون بعض، تحكم في ما ليس له؛ لأن ثبوتهما على سواء، فلزم التواتر في قراءة السبعة.
فأما ما عداها، فغير ثابت تواترًا، ولا تجوز القراءة به في الصلاة ولا في غيرها ولا يكفر جاحده.
وإن جاء من طريق موثوق به، التحق بسائر الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن تضمن حكمًا ثابتًا لزم العمل به، وإلا فلا.
وربما كان في ما نُسخ لفظه ، وما نُسخ لفظه لا تحوز القراءةُ به، مع أن الاجتراء على جحده غير جائز؛ لأن علمه موکول إلى الله عز وجل؛ إذ قد انسد طريق العلم به، ولا يجوز أن يثبت ما لم يعلم صحة كونه من عند الله قرآنًا، لعل ذلك تقوُّل على الله وكذبٌ، فيدخل في قوله تعالى: {ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}.
وقد ظن من لا معرفة له، ومن لم ينعم النظر من الفقهاء، أن قراءة السبعة يكتفي منها بواحدة، وهو غلطٌ قبيحٌ، بل تعلم السبعة فرضٌ من فروض الكفاية، ومتى اتفق على ترك واحدة منها وقع الإثم، حتى يقوم بها قائم؛ لأنها
[فتح الوصيد: 2/214]
أبعاض القرآن وأجزاؤه كما بينت، ولا بد أن تُتلى على وجهٍ منها ، وتعلم القرآن فرض كفاية.
ولو قيل لهذا الغالط: أي روايةٍ يُكتفى بها ويُترك ما سواها؟ وما من رواية إلا وقد ساوت أختها في الصحة وفي شدة الاحتياج إليها، وتضمنت مالم تتضمن الأخرى، فتركها تضييعٌ للقرآن وإهمال له حتى يُنسى ويرفع.
فإن قال: يكتفي كل واحدٍ في خاصة نفسه بأيها شاء، فقد نقض ما قاله واعترف بأنه لا بد من ثبوتها والتوفر على نقلها لتعلمها لتكون محفوظة على الناس، فيختار المختار منها ما شاء.
وكيف يستجيز هذا القائل أن يسعى في ما ثبت متواترًا من القرآن، ليبطل أكثره ويطرحه ويجتزئ ببعضه ويدع غيره لا يُقرأ ولا يُنقل حتى يلتحق بالشاذ والغريب؟ وهذا محظورٌ لا يجوز، وهو محاربة لله ولرسوله، وسعيٌ في تضييع كتابه.
وقد قال الشافعي رحمه الله في قوله تعالى: {وامسحوا برءوسكم وأرجلكم}: «إنه أراد بنصب {أرجلكم} قومًا، وبالخفض قوما آخرين». يعني غسل الرجلين ومسح الخفين.
فانظر كيف أثبت القراءتين وأثبت الحكمين منهما.
وهذا هو الذي فهم قوله عليه السلام: «هكذا أنزلت، هكذا أنزلت».
[فتح الوصيد: 2/215]
ومعنى (راويه ناصر)، أي ناصرٌ لما رواه إذا استبعده جاهل فرده.
و(مالك يوم الدين)، اسم فاعل كقوله: {مالك الملك}.
ومعناه، مالك إحداثه وإيجاده على حذف المضاف؛ أو مالك الحكم بين عباده يوم الدين، وأضيف اسم الفاعل إلى الظرف على السعة.
وأما من أخذ يُفضل بين القراءتين فقال: «المالك أعم من الملك؛ لأنه يضاف إلى كل متملك من الدواب والثياب وغيرها ، بخلاف الملك»، فغلطٌ؛ لأن القراءتين صحيحتان. وليس هذا الاحتجاج بصحيح؛ لأن الله تعالى قد وصف نفسه بالمالك والملك، فما وجه هذا الترجيح ؟!
وليس لأحد أن يقول هذا، ولا أن يقول أيضًا: «ملك أولى من مالك، ويحتج بأن كل ملك مالك وليس كل مالك ملكا، وأن الملك من نفذ أمره واتسعت قدرته، والمالك ليس إلا الحائز للشيء، فالوصف بالملك أولى».
هذا كله غلط، والكل جائزٌ، وهذا الاحتجاج أيضًا واهٍ في نفسه من جهة
[فتح الوصيد: 2/216]
أن ذلك إنما يكون لبني آدم. فأما الخالق تعالى فهو الملك والمالك، فوصفه بالمالك لا يخرجه عن الملك.
وملك معدولٌ عن مالك للمبالغة). [فتح الوصيد: 2/217]
- قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ): ( [108] ومالك يوم الدين راويه ناصرٌ = وعند سراطٍ والسراط لقنبلا
[109] بحيث أتى والصاد زايًا أشمها = لدى خلفٍ واشمم لخلاد الاولا
ب: (ل): ارمٌ من الولاء، بمعنى: أتبع، (الإشمام): من (أشممته الطيب): إذا أوصلت إليه شيئًا يسيرًا مما يتعلق به، وهو الرائحة، والإشمام عندهم على أربعة أنواع:
[1]- خلط الحرف بالحرف، كما في {الصراط} [الفاتحة: 6]، و {بمصيطر} [الغاشية: 22].
[2] وخلط الحركة بالحركة، كما في {غيض} [هود: 44]، و{قيل} [البقرة: 11].
[3] وخلط الإسكان بالتحريك كما في {تأمنا} [يوسف: 11].
[4] وضم الشفتين بعد سكون الحرف، وسيأتيك في باب الوقف.
[كنز المعاني: 1/351]
ح: (مالك): مبتدأ، (راويه): مبتدأ ثانٍ، (ناصرٌ): خبره، والجملة: خبر المبتدأ الأول، و (قنبلا): مفعول (ل)، (بحيث أتى): ظرف الأمر، والباء: زائدة، و(الصاد زايًا أشمها) من باب الإضمار على شريطة التفسير، والمختار نصب (الصاد)- لوقوع الأمر بعده على المفعول الأول، و(زايًا): مفعول ثانٍ، أي: أشمم الصاد زايًا، و(الأولا): صفة موصوف محذوف، أي: الصراط الأول، وهمزة (أشمم) حذفت مع أنها همزة قطع للضرورة.
ص: أي: لفظ {ملك يوم الدين} [3] يقرأه بالمد الكسائي وعاصم المرموزان بالراء والنون، وغيرهما بحذف المد، وهذا مما استغنى باللفظ عن القيد، فلم يقل: ومالك بالمد.
وأتبع قنبلًا في لفظ {صراط} [7]، و {الصراط} [6] باللام أو مجردًا عنها حيث وقع في القرآن، أي: اقرأهما على مذهب قنبل بصريح السين، وهذا أيضًا مما اكتفى باللفظ عن القيد.
وأشمم الصاد زايًا في {صراط} [7]، و {الصراط} [6] حيث وقع
[كنز المعاني: 1/352]
عند خلف عن حمزة، وأشمم الصاد زايًا في {الصراط} الذي وقع أولًا في القرآن وهو: {اهدنا الصراط المستقيم} [6] لخلاد عنه، والباقون: بالصاد الصريح في كل القرآن.
أما التصريح بالسين: فلأنها الأصل؛ لأن السراط من الاستراط، وهو الابتلاع، سمي الطريق به لأنه يبتلع السابلة. وأما الصاد: فلكراهة الخروج من السين وهو حرف مهموس مستفل إلى الطاء وهو حرف مجهور مستعلٍ-، فطلبوا التجانس بقلب السين صادًا لاشتراكهما في الصفير والهمس والمخرج، واشتراك الصاد والطاء في الإطباق والاستعلاء.
وأما إشمام الزاي: فللمبالغة في طلب التجانس لزيادة الزاي على الصاد بالجهر.
والحاصل: أن قنبلًا عن ابن كثير قرأ في كل القرآن {صراط} [7]، و{الصراط} [6] بالسين الصريح، وخلفًا عن حمزة بإشمام الصاد زايًا في كل القرآن، وخلادًا عنه بالإشمام في {الصراط المستقيم} [6] فقط، وفيما عداه بالصاد الصريح، والباقون وهم: نافع والبزيّ وأبو عمرو وابن عامر
[كنز المعاني: 1/353]
وعاصم والكسائي- بالصاد الصريح في كل القرآن). [كنز المعاني: 1/354] (م)
- قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): (وليس بعد بيان الاستعاذة والبسملة إلا ذكر ما اختلف فيه من الحروف في سورة الحمد.
وكان الترتيب يقتضي أن يبدأ بأول موضع وقع فيه الخلاف منها، وهو إدغام الميم من قوله تعالى: "الرَّحِيمِ، مَلِكِ".
وإظهاره إلا أنه نظر في مواضع الحلاف في الفاتحة، فبدأ منها بما لا يتكرر في غيرها وهو الخلاف في "ملك ومالك" ثم أردفه بالخلاف فيما وقع فيها وفي غيرها فذكر الصراط وميم الجمع والهاء قبلها ثم ذكر باب الإدغام الكبير، أفرده لطوله وكثرة تشعبه بباب يجمع مسائله وأطرافه، ولأجل {الرَّحِيمِ، مَالِكِ" فعله، والله أعلم.
108- وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [رَ] اوِيهِ [نَـ]ـاَصِرٌ،.. وَعَنْدَ سِرَاطِ وَالسِّرَاطَ لِ قُنْبُلا
هذا من جملة المواضع التي استغنى فيها باللفظ عن القيد فلم يحتج إلى أن يقول: ومالك بالمد أو مد أو نحو ذلك؛ لأن الشعر لا يتزن على القراءة الأخرى فصار اللفظ كأنه مقيد، فكأنه قال بالمد كما قال في موضع آخر: وفي حاذرون المد أي قرأ مالك بالمد الكسائي وعاصم وقراءة الباقين بالقصر؛ لأنه ضد المد والمد هنا هو إثبات الألف والقصر حذفها، وكان التقييد ممكنا له لو قال: ومالك ممدودا نصير رواته والقراءتان صحيحتان ثابتتان وكلا اللفظين من مالك وملك صفة لله تعالى.
وقد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير من الكلام في الترجيح بين هاتين القراءتين حتى إن بعضهم يبالغ في ذلك إلى حد يكاد يسقط وجه
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/238]
القراءة الأخرى، وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين، وصحة اتصاف الرب سبحانه وتعالى بهما فهما صفتان لله تعالى يتبين وجه الكمال له فيهما فقط ولا ينبغي أن يتجاوز ذلك.
وممن اختار قراءة "مالك" بالألف عيسى بن عمر وأبو حاتم وأبو بكر بن مجاهد وصاحبه أبو طاهر بن أبي هاشم وهي قراءة قتادة والأعمش وأبي المنذر وخلف ويعقوب، ورويت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأبي هريرة ومعاوية، ثم عن الحسن وابن سيرين وعلقمة والأسود وسعيد بن جبير وأبي رجاء والنخعي
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/239]
وأبي عبد الرحمن السلمي ويحيى بن يعمر وغيرهم.
واختلف فيه عن علي وعمر بن عبد العزيز -رضي الله عنهم- أجمعين.
وأما قراءة ملك بغير ألف فرويت أيضا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقرأ بها جماعة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم منهم أبو الدرداء، وابن عمر، وابن عباس، ومروان بن الحكم، ومجاهد، ويحيى بن، وثاب، والأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، وابن جريج، والجحدري، وابن جندب، وابن محيصن، وخمسة من الأئمة السبعة، وهي اختيار أبي عبيد، وأبي بكر بن السراج النحوي، ومكي المقري، وقد بينت كلامهم في ذلك في الشرح الكبير، وأنا أستحب القراءة بهما؛ هذه تارة، وهذه تارة، حتى إني في الصلاة أقرأ بهذه في ركعة، وهذه في ركعة، ونسأل الله تعالى اتباع كل ما صح نقله والعمل به). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/240]
- قال عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي (ت: 1403هـ): (108 - ومالك يوم الدّين راويه ناصر ... وعند سراط والسّراط ل قنبلا
109 - بحيث أتى والصّاد زاء أشمّها ... لدى خلف واشمم لخلّاد الاوّلا
المعنى: بيّن أن المشار إليهما بالراء والنون وهما الكسائي وعاصم قرآ لفظ ملك من قوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ بإثبات الألف بعد الميم كما نطق به. وهذا مما استغني فيه باللفظ عن القيد فلم يحتج لأن يقول ومالك بالمد. فتكون قراءة الباقين بحذف الألف بعد الميم).
[الوافي في شرح الشاطبية: 50]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ)
: (10- .... .... .... .... .... = وَمَالِكِ حُزْ فُزْ .... ....). [الدرة المضية: 16]
- قال محمد بن الحسن بن محمد المنير السمنودي (ت: 1199هـ): (ثم قال: ومالك حز فز قرأ مرموز (حا) حز (وفا) فز وهما يعقوب وخلف بألف كما نطق به على أنه اسم فاعل وأطلقه ولم يقيده استغناء باللفظ عن القيد، وعلم من الوفاق (ملك) بلا ألف لأبي جعفر على الصفة المشبهة.
وقوله: حز من الحيازة أي اجمع، وفز من الفوز وهو النجاة وفيهمعنى لطيف حيث أمر بالحيازة وأخبر أن من حاز فاز). [شرح الدرة المضيئة: 39]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ( (وقرأ) أبو صالحٍ (مالك يوم الدّين) بألفٍ والنّصب على النّداء، وكذلك محمّد بن السّميفع اليمانيّ وهي قراءةٌ حسنةٌ، (وقرأ) أبو حيوة (ملك) بالنّصب على النّداء من غير ألفٍ، (وقرأ) عليّ بن أبي طالبٍ (ملك يوم) فنصب اللّام والكاف ونصب (يوم) فجعله فعلًا ماضيًا، وروى عبد الوارث عن أبي عمرٍو (ملك يوم الدّين) بإسكان اللّام والخفض وهي منسوبةٌ لعمر بن عبد العزيز). [النشر في القراءات العشر: 1/47]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ( (وعن) الكسائيّ في رواية سورة بن المبارك وقتيبة (مالك يوم الدّين) بالإمالة، (وعن) عاصمٍ الجحدريّ، (مالكٌ) بالرّفع والألف منوّنًا ونصب (يوم الدّين) بإضمار المبتدأ وإعمال مالك في يوم، (وعن) عون بن أبي شدّادٍ العقيليّ (مالك) بالألف والرّفع مع الإضافة ورفعه بإضمار المبتدأ وهي أيضًا عن أبي هريرة وأبي حيوة وعمر بن عبد العزيز، (وعن) عليّ بن أبي طالبٍ (ملّاك يوم الدّين) بتشديد اللّام مع الخفض وليس ذلك بمخالفٍ للرّسم، بل يحتمله تقديرًا كما تحتمله قراءة (مالك) ، وعلى ذلك قراءة حمزة والكسائيّ، (علّام الغيب) وعن اليمانيّ أيضًا (مليك يوم الدّين) بالياء وهي موافقةٌ للرّسم أيضًا كتقدير الموافقة في جبريل وميكائيل بالياء والهمزة وكقراءة أبي عمرٍو (وأكون من الصّالحين) بالواو). [النشر في القراءات العشر: 1/48]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ( (قلت): وبقي منها رواياتٌ أخرى روّيناها منها إمالة (العالمين والرّحمن) بخلافٍ لقتيبة عن الكسائيّ، ومنها إشباع الكسرة من (ملك يوم الدّين) قبل الياء حتّى تصير ياءً، وإشباع الضّمّة من (نعبد وإيّاك) حتّى تصير واوًا رواية كردمٍ عن نافعٍ ورواها أيضًا الأهوازيّ عن ورشٍ ولها وجهٌ ومنها، (يعبد) بالياء وضمّها وفتح الباء على البناء للمفعول قراءة الحسن، وهي مشكلةٌ وتوجّه على الاستعارة والالتفات). [النشر في القراءات العشر: 1/49] (م)
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (قرأ عاصم، والكسائي، ويعقوب، وخلف {مالك يوم الدين} [4] بالألف، والباقون بغير ألف). [تقريب النشر في القراءات العشر: 215]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (112 - مالك نل ظلاًّ روى .... = .... .... .... .... ....). [طيبة النشر: 38]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (مالك (ن) ل (ظ) لّا (روى) السّراط مع = سراط (ز) ن خلفا (غ) لا كيف وقع
يعني قوله تعالى: مالك يوم الدين، وهذا أول المواضع التي استغنى فيها باللفظ عن القيد لوضوحه، لأن الوزن لا يقوم بالقراءة الأخرى كما قدمنا بيانه، فلذلك لم يحتج أن يقول بالمد ولا بمد ولا نحو ذلك: أي قرأ مالك من قوله تعالى: مالك يوم الدين بالألف كما لفظ به عاصم ويعقوب والكسائي وخلف، والباقون ملك بغير ألف وكلاهما صفة من صفات الله، وللناس في ترجيح إحداهما على الأخرى كلام كثير. وفي ذلك نظر فان كلا منهما ثبت متواترا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ به جماعة من الصحابة والتابعين، وأنا أحب القراءة بكل منهما في كل ركعة، وأقدم المد في الأولى لزيادته نظرا إلى تطويل الأولى على الثانية). [شرح طيبة النشر لابن الجزري: 49]
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): (ص:
مالك (ن) ـل (ظ) ـلّا (روى) السّراط مع = سراط (ز) ن خلفا (غ) لا كيف وقع
ش: (مالك) مفعول (قرأ) مقدرا، وفاعله (نل)، و(ظلا) مفعول معه، والواو مقدرة. و(روى) معطوف عليه لمحذوف، و(السراط) مفعول (قرأ) أيضا وفاعله (زن)، و(مع سراط) محله نصب على الحال، و(خلفا) إما مصدر فعل محذوف باق على حاله، أي: اختلف عنه خلفا، أو بمعنى مفعول؛ كقولهم: [درهم] ضرب الأمير، ومحله على هذا نصب على الحال، و(غلا) حذف عاطفه على (زن)، و(كيف) محلها نصب على الحال من فاعل (وقع)، وضابط (كيف) أنها إن صحبت جملة فهي في محل نصب على الحال، أو مفردا فهي في محل رفع على الخبر.
أي: قرأ ذو نون (نل) عاصم وظاء (ظلّا) يعقوب، ومدلول (روى) الكسائي، وخلف مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4] بوزن «فاعل»، وقرأ الباقون بلا ألف.
فإن قلت: [من أين] يفهم قراءة المذكورين قيل: من لفظه؛ لدخوله في قاعدته التي نبه عليها بقوله: «وبلفظ أغنى عن قيده عند اتضاح المعنى»، أي: صحة الوزن.
قلت: لا؛ لأن الوزن أيضا صحيح مع القصر، غايته أنه دخله الخبل. والله أعلم.
فإن قلت: هب أن اللفظ [يكتفى به للمذكورين]، بأن يقال: قرأ المذكورون بهذا اللفظ، فمن أين تعلم قراءة المتروكين؟ فإنه يصح أن يقال: قرأ المذكورون [بمد
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/303]
«مالك»، فيكون ضده القصر للمتروكين، ويصح أن يقال: قرأ المذكورون] بتقديم الألف على اللام، وهو كذلك فيكون ضده التأخير؛ فلم يتعين قيد يؤخذ للمتروكين ضده؛ لأن تقدير المد يزاحمه [تقدير] الألف.
قلت: إنما ترك التقييد تعويلا على القرينة؛ لأن هذا اللفظ لم يقع في القرآن في قراءة صحيحة إلا محصورا في (مالك) بالمد و(ملك) بالقصر، وكلاهما مجمع عليه في موضعه، واختلفوا في هذا هنا، فلما مضى للمذكورين على [المد] علم أن الباقين لمجمع العقد، أو علمنا المد [من متفق المد]، فأخذنا لهم ضده، وهو القصر). [شرح طيبة النشر للنويري: 1/303] (م)
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (واختلف في "ملك" [الآية: 4] فعاصم والكسائي وكذا يعقوب وخلف بالألف مدا على وزن سامع اسم فاعل من ملك ملكا بالكسر، وافقهم الحسن والمطوعي والباقون بغير ألف على وزن سمع صفة مشبهة أي: قاضي يوم الدين.
[إتحاف فضلاء البشر: 1/363]
وعن: المطوعي مالك بفتح الكاف نصبا على القطع أو منادى مضافا توطئة لـ"إياك نعبد" والجمهور بكسرها). [إتحاف فضلاء البشر: 1/364]
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (اتفقوا على كتابة "ملك" [الآية: 4] بغير ألف ليحتمل القراءتين وكذا "ملك الملك" [بآل عمران الآية: 26] كما في المقنع ولم يذكره في الرائية، ومقتضاه أن ما عداه يكتب
[إتحاف فضلاء البشر: 1/368]
على لفظه، وقد اصطلحوا على حذف ألف فاعل في الأعلام، وقال ابن قتيبة: ما كان من الأسماء أي: الأعلام المنقولة من الصفات على فاعل، وكثر استعماله نحو: صالح ومالك وخالد فحذف ألفه أحسن من إثباتها، فإن حليت باللام تعين الإثبات). [إتحاف فضلاء البشر: 1/369] (م)
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {ملك} [4] قرأ عاصم وعلي بإثبات ألف بعد الميم، والباقون بحذفها). [غيث النفع: 323]
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ({مالك يوم الدين (4)}
{مالك}
- قرأ (مالك) على وزن فاعل, وبالخفض عاصم والكسائي وخلف ويعقوب وأبو بكر وعمر وعثمان, وعلى وعمر بن عبد العزيز بخلاف عنهما, وابن مسعود وطلحة والزبير وعبد الرحمن ابن عوف وعلقمة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وقتادة والأعمش والحسن والزهري والأسود وابن جبير وأبو رجاء والنخعي وابن سيرين والسلمي ويحيي بن يعمر وهي رواية عن النبي صلي الله عليه وسلم من طريق أبي هريرة, وهي رواية أم حصين وأم سلمة.
وهذه القراءة اختيار أبي حاتم وأبي طاهر وغيرهما.
[معجم القراءات: 1/8]
وقرأ (ملك) علي وزن (فعل) بالخفض ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة وأبو عمرو وزيد وأبو الدرداء وابن عمر والمسور وابن عباس ومجاهد وشيبة وابن جريج والحجدري وابن جندب وابن محيصن, وهو اختيار أبي عبيد, وهي قراءة كثير من الصحابة والتابعين وهي عند الطبري أصح القراءات, وهي رواية عن الكسائي, وقد رويت هذه القراءة عن النبي صلي الله عليه وسلم
- وقرأ (ملك علي وزن (سهل) أبو هريرة وعاصم الحجدري, ورواها الجعفي وعبد الوارث عن أبي عمرو, والوليد بن مسلم عن ابن عامر من طريق الأهوازي وهي منسوبة لعمر بن عبد العزيز, وهي لغة بكر بن وائل, وأصله: ملك ككتف, فسكن
- وقرأ (ملك) علي وزن (عجل) أبو عثمان النهدي والشعبي وعطية, ونسبها ابن عطية إلى أبي حيوة.
[معجم القراءات: 1/9]
وقرأ (ملك) بنصب الكاف من غير ألف أنس بن مالك والشعبي وأبو نوفل عمر بن مسلم بن أبى عدي وأبو حيوة شريح بن يزيد وأبو عثمان النهدى, وهو نصب على النداء أو المدح.
- وقرأ (ملك) برفع الكاف سعد بن أبي وقاص وعائشة ومورق العجلي وأبو حيوة, وهو على تقدير: هو ملك.
- وقرأ (ملك يوم الدين) فعلاً ماضياً, وبنصب (يوم) أنس مالك وعلى بن أبي طالب وأبو حيوة وأبو حنيفة وجبير بن كطعم ويحيي بن يعمر وأبو عاصم عبيد بن عمير الليثي وأبو المحشر عاصم بن ميمون الحجدري والحسن ويحيي بن يعمر, وهي رواية عن حمزة.
- وقرأ (مالك) بنصب الكاف, الأعمش وابن السميفع وعثمان ابن أبي سليمان وعبد الملك قاضي الهند وأبو هريرة, وعمر بن عبد العزيز وأبو صالح السمان وأبو عبد الملك الشامي وابن أبي عبلة.
[معجم القراءات: 1/10]
وذهب مكي إلى أن النصب هنا على النداء, وهو كذلك عند ابن خالويه, وابن عطية.
- وقرأ ابن أبي عاصم عن اليمان (ملكاً) بالنصب والتنوين.
- وقرأ (مالك يوم) برفع الكاف والتنوين, ونصب (يوم) عاصم الجحدري وعون العقيلي وخلف بن هشان وأبو عبيد وأبو حاتم, وردها ابن خالويه.
وذلك على إضمار مبتدأ وإعمال (مالك) في (يوم) أي: هو مالك يوم...
- وقرأ (مالك يوم) بالرفع والإضافة إلى يوم أبو هريرة وأبو حيوة وعمر بن عبد العزيز بخلاف عنه وأبو روح عون بن أبي شداد العقيلي.
وإعراب هذه القراءة كالتي سبقت.
- وقرأ (مليك) على وزن (فعيل) أبي وأبو هريرة وأبو رجاء العطاردي واليمانى, وذهب ابن خالويه إلى أنها لغة فصيحة وإن لم يقرأ بها أحد.
- وقرأ على بن أبي طالب (ملاك) بالألف والتشديد للام وكسر الكاف.
[معجم القراءات: 1/11]
وذكر ابن خالويه عن هارون الأعور (مالك) ثم قال: في النحو في غير قراءة.
- وقرأ عمرو بن العاص (مليك) على فعيل, وبضم الكاف.
- وقرأ أحمد بن صالح عن ورش عن نافع (ملكي) بإشباع كسرة الكاف, وهو شاذ, وقيل مخصوص بالشعر, وقال المهدوي: (لغة العرب).
وعند ابن مالك رواية أحمد بن صالح عن ورش ونافع (مالكي) بالألف وإشباع الكاف
ولعل المثبت عند ابن مالك تحريف أو خطأ من المحقق, فإنه لم ينقل عن نافع أنه قرأ (مالك) بالألف بل بحذفها (ملك), ومن ثم فإن الإشباع ينبغي أن يكون (ملكي) كالقراءة السابقة بحذف الألف, ومع هذا فقد وجدت النص في التاج بالألف عن نافع, فتأمل !
- وقرأ (مالك) بالإمالة البليغة يحيي بن يعمر وأيوب السختياني, وذكر ابن الجزري الإمالة عن الكسائي في رواية سورة بن المبارك وقتيبة.
- وذكر أبو حيان القراءة بين بين عن قتيبة بن مهران عن الكسائي وهو تقييد لإطلاق صاحب النشر في بيان درجة الإمالة.
[معجم القراءات: 1/12]
قال أبو حيان: وجهل النقل أعنى في قراءة الإمالة أبو على الفارسي فقال: لم يمل أحد من القراء ألف (مالك), وذلك جائز إلا أنه لا يقرأ بما يجوز إلا أن يأتي بذلك أثر مستفيض.
{الدين}
- روي أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف, والشطوي عن أبي جعفر الوقف بروم الحركة في الدين والحركة هنا الكسرة, ورومها هو النطق ببعضها بصوت خفي يسمعه القريب.
- وفيه أيضاً في الوقف: على يوم الدين فيه لجميع القراء أربعة أوجه: المد, والتوسط, والقصر مع السكون, والروم مع القصر..). [معجم القراءات: 1/13]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 06:14 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

القراءات في قول الله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين}

قوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين}
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (وأجمعوا على كسر الكاف من (ملك) من غير البلوغ ياءا، وعلى ضم الدال من (نعبد) من غير بلوغ واو، وكذلك ما كان مثله إلا شيئًا تفرد به عن ورش بعض قراء أهل المغرب وشاذ من غيرهم من الإشباع حتى تولد بعد الحركة حرف، وليس بالقوي ولا المشهور عند الحفاظ من رواية نافع، ولا عليه عمل عند من قرأنا عليه، وله وجيه). [التبصرة: 61] (م)
قال أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي (ت: 465هـ): ( (نَعْبُدُ) بإشباع الضمة إذا لقيتها واو وبإشباع الكسرة إذا لقيتها ياء مثل (بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ) بإشباع الكسرة وما يشبههما الأهوازي وكردم عن ورش عن سليمان بن سليمان البرجمي عن سليم عن حَمْزَة وهو ضعيف، الباقون بغير إشباع فيهما، وهو الاختيار؛ لأنه أفصح وأخف وأشهر). [الكامل في القراءات العشر: 478]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ( (وقرأ) عمرو بن فائدٍ الإسواريّ (إياك نعبد وإياك) بتخفيف الياء فيهما، وقد كره ذلك بعض المتأخّرين لموافقة لفظه لفظ إيا الشّمس وهو ضياؤها، (وقرأ) يحيى بن وثّابٍ (نستعين) بكسر النّون الأولى وهي لغةٌ مشهورةٌ حسنةٌ). [النشر في القراءات العشر: 1/47]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ( (وعن) الفضل بن محمّدٍ الرّقاشيّ (أيّاك نعبد وأيّاك) بفتح الهمزة فيهما، وهي لغةٌ ورواها سفيان الثّوريّ عن عليٍّ أيضًا، (وعن) أبي عمرٍو في رواية عبد اللّه بن داود الخريبيّ إمالة الألف منهما ووجه ذلك الكسرة من قبل، وعن بعض أهل مكّة (نعبد) بإسكان الدّال ووجهها التّخفيف كقراءة أبي عمرٍو (يأمركم) بالإسكان، وقيل: إنّه عندهم رأس آيةٍ فنوى الوقف للسّنّة وحمل الوصل على الوقف). [النشر في القراءات العشر: 1/48]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ( (قلت): وبقي منها رواياتٌ أخرى روّيناها منها إمالة (العالمين والرّحمن) بخلافٍ لقتيبة عن الكسائيّ، ومنها إشباع الكسرة من (ملك يوم الدّين) قبل الياء حتّى تصير ياءً، وإشباع الضّمّة من (نعبد وإيّاك) حتّى تصير واوًا رواية كردمٍ عن نافعٍ ورواها أيضًا الأهوازيّ عن ورشٍ ولها وجهٌ ومنها، (يعبد) بالياء وضمّها وفتح الباء على البناء للمفعول قراءة الحسن، وهي مشكلةٌ وتوجّه على الاستعارة والالتفات). [النشر في القراءات العشر: 1/49] (م)
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (وعن: الحسن "يعبد" [الآية: 5] بالياء من تحت مضمومة مبنيا للمفعول استعار ضمير النصب للرفع والتفت إذ الأصل أنت تعبد). [إتحاف فضلاء البشر: 1/364]
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (وعن: المطوعي "نستعين" [الآية: 5] بكسر حرف المضارعة وهي لغة مطردة في حرف المضارعة بشرطه). [إتحاف فضلاء البشر: 1/364]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {نستعين} إذا وقف عليه أو على ما ماثله فيجوز فيه سبعة أوجه، أربعة {الرحيم} والمد والتوسط والقصر مع الإشمام، وهو الإشارة إلى الحركة من غير تصويت، وقال بعضهم: «أن تجعل شفتيك على صورتهما إذا نطقت بالضمة» مؤدي القولين واحد.
وحاصل ما يجوز الروم والإشمام، أو الروم فقط، وما لا يجوز الوقوف عليه ثلاثة أقسام: قسم لا يوقف عليه إلا بالسكون فقط، وهو خمسة أنواع:
الأول: الساكن في الوصل نحو {فلا تقهر} [الضحى] و{ولم يولد} [الإخلاص] و{ومن يعتصم} [آل عمران: 1010].
الثاني: ما كان متحركًا بالفتح أو النصب، غير المنون، نحو {لا ريب} [البقرة: 2] و{ءامن} [البقرة: 13] {فإن الله} [البقرة: 98].
الثالث: الهاء التي تلحق الأسماء في الوقف بدلاً من تاء التأنيث، نحو {الجنة} [البقرة: 35] و{الملائكة} [البقرة: 31].
[غيث النفع: 323]
والرابع: ميم الجمع، نحو {عليهم} [الفاتحة 7] و{قلوبهم} و{أبصارهم} [البقرة: 7] وسواء في ذلك من ضم أو سكن.
الخامس: المتحرك في الوصل بحركة عارضة، إما للنقل، نحو {فقد أوتي} [البقرة: 269] و{ذواتي أكل} [سبأ: 16] أو لالتقاء الساكنين، نحو {وأنذر الناس} [إبراهيم: 44].
القسم الثاني: ما يجوز فيه الوقف بالسكون والروم ولا يجوز فيه الإشمام:
وهو ما كان متحركًا في الوصل بالخفض أو الكسر، نحو {ومن الناس} [البقرة 8] و{هؤلاء} [البقرة: 31].
الثالث: ما يجوز فيه السكون والروم والإشمام:
وهو ما كان متحركًا في الوصل بالرفع أو الضم، نحو {قدير} [البقرة} و{يخلق} [أل عمرانك 47] و{من قبل} [البقرة 25] و{من بعد} [الروم 4] و{ياصالح} [الأعراف 77].
وسواء كانت الحركة فيها أصيلة كما مثل، أمن منقولة من حرف حذف من نفس الكلمة، نحو {بين المرء} [البقرة: 102] و{من شيء} [آل عمران 92] المخفوضين، و{دفء} [النحل 5] و{المرء} [النبأ 40] المرفوعين، كما في وقف حمزة وهشام.
وأما المنقولة من حرف من كلمة أخرى، أو لالتقاء الساكنين، فقد تقدم فيما يجب تسكينه، وله تتميمات تأتي في مواضع تناسبها إن شاء الله تعالى). [غيث النفع: 324]
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ( {إياك نعبد وإياك نستعين (5)}
{إياك}
قراءة الجمهور (إياك) بكسر الهمزة وتشديد الياء.
- وقرأ الفضل الرقاشي وسفيان الثوري وعلي (أياك) بفتح الهمزة وتشديد الياء.
[معجم القراءات: 1/13]
قال ابن عطية: (وهي لغة مشهورة)
- وقرأ عمرو بن فائد الإسواري وأبي (إياك) بكسر الهمزة وتخفيف الياء
- وقرأ أبو السوار الغنوى (هتاك) بكسر الهاء بعد إبدالها من الهمزة.
- وقرأ أيضاً (هياك) بفتح الهاء, وهي لغة.
- وعن أبي عمرو في رواية عبد الله داود الخريبي إمالة الألف (إياك) وهي قراءة العجلي والكاهلي وابن حرب والأصبهاني كلهم عن خلاد عن سليم عن حمزة.
{نعبد}
- قرأ الحسن وأبو مجلز وأبو المتوكل (يعبد) بالياء مبنياً للمفعول.
وجاءت هذه القراءة في مغنى اللبيب عن الحسن (تعبد) بالتاء, كذا في المطبوع, وفي ما بين يدي من المخطوطات بالياء (ويعيد)
وفي شرح التسهيل (وقرأ الحسن: (إياك تعبد) بضم التاء.
[معجم القراءات: 1/14]
وعن بعض أهل مكة (نعبد) بالنون وإسكان الدال.
- وقرأ زيد بن على ويحيى بن وثاب وعبيد بن عمير الليثي (نعبد) بكسر النون, وهي لغة هذي.
- وروي كردم عن نافع والأهوازي عن ورش, وورش عن نافع (نعبدو) بإشباع الضمة حتى تصير واواً, وهي رواية أحمد بن صالح عن ورش.
وأنكر مكي هذه القراءة, ومنعها لشذوذها وقلة رواتها.
_ وقراءة الجمهور (نعبد) بالنون المفتوحة.
{وإياك}
_ قرأ عمرو بن فائد الإسواري (وإياك) بتخفيف الياء.
- وقال الرازي (وقد جاء فيه وياك) وذكره العكبري بواو مكسورة (وياك)
- قال أبو حيان: (أبدل الهمزة واواً, فلا أدري أذلك عن الفراء أم عن العرب...
- وقرأ الفضل الرقاشي (وأياك) بفتح الهمزة وتشديد الياء وهي لغة, ورواها سفيان الثوري عن علي أيضاً.
[معجم القراءات: 1/15]
وعن أبي عمرو في رواية عبد الله بن داود الخريبي إمالة الألف
(وإياك)، ووجه ذلك الكسرة من قبل.
وتقدمت قراءة «هياك» عن أبي السوار الغنوي.
{نستعين}
- قرأ الجمهور (نستعين)، بفتح النون، وهي لغة الحجاز، وهي
الفصحى
- وقرأ عبيد بن عمير الليثي وزر بن حبيش ويحيى بن وثاب، والنخعي والمطوعي والأعمش نستعين بكسر النون في أوله، وهي لغة تميم وقيس وأسد وربيعة ولغة هذيل، وبعض قریش
- وقرأ علي بن أبي طالب (نستعينو) بإشباع الضمة، وقد روي هذا عن ورش أيضاً
- وقال الفراء: كان أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف والشطوي وأبو جعفر يقفون بروم الحركة على المرفوع في مثل (نستعین).
- وفيه أيضا في الوقف المد، والتوسط، والقصر مع السكون، والقصر مع الإشمام، والروم مع القصر). [معجم القراءات: 1/16]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 06:16 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

القراءات في قول الله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}

قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}
قال أبو بكر أحمد بن موسى ابن مجاهد التميمي البغدادي (ت: 324هـ): (2 - وَاخْتلفُوا فِي قَوْله {الصِّرَاط} فِي السِّين وَالصَّاد وَالزَّاي والإشمام
فَقَرَأَ ابْن كثير (السراط) بِالسِّين فِي كل الْقُرْآن فِي رِوَايَة القواس وَعبيد بن عقيل عَن شبْل
وروى البزي وَعبد الْوَهَّاب بن فليح عَن أصحابهما عَن ابْن كثير بالصَّاد فِي كل الْقُرْآن
وروى عبيد بن عقيل عَن أبي عَمْرو أَنه كَانَ يقْرَأ (السراط) بِالسِّين
وروى هرون الْأَعْوَر عَن أبي عَمْرو أَنه كَانَ رُبمَا قَرَأَ بِالسِّين وَرُبمَا قَرَأَ بالصَّاد
وروى الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو أَنه قَرَأَ (الزراط) بالزاي خَالِصَة وروى اليزيدي وَعبد الْوَارِث بالصَّاد عَنهُ فِي جَمِيع الْقُرْآن
وروى عُرْيَان بن أبي سُفْيَان عَن أبي عَمْرو أَنه كَانَ يقْرَأ بَين الصَّاد وَالزَّاي مثل حَمْزَة
الْبَاقُونَ {الصِّرَاط} بالصَّاد غير أَن حَمْزَة كَانَ يشم الصَّاد فيلفظ بهَا بَين الصَّاد وَالزَّاي وَلَا يضبطها الْكتاب
وَقَالَ الْكسَائي عَن حَمْزَة إِنَّه كَانَ يفعل ذَلِك بالصَّاد الساكنة خَاصَّة وَلَا يَفْعَله بالمتحركة كَانَ يقْرَأ (الزراط) بالزاي وَيقْرَأ {صِرَاط الَّذين} بالصَّاد
وَكَانَ سليم يحْكى ذَلِك فِي الساكنة والمتحركة
قَالَ خلف وَكَذَلِكَ إِذا سكنت وَأَتَتْ بعْدهَا دَال مثل {قصد السَّبِيل} النَّحْل 9 و{يصدر الرعاء} الْقَصَص 23 و{يصدفون} الْأَنْعَام 46 و{المصيطرون} الطّور 37 و{بمصيطر} الغاشية 22
وَكَانَ الْفراء يحْكى عَن حَمْزَة (الزراط) بالزاي خَالِصَة ويحكى ذَلِك فِي الصَّاد الساكنة فَقَط فَإِذا تحركت لم يقلبها زايا
حَدثنِي حسن الْجمال قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عِيسَى الْأَصْبَهَانِيّ
قَالَ حَدثنَا خَلاد قَالَ لم يقْرَأ سليم {الصِّرَاط} إِلَّا بالصَّاد إِلَّا أَن سليما كَانَ يقْرَأ فِي الصَّلَاة بشبه الزَّاي فِي هَذِه وَحدهَا وَلم يكن يشم الصَّاد الزَّاي فِي الْقُرْآن كُله غَيرهَا ويصفى الصَّاد فِي الْقُرْآن كُله
وَكَانَ الْكسَائي يُتَابع حَمْزَة فِي {قصد} و{يصدر الرعاء} وَمَا كَانَ مثل ذَلِك
وحَدثني مُحَمَّد بن يحيى الْكسَائي عَن خلف قَالَ سَمِعت الْكسَائي يَقُول السِّين فِي {الصِّرَاط} أَسِير فِي كَلَام الْعَرَب وَلَكِنِّي أَقرَأ بالصَّاد أتبع الْكتاب الْكتاب بالصَّاد
وَأما الْبَاقُونَ فكلهم يصفى الصَّاد فِي ذَلِك كُله
وَاخْتلف عَن الْكسَائي فِي {المصيطرون} و{بمصيطر} وَسَتَأْتِي فِي موَاضعهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَالسِّين الأَصْل وَالْكتاب بالصَّاد وَإِنَّمَا كتبت بالصَّاد ليقربوها من الطَّاء لِأَن الطَّاء لَهَا تصعد فِي الحنك وَهِي مطبقة وَالسِّين مهموسة وَهِي من حُرُوف الصفير فثقل عَلَيْهِم أَن يعْمل اللِّسَان منخفضا ومستعليا فِي كلمة وَاحِدَة فقلبوا السِّين إِلَى الصَّاد لِأَنَّهَا مؤاخية للطاء فِي الإطباق ومناسبة للسين فِي الصفير ليعْمَل اللِّسَان فيهمَا متصعدا فِي الحنك عملا وَاحِدًا
وَأما إمالة الصَّاد إِلَى الزَّاي فَلِأَن الصَّاد وَإِن كَانَت من حُرُوف الإطباق فَهِيَ مهموسة والطاء مجهورة فقلبت الصَّاد إِلَى حرف مجهور مثلهَا مؤاخ للصاد بالصفير ليَكُون مجهورا كالطاء
وَكَذَلِكَ القَوْل فِي {قصد} و{يصدر} و{يصدفون} من نحا بهَا نَحْو الزَّاي فلعلة الهمس والجهر). [السبعة في القراءات: 105 - 107]
قال أبو بكر أحمد بن الحسين ابن مهران الأصبهاني (ت: 381هـ): ({الصراط} بإشمام الزاي، حمزة إلا العجلي، وبرواية خلاد، وابن سعدان يشم ههنا فقط.
[الغاية في القراءات العشر: 138]
النقاش يشم ما فيه الألف واللام. أبو حمدون عن الكسائي بإشمام السين، رويس بالسين). [الغاية في القراءات العشر: 139]
قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني (ت: 408هـ): ({الصراط} [6]: بإشمام الزاي حيث جاء عيسى، ونهشلي وحمزه غير العجلي وعلي وابن لاحق ورويم، والحلواني والبزاز عن خلاد، والدوري، طريق العلاف. بالوجهين الجعفي، وابن أبي حماد.
ويشم محمد بن بحرٍ،
[المنتهى: 2/542]
والضبي المعرفة. وافق خلاد من طريق الزريري في الأولة.
وروى ابن سلم طريق الجعفي: إذا حقق أشم،
[المنتهى: 2/543]
وإذا حدر أشم في «الحمد» فقط. بالزاي أبو حمدون، عن سليم .
بالسين ويس، وقنبل إلا ابن الصلت، والربعي، والهاشمي، بإشمام السين أبو حمدون، عن علي.
[المنتهى: 2/544]
بإشمامها إذا سكنت وبعدها دال هما، وخلف إلا الحلواني، عن خلاد، وابن لاحق، وافق رويس طريق النخاس في {يصدر} [القصص: 23، الزلزلة: 6] فيهما).[المنتهى: 2/542]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (قرأ قنبل (السراط) و(سراط الذين) بالسين حيث وقع، وقرأ خلف بين الصاد والزاي، وقرأ الباقون بالصاد). [التبصرة: 61] (م)
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444هـ): (خلف: {الصّراط} و:{صراط}، حيث وقعا: بإشمام الصّاد الزّاي.
وخلاد: بإشمامها الزّاي في قوله عز وجل: {الصّراط المستقيم} هنا خاصّة.
وقنبل: بالسّين حيث وقعا.
والباقون: بالصّاد). [التيسير في القراءات السبع: 126] (م)
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :( [وخلف عن حمزة]: الصّراط وصراط حيث وقعا بإشمام الصّاد [الزّاي] وخلاد بإشمامها الزّاي في قوله تعالى: {الصّراط المستقيم} [هنا] خاصّة، وقنبل ورويس: بالسّين حيث وقعا، والباقون بالصّاد). [تحبير التيسير: 186] (م)
قال أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي (ت: 465هـ): ( (الصِّرَاطَ) بالسين حيث وقع الْجَحْدَرِيّ، ومجاهد، والأعرج، وابن مُحَيْصِن، والقواس غير الربعي، وابْن الصَّلْتِ، والزَّيْنَبِيّ، وعبيد بن عقيل عن أَبِي عَمْرٍو، ورُوَيْس، وابْن قُرَّةَ عن يَعْقُوب، وأبو حمدون، وخلف عن الكسائي، وافقهم الْأَعْمَش إذا كان فيه الألف واللام وقال الشيخان أبو الفضل الْخُزَاعِيّ وأبو الحسين الْخَبَّازِيّ أبو حمدون عن علي بإشمام السين أبو حمدون عن سليمان، والأصمعي عن أَبِي عَمْرٍو، وابن أبي شريح،
[الكامل في القراءات العشر: 478]
والشيزري عن علي بإشمام الصاد زايا الشيزري عن خَلَّاد، والنهشلي طريق ابن أملي، وحَمْزَة غير العجلي، وأبي الحسن بن لاحق، ورويم، والحلواني البزاز عن خَلَّاد، والدُّورِيّ طريق العلاف، وعنبسة غير الْخَبَّازِيّ قال الْخُزَاعِيّ: ابن أبي حماد والجعفي بالوجهين، ويشم ابن يحيى، والضبي، وأَبُو عَمْرٍو غير العلاف بالمعرفة، وافق خَلَّاد عن طريق الزريري في (اهْدِنَا الصِّرَاطَ) فقط قال الْخُزَاعِيّ: قال ابن سلم طريق الجعفي إذا حقق أشم وإذا حدر أشم في الحمد فقط بإشمامها إذا سكنت وبعدها دال مثل (قَصْدُ)، (وَتَصْدِيَة)، و(يُصْدِر) الأخوان وخلف غير الحلواني عن خَلَّاد وابن لاحق.
قال أبو الحسين: غير العجلي وابن العلاف، وافقه ابن مهران في العجلي وكذلك الرَّازِيّ وافق رويم في (يُصْدِر) فيهما قال الرَّازِيّ: حيث وقع، قال العراقي: خلف في اختياره بالصاد وهو خطأ والاختيار الصاد بحرف الإطباق غير نصب، الخليل وسليمان بن إسماعيل عن ابْن كَثِيرٍ وابن أبي عبلة، وأبو حيوة، والاختيار الكسر كالباقين، لأنه بدل أو نعت). [الكامل في القراءات العشر: 479]
قال أحمد بن علي بن خلف ابن الباذش الأنصاري (ت: 540هـ): ([6، 7]- {الصِّرَاطَ}، و{صِرَاطَ} حيث وقعا، بالسين: قنبل.
بإشمامه الزاي: خلف، وافقه خلاد في {الصِّرَاطَ} فقط.
وكذلك قال الضبي عن أصحابه). [الإقناع: 2/595] (م)
قال القاسم بن فيرُّه بن خلف الشاطبي (ت: 590هـ): (108 - .... .... .... .... = وَعَنْدَ سِرَاطِ وَالسِّرَاطَ لِ قُنْبُلاَ
109 - بِحَيْثُ أَتَى وَالصَّادُ زَاياً أشِمَّهَا = لَدَى خَلَفٍ وَاشْمِمْ لِخَلاَّدِ الاَوَّلاَ). [الشاطبية: 9] (م)
- قال علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت: 643هـ): (وقوله: لـ (قنبلا)، أي اتبعه ، من : ولي هذا هذا، إذا جاء بعده في الرتبة، وهو فعل أمر، و(قنبلا) مفعول.
والصراط، أصله السين؛ لأنه من الاستراط ، وهو الابتلاع ، كأنه يبتلع سالكيه، وقيل له لقمٌ، من ذلك.
وأهل الحجاز يقولون: صراط بالصاد، قصدًا للمجانسة والمشاكلة؛ لأن السين لا تُجانس الطاء، والصاد تجانسها. أما الطاء فتجانسها في الإطباق والاستعلاء. وأما السين فتجانسها في الصفير والهمس والمخرج ، فعدلوا إليها هذا التوسط.
ومن أشم الصاد زايًا، بالغ في طلب المشاكلة؛ لأنها تزيد على الصاد بالجهر الموافق للطاء). [فتح الوصيد: 2/217] (م)
- قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ): ( [108] ومالك يوم الدين راويه ناصرٌ = وعند سراطٍ والسراط لقنبلا
[109] بحيث أتى والصاد زايًا أشمها = لدى خلفٍ واشمم لخلاد الاولا
ب: (ل): ارمٌ من الولاء، بمعنى: أتبع، (الإشمام): من (أشممته الطيب): إذا أوصلت إليه شيئًا يسيرًا مما يتعلق به، وهو الرائحة، والإشمام عندهم على أربعة أنواع:
[1]- خلط الحرف بالحرف، كما في {الصراط} [الفاتحة: 6]، و {بمصيطر} [الغاشية: 22].
[2] وخلط الحركة بالحركة، كما في {غيض} [هود: 44]، و{قيل} [البقرة: 11].
[3] وخلط الإسكان بالتحريك كما في {تأمنا} [يوسف: 11].
[4] وضم الشفتين بعد سكون الحرف، وسيأتيك في باب الوقف.
[كنز المعاني: 1/351]
ح: (مالك): مبتدأ، (راويه): مبتدأ ثانٍ، (ناصرٌ): خبره، والجملة: خبر المبتدأ الأول، و (قنبلا): مفعول (ل)، (بحيث أتى): ظرف الأمر، والباء: زائدة، و(الصاد زايًا أشمها) من باب الإضمار على شريطة التفسير، والمختار نصب (الصاد)- لوقوع الأمر بعده على المفعول الأول، و(زايًا): مفعول ثانٍ، أي: أشمم الصاد زايًا، و(الأولا): صفة موصوف محذوف، أي: الصراط الأول، وهمزة (أشمم) حذفت مع أنها همزة قطع للضرورة.
ص: أي: لفظ {ملك يوم الدين} [3] يقرأه بالمد الكسائي وعاصم المرموزان بالراء والنون، وغيرهما بحذف المد، وهذا مما استغنى باللفظ عن القيد، فلم يقل: ومالك بالمد.
وأتبع قنبلًا في لفظ {صراط} [7]، و {الصراط} [6] باللام أو مجردًا عنها حيث وقع في القرآن، أي: اقرأهما على مذهب قنبل بصريح السين، وهذا أيضًا مما اكتفى باللفظ عن القيد.
وأشمم الصاد زايًا في {صراط} [7]، و {الصراط} [6] حيث وقع
[كنز المعاني: 1/352]
عند خلف عن حمزة، وأشمم الصاد زايًا في {الصراط} الذي وقع أولًا في القرآن وهو: {اهدنا الصراط المستقيم} [6] لخلاد عنه، والباقون: بالصاد الصريح في كل القرآن.
أما التصريح بالسين: فلأنها الأصل؛ لأن السراط من الاستراط، وهو الابتلاع، سمي الطريق به لأنه يبتلع السابلة. وأما الصاد: فلكراهة الخروج من السين وهو حرف مهموس مستفل إلى الطاء وهو حرف مجهور مستعلٍ-، فطلبوا التجانس بقلب السين صادًا لاشتراكهما في الصفير والهمس والمخرج، واشتراك الصاد والطاء في الإطباق والاستعلاء.
وأما إشمام الزاي: فللمبالغة في طلب التجانس لزيادة الزاي على الصاد بالجهر.
والحاصل: أن قنبلًا عن ابن كثير قرأ في كل القرآن {صراط} [7]، و{الصراط} [6] بالسين الصريح، وخلفًا عن حمزة بإشمام الصاد زايًا في كل القرآن، وخلادًا عنه بالإشمام في {الصراط المستقيم} [6] فقط، وفيما عداه بالصاد الصريح، والباقون وهم: نافع والبزيّ وأبو عمرو وابن عامر
[كنز المعاني: 1/353]
وعاصم والكسائي- بالصاد الصريح في كل القرآن). [كنز المعاني: 1/354] (م)
- قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): (ثم قال: وعند سراط،.. والسراط أي مجردا عن لام التعريف ومتصلا بها، ثم المجرد عن اللام قد يكون نكرة نحو: {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}، {أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا}.
وقد تكون معرفة بالإضافة نحو: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي}، {صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}، {صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا}.
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/240]
فلهذا لم أقل إرادة المنكر والمعرف ومثله، وكسر بيوت والبيوت، ونقل قران والقران بخلاف قوله: في لؤلؤ في العرف والنكر شعبة، فإنه لم يأت مجردا عن اللام إلا وهو نكرة ولو اقتصر على لفظ النكرة في الكل لحصل الغرض فإن لام التعريف زائدة على الكلمة كما قال: ووالاه في بئر وفي بئس ورشهم، والحكم عام في كل ما في القرآن من لفظ بئس مجردا من الراء والفاء واللام، وفي وبئس بالواو وفي فبئس بالفاء وفي لبئس باللام وإنما نبه على ما فيه لام التعريف دون المضاف لاتحاد لفظ اللام وتعدد المضاف إليه ولو أنه قال سراط بسين قنبل كيف أقبلا وبالصاد باقيهم وزايا أشمها البيت لتم له المقصود والله أعلم.
ثم هذا أيضا مما استغني فيه باللفظ عن القيد فكأنه قال بالسين، واعتمد على صورة الكتابة فلم يخف التباسا إذ يقرأ بالصاد، "وقنبلا" منصوب؛ لأنه مفعول به لقوله: "لِ" وهذه اللام المنفردة هي فعل أمر من قوله ولي هذا هذا يليه إذا جاء بعده، أي: اتبعْ قنبلا عند هاتين اللفظتين فاقرأ قراءته فيهما بالسين في جميع القرآن وقد بين ذلك بقوله رحمه الله:
109-
بِحَيْثُ أَتَى وَالصَّادُ زَاياً أشِمَّهَا،.. لَدَى خَلَفٍ وَاشْمِمْ لِخَلاَّدِ الَاوَّلا
أي بحيث أتى المذكور، وهذا لفظ يفيد العموم كقوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}.
والباء في "بحيث" زائدة ولو لم يقل بحيث
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/241]
أتى لاقتصر الحكم على ما في الفاتحة وهكذا كل موضع يطلق فيه اللفظ يكون مخصوصا بتلك السورة كقوله: وخفف كوف يكذبون سبيل برفع خذ، وفي "شركاي" الخلف فإن كان الخلاف مطردا في موضعين قال: معا، وإن كان في أكثر قال: جميعا أو كلا أو حيث جاء ونحو ذلك، ولم يخرج عن هذا إلا حروف يسيرة كالتوراة وكأين في آل عمران وقراءة الباقين بالصاد وهي أقوى القراءات لاتفاق الرسم عليها وأفصحها لغة وعلم أن قراءة الباقين بالصاد من قوله والصاد زايا أشمها كأنه قال: والباقون بالصاد وأشمها زايا خلف، ويجوز في قوله: الصاد النصب والرفع والنصب هو المختار لأجل الأمر وغلط من قال هنا الرفع أجود، وأصل كلمة السراط السين والصاد بدل منها لأجل قوة الطاء ومن أشمها زايا بالغ في المناسبة بينهما وبين الطاء، وروي عن بعضهم إبدالها زايًا خالصة والمعنى بهذا الإشمام خلط صوت الصاد بصوت الزاي فيمتزجان فيتولد منهما حرف ليس بصاد ولا زاي.
والإشمام في عرف القراء يطلق باعتبارات أربعة، أحدها خلط حرف بحرف كما في الصراط وما يأتي في أصدق ومصيطر، والثاني خلط حركة بأخرى كما يأتي في قيل وغيض وأشباههما، والثالث إخفاء الحركة فيكون بين الإسكان والتحريك كما يأتي في:
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/242]
{تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ}.
على ظاهر عبارة صاحب التيسير، والرابع ضم الشفتين بعد سكون الحرف، وهو الذي يأتي في باب الوقف وفي باب وقف حمزة وهشام وآخر باب الإدغام على ما سنبين ذلك ونوضح ما فيه من الإشكالات إن شاء الله، وقوله: لدى خلف أي عنده ومعنى عنده أي في مذهبه وقراءته، ووصل همزة القطع من قوله: وأشمم لخلاد ضرورة كما صرف براءة فيما تقدم وأصله من قولهم أشممته الطيب أي أوصلت إليه شيئا يسيرا مما يتعلق به وهو الرائحة، والأول مفعول "واشمم"، ونقل الحركة من همزة أول إلى لام التعريف فتحركت، فإن لم يعتد بالحركة كان حذف التنوين من قوله لخلاد؛ لالتقاء الساكنين تقديرا، وإن اعتد بها فحذف التنوين ضرورة، وسيأتي تحقيق هذين الوجهين في مسألة: "عادا الأولى" والمراد بالأول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}؛ أي أشمه وحده خلاد دون ما بقي في الفاتحة وفي جميع القرآن، وهذه إحدى الروايات عنه وقلَّ من ذكرها.
وروي أنه يوافق خلفا في حرفي الفاتحة معا دون سائر القرآن.
وروي أنه يشم ما كان بالألف واللام فقط في الفاتحة وغيرها. والرواية
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/243]
الرابعة أنه يقرأ بالصاد خالصة كسائر القراء في الفاتحة وغيرها.
قال أبو الطيب بن غلبون: المشهور عن خلاد بالصاد في جميع القرآن قال: وهذه الرواية هي المعول عليها وبها أخذ في فاتحة الكتاب وغيرها.
وفي الشرح الكبير تعليل هذه الروايات وبسط القول في ذلك والله أعلم). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/244] (م)
- قال عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي (ت: 1403هـ): (108 - ومالك يوم الدّين راويه ناصر ... وعند سراط والسّراط ل قنبلا
109 - بحيث أتى والصّاد زاء أشمّها ... لدى خلف واشمم لخلّاد الاوّلا
...
واللام في لقنبلا للأمر، أي اتبع قنبلا في قراءة لفظ صِراطَ* والصِّراطَ* بالسين حيث وقع في القرآن الكريم سواء كان منكرا نحو وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أم معرفا باللام نحو: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أم بالإضافة نحو صِراطَ الَّذِينَ وَأَنَّ هذا صِراطِي صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ وهذا مما استغنى فيه باللفظ عن القيد أيضا حيث لم يقل بالسين. ثم أمر بإشمام الصاد صوت الزاي لخلف في هذا اللفظ حيث وقع في القرآن الكريم سواء كان منكرا، أم معرفا باللام، أو بالإضافة كالأمثلة المذكورة. وأخيرا أمر بإشمام الصاد صوت الزاي لخلاد في الموضع الأول
[الوافي في شرح الشاطبية: 50]
فقط وهو اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ فتكون قراءته في بقية المواضع بالصاد الخالصة وقرأ
الباقون بالصاد الخالصة في جميع المواضع من القرآن الكريم.
وكيفية الإشمام هنا: أن تخلط لفظ الصاد بلفظ الزاي وتمزج أحد الحرفين بالآخر فيتولد منها حرف ليس بصاد ولا بزاي ولكن يكون صوت الصاد متغلبا على صوت الزاي، وقصارى القول أن تنطلق بالصاد كما ينطلق العوام بالظاء). [الوافي في شرح الشاطبية: 50] (م)
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (10- .... .... .... .... .... = .... .... وَالصِرَاطَ فَأَسْجِلَا
11 - وَبِالسِّيْنِ طِبْ .... .... .... = .... .... .... .... ........). [الدرة المضية: 16]
- قال محمد بن الحسن بن محمد المنير السمنودي (ت: 1199هـ):(ثم قال: والصراط فأسجلا أي قرأ مرموز(فا) فأسجلا وهو خلف (الصراط) بالصاد حيث وقع منكرًا ومعرفًا خلافًا لأصله وهذا من جملة قوله: كذلك تعريفًا وأشار إليه بقوله أسجلا أي أطلقا ثم شرع في تتمة المسألة فقال:
ص - وبالسين (ط) واكسر عليهم إليهم = لديهم (فـ)ـتى والضم في الهاء (حـ)ـلا-
[شرح الدرة المضيئة: 39]
عن الياء إن تسكن سوى الفرد واضمهم إن = تزل (طـ)ـاب إلا من يولهم (فـ)ـلا-
ش - أي روى مرموز (طا) طب وهو رويس (صراط) بالسين حيث وقع). [شرح الدرة المضيئة: 40]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (وروى الأصمعيّ عن
[النشر في القراءات العشر: 1/48]
أبي عمرٍو، (الزّراط) بالزّاي الخالصة وجاء أيضًا عن حمزة ووجه ذلك أنّ حروف الصّفير يبدل بعضها من بعضٍ، وهي موافقةٌ للرّسم كموافقة قراءة السّين). [النشر في القراءات العشر: 1/49]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (روى رويس، وابن مجاهد عن قنبل {الصراط} و {صراط} حيث أتى بالسين، والباقون بالصاد.
وأشم خلف عن حمزة الصاد زايًا في جميع القرآن، واختلف عن خلاد:
[تقريب النشر في القراءات العشر: 215]
ففي الشاطبية والتيسير: والإشمام في الحرف الأول من الفاتحة فقط، وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
وفي العنوان والمجتبى: إشمام موضعي الفاتحة فقط، وهو في المستنير عن ابن البختري عن الوزان، وطريق ابن حامد عن الصواف عن الوزان عنه، وهو في الروضة.
وعند جمهور العراقيين: الإشمام في المعرف باللام فقط حيث أتى، وهو طريق بكار عن الوزان عنه.
وفي التبصرة، والكافي، والهداية، والتذكرة عدم الإشمام مطلقًا، وهو طريق ابن الهيثم، والطلحي عنه.
وانفرد ابن عبيد عن الصواف عن الوزان عنه بالإشمام مطلقًا في جميع القرآن،
[تقريب النشر في القراءات العشر: 216]
كرواية خلف). [تقريب النشر في القراءات العشر: 217] (م)
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (112- .... .... .... .... السّراط مع = سراط زن خلفًا غلا كيف وقع
113 - والصّاد كالزّاي ضفا الأوّل قف = وفيه والثّاني وذي اللاّم اختلف
114 - وباب أصدق شفا والخلف غر = يصدر غث شفا المصيطرون ضر
[طيبة النشر: 38]
115 - ق الخلف مع مصيطرٍ والسّين لي = وفيهما الخلف زكيٌّ عن ملي). [طيبة النشر: 39] (م)
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (قوله: (السراط الخ البيت) يعني قرأ الصراط وصراط كيف وقع في القرآن بالسين كما لفظ به قنبل بخلاف عنه، ورويس بلا خلاف، والباقون بالصاد لقوله: والصاد كالزاي: أي وخلف يشم الصاد مجاورة الطاء، ووجه إشمام الصاد أنه مزج بها حرفا يجانس الطاء في الجهر، وقرئ أيضا بالزاي الخالصة والكل لغات العرب قوله: (نل ظلا) أي أصب ظلا، نقل هذه القراءة المشهورة يريد الحض عليها والحث على الأخذ بها، وقوله زن من الزينة، وقوله غلا: أي ارتفع وعلا، يشير إلى أن الخلف مرتفع عزيز عن قنبل، وذلك أن أكثر المؤلفين لم يذكروا عنه سوى السين، والناظم زاد الصاد عنه قوله: (كيف وقع) يعني منكرا أو معرّفا، منونا أو غير منوّن باللام أو بغيرها كما وقع في هذه السورة
[شرح طيبة النشر لابن الجزري: 49]
وكقوله: وأن هذا صراطي مستقيما، وصراط الله، وهذا صراط علي.
والصّاد كالزّاي (ض) فا الأوّل (ق) ف = وفيه والثّاني وذي اللّام اختلف
أي والصاد التي قرأ بها الباقون في الصراط، وصراط كيف وقع جعلها كالزاي يعني أشمها الزاي: أي خلطها بها خلف عن حمزة، وأما خلاد فقد اختلف عنه، فروى عنه بعضهم الإشمام في الأول من الفاتحة فقط، وروى بعضهم الإشمام في الأول، والثاني من الفاتحة أيضا فحسب، وروى بعضهم المعرف باللام فقط، وروى بعضهم عدم الإشمام مطلقا وهذه الأربعة المذكورة تخرج من قوله: وفيه والثاني الخ قوله: (ضفا) أي كثر ونما وطال، يشير إلى كثرة مجيء الصاد مشمة في هذا اللفظ وغيره، وأنه لغة للعرب فاشية قوله: (قف) يجوز أن يكون بضم القاف على أنه أمر من قاف أثرهم يقوفه إذا أتبعه: أي أتبع هذه القراءة فإنها مأثورة، ويجوز أن يكون بفتح القاف فيكون فاؤه مشددة خففت للوقف فيكون إشارة إلى قوتها. لأن القاف اليابس القوي يبسه قوله: (فيه) أي في الأول والثاني: أي مع الثاني فيكون الإشمام له فيهما، وفي اللام: أي المحلى بلام التعريف حيث وقع في الفاتحة وغيرها اختلف: أي اختلف الرواة عن خلاد في ذلك كله من الإشمام وعدمه، فلا يكون له إشمام في شيء من ذلك، أو يكون الإشمام فيها وهذا واضح فليتأمل.
وباب أصدق (شفا) والخلف غ) ر = يصدر (غ) ث (شفا) المصيطرون (ض) ر
لما ذكر الإشمام في الصاد في الصراط وبابه استطرد ما وقع فيه الخلاف في الإشمام، فقال: وباب أصدق، يعني بالباب الصنف: أي ما وقع فيه الصاد الساكنة وبعده دال مثل أصدق وتصديق؛ وجملته اثنا عشر صادا: اثنان في النساء، وثلاثة في الأنعام؛ وسبعة في سبع سور: الأنفال ويونس ويوسف والحجر والنحل والقصص وإذا زلزلت، فقرأها بالإشمام حمزة والكسائي وخلف ورويس بخلاف عنه، والباقون بالصاد الخالصة؛ ووجه الإشمام كما تقدم في الصراط، فإن الدال حرف مجهور كالطاء قوله: (شفا) أي أبرأ وصحح: يعني أنه
[شرح طيبة النشر لابن الجزري: 50]
في القوة بهذه المثابة، وقوله غر: من الغرور: وهو الخطر، كأنه يقول طريق الصدق سلامة وخلافه خطر، وقوله: يصدر: يعني أن كلمة يصدر من جملة الباب المذكور، ووقعت في القصص وإذا زلزلت أشم الصاد فيهما حمزة والكسائي وخلف ورويس بلا خلاف وأعاد رمز شفا لئلا يتوهم أنه لرويس وحده، وقوله: غث، من الغيث، الذي هو نفع البلاد: أي ينفع نفعا شفا الغليل فيه، يقال غاث الله البلاد قوله: (المصيطرون) يعني قوله تعالى: أم هم المصيطرون فيا لطور قرأه بالإشمام أيضا خلف عن حمزة وخلاد بخلاف عنه كما سيأتي في البيت الآتي، وقوله: ضر، من الضرر: وهو ضد النفع، يشير إلى معنى المصيطرون وهم الجبارون المسلطون: أي هم ذوو ضرر.
(ق) ي الخلف مع مصيطر والسّين (ل) ي = وفيهما الخلف (ز) كيّ (ع) ن (مع) لي
ق من الوقاية: وهو الحفظ والصيانة والأمر ق حرف واحد ولكنه كتب بالياء على الأصل للبيان قوله: (مع مصيطر) يعني قوله تعالى: لست عليهم بمصيطر في الغاشية: يعني أن خلفا عن حمزة وخلادا بخلاف عنه على الإشمام كما تقدم في المصيطرون قوله: (والسين لي) أي ورواهما بالسين هشام، واختلف فيهما عن قنبل وحفص وابن ذكوان، فرواه بعضهم بالسين وبعضهم بالصاد كما ذكر في النشر فيكون في كل منهما ثلاث قراءات الإشمام لحمزة بخلاف عن خلاد والسين لهشام بلا خلاف، ولقنبل وحفص وابن ذكوان في أحد وجهيهم والصاد لهم في الوجه الآخر، وللباقين وجه كما تقدم في صراط، قوله: (زكى) أي زاك: ومعناه تام ممدوح، وقوله: عن ملي: أي ثقة قادر من الملاءة: يعني الخلاف فيهما مع صحّته ورد عن ثقة قائم به). [شرح طيبة النشر لابن الجزري: 51] (م)
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): (ص:
مالك (ن) ـل (ظ) ـلّا (روى) السّراط مع = سراط (ز) ن خلفا (غ) لا كيف وقع
ش: (مالك) مفعول (قرأ) مقدرا، وفاعله (نل)، و(ظلا) مفعول معه، والواو مقدرة. و(روى) معطوف عليه لمحذوف، و(السراط) مفعول (قرأ) أيضا وفاعله (زن)، و(مع سراط) محله نصب على الحال، و(خلفا) إما مصدر فعل محذوف باق على حاله، أي: اختلف عنه خلفا، أو بمعنى مفعول؛ كقولهم: [درهم] ضرب الأمير، ومحله على هذا نصب على الحال، و(غلا) حذف عاطفه على (زن)، و(كيف) محلها نصب على الحال من فاعل (وقع)، وضابط (كيف) أنها إن صحبت جملة فهي في محل نصب على الحال، أو مفردا فهي في محل رفع على الخبر.
أي: قرأ ذو نون (نل) عاصم وظاء (ظلّا) يعقوب، ومدلول (روى) الكسائي، وخلف مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4] بوزن «فاعل»، وقرأ الباقون بلا ألف.
فإن قلت: [من أين] يفهم قراءة المذكورين قيل: من لفظه؛ لدخوله في قاعدته التي نبه عليها بقوله: «وبلفظ أغنى عن قيده عند اتضاح المعنى»، أي: صحة الوزن.
قلت: لا؛ لأن الوزن أيضا صحيح مع القصر، غايته أنه دخله الخبل. والله أعلم.
فإن قلت: هب أن اللفظ [يكتفى به للمذكورين]، بأن يقال: قرأ المذكورون بهذا اللفظ، فمن أين تعلم قراءة المتروكين؟ فإنه يصح أن يقال: قرأ المذكورون [بمد
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/303]
«مالك»، فيكون ضده القصر للمتروكين، ويصح أن يقال: قرأ المذكورون] بتقديم الألف على اللام، وهو كذلك فيكون ضده التأخير؛ فلم يتعين قيد يؤخذ للمتروكين ضده؛ لأن تقدير المد يزاحمه [تقدير] الألف.
قلت: إنما ترك التقييد تعويلا على القرينة؛ لأن هذا اللفظ لم يقع في القرآن في قراءة صحيحة إلا محصورا في (مالك) بالمد و(ملك) بالقصر، وكلاهما مجمع عليه في موضعه، واختلفوا في هذا هنا، فلما مضى للمذكورين على [المد] علم أن الباقين لمجمع العقد، أو علمنا المد [من متفق المد]، فأخذنا لهم ضده، وهو القصر.
وقرأ ذو غين (غلا) رويس (سراط) كيف وقع، سواء كان معرفة أو نكرة، بالسين، فيحتمل أن يريد بقوله: (السراط) المقترن باللام، فيدخل في قوله: (مع سراط) المجرد منها مطلقا، سواء كان نكرة؛ نحو: سراط مستقيم [البقرة: 142]، أو معرفا بالإضافة؛ نحو: سراط الذين [الفاتحة: 7]، وسراط ربك [الأنعام: 126]، وسراطي [الأنعام: 153]، ويحتمل أن يريد بـ (السراط) مطلق المعرفة؛ فيدخل في الثاني المنكر خاصة.
واختلف عن ذيزاي (زن) قنبل في ذلك؛ فروى عنه ابن مجاهد السين، وابن شنبوذ الصاد.
فإن قلت: من أين يعلم أنهما قرآ بالسين؟
قلت: من تعين المزاحمين بعد.
فإن قلت: هل يفهم من قوله: (وبلفظ أغنى عن قيده)؟
قلت: لا؛ لأنه قال: (عند اتضاح المعنى) ومراده [به] أن ينكشف لفظ القراءة بألا يتزن البيت إلا بها، والوزن هنا يصح بالوجهين.
فإن قلت: كان يكفيه (سراط)؛ كقوله: (وبيس بير جد).
قلت: الفرق أن الأصول تعم بخلاف الفرش.
مقدمة:
قاعدة الكتاب أن الكلمة ذات النظير إن ذكرت في الأصول وعم الخلاف جميع مواقعها، فقرينة كلية الأصول تغني عن صيغة العموم؛ كقوله: (وبيس بير جد)، وإن لم
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/304]
يعم الخلاف بل خص بعضا دون بعض قيد محل القراءة، نحو: [نأى الإسرا صف]، وإن ذكرت في الفرش وخصها الخلاف ذكرها مطلقة لقرينة الخصوص، وإن كان النظير بسورتها لزم الترتيب نحو: (يعملون دم)، وإن عم الخلاف بعض النظائر نص عليه نحو:
(يغفر مدا أنث هناكم وظرب عم في الأعراف )، أو كل النظائر أتى بلفظ يعم، فإن كان واقعا في موضعين خاصة قال: (معا) نحو: (وقدره حرك معا) أو (كلا) نحو: (وكلا دفع دفاع) [وقد يصرح بهما نحو:
... ... ... ... ... [ظعن] ونحشر يا نقول ظنّة
ومعه حفص في سبا يكن (رضا)] ... ... ... ...
وإن كان في أكثر قال: (جميعا) [أو (كلا) نحو: يترك كلا خف حق].
وجه مد مالِكِ أنه اسم، قال: من ملك ملكا بالكسر، ويرجح بأن الله هو المالك الحقيقي، وبأن إضافته عامة؛ إذ يقال: «مالك الجن والإنس والطير»، و(ملك) يضاف لغير المملوك، فيقال: «ملك العرب والعجم»، وبأن زيادة البناء دليل على زيادة المعنى، وبأن ثواب تاليها أكثر.
ثم إن فسر بالمتصرف فهو من صفات الأفعال، أو القادر فمن صفات الذات ومفعوله محذوف، أي: مالك الجزاء أو القضاء، وأضيف للظرف توسعا، ويجوز أن يكون على ظاهره بلا تقدير. ونسبة الملك إلى الزمان في حق الله- تعالى- مستقيمة، ويؤيده قراءة ملك [بفعل ماض]، فإنه حينئذ مفعول به، ويوافق الرسم تقديرا؛ لأن المحذوف تحقيقا كالموجود.
ووجه القصر: أنه صفة مشبهة من ملك ملكا [بالضم]، ولا حذف؛ للزوم الصفة المشبهة، ويرجح بأنه تعالى ملك الملوك، وهي تدل على الثبوت، ف «ملك» أبلغ؛ لاندراج [المالك في الملك].
وقال أبو حاتم: «مالك» أبلغ [في مدح الخالق]، وملك أبلغ في مدح المخلوق، والفرق بينهما: أن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك، وإذا كان الله- تعالى- ملكا
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/305]
كان مالكا. واختاره ابن العربي، وبأنه- تعالى- تمدح بقوله: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران: 26] و«ملك» مأخوذ منه، ولم يتمدح بمالك الملك (بكسر الميم)، وبأنه أشرف لاستعماله مفردا، وهو موافق للرسم تحقيقا.
تنبيه:
ما تقدم من أن «مالك» من «ملك» بالكسر هو المعروف.
وقال الأخفش: (يقال: «ملك من الملك»، بضم الميم، و«مالك» من «الملك» بفتح الميم وكسرها، وروى ضمها أيضا بهذا [المعنى]، وروي عن العرب «لي في هذا الوادي ملك» بتثليث الميم، والمعروف الفرق: فالمفتوح بمعنى الشد والربط، والمضموم بمعنى القهر والتسليط على من يتأتّى منه الطاعة، ويكون باستحقاق [وغيره]، والمكسور بمعنى التسلط على من يتأتى منه [الطاعة] ومن لا يتأتى منه، ولا يكون إلا باستحقاق؛ فيكون بين المكسور والمضموم [عموم وخصوص من وجه]، والله أعلم.
ص:
والصّاد كالزّاي (ض) فا الأول (ق) ف = وفيه والثاني وذي اللّام اختلف
ش: (والصاد كالزاي) اسمية، و(ضفا) محله النصب بنزع الخافض، و(الأول) مبتدأ وخبره: [كذلك]، مقدر، و(قف) محله [أيضا] نصب، (وفيه) يتعلق بـ (اختلف)، (والثاني) عطف على الهاء من (فيه) على الصحيح من أن المعطوف على ضمير خفض [لا يحتاج لإعادة الخافض]، (وذي اللام) كذلك.
أي: قرأ الصاد من صِراطَ والصِّراطَ كيف وقع كالزاي، بالإشمام بين الصاد والزاي: ذو ضاد (ضفا) خلف عن حمزة، واختلف عن ذي قاف (قف) خلاد على
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/306]
أربعة أوجه:
فقطع له بإشمام الأول من الفاتحة خاصة الشاطبي والداني [في «التيسير»]، وبه قرأ على فارس.
وبإشمام حرفي الفاتحة صاحب «العنوان» والطرسوسي من طريق ابن شاذان عنه، وصاحب «المستنير» من طريق ابن البختري [، وبه قطع الأهوازي] عن الوزان أيضا، وهي طريق ابن حامد عن الصواف.
وبإشمام المعرف بأل خاصة هنا وفي جميع القرآن جمهور العراقيين، وهي طريق [ابن] بكار عن الوزان، وبه قرأ صاحب «التجريد» على الفارسي والمالكي، وهو الذي في «روضة» أبي علي البنداري، وطريق ابن مهران عن ابن أبي عمر عن الصواف عن الوزان، وهي رواية الدوري عن سليم عن حمزة.
وقطع له بعدم الإشمام في الجميع صاحب «التبصرة» و«التلخيص» و«الهداية» و«التذكرة» وجمهور المغاربة، وبه قرأ الداني على أبي الحسن، وهي طريق أبي الهيثم والطلحي، ورواية الحلواني عن خلاد.
والباقون بالصاد الخالصة في جميع المواضع؛ لأن إشمام الصاد ضده ترك الإشمام، وهو للمتروكين؛ فتعين لم ذكر أولا السين.
تنبيه:
معنى الإشمام هنا: خلط لفظ الصاد بالزاي، ويعرف بأنه: مزج الحرف بآخر.
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/307]
ويعبر عنه بصاد بين بين، وبصاد كزاي، وقد استعمل الإشمام [أيضا] في فصل قِيلَ [هود: 44] وغِيضَ [هود: 44]، وفي الوقف، وفي تَأْمَنَّا [يوسف: 11] [فهذه أربعة مواضع وقع ذكر الإشمام فيها. وقوله: (وفي الوقف)؛ أي: باب الوقف، وفي باب وقف حمزة وهشام] وكل منها يغاير غيره، وسيأتي التنبيه على كلّ في محله.
وجه السين: أنه الأصل؛ لأنه مشتق من السرط، وهو الابتلاع؛ إما لأنه يبتلع المارة به، أو المار به يبتلعه كما قالوا: «قتل أرضا عالمها، وقتلت أرض جاهلها»، وهذه لغة عامة العرب، وهو يوافق الرسم تقديرا، وإنما رسم صادا؛ ليدل على البدل فلا تناقضه السين.
ووجه الصاد: قلب السين صادا مناسبة للطاء بالاستعلاء والإطباق والتفخيم مع الراء؛ استثقالا للانتقال من سفل إلى علو.
ووجه الإشمام: ضم الجهر إلى المناسبات، وهي لغة قيس.
فائدة لغوية:
كل كلمة وجد فيها بعد السين حرف من أربعة جاز قلب السين صادا، وهي الطاء؛ نحو: الصِّراطَ [الفاتحة: 6] والخاء والغين المعجمتان؛ نحو: سخره ووَ أَسْبَغَ [لقمان: 20]، والقاف؛ نحو: سَقَرَ [القمر: 48]، وهذه الأربعة لم تقع في القرآن إلا على الأصل بالسين، والقلب في كلام العرب.
تنبيه:
الطرق الأربعة واضحة من كلام المصنف؛ لأن قوله: (الأول قف) إشارة إلى الأولى.
وقوله: (واختلف فيه مع الثاني) تفيد الخلاف فيه على انفراده وحال انضمامه للثاني، وهو الطريق الثانية.
وقوله: (واختلف في ذي اللام) إشارة للثالث، ويفهم من حكاية الخلف في الجميع
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/308]
الرابع.
ص:
وباب أصدق (شفا) والخلف (غ) ر = يصدر (غ) ث (شفا) المصيطرون (ض) ر
ش: (باب أصدق) قراءة (شفا) كالزاي اسمية، (والخلف كائن عن غر) كذلك، و(يصدر) إما مبتدأ [خبره] أشمه (غث)، أو مفعول لـ «أشم»، و(شفا) عطف على (غث)، و(المصيطرون ضر) كذلك فيهما، ولا محل للجمل كلها.
أي قرأ مدلول (شفا) (حمزة والكسائي وخلف) في اختياره باب «أصدق» كله بإشمام الصاد زاء، وهو كل صاد ساكنة بعدها دال، ك تَصْدِيقَ [يوسف: 111]، ويَصْدِفُونَ [الأنعام: 46] وفَاصْدَعْ [الحجر: 94] ويَصْدُرُ [الزلزلة: 6] واختلف عن ذي غين (غر) رويس في الباب كله:
فروى عنه النخاس والجوهري: إشمام الكل، وبه قطع ابن مهران.
وروى أبو الطيب وابن مقسم الصاد الخالصة، وبه قطع الهذلي، واتفقوا عنه على إشمام يُصْدِرَ الرِّعاءُ [القصص: 23] ويَصْدُرُ النَّاسُ [الزلزلة: 6] [ولهذا] قال:
(يصدر غث شفا) أي: أشمها لهؤلاء.
فإن قلت: إعادة (شفا) تكرار؛ لدخوله في باب (أصدق).
قلت: بل واجب الذكر؛ لرفع توهم انفراد رويس بها.
ثم كمل فقال:
ص:
(ق) الخلف مع مصيطر والسّين (ل) ى = وفيهما الخلف (ز) كى (ع) ن (م) لى
ش: (ق) مبتدأ (والخلف) ثان، وخبره محذوف، أي: كائن عنه، في (المصيطرون) والجملة خبر الأول، و(مع مصيطر) حال، (والسين فيهما [كائن] عن لى ) اسمية، و(زكى) مبتدأ، و(عن وملى) معطوفان عليه، و(فيهما) خبر، و(الخلف) فاعل الظرف تقديره: ذو زكى وعن وملى استقر الخلف في الكلمتين عنهم.
أي: قرأ ذو ضاد (ضر) خلف في البيت المتلو بلا خلاف عنه: الْمُصَيْطِرُونَ [الطور: 37]، وبِمُصَيْطِرٍ بالغاشية [22] بالإشمام.
واختلف عن ذي قاف (ق) خلاد: فروى [عنه] جمهور المشارقة والمغاربة
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/309]
الإشمام، وهو الذي لم يوجد نص بخلافه، وأثبت له الخلاف [فيهما] صاحب «التيسير» من قراءته على أبي الفتح، وتبعه الشاطبي، وروى عنه الصاد الحلواني، ومحمد بن سعيد البزار [كلاهما عن خلاد]، وقرأهما بالسين ذو لام (لى) هشام، واختلف فيهما عن ذي زاي (زكى) وعين (عن) وميم (ملى) قنبل وحفص وابن ذكوان.
فأما قنبل: فرواهما عنه بالصاد ابن شنبوذ من «المبهج»، وكذا نص الداني في «جامعه»، وبالسين ابن مجاهد، وابن شنبوذ [من] «المستنير»، ونص على السين في الْمُصَيْطِرُونَ والصاد في بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية: 22] جمهور العراقيين [والمغاربة]، وهو الذي في «الشاطبية» [و «التيسير»].
وأما ابن ذكوان فرواهما عنه بالسين ابن مهران من طريق الفارسي عن النقاش، وهي رواية ابن الأخرم وغيره عن الأخفش بالصاد وابن سوار، ورواه الجمهور عن النقاش، وهو الذي في «الشاطبية» و«التيسير».
وأما حفص فنص له على الصاد فيهما ابن مهران وابن غلبون وصاحب «العنوان»، وهو الذي في «التبصرة» و«الكافي» و«التلخيص»، وهو الذي عند الجمهور له، وذكره الداني في «جامعه» عن الأشناني عن عبيد، وبه قرأ على أبي الحسن، ورواهما بالسين زرعان عن عمرو، [وهو نص الهذلي عن الأشناني] عن عبيد، وحكاه الداني في «جامعه» عن أبي طاهر عن الأشناني، وكذا رواه ابن شاهي عن عمرو، وروى آخرون [عنه]: المسيطرون [الطور: 37] بالسين وبِمُصَيْطِرٍ [الغاشية: 22] بالصاد، وكذا هو في «المبهج» و«الإرشاد» و«غاية أبي العلاء».
وبه قرأ الداني على أبي الفتح، وقطع بالخلاف له في الْمُصَيْطِرُونَ وبالصاد في بِمُصَيْطِرٍ في «التيسير» و«الشاطبية».
والحاصل من هذه الطرق: أن لكل من قنبل وحفص ثلاث طرق، ولابن ذكوان طريقان.
ووجه كل منهما يفهم مما تقدم). [شرح طيبة النشر للنويري: 1/310] (م)

قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (واختلف في "الصراط، وصراط" [الآية: 6، 7] فقنبل من طريق ابن مجاهد وكذا رويس بالسين حيث وقعا على الأصل؛ لأنه مشتق من السرط وهو البلع وهي لغة عامة العرب وافقهما ابن محيصن فيهما والشنبوذي فيما تجرد عن اللام.
وقرأ: خلف عن حمزة بإشمام الصاد الزاي في كل القرآن ومعناه، مزج لفظ الصاد بالزاي وافقه المطوعي.
واختلف: عن خلاد على أربع طرق الأولى الإشمام في الأول من الفاتحة فقط الثانية الإشمام في حرف الفاتحة فقط الثالثة الإشمام في المعرف باللام خاصة هنا، وفي جميع القرآن الرابعة عدم الإشمام في الجميع والأربعة مستفادة من قول الطيبة الأول أي: بالإشمام قف، وفيه والثاني وذي اللام اختلف، والباقون بالصاد كابن شنبوذ وباقي الرواة من قنبل وهي لغة قريش.
وعن: الحسن "اهدنا صراطا مستقيما" [الآية: 6] بالنصب والتنوين فيهما من غير أل). [إتحاف فضلاء البشر: 1/365] (م)
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (واتفقوا أيضا على كتابة الصراط بالصاد معرفا ومنكرا بأي إعراب كان، للدلالة على البدل؛ لأن السين هو الأصل كما تقدم، وكذا ويبصط بالبقرة فخرج يبسط الرزق فإنه بالسين، وكذا كتبوا بالصاد "أم هم المصيطرون" بالطور و"بمصيطر" بالغاشية). [إتحاف فضلاء البشر: 1/369] (م)
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {الصراط} [6] و{صراط} [7] قرأهما قنبل حيث وقعا بالسين، وخلف بإشمام الصاد الزاي، وخلاد مثله في الأول خاصة، وفي هذه السورة فقط، والباقون بالصاد، ولا خلاف في تفخيم رائه لوقوع حرف الاستعلاء بعدها). [غيث النفع: 324] (م)
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ( {اهدنا الصراط المستقيم (6)}
{أهدنا}
- قرأ ابن مسعود (أرشدنا).
- وقرأ ثابت البناني (بصرنا)
- وقراءة الجماعة (اهدنا) من الهداية.
{الصراط}
- قرأ قنبل ورويس وابن كثير ويعقوب وابن محيصن وابن مجاهد عن قنبل من طريق ابن حمدون، وأبو حمدون والكسائي والقواس وعبيد بن عقيل عن شبل، وعن أبي عمرو (السراط) بالسين.
- وقرأ «الصراط» بالصاد، الجمهور، ومنهم ابن كثير فيما رواه البزي وعبد الوهاب بن فليح عن أصحابهما عنه، وهي قراءة نافع وأبي عمرو وابن عامر وعاصم والكسائي وأبي جعفر وشيبة وقتادة.
- وقرأ (الزراط بالزاي): حمزة وأبو عمرو والكسائي في رواية ابن ذكوان عنه وعن عاصم في رواية مجالد بن سعيد عنه بالزاي.
[معجم القراءات: 1/17]
الخالصة، وهي رواية الأصمعي عن أبي عمرو، وهي رواية عن حمزة، وهي لغة بني عذرة وبني كلب وبني القين، وهم يقولون في (أصدق) أزدق، وروى هذا لغة الأصمعي عن أبي عمرو.
- وقرأ بإشمام الصاد زاياً حمزة من طريق خلف، وفيه تفصيل عن رواته، وخلاد والمطوعي، ورواه عن حمزة الدوري فيما كان فيه ألف ولام فقط، وهي قراءة أبي عمرو وهارون الأعور والعريان عن أبي سفيان، وخلف.
- قال أبو علي": ژوي عن أبي عمرو السين، والصاد، والمضارعة بين الزاي والصاد، رواه عنه العريان بن أبي سفيان وهارون الأعور.
- قال بعض اللغويين: (ماحكاه الأصمعي في هذه القراءة خطأ منه، إنما سمع أبا عمرو يقرأها بالمضارعة فتوهمها زايا، ولم يكن الأصمعي نحويا فيؤمن على هذا، وحكى هذا الكلام أبو علي عن أبي بكر بن مجاهد) وقال الأصبهاني
[معجم القراءات: 1/18]
- قرأ حمزة «الصراط» بإشمام الزاي في كل القرآن في جميع الروايات عنه إلا رواية عبد الله بن صالح العجلي فإنه بالصاد في
كل القرآن، ورواية خلاد وابن سعدان جميعاً عن سليم فإنه يشم الصاد الزاي في أم الكتاب
- وقال أبو جعفر الطوسي": الصاد لغة قريش وهي اللغة الجيدة، وعامة العرب يجعلونها سيناً، والزاي لغة لعذرة وكلب وبني القين.
- وقال أبو بكر بن مجاهد": وهذه القراءة - يشير إلى قراءة من قرأ بين الزاي والصاد - تكلف حرف بين حرفين، وذلك صعب على اللسان، وليس بحرف يبنى عليه الكلام، ولا هو من حروف المعجم، ولست أدفع أنه من كلام فصحاء العرب، إلا أن الصاد فيه أفصح وأوسع.
- وقرأ أبو حمدون عن حمزة بإشمام الصاد السين (الصراط)
{الصراط المستقيم}
- قرأ زيد بن علي والضحاك ونصر بن علي عن الحسن (اهدنا صراط مستقيما) بالتنوين من غير لام التعريف
- وقرأ جعفر الصادق (صراط مستقيم) بالإضافة). [معجم القراءات: 1/19]

قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}
قال أبو بكر أحمد بن موسى ابن مجاهد التميمي البغدادي (ت: 324هـ): (3 - وَاخْتلفُوا فِي قَوْله {عَلَيْهِم}
فَقَرَأَ {عَلَيْهِم} بِضَم الْهَاء حَمْزَة وَكَذَلِكَ {إِلَيْهِم} و{لديهم}
هَذِه الثَّلَاثَة الأحرف بِالضَّمِّ وَإِسْكَان الْمِيم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عَلَيْهِم} وَأَخَوَاتهَا بِكَسْر الْهَاء). [السبعة في القراءات: 108]
قال أبو بكر أحمد بن موسى ابن مجاهد التميمي البغدادي (ت: 324هـ): (وَاخْتلفُوا فِي قَوْله {غير المغضوب عَلَيْهِم}
قَرَأَ {غير المغضوب عَلَيْهِم} بخفض الرَّاء نَافِع وَعَاصِم وَأَبُو عمر وَابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ.
وَاخْتلفُوا عَن ابْن كثير فَحَدثني أَبُو حَمْزَة الأنسي أنس بن خَالِد بن عبد الله بن أبي طَلْحَة بن مُوسَى بن أنس بن مَالك قَالَ حَدثنَا نصر بن عَليّ قَالَ خبرنَا بكار بن عبد الله بن يحيى العوذي عَن الْخَلِيل بن أَحْمد قَالَ (سَمِعت عبد الله بن كثير الْمَكِّيّ أَنه كَانَ يقْرَأ {غير المغضوب عَلَيْهِم} ) وَقَالَ الْخَلِيل: (وَهِي جَائِزَة على وَجه الصّفة للَّذين أنعم الله عَلَيْهِم يَعْنِي بِالصّفةِ الْقطع من ذكر الَّذين)
- وَيجوز أَن يكون نصب غير على الْحَال.
- وَقد قَالَ الْأَخْفَش نصب غير على الِاسْتِثْنَاء وَهَذَا غلط.
- وروى غَيره عَن ابْن كثير الْكسر مثل قِرَاءَة الْعَامَّة.
- وَمن كسر غير فَلِأَنَّهُ نعت للَّذين.
- وَيجوز على التكرير {صِرَاط} {غير المغضوب عَلَيْهِم}.
قَالَ أَبُو بكر: استطلت ذكر الْعِلَل بعد هَذِه السُّورَة وكرهت أَن يثقل الْكتاب فَأَمْسَكت عَن ذَلِك وأخبرت بِالْقِرَاءَةِ مُجَرّدَة). [السبعة في القراءات:111 - 112]
قال أبو بكر أحمد بن الحسين ابن مهران الأصبهاني (ت: 381هـ): ( (عليهم، وإليهم، ولديهم) يضم الهاء حمزة، يعقوب يضم كل هاء قبلها ياء ساكنة. زاد رويس وإن سقطت الياء لعلة إلا قوله:
{ومن يولهم} وكسر الهاء {من بين أيديهم ومن خلفهم}.
[الغاية في القراءات العشر: 140]
وافقه روح وزيد في {أيديهن وأرجلهن} سهل يضم إذا انفتح ما قبل الياء ويكسر إذا انكسر.
ضم كل ميم الجمع حجازي، ورش يضم مع ألف القطع، ونافع يخير.
ويضم قتيبة ونصير عند رؤوس الآي، وألف القطع إذا لم ينكسر ما قبله، وزاد نصير عند الميم، وقال: إذا خفت الكلمة ولم تطل
[الغاية في القراءات العشر: 141]
فإذا ثقلت أو طالت لم يضم، فإذا تلقته ألف وصل ضم الهاء والميم حمزة والكسائي وخلف، وكسرهما أبو عمرو، وكذلك يعقوب وسهل إذا انكسر ما قبله كسر الهاء، وضم الميم الآخرون). [الغاية في القراءات العشر: 142]
قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني (ت: 408هـ): ({عليهم} [7]، وأختاها بضم الهاء حمزة. ويضم سلام، ويعقوب كل هاء قبلها ياء ساكنة في الجمع، والتثنية.
[المنتهى: 2/545]
وزاد رويس، والمنهال وإن حذفت الياء لعلة إلا قوله: {ومن يولهم} [الأنفال: 16]
[المنتهى: 2/546]
وافق سهل إذا انفتح ما قبل الياء.
يضم ميمات الجمع مكي، ويزيد طريق الفضل، وعنه الإسكان، يعني عن أبي جعفر ويخير نافع، وروى الحلواني أن الضم والإسكان عند قالون فيها سواء، إلا أنه كان يميل إلى رفعها.
بضمها عند ألف القطع العمري، وورش، وأبو عون طريق الواسطي.
[المنتهى: 2/547]
زاد أبو عون عند أختها، ورؤوس الآي إذا عري من الحائل، وبه قرأت عن أحمد بن صالح، عن قالون، وافق عيسى عند رؤوس الآي.
برفعها إذا انضم ما قبلها عند الهمزة المقطوعة والفاصلة نصير،
[المنتهى: 2/548]
وقتيبة، وابن وردة، إذا لم تكن الفاصلة اسمًا عند قتيبة خاصة نحو {ألم يأتكم نذير} [المائدة: 8]، {هم والغاوون} [الشعراء: 94]، {جمعناكم والأولين} [المرسلات: 38]، زاد نصير، وبشر، وابن وردة عند أختها، وقال نصير إذا خفت الكلمة ولم تطل، فإذا ثقلت، أو طالت لم يضم.
[المنتهى: 2/549]
قال أبو الفضل: وقصده في الحقة هو خمسة أحرف غير الواو، أو ما دونها، والله أعلم.
فإذا لقي الميم ساكن كسر أبو عمرو وأبو عبيد الميم والهاء، وافق سلام، ويعقوب، وسهل إذا انكسر ما قبل الهاء.
بضمها حمصي، وهما، وخلف. وافق ابن ذكوان طريق عبدالرزاق، والداجوني، عن ابن موسى في {يومهم الذي} به في الذاريات [60]، {إلى أهلهم انقلبوا} في المطففين [31]، الباقون بضم الميم وحدها). [المنتهى: 2/550]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (قرأ قنبل (السراط) و(سراط الذين) بالسين حيث وقع، وقرأ خلف بين الصاد والزاي، وقرأ الباقون بالصاد). [التبصرة: 61] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (وقرأ حمزة (عليهُم وإليهُم ولديهُم) هذه الثلاثة حيث وقعت بضم الهاء في وصله ووقفه، وكسرها الباقون.
قرأ حمزة والكسائي في كل هاء وميم الجمع أتى بعدهما ساكن وقبل الهاء ياء
[التبصرة: 61]
ساكنة أو كسرة بضم الهاء والميم، وقرأ أبو عمرو بسكرهما في الوصل خاصة، وقرأ الباقون بكسر الهاء وضم الميم، وذلك نحو (عليهم الذلة) [البقرة: 61] و(عن قبلتهم التي) [البقرة: 142]؛ ولا اختلاف في كسر الهاء في الوقف لجميعهم إلا ما ذكرنا عن حمزة في الثلاثة الأحرف، فإنه يقف كما يصل حيث وقت.
ولا خلاف في عليهما وعليهن). [التبصرة: 62]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (واختلف المتعقبون من القراء من هذا الفصل في وقف حمزة على (نبئهم وأنبئهم) وبدله من الهمزة ياء فذهبت طائفة إلى أن الهاء تبقى على ضمتها لأن الياء ليست بلازمة، وقال قوم: بل تكسر من أجل الياء، وهو مذهب الشيخ أبي الطيب، والأول أحسن لكون الياء عارضة في الوقف). [التبصرة: 62]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (واختلفوا في ميم الجمع إذا لم يأت بعدها ساكن نحو: (منكم وعليكم وأنتم) فكان ابن كثير يصل الميم بواو حيث وقعت، وخير قالون في إسكانها وصلتها بواو، وكذلك روى الحلواني وأبو نشيط عنه أنه خير فلا تبالي في أي رواية قرأت بالضم، واختار ابن مجاهد الإسكان، والاختيار عند القراء ضم الميمات كلها للحلواني، وإسكانها كلها لأبي نشيط، وقرأ الباقون بالإسكان غير أن ورشًا وصلها بواو إذا لقيها همزة بأي حركة كانت نحو (ومنهم أميون) [البقرة: 78]، و(عليهم ءآنذرتهم) [البقرة: 6] (وينفعهم إيمانهم) [المؤمن: 85] وأسكن ما عدا ذلك، فإن وقع بعد ميم الجمع ساكن فكلهم ضموا الميم إلا ما ذكرنا عن أبي عمرو في الأصل المتقدم.
وأما قوله تعالى: (فبهداهم اقتده) و(لا تعلمونهم الله يعلمهم) فلا خلاف في ضم الميم فيه لأن الهاء ليس قبلها ياء ساكنة ولا كسرة). [التبصرة: 62]
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444هـ): (خلف: {الصّراط} و:{صراط}، حيث وقعا: بإشمام الصّاد الزّاي.
وخلاد: بإشمامها الزّاي في قوله عز وجل: {الصّراط المستقيم} هنا خاصّة.
وقنبل: بالسّين حيث وقعا.
والباقون: بالصّاد). [التيسير في القراءات السبع: 126] (م)
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444هـ): (حمزة: {عليهم}، و:{إليهم} و:{لديهم}: بضم الهاء. والباقون بكسرها.
ابن كثير، وقالون بخلاف عنه: يضمان الميم الّتي للجمع، ويصلانها بواو، مع الهمزة وغيرها، نحو قوله تعالى: (عليهمو ءأنذرتهمو ام لم تنذرهمو) وشبهه.
وورش: يضمها، ويصلها مع الهمزة فقط.
والباقون يسكنونها.
[التيسير في القراءات السبع: 126]
حمزة، والكسائيّ: يضمان الهاء والميم، إذا كان قبل الهاء كسرة أو ياء ساكنة، وأتى بعد الميم ألف وصل، نحو: {عليهم الذلة} و:{من دونهم امرأتين} و:{بهم الأسباب} وشبهه. وذلك في حال الوصل.
فإن وقفا على الميم كسرا الهاء وسكنا الميم.
وحمزة: على أصله في الكلم الثّلاث المتقدّمة، يضم الهاء منهنّ على كل حال.
وأبو عمرو: يكسر الهاء والميم في ذلك كله، في حال الوصل أيضا.
والباقون: يكسرون الهاء، ويضمون الميم فيه.
ولا خلاف بين الجماعة أن الميم في جميع ما تقدم ساكنة في الوقف. فاعلم ذلك، وبالله التوفيق). [التيسير في القراءات السبع: 127] (م)
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :( [وخلف عن حمزة]: الصّراط وصراط حيث وقعا بإشمام الصّاد [الزّاي] وخلاد بإشمامها الزّاي في قوله تعالى: {الصّراط المستقيم} [هنا] خاصّة، وقنبل ورويس: بالسّين حيث وقعا، والباقون بالصّاد). [تحبير التيسير: 186] (م)
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :(حمزة عليهم وإليهم ولديهم بضم الهاء قلت: وافقه يعقوب في ذلك وزاد ضم كل هاء ضمير جمع أو تثنية وقعت بعد ياء ساكنة نحو: عليهما [وعليهم]
[تحبير التيسير: 186]
وعليهن وفيهم [وفيهما] وفيهن ويزكيهم ويهديهم ومثليهم حيث وقع، زاد رويس فضم ما سقطت منه الياء لجزم أو أمر نحو: (أو لم تأتهم، وقهم السّيّئات، يغنهم اللّه) إلّا قوله [تعالى] : {ومن يولهم يومئذٍ} في (سورة) الأنفال فقط فإنّه لا خلاف في كسر الهاء منه والله الموفق. والباقون بكسرها مطلقًا. ابن كثير وأبو جعفر وقالون بخلاف عنه يضمون [الميم] الّتي للجمع [ويصلونها] بواو مع الهمزة وغيرها [نحو] : {عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} وشبهه. قلت: وبالإسكان قرأ المؤلف لقالون على أبي الحسن وبالصلة على أبي الفتح والله الموفق. وورش يضمها [ويصلها] مع الهمزة فقط، والباقون يسكنونها. حمزة والكسائيّ وخلف يضمون الهاء والميم إذا كان قبل الهاء كسرة أو ياء ساكنة وأتى بعد الميم ألف وصل نحو: (عليهم الذلة وإليهم اثنين وعن قبلتهم الّتي وبهم الأسباب ويريهم اللّه) وشبهه وذلك في حال الوصل، فإن وقفوا على الميم كسروا الهاء وسكنوا الميم. وحمزة على أصله في الكلم الثّلاث المتقدّمة يضم الهاء منهنّ على كل حال.
[تحبير التيسير: 187]
قلت: وكذلك يعقوب ورويس على أصلهما المتقدّم والله الموفق.
وأبو عمرو يكسر الهاء والميم في ذلك كله في حال الوصل أيضا. قلت: وافقه يعقوب فيما لم يكن قبل الهاء [ياء] [ساكنة] نحو: (قبلهم الّتي وبهم الأسباب). والله الموفق.
والباقون يكسرون الهاء ويضمون الميم فيه ولا خلاف بين الجماعة أن الميم في جميع ما تقدم ساكنة في الوقف فاعلم ذلك [وباللّه التّوفيق] ). [تحبير التيسير: 188] (م)
قال أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي (ت: 465هـ): ( (الَّذِينَ)، (عَليهِم) وأخواتها ذكرت قبل هذا). [الكامل في القراءات العشر: 479]
قال أحمد بن علي بن خلف ابن الباذش الأنصاري (ت: 540هـ): ([6، 7]- {الصِّرَاطَ}، و{صِرَاطَ} حيث وقعا، بالسين: قنبل.
بإشمامه الزاي: خلف، وافقه خلاد في {الصِّرَاطَ} فقط.
وكذلك قال الضبي عن أصحابه). [الإقناع: 2/595] (م)
قال أحمد بن علي بن خلف ابن الباذش الأنصاري (ت: 540هـ): ([7]- {عَلَيْهِمْ}، و{إِلَيْهِمْ}، و{لَدَيْهِمْ} بضم الهاء: حمزة.
وبضم ميم الجميع مع الهمزة وغيرها: ابن كثير وقالون بخلاف عن أبي نشيط. بضمها مع الهمزة فقط: ورش.
[الإقناع: 2/595]
الباقون بإسكانها.
وإذا لقي الميم ساكن نحو {عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ} [البقرة: 61]، و{بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: 166] كسر أبو عمرو الهاء والميم في الوصل، وضمهما فيه حمزة والكسائي. فإن وقفا كسرا الهاء، إلا أن تكون من إحدى الكلم الثلاث، فحمزة يضم الهاء فيهن في الوقف أيضا، الباقون بضم الميم وحدها، والوقف للكل على الميم ساكنة من غير إشارة). [الإقناع: 2/596]
قال القاسم بن فيرُّه بن خلف الشاطبي (ت: 590هـ): (108 - .... .... .... .... = وَعَنْدَ سِرَاطِ وَالسِّرَاطَ لِ قُنْبُلاَ
109 - بِحَيْثُ أَتَى وَالصَّادُ زَاياً أشِمَّهَا = لَدَى خَلَفٍ وَاشْمِمْ لِخَلاَّدِ الاَوَّلاَ). [الشاطبية: 9] (م)
قال القاسم بن فيرُّه بن خلف الشاطبي (ت: 590هـ): (110 - عَلَيْهِمْ إِلَيْهِمْ حَمْزَةٌ وَلَدَيْهِموُ = جَمِيعاً بِضَمِّ الْهاءِ وَقْفاً وَمَوْصِلاَ
111 - وَصِلْ ضَمَّ مِيمِ الْجَمْعِ قَبْلَ مُحَرَّكٍ = دِرَاكاً وَقاَلُونٌ بِتَخْيِيرِهِ جَلاَ
[الشاطبية: 9]
112 - وَمِنْ قَبْلِ هَمْزِ الْقَطْعِ صِلْهَا لِوَرْشِهِمْ = وَأَسْكَنَهاَ الْبَاقُونَ بَعْدُ لِتَكْمُلاَ
113 - وَمِنْ دُونِ وَصْلٍ وضُمَّهَا قَبْلَ سَاكِنٍ = لِكُلٍ وَبَعْدَ الْهَاءِ كَسْرُ فَتَى الْعَلاَ
114 - مَعَ الْكَسْرِ قَبْلَ الْهَا أَوِ الْيَاءِ سَاكِناً = وَفي الْوَصْلِ كَسْرُ الْهَاءِ بالضَّمَّ شَمْلَلاَ
115 - كَمَا بِهِمُ الْأَسْبَابُ ثُمَّ عَلَيْهِمُ الْـ = ـقِتَالُ وَقِفْ لِلْكُلِّ بِالْكَسْرِ مُكْمِلاَ). [الشاطبية: 10]
- قال علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت: 643هـ): (وقوله: لـ (قنبلا)، أي اتبعه ، من : ولي هذا هذا، إذا جاء بعده في الرتبة، وهو فعل أمر، و(قنبلا) مفعول.
والصراط، أصله السين؛ لأنه من الاستراط ، وهو الابتلاع ، كأنه يبتلع سالكيه، وقيل له لقمٌ، من ذلك.
وأهل الحجاز يقولون: صراط بالصاد، قصدًا للمجانسة والمشاكلة؛ لأن السين لا تُجانس الطاء، والصاد تجانسها. أما الطاء فتجانسها في الإطباق والاستعلاء. وأما السين فتجانسها في الصفير والهمس والمخرج ، فعدلوا إليها هذا التوسط.
ومن أشم الصاد زايًا، بالغ في طلب المشاكلة؛ لأنها تزيد على الصاد بالجهر الموافق للطاء).[فتح الوصيد: 2/217] (م)
- قال علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت: 643هـ): ([110] عليهم إليهم (حمزة) ولديهمو = جميعًا بضم الهاء وقفًا وموصلا
ضم الهاء في هذه هو الأصل ؛ لأن الياء فيها منقلبة عن ألف.
والضم لغة قريش ومن والاهم ، واستوى الوقف والوصل لذلك، ولأن
[فتح الوصيد: 2/217]
الضم في : هُم ومنهُم وعنهُم، دليل على أنه الأصل، وإنما كسر الهاء من كسر، لمجاورة الياء أو الكسرة؛ لأن الهاء تُشابه الألف في الضعف والخفاء.
وكما كانت الألف تُمال لمجاورتهما، فكذلك الهاء التي شابهتها، تكسر لشبه الكسر بالإمالة، ولهذا أجمعوا على الضم في ما سوى ذلك.
[111] وصل ضم ميم الجمع قبل محركٍ = (د)راكًا (وقالونٌ) بتخييره جلا
(دراكًا): متابعة.
و(جلا): كشف؛ لأنه نبه بالتخيير على ثبوت القراءتين، والأصل في هذه الميم، الصلة، بدليل: {أنلزمكموها}.
ولأن الواو في (عليهمو)، كالألف في (عليهما)؛ لأن التثنية والجمع يجريان في الزيادة مجرى واحدًا.
فمن حذف فللإيجاز والخفة لكثرة ذلك في الكلام، ولأن ميم الجمع ناب مناب أسماء ظاهرة غائبةٍ وحاضرة.
ولما لم يكن في العربية اسمٌ في آخره واوٌ قبلها ضمةٌ، حذفها من حذفها لذلك، وأسكنت الميم مبالغةً في إزالة ما حذف، لأن بقاء الضمة دليل عليه؛ ولأنه يؤدي إلى ما يتحامونه في الكلام، من اجتماع خمس حركات نحو {رسلهم}: وشبهه.
[فتح الوصيد: 2/218]
[112] ومن قبل همز القطع صلها لـ (ورشهم) = وأسكنها الباقون بعد لتكملا
حجة من ضم الميم عند همز القطع، أن مذهبه نقل الحركة.
فكان يلزمه أن يحرك الميم بالفتح والكسر عند الهمزة المفتوحة والمكسورة، وذلك تحريكٌ لها بغير حركتها الأصلية.
فإذا لم يكن بُدٌّ من تحريكها، فبحركتها الأصلية أولى، فراجع الأصل فرارًا من ذلك.
وقوله: (لتكملا)، أي لتكمل وجوهها.
وليست هذه علة من أسكن، وإنما أشار إلى كمال وجوه القراءة .
[113] ومن دون وصلٍ ضمها قبل ساكن = لكل وبعد الهاء كسر (فتى العلا)
[114] مع الكسر قبل الها أو الياء ساكنًا = وفي الوصل كسر الهاء بالضم (شـ)مللا
[115] كما بهم الأسباب ثم عليهم ال = قتال وقف للكل بالكسر مكملا
فإن لقي الميم ساكنٌ، وقبل الميم هاءٌ وقبل الهاء كسرةٌ أو ياءٌ ساكنة، فمن كسر الهاء، كسرها لمجاورة ما يوجب الكسر، وقد تقدم. ومن كسر الميم كسرها إتباعا لها ولالتقاء الساكنين.
[فتح الوصيد: 2/219]
ومن ضم الميم دون الحاء، احتج بأن الضرورة دعت إلى مراجعة الأصل في الميم دون الهاء، وهي لغة أهل الحرمين؛ إذ كانت حركتها الأصلية بها أولى.
ومن ضمهما جميعًا، راجع الأصل فيهما.
و(شملل) : أسرع ؛ لأنه أخف وأسرع لفظًا.
فإن انعدم الشرط بعدم الهاء أو الكسر قبلها، أو الياء قبلها، وقع الإجماع على الضم فيهما أو في الميم، كقوله: {عليكم القتال}، و{منهم المؤمنون} الزوال موجب الكسر.
وقوله: (وقف للكل بالكسر)، يعني بكسر الهاء المكسور ما قبلها أو التي قبلها الياء؛ لأنك إذا وقفت، زال السبب الموجب لمراجعة الأصل، وهو التقاء الساكنين ، فلم تضم الميم، فانكسرت الهاء لما قبلها من الموجب للكسر؛ لأن الميم لما انضمت في حال الوصل ضمت الهاء في لغة من ضمها، ليكون عمل اللسان واحد؛ لأنهم رأوا أنهم لو كسروا الماء، لخرجوا من كسرها إلى ضم الميم، وذلك يثقل عليهم، ولم يكسروا الميم إتباعًا لها؛ لأن الضم أولى بها عند التقاء الساكنين، لأنه الأصل). [فتح الوصيد: 2/220] (م)
- قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ): ( [108] ومالك يوم الدين راويه ناصرٌ = وعند سراطٍ والسراط لقنبلا
[109] بحيث أتى والصاد زايًا أشمها = لدى خلفٍ واشمم لخلاد الاولا
ب: (ل): ارمٌ من الولاء، بمعنى: أتبع، (الإشمام): من (أشممته الطيب): إذا أوصلت إليه شيئًا يسيرًا مما يتعلق به، وهو الرائحة، والإشمام عندهم على أربعة أنواع:
[1]- خلط الحرف بالحرف، كما في {الصراط} [الفاتحة: 6]، و {بمصيطر} [الغاشية: 22].
[2] وخلط الحركة بالحركة، كما في {غيض} [هود: 44]، و{قيل} [البقرة: 11].
[3] وخلط الإسكان بالتحريك كما في {تأمنا} [يوسف: 11].
[4] وضم الشفتين بعد سكون الحرف، وسيأتيك في باب الوقف.
[كنز المعاني: 1/351]
ح: (مالك): مبتدأ، (راويه): مبتدأ ثانٍ، (ناصرٌ): خبره، والجملة: خبر المبتدأ الأول، و (قنبلا): مفعول (ل)، (بحيث أتى): ظرف الأمر، والباء: زائدة، و(الصاد زايًا أشمها) من باب الإضمار على شريطة التفسير، والمختار نصب (الصاد)- لوقوع الأمر بعده على المفعول الأول، و(زايًا): مفعول ثانٍ، أي: أشمم الصاد زايًا، و(الأولا): صفة موصوف محذوف، أي: الصراط الأول، وهمزة (أشمم) حذفت مع أنها همزة قطع للضرورة.
ص: أي: لفظ {ملك يوم الدين} [3] يقرأه بالمد الكسائي وعاصم المرموزان بالراء والنون، وغيرهما بحذف المد، وهذا مما استغنى باللفظ عن القيد، فلم يقل: ومالك بالمد.
وأتبع قنبلًا في لفظ {صراط} [7]، و {الصراط} [6] باللام أو مجردًا عنها حيث وقع في القرآن، أي: اقرأهما على مذهب قنبل بصريح السين، وهذا أيضًا مما اكتفى باللفظ عن القيد.
وأشمم الصاد زايًا في {صراط} [7]، و {الصراط} [6] حيث وقع
[كنز المعاني: 1/352]
عند خلف عن حمزة، وأشمم الصاد زايًا في {الصراط} الذي وقع أولًا في القرآن وهو: {اهدنا الصراط المستقيم} [6] لخلاد عنه، والباقون: بالصاد الصريح في كل القرآن.
أما التصريح بالسين: فلأنها الأصل؛ لأن السراط من الاستراط، وهو الابتلاع، سمي الطريق به لأنه يبتلع السابلة. وأما الصاد: فلكراهة الخروج من السين وهو حرف مهموس مستفل إلى الطاء وهو حرف مجهور مستعلٍ-، فطلبوا التجانس بقلب السين صادًا لاشتراكهما في الصفير والهمس والمخرج، واشتراك الصاد والطاء في الإطباق والاستعلاء.
وأما إشمام الزاي: فللمبالغة في طلب التجانس لزيادة الزاي على الصاد بالجهر.
والحاصل: أن قنبلًا عن ابن كثير قرأ في كل القرآن {صراط} [7]، و{الصراط} [6] بالسين الصريح، وخلفًا عن حمزة بإشمام الصاد زايًا في كل القرآن، وخلادًا عنه بالإشمام في {الصراط المستقيم} [6] فقط، وفيما عداه بالصاد الصريح، والباقون وهم: نافع والبزيّ وأبو عمرو وابن عامر
[كنز المعاني: 1/353]
وعاصم والكسائي- بالصاد الصريح في كل القرآن). [كنز المعاني: 1/354] (م)
- قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ): ( [110] عليهم إليهم حمزة ولديهم = جميعًا بضم الهاء وقفًا وموصلا
ب: (الموصل): الوصل.
ح: (عليهم إليهم .... لديهم): نصب على المفعول به، أي: يقرأهن حمزة، أو رفعٌ على الابتداء، والخبر: حمزةُ، أي: قراءته، (جميعًا): ظرف، أي: في كل القرآن، و(وقفًا وموصلًا): حالان عن (حمزة)، أي: ذا وقفٍ ووصلٍ.
ص: يعني: أن لفظ {عليهم} [6]، و{إليهم} [آل عمران: 77]، و {لديهم} [آل عمران: 44]، حيث وقعن في القرآن يقرأهن حمزة بضم الهاء سواء يصل أو يقف، والباقون: بالكسر.
أما الضم: فلأنه هو الأصل، كما تقول: (هم القوم)، وتخصيص الألفاظ الثلاثة دون غيرها نحو: {فيهم} [الكهف: 22]، و{أيديهم} [البقرة: 79] لانقلاب الياء عن الألف هنا، بدليل: (على زيدٍ) و(إلى عمروٍ)، و(لدى بكرٍ)، وبعد الألف لا يكون إلا مضمومًا نحو: {وقليلٌ ما هم} [ص:
[كنز المعاني: 1/354]
24]، فكذلك بعد المنقلب عنها، وأما الكسر: فمجاورة الياء.
[111] وصل ضم ميم الجمع قبل محركٍ = داركًا وقالونٌ بتخييره جلا
ب: (وصل الضم): إشباعه حتى يتولد منه واوٌ، و(داركًا): متابعة من (دارك الرجل صوته): إذا تابعه، (جلا): ظهر.
ح: (بتخييره): متعلق بـ (جلا)، والضمير: لـ (قالون)، أو للوصل الدال عليه (صل).
ص: أي: صل ضم ميم الجمع إذا كان ذلك الميم قبل حرفٍ متحرك في كل القرآن عن ابن كثير والمرموز له بالدال، نحو: {ومنهم أميون} [البقرة: 78]، و{عليهم ءأنذرتهم} [البقرة: 6]؛ لأن الواو في {منهم} كالألف في (منهما) تجري التثنية والجمع مجرًى واحدًا.
قوله: (قبل محرك) احترازٌ عم قبل ساكن، نحو: {إليهم اثنين} [يس: 14]، {عليهم الذلة} [البقرة: 61]؛ لأن زيادة الواو حينئذٍ مفضية إلى حذفها لالتقاء الساكنين وتعيُّن حرف المد للحذف.
[كنز المعاني: 1/355]
وقالون عن نافع يقول بالتخيير بين الوصل والقطع إشعارًا بجواز الوجهين.
[112] ومن قبل همز القطع صلها لورشهم = وأسكنها الباقون بعد لتكملا
ب: (همز القطع): ما يثبت في الدرج.
ح: ضمير (صلها) و (أسكنها): لميم الجمع، و(من قبل): ظرف (صلها)، و(من): للابتداء أو للبيان، و(بعدُ): متعلق بـ (الباقون)، أي: الباقون في ذكري بعد ذكرِ من وصل، وكذا: (لتكملا)، أي: أعلمتك بذلك لتكمل وجوه القراءة.
ص: أي: وصل ورش ميم الجمع الذي قبل همزة القطع، نحو: {عليهم ءأنذرتهم أم لم} [البقرة: 6]، {إنما معكم إنما نحن} [البقرة: 14]، للزومه نقل حركة الهمزة إليها إذا لم يصل، فيتحرك الميم بالحركات المختلفة،
[كنز المعاني: 1/356]
أو لاستعانته بالمد على النطق بالهمزة، أو للأخذ باللغتين.
والباقون من القراء أسكنوا ميم الجمع بعد حذف الواو.
أما الحذف: فللخفة، وأما الإسكان: فللمبالغة في التخفيف؛ لأن الضمة من جنس الواو.
[113] ومن دون وصلٍ ضُمها قبل ساكنٍ = لكل وبعد الهاء كسرُ فتى العلا
[114] مع الكسر قبل الها أو الياء ساكنًا = وفي الوصل كسر الهاء بالضم شمللا
ب: (شملل): أسرع.
ح: (ضُمَّها) بضم الضاد: فعل أمر، وبفتحها: مبتدأ، خبره: ما قبله أو ما بعده، والضمير: لميم الجمع، (كسرُ) مبتدأ، (بعد الهاء): خبره، و(مع الكسر): ظرف المبتدأ، و(ساكنًا): حال من الياء لجواز تذكيره وتأنيثه، فاعل (شمللا): ضمير يرجع إلى (كسر الهاء) جعل الكسر آتيًا بالضم، في عجلٍ على سبيل المجاز.
ص: أي ضُمَّ ميم الجمع بلا وصل إذا كان قبل حرفٍ ساكن نحو:
[كنز المعاني: 1/357]
{وأنتم الأعلون} [آل عمران: 39] من كل القراء، إلا أن أبا عمرو يكسرها بعد هاءٍ، وقعت بعد كسرةٍ أو ياءٍ ساكنة، نحو: {في قلوبهم العجل} [البقرة: 93]، و{إليهم اثنين} [يس: 14].
وحمزة والكسائي المرموزان بالشين، ضما كسر الهاء الواقع بعد الكسر أو الياء الساكن في الوصل دون الوقف.
أما ضم الميم: فلأنه لما احتيج إلى تحريكها لالتقاء الساكنين عُدل إلى أصل حركتها، وهو الضم، وإنما لم يجز الوصل؛ لأن الوصل وهو زيادة الواو قبل الساكن يفضي إلى حذفها لالتقاء الساكنين، وتعيُن حرف العلة للحذف.
وأما كسرها عند أبي عمرو: فلأنه لما كسر الهاء لإتباع ما قبلها كسر الميم لإتباع الهاء.
وأما ضم الهاء عند حمزة والكسائي: فلإتباع حركة الهاء حركة الميم، وقال: (في الوصل) لأنهما حالة الوقف يكسران الهاء، إذ لا إتباع حينئذٍ، ولا يخفى: أن حمزة في {عليهم} [6] و {لديهم} [آل
[كنز المعاني: 1/358]
عمران: 44] و{إليهم} [آل عمران: 77] يضم الهاء وقفًا ووصلًا.
[115] كما بهمُ الأسبابُ ثم عليهم الـ = قتال وقف للكل بالكسر مكملا
ح: (ما): زائدة، و (ثم): حرف العطف، (مكملًا): حال من ضمير (قف)، أي: مكملًا وجوه القراءة في ميم الجمع.
ص: أتى بمثال للهاء التي قبلها كسرة، وهو: {وتقطعت بهم الأسباب} في البقرة [166]، ومثال للهاء التي قبلها ياء ساكنة، وهو: {فلما كتب عليهم القتال} في النساء [77]، وهذا من باب اللف والنشر، أي: مع الكسر قبل الهاء نحو: {بهم الأسباب} [البقرة: 166]، ومع الياء الساكن ما قبلها كـ {عليهم القتال} [النساء: 77].
وقف لكل القراء على الميم بكسر الهاء لفوات الإتباع عند الوقف، ولم يبين الناظم رحمه الله سكون الميم لدى الوقف للوضوح). [كنز المعاني: 1/359]
- قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): (ثم قال: وعند سراط،.. والسراط أي مجردا عن لام التعريف ومتصلا بها، ثم المجرد عن اللام قد يكون نكرة نحو: {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}، {أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا}.
وقد تكون معرفة بالإضافة نحو: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي}، {صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}، {صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا}.
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/240]
فلهذا لم أقل إرادة المنكر والمعرف ومثله، وكسر بيوت والبيوت، ونقل قران والقران بخلاف قوله: في لؤلؤ في العرف والنكر شعبة، فإنه لم يأت مجردا عن اللام إلا وهو نكرة ولو اقتصر على لفظ النكرة في الكل لحصل الغرض فإن لام التعريف زائدة على الكلمة كما قال: ووالاه في بئر وفي بئس ورشهم، والحكم عام في كل ما في القرآن من لفظ بئس مجردا من الراء والفاء واللام، وفي وبئس بالواو وفي فبئس بالفاء وفي لبئس باللام وإنما نبه على ما فيه لام التعريف دون المضاف لاتحاد لفظ اللام وتعدد المضاف إليه ولو أنه قال سراط بسين قنبل كيف أقبلا وبالصاد باقيهم وزايا أشمها البيت لتم له المقصود والله أعلم.
ثم هذا أيضا مما استغني فيه باللفظ عن القيد فكأنه قال بالسين، واعتمد على صورة الكتابة فلم يخف التباسا إذ يقرأ بالصاد، "وقنبلا" منصوب؛ لأنه مفعول به لقوله: "لِ" وهذه اللام المنفردة هي فعل أمر من قوله ولي هذا هذا يليه إذا جاء بعده، أي: اتبعْ قنبلا عند هاتين اللفظتين فاقرأ قراءته فيهما بالسين في جميع القرآن وقد بين ذلك بقوله رحمه الله:
109-
بِحَيْثُ أَتَى وَالصَّادُ زَاياً أشِمَّهَا،.. لَدَى خَلَفٍ وَاشْمِمْ لِخَلاَّدِ الَاوَّلا
أي بحيث أتى المذكور، وهذا لفظ يفيد العموم كقوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}.
والباء في "بحيث" زائدة ولو لم يقل بحيث
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/241]
أتى لاقتصر الحكم على ما في الفاتحة وهكذا كل موضع يطلق فيه اللفظ يكون مخصوصا بتلك السورة كقوله: وخفف كوف يكذبون سبيل برفع خذ، وفي "شركاي" الخلف فإن كان الخلاف مطردا في موضعين قال: معا، وإن كان في أكثر قال: جميعا أو كلا أو حيث جاء ونحو ذلك، ولم يخرج عن هذا إلا حروف يسيرة كالتوراة وكأين في آل عمران وقراءة الباقين بالصاد وهي أقوى القراءات لاتفاق الرسم عليها وأفصحها لغة وعلم أن قراءة الباقين بالصاد من قوله والصاد زايا أشمها كأنه قال: والباقون بالصاد وأشمها زايا خلف، ويجوز في قوله: الصاد النصب والرفع والنصب هو المختار لأجل الأمر وغلط من قال هنا الرفع أجود، وأصل كلمة السراط السين والصاد بدل منها لأجل قوة الطاء ومن أشمها زايا بالغ في المناسبة بينهما وبين الطاء، وروي عن بعضهم إبدالها زايًا خالصة والمعنى بهذا الإشمام خلط صوت الصاد بصوت الزاي فيمتزجان فيتولد منهما حرف ليس بصاد ولا زاي.
والإشمام في عرف القراء يطلق باعتبارات أربعة، أحدها خلط حرف بحرف كما في الصراط وما يأتي في أصدق ومصيطر، والثاني خلط حركة بأخرى كما يأتي في قيل وغيض وأشباههما، والثالث إخفاء الحركة فيكون بين الإسكان والتحريك كما يأتي في:
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/242]
{تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ}.
على ظاهر عبارة صاحب التيسير، والرابع ضم الشفتين بعد سكون الحرف، وهو الذي يأتي في باب الوقف وفي باب وقف حمزة وهشام وآخر باب الإدغام على ما سنبين ذلك ونوضح ما فيه من الإشكالات إن شاء الله، وقوله: لدى خلف أي عنده ومعنى عنده أي في مذهبه وقراءته، ووصل همزة القطع من قوله: وأشمم لخلاد ضرورة كما صرف براءة فيما تقدم وأصله من قولهم أشممته الطيب أي أوصلت إليه شيئا يسيرا مما يتعلق به وهو الرائحة، والأول مفعول "واشمم"، ونقل الحركة من همزة أول إلى لام التعريف فتحركت، فإن لم يعتد بالحركة كان حذف التنوين من قوله لخلاد؛ لالتقاء الساكنين تقديرا، وإن اعتد بها فحذف التنوين ضرورة، وسيأتي تحقيق هذين الوجهين في مسألة: "عادا الأولى" والمراد بالأول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}؛ أي أشمه وحده خلاد دون ما بقي في الفاتحة وفي جميع القرآن، وهذه إحدى الروايات عنه وقلَّ من ذكرها.
وروي أنه يوافق خلفا في حرفي الفاتحة معا دون سائر القرآن.
وروي أنه يشم ما كان بالألف واللام فقط في الفاتحة وغيرها. والرواية
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/243]
الرابعة أنه يقرأ بالصاد خالصة كسائر القراء في الفاتحة وغيرها.
قال أبو الطيب بن غلبون: المشهور عن خلاد بالصاد في جميع القرآن قال: وهذه الرواية هي المعول عليها وبها أخذ في فاتحة الكتاب وغيرها.
وفي الشرح الكبير تعليل هذه الروايات وبسط القول في ذلك والله أعلم). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/244] (م)
- قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): (110- عَلَيْهِمْ إِلَيْهِمْ حَمْزَةٌ وَلَدَيْهِموُ،.. جَمِيعاً بِضَمِّ الْهاءِ وَقْفاً وَمَوْصِلا
أي قرأ حمزة هذه الألفاظ الثلاثة بضم الهاء وحذف واو العطف من إليهم ضرورة وسيأتي له نظائر فموضع عليهم وإليهم ولديهم نصب على المفعولية ويجوز الرفع على الابتداء وخبره حمزة أي يقرؤهن بالضم، أو قراءة حمزة والأولى أن يلفظ بالثلاثة في البيت مكسورات الهاء ليتبين قراءة الباقين؛ لأن الكسر ليس ضدا للضم فلا تتبين قراءتهم من قوله بضم الهاء ولو قال: بضم الكسر لبان ذلك، ولعله أراده وسبق لسانه حالة الإملاء إلى
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/244]
قوله: بضم الهاء، وسيأتي في قوله: كسر الهاء بالضم شمللا، وقف للكل بالكسر مكملا ما يوضح أن الخلاف في هذا الباب دائر بين كسر الهاء وضمها، ومن عادته المحافظة على قيوده وإن كان موضع الخلاف مشهورًا أو لا يحتمل غيره كقوله: وها هو وها هي أسكن، ثم قال: والضم غيرهم وكسر مع كونه صرح بلفظي هو وهي وهذه الكلمات الثلاث ليس منها في الفاتحة إلا "عليهم"، وأدرج معها "إليهم" و"لديهم"؛ لاشتراكهن في الحكم، وهذا يفعله كثيرا حيث يسمح النظم به كقوله: وقيل وغيض وجئ وحيل وسيق وسيء وسيت ويتركه حيث يتعذر عليه فيذكر كل واحد في سورته كقوله: في الأحزاب بما يعلمون اثنان عن ولد العلا. ثم قال: في سورة الفتح: "بما يعملون حج"، وقال في البقرة: "وفتحك سين السلم"، ثم ذكر في الأنفال الذي في سورة القتال فكل واحد من الجمع والتفريق يقع مع اتحاد القارئ واختلافه، وقوله: جميعا أي حيث وقعت هذه الثلاث في جميع القرآن ووقفا وموصلا حالان من حمزة أي ذا وقف ووصل أي في حالتي وقفه ووصله فالموصل والوصل مثل المرجع والرجع.
وأعلم أن الضم في الهاء هو الأصل مطلقا للمفرد والمثنى والمجموع نحو: "منه وعنه ومنهما وعنهما ومنهم وعنهم ومنهن وعنهن"، وفتحت: في "منها وعنها" لأجل الألف وكسرت إذا وقع قبلها كسر أو ياء ساكنة نحو بهم وفيهم فمن قرأ بالضم فهو الأصل، وإن كان الكسر أحسن في اللغة كما قلنا في الصراط وإنما اختص حمزة هذه الألفاظ الثلاثة بالضم؛ لأن الياء فيها بدل عن الألف ولو نطق بالألف لم يكن إلا الضم في الهاء فلحظ الأصل في ذلك وإنما اختص جمع المذكر دون المؤنث
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/245]
والمفرد والمثنى فلم يضم عليهن ولا عليه ولا عليهما؛ لأن الميم في عليهم يضم عند ساكن في قراءته ومطلقا في قراءة من يصلها بواو فكان الضم في الهاء إتباعا وتقديرا وليس في عليه وعليهما وعليهن ذلك ولم يلحظ يعقوب الحضرمي هذا الفرق فضم هاء التثنية وجمع المؤنث ونحو فيهم وسيؤتيهم وقد ضم حمزة فيما يأتي: {لِأَهْلِهِ امْكُثُوا}.
وضم حفص {عَلَيْهُ اللَّهَ} في الفتح، {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ}. والضم الأصل في الكل والله أعلم.
111-
وَصِلْ ضَمَّ مِيمِ الْجَمْعِ قَبْلَ مُحَرَّكٍ،.. "دِ"رَاكاً وَقاَلُونٌ بِتَخْيِيرِهِ جَلا
نبه على أن أصل ميم الجمع أن تكون مضمومة، والمراد بوصل ضمها إشباعه فيتولد منه واو، وذلك كقولهم في أنتمْ ومنهمْ: أنتمو ومنهمو فيكون زيادة الجمع على حد زيادة التثنية هذه بواو وهذه بألف "فأنتمو وأنتما" كالزيدون والزيدان وقاما وقاموا وكلاهما لغة فصيحة، وقد كثر مجيئها في الشعر وغيره، قال لبيد:
وهمو فوارسها وهمْ حكامها
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/246]
فجمع بين اللغتين، وكذا فعل الكميت في قوله:
هززتكمو لو أن فيكمْ مهزَّة
وقال الفرزدق:
من معشر حبهم دين وبغضهمو،.. كفر،..،...
وقوله: قبل محرك احتراز مما بعده ساكن، وسيأتي حكمه؛ لأن الزيادة قبل الساكن مفضية إلى حذفها لالتقاء الساكنين، وبقي عليه شرط آخر وهو أن لا يتصل بميم الجمع ضمير فإنه إن اتصل بها ضمير وصلت لجميع القراء وهي اللغة الفصيحة حينئذ وعليها جاء الرسم نحو: {فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ}، {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا}، {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ}، {أَنُلْزِمُكُمُوهَا}، {حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}، {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ}، وقوله: دراكا أي متابعة وهو مصدر في موضع الحال أي صلة تابعا لما نقل، يقال دارك الرجل صوبه أي تابعه والدال رمز ابن كثير وصرف اسم قالون هنا وترك صرفه فيما تقدم فيكون صرفه أو ترك صرفه
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/247]
للضرورة، وجلا أي كشف؛ وذلك لأنه نبه بتخييره بين مثل قراءة ابن كثير، وقراءة الجماعة على صحة القراءتين وثبوتهما أي يروى عن قالون الوجهان؛ الوصل وتركه، وهذا التخيير منقول أيضا عن نافع نفسه، ويروى عن قالون مثل ورش، وعن ابن كثير مثل الجماعة:
112-
وَمِنْ قَبْلِ هَمْزِ الْقَطْعِ صِلْهَا لِوَرْشِهِمْ،.. وَأَسْكَنَهاَ الْبَاقُونَ بَعْدُ لِتَكْمُلا
كان يلزمه أن يذكر مع ورش ابن كثير وقالون؛ لئلا يظن أن هذا الموضع مختص بورش كما قال في باب الإمالة: رمى صحبة ولو قال: ومن قبل همز القطع وافق ورشهم لحصل الغرض.
ومعنى البيت: أن ورشا يقرأ مثل قراءة ابن كثير إذا كان بعد الميم همزة قطع، وهي التي تثبت في الوصل نحو: {عَلَيْهِمْ}، {أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ}، {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ}، {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا}،
لكن ورشا يكون أطول مدًّا من ابن كثير على أصله وإنما خص ورش الصلة بما كان قبل همزة لحبه المد وإيثاره له ولهذا مد ما بعد الهمزة في وجه كما سيأتي، وأراد أيضا الجمع بين اللغتين، كما قال امرؤ القيس:
أمرخ خيامهمو أم عشر،.. أم القلب في إثرهم منحدر
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/248]
وخص ذلك؛ ليستعين بالمد على النطق بالهمز، قال أبو علي: كأنه أحب الأخذ باللغتين وكان المد قبل الهمزة مستحبًّا، واعتل له المهدوي وغيره بما يلزمه من نقل الحركة على أصله، ولو نقل إليها لتحركت بالضم والفتح والكسر، فآثر أن يحركها بحركتها الأصلية ولا تعتورها الحركات العارضة والهاء في صلها وأسكنها تعود على ميم الجمع، وإنما بين قراءة الباقين أنها بالإسكان؛ لئلا يظن أنها بترك الصلة ولا يلزم من ترك الصلة الإسكان؛ إذ ربما تبقى الميم مضمومة من غير صلة كما يفعل في هاء الكناية وهو المعبر عنه ثم بالقصر وسيأتي، ولم يقرأ بذلك في الميم؛ لقوتها واستغنائها عن الحركة، ولما كانت الهاء خفية ضعيفة قويت بالحركة تارة وبها وبالصلة أخرى، وقوله: بعد متعلق بالباقون أي الذين بقوا في ذكرى بعد ذكر من وصل ولا يجوز تعلقه بأسكنها؛ لأن من المسكنين من سبق الواصلين في الزمان كابن عامر إلا على تأويل ترتيب الذكر فيرجع إلى المعنى الأول ويجوز أن يتعلق بمحذوف ولتكملا أيضا متعلق به أي أعلمتك بقراءة الباقين بعد ما ذكرت قراءة الواصلين؛ لتكمل وجوه القراءة في ميم الجمع وإن علقنا بعد بالباقون كان لتكملا متعلقا بأسكنها، واللام للعاقبة؛ لأنهم لم يسكنوها لهذه العلة وإنما كانت العاقبة ذلك، ويجوز على هذا أن يتعلق اللام بصلها والواو في وأسكنها للحال أي صلها لورش في الحال التي أسكنها فيها الباقون؛ لتكمل وجوهها، وإسكان ميم الجمع هو اللغة الفصيحة الفاشية، وقد وافق من وصلها على ترك الصلة في الوقت، وكذا في هاء الكناية ولم ينبه الناظم على ذلك في البابين والله أعلم.
113-
وَمِنْ دُونِ وَصْلٍ وضُمَّهَا قَبْلَ سَاكِنٍ،.. لِكُلٍ وَبَعْدَ الْهَاءِ كَسْرُ فَتَى العَلاَ
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/249]
ذكر في هذا البيت حكم ميم الجمع إذا لقيها ساكن ولا يقع ذلك الساكن في القرآن إلا بعد همزة الوصل فقال ضمها من غير صلة لكل القراء ووجه الضم تحريكها لالتقاء الساكنين واختير ذلك؛ لأنه حركتها الأصلية فهي أولى من حركة عارضة ولم تمكن الصلة؛ لأن إثباتها يؤدي إلى حذفها لأجل ما بعدها من الساكن وضمها فعل أمر، وفي نسخة ضمها على أنه مبتدأ خبره ما قبله أو ما بعده ومثله: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} - {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ}.
وكان يمكن إثبات الصلة في: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ}؛ لأن الساكن بعدها مدغم فيبقى من باب إدغام أبي عمرو: {قَالَ رَبِّ}.
وقد فعل ذلك البزي في: "عنهو تلهى"، "فظلتمو تفكهون"، إلا أن الفرق أن إدغام أبي عمرو والبزي طارئ على حرف المد فلم يحذف له، وكذا إدغام "دابة" و"الصاخة" و"خاصة" فلم يحذف حرف المد خوفا من الإجحاف باجتماع إدغام طارئ وحذف، وأما إدغام اللام في الذين ونحوه فلأصل لازم وليس بطارئ على حرف المد فإنه كذلك أبدا كان قبله حرف مد أو لم يكن فحذف حرف المد للساكنين طردا للقاعدة فلم يقرأ "منهمو الذين" كما لم يثبت حرف المد في مثل: {قَالُوا اطَّيّرْنَا}،
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/250]
{ادْخُلا النَّارَ}، {وَفِي النَّارِ}.
ثم قال: وبعد الهاء كسر فتى العلا؛ أي: إن وقع قبل الميم التي قبل الساكن هاء كسر أبو عمرو الميم إتباعا للهاء؛ لأن الهاء مكسورة وبقي الباقون على ضم الميم ثم ذكر شرط كسر الهاء فقال:
114-
مَعَ الْكَسْرِ قَبْلَ الْهَا أَوِ الْيَاءِ سَاكِناً،.. وَفي الْوَصْلِ كَسْرُ الْهَاءِ بالضَّمَّ "شَـ"ـمْلَلا
أي: إذا كان قبل الهاء كسر أو ياء ساكنة وقصر لفظ الهاء ضرورة وساكنا حال من الياء والياء كغيرها من الحروف يجوز تأنيثها وتذكيرها، ومعنى شملل أسرع وفاعله ضمير عائد على كسر الهاء أي أتى بالضم في عجل جعل الكسر آتيا بالضم تجوزا واتساعا وإن كانا لا يجتمعان، ووجهه توافق معنى القراءتين وصحتهما وحلول كل واحد منهما في محل الآخر، والشين رمز حمزة والكسائي قرءا بضم الهاء والميم على الأصل في الميم والإتباع في الهاء وأبو عمرو كسر الهاء؛ لما قبلها، والميمَ؛ للإتباع، والباقون ضموا الميم على الأصل لما احتاجوا إلى تحريكها لأجل الساكن بعدها، وكسروا الهاء لمجاورة ما أوجب ذلك من الكسر أو الياء الساكنة كما أجمعوا على "بهم وفيهم" إذا لم يكن بعدها ساكن ولم يبالوا بالخروج من كسر إلى ضم؛ لأن الكسر عارض قاله أبو علي، وقوله في الوصل لم يكن إليه حاجة فإن الكلام فيه فكان ينبغي أن ينبه على أنه شرط في ضم الميم كما أنه شرط في ضم الهاء وإلا فإتيانه به ههنا يوهم أنه شرط في ضم الهاء فقط وليس كذلك،
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/251]
وكان يغني عنه أيضا قوله بعد ذلك: وقف للكل بالكسر ثم مثل ما ذكره فقال:
115-
كَمَا بِهِمُ الْأَسْبَابُ ثُمَّ عَلَيْهِمُ الْـ،.. ـقِتَالُ وَقِفْ لِلْكُلِّ بِالْكَسْرِ مُكْمِلا
"ما" في "كما" زائدة. مثَّل ما قبل الهاء فيه كسر بقوله تعالى: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} ومثله في {قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ}، {مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ}.
ومثل ما قبله ياء ساكنة بقوله سبحانه: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ} ومثله {يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ}، {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ}.
ثم قال: وقف للكل بالكسر يعني في الهاء؛ لأن ضمها في قراءة حمزة والكسائي كان إتباعا لضم الميم لا لمجرد كون الضم هو الأصل فإنهما لم يضما الهاء في نحو: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} ولا ضم الكسائي نحو {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}.
وإذا كان ضم الهاء إتباعا للميم ففي الوقف سكنت الميم، فلم يبق إتباع فعاودا كسر الهاء ولا يستثنى من هذا إلا الكلمات الثلاث المقدم ذكرها وهي: "عليهم وإليهم ولديهم" فإن حمزة يضم الهاء فيها وقفا ووصلا فلا يؤثر الوقف في مذهبه شيئا في نحو: {عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ} إلا سكون الميم فقط، وكان ينبغي للناظم أنه ينبه على سكون الميم وقفا كما نبه على كسر الهاء ولكنه أهمله؛ لوضوحه، ومكملا حال أي قف مكملا وجوه القراءة في ميم الجمع والله أعلم). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 1/252] (م)
- قال عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي (ت: 1403هـ): (108 - ومالك يوم الدّين راويه ناصر ... وعند سراط والسّراط ل قنبلا
109 - بحيث أتى والصّاد زاء أشمّها ... لدى خلف واشمم لخلّاد الاوّلا
...
واللام في لقنبلا للأمر، أي اتبع قنبلا في قراءة لفظ صِراطَ* والصِّراطَ* بالسين حيث وقع في القرآن الكريم سواء كان منكرا نحو وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أم معرفا باللام نحو: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أم بالإضافة نحو صِراطَ الَّذِينَ وَأَنَّ هذا صِراطِي صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ وهذا مما استغنى فيه باللفظ عن القيد أيضا حيث لم يقل بالسين. ثم أمر بإشمام الصاد صوت الزاي لخلف في هذا اللفظ حيث وقع في القرآن الكريم سواء كان منكرا، أم معرفا باللام، أو بالإضافة كالأمثلة المذكورة. وأخيرا أمر بإشمام الصاد صوت الزاي لخلاد في الموضع الأول
[الوافي في شرح الشاطبية: 50]
فقط وهو اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ فتكون قراءته في بقية المواضع بالصاد الخالصة وقرأ
الباقون بالصاد الخالصة في جميع المواضع من القرآن الكريم.
وكيفية الإشمام هنا: أن تخلط لفظ الصاد بلفظ الزاي وتمزج أحد الحرفين بالآخر فيتولد منها حرف ليس بصاد ولا بزاي ولكن يكون صوت الصاد متغلبا على صوت الزاي، وقصارى القول أن تنطلق بالصاد كما ينطلق العوام بالظاء). [الوافي في شرح الشاطبية: 50] (م)
- قال عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي (ت: 1403هـ): (110 - عليهم إليهم حمزة ولديهم ... جميعا بضمّ الهاء وقفا وموصلا
المعنى: قرأ حمزة هذه الكلمات عَلَيْهِمْ* إِلَيْهِمْ* لَدَيْهِمْ* بضم الهاء في حالي الوقف والوصل في جميع القرآن الكريم، سواء كان بعد الكلمات متحرك نحو عَلَيْهِمْ* غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ، وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ. أم كان بعدهن ساكن نحو عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ*، إِلَيْهِمْ* اثْنَيْنِ*. وأخذ هذا التعميم من الإطلاق. وقرأ غير حمزة هذه الكلمات الثلاث في جميع القرآن بكسر الهاء، ويؤخذ كسر الهاء من اللفظ.
111 - وصل ضمّ ميم الجمع قبل محرّك ... دراكا وقالون بتخييره جلا
المعنى: أمر الناظم بضم ميم الجمع وصلتها بواو إذا وقعت قبل متحرك لابن كثير في جميع القرآن سواء كان الحرف المتحرك همزة نحو عَلَيْهِمْ* أَأَنْذَرْتَهُمْ*، أم غيرها نحو أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، واحترز بقوله: قبل محرك؛ عما إذا وقعت قبل ساكن فإنها- وإن تحركت بالضم لأجل الساكن- لا توصل بواو لأحد من القراء نحو عَلَيْكُمُ الصِّيامُ، وَمِنْهُمُ الَّذِينَ فإن اقترن بها ضمير؛ فإنها توصل بواو لجميع القراء نحو أَنُلْزِمُكُمُوها، فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ، فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ.
ثم ذكر أن قالون يخير القارئ بقراءته بين الصلة والسكون فيما ذكر فيكون لقالون وجهان في كل ميم جمع وقع بعدها متحرك في جميع القرآن الكريم وهما الصلة والسكون، وليست جيم جلا رمزا لورش لتصريحه باسم قالون.
[الوافي في شرح الشاطبية: 51]
112 - ومن قبل همز القطع صلها لورشهم ... وأسكنها الباقون بعد لتكملا
المعنى: أمر بضم ميم الجمع وصلتها بواو إذا وقعت قبل همز القطع لورش نحو عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ، وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ، ولما كانت قراءة الباقين لا تؤخذ من الضد نص عليها فقال: وأسكنها الباقون بعد لتكملا. فباقي القراء بعد ابن كثير وقالون وورش يقرءون بسكون الميم. والاختلاف في صلة ميم الجمع وسكونها إنما هو في حال وصل الميم بما بعدها. وأما إذا وقف عليها فقد أجمعوا على سكونها.
113 - ومن دون وصل ضمّها قبل ساكن ... لكلّ وبعد الهاء كسر فتى العلا
114 - مع الكسر قبل الها أو الياء ساكنا ... وفي الوصل كسر الهاء بالضمّ شمللا
115 - كما بهم الأسباب ثمّ عليهم ال ... قتال وقف للكلّ بالكسر مكملا
قوله: (ضمها) يروى بفتح الضاد وضم الميم على أنه مبتدأ وقوله: (لكل) متعلق بمحذوف خبر، ويروى بضم الضاد وفتح الميم على أنه فعل أمر وها مفعول به.
و(شمللا) بمعنى أسرع، ولما ذكر في البيتين السابقين حكم ميم الجمع لجميع القراء إذا وقعت قبل متحرك، ذكر هنا حكمها إذا وقعت قبل ساكن فأمر بضمها من غير صلة إذا وقعت قبل ساكن، لكل القراء نحو وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ*، مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ ثم بين أن (فتى العلا) وهو أبو عمرو البصري قرأ بكسر الميم إذا وقعت بعد الهاء بشرط أن يكون
قبل الهاء حرف مكسور نحو فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ، وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ*. أو ياء ساكنة نحو يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ، يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ، عَلَيْهِمُ الْقِتالُ*، إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ، ولا يخفى أنه يسكن الميم عند الوقف، ثم ذكر أن المرموز لهما بالشين وهما: حمزة والكسائي قرآ بضم كسر الهاء، مع ضم الميم، في حال الوصل إذا وقعت الهاء بعد حرف مكسور أو ياء ساكنة كالأمثلة المذكورة وذلك في حال الوصل فقط، وأما في حال الوقف فيقرءون بكسر الهاء، وهذا معنى قوله: وقف للكل بالكسر مكملا، ويستثنى من قوله: وقف للكل بالكسر مكملا: الكلمات الثلاث المتقدمة:
عَلَيْهِمْ*، إِلَيْهِمْ*، لَدَيْهِمْ*؛ فإن حمزة يقرؤها بضم الهاء وقفا ووصلا، سواء وقع بعد الميم ساكن أو متحرك كما سبق، وعلى هذا فمثل يُرِيهِمُ اللَّهُ، يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ،
[الوافي في شرح الشاطبية: 52]
يقرؤها حمزة والكسائي بضم الهاء والميم وصلا، وبضم الهاء وسكون الميم وقفا، ويقرؤهما الكسائي بضم الهاء والميم وصلا، وبكسر الهاء وسكون الميم وقفا). [الوافي في شرح الشاطبية: 53] (م)
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (11 - .... .... وَاكْسِرْ عَلَيْهِمْ إِلَيْهِمُ = لَدَيْهِمْ فَتَىً وَالضَّمُّ فِي الْهَاءِ حُلَّلَا). [الدرة المضية: 16] (م)
- قال محمد بن الحسن بن محمد المنير السمنودي (ت: 1199هـ):(ثم أتى بالواو الفاصلة فقال: واكسر عليهم إلخ أي قرأ مرموز (فا) فتى وهو خلف بكسر الياء في الثلاثة ألفاظ حيث وقعت وهذا إذا لم يكن بعد الميم ساكن فإن كان فله حكم سيأتي. ثم أخبر أن مرموز (حا) حللا وهو يعقوب قرأ بضم كل هاء ضمير جمع مذكر أو مؤنث أو مثنى إذا وقعت بعد يا ساكنة نحو: «عليهم، وإليهم، ولديهم، وفيهم، ويزكيهم، ومثليهم، وعليهن، وإليهن، وفيهن، وأيديهن، وعليهما، وفيهما، وإليهما» ). [شرح الدرة المضيئة: 40] (م)
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ( (وروى) الخليل بن أحمد عن ابن كثيرٍ (غير المغضوب) بالنّصب ونصبه حسنٌ على الحال، أو على الصّفة، (وقرأ) أيّوب السّختيانيّ (ولا الضّألين) بهمزةٍ مفتوحةٍ في موضع الألف وهو قليلٌ في كلام العرب، قال: فهذا كلّه موافقٌ لخطّ المصحف والقراءة به لمن رواه عن الثّقات جائزةٌ لصحّة وجهه في العربيّة وموافقته الخطّ إذا صحّ نقله). [النشر في القراءات العشر: 1/47]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (وعن عمر رضي اللّه عنه، (غير المغضوب) بالرّفع، أي: هم غير المغضوب أو أولئك. وعن عبد الرّحمن بن هرمز الأعرج ومسلم بن جندبٍ وعيسى بن عمر الثّقفيّ البصريّ وعبد اللّه بن يزيد القصير (عليهم) بضمّ الهاء ووصل الميم بالواو، وعن الحسن وعمرو بن فائدٍ (عليهم) بكسر الهاء ووصل الميم بالياء، وعن ابن هرمز أيضًا بضمّ الهاء والميم من غير صلةٍ، وعنه أيضًا بكسر الهاء وضمّ الميم من غير صلةٍ فهذه أربعة أوجهٍ وفي المشهور ثلاثةٌ فتصير سبعةً، وكلّها لغاتٌ وذكر أبو الحسن الأخفش فيها ثلاث لغاتٍ أخرى لو قرئ بها لجاز، وهي ضمّ الهاء وكسر الميم مع الصّلة والثّانية كذلك إلّا أنّه بغير صلةٍ، والثّالثة بالكسر فيهما من غير صلةٍ ولم يختلف عن أحدٍ منهم في الإسكان وقفًا). [النشر في القراءات العشر: 1/49]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (روى رويس، وابن مجاهد عن قنبل {الصراط} و {صراط} حيث أتى بالسين، والباقون بالصاد.
وأشم خلف عن حمزة الصاد زايًا في جميع القرآن، واختلف عن خلاد:
[تقريب النشر في القراءات العشر: 215]
ففي الشاطبية والتيسير: والإشمام في الحرف الأول من الفاتحة فقط، وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
وفي العنوان والمجتبى: إشمام موضعي الفاتحة فقط، وهو في المستنير عن ابن البختري عن الوزان، وطريق ابن حامد عن الصواف عن الوزان عنه، وهو في الروضة.
وعند جمهور العراقيين: الإشمام في المعرف باللام فقط حيث أتى، وهو طريق بكار عن الوزان عنه.
وفي التبصرة، والكافي، والهداية، والتذكرة عدم الإشمام مطلقًا، وهو طريق ابن الهيثم، والطلحي عنه.
وانفرد ابن عبيد عن الصواف عن الوزان عنه بالإشمام مطلقًا في جميع القرآن،
[تقريب النشر في القراءات العشر: 216]
كرواية خلف). [تقريب النشر في القراءات العشر: 217] (م)
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (قرأ يعقوب بضم كل هاء ضمير جمع أو مثنى، إذا وقعت بعد ياء ساكنة، نحو: {عليهم} [7]، و{عليهن} [البقرة: 228]، و{عليهما} [البقرة: 229]، و{فيهم} [البقرة: 129]، و{فيهن} البقرة: [197]، و{فيهما} [البقرة: 219]، و{إليهم} [آل عمران: 77]، و{صياصيهم} [الأحزاب: 26]، و{ترميهم} [الفيل: 4].
وافقه حمزة في {عليهم} [7]، و{إليهم} [آل عمران: 77]، و{لديهم} [آل عمران: 44] فقط.
فإن سقطت الياء لجزم أو بناء نحو: {وإن يأتهم} [الأعراف: 169]، و{يخزهم} [التوبة: 14]، و{فاستفتهم} [الصافات: 11]، و{فآتهم} [الأعراف: 38]، فإن رويسًا يضم الهاء من ذلك، إلا قوله: {ومن يولهم يومئذٍ} في الأنفال [16]، فإنه كسر الهاء فيها كالباقين.
واختلف عنه في {ويلههم الأمل} في الحجر [3]، و{يغنهم الله} في النور [32]، و{وقهم السيئات} و{وقهم عذاب الجحيم} وهما في غافر [7، 9].
وانفرد أبو الفتح فارس عن يعقوب بضم هاء {ببغيهم} في الأنعام [146]، و{حليهم} في الأعراف [148].
[تقريب النشر في القراءات العشر: 217]
وانفرد ابن مهران عن يعقوب بكسر هاء أيديهن من قوله تعالى: {بين أيديهن وأرجلهن} في الممتحنة [12]، وقرأ الباقون بكسر الهاء من ذلك كله.
قرأ ابن كثير، وأبو جعفر، وقالون بخلاف عنه {عليهم غير المغضوب عليهم ولا} [7]، و{مما رزقناهم ينفقون} [البقرة: 3]: {على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةٌ} [البقرة: 7]، ونحوه مما وقع بعد ميم الجمع فيه محرك، بضم الميم من ذلك كله، وصلة الضم بواو.
وافقهم ورش في ما وقع بعد ميم الجمع فيه همزة قطع، نحو: {عليهم ءأنذرتم أم لم} [البقرة: 6] {معكم إنما} [البقرة: 14]، {وأنهم إليه} [البقرة: 46].
وانفرد الهذلي عن الهاشمي عن ابن جماز بإسكان الميم من غير صلة، إذا لم يكن بعده همزة قطع، وبذلك قرأ الباقون في الجمع.
ولا خلاف في إسكانها وقفًا.
[تقريب النشر في القراءات العشر: 218]
فإن وقع بعد الميم ساكن، وكان قبلها ياء ساكنة أو كسرة نحو: {عليهم الذلة} [البقرة: 61]، و{يريهم الله} [البقرة: 167] و{قلوبهم العجل} [البقرة: 93]، و{بهم الأسباب} [البقرة: 166] : فأبو عمرو يكسر الميم في ذلك.
والمدنيان، وابن كثير، وابن عامر، وعاصم بضمها.
وحمزة، والكسائي، وخلف بضم الهاء والميم جميعًا.
وأتبع يعقوب الميم الهاء فضمها في نحو: {عليهم الذلة} [البقرة: 61]، و{يريهم الله} [البقرة: 167]، وكسرها في نحو: {قلوبهم العجل} [البقرة: 93]، و{بهم الأسباب} [البقرة: 166].
ورويس على الوجهين في {ويلههم الأمل} [الحجر: 3]، و{يغنهم الله} [النور: 32] و{قهم السيئات} [غافر: 9].
فإن وقفوا أسكنوا الميم، وهم في الهاء على أصولهم، فيعقوب بضم الهاء بعد الياء الساكنة، وحمزة يوافقه في {عليهم} [الفاتحة: 7]، و{إليهم} [آل عمران: 77]، و{لديهم} [آل عمران: 44]، والباقون بالكسر.
ولا خلاف في ضم الميم وصلًا إذا كان قبلها ضمة، نحو: {يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} [البقرة: 159]، و{عليكم القتال} [البقرة: 216] {ومنهم الذين} [التوبة: 61]، {وأنتم الأعلون} [آل عمران: 139] ). [تقريب النشر في القراءات العشر: 219] (م)
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :(112- .... .... .... .... السّراط مع = سراط زن خلفًا غلا كيف وقع
113 - والصّاد كالزّاي ضفا الأوّل قف = وفيه والثّاني وذي اللاّم اختلف
114 - وباب أصدق شفا والخلف غر = يصدر غث شفا المصيطرون ضر
[طيبة النشر: 38]
115 - ق الخلف مع مصيطرٍ والسّين لي = وفيهما الخلف زكيٌّ عن ملي). [طيبة النشر: 39] (م)
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (116 - عليهمو إليهمو لديهمو = بضمّ كسر الهاء ظبيٌ فهم
117 - وبعد ياءٍ سكنت لا مفردا = ظاهر وإن تزل كيخزهم غدا
118 - وخلف يلههم قهم ويغنهم = عنه ولا يضمّ من يولّهم
119 - وضمّ ميم الجمع صل ثبتٌ درا = قبل محرّكٍ وبالخلف برا
120 - وقبل همز القطع ورشٌ واكسروا = قبل السّكون بعد كسرٍ حرّروا
121 - وصلاً وباقيهم بضمٍ وشفا = مع ميمٍ الهاء وأتبع ظرفا). [طيبة النشر: 39] (م)
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (قوله: (السراط الخ البيت) يعني قرأ الصراط وصراط كيف وقع في القرآن بالسين كما لفظ به قنبل بخلاف عنه، ورويس بلا خلاف، والباقون بالصاد لقوله: والصاد كالزاي: أي وخلف يشم الصاد مجاورة الطاء، ووجه إشمام الصاد أنه مزج بها حرفا يجانس الطاء في الجهر، وقرئ أيضا بالزاي الخالصة والكل لغات العرب قوله: (نل ظلا) أي أصب ظلا، نقل هذه القراءة المشهورة يريد الحض عليها والحث على الأخذ بها، وقوله زن من الزينة، وقوله غلا: أي ارتفع وعلا، يشير إلى أن الخلف مرتفع عزيز عن قنبل، وذلك أن أكثر المؤلفين لم يذكروا عنه سوى السين، والناظم زاد الصاد عنه قوله: (كيف وقع) يعني منكرا أو معرّفا، منونا أو غير منوّن باللام أو بغيرها كما وقع في هذه السورة
[شرح طيبة النشر لابن الجزري: 49]
وكقوله: وأن هذا صراطي مستقيما، وصراط الله، وهذا صراط علي.
والصّاد كالزّاي (ض) فا الأوّل (ق) ف = وفيه والثّاني وذي اللّام اختلف
أي والصاد التي قرأ بها الباقون في الصراط، وصراط كيف وقع جعلها كالزاي يعني أشمها الزاي: أي خلطها بها خلف عن حمزة، وأما خلاد فقد اختلف عنه، فروى عنه بعضهم الإشمام في الأول من الفاتحة فقط، وروى بعضهم الإشمام في الأول، والثاني من الفاتحة أيضا فحسب، وروى بعضهم المعرف باللام فقط، وروى بعضهم عدم الإشمام مطلقا وهذه الأربعة المذكورة تخرج من قوله: وفيه والثاني الخ قوله: (ضفا) أي كثر ونما وطال، يشير إلى كثرة مجيء الصاد مشمة في هذا اللفظ وغيره، وأنه لغة للعرب فاشية قوله: (قف) يجوز أن يكون بضم القاف على أنه أمر من قاف أثرهم يقوفه إذا أتبعه: أي أتبع هذه القراءة فإنها مأثورة، ويجوز أن يكون بفتح القاف فيكون فاؤه مشددة خففت للوقف فيكون إشارة إلى قوتها. لأن القاف اليابس القوي يبسه قوله: (فيه) أي في الأول والثاني: أي مع الثاني فيكون الإشمام له فيهما، وفي اللام: أي المحلى بلام التعريف حيث وقع في الفاتحة وغيرها اختلف: أي اختلف الرواة عن خلاد في ذلك كله من الإشمام وعدمه، فلا يكون له إشمام في شيء من ذلك، أو يكون الإشمام فيها وهذا واضح فليتأمل.
وباب أصدق (شفا) والخلف غ) ر = يصدر (غ) ث (شفا) المصيطرون (ض) ر
لما ذكر الإشمام في الصاد في الصراط وبابه استطرد ما وقع فيه الخلاف في الإشمام، فقال: وباب أصدق، يعني بالباب الصنف: أي ما وقع فيه الصاد الساكنة وبعده دال مثل أصدق وتصديق؛ وجملته اثنا عشر صادا: اثنان في النساء، وثلاثة في الأنعام؛ وسبعة في سبع سور: الأنفال ويونس ويوسف والحجر والنحل والقصص وإذا زلزلت، فقرأها بالإشمام حمزة والكسائي وخلف ورويس بخلاف عنه، والباقون بالصاد الخالصة؛ ووجه الإشمام كما تقدم في الصراط، فإن الدال حرف مجهور كالطاء قوله: (شفا) أي أبرأ وصحح: يعني أنه
[شرح طيبة النشر لابن الجزري: 50]
في القوة بهذه المثابة، وقوله غر: من الغرور: وهو الخطر، كأنه يقول طريق الصدق سلامة وخلافه خطر، وقوله: يصدر: يعني أن كلمة يصدر من جملة الباب المذكور، ووقعت في القصص وإذا زلزلت أشم الصاد فيهما حمزة والكسائي وخلف ورويس بلا خلاف وأعاد رمز شفا لئلا يتوهم أنه لرويس وحده، وقوله: غث، من الغيث، الذي هو نفع البلاد: أي ينفع نفعا شفا الغليل فيه، يقال غاث الله البلاد قوله: (المصيطرون) يعني قوله تعالى: أم هم المصيطرون فيا لطور قرأه بالإشمام أيضا خلف عن حمزة وخلاد بخلاف عنه كما سيأتي في البيت الآتي، وقوله: ضر، من الضرر: وهو ضد النفع، يشير إلى معنى المصيطرون وهم الجبارون المسلطون: أي هم ذوو ضرر.
(ق) ي الخلف مع مصيطر والسّين (ل) ي = وفيهما الخلف (ز) كيّ (ع) ن (مع) لي
ق من الوقاية: وهو الحفظ والصيانة والأمر ق حرف واحد ولكنه كتب بالياء على الأصل للبيان قوله: (مع مصيطر) يعني قوله تعالى: لست عليهم بمصيطر في الغاشية: يعني أن خلفا عن حمزة وخلادا بخلاف عنه على الإشمام كما تقدم في المصيطرون قوله: (والسين لي) أي ورواهما بالسين هشام، واختلف فيهما عن قنبل وحفص وابن ذكوان، فرواه بعضهم بالسين وبعضهم بالصاد كما ذكر في النشر فيكون في كل منهما ثلاث قراءات الإشمام لحمزة بخلاف عن خلاد والسين لهشام بلا خلاف، ولقنبل وحفص وابن ذكوان في أحد وجهيهم والصاد لهم في الوجه الآخر، وللباقين وجه كما تقدم في صراط، قوله: (زكى) أي زاك: ومعناه تام ممدوح، وقوله: عن ملي: أي ثقة قادر من الملاءة: يعني الخلاف فيهما مع صحّته ورد عن ثقة قائم به). [شرح طيبة النشر لابن الجزري: 51] (م)
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :(عليهمو إليهمو لديهمو = بضمّ كسر الهاء (ظ) بي (ف) هم
أي قرأ هذه الكلم الثلاث وهي عليهم ولديهم وإليهم حيث وقعت بضم الهاء يعقوب وحمزة والباقون بالكسر، وفهم العموم من إضافة غير إليهم إليها على العادة ووجه الضم الأصل، وذلك أن الأصل في هذه الهاء ونحوها من ها آت
[شرح طيبة النشر لابن الجزري: 51]
الضمير الضم لأنها تضم مبتدأة، وبعد الألف والفتحة والضمة والواو والسكون سوى الياء، نحو: هو ودعاه وله ويعلمه وأخوه ومنه، وإنما تكسر بعد الكسرة والياء الساكنة وهو ثقيل فلذلك كسرها من كسرها في هذه الكلم. وأما تخصيص حمزة هذه الكلم بالضم التفاتا إلى اللغات التي هي الأصل فيها واتباعا للضم المقدّر في ميم الجمع منها. وأما يعقوب فإنه يضمها على الأصل وأطلق ذلك فيها وفي تثنيتها وجمع الإناث منها وكذلك في كل هاء ضمير مثلها كما سيأتي في البيت الآتي ولم يستثن من ذلك إلا الضمير المفرد كما سيأتي.
وبعد ياء سكنت لا مفردا = (ظ) اهر وإن تزل كيخزهم (غ) دا
يعني وضم كسر هاء الضمير بعد الياء الساكنة مطلقا من ضمير التثنية والجمع يعقوب، نحو: عليهما وإليهما وفيهما وعليهن وفيهن وصياصيهم وبجنتيهم ويزكيهم وأيديهم وأيديهن قوله: (لا مفردا) أي لا الضمير المفرد فلا خلاف في كسر الهاء منه لوقوعها طرفا فاستثقلت الضمة عليها قوله: (ظاهر من المظاهرة) وهي المعاونة والمغالبة قوله: (وإن تزل) أي سقطت الياء لعلة جزم أو بناء نحو «ويخزهم، وإن يأتهم، وفأتهم.، وفاستفتهم» فإن رويسا يضمها على الأصل ولا يعتد بعارض السقوط إلا في قوله «ومن يولهم» كما سيأتي؛ واختلف عنه في «يلههم، وقهم، ويغنهم» على ما ذكره في أول البيت الآتي:
وخلف يلههم قهم ويغنهم = عنه ولا يضمّ من يولّهم
أي واختلف عن رويس في «ويلههم الأمل» في الحجر، «وقهم عذاب الجحيم، وقهم السيئات» كلاهما في غافر «ويغنهم الله» في النور، فورى عنه بعضهم ضمها طردا للباب، وروى آخرون كسرها لأجل الساكن بعدها إلحاقا بنحو «بهم الأسباب» قوله: (ولا يضم الخ) أي ولا يضم الهاء من قوله تعالى:
ومن يولهم يومئذ دبره. بل كسرها كالباقين بلا خلاف، وذلك لأن اللام فيها مشددة مكسورة فهي بمنزلة كسرتين، والانتقال من الكسرتين إلى ضمة ثقيل جدا بخلاف أخواته.
[شرح طيبة النشر لابن الجزري: 52]
وضمّ ميم الجمع صل (ث) بت (د) را = قبل محرّك وبالخلف (ب) را
يعني أن ميم الجمع إما أن يكون قبل محرك أو قبل ساكن، فإن وقعت قبل محرك نحو ما في هذه السورة، وهو «أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، وهم يوقنون، وعلى قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم، وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم» فإن أبا جعفر وابن كثير وقالون بخلاف عنه يصلون ضم ميم الجمع من ذلك وشبهه بواو: أي حالة الوصل فيقولون: عليهمو وهمو وقلوبهمو، والباقون بالإسكان من غير صلة، وكلهم متفقون على الوقف بالسكون، ويفهم ذلك من قوله: قبل محرك فإنها لا تقع كذلك إلا في حالة الوصل وهما لغتان صحيحتان فصيحتان، ولورش فيه مذهب سيأتي في البيت الآتي:
وقبل همز القطع ورش واكسروا = قبل السّكون بعد كسر (ح) رّروا
أي وصل ضم ميم الجمع قبل همز القطع نحو «عليهم أأنذرتهم أم لم وأنهم إليه» ورش من الطريقين، ووجهه الفرار من النقل على مقتضى مذهبه فرجع إلى الأصل، وهو الصلة عنده قوله: (واكسروا) إشارة إلى القسم الثاني من قسمي ميم الجمع، وهو أن تكون قبل ساكن. وقد اختلفوا في حركتها وحركة ما قبلها إذا وقعت بعد كسرة نحو «بهم الأسباب، وعليهم القتال» فقرأه أبو عمرو بكسر الميم حالة الوصل، والباقون بضمها كما سيأتي في البيت الآتي، ومنهم حمزة والكسائي وخلف يضمون الهاء قبلها اتباعا، وإذا وقفوا كسروا الهاء، إلا حمزة فهو على أصله في ضم الهاء في نحو عليهم القتال، وإليهم اثنين، ويعقوب على أصله كما سيأتي، وقوله: حرروا: أي قوموا وأتقنوا، وذلك أن الأصل في التقاء الساكنين الكسر، وفيه أيضا إجراؤها في الإتباع على ما قبلها تخفيفا لئلا ينتقل من كسر إلى ضم.
وصلا وباقيهم بضمّ و (شفا) = مع ميم الهاء وأتبع (ظ) رفا
أي حالة الوصل قوله: (وباقيهم) أي باقي القراء يضم الميم الواقعة بعد
[شرح طيبة النشر لابن الجزري: 53]
كسر قبل ساكن في الوصل أيضا قوله: (وشفا) أي أن حمزة والكسائي وخلفا يضمون الهاء المسكورة قبل الميم أيضا حالة الوصل مع الميم، فإذا وقفوا كسروا الهاء على أصلهم، وحمزة على أصله كما تقدّم قوله: (وأتبع) أي أتبع يعقوب الهاء الميم: يعني ما تقرر من مذهبه فيضم الميم إذا وقعت بعد الهاء المضمومة في مذهبه نحو «عليهم القتال، ويريهم الله» ويكسرها إذا وقعت بعد مكسور نحو «بهم الأسباب، وقلوبهم العجل» ). [شرح طيبة النشر لابن الجزري: 54] (م)
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): (ص:
مالك (ن) ـل (ظ) ـلّا (روى) السّراط مع = سراط (ز) ن خلفا (غ) لا كيف وقع
ش: (مالك) مفعول (قرأ) مقدرا، وفاعله (نل)، و(ظلا) مفعول معه، والواو مقدرة. و(روى) معطوف عليه لمحذوف، و(السراط) مفعول (قرأ) أيضا وفاعله (زن)، و(مع سراط) محله نصب على الحال، و(خلفا) إما مصدر فعل محذوف باق على حاله، أي: اختلف عنه خلفا، أو بمعنى مفعول؛ كقولهم: [درهم] ضرب الأمير، ومحله على هذا نصب على الحال، و(غلا) حذف عاطفه على (زن)، و(كيف) محلها نصب على الحال من فاعل (وقع)، وضابط (كيف) أنها إن صحبت جملة فهي في محل نصب على الحال، أو مفردا فهي في محل رفع على الخبر.
أي: قرأ ذو نون (نل) عاصم وظاء (ظلّا) يعقوب، ومدلول (روى) الكسائي، وخلف مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4] بوزن «فاعل»، وقرأ الباقون بلا ألف.
فإن قلت: [من أين] يفهم قراءة المذكورين قيل: من لفظه؛ لدخوله في قاعدته التي نبه عليها بقوله: «وبلفظ أغنى عن قيده عند اتضاح المعنى»، أي: صحة الوزن.
قلت: لا؛ لأن الوزن أيضا صحيح مع القصر، غايته أنه دخله الخبل. والله أعلم.
فإن قلت: هب أن اللفظ [يكتفى به للمذكورين]، بأن يقال: قرأ المذكورون بهذا اللفظ، فمن أين تعلم قراءة المتروكين؟ فإنه يصح أن يقال: قرأ المذكورون [بمد
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/303]
«مالك»، فيكون ضده القصر للمتروكين، ويصح أن يقال: قرأ المذكورون] بتقديم الألف على اللام، وهو كذلك فيكون ضده التأخير؛ فلم يتعين قيد يؤخذ للمتروكين ضده؛ لأن تقدير المد يزاحمه [تقدير] الألف.
قلت: إنما ترك التقييد تعويلا على القرينة؛ لأن هذا اللفظ لم يقع في القرآن في قراءة صحيحة إلا محصورا في (مالك) بالمد و(ملك) بالقصر، وكلاهما مجمع عليه في موضعه، واختلفوا في هذا هنا، فلما مضى للمذكورين على [المد] علم أن الباقين لمجمع العقد، أو علمنا المد [من متفق المد]، فأخذنا لهم ضده، وهو القصر.
وقرأ ذو غين (غلا) رويس (سراط) كيف وقع، سواء كان معرفة أو نكرة، بالسين، فيحتمل أن يريد بقوله: (السراط) المقترن باللام، فيدخل في قوله: (مع سراط) المجرد منها مطلقا، سواء كان نكرة؛ نحو: سراط مستقيم [البقرة: 142]، أو معرفا بالإضافة؛ نحو: سراط الذين [الفاتحة: 7]، وسراط ربك [الأنعام: 126]، وسراطي [الأنعام: 153]، ويحتمل أن يريد بـ (السراط) مطلق المعرفة؛ فيدخل في الثاني المنكر خاصة.
واختلف عن ذيزاي (زن) قنبل في ذلك؛ فروى عنه ابن مجاهد السين، وابن شنبوذ الصاد.
فإن قلت: من أين يعلم أنهما قرآ بالسين؟
قلت: من تعين المزاحمين بعد.
فإن قلت: هل يفهم من قوله: (وبلفظ أغنى عن قيده)؟
قلت: لا؛ لأنه قال: (عند اتضاح المعنى) ومراده [به] أن ينكشف لفظ القراءة بألا يتزن البيت إلا بها، والوزن هنا يصح بالوجهين.
فإن قلت: كان يكفيه (سراط)؛ كقوله: (وبيس بير جد).
قلت: الفرق أن الأصول تعم بخلاف الفرش.
مقدمة:
قاعدة الكتاب أن الكلمة ذات النظير إن ذكرت في الأصول وعم الخلاف جميع مواقعها، فقرينة كلية الأصول تغني عن صيغة العموم؛ كقوله: (وبيس بير جد)، وإن لم
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/304]
يعم الخلاف بل خص بعضا دون بعض قيد محل القراءة، نحو: [نأى الإسرا صف]، وإن ذكرت في الفرش وخصها الخلاف ذكرها مطلقة لقرينة الخصوص، وإن كان النظير بسورتها لزم الترتيب نحو: (يعملون دم)، وإن عم الخلاف بعض النظائر نص عليه نحو:
(يغفر مدا أنث هناكم وظرب عم في الأعراف )، أو كل النظائر أتى بلفظ يعم، فإن كان واقعا في موضعين خاصة قال: (معا) نحو: (وقدره حرك معا) أو (كلا) نحو: (وكلا دفع دفاع) [وقد يصرح بهما نحو:
... ... ... ... ... [ظعن] ونحشر يا نقول ظنّة
ومعه حفص في سبا يكن (رضا)] ... ... ... ...
وإن كان في أكثر قال: (جميعا) [أو (كلا) نحو: يترك كلا خف حق].
وجه مد مالِكِ أنه اسم، قال: من ملك ملكا بالكسر، ويرجح بأن الله هو المالك الحقيقي، وبأن إضافته عامة؛ إذ يقال: «مالك الجن والإنس والطير»، و(ملك) يضاف لغير المملوك، فيقال: «ملك العرب والعجم»، وبأن زيادة البناء دليل على زيادة المعنى، وبأن ثواب تاليها أكثر.
ثم إن فسر بالمتصرف فهو من صفات الأفعال، أو القادر فمن صفات الذات ومفعوله محذوف، أي: مالك الجزاء أو القضاء، وأضيف للظرف توسعا، ويجوز أن يكون على ظاهره بلا تقدير. ونسبة الملك إلى الزمان في حق الله- تعالى- مستقيمة، ويؤيده قراءة ملك [بفعل ماض]، فإنه حينئذ مفعول به، ويوافق الرسم تقديرا؛ لأن المحذوف تحقيقا كالموجود.
ووجه القصر: أنه صفة مشبهة من ملك ملكا [بالضم]، ولا حذف؛ للزوم الصفة المشبهة، ويرجح بأنه تعالى ملك الملوك، وهي تدل على الثبوت، ف «ملك» أبلغ؛ لاندراج [المالك في الملك].
وقال أبو حاتم: «مالك» أبلغ [في مدح الخالق]، وملك أبلغ في مدح المخلوق، والفرق بينهما: أن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك، وإذا كان الله- تعالى- ملكا
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/305]
كان مالكا. واختاره ابن العربي، وبأنه- تعالى- تمدح بقوله: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران: 26] و«ملك» مأخوذ منه، ولم يتمدح بمالك الملك (بكسر الميم)، وبأنه أشرف لاستعماله مفردا، وهو موافق للرسم تحقيقا.
تنبيه:
ما تقدم من أن «مالك» من «ملك» بالكسر هو المعروف.
وقال الأخفش: (يقال: «ملك من الملك»، بضم الميم، و«مالك» من «الملك» بفتح الميم وكسرها، وروى ضمها أيضا بهذا [المعنى]، وروي عن العرب «لي في هذا الوادي ملك» بتثليث الميم، والمعروف الفرق: فالمفتوح بمعنى الشد والربط، والمضموم بمعنى القهر والتسليط على من يتأتّى منه الطاعة، ويكون باستحقاق [وغيره]، والمكسور بمعنى التسلط على من يتأتى منه [الطاعة] ومن لا يتأتى منه، ولا يكون إلا باستحقاق؛ فيكون بين المكسور والمضموم [عموم وخصوص من وجه]، والله أعلم.
ص:
والصّاد كالزّاي (ض) فا الأول (ق) ف = وفيه والثاني وذي اللّام اختلف
ش: (والصاد كالزاي) اسمية، و(ضفا) محله النصب بنزع الخافض، و(الأول) مبتدأ وخبره: [كذلك]، مقدر، و(قف) محله [أيضا] نصب، (وفيه) يتعلق بـ (اختلف)، (والثاني) عطف على الهاء من (فيه) على الصحيح من أن المعطوف على ضمير خفض [لا يحتاج لإعادة الخافض]، (وذي اللام) كذلك.
أي: قرأ الصاد من صِراطَ والصِّراطَ كيف وقع كالزاي، بالإشمام بين الصاد والزاي: ذو ضاد (ضفا) خلف عن حمزة، واختلف عن ذي قاف (قف) خلاد على
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/306]
أربعة أوجه:
فقطع له بإشمام الأول من الفاتحة خاصة الشاطبي والداني [في «التيسير»]، وبه قرأ على فارس.
وبإشمام حرفي الفاتحة صاحب «العنوان» والطرسوسي من طريق ابن شاذان عنه، وصاحب «المستنير» من طريق ابن البختري [، وبه قطع الأهوازي] عن الوزان أيضا، وهي طريق ابن حامد عن الصواف.
وبإشمام المعرف بأل خاصة هنا وفي جميع القرآن جمهور العراقيين، وهي طريق [ابن] بكار عن الوزان، وبه قرأ صاحب «التجريد» على الفارسي والمالكي، وهو الذي في «روضة» أبي علي البنداري، وطريق ابن مهران عن ابن أبي عمر عن الصواف عن الوزان، وهي رواية الدوري عن سليم عن حمزة.
وقطع له بعدم الإشمام في الجميع صاحب «التبصرة» و«التلخيص» و«الهداية» و«التذكرة» وجمهور المغاربة، وبه قرأ الداني على أبي الحسن، وهي طريق أبي الهيثم والطلحي، ورواية الحلواني عن خلاد.
والباقون بالصاد الخالصة في جميع المواضع؛ لأن إشمام الصاد ضده ترك الإشمام، وهو للمتروكين؛ فتعين لم ذكر أولا السين.
تنبيه:
معنى الإشمام هنا: خلط لفظ الصاد بالزاي، ويعرف بأنه: مزج الحرف بآخر.
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/307]
ويعبر عنه بصاد بين بين، وبصاد كزاي، وقد استعمل الإشمام [أيضا] في فصل قِيلَ [هود: 44] وغِيضَ [هود: 44]، وفي الوقف، وفي تَأْمَنَّا [يوسف: 11] [فهذه أربعة مواضع وقع ذكر الإشمام فيها. وقوله: (وفي الوقف)؛ أي: باب الوقف، وفي باب وقف حمزة وهشام] وكل منها يغاير غيره، وسيأتي التنبيه على كلّ في محله.
وجه السين: أنه الأصل؛ لأنه مشتق من السرط، وهو الابتلاع؛ إما لأنه يبتلع المارة به، أو المار به يبتلعه كما قالوا: «قتل أرضا عالمها، وقتلت أرض جاهلها»، وهذه لغة عامة العرب، وهو يوافق الرسم تقديرا، وإنما رسم صادا؛ ليدل على البدل فلا تناقضه السين.
ووجه الصاد: قلب السين صادا مناسبة للطاء بالاستعلاء والإطباق والتفخيم مع الراء؛ استثقالا للانتقال من سفل إلى علو.
ووجه الإشمام: ضم الجهر إلى المناسبات، وهي لغة قيس.
فائدة لغوية:
كل كلمة وجد فيها بعد السين حرف من أربعة جاز قلب السين صادا، وهي الطاء؛ نحو: الصِّراطَ [الفاتحة: 6] والخاء والغين المعجمتان؛ نحو: سخره ووَ أَسْبَغَ [لقمان: 20]، والقاف؛ نحو: سَقَرَ [القمر: 48]، وهذه الأربعة لم تقع في القرآن إلا على الأصل بالسين، والقلب في كلام العرب.
تنبيه:
الطرق الأربعة واضحة من كلام المصنف؛ لأن قوله: (الأول قف) إشارة إلى الأولى.
وقوله: (واختلف فيه مع الثاني) تفيد الخلاف فيه على انفراده وحال انضمامه للثاني، وهو الطريق الثانية.
وقوله: (واختلف في ذي اللام) إشارة للثالث، ويفهم من حكاية الخلف في الجميع
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/308]
الرابع.
ص:
وباب أصدق (شفا) والخلف (غ) ر = يصدر (غ) ث (شفا) المصيطرون (ض) ر
ش: (باب أصدق) قراءة (شفا) كالزاي اسمية، (والخلف كائن عن غر) كذلك، و(يصدر) إما مبتدأ [خبره] أشمه (غث)، أو مفعول لـ «أشم»، و(شفا) عطف على (غث)، و(المصيطرون ضر) كذلك فيهما، ولا محل للجمل كلها.
أي قرأ مدلول (شفا) (حمزة والكسائي وخلف) في اختياره باب «أصدق» كله بإشمام الصاد زاء، وهو كل صاد ساكنة بعدها دال، ك تَصْدِيقَ [يوسف: 111]، ويَصْدِفُونَ [الأنعام: 46] وفَاصْدَعْ [الحجر: 94] ويَصْدُرُ [الزلزلة: 6] واختلف عن ذي غين (غر) رويس في الباب كله:
فروى عنه النخاس والجوهري: إشمام الكل، وبه قطع ابن مهران.
وروى أبو الطيب وابن مقسم الصاد الخالصة، وبه قطع الهذلي، واتفقوا عنه على إشمام يُصْدِرَ الرِّعاءُ [القصص: 23] ويَصْدُرُ النَّاسُ [الزلزلة: 6] [ولهذا] قال:
(يصدر غث شفا) أي: أشمها لهؤلاء.
فإن قلت: إعادة (شفا) تكرار؛ لدخوله في باب (أصدق).
قلت: بل واجب الذكر؛ لرفع توهم انفراد رويس بها.
ثم كمل فقال:
ص:
(ق) الخلف مع مصيطر والسّين (ل) ى = وفيهما الخلف (ز) كى (ع) ن (م) لى
ش: (ق) مبتدأ (والخلف) ثان، وخبره محذوف، أي: كائن عنه، في (المصيطرون) والجملة خبر الأول، و(مع مصيطر) حال، (والسين فيهما [كائن] عن لى ) اسمية، و(زكى) مبتدأ، و(عن وملى) معطوفان عليه، و(فيهما) خبر، و(الخلف) فاعل الظرف تقديره: ذو زكى وعن وملى استقر الخلف في الكلمتين عنهم.
أي: قرأ ذو ضاد (ضر) خلف في البيت المتلو بلا خلاف عنه: الْمُصَيْطِرُونَ [الطور: 37]، وبِمُصَيْطِرٍ بالغاشية [22] بالإشمام.
واختلف عن ذي قاف (ق) خلاد: فروى [عنه] جمهور المشارقة والمغاربة
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/309]
الإشمام، وهو الذي لم يوجد نص بخلافه، وأثبت له الخلاف [فيهما] صاحب «التيسير» من قراءته على أبي الفتح، وتبعه الشاطبي، وروى عنه الصاد الحلواني، ومحمد بن سعيد البزار [كلاهما عن خلاد]، وقرأهما بالسين ذو لام (لى) هشام، واختلف فيهما عن ذي زاي (زكى) وعين (عن) وميم (ملى) قنبل وحفص وابن ذكوان.
فأما قنبل: فرواهما عنه بالصاد ابن شنبوذ من «المبهج»، وكذا نص الداني في «جامعه»، وبالسين ابن مجاهد، وابن شنبوذ [من] «المستنير»، ونص على السين في الْمُصَيْطِرُونَ والصاد في بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية: 22] جمهور العراقيين [والمغاربة]، وهو الذي في «الشاطبية» [و «التيسير»].
وأما ابن ذكوان فرواهما عنه بالسين ابن مهران من طريق الفارسي عن النقاش، وهي رواية ابن الأخرم وغيره عن الأخفش بالصاد وابن سوار، ورواه الجمهور عن النقاش، وهو الذي في «الشاطبية» و«التيسير».
وأما حفص فنص له على الصاد فيهما ابن مهران وابن غلبون وصاحب «العنوان»، وهو الذي في «التبصرة» و«الكافي» و«التلخيص»، وهو الذي عند الجمهور له، وذكره الداني في «جامعه» عن الأشناني عن عبيد، وبه قرأ على أبي الحسن، ورواهما بالسين زرعان عن عمرو، [وهو نص الهذلي عن الأشناني] عن عبيد، وحكاه الداني في «جامعه» عن أبي طاهر عن الأشناني، وكذا رواه ابن شاهي عن عمرو، وروى آخرون [عنه]: المسيطرون [الطور: 37] بالسين وبِمُصَيْطِرٍ [الغاشية: 22] بالصاد، وكذا هو في «المبهج» و«الإرشاد» و«غاية أبي العلاء».
وبه قرأ الداني على أبي الفتح، وقطع بالخلاف له في الْمُصَيْطِرُونَ وبالصاد في بِمُصَيْطِرٍ في «التيسير» و«الشاطبية».
والحاصل من هذه الطرق: أن لكل من قنبل وحفص ثلاث طرق، ولابن ذكوان طريقان.
ووجه كل منهما يفهم مما تقدم). [شرح طيبة النشر للنويري: 1/310] (م)
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): (ثم انتقل فقال:
ص:
عليهمو إليهمو لديهمو = بضمّ كسر الهاء (ظ) بى (ف) هم
ش: (ظبى) فاعل (قرأ) و(فهم) عطف عليه، حذف عاطفه، و(عليهم) مفعوله، و(إليهم ولديهم) حذف عاطفهما، و(بضم) يتعلق بـ (قرأ)، أو (ظبى) مبتدأ و(فهم) عطف عليه، و(عليهم) وما بعده مفعول (قرأ)، أو هو الخبر.
أي: قرأ ذو ظاء (ظبى) وفاء (فهم)، يعقوب وحمزة، عليهُم وإليهُم ولديهُم، بضم كسر الهاء في الثلاث، [حال وصله ووقفه]، ويفهمان من إطلاقه:
[إذا كانت لجمع مذكر ولم] يتلها ساكن علم مما بعد، ويتزن البيت بقراءة ابن كثير والباقون بالكسر كما صرح به.
فائدة
: الخلاف تارة يعم الوصل والوقف فيطلقه كهذا الموضع ومالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4] وتارة يخص الوصل وتارة الوقف، فإن خص أحدهما وجاز غيره في الآخر تعين القيد، نحو: (حاشا معا صل)، وإن امتنع اعتمد على القرينة؛ نحو: (وآدم انتصاب الرّفع دل)، وربما صرح به تأكيدا؛ نحو: (في الوصل تا تيمموا).
وجه ضم الهاء: أنه الأصل؛ بدليل الإجماع عليه قبل اتصالهما، وهي لغة قريش، والحجازيين ومجاوريهم من فصحاء اليمن، ولأنها خفيّة فقويت بأقوى حركة.
ووجه الكسر: مجانسة لفظ الياء، وهي لغة قيس وتميم وبني سعد، ورسمهما واحد.
ثم كمل فقال:
ص:
وبعد ياء سكنت لا مفردا = (ظ) اهر وإن تزل كيخزهم (غ) دا
ش: (ظاهر) فاعل (قرأ)، و(بعد) ظرفه ومتعلقه محذوف لدلالة الأول، وهو (بضم كسر الهاء)، وكذلك مفعوله، وهو كل هاء بعد ياء، و(سكنت) صفة ياء، و(لا مفردا) عطف بـ (لا) المشتركة لفظا على المفعول المحذوف، و(تزل) فعل الشرط و(كيخزهم) خبر مبتدأ محذوف، و(ذو غدا) فاعل (قرأ)، وهو جواب (إن)، أي: قرأ ذو ظاء (ظاهر) يعقوب كل هاء وقعت بعد ياء ساكنة بضم الكسر، سواء كانت في الثلاثة أو
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/311]
[في] غيرها، في ضمير تثنية أو جمع، مذكر أو مؤنث، نحو: عليهُما ولديهُما وإليهُما وصياصيهُم [الأحزاب: 26] وجنتيهُم [سبأ: 16] وترميهُم [الفيل: 4] وعليهُن وفيهُن وإليهُن إلا إن أفرد الضمير نحو (عليه) و(إليه) وسيأتي في باب الكناية.
وهذا كله إن كانت الياء موجودة، فإن زالت لعلة جزم أو بناء؛ نحو: وإن يأتهُم [الأعراف: 169] ويخزهُم [التوبة: 14] فاستفتهُم [الصافات: 149] فَآتِهِمْ [الأعراف: 38] فإن رويسا ينفرد بضم ذلك كله، إلا ما أشار إليه [بقوله]:
ص:
وخلف يلههم قهم ويغنهم = عنه ولا يضمّ من يولّهم
ش: (وخلف هذا اللفظ كائن عنه) اسمية، وعاطف (قهم) محذوف بدلالة الثاني، (ولا يضم) منفية، وفي المعنى مخرجة من قوله: (وإن تزل).
أي: اختلف عن ذي غين (غدا) (رويس) المعبر عنه بضمير (عنه) في وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ [الحجر: 3] ويُغْنِيَهُمُ اللَّهُ [النور: 33] ووَ قِهِمُ السَّيِّئاتِ [غافر: 9] ووَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ [غافر: 7] فروى كسر الأربعة القاضي عن النخاس، والثلاثة الأول الهذلي عن الحمامي، وكذا نص الأهوازي.
وقال الهذلي: وكذا أخذ علينا في التلاوة، زاد ابن خيرون عنه كسر الرابعة، وضم الأربعة الجمهور عن رويس، واتفق عنه على كسر وَمَنْ يُوَلِّهِمْ [الأنفال: 16].
وجه ضم الجميع: ما تقدم.
ووجه كسر المستثنى: الاعتداد بالعارض، وهو زوال الياء مراعاة صورة اللفظ، ووجه الاتفاق في يُوَلِّهِمْ تغليب العارض، والله أعلم.
ص:
وضمّ ميم الجمع (ص) لـ (ث) بت (د) رى = قبل محرّك وبالخلف (ب) را
ش: (ضمّ) مفعول (صل) من (يصل)، حذفت فاؤه حملا على المضارع، [والجملة خبر (من)] و(ثبت) [محله نصب على نزع الخافض] (ودرى) عطف عليه، والعائد محذوف: أي: ذو (ثبت) و(درى) صل لهما ضم ميم الجمع، و(قبل محرك) ظرف أو
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/312]
حال المفعول، (وبالخلف) خبر مقدم، أي: وذو [باء] (برا).
وروى عنه بالخلف، أي: ضم ميم الجمع وصلها بواو لذي ثاء (ثبت) (أبو جعفر) ودال (درى) (ابن كثير) إن كانت قبل محرك نحو عليهمو غير [الفاتحة: 7] معكمو أينما [الحديد: 4] جاءكمو موسى [البقرة: 92] واختلف عن قالون، وأطلق جمهور العراقيين وابن بليمة الخلاف عنه من الطريقين، وفي «التيسير» الخلاف عن أبي نشيط، وجعل مكي الإسكان لأبي نشيط والصلة للحلواني.
تنبيه:
تحتاج الميم لقيدين وهما: قبل محرك ولو تقديرا؛ ليندرج فيه كنتمو تمنون [آل عمران: 143] وفظلتمو تفكهون [الواقعة: 65] على التشديد، وأن يكون المحرك منفصلا؛ ليخرج عنه نحو دَخَلْتُمُوهُ [المائدة: 23] أَنُلْزِمُكُمُوها [هود: 28] فإنه مجمع عليه.
ثم تمم حكم الميم فقال:
ص:
وقبل همز القطع ورش ... ... ... ... ...
ش: (ورش) فاعل (وصل) مقدرا، و(قبل) ظرفه أو حال مفعوله، وهو ضم ميم الجمع.
[أي: ووصل ورش ضم ميم الجمع] والواقعة قبل همزة القطع من طريقيه.
فإن قلت: إفراد ورش يوهم تخصيصه.
قلت: إذا علمت أن قاعدته ذكر صاحب الأصل أولا ثم إفراد الموافق؛ كقوله:
... ... ... .... ولفا فعل سوى الإيواء الأزرق اقتفى وكقوله:
وافق في إدغام صفّا زجرا = ذكرا وذروا (ف) د ...
قد علمت أنه أحسن فيما فعل.
فإن قلت: هلا قال: وافق ورش؛ كقوله: «وافق في: مؤتفك»؟
قلت: لو قاله لم يعلم أوافق الأقرب على الخلاف، أو الأبعد على الصلة.
فإن قلت: لم يبين هل الخلاف في الوصل أو الوقف؟
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/313]
قلت: شرط في الصلة كونها قبل محرك ولا يكون إلا وصلا.
تفريع:
يثلث لورش باعتبار طريقيه؛ [نحو] أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ [البقرة: 6] كما يثلث وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة: 275] وجه الضم أنه الأصل؛ ولهذا أجمع عليه عند اتصال الضمير، نحو دَخَلْتُمُوهُ [المائدة: 23] ويوافق الرسم وقفا أو تقديرا، أو امتنع في الوقف؛ لأنه محل تخفيف.
وجمع قالون بين اللغتين؛ كقول لبيد [من الكامل]:
... ... ... ... = وهم فوارسها وهم حكّامها
وخص ورش الهمزة إيثارا للمد، وأيضا فمذهبه النقل، ولو نقلت لحركت [الميم] بالثلاث، [فحركتها] بحركتها الأصلية، وأسكنها الباقون تخفيفا؛ لكثرة دورها مع أمن اللبس، وعليه الرسم.
ولما تم حكم [المتحرك] ما بعدها، انتقل للساكن ما بعدها فقال:
ص:
... ... ... ... واكسروا = قبل السّكون بعد كسر (ح) رّروا
وصلا وباقيهم بضمّ و(شفا) = مع ميم الهاء وأتبع (ظ) رفا
ش: (قبل) و(بعد) ظرفان، (كسر وحرروا) محله نصب بنزع الخافض، [وكذا (وصلا وباقيهم قرءوا بضم) اسمية و(شفا) فاعل (ضم) مقدرا، والهاء مفعوله، و(مع ميم) حال الهاء، و(ظرفا) نصب بنزع الخافض] المتعلق بـ (أتبع)، أي: كسر ذو حاء (حرروا) أبو عمرو الميم وصلا قبل الساكن إذا كان قبلها كسر، نحو: بِهِمُ الْأَسْبابُ [البقرة:
166]، عَلَيْهِمُ الْقِتالُ [البقرة: 246]. وبعد كسر شامل للهاء التي قبلها كسرة، أو ياء ساكنة كالمثالين، وخرج [عنه]: لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ [هود: 31] لأن الميم بعد ضم، والباقون بضمها، وصرح به ليتعين ضد الكسر، وضم مدلول (شفا) (حمزة والكسائي
[شرح طيبة النشر للنويري: 1/314]
وخلف) [الهاء] مع الميم، وأتبع ذو ظاء ظرفا (يعقوب) الهاء في حكمها المتقدم، فيضم في نحو: يُرِيهِمُ اللَّهُ [البقرة: 167] ويكسر في نحو بِهِمُ الْأَسْبابُ [البقرة: 166] ويجوز لرويس في نحو يُغْنِهِمُ اللَّهُ [النور: 32] الوجهان اللذان في الهاء، وأجمعوا على ضم الميم بعد مضموم، سواء كان ياءً ك لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ [هود: 31]، أو [هاء] نحو: عَلَيْهِمُ الْقِتالُ [البقرة: 246] أو تاء نحو: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ [آل عمران: 139]، وعلم من قوله: (وصلا) أن الكل يقفون بكسر الهاء والميم، ويخص هذا العموم حمزة ويعقوب بـ عَلَيْهِمْ* [وإِلَيْهِمْ*] ولَدَيْهِمْ*.
وجه ضم الميم المتفق عليه: أنه حرّك للساكنين بالضمة الأصلية وأيده الإتباع، وامتنع إثبات الصلة للساكن ك وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [البقرة: 25]، ولا يرد كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ [آل عمران: 143]؛ للعروض.
ووجه كسرهما: أنه كسر الميم على أصل التقاء الساكنين، والهاء لمناسبة الطرفين، أي: ما بعدها وما قبلها، والياء مجانسة الكسرة، فتخلف أصلان، وهما ضمهما، وحصل وصل وهو كسر أول الساكنين، ومناسبتان وهما أولى. ووجه ضمها: أن الميم حركت للساكن بحركة الأصل وضم الهاء اتباعا [لها] لا على الأصل، وإلا لزم بقاء ضمها وقفا، إلا أن حمزة في عَلَيْهِمْ* وما معها آثر الإتباع في الوقف، وهي لغة [بني] سعد.
ووجه كسر الهاء وضم الميم: مناسبة الهاء للياء وتحريك الميم بالأصلية، وهي لغة بني سعد وأهل الحرمين، وفيها موافقة أصل وهو تحريك الميم بالأصلية، ومناسبة وهي كسر الهاء للياء، ومخالفة أصلين وهما ضم [الهاء] وكسر الميم على أصل التقاء الساكنين.
خاتمة:
(آمين) ليست من القرآن، وفيها أربع لغات: مد الهمزة وقصرها مع تخفيف الميم وتشديدها، [لكن في التشديد بحاليه خلاف] ). [شرح طيبة النشر للنويري: 1/315]

قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (واختلف في "الصراط، وصراط" [الآية: 6، 7] فقنبل من طريق ابن مجاهد وكذا رويس بالسين حيث وقعا على الأصل؛ لأنه مشتق من السرط وهو البلع وهي لغة عامة العرب وافقهما ابن محيصن فيهما والشنبوذي فيما تجرد عن اللام.
وقرأ: خلف عن حمزة بإشمام الصاد الزاي في كل القرآن ومعناه، مزج لفظ الصاد بالزاي وافقه المطوعي.
واختلف: عن خلاد على أربع طرق الأولى الإشمام في الأول من الفاتحة فقط الثانية الإشمام في حرف الفاتحة فقط الثالثة الإشمام في المعرف باللام خاصة هنا، وفي جميع القرآن الرابعة عدم الإشمام في الجميع والأربعة مستفادة من قول الطيبة الأول أي: بالإشمام قف، وفيه والثاني وذي اللام اختلف، والباقون بالصاد كابن شنبوذ وباقي الرواة من قنبل وهي لغة قريش.
وعن: الحسن "اهدنا صراطا مستقيما" [الآية: 6] بالنصب والتنوين فيهما من غير أل). [إتحاف فضلاء البشر: 1/365] (م)
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (واختلف: في ضم الهاء وكسرها من "عليهم" [الآية: 7] "وإليهم ولديهم وعليها
[إتحاف فضلاء البشر: 1/365]
وإليهما وفيهما وعليهن وإليهن وفيهن وصياصيهم وبجنتيهم وترميهم وما نريهم وبين أيديهن" وما يشبه ذلك من ضمير التثنية والجمع مذكرا أو مؤنثا.
فحمزة: وكذا يعقوب من "عليهم، وإليهم، ولديهم" الثلاثة فقط، حيث أتت بضم الهاء على الأصل؛ لأن الهاء لما كانت ضعيفة لخفائها خصت بأقوى الحركات، ولذا تضم مبتدأة وبعد الفتح والألف والضمة والواو والسكون في غير الياء نحو: هو ولهو ودعاه ودعوه ودعه، وهي لغة قريش والحجازيين، وافقهما المطوعي في الثلاثة والشنبوذي في عليهم فقط، حيث وقع، وزاد يعقوب فقرأ جميع ما ذكر وما شابهه مما قبل الهاء ياء ساكنة بضم الهاء أيضا، وافقه الشنبوذي في عليهما فقط، وهذا كله إذا كانت الياء موجودة فإن زالت لعلة جزم نحو: "وإن يأتهم ويخزهم أو لم يكفهم" أو بناء نحو: "فاستفتهم" فرويس وحده بضم الهاء في ذلك كله إلا قوله تعالى "ومن يولهم يومئذ" بالأنفال فإنه كسرها من غير خلف واختلف عنه في "ويلههم الأمل" بالحجر و"يغنهم الله" في النور "وقهم السيئات، وقهم عذاب الجحيم" موضعي غافر والباقون: بكسر "الهاء في ذلك" كله في جميع القرآن لمجانسة الكسر لفظ الياء أو الكسر وهي لغة قيس وتميم وبني سعد.
واختلف: في صلة ميم الجمع بواو وإسكانها إذا وقعت قبل محرك ولو تقديرا نحو: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا} ومما رزقناهم ينفقون فقالون بخلف عنه وابن كثير وكذا أبو جعفر بضم الميم ووصلها بواو في اللفظ، اتباعا للأصل بدليل "دخلتموه، أنلزمكموها" وافقهم ابن محيصن والإسكان لقالون في الكافي والعنوان والإرشاد وكذا في الهداية من طريق أبي نشيط، ومنها قرأ به الداني على أبي الحسن ومن طريق الحلواني على أبي الفتح،
[إتحاف فضلاء البشر: 1/366]
والصلة له في الهداية للحلواني، وبها قرأ الداني على أبي الفتح من الطريقين عن قراءته على عبد الله بن الحسين من طريق الجمال عن الحلواني. واشترطوا في الميم أن تكون قبل محرك ولو تقديرا ليندرج فيه "كُنْتُمْ تَمَنَّوْن، فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُون" على التشديد وأن يكون المحرك منفصلا ليخرج عنه المتصل نحو: "دخلتموه، وأنلزمكموها" فإنه مجمع عليه.
وقرأ ورش: من طريقيه بالصلة إذا وقع بعد ميم الجمع همزة قطع نحو: "عليهم، ءأنذرتهم" إيثارا للمد، وعدل عن نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، الذي هو مذهبه؛ لأنه لو أبقى الميم ساكنة لتحركت بسائر الحركات، فرأى تحريكها بحركتها الأصلية أولى والباقون بالسكون في جميع القرآن للتخفيف وأجمعوا على إسكانها وقفا؛ لأنه محل تخفيف.
واختلف: في ضم ميم الجمع وكسرها وضم ما قبلها وكسره، إذا كان بعد الميم ساكن وقبلها هاء مكسورة ما قبلها كسرة أو ياء ساكنة نحو: "عليهم القتال، ويؤتيهم الله، وبهم الأسباب، وفي قلوبهم العجل" "فنافع" وابن كثير وابن عامر وعاصم وكذا أبو جعفر بضم الميم وكسر الهاء في ذلك كله، ووجهه مناسبة الهاء بالياء، وتحريك الميم بالحركة الأصلية، وهي لغة بني
[إتحاف فضلاء البشر: 1/367]
أسد وأهل الحرمين، وافقهم ابن محيصن وقرأ أبو عمرو بكسر الهاء لمجاورة الكسرة أو الياء الساكنة وكسر الميم أيضا على أصل التقاء الساكنتين، وافقه اليزيدي والحسن.
وقرأ: حمزة والكسائي وكذا خلف بضمهما؛ لأن الميم حركت للساكن بحركة الأصل وضم الهاء اتباعا لها، وافقهم الأعمش وقرأ يعقوب باتباع الميم الهاء على أصله، فضمها حيث ضم الهاء في نحو: "يريهم الله" لوجود ضم الهاء وكسرها في نحو: "قلوبهم العجل" لوجود الكسرة.
وأما: الوقف فكلهم على إسكان الميم، وهم على أصولهم في الهاء فحمزة بضم الهاء من نحو: "عليهم القتال، وإليهم اثنين" ويعقوب بضم ذلك ونحو: "يريهم الله، ولا يهديهم الله" ورويس في نحو: "يغنهم الله" على أصله بالوجهين.
واتفقوا: على ضم الميم المسبوقة بضم سواء كان في هاء أو كاف أو تاء نحو: "يلعنهم الله، ويلعنهم اللاعنون، عليكم القتال، وأنتم الأعلون" وإذا وقفوا سكنوا الميم، وعن ابن محيصن من المبهج "غَيْرَ الْمَغْضُوبِ" [الآية: 7] بنصب غير على الحال، قيل من الذين وهو ضعيف، وقيل من الضمير في عليهم، وعنه من المفردة الخفض كالجمهور على البدل من الذين بدل نكرة من معرفة، أو من الضمير المجرور في عليهم). [إتحاف فضلاء البشر: 1/368] (م)
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {الصراط} [6] و{صراط} [7] قرأهما قنبل حيث وقعا بالسين، وخلف بإشمام الصاد الزاي، وخلاد مثله في الأول خاصة، وفي هذه السورة فقط، والباقون بالصاد، ولا خلاف في تفخيم رائه لوقوع حرف الاستعلاء بعدها). [غيث النفع: 324] (م)
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {أنعمت} العين من حروف الحلق الستة وهي الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء.
ولا خلاف بين القراء في إظهار النون الساكنة والتنوين عند الهمزة والهاء والعين والحاء والمهملتين، ولا خلاف بين السبعة أيضًا في إظهارهما عند الخاء والغين المعجمتين). [غيث النفع: 325]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {عليهم} ضم حمزة هاءه وصلاً ووقفًا، والباقون بالسكر، وضم الملكي وقالون بخلف عنه وصلاً كل ميم جمع ووصلاها بواو لفظًا، وعليه فلقالون فيما بعده همزة قطع المد والقصر، فهو من باب المنفصل نحو {قالوا ءامنا} [البقرة 14] وسواء اتصلن بهاء كـ {عليهم} و{ءأنذرتهم} [البقرة 6] أو كاف نحو {أنكم} [البقرة 187] و{عليكم} [البقرة 40] أو تاء نحو {أنتم} [البقرة 85] و{كنتم} [البقرة 23].
وافق ورش على الصلة إذا وقع بعد ميم الجمع همزة قطع، نحو {لهم ءامنوا} [البقرة 13] ومد ورش له طويلاً لأنه من باب المنفصل لا يخفى، والباقون بالسكون، فإن اتصلت بضمير نحو {أنلزمكموها} [هود 28] و{دخلتموه} [المائدة 23] وجبت الصلة لفظًا وخطًا اتفاقًا). [غيث النفع: 325] (م)
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {الضالين} مد لازم لأنه سببه ساكن مدغم لازم، ومذهب الجمهور، بل نقل بعضهم الإجماع عليه أن القراء كلهم يمدون للساكن اللازم مدًا مشبعًا من غير إفراط، لا تفاوت بينهم فيه). [غيث النفع: 325]
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ( {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}
{صراط}
- تقدمت القراءة في المعرف بالصاد والسين، والإشمام زاياً.
[معجم القراءات: 1/19]
{صراط الذين}
. حكي عن أبي عمرو أن أعرابياً قرأ (صراط لذين) بلام
واحدة.
وفي كتاب الشواذ لأبي محمد عبد السلام المقرئ:
قرأ أبي بن كعب وابن السميفع وأبو رجاء (صراط الذين) بتخفيف اللام حيث كان جمعاً أو واحدً.
- وقرأ ابن مسعود وابن الزبير وزيد بن علي وعمر بن الخطاب وعلي وعلقمة والأسود (صراط من أنعمت عليهم).
- وقراءة الجماعة (صراط الذين» بلام مضعفة.
{عليهم}
- قرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر والكسائي عليهم بكسر
الهاء وإسكان الميم، وهي لغة قيس وبني أسد وتميم.
[معجم القراءات: 1/20]
وقرأ حمزة ويعقوب (عليهم) بضم الهاء وإسكان الميم وقفاً ووصلاً, وهي لغة رسول الله صلي الله عليه وسلم وقريش والحجازيين ومن حولهم من فصحاء اليمن.
- وقرأ الحسن وعمرو بن فائد (عليهمي) بكسر الهاء والميم, وياء بعدها.
- وقرأ الحسن وعمرو بن فائد وأبو عمرو (عليهم) بكسر الهاء والميم من غير ياء, ووافقهم على ذلك اليزيدي.
- وقرأ ابن كثير ونافع وقالون بخلاف عنه وأبو جعفر وابن محيصن وورش (عليهمو) بكسر الهاء وضم الميم وواو بعدها
- وإذا وقف ابن كثير أسقط الواو.
- وقرأ الأعرج (عليهم) بكسر الهاء وضم الميم بغير واو.
[معجم القراءات: 1/21]
وقرأ الأعرج والكسائي وابن كثير وقالون ويعقوب (عليهم) بضم الهاء والميم.
- وقرأ (عليهمو) بضم الهاء وكسر الميم وياء بعدها الحسن البصري وعمرو بن فائد, وهذه من القراءات التي زادها الأخفش.
- وزاد الأخفش أيضاً (عليهم) بضم الهاء وكسر الميم من غير إشباع إلى الياء.
- وقرأ هؤلاء القراء في الوقف بالإسكان, ولم ينقل عنهم في هذا خلاف.
{غير المغضوب عليهم}
- قرأ (غير) بالجر, نافع وعاصم وأبو بكر وأبو عمرو وأبن عامر.
[معجم القراءات: 1/22]
وابن كثير وحمزة والكسائي, وذهب العلماء إلى أن الجر على البدل من (الذين) أو على أنه نعت, وذهب ابن كيسان إلى أنها بدل من الهاء والميم في (عليهم)
- وروي صدقة والخليل بن أحمد عن ابن كثير (غير) بالنصب وهي قراءة عمر وعلي وابن مسعود وعبد الله بن الزبير وأبي بن كعب, وهي قراءة ابن محيصن ورواية المعدل عن الأعمش.
وبذلك يكون عن ابن كثير, روايتان: النصب والجر والنصب على الحال, وهو الوجه الأول عند ابن خالويه, والثاني على الاستثناء من الهاء والميم في عليهم, وإلى مثل هذا ذهب الزجاج والأخفش.
وكره الطبري هذه القراءة لشذوذها عن قراءة القراء.
- وقرأ عمر بن الخطاب (غير) بالرفع, أي: هم غير المغضوب عليهم, أو أولئك, على الابتداء والخبر.
[معجم القراءات: 1/23]
{ولا الضالين}
لا: قرأ عمر وعلى وأبي وأبو بكرو علقمة والأسود وعبد الله بن الزيبر (وغير الضالين)
قال ابن حجر: (ذكرها أبو عبيد وسعيد بن منصور بإسناد صحيح, وهي للتأكيد أيضاً).
قال ابن عطية: وروي عنهما (عمر وأبي) في الراء النصب والخفض في الحرفين.
{الضالين}
وقرأ أيوب السختياني (ولا الضالين) بإبدال الألف همزة؛ فراراً من التقاء الساكنين.
قال ابن خالويه: (قيل لأيوب: لم همزت؟ فقال: إن المدة التي مددتموها أنتم لتحجزوا بين الساكنين هي هذه الهمز التي همزت
- وقراءة الجماعة (ولا الضالين)
- وقرأه الزهري بتخفيف اللام (الضالين) حيث وقع). [معجم القراءات: 1/24]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:45 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة