العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 01:10 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة التوبة [ من الآية (58) إلى الآية (60) ]

تفسير سورة التوبة
[ من الآية (58) إلى الآية (60) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 01:11 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ومنهم من يلمزك في الصدقات قال يطعن عليك). [تفسير عبد الرزاق: 1/277]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سعيد الخدري قال بينا رسول الله يقسم قسما إذ جاءه ابن ذي الخويصره التميمي فقال اعدل يا رسول الله فقال ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل قال عمر يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه فقال دعه فإن له أصحابا يحتقر أحدكم صلاته مع صلاتهم و صيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كم يمرق السهم من الرمية فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في نصيه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في رصافه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في نصله فلا يرى فيه شيء قد سبق الفرث و الدم آيتهم رجل أسود إحدى يديه أو قال على إحدى يديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر يخرجون على حين فترة من الناس قال فنزلت فيه ومنهم من يلمزك في الصدقات قال أبو سعيد أشهد أني سمعت هذا من رسول الله وأشهد أن عليا حين قتلهم وأنا معه جيء بالرجل على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم). [تفسير عبد الرزاق: 1/277-278]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصّدقات}
- أخبرنا محمّد بن عبد الأعلى، حدّثنا محمّدٌ يعني ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن بن عوفٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقسم قسمًا، إذ جاء ابن أبي الخويصرة التّميميّ، فقال: اعدل يا رسول الله، قال: «ويحك، ومن يعدل إذا لم أعدل» فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فأضرب عنقه، قال: «دعه، فإنّ له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته، وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة، فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيءٌ، ثمّ ينظر في نضيّه، فلا يوجد فيه شيءٌ، ثمّ ينظر في رصافه، فلا يوجد فيه شيءٌ، ثمّ ينظر في نضله فلا يوجد فيه شيءٌ، سبق الفرث والدّم، آيتهم رجلٌ أسود في إحدى يده - أو إحدى يديه - مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، يخرجون على حين فترةٍ من النّاس» قال: فنزلت فيهم {ومنهم من يلمزك في الصّدقات} [التوبة: 58] قال أبو سعيدٍ: أشهد أنّي سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأشهد أنّ عليًّا حين قتلهم جيء بالرّجل على النّعت الّذي نعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم). [السنن الكبرى للنسائي: 10/115]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصّدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون}.
يقول تعالى ذكره: ومن المنافقين الّذين وصفت لك يا محمّد صفتهم في هذه الآيات {من يلمزك في الصّدقات} يقول: يعيبك في أمرها ويطعن عليك فيها.
يقال منه: لمز فلانًا يلمزه، ويلمزه: إذا عابه وقرصه، وكذلك همزه. ومنه قيل: فلانٌ همزةٌ لمزةٌ، ومنه قول رؤبة:
قاربت بين عنقي وجمزي = في ظلّ عصري باطلي ولمزي
ومنه قول الآخر:
إذا لقيتك تبدي لي مكاشرةً = وأن أغيب فأنت العائب اللّمزه
{فإن أعطوا منها رضوا} يقول: ليس بهم في عيبهم إيّاك فيها وطعنهم عليك بسببها الدّين، ولكن الغضب لأنفسهم، فإن أنت أعطيتهم منها ما يرضيهم رضوا عنك، وإن أنت لم تعطهم منهم سخطوا عليك وعابوك.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ومنهم من يلمزك في الصّدقات} قال: يروزك.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ومنهم من يلمزك في الصّدقات} يروزك ويسألك.
- قال ابن جريجٍ: وأخبرني داود بن أبي عاصمٍ، قال: قال أتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بصدقةٍ، فقسمها هاهنا وهاهنا حتّى ذهبت، قال: ورآه رجلٌ من الأنصار، فقال: ما هذا بالعدل، فنزلت هذه الآية.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ومنهم من يلمزك في الصّدقات} يقول: ومنهم من يطعن عليك في الصّدقات. وذكر لنا أنّ رجلاً من أهل البادية حديث عهدٍ بأعرابيّةٍ، أتى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقسم ذهبًا وفضّةً، فقال: يا محمّد، واللّه لئن كان اللّه أمرك أن تعدل ما عدلت، فقال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ويلك فمن ذا يعدل عليك بعدي؟ ثمّ قال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: احذروا هذا وأشباهه، فإنّ في أمّتي أشباه هذا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، فإذا خرجوا فاقتلوهم، ثمّ إذا خرجوا فاقتلوهم، ثمّ إذا خرجوا فاقتلوهم. وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: والّذي نفسي بيده ما أعطيكم شيئًا ولا أمنعكموه إنّما أنا خازنٌ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {ومنهم من يلمزك في الصّدقات} قال: يطعن.
- قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن، عن أبي سعيدٍ، قال: بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقسم قسمًا؛ إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التّميميّ، فقال: اعدل يا رسول اللّه، فقال: ويلك ومن يعدل إن لم أعدل؟ فقال عمر بن الخطّاب: يا رسول اللّه ائذن لي فأضرب عنقه، قال: دعه، فإنّ له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة، فينظر في قذذه فلا ينظر شيئًا، ثمّ ينظر في نصله فلا يجد شيئًا، ثمّ ينظر في رصافه فلا يجد شيئًا، قد سبق الفرث والدّم، آيتهم رجلٌ أسود إحدى يديه أو قال: يديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر، يخرجون على حين فترةٍ من النّاس. قال: فنزلت: {ومنهم من يلمزك في الصّدقات} قال أبو سعيدٍ: أشهد أنّي سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأشهد أنّ عليًّا رحمة اللّه عليه حين قتلهم جيء بالرّجل على النّعت الّذي نعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ومنهم من يلمزك في الصّدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} قال: هؤلاء المنافقون، قالوا: واللّه ما يعطيها محمّدٌ إلاّ من أحبّ ولا يؤثر بها إلاّ هواه، فأخبر اللّه نبيّه، وأخبرهم أنّه إنّما جاءت من اللّه، وأنّ هذا أمرٌ من اللّه ليس من محمّدٍ: {إنّما الصّدقات للفقراء} الآية). [جامع البيان: 11/505-508]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ومنهم من يلمزك في الصّدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون (58)
قوله تعالى: ومنهم من يلمزك في الصدقات
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ ثنا عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ عن الزّهريّ عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن بن عوفٍ عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: بينا النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- يقسم قسمًا إذا جاءه ابن ذي الخويصرة التّميميّ فقال: اعدل يا رسول اللّه، فقال: ويلك، فمن يعدل إذا لم أعدل؟! فقال عمر بن الخطّاب: ائذن لي يا رسول اللّه، فأضرب عنقه، قال: دعه، فإنّ لهذا أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة، فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيءٌ ثمّ ينظر في نضيّه كذا يقول معمرٍ: فلا يرى فيه شيءٌ ثمّ ينظر في رصافه فلا يرى فيه شيءٌ ثمّ ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيءٌ، قد سبق الفرث والدّم، آيتهم: رجلٌ أسودٌ إحدى يديه أو قال: مثل إحدى يديه مثل حلمة ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر يخرجون على حين فترة من النّاس، قال: فنزلت فيهم ومنهم من يلمزك في الصّدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون قال أبو سعيدٍ: وأشهد أنّي سمعت هذا الحديث من النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- وأشهد أنّ عليًّا حين قتلهم وأنا معه جيء بالرّجل على النّعت الّذي نعت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم-.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً، ثنا محمّد بن شعيب بن شابور أخبرني عثمان بن عطاءٍ عن أبيه عطاءٍ قال: وأمّا يلمزك في الصّدقات فللمز: الطّعن عليه في الصّدقات.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ ومنهم من يلمزك في الصّدقات قال: يلمزك، يسألك.
قوله تعالى: فإن أعطوا منها رضوا.
- ذكره ابن أبي أسلم، ثنا إسحاق بن راهويه الحنظليّ، أنبأ محمّد بن يزيد، أنبأ جويبرٌ عن الضّحّاك في قوله: ومنهم من يلمزك في الصّدقات فإن أعطوا منها رضوا كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- يقسم بينهم ما آتاه اللّه من مالٍ؟ قليلٌ أو كثيرٌ، فأمّا المؤمنون: فكانوا يرضون بما أعطوا ويحمدون اللّه عليه، وأمّا المنافقون: فإن أعطوا كثيرًا فرحوا.
قوله تعالى: وإن لم يعطوا منها.
- ذكره ابن أبي أسلم، أنبأ إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ، أنبأ محمّد بن يزيد، ثنا جويبر عن الضحاك قوله: إن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون.
قوله تعالى: إذا هم يسخطون.
- حدّثنا أبي ثنا سهل بن عثمان ثنا عيسى بن راشد أبو الفضل قال: سمعت زياد بن لقيطٍ يقرأ وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون قلت لسهل بن عثمان: لعلّه إياد بن لقيط، فأبى أن يدع قوله: زياد.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قول اللّه: ومنهم من يلمزك في الصّدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون قال: هؤلاء المنافقون، قالوا: واللّه ما يعطيها محمّد إلا من أحبّ ولا يؤثر بها إلا هواه، فأخبر- اللّه تعالى- نبيّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- وأخبارهم إنّما جاءت من اللّه، وهذا أمرٌ من اللّه ليس من محمّدٍ- صلّى اللّه عليه وسلم- إنما الصدقات للفقراء الآية). [تفسير القرآن العظيم: 6/1815-1817]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ومنهم من يلمزك في الصدقات يقول يتهمك يسألك ويروزك). [تفسير مجاهد: 282]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 58 - 59.
وأخرج البخاري والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال بينما النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقسم قسما إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: ويلك ومن العدل إذا لم أعدل فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله ائذن لي فيه فاضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في نضيه فلا يرى فيه شيء ثم ينظر في رصافه فلا يرى فيه شيء ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى يديه - أو قال ثدييه - مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر يخرجون على حين فرقة من الناس قال: فنزلت فيهم {ومنهم من يلمزك في الصدقات} الآية قال أبو سعيد: أشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن عليا حين قتلهم وأنا معه جيء بالرجل على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ومنهم من يلمزك في الصدقات} قال: يروزك يسألك.
وأخرج ابن المنذر عن قتادة في قوله: (ومنهم من يلمزوك في الصدقات). قال: يطعن عليك.
وأخرج سنيد، وابن جرير عن داود بن أبي عاصم قال: أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بصدقة فقسمها ههنا وههنا حتى ذهبت ورآه رجل من الأنصار فقال: ما هذا بالعدل فنزلت هذه الآية.
وأخرج أبو الشيخ عن إياد بن لقيط، أنه قرأ (وإن لم يعطوا منها إذا هم ساخطون).
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: لما قسم النّبيّ صلى الله عليه وسلم غنائم حنين سمعت رجلا يقول: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فأتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال رحمة الله على موسى قد أؤذي بأكثر من هذا فصبر ونزل {ومنهم من يلمزك في الصدقات}). [الدر المنثور: 7/405-407]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو أنّهم رضوا ما آتاهم اللّه ورسوله وقالوا حسبنا اللّه سيؤتينا اللّه من فضله ورسوله إنّا إلى اللّه راغبون}.
يقول تعالى ذكره: ولو أنّ هؤلاء الّذين يلمزونك يا محمّد في الصّدقات رضوا ما أعطاهم اللّه ورسوله من عطاءٍ وقسمٍ لهم من قسم {وقالوا حسبنا اللّه} يقول: وقالوا: كافينا اللّه {سيؤتينا اللّه من فضله ورسوله} يقول: سيعطينا اللّه من فضل خزائنه ورسوله من الصّدقة وغيرها {إنّا إلى اللّه راغبون} يقول: وقالوا: إنّا إلى اللّه نرغب في أن يوسّع علينا من فضله، فيغنينا عن الصّدقة وغيرها من صلات النّاس والحاجة إليهم). [جامع البيان: 11/508]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني جرير بن حازم عن علي بن] الحكم عن الضحاك بن مزاحم قال: الفقراء من المهاجرين والمساكين من الأعراب. قال: وكان يقول: الفقراء من المسلمين والمساكين أهل الذمة). [الجامع في علوم القرآن: 1/3]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال خالد بن أبي عمران: سألت القاسم وسالم عن قول الله: {والّذين في أموالهم حقٌ معلومٌ (24) للسّائل والحقروم}، فقالا: المعلوم منسوخةٌ، وكل صدقة في القرآن منسوخةٌ نسختها هذه الآية {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}، إلى آخر الآية؛
قالا: والمحروم محارف في الرزق والتجارة). [الجامع في علوم القرآن: 3/86] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب و الغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل} قال الفقير من به زمانة و المسكين الصحيح المحتاج). [تفسير عبد الرزاق: 1/278]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال أنا معمر نا الثوري عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله لا تحل الصدقة إلا لخمس العامل عليها أو لرجل اشتراها بماله أو غارم أو غاز في سبيل الله أو مسكين تصدق عليه منها فأهدى منها لغني). [تفسير عبد الرزاق: 1/278-279]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة أن امرأة أهدت لها رجل شاة تصدق بها عليها فأمرها النبي أن تقبلها). [تفسير عبد الرزاق: 1/279]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر قال أخبرني محمد بن أبي زياد أنه سمع أبا هريرة يقول كنا عند رسول الله وهو يقسم تمرا من تمر الصدقة والحسن بن علي في حجره فلما فرغ حمله النبي على عاتقه فسال لعابه على خد رسول الله فرفع النبي إليه رأسه فإذا تمرة في فيه فأدخل النبي يده فانتزعها منه ثم قال له أما علمت أن الصدقة لا تحل لآل محمد). [تفسير عبد الرزاق: 1/279]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن أبي جهضم سالم البصري عن رجل عن ابن عباس قال نهانا رسول الله ولا أقول نهاكم أن ننزي حمارا عن فرس وأمرنا أن نسبغ الوضوء ولا نأكل الصدقة). [تفسير عبد الرزاق: 1/279]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن عطاء بن السائب قال حدثنتي أم كلثوم ابنة علي قال وأتيتها بصدقة كان أمر بها فقالت أخذت شيئا فإن ميمون أو مهران مولى النبي أخبرني أنه مر على النبي فقال يا ميمون أو قال يا مهران إنا أهل بيت نهينا عن الصدقة وإن موالينا من أنفسنا فلا تأكل الصدقة). [تفسير عبد الرزاق: 1/280]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن يزيد بن حيان التميمي قال سمعت زيد ابن أرقم وقيل له من آل محمد قال من حرم الصدقة قال قيل من قال آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس). [تفسير عبد الرزاق: 1/280]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب قال ليس المسكين بالذي لا مال له ولكن المسكين الأخلق الكسب). [تفسير عبد الرزاق: 1/280]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن عثمان بن الأسود عن مجاهد في قوله تعالى والغرمين قال من احترق بيته وذهب السيل بماله وأدان على عياله). [تفسير عبد الرزاق: 1/280]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن هارون بن رئاب عن كنانة العدوي قال كنت جالسا عند قبيصة بن المخارق إذ جاءه نفر من قومه يستعينونه في نكاح رجل من قومه فأبى أن يعطيهم شيئا فانطلقوا من عنده قال كنانة فقلت له أنت سيد قومك أتوك يسألونك فلم تعطيهم شيئا قال لو عصبة بقد حتى يفحل لكان خيرا له من أن يسأل في هذا وسأخبرك عن ذلك إني تحملت بحمالة في قومي فأتيت النبي فقلت يا نبي الله إني تحملت بحمالة في قومي وأتيتك لتعينني فيها قال بل نحملها عنك يا قبيصة ونؤديها إليهم من الصدقة ثم قال إن المسألة حرمت إلا في ثلاث في رجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فيسأل حتى يصيب قواما من عيشه ثم يمسك وفي رجل أصابته حاجة حتى يشهد له ثلاثة نفر من ذوي الحجا من قومه أن المسألة قد حلت له فيسأل حتى يصيب القوام من العيش ثم يمسك وفي رجل تحمل بحمالة فيسأل حتى إذا بلغ أمسك وما كان غير ذلك فإنه سحت يأكله صاحبه سحتا). [تفسير عبد الرزاق: 1/280-281]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن يحيي بن أبي كثير أن المؤلفة قلوبهم من بني هاشم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ومن بني أمية أبو سفيان بن حرب ومن بني مخزوم الحارث بن هشام وعبد الرحمن بن يربوع ومن بني جمح صفوان بن أمية ومن بني عامر ابن لؤي سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومن بني أسد بن عبد العزى حكيم بن حزام ومن بني سهم عدي بن قيس ومن بني فزارة عيينة بن حصن بن بدر ومن بني تميم الأقرع بن حابس ومن بني نصر مالك بن عوف ومن بني سليم العباس بن مرداس ومن ثقيف العلاء بن جارية أعطى النبي كل رجل منهم مائة ناقة إلا عبد الرحمن بن يربوع وحويطب بن عبد العزى فإنه أعطى كل واحد منهما خمسين ناقة). [تفسير عبد الرزاق: 1/281-282]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري قال صفوان بن أمية لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني وأنه لأبغض الناس إلي فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي). [تفسير عبد الرزاق: 1/282]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أيوب عن عكرمة بن خالد عن مالك عن أوس ابن الحدثان أن عمر بن الخطاب قال إنما الصدقات للفقراء والمسكين حتى عليم حكيم قال هذه لهؤلاء ثم قرأ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ثم قال هذه لهؤلاء ثم قرأ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى حتى بلغ والذين جاءوا من بعدهم ثم قال هذه استوعبت المسلمين عامة فلئن عشت ليأتين الراعي وهو بسرو حمير نصيبه منها لم يعرق فيها جبينه). [تفسير عبد الرزاق: 2/283-284]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (حدّثنا أبو حذيفة ثنا سفيان [الثوري] عن عثمان بن الأسود عن مجاهدٍ في قوله: {والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل} قال: إذا أصابته مصيبةٌ أو احترق بيته أو ادّان على عياله أو أذهب السّيل بماله فهو من الغارمين [الآية: 60].
سفيان [الثوري] عن جابرٍ عن أبي جعفرٍ في قول اللّه: {والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل} قال: الغارمين المستدينين بغير فسادٍ وابن السّبيل المجتاز من الأرض إلى الأرض [الآية: 60]). [تفسير الثوري: 127]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (60) : قوله تعالى: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين... } إلى قوله: {والله عليمٌ حكيمٌ} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو شهابٍ، عن حجّاج بن أرطأة، عن المنهال بن عمرٍو، عن زرّ بن حبيش، عن حذيفة، قال: إنّما سمّيت هذه الأصناف لتعرف: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السّبيل}، فأيّ صنفٍ أعطيت منها أجزأك.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن مهاجرٍ أبي الحسن، قال: أتيت أبا وائلٍ وحده، فقال: ردّها، فضعها مواضعها، قلت: فما أصنع بنصيب المؤلّفة قلوبهم؟ قال: ردّه على آخرين.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا شهاب بن خراش، عن موسى بن يزيد الكندي، قال: كان ابن مسعود يقرئ رجلاً، فقرأ: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين} مرسلةً، فقال ابن مسعودٍ: ما هكذا أقرأنيها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: وكيف (أقرأكها) يا أبا عبد الرّحمن؟ قال: أقرأنيها: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين}، فمدّها.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية، قال: نا (عمر) بن نافعٍ، عن أبي بكرٍ العبسي، عن عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه - في قوله عزّ وجلّ: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين} - قال: الفقراء: زمنى أهل الكتاب). [سنن سعيد بن منصور: 5/255-259]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {والمؤلّفة قلوبهم} [التوبة: 60]
قال مجاهدٌ: «يتألّفهم بالعطيّة»
- حدّثنا محمّد بن كثيرٍ، أخبرنا سفيان، عن أبيه، عن ابن أبي نعمٍ، عن أبي سعيدٍ رضي اللّه عنه، قال: بعث إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بشيءٍ فقسمه بين أربعةٍ، وقال: أتألّفهم؟ فقال رجلٌ: ما عدلت، فقال: «يخرج من ضئضئ هذا قومٌ يمرقون من الدّين»). [صحيح البخاري: 6/67]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب)
قال مجاهدٌ يتألّفهم بالعطيّة وصله الفريابيّ عن ورقاء عن بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ وسقط قوله وفي الرّقاب من غير رواية أبي ذرٍّ وهو أوجه إذ لم يذكر ما يتعلّق بالرقاب ثمّ ذكر حديث أبي سعيد إلى بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بشيءٍ فقسمه بين أربعةٍ وقال أتألّفهم فقال رجلٌ ما عدلت أورده مختصرًا جدًّا وأبهم الباعث والمبعوث وتسمية الأربعة والرّجل القائل وقد تقدّم بيان جميع ذلك في غزوة حنين من المغازي). [فتح الباري: 8/330]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
باب {والمؤلفة قلوبهم}
قال مجاهد يتألفهم بالعطيّة
قال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا قال المؤلّفة قلوبهم ناس كان يتألفهم بالعطيّة). [تغليق التعليق: 4/218]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {والمؤلفة قلوبهم} (التّوبة: 60)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {والمؤلفة قلوبهم} وليس في بعض النّسخ لفظ باب. وقبله: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرّقاب} (التّوبة: 60) الآية. وهذه الآية في بيان قسمة الصّدقات ويبين الله عز وجل حكمها وتولّى قسمتها بنفسه ومصرفها ثمانية أصناف، وسقطت المؤلّفة قلوبهم لأن الله تعالى أعز الإسلام وأغنى عنهم، وكان يعطي لهم لتتألف قلوبهم أو ليدفع ضررهم عن المسلمين، وهل تعطى المؤلّفة على الإسلام بعد النّبي صلى الله عليه وسلم؟ فيه خلاف، فروي عن عمر والشعبيّ وجماعة: أنهم لا يعطون بعده، وقال آخرون: بل يعطون، لأنّه صلى الله عليه وسلم قد أعطاهم بعد فتح مكّة وكسر هوازن، وهذا أمر قد يحتاج إليه فيصير إليهم، واختلف في الوقت الّذي تألفهم فيه فقيل: قبل إسلامهم، وقيل: بعد واختلف متى قطع ذلك عنهم؟ فقيل: في خلافة الصّديق، وقيل: في خلافة الفاروق، وكان المؤلّفة قلوبهم نحو الخمسين منهم أبو سفيان وابنه معاوية وحكيم بن حرام وعباس بن مرداس.
قال مجاهدٌ يتألّفهم بالعطيّة
هذا وصله الفريابيّ عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
- حدّثنا محمّد بن كثيرٍ أخبرنا سفيان عن أبيه عن ابن أبي نعمٍ عن أبي سعيدٍ رضي الله تعالى عنه قال بعث إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بشيءٍ فقسمه بين أربعةٍ وقال أتألفهم فقال رجلٌ ما عدلت فقال يخرج من ضئضيء هاذا قومٌ يمرقون من الدّين.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة، وكثير ضد القليل وسفيان هو الثّوريّ يروي عن أبيه سعيد بن مسروق وهو يروي عن عبد الرّحمن بن أبي نعم، بضم النّون وسكون العين المهملة، ومضى هذا الحديث بهذا الإسناد في كتاب الأنبياء في قصّة هود بأتم منه، وأخرجه هنا مختصرا.
قوله: (بين أربعة) وهم الأقرع بن حابس وعيينة بن بدر وزيد بن مهلهل وعلقمة ابن علاثة بالثاء المثلّثة النجديون. قوله: (فقال رجل) هو ذو الخويصرة مصغر الخاصرة بالخاء المعجمة والصّاد المهملة. قوله: (فقال) أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (من ضئضيء) بكسر الضادين المعجمتين وسكون الهمزة وبالياء آخر الحروف، وهو الأصل، والمراد به النّسل. قوله: (يمرقون) أي: يخرجون). [عمدة القاري: 18/271]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {والمؤلّفة قلوبهم} [التوبة: 60] قال مجاهدٌ: يتألّفهم بالعطيّة
(باب قوله) عز وجل وسقط لغير أبي ذر ({والمؤلّفة قلوبهم}) [التوبة: 60] بالجر كلفظ التنزيل والرفع على الاستثناف وحذف باب وتاليه وهم قوم أسلموا ونيتهم ضعيفة فيه فيستألف قلوبهم أو أشراف يترقب بإعطائهم ومراعاتهم إسلام نظائرهم (قال مجاهد) المفسر فيما وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه (يتألفهم بالعطية).
- حدّثنا محمّد بن كثيرٍ، أخبرنا سفيان عن أبيه عن ابن أبي نعمٍ، عن أبي سعيدٍ -رضي الله عنه- قال: بعث إلى النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- بشيءٍ، فقسمه بين أربعةٍ وقال: أتألّفهم فقال رجلٌ: ما عدلت فقال: «يخرج من ضئضئ هذا قومٌ يمرقون من الدّين».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن أبيه) سعيد بن مسروق (عن ابن أبي نعم) بضم النون وسكون العين المهملة عبد الرحمن (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: بعث إلى النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- بشيء) الباعث عليّ بن أبي طالب كما في البخاري في باب قوله تعالى: {وأما عاد} من كتاب الأنبياء، وعند مسلم وهو باليمن والشيء ذهيبة (فقسمه) عليه الصلاة والسلام أي ذلك الشيء (بين أربعة) سماهم في رواية الباب المذكور الأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي وعيينة بن زيد الفزاري وزيد الطائي ثم أحد بني نبهان وعلقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب (وقال) عليه الصلاة والسلام:
(أتألفهم) ليثبتوا على الإسلام رغبة فيما يصل إليهم من المال (فقال رجل) من بني تميم يقال له ذو الخويصرة واسمه حرقوص بن زهير (ما عدلت) في العطية (فقال) -صلّى اللّه عليه وسلّم-: (يخرج من ضئضئ) بكسر الضادين المعجمتين وسكون الهمزة الأولى أي من نسل (هذا) الرجل المسمى بحرقوص (قوم يمرقون من الدين) يخرجون منه زاد في كتاب الأنبياء "مروق السهم من الرمية".
وقول صاحب التنقيح إن المؤلّف كان ينبغي أن يترجم لهذا الحديث بقوله تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصدقات} [التوبة: 58]. أجاب في المصابيح بأن ما صنعه ظاهر لأن الحديث اشتمل على إعطاء المؤلّفة قلوبهم صريحًا واشتمل على لمزه في الصدقات فإن ترجم له على الأول صح، وعلى الثاني صح ولا نسلم أولوية أحدهما بالنسبة إلى الآخر فلا وجه للاعتراض). [إرشاد الساري: 7/152]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {والمؤلّفة قلوبهم}
- أخبرنا هنّاد بن السّريّ، عن أبي الأحوص، عن سعيد بن مسروقٍ، عن عبد الرّحمن بن أبي نعمٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: بعث عليٌّ عليه السّلام وهو باليمن بذهيبةٍ يهديها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقسمها بين أربعةٍ: بين الأقرع بن حابسٍ الحنظليّ، وعيينة بن بدرٍ الفزاريّ، وعلقمة بن علاثة العامريّ، ثمّ أحد بني كلابٍ، وزيدٍ الطّائيّ، ثمّ أحد بني نبهان، فغضبت قريشٌ - وقال مرّةً أخرى صناديد قريشٍ - فقالوا: يعطي صناديد نجدٍ ويدعنا؟ فقال: إنّي إنّما فعلت ذلك لأتألّفهم، فجاء رجلٌ كثّ اللّحية، مشرف الوجنتين، غائر العينين، ناتئ الجبين، محلوق الرّأس فقال: اتّق الله يا محمّد، قال: «فمن يطع الله إن عصيته، يأمنني على أهل الأرض، ولا تأمنوني؟» قال: وأدبر الرّجل فاستأذن رجلٌ من القوم في قتله، يرون أنّه خالد بن الوليد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا، إنّ من ضئضئ هذا قومًا يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السّهم من الرّميّة، لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عادٍ»
- أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، حدّثنا عمّي، حدّثنا أبي، عن صالحٍ، عن ابن شهابٍ، حدّثني أنس بن مالكٍ، أنّه قال: لمّا أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموالٍ، يقولون يوم حنينٍ: طفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطي رجالًا من قريشٍ المائة من الإبل فقال رجلٌ من الأنصار: يغفر الله لرسول الله يعطي رجالًا من قريشٍ ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعطي رجالًا حديثٌ عهدهم بالكفر فأتألّفهم، أولا ترضون أن يذهب النّاس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فوالله لما تنقلبون خيرٌ، خيرٌ ممّا ينقلبون به» قالوا: بلى يا رسول الله، قد رضينا مختصرٌ). [السنن الكبرى للنسائي: 10/116]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل فريضةً من اللّه واللّه عليمٌ حكيمٌ}. يقول تعالى ذكره: لا تنال الصّدقات إلاّ للفقراء والمساكين ومن سمّاهم اللّه جلّ ثناؤه.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في صفة الفقير والمسكين، فقال بعضهم: الفقير: المحتاج المتعفّف عن المسألة. والمسكين: المحتاج السّائل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن أشعث، عن الحسن: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين} قال: الفقير: الجالس في بيته، والمسكين: الّذي يسعى.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثنا معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين} قال: المساكين: الطّوّافون، والفقراء فقراء المسلمين.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن جرير بن حازمٍ، قال: حدّثني رجلٌ، عن جابر بن زيدٍ، أنّه سئل عن الفقراء، قال: الفقراء: المتعفّفون، والمساكين: الّذين يسألون.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا معقل بن عبيد اللّه الحرّانيّ، قال: سألت الزّهريّ عن قوله: {إنّما الصّدقات للفقراء} قال: الّذين في بيوتهم لا يسألون، والمساكين: الّذين يخرجون فيسألون.
- حدّثنا الحارث، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن عبد الوارث بن سعيدٍ، عن ابن نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: الفقير الّذي لا يسأل، والمسكين: الّذي يسأل.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين} قال: الفقراء الّذين لا يسألون النّاس وهم أهل حاجةٍ، والمساكين: الّذين يسألون النّاس.
- حدّثنا الحارث، قال: حدّثني عبد العزيز، قال: حدّثنا عبد الوارث، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: الفقراء الّذين لا يسألون، والمساكين: الّذين يسألون.
وقال آخرون: الفقير هو ذو الزّمانة من أهل الحاجة. والمسكين: هو الصّحيح الجسم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين} قال: الفقير من به زمانةٌ، والمسكين: الصّحيح المحتاج.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين} أمّا الفقير: فالزّمن الّذي به زمانةٌ، وأمّا المسكين: فهو الّذي ليست به زمانةٌ.
وقال آخرون: الفقراء فقراء المهاجرين. والمساكين: من لم يهاجر من المسلمين وهو محتاجٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا جرير بن حازمٍ، عن عليّ بن الحكم، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ: {إنّما الصّدقات للفقراء} قال: فقراء المهاجرين، والمساكين: الّذين لم يهاجروا.
- قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {إنّما الصّدقات للفقراء} المهاجرين، قال: سفيان: يعني: ولا يعطي الأعراب منها شيئًا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثني أبي، عن سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، قال: كان يقال: إنّما الصّدقة لفقراء المهاجرين.
- قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، قال: كانت تجعل الصّدقة في فقراء المهاجرين، وفي سبيل اللّه تعالى.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، وسعيد بن عبد الرّحمن بن أبزى، قالا: كان ناسٌ من المهاجرين لأحدهم الدّار والزّوجة والعبد والنّاقة يحجّ عليها ويغزو، فنسبهم اللّه إلى أنّهم فقراء، وجعل لهم سهمًا في الزّكاة.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، قال: كان يقال: إنّما الصّدقات في فقراء المهاجرين، وفي سبيل اللّه.
وقال آخرون: المسكين: الضّعيف الكسب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا ابن عونٍ، عن محمّدٍ، قال: قال عمر: ليس الفقير بالّذي لا مال له، ولكنّ الفقير الأخلق الكسب.
قال يعقوب، قال ابن عليّة: الأخلق: المحارف عندنا.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن أيّوب، عن ابن سيرين، أنّ عمر بن الخطّاب، رحمه اللّه تعالى قال ليس المسكين بالّذي لا مال له ولكنّ المسكين الأخلق الكسب.
وقال بعضهم: الفقير من المسلمين والمسكين أهل الكتاب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا عمر بن نافعٍ، قال: سمعت عكرمة، في قوله: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين} قال: لا تقولوا لفقراء المسلمين مساكين، إنّما المساكين مساكين أهل الكتاب.
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال عندي بالصّواب، قول من قال: الفقير: هو ذو الفقر أو الحاجة ومع حاجته يتعفّف عن مسألة النّاس والتّذلّل لهم في هذا الموضع، والمسكين: هو المحتاج المتذلّل للنّاس بمسألتهم.
وإنّما قلنا إنّ ذلك كذلك وإن كان الفريقان لم يعطيا إلاّ بالفقر والحاجة دون الذّلّة والمسكنة؛ لإجماع الجميع من أهل العلم أنّ المسكين إنّما يعطى من الصّدقة المفروضة بالفقر، وأنّ معنى المسكنة عند العرب: الذّلّة، كما قال اللّه جلّ ثناؤه: {وضربت عليهم الذّلّة والمسكنة} يعني بذلك الهون والذّلّة لا الفقر. فإذا كان اللّه جلّ ثناؤه قد صنّف من قسم له من الصّدقة المفروضة قسمًا بالفقر فجعلهم صنفين، كان معلومًا أنّ كلّ صنفٍ منهم غير الآخر. وإذ كان ذلك كذلك كان لا شكّ أنّ المقسوم له باسم الفقير غير المقسوم له باسم الفقر والمسكنة، والفقير المعطى ذلك باسم الفقير المطلق هو الّذي لا مسكنة فيه، والمعطى باسم المسكنة والفقر هو الجامع إلى فقره المسكنة، وهي الذّلّ بالطّلب والمسألة.
فتأويل الكلام إذ كان ذلك معناه: إنّما الصّدقات للفقراء المتعفّف منهم الّذي لا يسأل، والمتذلّل منهم الّذي يسأل، وقد روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنحو الّذي قلنا في ذلك خبرٌ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا إسماعيل بن جعفرٍ، عن شريك بن أبي نمرٍ، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ليس المسكين بالّذي تردّه اللّقمة واللّقمتان والتّمرة والتّمرتان، إنّما المسكين المتعفّف، اقرءوا إن شئتم {لا يسألون النّاس إلحافًا}.
ومعنى قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّما المسكين المتعفّف على نحو ما قد جرى به استعمال النّاس من تسميتهم أهل الفقر مساكين، لا على تفصيل المسكين من الفقير.
وممّا ينبئ عن أنّ ذلك كذلك، انتزاعه صلّى اللّه عليه وسلّم لقول اللّه: اقرءوا إن شئتم {لا يسألون النّاس إلحافًا} وذلك في صفة من ابتدأ اللّه ذكره ووصفه بالفقر، فقال {للفقراء الّذين أحصروا في سبيل اللّه لا يستطيعون ضربًا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التّعفّف تعرفهم بسيماهم لا يسألون النّاس إلحافًا}.
وقوله: {والعاملين عليها} وهم السّعاة في قبضها من أهلها، ووضعها في مستحقّيها يعطون ذلك بالسّعاية، أغنياء كانوا أو فقراء.
وبمثل الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا معقل بن عبيد اللّه، قال: سألت الزّهريّ عن العاملين عليها فقال: السّعاة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {والعاملين عليها} قال: جباتها الّذين يجمعونها، ويسعون فيها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {والعاملين عليها} الّذي يعمل عليها.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في قدر ما يعطى العامل من ذلك، فقال بعضهم: يعطى منه الثّمن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حميد بن عبد الرّحمن، عن حسن بن صالحٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: للعاملين عليها الثّمن من الصّدقة.
- حدّثت عن مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {والعاملين عليها} قال: يأكل العمّال من السّهم الثّامن.
وقال آخرون: بل يعطى على قدر عمالته.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، عن الأخضر بن عجلان، قال: حدّثنا عطاء بن زهيرٍ العامريّ، عن أبيه، أنّه لقي عبد اللّه بن عمرو بن العاص فسأله عن الصّدقة: أيّ مالٍ هي؟ فقال: مال العرجان والعوران والعميان وكلّ منقطعٍ به. فقال له: إنّ للعاملين حقًّا والمجاهدين. قال: إنّ المجاهدين قومٌ أحلّ لهم وللعاملين عليها على قدر عمالتهم. ثمّ قال: لا تحلّ الصّدقة لغنيٍّ، ولا لذي مرّةٍ سويٍّ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: يكون للعامل عليها إن عمل بالحقّ. ولم يكن عمر رحمه اللّه تعالى ولا أولئك يعطون العامل الثّمن، إنّما يفرضون له بقدر عمالته.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن أشعث، عن الحسن: {والعاملين عليها} قال: كان يعطى العاملون.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: يعطى العامل عليها على قدر عمالته أجر مثله.
وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه لم يقسم صدقة الأموال بين الأصناف الثّمانية على ثمانية أسهمٍ، وإنّما عرّف خلقه أنّ الصّدقات لن تجاوز هؤلاء الأصناف الثّمانية إلى غيرهم.
وإذ كان كذلك بما سنوضّح بعد وبما قد أوضحناه في موضعٍ آخر، كان معلومًا أنّ من أعطي منها حقًّا، فإنّما يعطى على قدر اجتهاد المعطي فيه. وإذا كان ذلك كذلك، وكان العامل عليها إنّما يعطى على عمله لا على الحاجة الّتي تزول بالعطيّة، كان معلومًا أنّ الّذي أعطاه من ذلك إنّما هو عوضٌ من سعيه وعمله، وأنّ ذلك إنّما هو قدرٌ يستحقّه عوضًا من عمله الّذي لا يزول بالعطيّة وإنّما يزول بالعزل.
وأمّا المؤلّفة قلوبهم، فإنّهم قومٌ كانوا يتألّفون على الإسلام ممّن لم تصحّ نصرته استصلاحًا به نفسه وعشيرته، كأبي سفيان بن حربٍ وعيينة بن بدرٍ والأقرع بن حابسٍ، ونظرائهم من رؤساء القبائل.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {والمؤلّفة قلوبهم} وهم قومٌ كانوا يأتون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قد أسلموا، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يرضخ لهم من الصّدقات، فإذا أعطاهم من الصّدقات فأصابوا منها خيرًا قالوا: هذا دينٌ صالحٌ، وإن كان غير ذلك، عابوه وتركوه.
- حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ: أنّ المؤلّفة قلوبهم من بني أميّة: أبو سفيان بن حربٍ، ومن بني مخزومٍ: الحارث بن هشامٍ، وعبد الرّحمن بن يربوعٍ، ومن بني جمحٍ: صفوان بن أميّة، ومن بني عامر بن لؤيٍّ: سهيل بن عمرٍو، وحويطب بن عبد العزّى، ومن بني أسد بن عبد العزّى: حكيم بن حزامٍ، ومن بني هاشمٍ: سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب، ومن بني فزارة: عيينة بن حصن بن بدرٍ، ومن بني تميمٍ: الأقرع بن حابسٍ، ومن بني نصرٍ: مالك بن عوفٍ، ومن بني سليمٍ: العبّاس بن مرداسٍ، ومن ثقيفٍ: العلاء بن حارثة. أعطى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كلّ رجلٍ منهم مائة ناقةٍ، إلاّ عبد الرّحمن بن يربوعٍ وحويطب بن عبد العزّى، فإنّه أعطى كلّ رجلٍ منهم خمسين.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، قال: قال صفوان بن أميّة: لقد أعطاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وإنّه لأبغض النّاس إليّ، فما برح يعطيني حتّى إنّه لأحبّ النّاس إليّ.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: ناسٌ كان يتألّفهم بالعطيّة، عيينة بن بدرٍ ومن كان معه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد الصّمد بن عبد الوارث، عن حمّاد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن: {والمؤلّفة قلوبهم} الّذين يؤلّفون على الإسلام.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: وأمّا المؤلّفة قلوبهم، فأناسٌ من الأعراب ومن غيرهم، كان نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتألّفهم بالعطيّة كيما يؤمنوا.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا معقل بن عبيد اللّه، قال: سألت الزّهريّ عن قوله: {والمؤلّفة قلوبهم} فقال: من أسلم من يهوديٍّ أو نصرانيٍّ. قلت: وإن كان غنيًّا؟ قال: وإن كان غنيًّا.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا معقل بن عبيد اللّه الحرّانيّ، عن الزّهريّ: {والمؤلّفة قلوبهم} قال: من هو يهوديّ أو نصرانيّ.
ثمّ اختلف أهل العلم في وجود المؤلّفة اليوم وعدمها، وهل يعطى اليوم أحدٌ على التّألّف على الإسلام من الصّدقة؟ فقال بعضهم: قد بطلت المؤلّفة قلوبهم اليوم، ولا سهم لأحدٍ في الصّدقة المفروضة إلاّ لذي حاجةٍ إليها وفي سبيل اللّه أو لعاملٍ عليها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن أشعث، عن الحسن: {والمؤلّفة قلوبهم} قال: أما المؤلّفة قلوبهم فليس اليوم.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن جابرٍ، عن عامرٍ، قال: لم يبق في النّاس اليوم من المؤلّفة قلوبهم، إنّما كانوا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن يحيى، عن حبّان بن أبي جبلة، قال: قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه تعالى عنه، وأتاه عيينة بن حصنٍ: {الحقّ من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} أي ليس اليوم مؤلّفةٌ.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا مباركٌ، عن الحسن، قال: ليس اليوم مؤلّفةٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن عامرٍ، قال: إنّما كانت المؤلّفة قلوبهم على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا ولّي أبو بكرٍ رحمة اللّه تعالى عليه انقطعت الرّشى.
وقال آخرون: المؤلّفة قلوبهم في كلّ زمانٍ، وحقّهم في الصّدقات.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ، قال: في النّاس اليوم المؤلّفة قلوبهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ مثله.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك عندي: أنّ اللّه جعل الصّدقة في معنيين: أحدهما سدّ خلّة المسلمين. والآخر معونة الإسلام وتقويته، فما كان في معونة الإسلام وتقوية أسبابه فإنّه يعطاه الغنيّ والفقير؛ لأنّه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه وإنّما يعطاه معونةً للدّين، وذلك كما يعطى الّذي يعطاه بالجهاد في سبيل اللّه، فإنّه يعطى ذلك غنيًّا كان أو فقيرًا للغزو لا لسدّ خلّته. وكذلك المؤلّفة قلوبهم يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء، استصلاحًا بإعطائهموه أمر الإسلام وطلب تقويته وتأييده. وقد أعطى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من أعطى من المؤلّفة قلوبهم، بعد أن فتح اللّه عليه الفتوح وفشا الإسلام وعزّ أهله، فلا حجّة لمحتجٍّ بأن يقول: لا يتألّف اليوم على الإسلام أحدٌ لامتناع أهله بكثرة العدد ممّن أرادهم وقد أعطى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من أعطى منهم في الحال الّتي وصفت.
وأمّا قوله: {وفي الرّقاب} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في معناه، فقال بعضهم، وهم الجمهور الأعظم: هم المكاتبون، يعطون منها في فكّ رقابهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينارٍ، عن الحسين: أنّ مكاتبًا قام إلى أبي موسى الأشعريّ رحمه اللّه تعالى وهو يخطب النّاس يوم الجمعة، فقال له: أيّها الأمير حثّ النّاس عليّ، فحثّ عليه أبو موسى، فألقى النّاس عليه عمامةً وملاءةً وخاتمًا، حتّى ألقوا سوادًا كثيرًا. فلمّا رأى أبو موسى ما ألقي عليه، قال: اجمعوه، فجمع ثمّ أمر به فبيع، فأعطى المكاتب مكاتبته، ثمّ أعطى الفضل في الرّقاب ولم يردّه على النّاس، وقال: إنّما أعطى النّاس في الرّقاب.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا معقل بن عبيد اللّه، قال: سألت الزّهريّ عن قوله: {وفي الرّقاب} قال: المكاتبون.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وفي الرّقاب} قال: المكاتب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا سهل بن يوسف، عن عمرٍو، عن الحسن: {وفي الرّقاب} قال: هم المكاتبون.
وروي عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: لا بأس أن تعتق الرّقبة من الزّكاة.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك عندي قول من قال: عني بالرّقاب في هذا الموضع المكاتبون؛ لإجماع الحجّة على ذلك، فإنّ اللّه جعل الزّكاة حقًّا واجبًا على من أوجبها عليه في ماله يخرجها منه، لا يرجع إليه منها نفعٌ من عرض الدّنيا ولا عوضٌ، والمعتق رقبةً منها راجعٌ إليه ولاء من أعتقه، وذلك نفعٌ يعود إليه منها.
وأمّا الغارمون: فالّذين استدانوا في غير معصية اللّه، ثمّ لم يجدوا قضاءً في عينٍ ولا عرضٍ.
وبالّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهدٍ، قال: الغارمون: من احترق بيته، أو يصيبه السّيل فيذهب متاعه، ويدان على عياله، فهذا من الغارمين.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهدٍ في قوله: {والغارمين} قال: من احترق بيته، وذهب السّيل بماله، وأدان على عياله.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ، قال: الغارمين: المستدين في غير سرفٍ، ينبغي للإمام أن يقضي عنهم من بيت المال.
- قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا معقل بن عبيد اللّه، قال: سألنا الزّهريّ عن الغارمين، قال: أصحاب الدّين.
- قال: حدّثنا معقلٌ، عن عبد الكريم، قال: حدّثني خادمٌ لعمر بن عبد العزيز خدمه عشرين سنةً، قال: كتب عمر بن عبد العزيز أن يعطى الغارمون قال أحمد: أكثر ظنّي من الصّدقات.
- قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ، قال: الغارمون: المستدين في غير سرفٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: أمّا الغارمون: فقومٌ غرّقتهم الدّيون، في غير إملاقٍ ولا تبذيرٍ ولا فسادٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: الغارم: الّذي يدخل عليه الغرم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهدٍ: {والغارمين} قال: هو الّذي يذهب السّيل والحريق بماله، ويدان على عياله.
- قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ، قال: المستدين في غير فسادٍ.
- قال: حدّثني أبي، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ، قال: الغارمون: الّذين يستدينون في غير فسادٍ، ينبغي للإمام أن يقضي عنهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهدٍ: هم قومٌ ركبتهم الدّيون في غير فسادٍ ولا تبذيرٍ، فجعل اللّه لهم في هذه الآية سهمًا.
وأمّا قوله: {وفي سبيل اللّه} فإنّه يعني: وفي النّفقة في نصرة دين اللّه وطريقه وشريعته الّتي شرعها لعباده بقتال أعدائه، وذلك هو غزو الكفّار.
وبالّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وفي سبيل اللّه} قال: الغازي في سبيل اللّه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تحلّ الصّدقة لغنيٍّ إلاّ لخمسةٍ: رجلٍ عمل عليها، أو رجلٍ اشتراها بماله، أو في سبيل اللّه، أو ابن السّبيل، أو رجلٍ كان له جارٌ تصدّق عليه فأهداها له.
- قال: حدّثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا تحلّ الصّدقة لغنيٍّ إلاّ لثلاثةٍ: في سبيل اللّه، أو ابن السّبيل، أو رجلٍ كان له جارٌ فتصدّق عليه فأهداها له.
وأمّا قوله: {وابن السّبيل} فالمسافر الّذي يجتاز من بلدٍ إلى بلدٍ، والسّبيل: الطّريق، وقيل للضّارب فيه ابن السّبيل للزومه إيّاه، كما قال الشّاعر:
أنا ابن الحرب ربّتني وليدًا = إلى أن شبت واكتهلت لداتي
وكذلك تفعل العرب، تسمّي اللاّزم للشّيء يعرف بابنه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ، قال: ابن السّبيل: المجتاز من أرضٍ إلى أرضٍ.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا مندلٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {وابن السّبيل} قال: لابن السّبيل حقٌّ من الزّكاة وإن كان غنيًّا إذا كان منقطعًا به.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا معقل بن عبيد اللّه، قال: سألت الزّهريّ، عن ابن السّبيل، قال: يأتي عليّ ابن السّبيل، وهو محتاجٌ قلت: فإن كان غنيًّا؟ قال: وإن كان غنيًّا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وابن السّبيل} الضّيف جعل له فيها حقٌّ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال: ابن السّبيل المسافر من كان غنيًّا أو فقيرًا إذا أصيبت نفقته، أو فقدت، أو أصابها شيءٌ، أو لم يكن معه شيءٌ، فحقّه واجبٌ.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، أنّه قال في الغنيّ إذا سافر فاحتاج في سفره، قال: يأخذ من الزّكاة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ، قال: ابن السّبيل: المجتاز من الأرض إلى الأرض.
وقوله: {فريضةً من اللّه} يقول جلّ ثناؤه: قسمٌ قسمه اللّه لهم، فأوجبه في أموال أهل الأموال لهم، واللّه عليمٌ بمصالح خلقه فيما فرض لهم وفي غير ذلك لا يخفى عليه شيءٌ. فعلى علمٍ منه فرض ما فرض من الصّدقة وبما فيها من المصلحة، حكيمٌ في تدبيره خلقه، لا يدخل في تدبيره خللٌ.
واختلف أهل العلم في كيفيّة قسم الصّدقات الّتي ذكرها اللّه في هذه الآية، وهل يجب لكلّ صنفٍ من الأصناف الثّمانية فيها حقٌّ أو ذلك إلى ربّ المال، ومن يتولّى قسمها في أنّ له أن يعطي جميع ذلك من شاء من الأصناف الثّمانية؟ فقال عامّة أهل العلم: للمتولّي قسمها ووضعها في أي الأصناف الثّمانية شاء، وإنّما سمّى اللّه الأصناف الثّمانية في الآية إعلامًا منه خلقه أنّ الصّدقة لا تخرج من هذه الأصناف الثّمانية إلى غيرها، لا إيجابًا لقسمها بين الأصناف الثّمانية الّذين ذكرهم اللّه تعالى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا هارون، عن الحجّاج بن أرطأة، عن المنهال بن عمرٍو، عن زرّ بن حبيشٍ، عن حذيفة، في قوله: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها} قال: إن شئت جعلته في صنفٍ واحدٍ، أو صنفينٍ، أو لثلاثةٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الحجّاج، عن المنهال، عن زرٍّ، عن حذيفة، قال: إذا وضعتها في صنفٍ واحدٍ أجزأ عنك.
- قال: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن عطاءٍ، عن عمر: {إنّما الصّدقات للفقراء} قال: أيّما صنفٍ أعطيته من هذا أجزأك.
- قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن عبد المطّلب، عن عطاءٍ: {إنّما الصّدقات للفقراء} الآية، قال: لو وضعتها في صنفٍ واحدٍ من هذه الأصناف أجزأك، ولو نظرت إلى أهل بيتٍ من المسلمين فقراء متعفّفين فجبرتهم بها كان أحبّ إليّ.
- قال: أخبرنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين} - {وابن السّبيل} فأيّ صنفٍ أعطيته من هذه الأصناف أجزأك.
- قال: حدّثنا عمران بن عيينة، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها} قال: إنّما هذا شيءٌ أعلمه، فأيّ صنفٍ من هذه الأصناف أعطيته أجزأ عنك.
- قال: حدّثنا أبي عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم: {إنّما الصّدقات للفقراء} قال: في أيّ هذه الأصناف وضعتها أجزأك.
- قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: إذا وضعتها في صنفٍ واحدٍ ممّا سمّى اللّه أجزأك.
- قال: حدّثنا أبي، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، قال: إذا وضعتها في صنفٍ واحدٍ ممّا سمّى اللّه أجزأك.
- قال: حدّثنا خالد بن حيّان أبو يزيد، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران: {إنّما الصّدقات للفقراء} قال: إذا جعلتها في صنفٍ واحدٍ من هؤلاء أجزأ عنك.
- قال: حدّثنا محمّد بن بشرٍ، عن مسعودٍ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين} الآية، قال: أعلم أهلها من هم.
- قال: حدّثنا حفصٌ، عن ليثٍ، عن عطاءٍ، عن عمر: أنّه كان يأخذ الفرض في الصّدقة، ويجعلها في صنفٍ واحدٍ.
وكان بعض المتأخّرين يقول: إذا تولّى ربّ المال قسمها كان عليه وضعها في ستّة أصنافٍ، وذلك أنّ المؤلّفة قلوبهم عنده قد ذهبوا، وأنّ سهم العاملين يبطل بقسمه إيّاها، ويزعم أنّه لا يجزيه أن يعطي من كلّ صنفٍ أقلّ من ثلاثة أنفسٍ. وكان يقول: إنّ تولّى قسمها الإمام كان عليه أن يقسمها على سبعة أصنافٍ، لا يجزي عنده غير ذلك). [جامع البيان: 11/509-534]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل فريضةً من اللّه واللّه عليمٌ حكيمٌ (60)
قوله تعالى: إنما الصدقات
- حدّثنا عليّ بن الحسين الهسنجانيّ، ثنا عبيد بن يعيش ثنا محمّد بن الصّلت عن قيسٍ عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابرٍ قال: جاء أعرابيٌّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقسم فسأله فأعرض عنه فجعل يقسم، فقال بعض رعاة الشّاة: واللّه ما عدلت، قال: ويحك، من يعدل إذا لم أعدل؟ فأنزل- اللّه تعالى- إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين إلى آخر الآية.
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع ثنا أبو إسحاق الفزاريّ عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين قال: إنّما هذا شيءٌ أعلمه إيّاه لهم، فأيّما أعطيت صنفًا منها أجزأك.
- وروي عن عمر بإسنادٍ مرسلٍ وحذيفة وأبي العالية وسعيد بن جبير وطاوس وعطاءٍ والحسن وإبراهيم النّخعيّ والضّحّاك وميمون بن مهران ومقاتل بن حيّان والزّهريّ أنّهم قالوا إذا وضعت منه في صنفٍ واحدٍ أجزأك.
قوله تعالى: للفقراء.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن مهران ثنا أبو معاوية ثنا عمر بن نافعٍ عن أبي بكرٍ العبسيّ قال: كان عمر يميّز إبل الصدقة ذات يوم متزر ببتٍ، فلمّا فرغ انصرف فمرّ برجلٍ من أهل الكتاب مطروحٍ على بابٍ فقال: استكدوني وأخذوا منّي الجزية حتّى كفّ بصري، فليس أحدٌ يعود عليّ بشيءٍ فقال عمر: ما أنصفنا إذن ثمّ قال: هذا من الّذين قال اللّه: إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين الفقراء: هم زمنى أهل الكتاب، ثمّ أمر له برزقٍ يجري عليه.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ إنّما الصّدقات للفقراء، فقراء المسلمين.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا عارم بن الفضل ثنا حمّاد بن زيدٍ عن أيّوب عن محمّدٍ قال: قال عمر: ليس الفقير بالّذي لا مال له ولكنّ الفقير الأخلق الكسب.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا صفوان بن صالحٍ ثنا الوليد بن مسلمٍ ثنا ابن لهيعة عن أبي قبيلٍ قال: سمعت يزيد بن قاسطٍ السّكسكيّ قال: بينا نحن عند ابن عمر إذ جاءه رجلٌ فسأله قال: إذهب معه للرّجل، ثمّ قال: أتقول هذا فقيرٌ؟ فقلت: لا واللّه ما سأل إلا عن فقرٍ، فقال: ليس بفقيرٍ من جمع الدّرهم إلى الدّرهم ولا التّمرة إلى التّمرة إنّما الفقير من أنقى ثوبه ونفسه، لا يقدر على غنًى يحسبهم الجاهل أغنياء من التّعفّف.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا أبو أحمد الزّبيريّ ثنا معقل بن عبيد اللّه الجزريّ قال: سألت الزّهريّ عن إنّما الصّدقات للفقراء قال: الفقراء الّذين في بيوتهم لا يسألون.
- حدّثنا أبي ثنا هشام بن عمّارٍ ثنا محمّد بن شعيب بن بكيرٍ ثنا معروفٍ عن مقاتل بن حيّان في قول اللّه عزّ وجلّ: إنّما الصّدقات للفقراء قال: المتعفّفون من أهل الحاجة الّذين لا يسألون.
والوجه الخامس:
- ذكر عن سهل بن عثمان ثنا المحاربيّ عن أشعث عن الحسن في قوله: إنّما الصّدقات للفقراء قال: الفقير: الّذي يسأل.
والوجه السّادس:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو نعيمٍ عن منصورٍ عن إبراهيم إنّما الصّدقات للفقراء المهاجرين الّذين هاجروا إلى الكوفة ونحوها
- وروي عن الضّحّاك أنّه قال: المهاجرين.
والوجه السّابع:
- ذكره ابن أبي أسلم، أنبأ إسحاق بن إبراهيم، أنبأ محمّد بن يزيد الواسطيّ ثنا جويبرٌ عن الضّحّاك في قوله: إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين قال: يعني بالفقراء: أصحاب محمّدٍ- صلّى اللّه عليه وسلّم- وهم اليوم على ذلك الموضع.
الوجه الثّامن:
- حدّثنا أبي ثنا المعلّى بن أسدٍ ثنا أبو عوانة عن قتادة في قوله: إنّما الصّدقات للفقراء قال: الفقير المحتاج الّذي به زمانةٌ. وروي عن إبراهيم النّخعيّ: مثل ذلك.
الوجه السابع:
- حدّثنا أبي ثنا حرملة حدّثنا ابن وهبٍ أنبأ مسلم بن خالدٍ عن إسماعيل بن أميّة قال: قلت لمجاهدٍ قول اللّه: إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين قال: الرّجل يكون فقيرًا وهو بين ظهري قومه وذوي قرابته وعشيرته، وليس له مالٌ.
قوله تعالى: والمساكين.
[الوجه الأول]
- حدّثنا هارون بن إسحاق الهمدانيّ وأحمد بن سنانٍ الواسطيّ قالا: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالحٍ عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- ليس المساكين بالطّواف، ولا بالّذين تردّه اللّقمة واللّقمتان، ولا التّمرة والتّمرتان ولكنّ المساكين: المتعفّف الّذي لا يسأل النّاس شيئًا ولا يفطن له فيتصدّق عليه.
- حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن عمرو العزّى ثنا محمّد بن يوسف الفريابيّ ثنا سفيان عن إبراهيم الهجريّ عن أبي الأحوص عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- «ليس المساكين بالطّواف»، الّذين تردّه اللّقمة واللّقمتان والتّمرة والتّمرتان، ولكنّ المساكين الّذي لا يجد ما يغنيه، ويستحي أن يسأل النّاس، ولا يفطن له فيتصدّق عليه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى أنبأ محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن أبي أيّوب عن ابن سيرين: أنّ عمر بن الخطّاب قال: «ليس المساكين بالّذي لا مال له» ، ولكنّ المساكين الأخلق الكسب.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين قال: المساكين: الطّوّافون
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا أبو الزّبيريّ ثنا معقل بن عبيد اللّه قال: سألت الزّهريّ عن قول اللّه: والمساكين. قال: الّذين يسألون- وروي عن مقاتل بن حيّان: مثل ذلك.
والوجه الرّابع:
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني جرير بن حازمٍ عن عليّ بن الحكم عن الضّحّاك بن مزاحمٍ قال: كان ابن عبّاسٍ يقول: المساكين من أهل الذّمّة، قال: الضّحّاك: المساكين من الأعراب.
- حدّثنا أبي قال: وجدت في كتابي عن سليمان بن حربٍ ثنا جرير ابن حازمٍ عن عليّ بن الحكم عن الضّحّاك قوله: والمساكين قال: الّذين لم يهاجروا.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي ثنا معلّى بن أسدٍ ثنا أبو عوانة عن قتادة في قول اللّه: إنّما الصدقات للفقراء والمساكين قال: المساكين: الّذي ليست به زمانةٌ، وهو محتاجٌ.
والوجه السّادس:
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ ثنا عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن قتادة قال: المساكين: الّذين بهم زمانة.
والوجه السّابع:
- حدّثنا محمّد بن عمّار الرّازيّ ثنا عبد الرّحمن الدّشتكيّ ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع بن أنسٍ في قوله: والمساكين: مساكين اليتامى فإنّ من اليتامى أغنياءً، فإنّما يعني بذلك مسكين اليتامى.
والوجه الثّامن:
- حدّثنا أبي ثنا حرملة ثنا ابن وهبٍ أنبأ مسلم بن خالدٍ عن إسماعيل ابن أميّة قال: قلت لمجاهدٍ في قوله: للفقراء والمساكين قال: المساكين:
الّذي لا عشيرة له ولا قرابة ولا رحمً، وليس له مالٌ.
قوله تعالى: والعاملين عليها.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: والعاملين عليها قال: السّعاة أصحاب الصّدقة.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا اللّيث ثنا عقيل ثنا ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أمره فكتب السنة في مواضع الصّدقة، فكتب: وسهم العاملين عليها ينظر فمن سعى على الصّدقات بأمانةٍ وعفافٍ أعطى على قدر ما ولي وجمع من الصّدقة، وأعطى عمّاله الّذين سعوا معه على قدر ولا يتهم وجمعهم، ولعلّ ذلك يبلغ قريبًا من ربع هذا السّهم بعد الّذي يعطي عمّاله ثلاثة أرباعٍ، فيردّ ما بقى منه على من يغزون من الإمداد والمشترطة إن شاء اللّه.
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى ثنا محمّد بن عليٍّ أنبأ محمّد ابن مزاحمٍ أنبأنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان: وأما العاملين عليها: فكانوا يستأجرون أجراء يحفظون عليهم الصّدقات من أصناف الأموال، ومنهم:
العمّال الّذين يجيبونها، لهم منها رزقٌ معلومٌ، على قدر عملهم، وليس لهم منها الثّمن.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن عمّار بن الحارث الرّازيّ ثنا عبد الرّحمن بن عبد الله ابن سعدٍ الدّشتكيّ، أنبأنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن ليثٍ عن طاوسٍ في قوله: إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها قال: هو الرّأس الأكبر.
قوله تعالى: والمؤلّفة قلوبهم
[الوجه الأول]
من فسّر الآية على أنّ المؤلّفة كانت على عهد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-[10376]
حدّثنا الحسين بن عرفة بن يزيد العبديّ ثنا المبارك بن سعيدٍ عن سعيد بن مسروقٍ عن عبد الرّحمن بن أبي نعمٍ البجليّ عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: بعث علي ابن أبي طالبٍ من اليمن إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- بذهيبةٍ فيها تربتها فقسمها بين الأقرع بن حابسٍ الحنظليّ وبين علقمة بن علاثة العامريّ وبين عيينة بن بدرٍ الفزاريّ وبين زيد الخيل الطّائيّ فقالت قريشٌ والأنصار: أيقسم بين صناديد أهل نجدٍ ويدعنا؟ فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- «إنّما أتألّفهم».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ عن حجّاج بن دينارٍ عن أنس بن سيرين عن عبيدة السّلمانيّ قال: جاء عيينة بن حصنٍ والأقرع بن حابسٍ إلى أبي بكرٍ- رضي اللّه عنه- فقالا: يا خليفة رسول اللّه، إنّ عندنا أرضًا سبخةً ليس فيها كلأٌ ولا منفعةٌ، فإن رأيت أن تقطعناها لعلّنا نحرثها ونزرعها ولعلّ اللّه أن ينفع بها، فأقطعهما إيّاها وكتب لهما بذلك كتابًا، وأشهد لهما وأشهد عمر، وليس في القوم فانطلقا إلى عمر ليشهداه على ما فيه، فلمّا قرأ على عمر ما في الكتاب، تناوله من أيدهما فنفل فيه فمحاه، فتذمّرا وقالا له: مقالةً سيّئةً فقال عمر: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- كان يتألّفكما والإسلام يومئذٍ قليلٌ، وإنّ اللّه قد أعزّ الإسلام فاذهبا فاجتهدا جهدكما لا أرعى اللّه عليكما إن أرعيتما.
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع ثنا أبو إسحاق الفزاريّ عن سفيان عن جابرٍ عن الشّعبيّ قال: ليست اليوم مؤلّفةً إنّما كان رجالٌ يتألّفهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- على الإسلام فلمّا أن كان أبو بكرٍ قطع الرّشا في الإسلام.
- حدّثنا أبي ثنا عبد الرّحمن بن سلامٍ الجمحيّ ثنا عبد اللّه بن معاذٍ عن معمرٍ عن يحيى بن أبي كثيرٍ أنّ المؤلّفة قلوبهم من بني أميّة: أبو سفيان بن حربٍ، ومن بني مخزومٍ: الحارث بن هشامٍ، وعبد الرّحمن بن يربوعٍ ومن بني جمحٍ صفوان بن أميّة ومن بني عامر بن لؤيٍّ: سهيل بن عمرٍو وحويطب بن عبد العزّى ومن بني أسد بن عبد العزّى حكيم بن حزامٍ ومن بني هاشمٍ: أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب ومن بني فزارة عيينة بن بدرٍ ومن بني تميمٍ: الأقرع بن جابس ومن بني نصرٍ:
مالك بن عوفٍ، ومن بني سليمٍ: العبّاس بن مرداسٍ، ومن ثقيفٍ: العلاء ابن حارثة.
أعطى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- كلّ رجلٍ منهم مائة ناقةٍ ومائة ناقةٍ إلا عبد الرّحمن بن يربوعٍ وحويطب بن عبد العزّى فإنّه أعطى كلّ واحدٍ منهم خمسين- وروي عن مقاتل بن حيّان، وقتادة أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- كان يتألّف الأعراب وغيرهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا المقدّميّ ثنا محمّد بن يزيد ثنا جويبرٌ عن الضّحّاك والمؤلّفة قلوبهم قال: قومٌ من وجوه العرب، يقدمون عليه، فينفق عليهم منها ما داموا حتّى يسلموا أو يرجعوا.
والوجه الثّاني:
من فسّرها: أنّ المؤلّفة قائمةٌ:
- حدّثنا أبي ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حمّادٌ عن يونس عن الحسن قال: والمؤلّفة قلوبهم الّذين يدخلون في الإسلام.
- حدّثنا أبي ثنا مقاتل بن محمّدٍ ثنا وكيعٍ عن إسرائيل عن جابرٍ عن أبي جعفرٍ قال: اليوم مؤلّفةٌ قلوبهم.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا أبو أحمد الزّبيريّ ثنا معقل بن عبيد اللّه قال: سألت الزّهريّ عن قول اللّه تعالى: والمؤلّفة قلوبهم قال: من أسلم من يهوديٍّ أو نصرانيٍّ، قلت: وإن كان موسرًا؟ قال: وإن كان موسرًا.
قوله تعالى: وفي الرّقاب.
- حدّثنا أبي ثنا هشام بن عمّارٍ ثنا محمّد بن شعيبٍ ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان في قول اللّه وفي الرّقاب: قال: هم المكاتبون- وروي عن الحسن والزّهريّ: مثل ذلك.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا اللّيث ثنا عقيلٌ ثنا ابن شهابٍ، أن عمر بن عبد العزيز أمره فكتب السنّة في مواضع الصّدقة فكتب: وسهم الرّقاب نصفان نصفٌ لكلّ مكاتبٍ يدّعي الإسلام وهم على أصنافٍ شتّى في الإسلام فضيلةً ولمن سواهم منزلةٌ أخرى، على قدر ما أدّى كلّ رجلٍ منهم وما بقي عليه إن شاء اللّه.
قوله تعالى: والغارمين.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ الثّوريّ عن عثمان بن الأسود عن مجاهدٍ في قوله: والغارمين قال: من أحرق بيته وذهب السّيل بماله، وأدان على عياله.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا وكيعٌ عن سفيان عن جابرٍ عن أبي جعفرٍ والغارمين قال: المستدينين في غير فسادٍ.
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن ثنا محمّد بن مزاحمٍ ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان، وأمّا الغارمون: فهو الّذي يسأل في دمٍ أو جائحةٍ تصيبه
- وروي عن محمّد بن شعيب بن شابور عن مقاتلٍ، قال: هم الّذين عليهم الدّين.
- حدّثنا أبي ثنا محمود بن خالدٍ الدّمشقيّ ثنا الوليد ثنا ابن جابرٍ عن القاسم بن مخيمرة، أنّه قدم على عمر بن عبد العزيز فسأله قضاء دينه، فقال: وكم دينك؟ قال: تسعون دينارًا، قال: قد قضيناه عنك أنت من الغارمين.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن ميمونٍ الإسكندرانيّ ثنا الوليد ثنا الأوزاعيّ: أن عمر بن عبد العزيز فرض للقاسم بن مخيمرة في ستّين وقضى عنه تسعين دينارًا، وقال له: أنت من الغارمين، وأمر له بخادمٍ ومسكنٍ.
قوله تعالى: وفي سبيل اللّه.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا اللّيث ثنا عقيلٌ ثنا ابن شهابٍ، أن عمر بن عبد العزيز أمره، فكتب السّنّة في مواضع الصّدقة، فكتب: أسهمٌ في سبيل اللّه، فمنه لمن فرض له ربع هذا السّهم، ومنه للمشترط الفقير ربعه، ومنه لمن تصيبه الحاجة في ثغرةٍ وهو غازٍ في سبيل اللّه ثلث هذا السّهم إن شاء اللّه.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا المقدّميّ ثنا ابن سواءٍ عن ابن أبي عروبة عن قتادة وفي سبيل اللّه. قال: يحمل من الصّدقة من ليس له حملان.
وقال قتادة ويحمل الرّجل في سبيل اللّه من الصّدقة ويعطي إذا صار لا شيء له ثمّ يكون سهمٌ له بعد مع المسلمين.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: وفي سبيل اللّه قال: الغازي في سبيل اللّه.
- حدّثنا إسماعيل بن عبد اللّه بن مسعودٍ الأصبهانيّ ثنا عمر بن حفص بن غياثٍ ثنا أبي ثنا الأعمش حدّثنا عمارة بن عميرٍ وجامع بن شدّادٍ عن أبي بكر بن الحارث بن هشامٍ عن أبي معقلٍ، أنّه جاء إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: إنّ أمّ معقلٍ جعلت عليها حجّةً معك وعندي جملٌ جعلته حبيسًا في سبيل الله فأعطيها إيّاه فتركبه؟ قال: نعم
- وروي عن مقاتل بن حيّان أنّه قال: هم المجاهدون.
قوله تعالى: وابن السّبيل.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قال: ابن السّبيل هو: الضّيف الفقير الّذي ينزل بالمسلمين.
- حدّثنا عبد اللّه بن سعيدٍ الأشجّ ثنا وكيعٌ عن سفيان عن جابرٍ عن أبي جعفرٍ في قوله: وابن السّبيل. قال: المجتاز من الأرض إلى الأرض- وروي عن الحسن: نحوه.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عمّارٍ ثنا محمّد بن شعيب بن شابور ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان في قوله: وابن السّبيل: المنقطع به يعطي قدر ما يبلّغه.
قوله تعالى: فريضةً من اللّه واللّه عليمٌ حكيمٌ.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة، قوله: فريضةٌ من اللّه واللّه عليمٌ حكيمٌ: ثمانية أسهمٍ فرضهنّ اللّه وأعلمهن). [تفسير القرآن العظيم: 6/1817-1825]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح في قوله والمؤلفة قلوبهم قال كانوا ناس يتألفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعطية عيينة بن بدر ومن كان معه). [تفسير مجاهد: 282]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 60.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن جابر قال جاء أعرابي إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسأله وهو يقسم قسما فأعرض عنه وجعل يقسم قال: أتعطي رعاء الشاء والله ما عدلت، فقال: ويحك، من يعدل إذا أنا لم أعدل فأنزل الله هذه الآية {إنما الصدقات للفقراء} الآية
وأخرج أبو داود والبغوي في معجمه والطبراني والدارقطني وضعفه عن زياد بن الحارث الصدائي قال: قال رجل يا رسول الله أعطني من الصدقة، فقال: إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم هو فيها فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك.
وأخرج ابن سعد عن زياد بن الحرث الصدائي قال: بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء قوم يشكون عاملهم ثم قالوا: يا رسول الله آخذنا بشيء كان بيننا وبينه في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير للمؤمن في الأمارة ثم قام رجل فقال: يا رسول الله أعطني من الصدقة، فقال: إن الله لم يكل قسمها إلى ملك مقرب ولا
نبي مرسل حتى أجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت جزأ منها أعطيتك وإن كنت غنيا عنها فإنما هي صداع في الرأس وداء في البطن.
وأخرج سعيد بن منصور والطبراني، وابن مردويه عن موسى بن يزيد الكندي قال: كان ابن مسعود يقرئ رجلا فقرأ {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} مرسلة فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: وكيف أقرأكها قال: أقرأنيها {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} فمدها
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نسخت هذه الآية كل صدقة في القرآن قوله (وآت ذا القربى حقه والمسكين، وابن السبيل) (الإسراء الآية 26) وقوله (إن تبدوا الصدقات) (البقرة الآية 271) وقوله (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) (الذاريات الآية 19).
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} الآية، قال: إنما هذا شيء أعلمه الله إياه لهم فأيما أعطيت صنفا منها أجزاك.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير وأبو الشيخ عن حذيفة في قوله {إنما الصدقات للفقراء} الآية، قال: إن شئت جعلتها في صنف واحد من الأصناف الثمانية الذين سمى الله أو صنفين أو ثلاثة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي العالية قال: لا بأس أن تجعلها في صنف واحد مما قال الله.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن الحسن وعطاء وإبراهيم وسعيد بن جبير، مثله.
وأخرج ابن المنذر والنحاس عن ابن عباس قال: الفقراء فقراء المسلمين والمساكين الطوافون.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ عن قتادة قال: الفقير الذي به زمانة والمسكين المحتاج الذي ليس به زمانة.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب، أنه مر برجل من أهل الكتاب مطروح على باب فقال: استكدوني وأخذوا مني الجزية حتى كف
بصري فليس أحد يعود علي بشيء، فقال عمر: ما أنصفنا إذا ثم قال: هذا من الذين قال الله {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} ثم أمر له أن يرزق ويجري عليه
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر في قوله {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} قال: هم زمني أهل الكتاب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: لا يعطي المشركون من الزكاة ولا من شيء من الكفارات.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: ليس بفقير من جمع الدرهم إلى الدرهم ولا التمرة إلى التمرة إنما الفقير من أنقي ثوبه ونفسه لا يقدر على غنى (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) (البقرة الآية 273).
وأخرج ابن أبي شيبة، عن جابر بن زيد قال: الفقراء المتعففون والمساكين الذين يسألون.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري، أنه سئل عن هذه الآية فقال: الفقراء الذين في بيوتهم ولا يسألون والمساكين الذي يخرجون فيسألون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الفقير الرجل يكون فقيرا وهو بين ظهري قومه وعشيرته وذوي قرابته وليس له مال والمسكين الذي لا عشيرة له ولا قرابة ولا رحم وليس له مال.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك في الآية قال: الفقراء الذين هاجروا والمساكين الذين لم يهاجروا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: يعطي من الزكاة من له الدار والخادم والفرس.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم رضي الله عنه قال: كانوا لا يمنعون الزكاة من له البيت والخادم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {والعاملين عليها} قال: السعاة أصحاب الصدقة.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه قال: يعطي كل عامل بقدر عمله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن رافع بن خديج رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: العامل على الصدقة بالحق كالغازي حتى يرجع إلى بيته.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {والمؤلفة قلوبهم} قال: هم قوم كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسلموا وكان يرضخ لهم من الصدقات فإذا أعطاهم من الصدقة فأصابوا منها خيرا قالوا: هذا دين صالح وإن كان غير ذلك عابوه وتركوه.
وأخرج البخاري، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه من اليمن إلى النّبيّ بذهيبة فيها تربتها فقسمها بين أربعة من المؤلفة: الأقرع بن حايس الحنظلي وعلقمة بن علاثة العامري وعينية بن بدر الفزاري وزيد الخيل الطائي، فقالت قريش والأنصار: أيقسم بين صناديد أهل نجد ويدعنا فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إنما أتألفهم.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه قال المؤلفة قلوبهم: من بني هاشم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ومن بني أمية أبو سفيان بن حرب ومن بني مخزوم الحارث بن هشام وعبد الرحمن بن يربوع ومن بني أسد حكيم بن حزام ومن بني عامر سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزي ومن بني جمح صفوان بن أمية ومن بني سهم عدي بن قيس ومن ثقيف العلاء بن حارثة أو حارثة ومن بني فزارة عينية بن حصن ومن بني تميم الأقرع بن حابس ومن بني نصر مالك بن عوف ومن بني سليم العباس بن مرداس، أعطى النبي صلى الله عليه وسلم كل رجل منهم مائة ناقة مائة ناقة إلا عبد الرحمن بن يربوع وحويطب بن عبد العزى فإنه أعطى كل واحد منهما خمسين.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال: المؤلفة قلوبهم الذين يدخلون في الإسلام إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك قال: المؤلفة قلوبهم قوم من وجوه العرب يقدمون عليه فينفق عليهم منها ما داموا حتى يسلموا أو يرجعوا.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن جبير قال: ليس اليوم مؤلفة قلوبهم.
وأخرج البخاري في تاريخه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي رضي الله عنه قال: ليست اليوم مؤلفة قلوبهم إنما كان رجال يتألفهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلما أن كان أبو بكر رضي الله عنه قطع الرشا في الإسلام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبيدة السلماني قال: جاء عينية بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر فقالا: يا خليفة رسول الله إن عندنا أرضا سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة فإن رأيت أن تعطيناها لعلنا نحرثها ونزرعها ولعل الله أن ينفع بها، فأقطعهما إياها وكتب لهما بذلك كتابا وأشهد لهما فانطلقا إلى عمر ليشهداه على ما فيه فلما قرآ على عمر ما في الكتاب تناوله من أيديهما فتفل فيه فمجاه فتذمرا وقالا له مقالة سيئة فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتألفهما والإسلام يومئذ قليل وإن الله قد أعز الإسلام فاذهبا فاجهد جهدكما لا أرعى الله عليكما إن أرعيتما.
وأخرج ابن سعد عن أبي وائل، أنه قيل له: ما أصنع بنصيب المؤلفة قال: زده على الآخرين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله {وفي الرقاب} قال: هم المكاتبون
وأخرج ابن المنذر عن إبراهيم النخعي قال: لا يعتق من الزكاة رقبة تامة ويعطى في رقبة ولا بأس بأن يعين به مكاتبا.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عمر بن عبد العزيز قال: سهم الرقاب نصفان نصف لكل مكاتب ممن يدعي الإسلام والنصف الباقي يشترى به رقاب ممن صلى وصام وقدم إسلامه من ذكر أو أنثى يعتقون لله.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن ابن عباس، أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل من زكاته في الحج وأن يعتق منها رقبة.
وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أعتق من زكاة مالك.
وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن الحسن: أنه كان لا يرى بأسا أن يشتري الرجل من زكاة ماله نسمة فيعتقها.
وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور، وابن المنذر عن إبراهيم النخعي قال: يعان فيها الرقبة ولا يعتق منها
وأخرج أبو عبيد، وابن أبي شيبة، وابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه
قال: لا تعتق من زكاة مالك فإنه يجر الولاء، قال أبو عبيد: قول ابن عباس أعلى ما جاءنا في هذا الباب وهو أولى بالإتباع وأعلم بالتأويل وقد وافقه عليه كثير من أهل العلم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري، أنه سئل عن الغارمين، قال: أصحاب الدين، وابن السبيل وإن كان غنيا.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {والغارمين} قال: من احترق بيته وذهب السيل بماله وادان على عياله.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي جعفر في قوله {والغارمين} قال: المستدينين في غير فساد {وابن السبيل} قال: المجتاز من أرض إلى أرض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله {والغارمين} قال: هو الذي يسأل في دم أو جائحة تصيبه {وفي سبيل الله} قال: هم المجاهدون {وابن السبيل} قال: المنقطع به يعطي قدر ما يبلغه
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله {وفي سبيل الله} قال: الغازي في سبيل الله {وابن السبيل} قال: المسافر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ابن السبيل هو قال: الغازي في سبيل الله {وابن السبيل} قال: المسافر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ابن السبيل هو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك في رجل سافر وهو غني فنفد ما معه في سفره فاحتاج قال: يعطى من الصدقة في سفره لأنه ابن سبيل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {وفي سبيل الله} قال: حمل الرجل في سبيل الله من الصدقة {وابن السبيل} قال: هو الضيف والمسافر إذا قطع به وليس له شيء {فريضة من الله والله عليم حكيم} قال: ثمانية أسهم فرضهن الله وأعلمهن.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود، وابن ماجة، وابن المنذر، وابن مردويه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عليها أو
رجل اشتراها بماله أو غارم أو غاز في سبيل الله أو مسكين تصدق عليه فأهدى منها الغني
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجة والنحاس في ناسخه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشا أو كدوحا، قالوا: يا رسول الله وماذا يغنيه قال: خمسون درهم أو قيمتها من الذهب.
وأخرج أبو الشيخ عن عبد الله بن عمر، أنه سئل عن مال الصدقة فقال: شر مال إنما هو مال الكسحان والعرجان والعميان وكل منقطع به، قيل: فإن للعاملين عليها حقا وللمجاهدين في سبيل الله، قال: أما العاملون فلهم بقدر عمالتهم وأما المجاهدون في سبيل الله فقوم أحل لهم أن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوى.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة في ثمانية أسهم، ففرض في الذهب والورق والإبل والبقر والغنم والزرع والكرم والنخل ثم توضع في ثمانية أسهم، في أهل هذه الآية {إنما الصدقات للفقراء} الآية كلها.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خففوا على المسلمين في خرصكم فإن فيه العرايا وفيه الوصايا فأما العرايا فالنخلة والثلاث والأربع وأقل من ذلك وأكثر يمنحها الرجل أخاه ثمرتها فيأكلها هو وعياله وأما الوصايا فثمانية أسهم {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} إلى قوله {والله عليم حكيم}.
وأخرج أحمد عن رجل من بني هلال قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تحل الصدقة لغني ولا ذي مرة سوى
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر عن النّبيّ قال لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوى.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها، فرفع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين فقال: إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب). [الدر المنثور: 7/407-421]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 01:17 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومنهم مّن يلمزك في الصّدقات...}
يقول: بعيبك، ويقولون: لا يقسم بالسّويّة.
{فإن أعطوا منها رضوا} فلم يعيبوا.
ثم إن الله تبارك وتعالى بيّن لهم لمن الصدقات). [معاني القرآن: 1/443]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ومنهم من يلمزك} أي يعيبون، قال زياد الأعجم:
إذا لقيتك تبدي لي مكاشرةً... وإن أغيب فأنت العائب اللّمزه). [مجاز القرآن: 1/262 -263]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ومنهم مّن يلمزك في الصّدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لّم يعطوا منها إذا هم يسخطون}
وقال: {ومنهم مّن يلمزك} وقال بعضهم {يلمزك} ). [معاني القرآن: 2/30]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {يلمزك} بضم الميم.
أبو عمرو والأعمش بكسر الميم.
يقال: لمز الناس يلمزهم لمزًا، وهمزهم يهمزهم همزا، و{ويل لكل همزة لمزة} من ذلك؛ وهو العيب للناس والتنقص.
قال رؤبة:
قاربت بعد عنقي وجمزي = في ظل عصري باطلي ولمزي). [معاني القرآن لقطرب: 631]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {ومنهم من يلمزك} فالفعل لمز يلمز، ويلمز لمزًا لغتان، وهمز أيضًا يهمز همزًا، ورجل همزة لمزة؛ يهمز الناس ويعيبهم، قال الله عز وجل {ويل لكل همزة لمزة}، قال رؤبة:
قاربت بعد عنقي وجمزي = في ظل عصري باطلي ولمزي). [معاني القرآن لقطرب: 645]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ومنهم من يلمزك في الصدقات}: يعيبك). [غريب القرآن وتفسيره: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومنهم من يلمزك في الصّدقات}: يعيبك ويطعن عليك.
يقال: همزت فلانا ولمزته. إذا اغتبته وعبته [ومنه قوله تعالى]: {ويلٌ لكلّ همزةٍ لمزةٍ} [سورة الهمزة آية: 1] ). [تفسير غريب القرآن: 188]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ومنهم من يلمزك في الصّدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون}
وتقرأ يلمزونك: يقال لمزت الرجل ألمزه بكسر الميم، وألمزه بضم الميم إذ عبته، وكذلك همزته أهمزه إذا عبته.
قال الشاعر:

إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة..=. وإن تغيّبت كنت الهامز اللّمزه
واللمزة الكثير العيب للناس، وقال بعضهم: اللّمزة العيب. بكسر العين أي بكسر عينه عيب كنهم، إذا عاب. يراد به عيب صاحبه وقالوا: اللّمزة العيب بالمسارّة. وهذا كله يرجع إلى العيب). [معاني القرآن: 2/455-456]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا}
قال مجاهد أي يروزك ويسألك
وقال قتادة أي يطعن عليك
قال أبو جعفر والقول عند أهل اللغة قول قتادة يقال لمزه يلمزه إذا عابه ومنه فلان همزة لمزة أي عياب للناس
ويقال اللمزة هو الذي يعيب في سر وإن الهمزة هو الذي يشير بعينيه
وهذا كله يرجع إلى أنه يعيب). [معاني القرآن: 3/219-220]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {من يلمزك} أي: يعيبك). [ياقوتة الصراط: 243]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَلْمِزُكَ} أي يعيبك ويطعن عليك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 98]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَلْمِزُكَ}: يعيبك). [العمدة في غريب القرآن: 148]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) )


تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما الصّدقات للفقراء...}
وهم أهل صفّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا لا عشائر لهم، كانوا يلتمسون الفضل بالنهار، ثم يأوون إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء الفقراء.
{والمساكين}: الطوّافين على الأبواب {والعاملين عليها} وهم السعاة.
{والمؤلّفة قلوبهم} وهم أشراف العرب، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم ليجترّ به إسلام قومهم.
{وفي الرّقاب} يعني المكاتبين {والغارمين}: أصحاب الدّين الذين ركبهم في غير إفساد.
[معاني القرآن: 1/443]
{وفي سبيل اللّه}: الجهاد {وابن السّبيل}: المنقطع به، أو الضيف.
{فريضةً مّن اللّه} نصب على القطع. والرفع في {فريضة} جائز لو قرئ به. وهو في الكلام بمنزلة قولك: هو لك هبةً وهبةٌ، وهو عليك صدقةً وصدقةٌ، والمال بينكما نصفين ونصفان، والمال بينكما شقّ الشعرة وشقٌّ... ). [معاني القرآن: 1/443-444]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {والغارمين} كان ابن عباس يقول: أصحاب الديون؛ وقال: هو رجل يصيبه غرم في ماله من غير فساد). [معاني القرآن لقطرب: 645]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إنّما الصّدقات للفقراء} وهم ضعفاء الأحوال الذين لهم البلعة من العيش.
{والمساكين}: الذين ليس لهم شيء. قال قتادة: الفقير: الذي به زمانة، والمسكين: الصحيح المحتاج.
{والعاملين عليها} أي عمال الصدقة، وهم السعاة.
{والمؤلّفة قلوبهم}: الذين كان النبي صلّى اللّه عليه وسلم يتألّفهم على الإسلام.
{وفي الرّقاب} أي المكاتبين. أراد: فكّ الرّقاب من الرّق.
{والغارمين} من عليه الدّين ولا يجد قضاء. وأصل الغرم: الخسران. ومنه قيل في الرهن: له غنمه وعليه غرمه. أي ريحه له وخسرانه أو هلاكه عليه. فكأن الغارم هو الذي خسر ماله. والخسران: النقصان.
ويكون الهلاك. قال اللّه عز وجل: {الّذين خسروا أنفسهم وأهليهم} [سورة الزمر آية: 15، وسورة الشورى آية: 45].
وقد يشتق من الغرم اسم للهلاك خاصة. من ذلك قوله: {إنّ عذابها كان غراماً} [سورة الفرقان آية: 65] أي هلاكا. ومنه يقال: فلان مغرم بالنساء أي مهلك بهن. ويقال: ما أشد غرامه بالنساء وإغرامه، أي هلاكه بحبّهن). [تفسير غريب القرآن: 188-189 ]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل فريضة من اللّه واللّه عليم حكيم}
وهم قوم كانوا يعطون: يتألّفون على أن يسلموا.
وهذا غير مستعمل اليوم لظهور الإسلام.
{وفي الرقاب}.
كأن يعاون المكاتب حتى يفك رقبته:
{والغارمين}.
وهم الذين لزمهم الدِّين في الحمالة، والحمالة، الإعطاء في الذّمّة ويجوز أن يكون الغارم الّذي لزمه الدِّين في غير معصية، فالأولى أن يكون الدين الذي يقضى عنه في غير معصية، لأنّ ذا المعصية إن أدّي عنه الدّين كان ذلك تقوية على المعاصي.
{وفي سبيل اللّه}.
أي وللمجاهدين حق في الصدقة.
{وابن السبيل} ابن الطريق.
وتأويله الذي قطع عليه الطريق.
{فريضة من اللّه}
منصوب على التوكيد، لأن قوله: إنّما الصّدقات لهؤلاء كقولك فرض اللّه الصدقات لهؤلاء.
وقد بينّا في أول الأنفال ما قيل في جميع الأموال، واستقصيناه.
ويجوز فريضة من اللّه على ذلك ولا أعلمه قرئ به). [معاني القرآن: 2/456-457]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}
قال قتادة الفقير المحتاج الذي له زمانه والمسكين
الصحيح المحتاج
وقال مجاهد والزهري الفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل
حدثنا محمد بن إدريس بن أسود قال نا يونس قال أنبأنا ابن وهب قال أخبرني جرير بن حازم عن علي بن الحكم عن الضحاك قال الفقراء من المهاجرين والمساكين من الأعراب
قال وكان ابن عباس يقول الفقراء من المسلمين والمساكين من أهل الذمة
قال أبو جعفر الذي قاله الزهري ومجاهد حسن لأن المسكين مأخوذ من السكون والخضوع فالذين يسألون يظهر عليهم السكون والخضوع
وإن كان الذي يسأل والذي لا يسأل يجتمعان في اسم الفقر
فإن الطي يظهر عليه مع الفقر ما ذكرنا
وفقير في اللغة إنما يعرف بأن يقال إلى كذا
فالمعنى والفقراء إلى الصدقة ومسكين عليه ذلة لأنه قد يكون به فقر إليها ولا ذلة عليه فيها
وقال أهل اللغة لا نعلم بينهم اختلافا
الفقير الذي له بلغة والمسكين الذي لا شيء له
وأنشدوا:
أما الفقير الذي كانت حلوبته = وفق العيال فلم يترك له سبد
وقال يونس قلت لأعرابي أفقير أنت فقال لا بل مسكين
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يسأل ولا يفطن له فيعطى ولا يجد غنى يغنيه
قال أبو جعفر قال علي بن سليمان الفقير مشتق من قولهم فقرت له فقرة من مالي أي أعطيته قطعة فالفقير على هذا الذي له قطعة من المال والمسكين مأخوذ من السكون كأنه بمنزلة من لا حركة له
وقال بعض الفقهاء المسكين الذي له شيء واحتج بقول الله عز وجل: {أما السفينة فكانت لمساكين يعلمون في البحر}
قال أبو جعفر وهذا الاحتجاج لا يلزم لأنك تقول هذا التمر لهذه النخلة وهذا البيت لهذه الدار لا تريد الملك فيجوز أن يكون قيل لمساكين لأنهم كانوا يعلمون فيها
وقد قيل إنه إنما تمثيل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض النساء يا مسكينة عليك السكينة
ثم قال عز وجل: {والعاملين عليها}
وهم السعاة ومن كان مثلهم
ثم قال تعالى: {والمؤلفة قلوبهم}
قال الشعبي هؤلاء كانوا في وقت النبي صلى الله عليه وسلم يتألفون فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه زال هذا
قال أبو جعفر حديث الشعبي إنما رواه عنه جابر الجعفي وقد قال يونس سألت الزهري قال لا أعلم أنه نسخ من ذلك شيء
فعلى هذا الحكم فيهم ثابت فإن كان أحد يحتاج إلى تألفه ويخاف أن يلحق المسلمين منه آفة أو يرجى أن يحسن إسلامه بعد دفع إليه
ثم قال جل وعز: {وفي الرقاب}
أي وفي فك الرقاب
قيل هم المكاتبون
وقيل تبتاع الرقاب فيكون الولاء للمسلمين
ثم قال جل وعز: {والغارمين} قال مجاهد هم الذين أحرقت النار بيوتهم وأذهب السيل مالهم فادانوا لعيالهم
وروي عن أبي جعفر ومجاهد وقتادة قالوا الغارم من استدان لغير معصية
قال أبو جعفر وهذا لا يكون غيره لأنه إذا كان ذا دين في
معصية فقضي عنه فقد أعين على المعصية
والغرم في اللغة الخسران فكأن المستدين لا يجد قضاء دينه قد خسر ماله ومنه إن عذابها كان غراما أي هلاكا وخسرانا
ثم قال تعالى: {وفي سبيل الله} أي في طاعة الله أي للمجاهدين والحجاج وابن السبيل
روى جابر عن أبي جعفر أنه قال هو المجتاز من أرض إلى أرض
قال أبو جعفر والسبيل في اللغة الطريق فابن السبيل هو الذي قطعت عليه الطريق أو جاء من أرض العدو وقد أخذ
ماله
قالت الفقهاء أبناء السبيل الغائبون عن أموالهم الذين لا يصلون إليها لبعد المسافة بينهم وبينها حتى يحتاجوا إلى الصدقة فهي إذ ذاك لهم مباحة فقد صاروا إلى حكم من لا مال له
روى المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}
قال إنما ذكر الله هذه الصدقات لتعرف وأي صنف أعطيت منها أجزأك
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس إنما الصدقات للفقراء والمساكين قال في أيها وضعت أجزأ عنك). [معاني القرآن: 3/220-227]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} للضعفاء الذي لهم البلغة من العيش، والمساكين: الذين لا شيء لهم. وقيل: الفقير الذي به زمانه، والمسكين: الصحيح المحتاج.
{وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} أي عمال الصدقة، وهم السعاة الجباة.
{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم على الإسلام.
{وَفِي الرِّقَابِ} المكاتبين.
{وَالْغَارِمِينَ} من عليه الدين، ولا شيء لهم.
{وَاِبْنِ السَّبِيلِ} المنقطع بغير بلده). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 98]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 01:23 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) }
تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (والغريم الذي له الدين. والغريم الذي عليه الدين). [الأضداد: 97]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (قولهم: «رجل فقير»

قال الأصمعي: الفقير الذي له بلغة من عيش، والمسكين: الذي لا بلغة له. قال الله عز وجل: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}.
وقال الراعي:
أما الفقير الذي كانت حلوبته = وفق العيال فلم يترك له سبد).
[كتاب الأمثال: 89]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أي الصوم أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال: ((شهر الله المحرم)).
قال: حدثناه هشيم عن منصور عن الحسن يرفع الحديث.
قوله: شهر الله المحرم، أراه قد نسبه إلى الله تبارك وتعالى وقد علمنا أن الشهور كلها لله جل ثناؤه ولكنه إنما ينسب إليه تبارك وتعالى كل شيء يعظم
ويشرف.
وكان سفيان بن عيينة يقول: إن قول الله تبارك وتعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه}.
وقوله عز وجل: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول}، فنسب المغنم والفيء إلى نفسه، وذلك أنهما أشرف الكسب، إنما هما بمجاهدة العدو.
ولم يذكر ذلك عند الصدقة في قوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}، ولم يقل: لله وللفقراء، لأن الصدقة أوساخ الناس، واكتسابها مكروه إلا للمضطر إليها.
فكذلك عندي قوله: ((شهر الله المحرم))، إنما هو على جهة التعظيم له، وذلك لأنه جعله حراما لا يحل فيه قتال ولا سفك دم). [غريب الحديث: 2/209-212] (م)
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وتقول هذا رجل فقير للذي له البلغة من العيش وهذا رجل مسكين للذي لا شيء له قال الله جل وعز: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} ثم قال الراعي:

(أما الفقير الذي كانت حلوبته = وفق العيال فلم يترك له سبد)
وقال يونس: قلت لأعرابي: أفقير أنت؟ قال: لا والله مسكين). [إصلاح المنطق: 326-327]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
كم من فقير بإذن الله قد جبرت = وذي غنى بوأته دار محروب
لم يقل فيه أبو عكرمة شيئًا، وقال عبد الله الرستمي: قال يعقوب: الفقير الذي له بلغة من العيش والمسكين الذي لا شيء له، قال وقال يونس سألت أعرابيًا فقلت: أمسكين أنت أم فقير؟، فقال: لا بل مسكين واحتج بقول الراعي:
أما الفقير الذي كانت حلوبته = وفق العيال فلم يترك له سبد
وجبرت أغنت ولمت شعثه، يقال جبرت العظم إذا لأمته وأصلحته، والجبارة العود الذي يشد على العظم الكسير والجمع الجبائر، قال الأعشى:
ونهيض ظالعنا وليـ = ـس لعظم مكسور جباره
يقول ما ظلع من أموالنا نحرناه ولم نجبره، وبوأته أنزلته يقال بوأته منزلاً، قال الراعي:
لها أمرها حتى إذا ما تبوأت = بأخفافها مأوى تبوأ مضجعا
والمحروب الذي قد حرب ماله، وحربت الرجل أغضبته، وسنان محرب أي محدد، يقول كم من ذي غنى قد أغارت عليه فأنزلته داره محروبة، والمحروب هو هذا الغني بعينه ولم يرد أنه آتى دار محروب آخر فنزلها، ويقال إن معناه تركته محروبًا وليس هناك دار كما تقول أنزلت فلانًا دار الهوان أي أهنته وليس هناك دار، فهذا قول يعقوب في هذا البيت، وقال أحمد بن عبيد: الفقير الذي لا شيء له البتة والمسكين الذي له دون البلغة، وبدأ الله تعالى بالفقراء قبل المساكين إذا قال: {للفقراء والمساكين}، لأنهم أشد منهم حالاً، قال: وبيت الراعي على غير ما تأولوه والمعنى أنه اليوم فقير لم يترك له سبد صار فقيرًا وقبل اليوم كانت له حلوبة، والذي له حلوبة ليس بفقير، قال: ووفق قدر، ومن له قدر ما يكفيه فليس بفقير، ومنه قول الله تعالى: {ومن كان غنيًا فليستعفف ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف} أي من كان له قوت فلا يأكل من مال اليتيم ومن كان فقيرًا لا شيء له فليأكل بالمعروف بقدر ما يكفيه، وليس لمن كان له قوت أن يأكل من مال اليتيم شيئًا). [شرح المفضليات: 235-236]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 01:30 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 01:33 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:16 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:17 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ومنهم من يلمزك الآية، الضمير في قوله ومنهم عائد على المنافقين، وأسند الطبري إلى أبي سعيد الخدري أنه قال: جاء ابن ذي الخويصرة التميمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسما فقال: اعدل يا محمد الحديث المشهور بطوله، وفيه قال أبو سعيد: فنزلت في ذلك ومنهم من يلمزك في الصّدقات، وروى داود بن أبي عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصدقة فقسمها ووراءه رجل من الأنصار فقال: ما هذا بالعدل فنزلت الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه نزعة منافق، وكذلك روي من غير ما طريق أن الآية نزلت بسبب كلام المنافقين إذ لم يعطوا بحسب شطط آمالهم، ويلمزك معناه يعيبك ويأخذ منك في الغيبة ومنه قول الشاعر: [البسيط]
إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة = وأن أغيب فأنت الهامز اللمزة
ومنه قول رؤبة: [الرجز]
... ... ... ... = في ظل عصري باطلي ولمزي
والهمز أيضا في نحو ذلك ومنه قوله تعالى ويلٌ لكلّ همزةٍ لمزةٍ [الهمزة: 1] وقيل لبعض العرب: أتهمز الفأرة فقال: إنها تهمزها الهرة قال أبو علي: فجعل الأكل همزا، وهذه استعارة كما استعار حسان بن ثابت الغرث في قوله: [الطويل]
... ... ... ... = وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
تركيبا على استعارة الأكل في الغيبة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولم يجعل الأعرابي الهمز الأكل، وإنما أراد ضربها إياها بالناب والظفر، وقرأ جمهور الناس «يلمزك» بكسر الميم، وقرأ ابن كثير فيما روى عنه حماد بن سلمة «يلمزك» بضم الميم، وهي قراءة أهل مكة وقراءة الحسن وأبي رجاء وغيرهم، وقرأ الأعمش «يلمّزك»، وروى أيضا حماد بن سلمة عن ابن كثير «يلامزك»، وهي مفاعلة من واحد لأنه فعل لم يقع من النبي صلى الله عليه وسلم). [المحرر الوجيز: 4/ 338-340]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله ولو أنّهم رضوا ما آتاهم اللّه ورسوله الآية، وصف للحال التي ينبغي أن يكون عليها المستقيمون، يقول تعالى: ولو أن هؤلاء المنافقين رضوا قسمة الله الرزق لهم وما أعطاهم على يدي رسوله ورجوا أنفسهم فضل الله ورسوله وأقروا بالرغبة إلى الله لكان خيرا لهم وأفضل مما هم فيه، وحذف الجواب من الآية لدلالة ظاهر الكلام عليه، وذلك من فصيح الكلام وإيجازه). [المحرر الوجيز: 4/ 340]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل فريضةً من اللّه واللّه عليمٌ حكيمٌ (60)
إنّما في هذه الآية حاصرة تقتضي وقوف الصّدقات على الثمانية الأصناف، وإنما اختلف في صورة القسمة فقال مالك وغيره: ذلك على قدر اجتهاد الإمام وبحسب أهل الحاجة، وقال الشافعي: هي ثمانية أقسام على ثمانية أصناف لا يخل بواحد منها إلا أن المؤلّفة انقطعوا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويقول صاحب هذا القول: إنه لا يجزئ المتصدق والقاسم من كل صنف أقل من ثلاثة، وأما الفقير والمسكين فقال الأصمعي وغيره: الفقير أبلغ فاقة وقال غيرهم: المسكين أبلغ فاقة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا طريق إلى هذا الاختلاف ولا إلى الترجيح إلا النظر في شواهد القرآن والنظر في كلام العرب وأشعارها، فمن حجة الأولين قول الله عز وجل أمّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر [الكهف: 79] واعترض هذا الشاهد بوجوه منها، أن يكون سماهم «مساكين» بالإضافة إلى الغاصب وإن كانوا أغنياء على جهة الشفقة كما تقول في جماعة تظلم مساكين لا حيلة لهم وربما كانوا مياسير ومنها: أنه قرئ «لمساكين» بشد السين بمعنى: دباغين يعملون المسوك قاله النقاش وغيره ومنها:
أن تكون إضافتها إليهم ليست بإضافة ملك بل كانوا عاملين بها فهي كما تقول: سرج الفرس، ومن حجة الآخرين قول الراعي: [البسيط]
أما الفقير الذي كانت حلوبته = وفق العيال فلم يترك له سبد
وقد اعترض هذا الشاهد بأنه إنما سماه فقيرا بعد أن صار لا حلوبة له، وإنما ذكر الحلوبة بأنها كانت، وهذا اعتراض يرده معنى القصيدة ومقصد الشاعر بأنه إنما يصف سعاية أتت على مال الحي بأجمعه، فقال: أما الفقير فاستؤصل ماله فكيف بالغني مع هذه الحال، وذهب من يقول إن المسكين أبلغ فاقة إلى أنه مشتق من السكون، وأن الفقير مشتق من فقار الظهر كأنه أصيب فقارة فيه لا محالة حركة، وذهب من يقول إن الفقير أبلغ فاقة: إلى أنه مشتق من فقرت البئر إذا نزعت جميع ما فيها، وأن المسكين من السكن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومع هذا الاختلاف فإنهما صنفان يعمهما الإقلال والفاقة، فينبغي أن يبحث على الوجه الذي من أجله جعلهما الله اثنين، والمعنى فيهما واحد، وقد اضطرب الناس في هذا، فقال الضحاك بن مزاحم: «الفقراء» هم من المهاجرين والمساكين من لم يهاجر، وقال النخعي نحوه، قال سفيان: يعني لا يعطى فقراء الأعراب منها شيئا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والمسكين السائل» يعطى في المدينة وغيرها، وهذا القول هو حكاية الحال وقت نزول الآية، وأما منذ زالت الهجرة فاستوى الناس، وتعطى الزكاة لكل متصف بفقر،
وقال عكرمة: «الفقراء» من المسلمين، والمساكين من أهل الذمة، ولا تقولوا لفقراء المسلمين مساكين، وقال الشافعي في كتاب ابن المنذر: «الفقير» من لا مال له ولا حرفة سائلا كان أو متعففا، «والمسكين» الذي له حرفة أو مال ولكن لا يغنيه ذلك سائلا كان أو غير سائل، وقال قتادة بن دعامة: الفقير الزمن المحتاج، والمسكين الصحيح المحتاج،
وقال ابن عباس والحسن ومجاهد والزهري وابن زيد وجابر بن زيد ومحمد بن مسلمة: «المساكين» الذين يسعون ويسألون، و «الفقراء» هم الذين يتصاونون، وهذا القول الأخير إذا لخص وحرر أحسن ما يقال في هذا، وتحريره: أن الفقير هو الذي لا مال له إلا أنه لم يذل ولا بذل وجهه، وذلك إما لتعفف مفرط وإما لبلغة تكون له كالحلوبة وما أشبهها، والمسكين هو الذي يقترن بفقره تذلل وخضوع وسؤال، فهذه هي المسكنة، فعلى هذا كل مسكين فقير وليس كل فقير مسكينا، ويقوي هذا أن الله تعالى قد وصف بني إسرائيل بالمسكنة وقرنها بالذلة مع غناهم،
وإذا تأملت ما قلناه بان أنهما صنفان موجودان في المسلمين، ويقوي هذا قوله تعالى: للفقراء الّذين أحصروا في سبيل اللّه لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التّعفّف [البقرة: 273] وقيل لأعرابي: أفقير أنت؟ فقال: إني والله مسكين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين بهذا الطوّاف الذي ترده اللقمة واللقمتان، ولكن المسكين هو الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه، اقرأوا إن شئتم لا يسئلون النّاس إلحافاً [البقرة: 273]، فدل هذا الحديث على أن المسكين في اللغة هو الطواف، وجرى تنبيه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على المتصاون مجرى تقديم «الفقراء» في الآية لمعنى الاهتمام إذ هم بحيث إن لم يتهمم بهم هلكوا، والمسكين يلح ويذكر بنفسه، وأما العامل فهو الرجل الذي يستنيبه الإمام في السعي على الناس وجمع صدقاتهم، وكل من يصرف من عون لا يستغنى عنه فهو من العاملين لأنه يحشر الناس على السعي، وقال الضحاك: للعاملين ثمن ما عملوا على قسمة القرآن، وقال الجمهور: لهم قدر تعبهم ومؤنتهم قاله مالك والشافعي في كتاب ابن المنذر، فإن تجاوز ذلك ثمن الصدقة فاختلف، فقيل يتم لهم ذلك من سائر الأنصباء وقيل، بل يتم لهم ذلك من خمس الغنيمة، واختلف إذا عمل في الصدقات هاشمي فقيل: يعطى منها عمالته وقيل: بل يعطاها الخمس، ولا يجوز للعامل قبول الهدية والمصانعة ممن يسعى عليه وذلك إن فعله رد في بيت المال كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بابن اللتبية حين استعمله على الصدقة فقال، هذا لكم وهذا أهدي لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هلا قعدت في بيت أبيك وأمك حتى تعلم ما يهدى لك» وأخذ الجميع منه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وتأمل عمالة الساعي هل يأخذها قبل العمل أو بعده، وهل هي إجازة أو هي جعل وهل العمل معلوم أو هو يتتبع وإنما يعرف قدره بعد الفراغ، وأما المؤلّفة قلوبهم فكانوا صنفين، مسلمين وكافرين مساترين، قال يحيى بن أبي كثير، كان منهم أبو سفيان بن حرب بن أمية والحارث بن هشام وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعيينة والأقرع ومالك بن عوف والعباس بن مرداس والعلاء بن جارية الثقفي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأكثر هؤلاء من الطلقاء الذين ظاهر أمرهم يوم الفتح الكفر، ثم بقوا مظهرين الإسلام حتى وثقه الاستئلاف في أكثرهم واستئلافهم إنما كان لتجلب إلى الإسلام منفعة أو تدفع عنه مضرة، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه والحسن والشعبي وجماعة من أهل العلم: انقطع هذا الصنف بعزة الإسلام وظهوره، وهذا مشهور مذهب مالك رحمه الله، قال عبد الوهاب: إن احتيج إليهم في بعض الأوقات أعطوا من الصدقة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقول عمر عندي إنما هو لمعنيين، فإنه قال لأبي سفيان حين أراد أخذ عطائه القديم: إنما تأخذ كرجل من المسلمين فإن الله قد أغنى عنك وعن ضربائك، يريد في الاستئلاف، وأما أن ينكر عمر الاستئلاف جملة وفي ثغور الإسلام فبعيد، وقال كثير من أهل العلم: المؤلّفة قلوبهم موجودون إلى يوم القيامة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإذا تأملت الثغور وجد فيها الحاجة إلى الاستئلاف، وقال الزهري: المؤلّفة من أسلم من يهودي أو نصراني وإن كان غنيا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يريد لتبسط نفسه ويحبب دين الإسلام إليه،
وأما الرّقاب فقال ابن عباس والحسن ومالك وغيره: هو ابتداء العتق وعون المكاتب بما يأتي على حريته، واختلف هل يعان بها المكاتب في أثناء نجومه بالمنع والإباحة، واختلف على القول بإباحة ذلك إن عجز فقيل يرد ذلك من عند السيد، وقيل يمضى لأنه كان يوم دفعه بوجه مترتب، وقال الشافعي: معنى وفي الرّقاب في المكاتبين ولا يبتدأ منها عتق عبد، وقاله الليث وإبراهيم النخعي وابن جبير، وذلك أن هذه الأصناف إنما تعطى لمنفعة المسلمين أو لحاجة في أنفسها، والعبد ليس له واحدة من هاتين العلتين، والمكاتب قد صار من ذوي الحاجة وقال الزهري: سهم الرقاب نصفان، نصف للمكاتبين ونصف يعتق منه رقاب مسلمون ممن صلى، قال ابن حبيب: ويفدى منه أسارى المسلمين ومنع ذلك غيره،
وأما «الغارم» فهو الرجل يركبه دين في غير معصية ولا سفه، قال العلماء: فهذا يؤدى عنه وإن كانت له عروض تقيم رمقه وتكفي عياله، وكذلك الرجل يتحمل بحمالة في ديارات أو إصلاح بين القبائل ونحو هذا، وهو أحد الخمسة الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لعامل عليها أو غاز في سبيل الله أو رجل تحمل بحمالة أو من أهديت له أو من اشتراها بماله».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد سقط المؤلّفة من هذا الحديث، ولا يؤدى من الصدقة دين ميت ولا يعطى منها من عليه كفارة ونحو ذلك من حقوق الله، وإنما «الغارم» من عليه دين يسجن فيه، وقد قيل في مذهبنا وغيره: يؤدى دين الميت من الصدقات قاله أبو ثور، وأما في سبيل اللّه فهو المجاهد يجوز أن يأخذ من الصدقة لينفقها في غزوه وإن كان غنيا قال ابن حبيب: ولا يعطى منها الحاج إلا أن يكون فقيرا فيعطى لفقره، وقال ابن عباس وابن عمر وأحمد وإسحاق: يعطى منها الحاج وإن كان غنيا، والحج سبيل الله، ولا يعطى منها في بناء مسجد ولا قنطرة ولا شراء مصحف ونحو هذا، وأما ابن السّبيل فهو الرجل في السفر والغربة يعدم فإنه يعطى من الزكاة وإن كان غنيا في بلده، وسمي المسافر ابن السبيل لملازمته السبيل كما يقال للطائر: ابن ماء لملازمته له ومنه عندي قولهم: ابن جلا وقد قيل فيه غير هذا ومنه قولهم: بنو الحرب وبنو المجد ولا يعطى بنو هاشم من الصدقة المفروضة، قال ابن الماجشون ومطرف وأصبغ وابن حبيب: ولا من التطوع ولا يعطى مواليهم لأن مولى القوم منهم، وقال ابن القاسم: يعطى بنو هاشم من صدقة التطوع ويعطى مواليهم من الصدقتين، ومن سأل من الصدقة وقال إنه فقير، فقالت فرقة يعطى دون أن يكلف بينة على فقره بخلاف حقوق الآدميين يدعي معها الفقر فإنه يكلف البينة لأنها حقوق الناس يؤخذ لها بالأحوط، وأيضا فالناس إذا تعلقت بهم حقوق آدمي محمولون على الغنى حتى يثبت العدم ويظهر ذلك من قوله تعالى وإن كان ذو عسرةٍ [البقرة: 280] أي ان وقع فيعطي هذا أن الأصل الغنى فإن وقع ذو عسرة فنظرة،
وقالت فرقة: الرجل الصحيح الذي لا يعلم فقره لا يعطى إلا أن يعلم فقره، وأما إن ادعى أنه غارم أو مكاتب أو ابن سبيل أو في سبيل الله أو نحو ذلك مما لم يعلم منه فلا يعطى إلا ببينة قولا واحدا، وقد قيل في الغارم: تباع عروضه وجميع ما يملك ثم يعطى بالفقر، ويعطي الرجل قرابته الفقراء وهم أحق من غيرهم فإن كان قريبه غائبا في موضع تقصر إليه الصلاة فجاره الفقير أولى، وإن كان في غيبة لا تقصر إليه الصلاة فقيل هو أولى من الجار الفقير، وقيل الجار أولى ويعطي الرجل قرابته الذين لا تلزمه نفقتهم، وتعطي المرأة زوجها، وقال بعض الناس ما لم ينفق ذلك عليها، ويعطي الرجل زوجته إذا كانت من الغارمين، واختلف في ولاء الذي يعتق من الصدقة، فقال مالك: ولاؤه لجماعة المسلمين وقال أبو عبيد: ولاؤه للمعتق وقال عبيد الله بن الحسن: يجعل ماله في بيت الصدقات، وقال الحسن وأحمد وإسحاق: ويعتق من ماله رقاب، وإذا كان لرجل على معسر دين فقيل يتركه له ويقطع ذلك من صدقته وقيل لا يجوز ذلك جملة، وقيل إن كان ممن لو رفعه للحاكم أمكن أن يؤديه جاز ذلك وإلا لم يجز لأنه قد توي وأما السبيل: فهو الذي قدمنا ذكره يعطى الرجل الغازي وإن كان غنيا، وقال أصحاب الرأي لا يعطى الغازي في سبيل الله إلا أن يكون منقطعا به، قال ابن المنذر؟ وهذا خلاف ظاهر القرآن وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما القرآن فقوله وفي سبيل اللّه، وأما الحديث فقوله «إلا لخمسة لعامل عليها أو غاز في سبيل الله»، وأما صورة التفريق فقال مالك وغيره: على قدر الحاجة ونظر الإمام يضعها في أي صنف رأى وكذلك المتصدق، وقاله حذيفة بن اليمان وسعيد بن جبير وإبراهيم وأبو العالية، قال الطبري: وقال بعض المتأخرين: إذا قسم المتصدق قسم في ستة أصناف لأنه ليس ثم عامل ولأن المؤلفة قد انقطعوا فإن قسم الإمام ففي سبعة أصناف، وقال الشافعي وعكرمة والزهري: هي ثمانية أقسام لثمانية أصناف لا يخل بواحد منها واحتج الشافعي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله: «إن الله تعالى لم يرض في الصدقات بقسم نبي ولا غيره حتى قسمها بنفسه فجعلها ثمانية أقسام لثمانية أصناف فإن كنت واحدا منها أعطيتك».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والحديث في مصنف أبي داود، وقال أبو ثور: إذا قسمها الإمام لم يخل بصنف منها وإن أعطى الرجل صدقته صنفا دون صنف أجزأه ذلك وقال النخعي: إذا كان المال كثيرا قسم على الأصناف كلها وإذا كان قليلا أعطاه صنفا واحدا. وقالت فرقة من العلماء: من له خمسون درهما فلا يعطى من الزكاة، وقال الحسن وأبو عبيد، لا يعطى من له أوقية وهي أربعون درهما، قال الحسن: وهو غني وقال الشافعي: قد يكون الرجل الذي لا قدر له غنيا بالدرهم مع سعيه وتحيله، وقد يكون الرجل له القدر والعيال ضعيف النفس والحيلة فلا تغنيه آلاف، وقال أبو حنيفة: لا يأخذ الصدقة من له مائتا درهم ومن كان له أقل فلا بأس أن يأخذ، قال سفيان الثوري: لا يدفع إلى أحد من الزكاة أكثر من خمسين درهما، إلا أن يكون غارما وقال أصحاب الرأي، إن أعطي ألفا وهو محتاج أجزأ ذلك، وقال أبو ثور: يعطى من الصدقة حتى يغنى ويزول عنه اسم المسكنة ولا بأس أن يعطى الفقير الألف وأكثر من ذلك، وقال ابن المنذر: أجمع أكثر من يحفظ عنه من أهل العلم أن من له دار وخادم لا يستغني عنهما أن يأخذ من الزكاة وللمعطي أن يعطيه، وقال مالك: إن لم يكن في ثمن الدار والخادم فضلة على ما يحتاج إليه منهما جاز له الأخذ وإلا لم يجزه، وأما الرجل يعطي الآخر وهو يظنه فقيرا فإذا هو غني، فإنه إن كان بفور ذلك أخذها منه فإن فاتت نظر، فإن كان الآخذ غنيا وأخذها مع علمه بأنها لا تحل له ضمنها على كل وجه، وإن كان لم يغر بل اعتقد أنها تجوز له، أو لم يتحقق مقصد المعطي نظر، فإن كان أكلها أو لبسها ضمنها، وإن كانت تلفت لم يضمن، واختلف في إجزائها عن المتصدق فقال الحسن وأبو عبيدة: تجزيه، وقال الثوري وغيره: لا تجزيه، وأهل بلد الصدقة أحق بها إلا أن تفضل فضلة فتنقل إلى غيرها بحسب نظر الإمام، قال ابن حبيب في الواضحة: أما المؤلّفة فانقطع سهمهم، وأما سبيل الله فلا بأس أن يعطي الإمام الغزاة إذا قل الفيء في بيت المال.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الشرط فيه نظر، قال ابن حبيب: وينبغي للإمام أن يأمر السعاة بتفريقها بالمواضع التي جبيت فيها ولا يحمل منه شيء إلى الإمام إلا أن يرى ذلك لحاجة أو فاقة نزلت بقوم، قال مالك: ومن له مزرعة أو شيء في ثمنه إذا باعه ما يغنيه لم يجز له أخذ الصدقة، وهذه جملة من فقه الآية كافية على شرطنا في الإيجاز والله الموفق برحمته، وقوله تعالى: فريضةً من اللّه أي موجبة محدودة وهو مأخوذ من الفرض في الشيء بمعنى الحز والقطع ثبوت ذلك ودوامه، شبه ما يفرض من الأحكام، ونصب فريضةً على المصدر، ثم وصف نفسه تعالى بصفتين مناسبتين لحكم هذه الآية لأنه صدر عن علم منه بخلقه وحكمة منه في القسمة بينهم). [المحرر الوجيز: 4/ 340-349]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:17 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:17 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ومنهم من يلمزك في الصّدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون (58) ولو أنّهم رضوا ما آتاهم اللّه ورسوله وقالوا حسبنا اللّه سيؤتينا اللّه من فضله ورسوله إنّا إلى اللّه راغبون (59)}
يقول تعالى: {ومنهم} أي ومن المنافقين {من يلمزك} أي: يعيب عليك {في} قسم {الصّدقات} إذا فرّقتها، ويتّهمك في ذلك، وهم المتّهمون المأبونون، وهم مع هذا لا ينكرون للدّين، وإنّما ينكرون لحظّ أنفسهم؛ ولهذا إن {أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} أي: يغضبون لأنفسهم.
قال ابن جريج: أخبرني داود بن أبي عاصمٍ قال: أتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بصدقةٍ، فقسمها هاهنا وهاهنا حتّى ذهبت. قال: ووراءه رجلٌ من الأنصار فقال: ما هذا بالعدل؟ فنزلت هذه الآية.
وقال قتادة في قوله: {ومنهم من يلمزك في الصّدقات} يقول: ومنهم من يطعن عليك في الصّدقات. وذكر لنا أنّ رجلًا من [أهل] البادية حديث عهدٍ بأعرابيّةٍ، أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقسم ذهبًا وفضّةً، فقال: يا محمّد، واللّه لئن كان اللّه أمرك أن تعدل، ما عدلت. فقال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ويلك فمن ذا يعدل عليك بعدي". ثمّ قال نبيّ اللّه: "احذروا هذا وأشباهه، فإنّ في أمّتي أشباه هذا، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، فإذا خرجوا فاقتلوهم، ثمّ إذا خرجوا فاقتلوهم ثمّ إذا خرجوا فاقتلوهم". وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: "والّذي نفسي بيده ما أعطيكم شيئًا ولا أمنعكموه، إنّما أنا خازنٌ".
وهذا الّذي ذكره قتادة شبيهٌ بما رواه الشّيخان من حديث الزّهريّ، عن أبي سلمة عن أبي سعيدٍ في قصّة ذي الخويصرة -واسمه حرقوص -لمّا اعترض على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حين قسم غنائم حنينٍ، فقال له: اعدل، فإنّك لم تعدل. فقال: "لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل". ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقد رآه مقفّيًا إنّه يخرج من ضئضئ هذا قومٌ يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدّين مروق السّهم من الرّميّة، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّهم شرّ قتلى تحت أديم السّماء" وذكر بقيّة الحديث). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 163-164]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى منبّها لهم على ما هو خيرٌ من ذلك لهم، فقال: {ولو أنّهم رضوا ما آتاهم اللّه ورسوله وقالوا حسبنا اللّه سيؤتينا اللّه من فضله ورسوله إنّا إلى اللّه راغبون} فتضمّنت هذه الآية الكريمة أدبًا عظيمًا وسرًّا شريفًا، حيث جعل الرّضا بما آتاه اللّه ورسوله والتّوكّل على اللّه وحده، وهو قوله: {وقالوا حسبنا اللّه} وكذلك الرّغبة إلى اللّه وحده في التّوفيق لطاعة الرّسول وامتثال أوامره، وترك زواجره، وتصديق أخباره، والاقتفاء بآثاره). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 164]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل فريضةً من اللّه واللّه عليمٌ حكيمٌ (60)}
لمّا ذكر [اللّه] تعالى اعتراض المنافقين الجهلة على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولمزهم إيّاه في قسم الصّدقات، بيّن تعالى أنّه هو الّذي قسمها وبيّن حكمها، وتولّى أمرها بنفسه، ولم يكل قسمها إلى أحدٍ غيره، فجزّأها لهؤلاء المذكورين، كما رواه الإمام أبو داود في سننه من حديث عبد الرّحمن بن زياد بن أنعم -وفيه ضعفٌ -عن زياد بن نعيمٍ، عن زياد بن الحارث الصدائي، رضي اللّه عنه، قال: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فبايعته، فأتى رجلٌ فقال: أعطني من الصّدقة فقال له: "إنّ اللّه لم يرض بحكم نبيٍّ ولا غيره في الصّدقات حتّى حكم فيها هو، فجزّأها ثمانية أصنافٍ، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك" وقد اختلف العلماء في هذه الأصناف الثّمانية: هل يجب استيعاب الدّفع إليها أو إلى ما أمكن منها؟ على قولين:
أحدهما: أنّه يجب ذلك، وهو قول الشّافعيّ وجماعةٍ.
والثّاني: أنّه لا يجب استيعابها، بل يجوز الدّفع إلى واحدٍ منها، ويعطى جميع الصّدقة مع وجود الباقين. وهو قول مالكٍ وجماعةٍ من السّلف والخلف، منهم: عمر، وحذيفة، وابن عبّاسٍ، وأبو العالية، وسعيد بن جبير، وميمون بن مهران.
قال ابن جريرٍ: وهو قول عامّة أهل العلم، وعلى هذا فإنّما ذكرت الأصناف هاهنا لبيان المصرف لا لوجوب استيعاب الإعطاء.
ولوجوه الحجاج والمآخذ مكانٌ غير هذا، واللّه أعلم.
وإنّما قدّم الفقراء هاهنا لأنّهم أحوج من البقيّة على المشهور، لشدّة فاقتهم وحاجتهم، وعند أبي حنيفة أنّ المسكين أسوأ حالًا من الفقير، وهو كما قال، قال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب، حدّثنا ابن عليّة، أنبأنا ابن عون، عن محمّدٍ قال: قال عمر، رضي اللّه عنه: الفقير ليس بالّذي لا مال له، ولكنّ الفقير الأخلق الكسب. قال ابن عليّة: الأخلق: المحارف عندنا
والجمهور على خلافه. وروي عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، والحسن البصريّ، وابن زيدٍ. واختار ابن جريرٍ وغير واحدٍ أنّ الفقير: هو المتعفّف الّذي لا يسأل النّاس شيئًا، والمسكين: هو الّذي يسأل ويطوف ويتّبع النّاس.
وقال قتادة: الفقير: من به زمانةٌ، والمسكين: الصّحيح الجسم.
وقال الثّوريّ، عن منصورٍ، عن إبراهيم: هم فقراء المهاجرين. قال سفيان الثّوريّ: يعني: ولا يعطى الأعراب منها شيئًا.
وكذا روي عن سعيد بن جبير، وسعيد بن عبد الرّحمن بن أبزى.
وقال عكرمة: لا تقولوا لفقراء المسلمين مساكين، وإنّما المساكين مساكين أهل الكتاب.
ولنذكر أحاديث تتعلّق بكلٍّ من الأصناف الثّمانية.
فأمّا "الفقراء"، فعن ابن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "لا تحلّ الصّدقة لغنيٍّ ولا لذي مرّة سويّ". رواه أحمد، وأبو داود، والتّرمذيّ
ولأحمد أيضًا، والنّسائيّ، وابن ماجه عن أبي هريرة، مثله
وعن عبيد اللّه بن عديّ بن الخيار: أنّ رجلين أخبراه: أنّهما أتيا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يسألانه من الصّدقة، فقلّب إليهما البصر، فرآهما جلدين، فقال: "إن شئتما أعطيتكما، ولا حظّ فيها لغنيٍّ ولا لقويٍّ مكتسبٍ".
رواه أحمد، وأبو داود، والنّسائيّ بإسنادٍ جيّدٍ قويٍّ.
وقال ابن أبي حاتمٍ في كتاب الجرح [والتّعديل: أبو بكرٍ العبسيّ قال: قرأ عمر، رضي اللّه عنه: {إنّما الصّدقات للفقراء} قال: هم أهل الكتاب] روى عنه عمر بن نافعٍ، سمعت أبي يقول ذلك
قلت: وهذا قولٌ غريبٌ جدًّا بتقدير صحّة الإسناد، فإنّ أبا بكرٍ هذا، وإن لم ينصّ أبو حاتمٍ على جهالته، لكنّه في حكم المجهول.
وأمّا المساكين: فعن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ليس المسكين بهذا الطّوّاف الّذي يطوف على النّاس، فتردّه اللّقمة واللّقمتان، والتّمرة والتّمرتان". قالوا: فما المسكين يا رسول اللّه؟ قال: "الّذي لا يجد غنًى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدّق عليه، ولا يسأل النّاس شيئًا".
رواه الشّيخان: البخاريّ ومسلمٌ
وأمّا العاملون عليها: فهم الجباة والسّعاة يستحقّون منها قسطًا على ذلك، ولا يجوز أن يكونوا من أقرباء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذين تحرم عليهم الصّدقة، لما ثبت في صحيح مسلمٍ عن عبد المطّلب بن ربيعة بن الحارث: أنّه انطلق هو والفضل بن عبّاسٍ يسألان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليستعملهما على الصّدقة، فقال: "إنّ الصّدقة لا تحلّ لمحمّدٍ ولا لآل محمّدٍ، إنّما هي أوساخ النّاس"
وأمّا المؤلّفة قلوبهم: فأقسامٌ: منهم من يعطى ليسلم، كما أعطى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صفوان بن أميّة من غنائم حنينٍ، وقد كان شهدها مشركًا. قال: فلم يزل يعطيني حتّى صار أحبّ النّاس إليّ بعد أن كان أبغض النّاس إليّ، كما قال الإمام أحمد: حدّثنا زكريّا بن عديٍّ، أنا ابن المبارك، عن يونس، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن صفوان بن أميّة قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنينٍ، وإنّه لأبغض النّاس إليّ، فما زال يعطيني حتّى صار وإنّه لأحبّ النّاس إليّ.
ورواه مسلمٌ والتّرمذيّ، من حديث يونس، عن الزّهريّ، به
ومنهم من يعطى ليحسن إسلامه، ويثبت قلبه، كما أعطى يوم حنينٍ أيضًا جماعةً من
صناديد الطّلقاء وأشرافهم: مائةً من الإبل، مائةً من الإبل وقال: "إنّي لأعطي الرّجل وغيره أحبّ إليّ منه، مخافة أن يكبّه اللّه على وجهه في نار جهنّم"
وفي الصّحيحين عن أبي سعيدٍ: أنّ عليًّا بعث إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بذهيبة في تربتها من اليمن فقسمها بين أربعة نفرٍ: الأقرع بن حابسٍ، وعيينة بن بدرٍ، وعلقمة بن علاثة، وزيد الخير، وقال: "أتألّفهم"
ومنهم من يعطى لما يرجى من إسلام نظرائه. ومنهم من يعطى ليجبي الصّدقات ممّن يليه، أو ليدفع عن حوزة المسلمين الضّرر من أطراف البلاد. ومحلّ تفصيل هذا في كتب الفروع، واللّه أعلم.
وهل تعطى المؤلّفة على الإسلام بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فيه خلافٌ، فروي عن عمر، وعامرٍ الشّعبيّ وجماعةٍ: أنّهم لا يعطون بعده؛ لأنّ اللّه قد أعزّ الإسلام وأهله، ومكّن لهم في البلاد، وأذلّ لهم رقاب العباد.
وقال آخرون: بل يعطون؛ لأنّه عليه الصّلاة والسّلام قد أعطاهم بعد فتح مكّة وكسر هوازن، وهذا أمرٌ قد يحتاج إليه فيصرف إليهم.
وأمّا الرّقاب: فروي عن الحسن البصريّ، ومقاتل بن حيّان، وعمر بن عبد العزيز، وسعيد بن جبير، والنّخعي، والزّهريّ، وابن زيدٍ: أنّهم المكاتبون، وروي عن أبي موسى الأشعريّ نحوه، وهو قول الشّافعيّ واللّيث.
وقال ابن عبّاسٍ، والحسن: لا بأس أن تعتق الرّقبة من الزّكاة، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبلٍ، ومالكٍ، وإسحاق، أي: إنّ الرّقاب أعمّ من أن يعطى المكاتب، أو يشتري رقبةً فيعتقها استقلالًا. وقد ورد في ثواب الإعتاق وفكّ الرّقبة أحاديث كثيرةٌ، وأنّ اللّه يعتق بكلّ عضوٍ منها عضوًا من معتقها حتّى الفرج بالفرج، وما ذاك إلّا لأنّ الجزاء من جنس العمل، {وما تجزون إلا ما كنتم تعملون} [الصّافّات:39]
وعن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ثلاثةٌ حقٌّ على اللّه عونهم: الغازي في سبيل اللّه، والمكاتب الّذي يريد الأداء، والنّاكح الّذي يريد العفاف".
رواه الإمام أحمد وأهل السّنن إلّا أبا داود
وفي المسند عن البراء بن عازبٍ قال: جاء رجلٌ فقال: يا رسول اللّه، دلّني على عملٍ يقرّبني من الجنّة ويباعدني من النّار. فقال: "أعتق النسمة وفكّ الرّقبة". فقال: يا رسول الله، أو ليسا واحدًا؟ قال: "لا عتق النّسمة أن تفرد بعتقها، وفكّ الرّقبة أن تعين في ثمنها"
وأمّا الغارمون: فهم أقسامٌ: فمنهم من تحمّل حمالةً أو ضمن دينًا فلزمه فأجحف بماله، أو غرم في أداء دينه أو في معصيةٍ ثمّ تاب، فهؤلاء يدفع إليهم. والأصل في هذا الباب حديث قبيصة بن مخارقٍ الهلاليّ قال: تحمّلت حمالةً فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أسأله فيها، فقال: "أقم حتّى تأتينا الصّدقة، فنأمر لك بها". قال: ثمّ قال: "يا قبيصة، إنّ المسألة لا تحلّ إلّا لأحد ثلاثةٍ: رجلٍ تحمّل حمالةً فحلّت له المسألة حتّى يصيبها، ثمّ يمسك. ورجلٍ أصابته جائحةٌ اجتاحت ماله، فحلّت له المسألة حتّى يصيب قوامًا من عيشٍ: أو قال: سدادًا من عيشٍ -ورجلٍ أصابته فاقةٌ حتّى يقوم ثلاثةٌ من ذوي الحجا من قومه، فيقولون: لقد أصابت فلانًا فاقةٌ فحلّت له المسألة، حتّى يصيب قوامًا من عيشٍ -أو قال سدادًا من عيشٍ -فما سواهنّ من المسألة سحتٌ، يأكلها صاحبها سحتًا". رواه مسلم
وعن أبي سعيدٍ قال: أصيب رجلٌ في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ثمارٍ ابتاعها، فكثر دينه، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تصدّقوا عليه". فتصدّق النّاس فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لغرمائه: "خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلّا ذلك". رواه مسلمٌ
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الصّمد، أنبأنا صدقة بن موسى، عن أبي عمران الجوني، عن قيس بن زيدٍ عن قاضي المصرين عن عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يدعو اللّه بصاحب الدّين يوم القيامة حتى يوقف بين يديه، فيقول: يا بن آدم، فيم أخذت هذا الدّين؟ وفيم ضيّعت حقوق النّاس؟ فيقول: يا ربّ، إنّك تعلم أنّي أخذته فلم آكل ولم أشرب ولم أضيّع، ولكن أتى على يديّ إمّا حرقٌ وإمّا سرقٌ وإمّا وضيعةٌ. فيقول اللّه: صدق عبدي، أنا أحقّ من قضى عنك اليوم. فيدعو اللّه بشيءٍ فيضعه في كفّة ميزانه، فترجح حسناته على سيّئاته، فيدخل الجنّة بفضل اللّه ورحمته"
وأمّا في سبيل اللّه: فمنهم الغزاة الّذين لا حقّ لهم في الدّيوان، وعند الإمام أحمد، والحسن، وإسحاق: والحجّ من سبيل اللّه، للحديث.
وكذلك ابن السّبيل: وهو المسافر المجتاز في بلدٍ ليس معه شيءٌ يستعين به على سفره، فيعطى من الصّدقات ما يكفيه إلى بلده وإن كان له مالٌ. وهكذا الحكم فيمن أراد إنشاء سفرٍ من بلده وليس معه شيءٌ، فيعطى من مال الزّكاة كفايته في ذهابه وإيابه. والدّليل على ذلك الآية، وما رواه الإمام أبو داود وابن ماجه من حديث معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيدٍ، رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا تحلّ الصّدقة لغنيٍّ إلّا لخمسةٍ: العامل عليها، أو رجلٍ اشتراها بماله، أو غارمٍ، أو غازٍ في سبيل اللّه، أو مسكينٍ تصدّق عليه منها فأهدى لغنيٍّ"
وقد رواه السّفيانان، عن زيد بن أسلم، عن عطاءٍ مرسلًا. ولأبي داود عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا تحلّ الصّدقة لغنيٍّ إلّا في سبيل اللّه، وابن السّبيل، أو جارٍ فقيرٍ فيهدي لك أو يدعوك"
وقوله: {فريضةً من اللّه} أي حكمًا مقدّرًا بتقدير اللّه وفرضه وقسمه {واللّه عليمٌ حكيمٌ} أي: عليمٌ بظواهر الأمور وبواطنها وبمصالح عباده، {حكيمٌ} فيما يفعله ويقوله ويشرعه ويحكم به، لا إله إلّا هو، ولا ربّ سواه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 165-170]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة