العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الثاني 1434هـ/21-02-2013م, 11:25 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة النساء [ من الآية (38) إلى الآية (42) ]

تفسير سورة النساء
[ من الآية (38) إلى الآية (42) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيمًا (39) إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا (42)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:22 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ومن يكن الشّيطان له قرينًا فساء قرينًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وأعتدنا للكافرين باللّه من اليهود الّذين وصف اللّه صفتهم عذابًا مهينًا {والّذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس} والّذين في موضع خفضٍ عطفًا على الكافرين.
وقوله: {رئاء النّاس} يعني: ينفقه مراءاة النّاس في غير طاعة اللّه أو غير سبيله، ولكن في سبيل الشّيطان. {ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} يقول: ولا يصدّقون بوحدانيّة اللّه ولا بالميعاد إليه يوم القيامة، الّذي فيه جزاء الأعمال أنّه كائنٌ. وقد قال مجاهدٌ: إنّ هذا من صفة اليهود، وهو صفة أهل النّفاق الّذين كانوا أهل شركٍ فأظهروا الإسلام تقيةً من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأهل الإيمان به، وهم على كفرهم مقيمون أشبه منهم بصفة اليهود؛ لأنّ اليهود كانت توحّد اللّه وتصدّق بالبعث والمعاد، وإنّما كان كفرها تكذيبها بنبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وبعد ففي فصل اللّه بين صفة الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر، وصفة الفريق الآخر الّذين وصفهم في الآية قبلها، وأخبر أنّ لهم عذابًا مهينًا، بالواو الفاصلة بينهم ما ينبئ عن أنّهما صفتان من نوعين من النّاس مختلفي المعاني، وإن كان جميعهم أهل كفرٍ باللّه. ولو كانت الصّفتان كلتاهما صفة نوعٍ من النّاس لقيل إن شاء اللّه: وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا، الّذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس. ولكن فصل بينهم بالواو لما وصفنا.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ دخول الواو غير مستنكرٍ في عطف صفةٍ على صفةٍ لموصوفٍ واحدٍ في كلام العرب؟ قيل: ذلك وإن كان كذلك، فإنّ الأفصح في كلام العرب إذا أريد ذلك ترك إدخال الواو، وإذا أريد بالثّاني وصفٌ آخر غير الأوّل أدخل الواو. وتوجيه كلام اللّه إلى الأفصح الأشهر من كلام من نزل بلسانه كتابه أولى بنا من توجيهه إلى الأنكر من كلامهم). [جامع البيان: 7/26-27]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يكن الشّيطان له قرينًا فساء قرينًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ومن يكن الشّيطان له خليلاً وصاحبًا يعمل بطاعته ويتبع أمره ويترك أمر اللّه في إنفاقه ماله رئاء النّاس في غير طاعته، وجحوده وحدانيّة اللّه والبعث بعد الممات {فساء قرينًا} يقول: فساء الشّيطان قرينًا. وإنّما نصب القرين، لأنّ في ساء ذكرًا من الشّيطان، كما قال جلّ ثناؤه: {بئس للظّالمين بدلاً} وكذلك تفعل العرب في ساء ونظائرها، ومنه قول عديّ بن زيدٍ:.
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه = فانّ القرينٍ بالمقارن مقتد
يريد بالقرين: الصّاحب والصّديق). [جامع البيان: 7/27]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (والّذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ومن يكن الشّيطان له قرينًا فساء قرينًا (38)
قوله تعالى: والّذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس إلى قوله: فساء قرينا. [5329]
وبه عن مجاهدٍ في قوله: والّذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ومن يكن الشّيطان له قرينًا فساء قريناً نزلت في اليهود). [تفسير القرآن العظيم: 3/953]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس} قال: نزلت في اليهود). [الدر المنثور: 4/439-440]

تفسير قوله تعالى: (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا ممّا رزقهم اللّه وكان اللّه بهم عليمًا} يعني بذلك جلّ ثناؤه: أيّ شيءٍ على هؤلاء الّذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس، ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر، لو آمنوا باللّه واليوم الآخر، لو صدّقوا بأنّ اللّه واحدٌ لا شريك له، وأخلصوا له التّوحيد، وأيقنوا بالبعث بعد الممات، وصدّقوا بأنّ اللّه مجازيهم بأعمالهم يوم القيامة {وأنفقوا ممّا رزقهم اللّه} يقول وأدّوا زكاة أموالهم الّتي رزقهم اللّه وأعطاهموها طيّبةً بها أنفسهم، ولم ينفقوها رئاء النّاس التماس الذّكر والفخر عند أهل الكفر باللّه، والمحمدة بالباطل عند النّاس، وكان اللّه بهؤلاء الّذين وصف صفتهم أنّهم ينفقون أموالهم رئاء النّاس نفاقًا، وهم باللّه واليوم الآخر مكذّبون، عليمًا، يقول: ذا علمٍ بهم وبأعمالهم وما يقصدون ويريدون بإنفاقهم، وما ينفقون من أموالهم، وأنّهم يريدون بذلك الرّياء والسّمعة والمحمدة في النّاس، وهو حافظٌ عليهم أعمالهم، لا يخفى عليه شيءٌ منها حتّى يجازيهم بها جزاءهم عند معادهم إليه). [جامع البيان: 7/28]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا ممّا رزقهم اللّه وكان اللّه بهم عليمًا (39)
قوله تعالى: وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا ممّا رزقهم الله وكان الله بهم عليما
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا خزز بن المبارك، ثنا سفيان بن عيينة، عن سالم بن أبي حفصةٍ قال: لم يكن بالكوفة رجلٌ كان أعظم صدقةً من سالم بن أبي الجعد، فقال: قال اللّه تعالى وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا ممّا رزقهم اللّه قال سفيان: يرغّبهم فيها). [تفسير القرآن العظيم: 3/953]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر قال تلا قتادة إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضعفها قال لأن تفضل حسناتي سيئاتي بمثقال ذرة أحب إلي من الدنيا وما فيها). [تفسير عبد الرزاق: 1/160]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن أبان بن أبي عياش عن أبي العالية قال جئت إلى أبي هريرة فقلت بلغني أنك قلت إن الحسنة تضاعف ألف ألف ضعف قال أبو هريرة لم أقل ذلك لم تحفظوا ولكن قلت تضاعف الحسنة ألفي ألف ضعف). [تفسير عبد الرزاق: 1/160]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن النبي قال يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان قال أبو سعيد فمن شاء فليقرأ إن الله لا يظلم مثقال ذرة). [تفسير عبد الرزاق: 1/160]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن جريجٍ عن عبادة عن سعيد بن جبيرٍ
[تفسير الثوري: 95]
{ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} قال: الجنة [الآية: 40]). [تفسير الثوري: 96]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {[إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة العوفي، عن ابن عمر - في قوله عزّ وجلّ: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} -، قال: هذه لأهل البادية، فما لأهل القرى؟ فقال: {وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا}، وإذا قال اللّه لشيءٍ: {عظيمًا}، فهو عظيم). [سنن سعيد بن منصور: 4/1252]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو خالدٍ، عن داود، عن عليّ بن زيدٍ، عن أبي عثمان، قال: بلغني عن أبي هريرة، قال: إنّ اللّه يجزي المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنةٍ، فأتيته، فقلت: يا أبا هريرة، إنّه بلغني أنّك تقول: إنّ اللّه يجزي المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنةٍ، قال: نعم، وألفي ألف حسنةٍ، وفي القرآن من ذلك: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها} فمن يدري تسمية تلك الأضعاف {ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} قال: الجنّة). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 219-220]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ} [النساء: 40]:يعني زنة ذرّةٍ
- حدّثني محمّد بن عبد العزيز، حدّثنا أبو عمر حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي اللّه عنه: أنّ أناسًا في زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول اللّه هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «نعم، هل تضارّون في رؤية الشّمس بالظّهيرة ضوءٌ ليس فيها سحابٌ» ، قالوا: لا، قال «وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر ضوءٌ ليس فيها سحابٌ؟»:قالوا: لا، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: " ما تضارون في رؤية اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة، إلّا كما تضارون في رؤية أحدهما، إذا كان يوم القيامة أذّن مؤذّنٌ تتبع كلّ أمّةٍ ما كانت تعبد، فلا يبقى من كان يعبد غير اللّه من الأصنام والأنصاب، إلّا يتساقطون في النّار، حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد اللّه برٌّ أو فاجرٌ، وغبّرات أهل الكتاب فيدعى اليهود فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنّا نعبد عزير ابن اللّه فيقال لهم: كذبتم ما اتّخذ اللّه من صاحبةٍ ولا ولدٍ، فماذا تبغون؟ فقالوا: عطشنا ربّنا فاسقنا، فيشار ألا تردون فيحشرون إلى النّار كأنّها سرابٌ يحطم بعضها بعضًا فيتساقطون في النّار، ثمّ يدعى النّصارى فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنّا نعبد المسيح ابن اللّه، فيقال لهم: كذبتم، ما اتّخذ اللّه من صاحبةٍ ولا ولدٍ، فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فكذلك مثل الأوّل حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد اللّه من برٍّ، أو فاجرٍ، أتاهم ربّ العالمين في أدنى صورةٍ من الّتي رأوه فيها، فيقال: ماذا تنتظرون تتبع كلّ أمّةٍ ما كانت تعبد، قالوا: فارقنا النّاس في الدّنيا على أفقر ما كنّا إليهم ولم نصاحبهم، ونحن ننتظر ربّنا الّذي كنّا نعبد، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: لا نشرك باللّه شيئًا، مرّتين أو ثلاثًا "). [صحيح البخاري: 6/44-45]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرة)
يعني زنة ذرّةٍ هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى مثقال ذرّةٍ أي زنة ذرّةٍ ويقال هذا مثقال هذا أي وزنه وهو مفعالٌ من الثّقل والذّرّة النّملة الصّغيرة ويقال واحدة الهباء والذّرّة يقال زنتها ربع ورقة نخالةٍ وورقة النّخالة وزن ربع خردلةٍ وزنة الخردلة ربع سمسمةٍ ويقال الذّرّة لا وزن لها وإنّ شخصًا ترك رغيفًا حتّى علاه الذّرّ فوزنه فلم يزد شيئًا حكاه الثّعلبيّ ثمّ ذكر المصنّف حديث أبي سعيدٍ في الشّفاعة وسيأتي شرحه مستوفًى في كتاب الرّقاق إن شاء اللّه تعالى مع حديث أبي هريرة المذكور هناك وهو بطوله في معناه وقد وقع ذكرهما بتمامهما متواليين في كتاب التّوحيد وشيخه محمّد بن عبد العزيز هو الرّمليّ يعرف بابن الواسطيّ وثّقه العجليّ وليّنه أبو زرعة وأبو حاتمٍ وليس له في البخاريّ سوى هذا الحديث وآخر في الاعتصام). [فتح الباري: 8/250]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّةٍ} (40) يعني زنة ذرّةٍ)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} وفسّر مثقال ذرة بقوله: زنة ذرة، ومثقال الشّيء ميزانه من مثله، وقال الزّجاج، هو مثقال من الثّقل، وقيل: لكل ما يعمل وزن ومثقال تمثيلاً لأن الصّلاة والصّيام والأعمال لا وزن لها، ولكن النّاس خوطبوا على ما يقع في قلوبهم بتمثيل ما يدرك بأبصارهم، وقال أبو منصور الجواليقي، يظنّ النّاس أن المثقال وزن الدّنيا لا غير، وليس كذلك إنّما مثقال كل شيء وزنه وكل وزن يسمى مثقالا وإن كان وزن ألف. قال الشّاعر:
وكلا يوفيه الجزا بمثقال
قال الهرويّ: أي: يوزن. قوله: (ذرة) ، الذّرة واحدة الذّر وهو النّمل الأحمر الصّغير، وسئل ثعلب عن الذّرة فقال: إن مائة نملة وزن حبّة. قال ابن الأثير: وقيل: إن الذّرة لا وزن لها ويراد بها ما يرى في شعاع الشّمس، وزعم بعض الحساب أن زنة الشعيرة حبّة، وزنة الحبّة أربع زرات وزنة الذّرة أربع سمسمات، وزنة السمسمة أربع خردلات، وزنة الخردلة أربع ورقات نخالة، وزنة الورقة من النخالة أربع ذرات، فعلمنا من هذا أن الذّرة أربعة في أربعة فأدركنا أن الذّرة جزء من ألف وأربعة وعشرين حبّة، وذلك أن الحبّة ضربناها في أربع ذرات جاءت ستّ عشرة سمسمة والست عشرة ضربناها في أربع جاءت مائتين وست وخمسين نخالة، فضربناها في أربع جاءت ألفا وعشرين ذرة وقيل: الذّرة رأس النملة الحمراء. وقيل: الذّرة الخردلة، وقال الثّعلبيّ. قال يزيد بن هارون: زعموا أن الذّرة ليس لها وزن، ويحكى أن رجلا وضع خبزًا حتّى علاه الذّر مقدار ما ستره ثمّ وزنه فلم يزد على مقدار الخبز شيئا وعن ابن عبّاس أنه أدخل يده في التّراب ثمّ نفخ فيه. وقال: كل واحد من هؤلاء ذرة وعن قتادة: كان بعض العلماء يقول: لأن تفضل حسناتي وزن ذرة أحب إليّ من الدّنيا جميعًا. وفي حديث ابن مسعود يرفعه يا رب لم يبق لعبدك إلاّ وزن ذرة، فيقول عز وجل، ضعفوها له وأدخلوه الجنّة.

- حدّثني محمّد بن عبد العزيز حدّثنا أبو عمر حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسارٍ عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه أنّ أناسا في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: نعم هل تضارّون في رؤية الشّمس بالظّهيرة ضوءٍ ليس فيها سحابٌ قالوا لا قال: وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر ضوءٍ ليس فيها سحابٌ قالوا لا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ما تضارّون في رؤية الله عزّ وجلّ يوم القيامة إلاّ كما تضارّون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذّن مؤذّنٌ تتبع كلّ أمّةٍ ما كانت تعبد فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلاّ يتساقطون في النّار حتّى إذا لم يبق إلاّ من كان يعبد الله برٌّ أو فاجرٌ وغبّرات أهل الكتاب فيدعى اليهود فيقال لهم من كنتم تعبدون قالوا كنّا نعبد عزيز ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتّخذ الله من صاحبةٍ ولا ولد فماذا تبغون فقالوا عطشنا ربّنا فاسقنا فيشار ألا تردون فيحشرون إلى النّار كأنّها سرابٌ يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النّار ثمّ يدعى النّصارى فيقال لهم من كنتم تعبدون قالوا كنّا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتّخذ الله من صاحبةٍ ولا ولدٍ فيقال لهم ماذا تبغون فكذلك مثل الأوّل حتّى إذا لم يبق إلاّ من كان يعبد الله من برٍ أو فاجرٍ أتاهم ربّ العالمين في أدني صورةٍ من الّتي رأوه فيها فيقال تنتظرون تتّبع كلّ أمّةٍ ما كانت تعبد قالوا فارقنا النّاس في الدّنيا على أفقر ما كنّا إليهم ولم نصاحبهم ونحن ننتظر ربّنا الّذي كنّا نعبد فيقول أنا ربّكم فيقولون لا نشرك بالله شيئا مرّتين أو ثلاثًا.

مطابقته للتّرجمة من حيث إن المفهوم من معناه أن الله تعالى يحكم يوم القيامة بين عباده المؤمنين والكافرين بعدله العظيم ولا يظلم أحدا منهم مثقال ذرة ولم أر أحدا من الشّرّاح ذكر وجه المطابقة ولا انصف في شرح هذا الحديث، فمنهم من علقه بشيء لم يمض، ومنهم من علقه بالمستقبل يذكر فيه، ومنهم من شرح بعضًا دون بعض، فنقول بعون الله ولطفه. إن شيخه فيه محمّد ابن عبد العزيز أبو عبد الله الرّمليّ يعرف بابن الواسطيّ لأن أصله من واسط وثّقه العجليّ ولينه أبو زرعة، وأبو حاتم، وليس له في البخاريّ إلاّ هذا الحديث وآخر في الاعتصام، وحفص بن ميسرة، ضد الميمنة، وعطاء بن يسار ضد اليمين، وأبو سعيد الخدريّ اسمه سعد بن مالك الأنصاريّ.
والحديث أخرجه البخاريّ أيضا في التّوحيد عن يحيى بن بكير، وأخرجه مسلم في الإيمان عن سويد بن سعيد وغيره.
قوله: (نعم) أي: نعم ترون ربكم يوم القيامة وهذه الرّؤية غير الرّؤية الّتي هي ثواب للأولياء وكرامة لهم في الجنّة إذ هذه للتمييز بين من عبد الله وبين من عبد غيره، وفيه رد على أهل البدع من المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة في قولهم: إن الله لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلا وهذا الّذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح. وقد تظاهرت أدلّة الكتاب والسّنة وإجماع الصّحابة فمن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى في الآخر للمؤمنين. ورواها نحو من عشرين صحابيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والكلام فيه مستقصًى في كتب الكلام. وأما رؤية الله في الدّنيا فممكنة ولكن الجمهور من السّلف والخلف من المتكلّمين. وغيرهم على أنّها لا تقع في الدّنيا، وحكى الإمام القشيري في (رسالته) عن الإمام أبي بكر بن فورك أنه حكي فيها قولين للإمام أبي الحسن الأشعريّ: أحدهما: وقوعها. والآخر: أنّها لا تقع قوله: (هل تضارون في ضبطه روايات) الأولى: تضارون بضم أوله وضم رائه من غير تشديد من الضير وهو المضرّة كما في قوله تعالى. قالوا: (لا ضير) أي: لا ضرر، ومعناه: هل يلحقكم في رؤيته ضير أي: ضرر. الثّانية: هل تضارون بفتح التّاء وتشديد الضّاد والرّاء من الضّرر. ومعناه هل تضارون غيركم في حال الرّؤية بزحمة ومخالفة في رؤية غيرها أو لخفائه كما يفعلون أول ليلة من الشّهر، وقال الخطابيّ: وأصله هل تتضارون. أي: تتزاحمون عند رؤيته حتّى يلحقكم الضّرر، ووزنه تتفاعلون، فحذفت إحدى التّاءين. الثّالثة: تضامون، بتشديد الميم وفتح أوله: ومعناه هل تتضامون وتتوصلون إلى رؤيته، وأصله من الانضمام. الرّابعة: هل تضامون، بضم التّاء وتخفيف الميم من الضيم، وهو المشقّة والتعب، وأورد الثّالثة والرّابعة في غير هذا الموضع. قوله: (بالظهيرة) ، وهي اشتداد حر الشّمس في نصف النّهار. ولا يقال ذلك في الشتاء. قوله: (ضوء) ، بالجرّ بدل عمّا قبله في الموضعين. قوله: (إلّا كما تضارون) ، التّشبيه إنّما وقع في الوضوح وزوال الشّك والمشقّة والاختلاف لا في المقابلة والجهة وسائر الأمور الّتي جرت العادة بها عند الرّؤية. قوله: (أذن مؤذن) ، أي: نادى منادٍ. قوله: (تتبع) ، بالرّفع ويروى بالجزم بتقدير اللّام كما في قوله: تعالى {قل لعبادي الّذين يقيموا الصّلاة} قوله (من الأصنام والأنصاب) والأصنام جمع صنم قال ابن الأثير الصّنم اتخذ إلها من دون الله، وقيل: هو ما كان له جسم أو صورة فإن لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن، والأنصاب جمع نصب، بضم الصّاد وسكونها، وهو حجر كانوا ينصبونه في الجاهليّة ويتخذونه صنما يعبدونه، وقيل: هو حجر كانوا ينصبونه ويذبحون عليه فيحمر بالدّم. قوله: (برا وفاجرا) ، أي: هو برا وهو فاجر، والبر هو الّذي يأتي بالخير ويطيع ربه، يقال: فلان يبر خالقه ويتبرره، أي: يطيعه ويجمع على أبرار، والبار يجمع على بررة، والفاجر المنبعث في المعاصي والمحارم من فجر يفجر، من باب نصر ينصر فجورا قوله: (وغبرات أهل الكتاب) بضم الغين المعجمة وتشديد الباء الموحدة المفتوحة بعدها راء جمع غبر، وهو جمع غابر والمعنى: بقايا أهل الكتاب، من غبر الشّيء يغبر غبورا إذا مكث وبقي، والغابر هو الماضي. قال الأزهري: هو من الأضداد ثمّ قال: والمعروف الكثير أن الغابر هو الباقي. قوله: (فيقال لهم: كذبتم) ، قال الكرماني: التّصديق والتكذيب راجعان إلى الحكم الموقع لا إلى الحكم المشار إليه لأنّه إذا قيل: زيد بن عمر وجاء فكذبته فقد أنكرت المجيء لا كونه ابن عمرو، وأجاب بقوله: نفي اللّازم هو كونه ابن الله تعالى ليلزم نفي الملزوم وهو عبادة ابن الله، أو نقول: الرّجوع المذكور هو مقتضى الظّاهر وقد يتوجّه بحسب المقام إليهما جميعًا أو إلى المشار إليه فقط. قوله: (كأنّه سراب يحطم بعضها بعضًا) أي: بكسر بعضها بعضًا، ومنه سميت النّار: الحطمة لأنّها تحطم كل شيء أي تكسره وتأتي عليه، والسراب هو الّذي تراه نصف النّهار كأنّه ماء قوله: (أتاهم) أي: ظهر لهم، والإتيان مجاز عن الظّهور. وقيل: الإتيان عبارة عن رؤيتهم إيّاه، لأن العادة أن من غاب عن غيره لا تمكنه رؤيته إلاّ بالإتيان، فعبر بالإيتان هنا عن الرّؤية مجازًا وقيل: فعل من أفعال الله تعالى سمّاه إتيانا وقيل المراد بالإتيان إتيان بعض ملائكته وقال عياض: هذا الوجه أشبه عندي في قوله: (في أدنى صورة) أي: أقربها. قال الخطابيّ: الصّورة الصّفة يقال: صورة هذا الأمر كذا أي صفته، وأطلق الصّورة على سبيل المشاكلة والمجانسة. قوله: (من الّتي رأوه فيها) ، أي: من الصّورة الّتي عرفوه فيها، والرؤية بمعنى العلم لأنهم لم يروه قبل ذلك، ومعناه: يتجلى الله لهم بالصّفة الّتي يعرفونه بها لأنّه لا يشبه شيئا من مخلوقاته فيعلمون أنه ربهم فيقولون: أنت ربنا. قوله: (على أفقر ما كنّا إليهم) ، أي: على أحوج، يعني: لم نتبعهم في الدّنيا مع الاحتياج إليهم، ففي هذا اليوم بالطّريق الأولى. قوله: (لا نشرك باللّه شيئا) ، وفائدة قولهم هذا مع أن يوم القيامة ليس يوم التّكليف استلذاذا وافتخارا به وتذكارا بسبب النّعمة الّتي وجدوها). [عمدة القاري: 18/170-173]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ} يعني زنة ذرّةٍ
هذا (باب) بالتنوين كذا لأبي ذر وله عن المستملي باب قوله بزيادة قوله مع الإضافة ({إن الله لا يظلم مثقال ذرة}) [النساء: 40] أي لا ينقص من ثواب أعمالهم ذرة (يعني زنة ذرة) والذرة في الأصل أصغر النمل التي لا وزن لها وقيل ما يرفعه الريح من التراب وقيل كل جزء من أجزاء الهباء في الكوة ذر، ويقال زنتها ربع ورقة نخالة وورقة النخالة وزن ربع خردلة ووزن الخردلة ربع سمسمة، ويقال لا وزن لها.
- حدّثني محمّد بن عبد العزيز، حدّثنا أبو عمر حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ -رضي الله عنه- أنّ أناسًا في زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا: يا رسول اللّه هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «نعم هل تضارّون في رؤية الشّمس بالظّهيرة ضوءٌ ليس فيها سحابٌ؟» قالوا: لا. قال: «وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر ضوءٌ ليس فيها سحابٌ؟» قالوا: لا. قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما تضارّون في رؤية اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة إلاّ كما تضارّون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذّن مؤذّنٌ تتبع كلّ أمّةٍ ما كانت تعبد، فلا يبقى من كان يعبد غير اللّه من الأصنام والأنصاب إلاّ يتساقطون في النّار، حتّى إذا لم يبق إلاّ من كان يعبد اللّه برٌّ أو فاجرٌ وغبّرات أهل الكتاب فيدعى اليهود فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنّا نعبد عزير ابن اللّه، فيقال لهم كذبتم، ما اتّخذ اللّه من صاحبةٍ ولا ولدٍ فماذا تبغون؟ فقالوا: عطشنا ربّنا فاسقنا فيشار ألا تردون فيحشرون إلى النّار كأنّها سرابٌ، يحطم بعضها بعضًا فيتساقطون في النّار ثمّ يدعى النّصارى فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنّا نعبد المسيح ابن اللّه فيقال لهم: كذبتم ما اتّخذ اللّه من صاحبةٍ ولا ولدٍ فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فكذلك مثل الأوّل حتّى إذا لم يبق إلاّ من كان يعبد اللّه من برٍّ أو فاجرٍ أتاهم ربّ العالمين في أدنى صورةٍ من الّتي رأوه فيها، فيقال: ماذا تنتظرون؟ تتبع كلّ أمّةٍ ما كانت تعبد، قالوا: فارقنا
النّاس في الدّنيا على أفقر ما كنّا إليهم، ولم نصاحبهم ونحن ننتظر ربّنا الّذي كنّا نعبد فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: لا نشرك باللّه شيئًا» مرّتين أو ثلاثًا.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن عبد العزيز) الرملي يعرف بابن الواسطي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (أبو عمر) بضم العين (حفص بن ميسرة) ضدّ الميمنة العقيلي بالضم الصنعاني نزيل عسقلان (عن زيد بن أسلم) العدوي المدني (عن عطاء بن يسار) بالسين المهملة المخففة الهلالي المدني مولى ميمونة (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري رضي الله تعالى عنه أن أناسًا) بضم الهمزة ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر ناسًا بحذفها (في زمن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم):
(نعم) ترونه وهذه رؤية الامتحان المميزة بين من عبد الله وبين من عبد غيره لا رؤية الكرامة التي هي ثواب أوليائه في الجنة (هل تضارّون) بضم أوله ورائه مشددة بصيغة المفاعلة أي تضرون أحدًا ولا يضركم لمنازعة ولا مجادلة ولا مضايقة (في رؤية الشمس) ثم أكده بقوله: (بالظهيرة) وهي اشتداد حر الشمس بالنهار في الصيف (ضوء) بالرفع وأعربه في الكواكب بالحر بدلًا مما قبله ولمسلم صحوًا ثم زاده تأكيدًا بقوله: {ليس فيها سحاب قالوا: لا. قال: وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر) هي كالظهيرة في الشمس (ضوء) بالرفع أو بالجر كما مر (ليس فيها سحاب قالوا: لا. قال: وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ضوء ليس فيها سحاب قالوا: لا). كذا في حاشية الفرع بالتكرار مصححًا عليه وليس ذلك في اليونينية وهو تكرار لا فائدة فيه ولعله سهو فيما يظهر (قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: ما تضارون في رؤية الله عز وجل يوم القيامة إلاّ كما تضارّون في رؤية أحدهما). والتشبيه الواقع هنا إنما هو في الوضوح وزوال الشك لا في المقابلة والجهة وسائر الأمور العادية عند رؤية المحدثات فالرؤية له تعالى حقيقة لكنا لا نكيفها بل نكل كنه معرفتها إلى علمه تعالى (إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن) أي نادى مناد (تتبع) بسكون المثناة الفوقية ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني تتبع بتشديدها وله عن المستملي فتتبع بزيادة فاء مع سكون الفوقية والرفع في كلها ويجوز الجزم بتقدير اللام (كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام) جمع صنم ما عبد من دون الله (والأنصاب) جمع نصب حجارة كانت تعبد من دون الله (إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله بر) هو مطيع لربه (أو فاجر) منهمك في المعاصي والفجور (وغبرات أهل الكتاب) بضم الغين المعجمة وتشديد الموحدة المفتوحة بعدها راء بالرفع والجر مع الإضافة فيهما لأبي ذر وبالجر منونًا للأصيلي أي بقايا أهل الكتاب (فيدعى اليهود فيقال لهم: من) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ما (كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله. فيقال لهم: كذبتم) في كونه ابن الله ويلزم منه نفي عبادة ابن الله (ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فماذا تبغون؟) أي تطلبون (فقالوا: عطشنا ربنا) بإسقاط أداة النداء (فاسقنا فيشار) أي إليهم (ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب) بالسين المهملة هو الذي تراه نصف النهار في الأرض القفر والقنع المستوي في الحر التشديد لامعًا مثل الماء يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا (يحطم) بكسر الطاء المهملة أي يكسر (بعضها بعضًا) لشدة اتقادها وتلاطم أمواج لهبها (فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله. فيقال لهم: كذبتم. ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد. فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فكذلك مثل الأوّل) أي فقالوا عطشنا ربنا الخ (حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر أو فاجر أتاهم رب العالمين) أي ظهر لهم وأشهدهم رؤيته من غير تكييف ولا حركة ولا انتقال (في أدنى صورة) أي أقرب صفة (من التي رأوه) أي عرفره (فيها) بأنه لا يشبه شيئًا من المحدثات زاد في نسخة أوّل مرة (فيقال): ولأبي ذر فقال: (ماذا تنتظرون تتبع كل أمة ما كانت تعبد. قالوا: فارقنا الناس) الذين زاغوا في الدنيا عن الطاعة (في الدنيا على أفقر) أي أحوج (ما كنا إليهم) في معايشنا ومصالح دنيانا (ولم نصاحبهم) بل قاطعناهم (ونحن ننتظر ربنا الذي كنا نعبد) في الدنيا (فيقول: أنا ربكم فيقولون) زاد مسلم في روايته نعوذ بالله منك (لا نشرك بالله شيئًا مرتين أو ثلاثًا) وإنما قالوا ذلك لأنه سبحانه وتعالى تجلى لهم بصفة لم يعرفوها. وقال الخطابي: قيل إنما حجبهم عن تحقيق الرؤية في هذه الكرة من أجل من معهم من المنافقين الذين لا يستحقون الرؤية وهم عن ربهم محجوبون فإذا تميزوا عنهم رفعت الحجب فيقولون عندما يرونه: أنت ربنا.
وبقية مباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في محلها). [إرشاد الساري: 7/81-82]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {إن الله لا يظلم مثقال ذرةٍ}
قوله: (ضوء ليس فيها سحاب) قد ضبط ضوء في النسخ المتعمدة بالرفع ولعلّ وجهه أنه خبر محذوف، أي: هي، أي: الظهيرة ضوء.
والجملة حال واختار بعض الشراح الجر على البدلية.
قوله: (يتبع) إما بالرفع على أنه خبر وقع موقع الإنشاء، أو بالجزم على تقدير الأمر.
قوله: (فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب الخ)، أي بخلاف من كان يعبد نحو عزير وعيسى ضرورة أن نحو الأصنام في النار، فمن كانوا يعبدونها عند أتباعهم يلحقون بهم في النار بخلاف عزير وعيسى، والله تعالى أعلم اهـ سندي.
قوله: (في أدنى صورة) أي: أقرب صفة، وقوله من التي رأوه، أي: عرفوه، وقوله: فيها، أي: بأنه لا يشبه شيئاً من المحدثات. قوله: (على أفقر الخ) أي: أحوج ما كنا إليهم في معايشنا، ومصالح دنيانا). [حاشية السندي على البخاري: 3/46-47]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر، وأنفقوا ممّا رزقهم اللّه، فإنّ اللّه لا يبخس أحدًا من خلقه أنفق في سبيله ممّا رزقه من ثواب نفقته في الدّنيا ولا من أجرها يوم القيامة {مثقال ذرّةٍ} يعنى ميزان ذره أي ما يزنها ويكون على قدر ثقلها في الوزن، ولكنّه يجازيه به، ويثيبه عليه. كما:.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة أنّه تلا: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها} قال: لأن تفضل حسناتي سياتى مثقل ذرّةً أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان بعض أهل العلم يقول: لأن تفضل حسناتي على سيّئاتي ما يزن ذرّةً أحبّ إليّ من أن تكون لي الدّنيا جميعًا:.
وأمّا الذّرّة، فإنّه ذكر عن ابن عبّاس أنّه قال فيها، كما حدّثني إسحاق بن وهبٍ الواسطيّ قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا شبيب بن بشرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {مثقال ذرّةٍ} قال: رأس نملةٍ حمراء.
- حدثني محمد بن سنان القزاز حدّثنا أبو عاصم قال حدثنا ابن بشر عن عكرمة عن بن عباس {مثقال ذرّةٍ} حمراء.
قال أبو جعفر قال لي إسحاق بن وهبٍ: قال يزيد بن هارون: زعموا أنّ هذه الذرة الحمراء ليس لها وزنٌ
وبنحو الّذي قلنا في ذلك صحّت الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر من قال
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، ومحمّد بن بشّارٍ، قالا: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا عمران، عن قتادة، عن أنسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ اللّه لا يظلم المؤمن حسنةً، يثاب عليها الرّزق في الدّنيا ويجزى بها في الآخرة؛ وأمّا الكافر فيطعم بها في الدّنيا، فإذا كان يوم القيامة لم تكن له حسنةً.
- حدّثنا موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، قال: حدّثنا جعفر بن عونٍ، قال: حدّثنا هشام بن سعدٍ، قال: أخبرنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده ما أحدكم بأشدّ مناشدةً في الحقّ يراه مصيبًا له، من المؤمنين في إخوانهم إذا رأوا أن قد خلصوا من النّار يقولون: أي ربّنا إخواننا كانوا يصلّون معنا ويصومون معنا ويحجّون معنا ويجاهدون معنا، قد أخذتهم النّار. فيقول اللّه لهم: اذهبوا فمن عرفتم صورته فأخرجوه. ويحرّم صورتهم على النّار، فيجدون الرّجل قد أخذته النّار إلى قديمه إلى أنصاف ساقيه وإلى ركبتيه وإلى حقويه, فيخرجون منها بشرًا كثيرًا، ثمّ يعودون فيتكلّمون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قيراط خيرٍ فأخرجوه. فيخرجون منها بشرًا كثيرًا، ثمّ يعودون فيتكلّمون، فلا يزال يقول لهم ذلك حتّى يقول: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرّةٍ فأخرجوه فكان أبو سعيدٍ إذا حدّث بهذا الحديث قال: إن لم تصدّقوا فاقرءوا: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} فيقولون: ربّنا لم نذر فيها خيرًا.
- حدثنا العبّاس بن الوليد، قال: أخبرنا أبي، قال: حدّثنا الأوزاعيّ، قال: حدّثني من، سمع زيد بن أسلم، يحدّث عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحوه إلا أنّه قال: " فيقول اللّه في المرّة الثّانية: أخرجوا من وجدتم في قلبه مثقال دينارٍ من خيرٍ "، وفي الثّالثة: " نصف دينارٍ "، وفي الرّابعة: " مثقال حبّةٍ من خردلٍ "، وسائر الحديث نحوه.
- وحدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم قال: حدّثني ابن اللّيث، عن اللّيث عن خالد بن يزيد، عن ابن أبي هلالٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه
وقال آخرون في ذلك بما:
- حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا صدقة بن أبي سهلٍ، قال: حدّثنا أبو عمرٍو، عن زاذان، قال: أتيت ابن مسعودٍ، فقال: إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الأوّلين والآخرين، ثمّ نادى منادٍ من عند اللّه: ألا من كان يطلب مظلمةً، فليجئ إلى حقّه فليأخذه قال: فيفرح واللّه المر أن يدور له الحقّ على والده أو ولده أو زوجته اواخيه، فيأخذه منه وإن كان صغيرًا. ومصداق ذلك في كتاب اللّه تبارك وتعالى: {فإذا نفخ في الصّور فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} فيقال له: آت هؤلاء حقوقهم. اي أعطهم حقوقهم. فيقول: أي ربّ من أين وقد ذهبت الدّنيا؟ فيقول اللّه لملائكته: أي ملائكتي انظروا في أعماله الصّالحة، وأعطوهم منها. فإن بقي مثقال ذرّةٍ من حسنةٍ قالت الملائكة وهو أعلم بذلك منها: يا ربّنا أعطينا كلّ ذي حقٍّ حقّه، وبقي له مثقال ذرّةٍ من حسنةٍ. فيقول للملائكة: ضعّفوها لعبدي، وأدخلوه بفضل رحمتي الجنّة. ومصداق ذلك في كتاب اللّه: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} أي الجنّة يعطيها، وإن فنيت حسناته وبقيت سيّئاته قالت الملائكة وهو أعلم بذلك: إلهنا فنيت حسناته وبقي سيّئاته، وبقي طالبون كثيرٌ. فيقول اللّه: ضعوا عليها من أوزارهم واكتبوا له كتابًا إلى النّار. قال صدقة: أو صكًّا إلى جهنّم شكّ صدقة أيّتهما قال.
- وحدّثت عن محمّد بن عبيدٍ، عن هارون بن عنترة، عن عبد اللّه بن السّائب، قال: سمعت زاذان، يقول: قال عبد اللّه بن مسعودٍ: يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة، فينادي منادٍ على رءوس الأوّلين والآخرين: هذا فلان ابن فلانٍ، من كان له حقٌّ فليأت إلى حقّه. فتفرح المرأة أن يدور لها الحقّ على أبيها، أو على ابنها، أو على أخيها، أو على زوجها، ثمّ قرأ ابن مسعودٍ: {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} [المؤمنون] فيغفر اللّه تبارك وتعالى من حقّه ما شاء، ولا يغفر من حقوق النّاس شيئًا، فينصب للنّاس فيقول: آتوا إلى النّاس حقوقهم. فيقول: ربّ فنيت الدّنيا من أين أوتيهم حقوقهم؟ فيقول: خذوا من أعماله الصّالحة، فأعطوا كلّ ذي حقٍّ حقّه بقدر طلبتيه, فإن كان وليًّا للّه، ففضل له مثقال ذرّةٍ ضاعفها له حتّى يدخله بها الجنّة. ثمّ قرأ علينا: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ} قال ادخلوا الجنة وإن كان عبدًا شقيًّا قال الملك: ربّ فنيت حسناته، وبقي طالبون كثيرٌ. فيقول: خذوا من سيّئاتهم، فأضيفوها إلى سيّئاته، ثمّ صكّوا له صكًّا إلى النّار.
قال أبو جعفرٍ: فتأويل الآية على تأويل عبد اللّه هذا: إنّ اللّه لا يظلم عبدًا وجب له مثقال ذرّةٍ قبل عبدٍ له آخر في معاده ويوم لقائه فما فوقه فيتركه عليه فلا يأخذه للمظلوم من ظالمه، ولكنّه يأخذه منه له، ويأخذ من كلّ ظالمٍ لكلّ للمظلوم تبعته قبله. {وإن تك حسنةً يضاعفها} يقول: وإن توجد له حسنةً بعد ذلك يضاعفها، بمعنى: يضاعف له ثوابها وأجرها. {ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} يقول: ويعطه من عنده أجرًا عظيمًا. والأجر العظيم: الجنّة على ما قاله عبد اللّه
ولكلا التّأويلين وجهٌ مفهومٌ، أعني التّأويل الّذي قاله ابن مسعودٍ والّذي قاله قتادة. وإنّما اخترنا التّأويل الأوّل لموافقته الأثر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مع دلالة ظاهر التّنزيل على صحّته، إذ كان في سياق الآية الّتي قبلها، الّتي حثّ اللّه فيها على النّفقة في طاعته، وذمّ النّفقة في طاعة الشّيطان، ثمّ وصل ذلك بما وعد المنافقين في طاعته بقوله: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا}.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {وإن تك حسنةً} فقرأت ذلك عامّة قرّاء أهل العراق: {وإن تك حسنةً} بنصب الحسنة، بمعنى: وإن تك زنة الذّرّة حسنةً يضاعفها. وقرأ ذلك عامّة قرّاء اهل المدينة: (وإن تك حسنةٌ) برفع الحسنة، بمعنى: وإن توجد حسنةً على ما ذكرت عن عبد اللّه بن مسعودٍ من تأويل ذلك.
وأمّا قوله: {يضاعفها} فإنّه جاء بالألف، ولم يقل: يضعّفها؛ لأنّه أريد به في قول بعض أهل العربيّة: يضاعفها أضعافًا كثيرةً؛ ولو أريد به في قوله يضعّف ذلك ضعفين لقيل: يضعّفها بالتّشديد.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في الّذين وعدهم اللّه بهذه الآية ما وعدهم فيها، فقال بعضهم: هم جميع أهل الإيمان باللّه وبمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. واعتلّوا في ذلك بما:.
- حدّثنا الفضل بن الصّبّاح، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن مبارك بن فضالة، عن عليّ بن زيدٍ، عن أبي عثمان النّهديّ، قال: لقيت أبا هريرة فقلت له: إنّه بلغني أنّك تقول: إنّ الحسنة لتضاعف ألف ألف حسنةٍ. قال: وما أعجبك من ذلك؟ فواللّه لقد سمعته، يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول: إنّ اللّه ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنةٍ.
وقال آخرون: بل ذلك للمهاجرين خاصّةً دون أهل البوادي والأعراب. واعتلّوا في ذلك بما:
- حدّثني محمّد بن هارون أبو نشيطٍ، قال: حدّثنا يحيى بن أبي بكيرٍ، قال: حدّثنا فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن عبد اللّه بن عمر، قال: نزلت هذه الآية في الأعراب: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} قال: فقال رجلٌ: فما للمهاجرين؟ قال: ما هو أعظم من ذلك: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} وإذا قال اللّه لشيءٍ عظيمٌ فهو عظيمٌ
قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين في ذلك بالصّواب، قول من قال: عنى بهذه الآية المهاجرين دون الأعراب. وذلك أنّه غير جائزٍ أن يكون في أخبار اللّه أو أخبار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيءٌ يدفع بعضه بعضًا، فإذا كان صحيحًا وعد اللّه من جاء من عباده المؤمنين بالحسنة من الجزاء عشر أمثالها، ومن جاء بالحسنة منهم أن يضاعفها له، وكان الخبران اللّذان ذكرناهما عنه صلّى اللّه عليه وسلّم صحيحين، كان غير جائزٍ إلاّ أن يكون أحدهما مجملاً والآخر مفسّرًا، إذ كانت أخباره صلّى اللّه عليه وسلّم يصدّق بعضها بعضًا. وإذا كان ذلك كذلك صحّ أنّ خبر أبي هريرة معناه: إنّ الحسنة لتضاعف للمهاجرين من أهل الإيمان ألفي ألف حسنةٍ، وللأعراب منهم عشر أمثالها، على ما روى ابن عمر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ وأنّ قوله: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} يعني: من جاء بالحسنة من أعراب المؤمنين فله عشر أمثالها، ومن جاء بالحسنة من مهاجريهم يضاعف له، ويؤته اللّه من لدنه أجرًا، يعني: يعطه من عنده أجرًا عظيمًا.
وأما قوله {ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} يعني: عوضًا من حسنته عظيمًا. وذلك العوض العظيم: الجنّة؛ كما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا صدقة بن أبي سهلٍ، قال: حدّثنا أبو عمرٍو، عن زاذان، عن ابن مسعودٍ: {ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} أي الجنّة يعطها.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عبّاد بن أبي صالحٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} قال: الأجر العظيم: الجنّة.
- حدّثني يونس، قال أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} قال: أجرًا عظيمًا: الجنّة). [جامع البيان: 7/28-37]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا (40)
قوله تعالى: إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا خارجة بن مصعبٍ الضّبعيّ، ثنا زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطّاب، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يقول اللّه تعالى: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرّةٍ من خيرٍ فأخرجوه، قال: فيذهبون، فيخرجون خلقاً كثيراً ثمّ يرجعون، فيقولون: ربّنا ما تركنا في النّار أحداً ممّن أمرتنا أن نخرجه إلا أخرجنا ، وكان أبو سعيدٍ إذا حدّث بهذا الحديث يقول: فإن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا هذه الآية: إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً الآية.
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا زكريّا بن عديٍّ، ثنا حفصٌ، عن الشّيبانيّ، عن عطاءٍ الواسطيّ، عن يسير بن عمرٍو، عن عبد اللّه قال: ذكر أربع آياتٍ، وذكر:
إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ
قوله تعالى: وإن تك حسنةً
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: وإن تك حسنةً: وزن ذرّةٍ زادت على سيّئاته تضاعفها.
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى، أنبأ يحيى بن يمانٍ، عن سفيان، عن عمرو بن قيسٍ، عن الضّحّاك قال: وإن تك حسنةً يضاعفها قال: إذا لم يجد له إلا حسنةً أدخله بها الجنّة.
قوله تعالى: يضاعفها
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عيسى بن يونس، عن هارون بن عنترة، عن عبد اللّه بن السّائب، عن زادان قال: قال عبد اللّه بن مسعودٍ: يؤتى بالعبد والأمة يوم القيامة، فينادي منادٍ على رؤس الأوّلين والآخرين: هذا فلان ابن فلانٍ من كان له حقٌّ فليأت إلى حقّه فتفرح المرأة أن يدور لها الحقّ على أبيها أو على أخيها أو على زوجها فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون، فيغفر اللّه من حقه ما شاء ولا يغفر من حقوق النّاس شيئاً، فينصب للنّاس، فينادي: هذا فلان ابن فلانٍ من كان له حقٌّ فليأت إلى حقّه، فيقول: فنيت الدّنيا من أين أوتيهم حقوقهم؟ قال: خذوا من أعماله الصّالحة، فأعطوا كلّ ذي حقٍّ حقّه بقدر طلبته، فإن كان وليّاً للّه، ففضل له مثقال ذرّةٍ ضاعفها اللّه له حتّى يدخله الجنّة، ثمّ قرأ علينا: إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ قال: ادخل الجنّة، وإن كان عبداً شقيّاً قال الملك: فنيت حسناته، وبقى له طالبون كثيرٌ، قال: خذوا من سيّئاتهم فأضيفوها إلى سيّئاته، ثمّ صكّوا له صكّاً من النّار.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: وإن تك حسنةً يضاعفها فأمّا المشرك يخفّف به عنه العذاب يوم القيامة ولا يخرج من النّار أبداً.
قوله تعالى: ويؤت من لدنه أجرا عظيما
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد اللّه بن نميرٍ، ثنا أبو خالدٍ الأحمر سليمان بن حيّان، عن داود بن أبي هند، عن عليّ بن زيدٍ، عن أبي عثمان، عن أبي هريرة:
ويؤت من لدنه أجراً عظيماً قال: الجنّة- وروي عن الحسن وسعيد بن جبيرٍ وعكرمة، والضّحّاك وقتادة نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا فضيلٌ يعني: ابن مرزوقٍ، عن عطيّة العوفيّ، حدّثني عبد اللّه بن عمر قال: نزلت هذه الآية في الأعراب: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها قال: فقال رجلٌ: فما للمهاجرين يا أبا عبد الرّحمن؟ قال:
ما هو أفضل من ذلك: إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً.
قوله تعالى: أجراً عظيماً
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن صالح بن مسلمٍ، أنبأ فضيلٌ، عن عطيّة، حدّثني عبد اللّه يعني: ابن عمر قال: نزلت هذه الآية: ويؤت من لدنه أجراً عظيماً بعد الأضعاف وإذا قال لشيءٍ عظيمٍ فهو عظيمٌ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطيّة بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أجراً عظيماً يعني: جزاءً وافراً في الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 3/954-956]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا أبو البختريّ عبد اللّه بن محمّد بن شاكرٍ، ثنا أبو عبد اللّه محمّد بن بشرٍ العبديّ، ثنا مسعر بن كدامٍ، عن معن بن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن مسعودٍ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال: " إنّ في سورة النّساء لخمس آياتٍ ما يسرّني أنّ لي بها الدّنيا وما فيها {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} [النساء: 40] {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلًا كريمًا} [النساء: 31] {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] {ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول لوجدوا اللّه توّابًا رحيمًا} {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا} [النساء: 110] " قال عبد اللّه: ما يسرّني أنّ لي بها الدّنيا وما فيها «هذا إسنادٌ صحيحٌ إن كان عبد الرّحمن سمع من أبيه فقد اختلف في ذلك»). [المستدرك: 2/334] (م)
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (م) أنس بن مالك -رضي الله عنه - {إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها} [النساء: 40] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزي بها في الآخرة، وأمّا الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكن له حسنةٌ يجزى بها. أخرجه مسلم.
[شرح الغريب]
(مثقال ذرة) الذرة: النملة الصغيرة، والمثقال: مقدار من الوزن، أي شيء كان، والناس يطلقونه على الدينار خاصة، وليس كذلك). [جامع الأصول: 2/89-90]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عباس في قوله {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} قال: رأس نملة خضراء.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {مثقال ذرة} قال: نملة.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق عطاء عن عبد الله أنه قرأ إن الله لا يظلم مثقال نملة.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} قال: وزن ذرة.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عمر قال: نزلت هذه الآية في الأعراب من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، فقال رجل: وما للمهاجرين قال {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} وإذا قال الله لشيء عظيم فهو عظيم
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة أنه تلا هذه الآية فقال: لأن تفضل حسناتي على سيئاتي بمثقال ذرة أحب إلي من الدنيا وما فيها.
وأخرج الطيالسي وأحمد ومسلم، وابن جرير عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة لم تكن له حسنة.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن ماجه، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، قال أبو سعيد: فمن شك فليقرأ {إن الله لا يظلم مثقال ذرة}، واخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة فينادي مناد على رؤوس الأولين والآخرين: هذا فلان بن فلان من كان له حق فليأت إلى حقه، فيفرح والله المرء أن يدور له الحق على والده أو ولده أو زوجته فيأخذه منه وإن كان صغيرا ومصداق ذلك في كتاب الله (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسألون) (المؤمنون الآية 101) فيقال له: ائت هؤلاء حقوقهم فيقول: أي رب ومن أين وقد ذهبت الدنيا فيقول الله لملائكته: انظروا أعماله الصالحة وأعطوهم منها، فإن بقي مثقال ذرة من حسنة قالت الملائكة: يا ربنا أعطينا كل ذي حق حقه وبقي له مثقال ذرة من حسنة، فيقول للملائكة: ضعفوها لعبدي وأدخلوه بفضل رحمتي الجنة ومصداق ذلك في كتاب الله {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} أي الجنة يعطيها، وإن فنيت حسناته وبقيت سيئاته قالت الملائكة: إلهنا فنيت حسناته وبقي طالبون كثير، فيقول الله: ضعوا عليه من أوزارهم واكتبوا له كتابا إلى النار.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {وإن تك حسنة} وزن ذرة زادت على سيئاته {يضاعفها} فأما المشرك فيخفف به عنه العذاب ولا يخرج من النار أبدا.
واخرج ابن المنذر عن أبي رجاء أنه قرأ: وإن تك حسنة يضاعفها بتثقيل العين
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عثمان قال: بلغني عن أبي هريرة أنه قال: إن الله يجزي المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنة، فأتيته فسألته، قال: نعم، وألفي ألف حسنة وفي القرآن من ذلك {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها} فمن يدري ما ذلك الإضعاف.
وأخرج ابن جرير عن أبي عثمان النهدي قال: لقيت أبا هريرة فقلت له: بلغني أنك تقول أن الحسنة لتضاعف ألف ألف حسنة قال: وما أعجبك من ذلك فوالله لقد سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة {ويؤت من لدنه أجرا عظيما} قال: الجنة). [الدر المنثور: 4/440-443]

تفسير قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا سفيان، عن سليمان، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن ابن مسعود، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ علي؟ فقلت: أقرأ عليك وعليك أنزل، فقال: إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فافتتحت سورة النساء، فلما بلغت {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [سورة النساء: 41] قال: فرأيت عينيه تذرفان، قال لي: حسبك). [الزهد لابن المبارك: 2/ 48]
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا رجل من الأنصار، عن المنهال بن عمرو حدثه، أنه سمع سعيد ابن المسيب، يقول: ليس من يوم إلا تعرض فيه على النبي عليه السلام أمته غدوة وعشية، فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم، فذلك يشهد عليهم، يقول الله عز وجل: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} [سورة النساء: 41] ). [الزهد لابن المبارك: 2/ 293]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ عليّ القرآن، قال: قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك أنزل، قال: إنّي أشتهي أن أسمعه من غيري، قال: فقرأت النّساء حتّى إذا بلغت: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} رفعت رأسي، أو غمزني رجلٌ إلى جنبي فرأيت دموعه تسيل). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 123]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ عليّ القرآن، قال: قلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل، قال: إنّي أشتهي أن أسمعه من غيري، قال: فقرأت النّساء حتّى إذا بلغت: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} رفعت رأسي، أو غمزني رجلٌ إلى جنبي فرأيت دموعه تسيل). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 457]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} [النساء: 41] " المختال والختّال واحدٌ، {نطمس وجوهًا} [النساء: 47]:نسوّيها حتّى تعود كأقفائهم، طمس الكتاب: محاه جهنّم، {سعيرًا} [النساء: 10]:وقودًا "
- حدّثنا صدقة، أخبرنا يحيى، عن سفيان، عن سليمان، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد اللّه، - قال يحيى: بعض الحديث، عن عمرو بن مرّة - قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ عليّ» قلت: آقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: «فإنّي أحبّ أن أسمعه من غيري» فقرأت عليه سورة النّساء، حتّى بلغت: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} [النساء: 41] قال: «أمسك» فإذا عيناه تذرفان). [صحيح البخاري: 6/45]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله باب فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا وقع في الباب تفاسير لا تتعلّق بالآية وقد قدّمت الاعتذار عن ذلك
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (تنبيهٌ هذه التّفاسير ليست لهذه الآية وكأنّه من النّسّاخ كما نبّهت عليه غير مرّة
[4582] قوله حدثنا صدقة هو بن الفضل ويحيى هو القطّان وسفيان هو الثّوريّ وسليمان هو الأعمش وإبراهيم هو النّخعيّ وعبيدة بفتح أوّله هو بن عمرو وعبد الله هو بن مسعودٍ والإسناد كلّه سوى شيخ البخاريّ وشيخه كوفيّون فيه ثلاثةٌ من التّابعين في نسقٍ أوّلهم الأعمش قوله قال يحيي هوالقطان وهو موصولٌ بالإسناد المذكور قوله بعض الحديث عن عمرو بن مرّةٍ أي من رواية الأعمش عن عمرو بن مرّة عن إبراهيم وقد ورد ذلك واضحًا في فضائل القرآن حيث أخرجه المصنّف عن مسدّدٍ عن يحيى القطّان بالإسناد المذكور وقال بعده قال الأعمش وبعض الحديث حدّثني عمرو بن مرّة عن إبراهيم يعني بإسناده ويأتي شرح الحديث هناك إن شاء اللّه تعالى وقال الكرمانيّ إسناد عمرٍو مقطوعٌ وبعض الحديث مجهولٌ قلت عبّر عن المنقطع بالمقطوع لقلّة اكتراثه بمراعاة الاصطلاح وأما قوله مجهول فيريد ما حدّثه به عمرو بن مرّة فكأنّه ظنّ أنّه أراد أنّ البعض عن هذا والبعض عن هذا وليس كذلك وإنّما هو عنده كلّه في الرّواية الآتية وبعضه في أثنائه أيضا). [فتح الباري: 8/251]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هاؤلاء شهيدا} (النّساء: 41)

أي: هذا باب فيه قوله تعالى: {إذا جئنا} الآية، أخبر الله تعالى بهذه الآية الكريمة عن هول يوم القيامة وشدّة أمره وشأنه فكيف يكون الأمر والحال يوم القيامة حين يجيء من كل أمة بشهيد يعني الأنبياء عليهم السّلام، وقال الزّمخشريّ: فكيف يصنع هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم إذا جئنا من كل أمة بشهيد يشهد عليهم بما فعلوا وهو نبيّهم كقوله: {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم وجئنا بك على هؤلاء} (المائدة: 117) المكذبين {شهيدا} وفي (التّلويح) واختلف في المعنى بقوله: هؤلاء من هم، فعند الزّمخشريّ: هم المكذبون، وقال مقاتل: هم كفار أمة محمّد صلى الله عليه وسلم، وفي (تفسير ابن النّقيب) هم سائر أمته صلى الله عليه وسلم، وإذا كان كذلك ففيه قولان: أحدهما: أنه يشهد عليهم. والثّاني: أنه يشهد لهم، فعلى هذا يكون على: بمعنى اللّام، وقيل: المراد بهم أمة الكفّار، وقيل: أنهم اليهود والنّصارى، وقيل: هم كفار قريش دون غيرهم، وفي الّذي يشهد به أقوال أربعة: الأول: أنه يشهد أن النّبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ أمته، قاله ابن مسعود وابن جريج والسّديّ ومقاتل. الثّاني: أنه يشهد بإيمانهم، قاله أبو العالية. الثّالث: إنّه يشهد بأعمالهم. قاله مجاهد وقادة. الرّابع: إنّه يشهد لهم وعليهم، قاله الزّجاج). [عمدة القاري: 18/173]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا صدقة أخبرنا يحيى عن سفيان عن سليمان عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال يحيى بعض الحديث عن عمرو بن مرّة قال: قال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم اقرأ عليّ قلت اقرأ عليك وعليك أنزل قال فإنّي أحبّ أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النّساء حتّى بلغت (فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) قال أمسك فإذا عيناه تذرفان.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وصدقة هو ابن الفضل أبو الفضل المروزي، ويحيى بن سعيد القطّان، وسفيان هو الثّوريّ، وسليمان هو الأعمش، وإبراهيم هو النّخعيّ، وعبيدة، بفتح العين وكسر الباء الموحدة: ابن عمرو السّلماني.
ومن سفيان إلى آخره كلهم كوفيون، وفيه: ثلاثة من التّابعين على نسق واحد وهم لسليمان وإبراهيم وعبيدة، وعبد الله هو ابن مسعود، وعمرو بفتح العين، ابن مرّة، بضم الميم وتشديد الرّاء، الجملي بفتح الجيم التّابعيّ.
والحديث أخرجه البخاريّ في فضائل القرآن عن محمّد بن يوسف وعن عمر بن حفص وعن مسدّد. وأخرجه مسلم في الصّلاة عن أبي بكر وغيره، وأخرجه أبو داود في العلم عن عثمان بن أبي شيبة. وأخرجه التّرمذيّ في التّفسير عن محمود بن غيلان وغيره. وأخرجه النّسائيّ فيه عن هناد بن السّري به وفي فضائل القرآن عن سويد بن نصر به وعن غيره.
قوله: (قال يحيى) هو القطّان، وقال الكرماني: قد ذكر البخاريّ كلام يحيى للتقوية، وإلاّ فإسناد عمرو مقطوع وبعض الحديث مجهول قلت: ظاهره كذا، ولكنه أوضحه في فضائل القرآن في: باب البكاء عند قراءة القرآن عن مسدّد عن يحيى عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله. قال الأعمش: وبعض الحديث حدثني عمرو بن مرّة عن إبراهيم عن أبيه عن أبي الضّحى عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ عليّ) الحديث. قوله: (اقرأ عليّ) فيه أن القراءة من الغير أبلغ في التدبر والتفهم من قراءة الإنسان بنفسه، وفيه فضل ظاهر لعبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه، وفي (تفسير عبد) لما قرأ عبد الله هذه الآية قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يقرأ القرآن غضا كما نزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد) . قوله: (فإذا عيناه) ، كلمة إذا للمفاجأة. (وعيناه) مبتدأ، وتذرفان، خبره، أي: عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، تطلقان دمعهما يقال: ذرف الدمع بالذّال المعجمة، وذرفت العين دمعها. وفي بكاء النّبي صلى الله عليه وسلم، وجوه: الأول: قال ابن الجوزيّ: بكاؤه صلى الله عليه وسلم، عند هذه الآية الكريمة لأنّه لا بد من أداء الشّهادة والحكم على المشهود عليه إنّما يكون يقول الشّاهد، فلمّا كان صلى الله عليه وسلم، هو الشّاهد وهو الشافع بكى على المفرطين منهم. الثّاني: أنه بكى لعظم ما تضمنته هذه الآية الكريمة من هول المطلع وشدّة الأمر إذ يؤتي بالأنبياء عليهم السّلام، شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب. الثّالث: أنه بكى فرحا لقبول شهادة أمته صلى الله عليه وسلم، يوم القيامة وقبول تزكيته لهم في ذلك اليوم العظيم). [عمدة القاري: 18/174]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} المختال: والختّال واحدٌ.
نطمس وجوهًا: نسوّيها حتّى تعود كأقفائهم. طمس الكتاب: محاه. سعيرًا: وقودًا.
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد}) استفهام توبيخ أي فكيف حال هؤلاء الكفار أو صنيعهم إذا جئنا من كل أمة بنبيهم يشهد على كفرهم كقوله تعالى: {وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم} [المائدة: 117] فكيف في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف والعامل في إذًا هو هذا المقدّر أو في محل نصب بفعل محذوف أي فكيف يكونون أو يصنعون، ويجري فيها الوجهان النصب على التشبيه بالحال كما هو مذهب سيبويه أو على التشبيه بالظرفية كما هو مذهب الأخفش وهو العامل في إذا أيضًا ومن كل أمة متعلق بجئنا والمعنى أنه يؤتى بنبي كل أمة يشهد عليها ولها ({وجئنا بك}) يا محمد ({على هؤلاء شهيدًا}) [النساء: 41] أي تشهد على صدق هؤلاء الشهداء لحصول علمك بعقائدهم لدلالة كتابك وشرعك على قواعدهم. وقال أبو حيان: الأظهر أنّ هذه الجملة في موضع جر عطفًا على جئنا الأوّل أي فكيف يصنعون في وقت المجيئين). [إرشاد الساري: 7/82-83]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا صدقة أخبرنا يحيى، عن سفيان عن سليمان، عن إبراهيم عن عبيدة، عن عبد اللّه قال يحيى: بعض الحديث عن عمرو بن مرّة قال: قال لي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «اقرأ عليّ» قلت آقرأ عليك وعليك أنزل قال: «فإنّى أحبّ أن أسمعه من غيري» فقرأت عليه سورة النّساء حتّى بلغت {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} قال: «أمسك» فإذا عيناه تذرفان. [الحديث 4582 - أطرافه في: 5049 - 5050 - 5055 - 5056].
وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل المروزي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر أخبرني بالإفراد (يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن إبراهيم) النخعي (عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة ابن عمرو السلماني (عن عبد الله) هو ابن مسعود (قال يحيى) بن سعيد القطان بالإسناد السابق (بعض الحديث عن عمرو بن مرة) بفتح العين ومرة بضم الميم وتشديد الراء الجملي بفتح الجيم والميم أبي عبد الله الكوفي الأعمى أي من رواية الأعمش عن عمرو بن مرة عن إبراهيم كما صرح بذلك في باب البكاء عند قراءة القرآن حيث أخرجه عن مسدد عن يحيى القطان بالإسناد المذكور، وقال بعده قال الأعمش: وبعض الحديث حدّثني عمرو بن مرة عن إبراهيم، والحاصل أن الأعمش سمع الحديث من إبراهيم النخعي وسمع بعضه من عمرو بن مرة عن إبراهيم يعني عن عبيدة عن ابن مسعود أنه (قال: قال لي النبي صلّى اللّه عليه وسلّم):
(اقرأ عليّ) زاد في باب: من أحب أن يسمع القرآن من غيره من طريق عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش القرآن وهو يصدق بالبعض (قلت: آقرأ) بمدّ الهمزة (عليك وعليك أنزل؟ قال): (فإني أحب أن أسمعه من غيري).
قال ابن بطال: يحتمل أن يكون أحب أن يسمعه من غيره ليكون عرض القرآن سنة أو ليتدبره ويتفهمه، وذلك أن المستمع أقوى على التدبر ونفسه أخلى وأنشط لذلك من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها وهذا بخلاف قراءته صلّى اللّه عليه وسلّم على أبي بن كعب فإنه أراد أن يعلمه كيف أداء القراءة ومخارج الحروف.
(فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} قال) عليه الصلاة والسلام: (أمسك) وفي باب: البكاء عند قراءة القرآن قال لي: كف أو أمسك على الشك (فإذا عيناه تذوفان) بالذال المعجمة وكسر الراء خبر المبتدأ وهو عيناه وإذا للمفاجأة أي تطلقان دمعهما وبكاؤه عليه الصلاة والسلام على المفرطين أو لعظم ما تضمنته الآية من هول المطلع وشدة الأمر أو هو بكاء فرح لا بكاء جزع لأنه تعالى جعل أمته شهداء على سائر الأمم كما قال الشاعر:
طفح السرور عليّ حتى أنه = من عظم ما قد سرّني أبكاني
وهذا الأخير نقله صاحب فتوح الغيب عن الزمخشري.
وفي هذا الحديث ثلاثة من التابعين على نسق واحد، وأخرجه أيضًا في فضائل القرآن وكذلك النسائي). [إرشاد الساري: 7/83]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قال عبد الله، أمرني رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أن أقرأ عليه وهو على المنبر. فقرأت عليه من سورة النّساء حتّى إذا بلغت {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} غمزني رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بيده، فنظرت إليه وعيناه تدمعان.
هكذا روى أبو الأحوص، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، وإنّما هو إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد اللّه). [سنن الترمذي: 5/87]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، قال: حدّثنا معاوية بن هشامٍ، قال: حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله، قال: قال لي رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: اقرأ عليّ فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إنّي أحبّ أن أسمعه من غيري فقرأت سورة النّساء حتّى بلغت {وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} قال: فرأيت عيني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تهملان.
هذا أصحّ من حديث أبي الأحوص). [سنن الترمذي: 5/88]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ}
- أخبرنا هنّاد بن السّريّ، عن عليٍّ وهو ابن مسهرٍ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله، قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر: «اقرأ علينا» قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك وإنّما أنزل عليك؟ قال: «إنّي أحبّ أن أسمعه من غيري» فقرأت سورة النّساء حتّى إذا بلّغت قوله {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} [النساء: 41] غمزني فنظرت فإذا عيناه تهراقان "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/64]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: إنّ اللّه لا يظلم عباده مثقال ذرّةٍ، فكيف بهم {إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ} يعني: بمن يشهد عليها بأعمالها، وتصديقها رسلها، أو تكذيبها أيها {وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} يقول: وجئنا بك يا محمّد على هؤلاء: أي على أمّتك شهيدًا، يقول: شاهدًا. كما:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} قال: إنّ النّبيّين يأتون يوم القيامة، منهم من أسلم معه من قومه الواحد والاثنان والعشرة وأقلّ وأكثر من ذلك، حتّى يؤتى لوطٍ صلّى اللّه عليه وسلّم لم يؤمن معه إلا ابنتاه، فيقال لهم: هل بلّغتم ما أرسلتم به؟ فيقولون: نعم، فيقال: من يشهد؟ فيقولون أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم فتدعى امة محمد فيقال لهم: أتشهدون أنّ الرّسل أودعوا عندكم شهادةً، فبم تشهدون؟ فيقولون: ربّنا نشهد أنّهم قد بلّغوا كما شهدوا في الدّنيا بالتّبليغ. فيقال: من يشهد على ذلك؟ فيقولون: محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم. فيدعى محمّدٌ عليه الصّلاة والسّلام، فيشهد أنّ أمّته قد صدّقوا، وأنّ الرّسل قد بلّغوا. فذلك قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ قال: قال ابن جريجٍ: قوله: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ} قال: رسولها، فيشهد عليها أن قد أبلغهم ما أرسله اللّه به إليهم؛ {وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أتى عليها فاضت عيناه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسن، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، في قوله: {وشاهدٍ ومشهودٍ} قال: الشّاهد محمّدٌ، والمشهود: يوم الجمعة. فذلك قوله: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا}.
- حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ الزّهريّ، قال: حدّثنا سفيان، عن المسعوديّ، عن جعفر بن عمرو بن حريثٍ، عن أبيه، عن عبد اللّه: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: شهيدًا عليهم ما دمت فيهم، فلمّا توفّيتني كنت أنت الرّقيب عليهم وأنت على كلّ شيءٍ شهيدٌ.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا إبراهيم بن أبي الوزير، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن المسعوديّ، عن القاسم: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال لابن مسعودٍ: أقرأ عليّ قال: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إنّي أحبّ أن أسمعه من غيري. قال: فقرأ ابن مسعودٍ النّساء، حتّى بلغ: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} قال: استعبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وكفّ ابن مسعودٍ.
قال المسعوديّ: فحدّثني جعفر بن عمرو بن حريثٍ، عن أبيه: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: شهيدًا عليهم ما دمت فيهم، فإذا توفّيتني كنت أنت الرّقيب عليهم وأنت على كلّ شيءٍ شهيدٌ). [جامع البيان: 7/37-40]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا (41)
قوله تعالى: فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو عبد الرّحمن الحارثيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ قال: كلّ أمّةٍ بنبيّها.
- حدّثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصمٍ، حدّثني أبي، حدّثني أبي أبو عاصمٍ، ثنا الضّحّاك بن مخلدٍ، ثنا شبيبٌ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: الشّاهد نبيّ اللّه، قال اللّه تعالى: فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً.
قوله تعالى: وجئنا بك على هؤلاء شهيداً
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان وموسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ قالا: ثنا حسينٌ الجعفيّ، عن زائدة، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، قال: قال عبد اللّه: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اقرأ، فافتتحت النّساء حتّى إذا انتهيت إلى قول اللّه تعالى: فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال: فدمعت عيناه وقال: حسبنا والسّياق لأبي سعيدٍ.
- حدّثنا أبو بكر بن أبي الدّنيا، ثنا الصّلت بن مسعودٍ الجحديّ، ثنا فضيل بن سليمان، ثنا يونس بن محمّد بن فضالة الأنصاريّ، عن أبيه قال: وكان أبي ممّن صحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتاه في بني ظفرٍ، فجلس على الصّخرة الّتي في بني ظفرٍ اليوم، ومعه ابن مسعودٍ ومعاذ بن جبلٍ وناسٌ من أصحابه، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قارئاً فقرأ، فأتى على هذه الآية: فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً فبكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى ضرب لحياه وجنباه فقال: يا ربّ هذا، شهدت على من بين ظهري، فكيف بمن لم أره). [تفسير القرآن العظيم: 3/956]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ} [النساء: 41]
- عن محمّد بن فضالة الظّفريّ، وكان ممّن صحب النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - «أنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - أتاهم في مسجد بني ظفرٍ، فجلس على الصّخرة الّتي في مسجد بني ظفرٍ اليوم ومعه عبد اللّه بن مسعودٍ ومعاذ بن جبلٍ وأناسٌ من أصحابه، وأمر النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - قارئًا فقرأ حتّى أتى على هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} [النساء: 41] فبكى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - حتّى اضطرب لحياه، فقال: " أي ربّ، شهدت على من أنا بين ظهرانيه، فكيف بمن لم أر؟».
رواه الطّبرانيّ، ورجاله ثقاتٌ.
- وعن يحيى بن عبد الرّحمن بن لبيبة عن أبيه عن جدّه «أنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - كان إذا قرأ هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} [النساء: 41] بكى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - وقال: " يا ربّ هذا شهدت على من أنا بين ظهرانيه، فكيف بمن لم أر؟».
رواه الطّبرانيّ، وعبد الرّحمن بن لبيبة لم أعرفه، وبقيّة رجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/4-5]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا حسين بن عليٍّ، عن زائدة، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه- رضي اللّه عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "اقرأ. فافتتح النّساء، حتّى انتهى إلى قوله: (فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ... ) الآية. قال: فدمعت عينا النبي وقال: حسبك ". قلت: رواه النّسائيّ في الكبرى من طريق حسينٍ الجعفيّ ... فذكره). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/193-194]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد والبخاري والترمذي والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل من طرق ابن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ علي قلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل قال: نعم، إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت سورة النساء حتى أتيت على هذه الآية {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} فقال: حسبك الآن، فإذا عيناه تذرفان.
وأخرج الحاكم وصححه عن عمرو بن حريث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود: اقرأ، قال: أقرأ وعليك أنزل قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، فافتتح سورة النساء حتى بلغ {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد} الآية، فاستعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكف عبد الله.
وأخرج ابن أبي حاتم والبغوي في معجمه والطبراني بسند حسن عن محمد بن فضالة الأنصاري - وكان ممن صحب النّبيّ صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم في نبي ظفر ومعه ابن مسعود ومعاذ بن جبل وناس من أصحابه فأمر قارئا فقرأ
فأتى على هذه الآية {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} فبكى حتى اضطرب لحياه وجنباه وقال: يا رب هذا شهدت على من أنا بين ظهريه فكيف بمن لم أره
وأخرج الطبراني عن يحيى بن عبد الرحمن بن لبيبة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رب هذا شهدت على من أنا بين ظهريه فكيف بمن لم أره.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد} قال: رسولها يشهد عليها أن قد أبلغهم ما أرسله الله به إليهم {وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أتى عليها فاضت عيناه.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شهيدا عليهم ما دمت فيهم فإذا توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم والله تعالى أعلم). [الدر المنثور: 4/443-445]


تفسير قوله تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر قال أخبرني رجل عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال أرأيت أشياء تختلف علي من القرآن قال ما هو أشك في القرآن قال ليس بشك ولكن اختلاف قال فهات ما اختلف عليك من ذلك قال أسمع الله حيث يقول ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين وقال ولا يكتمون الله حديثا فقد كتموا قال وماذا قال اسمعه يقول فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون وقال وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وقال أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين حتى بلغ طائعين وقال في الآية الأخرى السماء بنها رفع سمكها فسوها ثم قال والأرض بعد ذلك دحاها قال اسمعه يقول كان الله ما شأنه يقول وكان الله فقال ابن عباس أما قوله ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله يغفر لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركا ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره جحد المشركون فقالوا والله ربنا ما كنا مشركين رجاء أن يغفر لهم فختم على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون فعند ذلك يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا وأما قوله فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فإنه إذا نفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون ثم نفخ فيه أخرى فإذا هي قيام ينظرون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وأما قوله قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين فإن الأرض خلقت قبل السماء وكانت السماء دخانا فسواهن سبع سماوات في يومين بعد خلق الأرض وأما قوله والأرض بعد ذلك دحها فيقول جعل فيها جبلا جعل فيها نهرا جعل فيها شجرا جعل فيها بحورا.
أخبرني معمر قال أخبرني ابن أبي نجيح عن مجاهد قال فخلق الله الأرض قبل السماء فثار من الأرض دخان ثم خلقت السماء بعد
وأما قوله والأرض بعد ذلك دحاها فيقول مع ذلك دحاها و مع وبعد سواء في كلام العرب قال ابن عباس وأما قوله كان الله فإن الله كان ولم يزل كذلك وهو كذلك عزيز حكيم عليم قدير لم يزل كذلك فما اختلف عليك من القرآن وهو شبه ما ذكرت لك وإن الله لم ينزل شيئا إلا قد أصاب به الذي أراد ولكن الناس لا يعلمون). [تفسير عبد الرزاق: 1/160-162] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: يوم نجيء من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ، ونجيء بك على أمّتك يا محمّد شهيدًا {يودّ الّذين كفروا} يقول: يتمنّى الّذين جحدوا وحدانيّة اللّه وعصوا رسوله، لو تسوّى بهم الأرض.
واختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل الحجاز ومكّة والمدينة: (لو تسّوّى بهم الأرض) بتشديد السّين والواو وفتح التّاء، بمعنى: لو تتسوّى بهم الأرض، ثمّ أدغمت التّاء الثّانية في السّين، يراد به: أنّهم يودّون لو صاروا ترابًا، فكانوا سواءً هم والأرض.
وقرأ آخرون ذلك: (لو تسوّى بهم الأرض) بفتح التّاء وتخفيف السّين، وهي قراءة عامّة قرّاء أهل الكوفة بالمعنى الأوّل، غير أنّهم تركوا تشديد السّين، واعتلّوا بأنّ العرب لا تكاد تجمع بين تشديدين في حرفٍ واحدٍ.
وقرأ ذلك آخرون: {لو تسوّى بهم الأرض} بمعنى: لو سوّاهم اللّه والأرض، فصاروا ترابًا مثلها بتصييره إيّاهم، كما يفعل ذلك بمن ذكر أنّه يفعله به من البهائم.
وكلّ هذه القراءات متقاربات المعنى، وبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيبٌ، لأنّ من تمنّى منهم أن يكون يومئذٍ ترابًا إنّما يتمنّى أن يكون كذلك بتكوين اللّه إيّاه كذلك، وكذلك من تمنّى منهم أن يكون اللّه جعله كذلك فقد تمنّى أن يكون ترابًا. غيرأنّ الأمر وإن كان كذلك، فأعجب القراءة إليّ في ذلك: لو تسوّى بهم الأرض، بفتح التّاء وتخفيف السّين، كراهية الجمع بين تشديدين في حرفٍ واحدٍ، وللتّوفيق في المعنى بين ذلك وبين قوله: {ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابًا}فأخبر اللّه، عنهم جلّ ثناؤه أنّهم يتمنّون أن يكونوا كانوا ترابًا، ولم يخبر عنهم أنّهم قالوا: يا ليتني كنت ترابًا، فكذلك قوله {لو تسوّى بهم الأرض}، فيسوّوا هم، وهي أعجب إليّ ليوافق ذلك المعنى الّذي أخبر عنهم بقوله: {يا ليتني كنت ترابًا}.
وأمّا قوله: {ولا يكتمون اللّه حديثًا} فإنّ أهل التّأويل تأوّلوه، بمعنى: ولا تكتم اللّه جوارحهم حديثًا وإن جحدت ذلك أفواههم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، قال: حدّثنا عمرٌو، عن مطرّفٍ، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: أتى رجلٌ ابن عبّاسٍ، فقال: سمعت اللّه، يقول: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} وقال في آيةٍ أخرى: {ولا يكتمون اللّه حديثًا} فقال ابن عبّاسٍ: أمّا قوله: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} فإنّهم لمّا رأوا أنّه لا يدخل الجنّة إلاّ أهل الإسلام قالوا: تعالوا فلنجحد فقالوا: واللّه ربّنا ما كنّا مشركين. فختم اللّه على أفواههم، وتكلّمت أيديهم وأرجلهم، فلا يكتمون اللّه حديثًا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن رجلٍ، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: جاء رجلٌ إلى ابن عبّاسٍ، فقال: أشياء تختلف عليّ في القرآن؟ فقال: ما هو؟ أشكٌّ في القرآن؟ قال: ليس بالشّكّ، ولكنّه اختلافٌ. قال: فهات ما اختلف عليك. قال: أسمع اللّه يقول: {ثمّ لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} وقال: {ولا يكتمون اللّه حديثًا} وقد كتموا. فقال ابن عبّاسٍ: أمّا قوله: {ثمّ لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} فإنّهم لمّا رأوا يوم القيامة أنّ اللّه يغفر لأهل الإسلام ويغفر الذّنوب ولا يغفر شركًا ولا يتعاظمه ذنبٌ أن يغفره جحد المشركون، فقالوا: واللّه ربّنا ما كنّا مشركين، رجاء أن يغفر لهم، فختم على أفواههم وتكلّمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فعند ذلك {يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثًا}.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم قال حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الزّبير،قال حدثنا جويير عن الضّحّاك: أنّ نافع بن الأزرق أتى ابن عبّاسٍ فقال: يا ابن عبّاسٍ، قول اللّه تبارك وتعالى: {يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثًا} وقوله: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} فقال له ابن عبّاسٍ: إنّي أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت: ألقى عليّ ابن عبّاسٍ متشابه القرآن، فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أنّ اللّه جامع النّاس يوم القيامة في بقيعٍ واحدٍ، فيقول المشركون إنّ اللّه لا يقبل من أحدٍ شيئًا إلاّ ممّن وحّده، فيقولون: تعالوا نقل. فيسألهم، فيقولون: واللّه ربّنا ما كنّا مشركين قال فيختم على أفواههم، ويستنطق جوارحهم، فتشهد عليهم جوارحهم أنّهم كانوا مشركين فعند ذلك تمنّوا لو أنّ الأرض سوّيت بهم ولا يكتمون اللّه حديثًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي: حدّثني عمّي قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثًا} يعني: أن تسوّى الأرض بالجبال والأرض عليهم.
فتأويل الآية على هذا القول الّذي حكيناه عن ابن عبّاسٍ: يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولم يكتموا اللّه حديثًا. كأنّهم تمنّوا أنّهم سوّوا مع الأرض، وأنّهم لم يكونوا كتموا اللّه حديثًا
وقال آخرون: معنى ذلك يومئذٍ لا يكتمون اللّه حديثًا، ويودّون لو تسوّى بهم الأرض. وليس بمنكتمٍ عن اللّه من شيءٍ من حديثهم، لعلمه جلّ ذكره بجميع حديثهم وأمرهم، وإنّ هم كتموه بألسنتهم فجحدوه، لا يخفى عليه شيءٌ منه). [جامع البيان: 7/40-44]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثًا (42)
قوله تعالى: يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن هاشم بن البريد، عن مسلمٍ البطين قوله: لو تسوّى بهم الأرض قال: الّذين كفروا.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، ثنا أبي، حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوى بهم الأرض يعني: أن تسوّى الأرض بالجبال والأرض عليهم.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن المغيرة، أنبأ يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض يقول:
ودّوا لو انخرقت الأرض فساخوا فيها ولا يكتمون اللّه حديثاً.
قوله تعالى: ولا يكتمون اللّه حديثاً
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا إسحاق بن سليمان، عن عمرو بن أبي قيسٍ، عن مطرّفٍ، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: أتاه رجلٌ فقال: يا أبا عبّاسٍ: فإنّهم إذا رأوا أنّه لا يدخل الجنّة إلا أهل الصّلاة، قالوا: نجحد، فيجحدون فيختم على أفواههم وتشهد أيديهم وأرجلهم، ولا يكتمون اللّه حديثاً.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، عن سعد بن طارقٍ أبي مالكٍ الأشجعيّ، عن ربعيّ بن حراشٍ، عن حذيفة قال: أتى اللّه بعبدٍ من عباده آتاه اللّه مالا، فقال له: ماذا عملت في الدّنيا ولا يكتمون اللّه حديثاً قال: يا ربّ آتيتني مالا فكنت أبايع النّاس، وكان من خلقي الجوار، فكنت أيسّر على الموسر، وأنظر المعسر، قال اللّه تعالى: أنا أحقّ بذي منك، تجاوزوا عن عبدي، فقال عقبة بن عامرٍ أو أبو مسعودٍ الأنصاريّ: وهكذا أسمعناه من في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: ولا يكتمون اللّه حديثا قال: بجوارحهم). [تفسير القرآن العظيم: 3/957]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا يحيى بن محمّدٍ العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ أبو خالدٍ الأحمر، ثنا سعد بن طارقٍ أبو مالكٍ الأشجعيّ، ثنا ربعيّ بن حراشٍ، عن حذيفة، قال: أتى اللّه بعبدٍ من عباده آتاه اللّه مالًا فقال له: ماذا عملت في الدّنيا؟ قال " {ولا يكتمون اللّه حديثًا} [النساء: 42] قال: ما عملت من شيءٍ يا ربّ إلّا أنّك آتيتني مالًا، فكنت أبايع النّاس، وكان من خلقي أن أيسّر على الموسر، وأنظر المعسر، قال اللّه تعالى: أنا أحقّ بذلك منك تجاوزوا عن عبدي فقال عقبة بن عامرٍ الجهنيّ وأبو مسعودٍ الأنصاريّ: هكذا سمعنا من في رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وآله وسلّم «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/335]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو بكر بن أبي نصرٍ المروزيّ، ثنا عبد العزيز بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن سعدٍ، ثنا عمرو بن أبي قيسٍ، عن مطرّفٍ، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، أنّ رجلًا سأله عن هذه الآية {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} [الأنعام: 23] وقال في آيةٍ أخرى {ولا يكتمون اللّه حديثًا} [النساء: 42] فقال ابن عبّاسٍ: " أمّا قوله {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} [الأنعام: 23] فإنّهم لمّا رأوا يوم القيامة، أنّه لا يدخل الجنّة إلّا أهل الإسلام، قالوا: تعالوا فلنجحد، فختم اللّه على أفواههم، فتكلّمت أيديهم وأرجلهم {ولا يكتمون اللّه حديثًا} [النساء: 42] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/336]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) سعيد بن جبير - رحمه الله - قال: قال رجلٌ لابن عبّاسٍ: إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ، قال: ما هو؟ قال: {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} [المؤمنون: 101]، وقال: {وأقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون} [الصافات: 27]، وقال: {ولا يكتمون اللّه حديثاً} [النساء: 42]، وقال: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} [الأنعام: 23]، وقد كتموا في هذه الآية، وفي [النازعات: 27] {أم السماء بناها. رفع سمكها فسوّاها. وأغطش ليلها وأخرج ضحاها. والأرض بعد ذلك دحاها} فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض، ثم قال: {أئنّكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين - إلى - طائعين} [فصلت: 9 - 11] فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السّماء، وقال: {وكان اللّه غفوراً رحيماً} [الأحزاب: 50] وقال: {وكان اللّه عزيزاً حكيماً} [الفتح: 19] وقال: {وكان اللّه سميعاً بصيراً} [النساء: 134] فكأنه كان، ثمّ مضى، قال ابن عباس: {فلا أنساب بينهم} في النفخة الأولى، ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فلا أنساب بينهم عند ذلك، ولا يتساءلون، ثم في النّفخة الآخرة: أقبل بعضهم على بعض يتساءلون، وأما قوله: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} {ولا يكتمون اللّه حديثاً}، فإنّ الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم، فيقول المشرك: تعالوا نقول: ما كنّا مشركين، فيختم اللّه على أفواههم، فتنطق جوارحهم بأعمالهم، فعند ذلك عرف أنّ الله لا يكتم حديثاً، وعنده: {ربما يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين} وخلق الأرض في يومين، ثمّ استوى إلى السماء، فسواهن سبع سمواتٍ في يومين آخرين، ثم دحى الأرض، أي: بسطها، وأخرج منها الماء والمرعى، وخلق فيها الجبال والأشجار، والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات: 30] فخلقت الأرض وما فيها من شيءٍ في أربعة أيامٍ، وخلقت السّموات في يومين، وقوله: {وكان اللّه غفوراً رحيماً} سمّى نفسه ذلك، أي: لم يزل، ولا يزال كذلك، وإن الله لم يرد شيئاً إلا أصاب به الذي أراد. ويحك، فلا يختلف عليك القرآن، فإنّ كلاً من عند الله. أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
(دحاها) دحا الأرض: بسطها.
(فصعق) صعق الإنسان: إذا غشي عليه. وإذا مات.
(الآكام):جمع أكمة، وهي الروابي الصغار.
(جوارحهم) الجوارح: جمع جارحة، وهي الأعضاء، كاليد والرجل ونحو ذلك). [جامع الأصول: 2/63-65]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {لو تسوى بهم الأرض} يعني أن تستوي الأرض الجبال عليهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية يقول: ودوا لو انخرقت بهم الأرض فساخوا فيها.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {لو تسوى بهم الأرض} تنشق لهم فيدخلون فيها فتسوي عليهم.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أرأيت أشياء تختلف على من في القرآن فقال ابن عباس: ما هو أشك في القرآن قال: ليس شك ولكنه
اختلاف، قال: هات ما اختلف عليك من ذلك، قال: أسمع الله يقول (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) (الأنعام الآية 23) وقال {ولا يكتمون الله حديثا} فقد كتموا وأسمعه يقول (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) (المؤمنون الآية 101) ثم قال (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) (الصافات الآية 27) وقال (أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) (فصلت الآية 9) حتى بلغ (طائعين) فبدأ بخلق الأرض في هذه الآية قبل خلق السماء ثم قال في الآية الأخرى (أم السماء بناها) (النازعات الآية 27) ثم قال (والأرض بعد ذلك دحاها) (النازعات الآية 30) فبدأ بخلق السماء في هذه الآية قبل خلق الأرض وأسمعه يقول (وكان الله عزيزا حكيما) (وكان الله غفورا رحيما) (وكان الله سميعا بصيرا) فكأنه كان ثم مضى، وفي لفظ ما شأنه يقول (وكان الله)، فقال ابن عباس: أما قوله (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) (الأنعام الآية 23) فإنهم لما رأوا يوم القيامة وأن الله يغفر لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركا ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره جحده المشركون رجاء أن يغفر لهم فقالوا: والله ربنا ما كنا مشركين فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون فعند ذلك يود الذين كفروا لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا.
وأمّا قوله (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) (المؤمنون الآية 101) فهذا في النفخة الأولى (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله) (الزمر الآية 68) فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون (ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) (الزمر الآية 68) (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) (الصافات الآية 27).
وأمّا قوله (خلق الأرض في يومين) (فصلت الآية 9) فإن الأرض خلقت قبل
السماء وكانت السماء دخانا فسواهن سبع سموات في يومين بعد خلق الأرض.
وأمّا قوله (والأرض بعد ذلك دحاها) (النازعات الآية 6) يقول: جعل فيها جبلا جعل فيها نهرا جعل فيها شجرا وجعل فيها بحورا.
وأمّا قوله (وكان الله) فإن الله كان ولم يزل كذلك وهو كذلك (عزيز حكيم) (عليم قدير) ثم لم يزل كذلك فما اختلف عليك من القرآن فهو يشبه ما ذكرت لك وإن الله لم ينزل شيئا إلا وقد أصاب به الذي أراد ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وأخرج ابن جرير من طريق جويبر عن الضحاك أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال: يا ابن عباس قول الله {يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا} وقوله (والله ربنا ما كنا مشركين) (الأنعام الآية 23) فقال له ابن عباس: إني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت: ألقي على ابن عباس متشابه القرآن فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله جامع الناس يوم القيامة في بقيع واحد، فيقول المشركون: إن الله لا يقبل من أحد شيئا إلا ممن وحده، فيقولون: تعالوا نقل، فيسألهم فيقولون (والله ربنا ما كنا مشركين) (الأنعام الآية 23) فيختم على أفواههم وتستنطق به جوارحهم فتشهد عليهم أنهم كانوا مشركين فعند ذلك تمنوا لو أن الأرض سويت بهم ولا يكتمون الله حدثيا.
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم عن حذيفة قال: أتي بعبد آتاه الله مالا فقال له: ماذا عملت في الدنيا - ولا يكتمون الله حديثا - فقال: ما عملت من شيء يا رب إلا أنك آتيتني مالا فكنت أبايع الناس وكان من خلقي أن أنظر المعسر قال الله: أنا أحق بذلك منك تجاوزوا عن عبدي، فقال أبو مسعود الأنصاري: هكذا سمعت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {ولا يكتمون الله حديثا} قال: بجوارحهم). [الدر المنثور: 4/445-449]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 09:05 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فساء قريناً...}
بمنزلة قولك: نعم رجلا، وبئس رجلا، وكذلك {وساءت مصيرا} و{كبر مقتا} وبناء نعم وبئس ونحوهما أن ينصبا ما وليهما من النكرات، وأن يرفعا ما يليهما من معرفة غير موقّتة وما أضيف إلى تلك المعرفة، وما أضيف إلى نكرة كان فيه الرفع والنصب.

فإذا مضى الكلام بمذكر قد جعل خبره مؤنثا مثل: الدار منزل صدق، قلت: نعمت منزلا، كما قال
{وساءت مصيرا} وقال {حسنت مرتفقا} ولو قيل: وساء مصيرا، وحسن مرتفقا، لكان صوابا؛ كما تقول: بئس المنزل النار، ونعم المنزل الجنة، فالتذكير والتأنيث على هذا.

ويجوز: نعمت المنزل دارك، وتؤنث فعل المنزل لما كان وصفا للدار.
وكذلك تقول: نعم الدار منزلك، فتذكّر فعل الدار إذ كانت وصفا للمنزل. وقال ذو الرمّة:
أو حرّةٌ عيطل ثبجاء مجفرةٌ * دعائم الزّور نعمت زورق البلد
ويجوز: أن تذكر الرجلين فتقول بئسا رجلين، وبئس رجلين، وللقوم: نعم قوما ونعموا قوما. وكذلك الجمع من المؤنث وإنما وحّدوا الفعل وقد جاء بعد الأسماء لأن بئس ونعم دلالة على مدح أو ذمّ لم يرد منهما مذهب الفعل، مثل قاما وقعدا. فهذا في بئس ونعم مطرد كثير، وربما قيل في غيرها مما هو في معنى بئس ونعم.
وقال بعض العرب: قلت أبياتا جاد أبياتا، فوحّد فعل البيوت.
وكان الكسائيّ يقول: أضمر حاد بهن أبياتا، وليس ها هنا مضمر إنما هو الفعل وما فيه.
وقوله: {وحسن أولئك رفيقا} إنما وحد الرفيق وهو صفة لجمع لأن الرفيق والبريد والرسول تذهب به العرب إلى الواحد وإلى الجمع، فلذلك قال {وحسن أولئك رفيقا} ولا يجوز في مثله من الكلام أن تقول: حسن أولئك رجلا، ولا قبح أولئك رجلا، إنما يجوز أن توحد صفة الجمع إذا كان اسما مأخوذا من فعل ولم يكن اسما مصرحا؛ مثل رجل وامرأة، ألا ترى أن الشاعر قال:
وإذا هم طعموا فألأم طاعم * وإذا هم جاعوا فشرّ جياع
وقوله: {كبرت كلمةً تخرج من أفواههم} كذلك، وقد رفعها بعضهم ولم يجعل قبلها ضميرا تكون الكلمة خارجة من ذلك المضمر، فإذا نصبت فهي خارجة من قوله: {وينذر الّذين قالوا اتّخذ اللّه ولداً} أي: كبرت هذه كلمة). [معاني القرآن: 1/267-269]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فساء قريناً} أي: فساء الشيطان قريناً، على هذا نصبه). [مجاز القرآن: 1/127]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{والّذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ومن يكن الشّيطان له قرينا فساء قرينا}
{ومن يكن الشّيطان له قرينا فساء قرينا
}أي: من يكن عمله بما يسوّل له الشيطان فبئس العمل عمله، {فساء قرينا} منصوب على التفسير، كما تقول: زيد نعم رجلا.
وكما قال
{ساء مثلا القوم الّذين كذّبوا بآياتنا} ). [معاني القرآن: 2/51-52]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس}

قال إبراهيم، يعني به: اليهود أيضا.

وقال غيره، يعني به: المنافقين). [معاني القرآن: 2/86-87]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا} أي: من يقبل ما سول له الشيطان فساء عملا عمله). [معاني القرآن: 2/87]

تفسير قوله تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وأنفقوا ممّا رزقهم الله} أي: أعطوا في وجوه الخير). [مجاز القرآن: 1/127]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا ممّا رزقهم اللّه وكان اللّه بهم عليماً}
قال:
{وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر} فإن شئت جعلت {ماذا} بمنزلتها وحدها وإن شئت جعلت {ذا} بمنزلة "الذي"). [معاني القرآن: 1/202]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا ممّا رزقهم اللّه وكان اللّه بهم عليما}
يصلح أن تكون: " ما " و " ذا " اسما واحدا، المعنى: وأي شيء عليهم.

ويجوز أن يكون: " ذا " في معنى الذي، أو تكون " ما " وحدها اسما.
المعنى: وما الّذي عليهم {لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله}هذا يدل على أن الذين يبخلون {يبخلون} بما علموا {وكان اللّه بهم عليما} ). [معاني القرآن: 2/52]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وإن تك حسنةً يضاعفها...}
ينصب الحسنة ويضمر في (تك) اسم مرفوع.

وإن شئت رفعت الحسنة ولم تضمر شيئا، وهو مثل قوله: {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرة إلى ميسرة}). [معاني القرآن: 1/269]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مثقال ذرّةٍ} أي: زنة ذرة. {يضاعفها} أضعافاً، ويضعّفها ضعفين). [مجاز القرآن: 1/127]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (
{مثقال ذرّةٍ} أي: زنة ذرة.

يقال: هذا على مثقال هذا، أي: على وزن هذا، والذرة: جمعها ذر، وهي: أصغر النمل.
{يضاعفها} أي: يؤتي مثلها مرات.

ولو قال: يضعّفها لكان مرة واحدة). [تفسير غريب القرآن: 127]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ ثناؤه:
{إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} مثقال: مفعال من الثقل، أي: ما كان وزنه الذرة وقيل لكل ما يعمل " وزن مثقال " تمثيلا، لأن الصلاة والصيام والأعمال لا وزن لها.
لكنّ الناس خوطبوا فيما في قلوبهم بتمثيل ما يدرك بأبصارهم، لأن ذلك - أعني ما يبصر - أبين لهم.
وقوله - عزّ وجلّ -
{وإن تك حسنة يضاعفها}
الأصل في " يكن ": " تكون " فسقطت الضمة للجزم وسقطت الواو لسكونها وسكون النون، فأما سقوط النون من " تكن " فأكثر الاستعمال جاء في القرآن بإثباتها، وإسقاطها قليل - قال الله عزّ وجلّ -: {إن يكن غنيّا أو فقيرا فاللّه أولى بهما} فاجتمع في النون أنها تشبه حروف اللين، وأنها ساكنة.

فحذفت استخفافا لكثرة الاستعمال كما قالوا - لا أدر، ولا أبل، والأجود لم أبال ولا أدري.
و
{حسنة} يكون فيها الرفع والنصب، المعنى: وإن تكن فعلته حسنة يضاعفها، ومن قرأ {وإن تكن حسنة} بالرفع،، رفع على اسم كان، ولا خبر لها وهي ههنا في مذهب التمام، والمعنى: وإن تحدث حسنة يضاعفها.
{ويؤت من لدنه أجرا عظيما}
و
{يؤت} بغير ياء سقطت الياء للجزم، معطوف على {يضاعفها}، ووقعت " لدن " وهي في موضع جر، وفيها لغات.
يقال لد ولدن، ولدن، ولدى والمعنى واحد، ومعناه: من قبله، إلا أنها لا تتمكن تمكن عند، لأنك تقول: " هذا القول عندي صواب " ولا يقال: الوقت لدنيّ صواب، وتقول: عندي مال عظيم والمال غائب عنك، و " لدن " لما يليك). [معاني القرآن: 2/52-53]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} أي: وزن ذرة يقال هذا مثقال هذا، أي: وزن هذا.

ومثقال: مفعال من الثقل.
والذرة: النملة الصغيرة .
وروى عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)) ثم قال أبو سعيد: إن شككتم فاقرؤوا {إن الله لا يظلم مثقال ذرة}). [معاني القرآن: 2/87-88]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} قال سعيد بن جبير: يعني الجنة.
ومعنى {يضاعفها}: يجعلها أضعافا، وقرأ أبو رجاء العطاردي {يضعفها}
ومعنى {من لدنه}: من قبله). [معاني القرآن: 2/88-89]


تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله - جلّ وعزّ -
{فكيف إذا جئنا من كلّ أمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} أي: فكيف تكون حال هؤلاء يوم القيامة، وحذف " تكون حالهم " لأنّ في الكلام دليلا على ما حذف، و " كيف " لفظها لفظ الاستفهام، ومعناها معنى التوبيخ.
قوله: {وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} أي: نأتي بكل نبي أمّة يشهد عليها ولها). [معاني القرآن: 2/53-54]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} في الكلام حذف لعلم السامع، والمعنى: فكيف تكون حالهم إذا جئنا من كل أمة بشهيد وفي الكلام معنى التوبيخ.

قال عبد الله بن مسعود: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي)) فقلت: آقرأ عليك وعليك أنزل فقال: ((نعم)) فقرأت عليه من أول النساء حتى بلغت إلى قوله: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} فرأيت عينيه تذرفان.
وقال {شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم}). [معاني القرآن: 2/89-90]


تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض...}
و
{تسوى} ومعناه: لو يسوون بالتراب، وإنما تمنّوا ذلك لأن الوحوش وسائر الدواب يوم القيامة يقال لها: كوني ترابا، ثم يحيا أهل الجنة، فإذا رأى ذلك الكافرون قال بعضهم لبعض: تعالوا فلنقل إذا سئلنا: والله ما كنا مشركين، فإذا سئلوا فقالوها ختم على أفواههم وأذن لجوارحهم فشهدت عليهم، فهنالك يودّون أنهم كانوا ترابا ولم يكتموا الله حديثا، فكتمان الحديث ههنا في التمني.

ويقال: إنما المعنى: يومئذ لا يكتمون الله حديثا ويودون لو تسوى بهم الأرض). [معاني القرآن: 1/269-270]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لو تسوّى بهم الأرض}: لو يدخلون فيها حتى تعلوهم). [مجاز القرآن: 1/128]


قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثاً}
قال: {ولا يكتمون اللّه حديثاً} أي: لا تكتمه الجوارح أو يقول: "لا يخفى عليه وإن كتموه".

وقال: {لو تسوّى بهم الأرض} وقال بعضهم {تسوّى} [و] كل حسن). [معاني القرآن: 1/202]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لو تسوّى بهم الأرض} أي: كونون ترابا، فيستوون معها حتى يصيروا وهي شيئا واحدا.

{ولا يكتمون اللّه حديثاً} هذا حين سئلوا فأنكروا فشهدت عليهم الجوارح). [تفسير غريب القرآن: 127]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يومئذ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثا}
الاختيار الضّم في الواو في {عصوا الرسول} لالتقاء السّاكنين والكسر جائز، وقد فسرناه فيما مضى.
وقوله:
{لو تسوّى بهم الأرض} وبهم الأرض بضم الميم وكسرها.
{ولا يكتمون اللّه حديثا} أي: يودون أنهم لم يبعثوا، وأنهم كانوا والأرض سواء.
وقد جاء في التفسير: أن البهائم يوم القيامة تصير ترابا، فيودون أنهم يصيرون ترابا.

قوله
{ولا يكتمون اللّه حديثا}فيه غير قول:
1- قال بعضهم: ودوا أن الأرض سويت بهم وأنهم لم يكتموا الله حديثا، لأن قولهم: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} قد كذبوا فيه.
2- وقال بعضهم: {ولا يكتمون اللّه حديثا}مستأنف لأن ما عملوه ظاهر عند اللّه لا يقدرون على كتمه). [معاني القرآن: 2/54]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض}.

وقرأ مجاهد وأبو عمرو {لو تسوى بهم الأرض} فمن قرأ {تسوى} فمعناه: على ما روي عن قتادة: لو تخرقت بهم الأرض فساخوا فيها.
وقيل وهو أبين أن المعنى أنهم تمنوا أن يكونوا ترابا كالأرض فيستوون هم وهي ويدل على هذا {يا ليتني كنت ترابا} .
وكذلك تسوى لو سواهم الله عز وجل فصاروا ترابا مثلها، والقراءة الأولى: موافقة لقولهم كنت ولم يقولوا كونت وروي عن الحسن في قوله: {تسوى بهم الأرض} قال تنشق فتسوى عليهم يذهب إلى أن معنى {بهم}: عليهم فتكون الباء بمعنى على كما تكون في بمعنى على في قوله عز وجل: {ولأصلبنكم في جذوع النخل}). [معاني القرآن: 2/90-91]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل:
{ولا يكتمون الله حديثا}
فيقال أليس قد قالوا
{والله ربنا ما كنا مشركين} ففي هذا أجوبة:

1- منها أن يكون داخلا في التمني، فيكون المعنى: أنهم يتمنون ألا يكتموا الله حديثا فيكون مثل قولك ليتني ألقى فلانا وأكلمه.
وقال قتادة: هي مواطن في القيامة يقع هذا في بعضها.
وقال بعض أهل اللغة: هم لا يقدرون على أن يكتموا لأن الله عالم بما يسرون .
2- وقيل قولهم:
{والله ربنا ما كنا مشركين} عندهم أنهم قد صدقوا في هذا فيكون على هذا ولا يكتمون الله حديثا مستأنفا). [معاني القرآن: 2/91-93]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ} أي: يصيرون مثلها تراباً،
وتصديقه قوله تعالى: {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا}
{ولاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا} هذا حين سُئلوا فأنكروا، فشهدت عليهم الجوارح). [تفسير المشكل من غريب القرآن:60-61]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:09 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) }

تفسير قوله تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) }

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) }

تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) }

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 14 جمادى الآخرة 1435هـ/14-04-2014م, 12:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 14 جمادى الآخرة 1435هـ/14-04-2014م, 12:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14 جمادى الآخرة 1435هـ/14-04-2014م, 12:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 14 جمادى الآخرة 1435هـ/14-04-2014م, 12:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: والّذين ينفقون الآية- قال الطبري: الّذين في موضع خفض عطف على الكافرين، ويصح أن يكون في موضع رفع عطفا على الّذين يبخلون على تأويل: من رآه مقطوعا ورأى الخبر محذوفا، وقال: إنها نزلت في اليهود، ويصح أن يكون في موضع رفع على العطف وحذف الخبر، وتقديره: بعد اليوم الآخر معذبون، وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في اليهود، قال الطبري: وهذا ضعيف، لأنه نفى عن هذه الصفة الإيمان بالله واليوم الآخر، واليهود ليسوا كذلك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقول مجاهد متجه على المبالغة والإلزام، إذا إيمانهم باليوم الآخر كلا إيمان، من حيث لا ينفعهم، وقال الجمهور: نزلت في المنافقين، وهذا هو الصحيح، وإنفاقهم: هو ما كانوا يعطون من زكاة، وينفقون في السفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، «رياء» ودفعا عن أنفسهم، لا إيمانا بالله، ولا حبا في دينه ورئاء نصب على الحال من الضمير في ينفقون والعامل ينفقون، ويكون قوله: ولا يؤمنون في الصلة، لأن الحال لا تفرق إذا كانت مما هو في الصلة، وحكى المهدوي: أن الحال تصح أن تكون من الّذين فعلى هذا يكون ولا يؤمنون مقطوعا ليس من الصلة، والأول أصح، وما حكى المهدوي ضعيف، ويحتمل أن يكون ولا يؤمنون في موضع الحال، أي: غير مؤمنين، فتكون الواو واو الحال. و «القرين»: فعيل بمعنى فاعل، من المقارنة وهي الملازمة والاصطحاب، وهي هاهنا مقارنة مع خلطة وتواد، والإنسان كله يقارنه الشيطان، لكن الموفق عاص له، ومنه قيل لما يلزمان الإبل والبقر قرينان، وقيل للحبل الذي يشدان به: قرن، قال الشاعر: [البسيط]
كمدخل رأسه لم يدنه أحد = بين القرينين حتّى لزّه القرن
فالمعنى: ومن يكن الشيطان له مصاحبا وملازما، أو شك أن يطيعه فتسوء عاقبته، وقريناً نصب على التمييز، والفاعل ل «ساء» مضمر، تقديره ساء القرين قرينا، على حد بئس، وقرن الطبري هذه الآية بقوله تعالى: بئس للظّالمين بدلًا [الكهف: 50] وذلك مردود، لأن بدلًا حال، وفي هذا نظر). [المحرر الوجيز: 2/552-553]

تفسير قوله تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وماذا عليهم «ما» رفع بالابتداء، و «ذا» صلة، وعليهم خبر الابتداء، التقدير:
وأي شيء عليهم؟ ويصح أن تكون «ما» اسما بانفرادها، و «ذا» بمعنى «الذي» ابتداء وخبر، وجواب «لو» في قوله: ماذا فهو جواب مقدم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وكأن هذا الكلام يقتضي أن الإيمان متعلق بقدرتهم ومن فعلهم، ولا يقال لأحد: ما عليك لو فعلت إلا فيما هو مقدور له، وهذه شبهة للمعتزلة، والانفصال عنها أن المطلوب إنما هو تكسبهم واجتهادهم وإقبالهم على الإيمان، وأما الاختراع فالله المنفرد به، وفي هذا الكلام تفجع ما عليهم، واستدعاء جميل يقتضي حيطة وإشفاقا وكان اللّه بهم عليماً إخبار يتضمن وعيدا، وينبه على سوء تواطئهم، أي: لا ينفعهم كتم مع علم الله تعالى بهم). [المحرر الوجيز: 2/553]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً (40)
مثقال مفعال من الثقل، و «الذرة»: الصغيرة الحمراء من النمل، وهي أصغر ما يكون إذا مر عليها حول، لأنها تصغر وتجري كما تفعل الأفعى، تقول العرب: أفعى جارية، وهي أشدها، وقال امرؤ القيس:
[الطويل]
من القاصرات الطّرف لو دبّ محول = من الذّرّ فوق الإتب منها لأثّرا
فالمحول الذي أتى عليه حول. وقال حسان: [الخفيف]
لو يدبّ الحوليّ من ولد ألذ = ر عليها لأندبتها الكلوم
وعبر عن الذرة يزيد بن هارون «بأنها دودة حمراء»، وهي عبارة فاسدة، وروي عن ابن عباس:
«الذرة» رأس النملة، وقرأ ابن عباس «إن الله لا يظلم مثقال نملة» ومثقال مفعول ثان ل يظلم، والأول مضمر التقدير، أن الله لا يظلم أحدا مثقال ويظلم لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد، وإنما عدي هنا إلى مفعولين بأن يقدر في معنى ما يتعدى إلى مفعولين، كأنه قال: إن الله لا ينقص أو لا يبخس أو لا يغصب، ويصح أن يكون نصب مثقال على أنه بيان وصفة لمقدار الظلم المنفي، فيجيء على هذا نعتا لمصدر محذوف، التقدير: إن الله لا يظلم ظلما مثقال ذرة، كما تقول: إن الأمير لا يظلم قليلا ولا كثيرا، أي لا يظلم ظلما قليلا ولا كثيرا، فعلى هذا وقف يظلم على مفعول واحد، وقال قتادة عن نفسه، ورواه عن بعض العلماء، لأن تفضل حسناتي سيئاتي بمثقال ذرة أحب إليّ من الدنيا جميعا، وحذفت النون من «تكن» لكثرة الاستعمال، وشبهها خفة بحروف المد واللين، وقرأ جمهور السبعة «حسنة» بالنصب على نقصان «كان» واسمها مضمر تقديره وإن تك زنة الذرة حسنة، وقرأ نافع وابن كثير «حسنة» بالرفع على تمام «كان» التقدير: وإن تقع حسنة أو توجد حسنة، ويضاعفها جواب الشرط، وقرأ ابن كثير وابن عامر «يضعفها» مشددة العين بغير ألف، قال أبو علي: المعنى فيهما واحد، وهما لغتان، وقرأ الحسن «يضعفها» بسكون الضاد وتخفيف العين، ومضاعفة الشيء في كلام العرب: زيادة مثله إليه، فإذا قلت: ضعفت، فقد أتيت ببنية التكثير، وإذا كانت صيغة الفعل دون التكثير تقتضي الطي مرتين فبناء التكثير يقتضي أكثر من المرتين إلى أقصى ما تريد من العدد، وإذا قلت ضاعفت فليس ببنية تكثير، ولكنه فعل صيغته دالة على الطي مرتين فما زاد، هذه أصول هذا الباب على مذهب الخليل وسيبويه، وقد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب المجاز: أن «ضاعفت» يقتضي مرارا كثيرة، وضعفت يقتضي مرتين، وقال مثله الطبري ومنه نقل، ويدلك على تقارب الأمر في المعنى ما قرئ به في قوله فيضاعفه له أضعافاً كثيرةً [البقرة: 245] فإنه قرئ «يضاعفه ويضعفه» وما قرئ به في قوله تعالى: يضاعف لها العذاب ضعفين [الأحزاب: 30] فإنها قرئ «يضعف لها العذاب ضعفين» وقال بعض المتأولين: هذه الآية خص بها المهاجرون، لأن الله أعلم في كتابه: أن الحسنة لكل مؤمن مضاعفة عشر مرار، وأعلم في هذه: أنها مضاعفة مرارا كثيرة جدا حسب ما روى أبو هريرة من أنها تضاعف ألفي ألف مرة، وروى غيره من أنها تضاعف ألف ألف مرة، ولا يستقيم أن يتضاد الخبران، فهذه مخصوصة للمهاجرين السابقين، حسبما روى عبد الله بن عمر: أنها لما نزلت من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [الأنعام: 160] في الناس كافة، قال رجل: فما للمهاجرين؟ فقال ما هو أعظم من هذا إنّ اللّه لا يظلم الآية فخصوا بهذا كما خصت نفقة سبيل الله بتضعيف سبعمائة مرة، ولا يقع تضاد في الخبر، وقال بعضهم: بل وعد بذلك جميع المؤمنين، وروي في ذلك أحاديث، وهي: أن الله عز وجل يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، فينادي هذا فلان بن فلان، فمن كان له عنده حق فليقم قال: فيحب الإنسان أن لو كان له يومئذ الحق على أبيه وابنه، فيأتي كل من له حق فيأخذ من حسناته حتى يقع الانتصاف، ولا يبقى له إلا وزن الذرة، فيقول الله تعالى: أضعفوها لعبدي واذهبوا به إلى الجنة، وهذا يجمع معاني ما روي مما لم نذكره، والآية تعم المؤمنين والكافرين، فأما المؤمنون فيجازون في الآخرة على مثاقيل الذر فما زاد، وأما الكافرون فما يفعلون من خير فتقع المكافأة عليه بنعم الدنيا ويجيئون يوم القيامة ولا حسنة لهم، ولدنه معناه من عنده، قال سيبويه:
ولدن: هي لابتداء الغاية، فهي تناسب أحد مواضع من، ولذلك التأما ودخلت من عليها، والأجر العظيم: الجنة، قاله ابن مسعود وسعيد بن جبير وابن زيد، والله إذا منّ بتفضله بلغ بعبده الغاية). [المحرر الوجيز: 2/553-556]
تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً (41) يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثاً (42)
تقدم في الآية قبلها الإعلام بتحقيق الأحكام يوم القيامة، فحسن بعد ذلك التنبيه على الحالة التي يحضر ذلك فيها، ويجاء فيها بالشهداء على الأمم، ومعنى الآية: أن الله يأتي بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب، ومعنى «الأمة» في هذه الآية: غير المعنى المتعارف في إضافة الأمم إلى الأنبياء، فإن المتعارف أن تريد بأمة محمد عليه السلام جميع من آمن به وكذلك في كل نبي، وهي هنا جميع من بعث إليه من آمن منهم ومن كفر، وكذلك قال المتأولون: إن الإشارة «بهؤلاء» إلى كفار قريش وغيرهم من الكفار، وإنما خص كفار قريش بالذكر لأن وطأة الوعيد أشد عليهم منها على غيرهم و «كيف» في موضع نصب مفعول مقدم بفعل تقديره في آخر الآية: ترى حالهم، أو يكونون، أو نحوه، وقال مكي في الهداية:
جئنا عامل في «كيف»، وذلك خطأ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا قرأ هذه الآية فاضت عيناه، وكذلك ذرفت عيناه عليه السلام حين قرأها عليه عبد الله بن مسعود في الحديث المشهور وما ذكره الطبري من شهادة أمة محمد بتبليغ الرسل، وما جرى في معنى ذلك من القصص الذي ذكر مكي، كسؤال اللوح المحفوظ، ثم إسرافيل ثم جبريل، ثم الأنبياء، فليست هذه آيته، وإنما آيته لتكونوا شهداء على النّاس [البقرة: 143]). [المحرر الوجيز: 2/557]
تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ويومئذٍ ظرف ويصح أن يكون نصب «يوم» في هذا الموضع على الظرف، على أنه معرب مع الأسماء غير المتمكنة، ويصح أن يكون نصبه على أنه مبني على النصب مع الأسماء غير المتمكنة، و «الود» إنما هو في ذلك اليوم، وقرأ نافع وابن عامر «تسّوّى» بتشديد السين والواو على إدغام التاء الثانية من تتسوى، وقرأ حمزة والكسائي «تسّوّى» بتخفيف السين وتشديد الواو، على حذف التاء الثانية المذكورة، وهما بمعنى واحد، واختلف فيه، فقالت فرقة: تنشق الأرض فيحصلون فيها ثم تتسوى هي في نفسها عليهم وبهم، وقالت فرقة: معناه لو تستوي هي معهم في أن يكونوا ترابا كآبائهم، فجاء اللفظ على أن الأرض هي المستوية معهم، والمعنى إنما هو أنهم يستوون مع الأرض، ففي اللفظ قلب يخرج على نحو اللغة التي حكاها سيبويه، أدخلت القلنسوة في رأسي وأدخلت فمي في الحجر، وما جرى مجراه، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو «تسوى» على بناء الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله، فيكون الله تعالى يفعل ذلك على حسب المعنيين المتقدمين، قال أبو علي: إمالة الفتحة إلى الكسرة والألف إلى الياء في «تسوى» حسنة، قالت طائفة: معنى الآية أن الكفار لما يرونه من الهول وشدة المخاوف يودون أن تسوى بهم الأرض فلا ينالهم ذلك الخوف، ثم استأنف الكلام فأخبر أنهم لا يكتمون اللّه حديثاً لنطق جوارحهم بذلك كله، حين يقول بعضهم: واللّه ربّنا ما كنّا مشركين [الأنعام: 23] فيقول الله: كذبتم، ثم ينطق جوارحهم فلا تكتم حديثا، وهذا قول ابن عباس، وقال فيه: إن الله إذا جمع الأولين والآخرين ظن بعض الكفار أن الإنكار ينجي، فقالوا: واللّه ربّنا ما كنّا مشركين، فيقول الله: كذبتم، ثم ينطق جوارحهم فلا تكتم حديثا، وهكذا فتح ابن عباس على سائل أشكل عليه الأمر، وقالت طائفة: مثل القول الأول، إلا أنها قالت: إنما استأنف الكلام بقوله: ولا يكتمون اللّه حديثاً ليخبر عن أن الكتم لا ينفع، وإن كتموا، لأن الله تعالى يعلم جميع أسرارهم وأحاديثهم، فمعنى ذلك:
وليس ذلك المقام الهائل مقاما ينفع فيه الكتم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: الفرق بين هذين القولين أن الأول يقتضي أن الكتم لا ينفع بوجه، والآخر يقتضي أن الكتم لا ينفع وقع أو لم يقع، كما تقول: هذا مجلس لا يقال فيه باطل، وأنت تريد لا ينتفع به ولا يستمع إليه، وقالت طائفة: الكلام كله متصل، ومعناه: يود الذين كفروا لو تسوى بهم الأرض، ويودون أن لا يكتموا الله حديثا، وودهم لذلك إنما هو ندم على كذبهم حين قالوا: واللّه ربّنا ما كنّا مشركين، وقالت طائفة: هي مواطن وفرق، وقالت طائفة: معنى الآية: يود الذين كفروا أن تسوى بهم الأرض، وأنهم لم يكتموا الله حديثا، وهذا على جهة الندم على الكذب أيضا، كما تقول: وددت أن أعزم كذا، ولا يكون كذا على جهة الفداء، أي يفدون كتمانهم بأن تسوى بهم الأرض، والرّسول في هذه الآية: للجنس، شرف بالذكر وهو مفرد دل على الجمع، وقرأ أبو السمال ويحيى بن يعمر: «وعصوا الرسول» بكسر الواو من عصوا). [المحرر الوجيز: 2/558-559]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 14 جمادى الآخرة 1435هـ/14-04-2014م, 12:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 14 جمادى الآخرة 1435هـ/14-04-2014م, 12:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قوله: {والّذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس} ... ثمّ ذكر الباذلين المرائين الّذي يقصدون بإعطائهم السّمعة وأن يمدحوا بالكرم، ولا يريدون بذلك وجه اللّه، وفي حديث الّذي فيه الثّلاثة الّذين هم أوّل من تسجّر بهم النّار، وهم: العالم والغازي والمنفق، والمراءون بأعمالهم، يقول صاحب المال: ما تركت من شيءٍ تحبّ أن ينفق فيه إلّا أنفقت في سبيلك. فيقول اللّه: كذبت؛ إنّما أردت أن يقال: جوادٌ فقد قيل. أي: فقد أخذت جزاءك في الدّنيا وهو الّذي أردت بفعلك.
وفي الحديث: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لعديّ: "إنّ أباك رام أمرًا فبلغه".
وفي حديثٍ آخر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن عبد اللّه بن جدعان: هل ينفعه إنفاقه، وإعتاقه؟ فقال: "لا إنّه لم يقل يومًا من الدّهر: ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدّين".
ولهذا قال: {ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر [ومن يكن الشّيطان له قرينًا فساء قرينًا]} أي: إنّما حملهم على صنيعهم هذا القبيح وعدولهم عن فعل الطّاعة على وجهها الشيطان؛ فإنّه سوّل لهم وأملى لهم، وقارنهم فحسّن لهم القبائح {ومن يكن الشّيطان له قرينًا فساء قرينًا} ولهذا قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه = فكلّ قرينٍ بالمقارن يقتدي). [تفسير القرآن العظيم: 2/303-304]

تفسير قوله تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا ممّا رزقهم الله [وكان اللّه بهم عليمًا]} أي: وأيّ شيءٍ يكرثهم لو سلكوا الطّريق الحميدة، وعدلوا عن الرّياء إلى الإخلاص والإيمان باللّه، ورجاء موعوده في الدّار الآخرة لمن أحسن عملًا وأنفقوا ممّا رزقهم اللّه في الوجوه الّتي يحبّها اللّه ويرضاها.
وقوله: {وكان اللّه بهم عليمًا} أي: وهو عليمٌ بنيّاتهم الصّالحة والفاسدة، وعليمٌ بمن يستحقّ التّوفيق منهم فيوفّقه ويلهمه رشده ويقيّضه لعملٍ صالحٍ يرضى به عنه، وبمن يستحقّ الخذلان والطّرد عن جنابه الأعظم الإلهيّ، الّذي من طرد عن بابه فقد خاب وخسر في الدّنيا والآخرة، عياذًا باللّه من ذلك [بلطفه الجزيل] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/304]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا (40) فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا (41) يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثًا (42)}
يخبر تعالى أنّه لا يظلم عبدًا من عباده يوم القيامة مثقال حبّة خردلٍ ولا مثقال ذرّةٍ، بل يوفّيها به ويضاعفها له إن كانت حسنةً، كما قال تعالى {ونضع الموازين القسط [ليوم القيامة فلا تظلم نفسٌ شيئًا وإن كان مثقال حبّةٍ من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين]} [الأنبياء: 47] وقال تعالى مخبرًا عن لقمان أنّه قال: {يا بنيّ إنّها إن تك مثقال حبّةٍ من خردلٍ فتكن في صخرةٍ أو في السّماوات أو في الأرض يأت بها اللّه [إنّ اللّه لطيفٌ خبيرٌ]} [لقمان: 16] وقال تعالى: {يومئذٍ يصدر النّاس أشتاتًا ليروا أعمالهم. فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيرًا يره. ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره}
وفي الصّحيحين، من حديث زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيدٍ الخدري، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في حديث الشّفاعة الطويل، وفيه: فيقول اللّه عزّ وجلّ: "ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال حبّة خردلٍ من إيمانٍ، فأخرجوه من النّار". وفي لفظٍ: "أدنى أدنى أدنى مثقال ذرّةٍ من إيمانٍ فأخرجوه من النّار، فيخرجون خلقًا كثيرًا" ثمّ يقول أبو سعيدٍ: اقرؤوا إن شئتم: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ [وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا]}.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا عيسى بن يونس، عن هارون بن عنترة عن عبد اللّه بن السّائب، عن زاذان قال: قال عبد اللّه بن مسعود: يؤتى بالعبد والأمة يوم القيامة، فينادي منادٍ على رءوس الأوّلين والآخرين: هذا فلان بن فلانٍ، من كان له حق فليأت إلى حقه.
فتفرح المرأة أن يكون لها الحقّ على أبيها أو أخيها أو زوجها. ثمّ قرأ: {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} [المؤمنون:101] فيغفر اللّه من حقّه ما يشاء، ولا يغفر من حقوق النّاس شيئًا، فينصب للنّاس فينادي: هذا فلان بن فلانٍ، من كان له حقٌّ فليأت إلى حقّه. فيقول: ربّ، فنيت الدّنيا، من أين أوتيهم حقوقهم؟ قال: خذوا من أعماله الصّالحة، فأعطوا كل ذي حقّ حقّه بقدر طلبته فإن كان وليًّا للّه ففضل له مثقال ذرّةٍ، ضاعفها اللّه له حتّى يدخله بها الجنّة، ثمّ قرأ علينا: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها} قال: ادخل الجنّة؛ وإن كان عبدًا شقيًّا قال الملك: ربّ فنيت حسناته، وبقي طالبون كثيرٌ؟ فيقول: خذوا من سيّئاتهم فأضيفوها إلى سيّئاته، ثمّ صكّوا له صكًّا إلى النّار.
ورواه ابن جريرٍ من وجهٍ آخر، عن زاذان -به نحوه. ولبعض هذا الأثر شاهدٌ في الحديث الصّحيح.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثتا أبو نعيمٍ، حدّثنا فضيلٌ -يعني ابن مرزوقٍ-عن عطيّة العوفي، حدّثني عبد اللّه بن عمر قال: نزلت هذه الآية في الأعراب: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] قال رجلٌ: فما للمهاجرين يا أبا عبد الرّحمن؟ قال: ما هو أفضل من ذلك: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا}.
وحدّثنا أبو زرعة، حدّثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله {وإن تك حسنةً يضاعفها} فأمّا المشرك فيخفّف عنه العذاب يوم القيامة، ولا يخرج من النّار أبدًا. وقد استدلّ له بالحديث الصّحيح أنّ العبّاس قال: يا رسول اللّه، إن أبا طالبٍ كان يحوطك وينصرك فهل نفعته بشيءٍ؟ قال: "نعم هو في ضحضاح من نارٍ، ولولا أنا لكان في الدّرك الأسفل من النّار".
وقد يكون هذا خاصًّا بأبي طالبٍ من دون الكفّار، بدليل ما رواه أبو داود الطّيالسي في سننه حدّثنا عمران، حدّثنا قتادة، عن أنسٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ اللّه لا يظلم المؤمن حسنةً، يثاب عليها الرّزق في الدّنيا ويجزى بها في الآخرة، وأمّا الكافر فيطعم بها في الدّنيا، فإذا كان يوم القيامة لم يكن له حسنةٌ".
وقال أبو هريرة، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن وقتادة والضحاك، في قوله: {ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} يعني: الجنّة.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا سليمان -يعني ابن المغيرة-عن عليّ بن زيدٍ، عن أبي عثمان قال: بلغني عن أبي هريرة أنّه قال: بلغني أنّ اللّه تعالى يعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنةٍ. قال: فقضي أنّي انطلقت حاجًّا أو معتمرًا، فلقيته فقلت: بلغني عنك حديثٌ أنّك تقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّ اللّه يعطى عبده المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنةٍ" قال أبو هريرة: لا بل سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّ اللّه عزّ وجلّ يعطيه ألفي ألف حسنةٍ" ثمّ تلا {يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} فمن يقدّره قدره .
رواه الإمام أحمد فقال: حدّثنا يزيد، حدّثنا مبارك بن فضالة، عن عليّ بن زيدٍ، عن أبي عثمان قال: أتيت أبا هريرة فقلت له: بلغني أنّك تقول: إنّ الحسنة تضاعف ألف ألف حسنةٍ؟ قال: وما أعجبك من ذلك؟ فواللّه لقد سمعت -يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم-كذا قال أبي -يقول: "إنّ اللّه ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنةٍ".
عليّ بن زيدٍ في أحاديثه نكارةٌ، فاللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 2/304-306]

تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} يقول تعالى -مخبرًا عن هول يوم القيامة وشدّة أمره وشأنه: فكيف يكون الأمر والحال يوم القيامة وحين يجيء من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ -يعني الأنبياء عليهم السّلام؟ كما قال تعالى: {وأشرقت الأرض بنور ربّها ووضع الكتاب وجيء بالنّبيّين والشّهداء [وقضي بينهم بالحقّ وهم لا يظلمون]} [الزّمر: 69] وقال تعالى: {ويوم نبعث في كلّ أمّةٍ شهيدًا عليهم من أنفسهم [وجئنا بك شهيدًا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكلّ شيءٍ وهدًى ورحمةً وبشرى للمسلمين]} [النّحل: 89].
قال البخاريّ: حدّثنا محمّد بن يوسف، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال لي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم "اقرأ عليّ" قلت: يا رسول اللّه، آقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: "نعم، إنّي أحبّ أنّ أسمعه من غيري" فقرأت سورة النّساء، حتّى أتيت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} قال: "حسبك الآن" فإذا عيناه تذرفان.
ورواه هو ومسلمٌ أيضًا من حديث الأعمش، به وقد روي من طرقٍ متعدّدةٍ عن ابن مسعودٍ، فهو مقطوعٌ به عنه. ورواه أحمد من طريق أبي حيّان، وأبي رزين، عنه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو بكر بن أبي الدّنيا، حدّثنا الصّلت بن مسعود الجحدري، حدّثنا فضيل بن سليمان، حدّثنا يونس بن محمّد بن فضالة الأنصاريّ، عن أبيه قال -وكان أبي ممّن صحب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتاهم في بني ظفر، فجلس على الصّخرة الّتي في بني ظفرٍ اليوم، ومعه ابن مسعودٍ ومعاذ بن جبلٍ وناسٌ من أصحابه، فأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قارئًا فقرأ، فأتى على هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} فبكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى اضطرب لحياه وجنباه، فقال: "يا ربّ هذا شهدت على من أنا بين ظهريه، فكيف بمن لم أره؟ ".
وقال ابن جريرٍ: حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ الزّهريّ، حدّثنا سفيان، عن المسعوديّ، عن جعفر بن عمرو بن حريثٍ عن أبيه عن عبد اللّه -هو ابن مسعودٍ- {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ} قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "شهيدٌ عليهم ما دمت فيهم، فإذا توفّيتني كنت أنت الرّقيب عليهم".
وأمّا ما ذكره أبو عبد اللّه القرطبي في "التّذكرة" حيث قال: باب ما جاء في شهادة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على أمته: قال: أخبرنا ابن المبارك، أخبرنارجل من الأنصار، عن المنهال بن عمرٍو، حدّثه أنّه سمع سعيد بن المسيّب يقول: ليس من يومٍ إلّا تعرض على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أمّته غدوة وعشيّة، فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم، فلذلك يشهد عليهم، يقول اللّه تعالى: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} فإنّه أثرٌ، وفيه انقطاعٌ، فإنّ فيه رجلًا مبهمًا لم يسمّ، وهو من كلام سعيد بن المسيّب لم يرفعه. وقد قبله القرطبيّ فقال بعد إيراده: [قد تقدّم] أنّ الأعمال تعرض على اللّه كلّ يوم اثنين وخميسٍ، وعلى الأنبياء والآباء والأمّهات يوم الجمعة. قال: ولا تعارض، فإنّه يحتمل أن يخصّ نبيّنا بما يعرض عليه كلّ يومٍ، ويوم الجمعة مع الأنبياء، عليهم السّلام). [تفسير القرآن العظيم: 2/306307]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض} أي: لو انشقّت وبلعتهم، ممّا يرون من أهوال الموقف، وما يحلّ بهم من الخزي والفضيحة والتّوبيخ، كقوله: {يوم ينظر المرء ما قدّمت يداه [ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابًا]} وقوله {ولا يكتمون اللّه حديثًا} أخبر عنهم بأنّهم يعترفون بجميع ما فعلوه، ولا يكتمون منه شيئًا.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميد، حدّثنا حكّام، حدّثنا عمرٌو، عن مطرّف، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبير قال: أتى رجلٌ ابن عبّاسٍ فقال: سمعت اللّه، عزّ وجلّ، يقول -يعني إخبارًا عن المشركين يوم القيامة أنّهم قالوا-: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} [الأنعام: 23] وقال في الآية الأخرى: {ولا يكتمون اللّه حديثًا} فقال ابن العبّاس: أمّا قوله: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} فإنّهم لمّا رأوا أنّه لا يدخل الجنّة إلّا أهل الإسلام قالوا: تعالوا فلنجحد، فقالوا: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} فختم اللّه على أفواههم، وتكلّمت أيديهم وأرجلهم {ولا يكتمون اللّه حديثًا}
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمرٌ، عن رجلٍ عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبير قال: جاء رجلٌ إلى ابن عبّاسٍ فقال: أشياءٌ تختلف عليّ في القرآن. قال: ما هو؟ أشكّ في القرآن؟ قال: ليس هو بالشّكّ. ولكن اختلافٌ. قال: فهات ما اختلف عليك من ذلك. قال: أسمع اللّه يقول: {ثمّ لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} [الأنعام: 23] وقال {ولا يكتمون اللّه حديثًا}؛ فقد كتموا! فقال ابن عبّاسٍ: أمّا قوله: {ثمّ لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} فإنّهم لمّا رأوا يوم القيامة أنّ اللّه لا يغفر إلّا لأهل الإسلام ويغفر الذّنوب ولا يغفر شركًا، ولا يتعاظمه ذنبٌ أن يغفره، جحد المشركون، فقالوا: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين}؛ رجاء أن يغفر لهم. فختم اللّه على أفواههم، وتكلّمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فعند ذلك: {يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثًا}
وقال جويبرٌ عن الضّحّاك: إنّ نافع بن الأزرق أتى ابن عبّاسٍ فقال: يا ابن عبّاسٍ، قول اللّه: {يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثًا} وقوله {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين}؟ فقال له ابن عبّاسٍ: إنّي أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت ألقي على ابن عبّاسٍ متشابه القرآن. فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أنّ اللّه جامع النّاس يوم القيامة في بقيعٍ واحدٍ. فيقول المشركون: إن اللّه لا يقبل من أحدٍ شيئًا إلّا ممّن وحّده، فيقولون: تعالوا نقل فيسألهم فيقولون: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} قال: فيختم على أفواههم، وتستنطق جوارحهم، فتشهد عليهم جوارحهم أنّهم كانوا مشركين. فعند ذلك تمنّوا لو أنّ الأرض سوّيت بهم {ولا يكتمون اللّه حديثًا} رواه ابن جريرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/307-308]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:17 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة