العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم الاعتقاد > كتاب الأسماء والصفات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو القعدة 1434هـ/24-09-2013م, 05:26 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي غير مصنف

غير مصنف

عناصر الموضوع:
- معنى الدعاء
- ذكر معرفة أسماء الله عزّ وجلّ الحسنة الّتي تسمّى بها وأظهرها لعباده للمعرفة والدّعاء والذّكر
- «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة».
-
- القول في اشتقاق الاسم
- الفرق بين الاسم والنعت لفظًا ومعنى
- القول في نسبة الاشتقاق والرد على من أنكره
- باب إثبات أسماء الله تعالى ذكره بدلالة الكتاب والسنة وإجماع الأمة
- باب عدد الأسماء التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أحصاها دخل الجنة
- باب بيان الأسماء التي من أحصاها دخل الجنة
- باب بيان أن لله جل ثناؤه أسماء أخرى
- باب جماع أبواب معاني أسماء الرب عز ذكره
- باب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات الباري جل ثناؤه والاعتراف بوجوده جل وعلا
- باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات وحدانيته عز اسمه
- باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات الإبداع والاختراع له أولها: الله
- باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع نفي التشبيه عن الله تعالى جده
- باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواه
- تابع : باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواه
- باب ما جاء في حروف المقطعات في فواتح السور وأنها من أسماء الله عز وجل
- غير مصنف
- معنى الدعاء
- الأسماء والصفات
- من باب ما يقول إذا أصبح
- وقوله: اللهم ما صليت من صلاة
- قوله عند دخول الخلاء
- قوله - صلى الله عليه وسلم - في الركوع والسجود
- قوله - صلى الله عليه وسلم- أفضل الكلام أربع
- من لواحق الدعاء الذي لم يذكر في المأثور
- إذا هاجت الريح
- تعوذوا بالله من الأعميين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 4 صفر 1435هـ/7-12-2013م, 03:18 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

«إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة»

قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ) :
(حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد الرازي الفقيه قال: حدثني أبو بكر
محمد بن عمير الرازي قال: حدثني أبو الفضل عبد الرحمن بن معاوية العتبي بمصر قال: حدثني حبان بن نافع بن صخر بن جويرية قال: حدثني سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة».
قال حبان: فحدثني داود بن عمرو بن قنبل المكي قال: سألنا سفيان أن يملي علينا التسعة والتسعين اسمًا التي لله عز وجل من القرآن فوعدنا أن يخرجها لنا، لما أبطأ علينا اتينا أبا زيد فأملى علينا هذه الأسماء، فأتينا سفيان فعرضناها عليه فنظر فيها أربع مرات

فقال: هي هذه فقلنا له: اقرأها علينا، فقرأها علينا سفيان: في فاتحة الكتاب: يا الله، يا رب، يا رحمن، يا رحيم، يا ملك، وفي البقرة ستة وعشرون اسمًا: يا محيط يا قدير، يا عليم، يا تواب، يا حكيم، يا بصير، يا واسع، يا بديع، يا سميع، يا كافي، يا رؤوف، يا شاكر، يا إله، يا واحد، يا غفور، يا حليم، يا قابض، يا باسط، يا لا إله إلا هو، يا حي، يا قيوم، يا علي، يا عظيم، يا ولي، يا غني، يا حميد. وفي آل عمران أربعة أسماء: يا قائم، يا وهاب، يا سريع، يا خبير. وفي النساء ستة أسماء: يا رقيب، يا حسيب، يا شهيد، يا عفو، يا مقيت، يا وكيل. وفي الأنعام خمسة أسماء: يا باطن، يا ظاهر، يا قدير، يا لطيف، يا خبير. وفي الأعراف اسمان: يا محيي، يا مميت، وفي الأنفال اسمان: يا نعم المولى، ويا نعم النصير. وفي «هود» سبعة أسماء: يا حفيظ، يا قريب، يا مجيب، يا قوي، يا مجيد، يا ودود، يا فعال. وفي الرعد اسمان: يا كبير، يا متعال. وفي «إبراهيم» اسم: يا منان. وفي «الحجر» اسم: يا خلاق. وفي «النحل» اسم: يا باعث. وفي «مريم» اسمان: يا صادق، يا وارث. وفي «المؤمنون» اسم: يا كريم. وفي «النور» ثلاثة أسماء: يا حق، يا مبين، يا نور. وفي «الفرقان» اسم: يا هادي. وفي «سبأ» اسم: يا فتاح. وفي «المؤمن» أربعة أسماء: يا غافر، يا قابل، يا شديد، يا ذا الطول. وفي «الذاريات» ثلاثة أسماء: يا رزاق، يا ذا القوة، يا متين. وفي «الطور» اسم: يا بار. وفي «اقتربت» اسم: يا مقتدر. وفي «الرحمن» ثلاثة أسماء: يا باقي، يا ذا الجلال، يا ذا الإكرام. وفي «الحديد» ثلاثة أسماء: يا أول، يا آخر، يا باطن. وفي «الحشر» عشرة أسماء: يا قدوس، يا سلام، يا مؤمن، يا مهيمن، يا عزيز، يا جبار، يا متكبر، يا خالق، يا بارئ، يا مصور. وفي «البروج» اسمان: يا مبدئ، يا معيد. وفي «قل هو الله أحد» اسمان: يا أحد، يا صمد). [اشتقاق أسماء الله:20 - 21]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 4 صفر 1435هـ/7-12-2013م, 03:20 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي



قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ) : (حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد الرازي الفقيه قال: حدثني أبو بكر محمد بن عمير الرازي قال: حدثني أبو الفضل عبد الرحمن بن معاوية العتبي بمصر قال: حدثني حبان بن نافع بن صخر بن جويرية قال: حدثني سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة».
قال حبان: فحدثني داود بن عمرو بن قنبل المكي قال: سألنا سفيان أن يملي علينا التسعة والتسعين اسمًا التي لله عز وجل من القرآن فوعدنا أن يخرجها لنا، لما أبطأ علينا اتينا أبا زيد فأملى علينا هذه الأسماء، فأتينا سفيان فعرضناها عليه فنظر فيها أربع مرات

فقال: هي هذه فقلنا له: اقرأها علينا، فقرأها علينا سفيان: في فاتحة الكتاب: يا الله، يا رب، يا رحمن، يا رحيم، يا ملك، وفي البقرة ستة وعشرون اسمًا: يا محيط يا قدير، يا عليم، يا تواب، يا حكيم، يا بصير، يا واسع، يا بديع، يا سميع، يا كافي، يا رؤوف، يا شاكر، يا إله، يا واحد، يا غفور، يا حليم، يا قابض، يا باسط، يا لا إله إلا هو، يا حي، يا قيوم، يا علي، يا عظيم، يا ولي، يا غني، يا حميد. وفي آل عمران أربعة أسماء: يا قائم، يا وهاب، يا سريع، يا خبير. وفي النساء ستة أسماء: يا رقيب، يا حسيب، يا شهيد، يا عفو، يا مقيت، يا وكيل. وفي الأنعام خمسة أسماء: يا باطن، يا ظاهر، يا قدير، يا لطيف، يا خبير. وفي الأعراف اسمان: يا محيي، يا مميت، وفي الأنفال اسمان: يا نعم المولى، ويا نعم النصير. وفي «هود» سبعة أسماء: يا حفيظ، يا قريب، يا مجيب، يا قوي، يا مجيد، يا ودود، يا فعال. وفي الرعد اسمان: يا كبير، يا متعال. وفي «إبراهيم» اسم: يا منان. وفي «الحجر» اسم: يا خلاق. وفي «النحل» اسم: يا باعث. وفي «مريم» اسمان: يا صادق، يا وارث. وفي «المؤمنون» اسم: يا كريم. وفي «النور» ثلاثة أسماء: يا حق، يا مبين، يا نور. وفي «الفرقان» اسم: يا هادي. وفي «سبأ» اسم: يا فتاح. وفي «المؤمن» أربعة أسماء: يا غافر، يا قابل، يا شديد، يا ذا الطول. وفي «الذاريات» ثلاثة أسماء: يا رزاق، يا ذا القوة، يا متين. وفي «الطور» اسم: يا بار. وفي «اقتربت» اسم: يا مقتدر. وفي «الرحمن» ثلاثة أسماء: يا باقي، يا ذا الجلال، يا ذا الإكرام. وفي «الحديد» ثلاثة أسماء: يا أول، يا آخر، يا باطن. وفي «الحشر» عشرة أسماء: يا قدوس، يا سلام، يا مؤمن، يا مهيمن، يا عزيز، يا جبار، يا متكبر، يا خالق، يا بارئ، يا مصور. وفي «البروج» اسمان: يا مبدئ، يا معيد. وفي «قل هو الله أحد» اسمان: يا أحد، يا صمد). [اشتقاق أسماء الله:20 - 21]م

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10 ربيع الثاني 1435هـ/10-02-2014م, 08:58 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

باب بيان الأسماء التي من أحصاها دخل الجنة

قال أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ البيهقيُّ (ت: 458هـ) : (
باب بيان الأسماء التي من أحصاها دخل الجنة
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو عبد الله إسحاق بن محمّد بن يوسف بن يعقوب السّوسيّ، وأبو بكرٍ أحمد بن الحسن القاضي، قالوا: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا محمّد بن خالد بن خليٍّ، حدّثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ للّه تسعةً وتسعين اسمًا مئةً إلاّ واحدًا من أحصاها دخل الجنّة، إنّه وترٌ يحبّ الوتر. رواه البخاريّ في "الصّحيح"، عن أبي اليمان، عن شعيب بن أبي حمزة
- وأخبرنا أبو أحمد عبد الله بن محمّد بن الحسين المهرجانيّ العدل، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن جعفرٍ أبي موسى المزكّي، حدّثنا محمّد بن إبراهيم العبديّ، حدّثنا أبو عمران موسى بن أيّوب النّصيبيّ حدّثنا الوليد بن مسلمٍ (ح) وأنا أبو نصرٍ عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة، أخبرنا أبو عمرو بن مطرٍ، حدّثنا الحسن بن سفيان (ح) وحدّثنا أبو عبد الرّحمن محمّد بن الحسين بن محمّد بن موسى السّلميّ، رحمه اللّه تعالى، أخبرنا عليّ بن الفضل بن محمّد بن عقيلٍ الخزاعيّ، أخبرنا جعفر بن محمّد بن المستفاض الفريابيّ، قالا: حدّثنا صفوان بن صالحٍ، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثنا شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزّناد، عن الأعرج. عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ للّه تسعةً وتسعين اسمًا مئةً إلاّ واحدًا من أحصاها دخل الجنّة، وهو وترٌ يحبّ الوتر: هو اللّه الّذي لا إله إلاّ هو الرّحمن الرّحيم الملك القدّوس السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر الخالق البارئ المصوّر الغفّار القهّار الوهّاب الرّزّاق الفتّاح العليم القابض الباسط الخافض الرّافع المعزّ المذلّ السّميع البصير الحكم العدل اللّطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشّكور العليّ الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرّقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشّهيد الحقّ الوكيل القويّ المتين الوليّ الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحيّ القيّوم الواجد الماجد الواحد الصّمد القادر المقتدر المقدّم المؤخّر الأوّل الآخر الظّاهر الباطن الوالي المتعالي البرّ التّوّاب المنتقم العفوّ الرّؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغنيّ المغني المانع الضّارّ النّافع النّور الهادي البديع الباقي الوارث الرّشيد الصّبور الكافي لفظ حديث الفريابيّ وفي رواية الحسن بن سفيان الرّافع بدل المانع، وقيل في رواية النّصيبيّ المغيث بدل المقيت). [الأسماء والصفات:21- 1/24]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 ربيع الثاني 1435هـ/10-02-2014م, 09:01 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

باب بيان أن لله جل ثناؤه أسماء أخرى

قال أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ البيهقيُّ (ت: 458هـ) : (
باب بيان أن لله جل ثناؤه أسماء أخرى
وليس في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لله تسعة وتسعون اسما نفي غيرها
وإنما وقع التخصيص بذكرها لأنها أشهر الأسماء وأبينها معاني وفيها ورد الخبر أن من أحصاها دخل الجنة، وفي رواية سفيان من حفظها وذلك يدل على أن المراد بقوله: من أحصاها من عدها، وقيل: معناه من أطاقها بحسن المراعاة لها، والمحافظة على حدودها في معاملة الرب بها، وقيل: معناه من عرفها وعقل معانيها، وآمن بها والله أعلم
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن أحمد بن بالويه، حدّثنا محمّد بن شاذان الجوهريّ، حدّثنا سعيد بن سليمان الواسطيّ، حدّثنا فضيل بن مرزوقٍ، حدّثني أبو سلمة الجهنيّ، عن القاسم بن عبد الرّحمن، عن أبيه، قال: قال عبد الله بن مسعودٍ: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: ما أصاب مسلمًا قطّ همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللّهمّ إنّي عبدك وابن
[الأسماء والصفات: 1/27]
عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسمٍ هو لك سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي وجلاء حزني، وذهاب همّي وغمّي، إلاّ أذهب اللّه عنه همّه وأبدله مكان همّه فرحًا قالوا: يا رسول الله ألا نتعلّم هذه الكلمات؟ قال: بلى ينبغي لمن سمعهنّ أن يتعلّمهنّ
[الأسماء والصفات: 1/28]
- وأنا الأستاذ أبو منصورٍ عبد القاهر بن طاهرٍ البغداديّ، من أصل كتابه، حدّثنا أبو سعيدٍ إسماعيل بن أحمد الجرجانيّ، إملاءً، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن عبد السّلام البصريّ، بها، حدّثنا محمّد بن المنهال الضّرير، حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، عن عبد الرّحمن بن إسحاق، عن القاسم بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعودٍ، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم:
[الأسماء والصفات: 1/29]
من أصابه همٌّ أو حزنٌ فليقل: اللّهمّ إنّي عبدك وابن عبدك وابن أمتك في قبضتك، ناصيتي بيدك، عدلٌ فيّ قضاؤك، ماضٍ فيّ حكمك، أسألك بكلّ اسمٍ هو لك، سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري، وذهاب همّي وجلاء حزني قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: ما قالهنّ مهمومٌ قطّ إلاّ أذهب اللّه همّه وأبدله بهمّه فرحًا قالوا: يا رسول الله أفلا نتعلّمهنّ؟ قال: بلى فتعلّموهنّ وعلّموهنّ قال الشّيخ رضي اللّه عنه: في هذا الحديث دلالةٌ على صحّة ما وقعت عليه ترجمة هذا الباب، واستشهد بعض أصحابنا في ذلك بما
- أخبرنا أبو نصرٍ عمر بن عبد العزيز بن قتادة، وأبو بكرٍ محمّد بن إبراهيم.
[الأسماء والصفات: 1/30]
قالا: أخبرنا أبو عمرو بن مطرٍ، حدّثنا إبراهيم بن عليٍّ الذّهليّ، حدّثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا صالحٌ المرّيّ، عن جعفر بن زيدٍ العبديّ، عن عائشة أمّ المؤمنين، أنّها قالت: يا رسول الله علّمني اسم الله الّذي إذا دعي به أجاب، قال لها صلّى اللّه عليه وسلّم: قومي فتوضّئي وادخلي المسجد، فصلّي ركعتين، ثمّ ادعي حتّى أسمع ففعلت، فلمّا جلست للدّعاء، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: اللّهمّ وفّقها فقالت: اللّهمّ إنّي أسألك بجميع أسمائك الحسنى كلّها، ما علمنا منها وما لم نعلم، وأسألك باسمك العظيم الأعظم، الكبير الأكبر، الّذي من دعاك به أجبته، ومن سألك به أعطيته قال: يقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أصبته أصبته
[الأسماء والصفات: 1/31]
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو محمّدٍ عبد الرّحمن بن حمدان الجلاب، بهمذان، حدّثنا الأمير أبو الهيثم خالد بن أحمد، بهمذان، حدّثنا أبو أسعدٍ عبد الله بن محمّدٍ البلخيّ، حدّثنا خالد بن مخلدٍ القطوانيّ (ح) وأخبرنا أبو عبد الله، حدّثنا محمّد بن صالح بن هانئٍ، وأبو بكر بن عبد الله.
[الأسماء والصفات: 1/32]
قالا: حدّثنا الحسن بن سفيان، حدّثنا أحمد بن سفيان النّسويّ، حدّثنا خالد بن مخلدٍ، حدّثنا عبد العزيز الحصين بن التّرجمان، حدّثنا أيّوب السّختيانيّ، وهشام بن حسّان، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ للّه تعالى تسعةً وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنّة فذكرها وعدّ منها: الإله الرّبّ الحنّان المنّان الباري الأحد الكافي الدّائم المولى النّصير المبين الجميل الصّادق المحيط القريب القديم الوتر الفاطر العلام المليك الأكرم المدبّر القدير الشّاكر ذو الطّول ذو المعارج ذو الفضل الكفيل.
تفرّد بهذه الرّواية عبد العزيز بن الحصين بن التّرجمان، وهو ضعيف الحديث عند أهل النّقل، ضعّفه يحيى بن معينٍ، ومحمّد بن إسماعيل البخاريّ، ويحتمل أن يكون التّفسير وقع من بعض الرّواة، وكذلك في حديث الوليد بن مسلمٍ، ولهذا الاحتمال ترك البخاريّ ومسلمٌ إخراج حديث الوليد في "الصّحيح"، فإن كان محفوظًا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فكأنّه قصد أنّ من أحصى من أسماء الله تعالى تسعةً وتسعين اسمًا دخل الجنّة، سواءً أحصاها ممّا نقلنا في حديث الوليد بن مسلمٍ، أو ممّا نقلناه في حديث عبد العزيز بن الحصين، أو من سائر ما دلّ عليه الكتاب والسّنّة واللّه أعلم، وهذه الأسامي كلّها في كتاب الله تعالى وفي سائر أحاديث رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم
[الأسماء والصفات: 1/33]
نصًّا أو دلالةً، ونحن نشير إلى مواضعها إن شاء اللّه تعالى في جماع أبواب معاني هذه الأسماء، ونضيف إليها ما لم يدخل في جملتها بمشيئة الله تعالى وحسن توفيقه). [الأسماء والصفات: 1/34]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:10 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

معنى الدعاء

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): (أصل هذه الكلمة مصدر، من قولك: دعوت الشيء، أدعوه، دعاء. أقاموا المصدر مقام الاسم. تقول: سمعت دعاء كما تقول: سمعت صوتًا، وكما تقول: اللهم اسمع دعائي. وقد يوضع المصدر موضع الاسم. كقولهم: رجل عدل، وهذا درهم ضرب الأمير، وهذا ثوب نسج اليمن .

ومعنى الدعاء: استدعاء العبد ربه عز وجل العناية واستمداده إياه المعونة.
وحقيقته: إظهار الافتقار إليه، والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية، واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل، وإضافة الجود، والكرم إليه؛ كذلك.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة».حدثنا: ابن الأعرابي، قال: حدثنا: بكر بن فرقد التميمي قال: حدثنا: أبو داود قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن ذر، عن يسيع الحضرمي، عن النعمان بن بشير: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله: وحدثنيه: محمد بن الحسين بن عاصم. قال: حدثنا: محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا: أبو موسى، قال: حدثنا: عبد الرحمن يعني - ابن مهدي قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن ذر، عن يسيع، عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الدعاء هي العبادة»، وقرأ: {وقال ربكم ادعوني استجب لكم} [غافر: 60].
قال أبو سليمان: هكذا قال في رواية: «إن الدعاء هي العبادة»، وإنما أنث على نية الدعوة، أو المسألة، أو الكلمة، أو نحوها، وقوله: «الدعاء هو العبادة» معناه أنه معظم العبادة، أو أفضل العبادة، كقولهم: الناس بنو تميم، والمال الإبل، يريدون: أنهم أفضل الناس، أو أكثرهم عددًا أو ما أشبه ذلك، وإن الإبل أفضل أنواع الأموال، وأنبلها. وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة». يريد: أن معظم الحج الوقوف بعرفة.
وذلك؛ لأنه إذا أدرك عرفة، فقد أمن فوات الحج. ومثله في الكلام كثير.

وقد اختلفت مذاهب الناس في الدعاء، فقال قوم: لا معنى للدعاء ولا طائل له لأن الأقدار سابقة والأقضية متقدمة، والدعاء لا يزيد فيها، وتركه لا ينقص شيئًا منها ولا فائدة في الدعاء والمسألة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «قدر الله المقادير، قبل أن يخلق الخلق، بكذا وكذا عامًا». وروي عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «جف القلم بما هو كائن». وروي عنه صلى الله عليه وسلم: «أربع قد فرع الله منها: العمر، والرزق، والخلق والخلق». أو كما قال.وقالت طائفة أخرى: الدعاء واجب. وهو يدفع البلاء، ويرد القضاء. واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «لا يرد القضاء إلا الدعاء». وبما روي : «أن الدعاء، والقضاء، يلتقيان فيعتلجان ما بين السماء والأرض».
وقال آخرون: «الدعاء واجب، إلا أنه لا يستجاب منه إلا ما وافق القضاء». وهذا المذهب هو الصحيح، وهو قول أهل السنة والجماعة، وفيه الجمع بين الأخبار المروية عن اختلافها والتوفيق بينها.
فأما من ذهب إلى إبطال الدعاء، فمذهبه فاسد؛ وذلك أن الله سبحانه أمر بالدعاء، وحض عليه، فقال: {ادعوني استجب لكم} [غافر: 60] وقال عز وجل: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} [الأعراف: 55]. وقال تعالى: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم} [الفرقان: 77]. في آي ذوات عدد في القرآن.
ومن أبطل الدعاء، فقد أنكر القرآن، ورده. ولا خفاء بفساد قوله، وسقوط مذهبه.
فإن قيل: فإذا كان الأمر على ما ذكرتموه من أن الدعاء: لا يدفع ضررًا، ولا يجلب نفعًا، لم يكن جرى به القضاء، فما فائدته؟ وما معنى الاشتغال به؟ فالجواب: إن هذا من جملة الباب الذي وقع التعبد فيه بظاهر من العلم، يجري مجرى الأمارة المبشرة، أو المنذرة، دون العلة الموجبة، وذلك والله أعلم لتكون المعاملة فيه على معنى الترجي، والتعلق بالطمع الباعثين على الطلب دون اليقين الذي يقع معه طمأنينة النفس، فيقضي بصاحبه إلى ترك العمل والإخلاد إلى دعة العطلة. فإن العمل الدائر بين الظفر، بالمطلوب وبين مخافة فوته، يحرك على السعي له، والدأب فيه، واليقين يسكن النفس، [ويريحها]، كما اليأس [يبلدها ويطفئها]، وقد قضى الله سبحانه أن يكون العبد ممتحنًا، ومستعملاً، ومعلقًا بين الرجاء، والخوف اللذين هما مدرجتا العبودية ؛ ليستخرج منه بذلك الوظائف المضروبة عليه، التي هي سمة كل عبد، ونصبة كل مربوب، مدبر، وعلى هذا بني الأمر في معاني ما نعتقده في مبادئ الأمور التي هي الأقدار، والأقضية، مع التزامنا الأوامر التي تعبدنا بها، ووعدنا عليها في المعاد، الثواب والعقاب.
ولما عرض في هذا من الإشكال، ما سألت الصحابة: رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: «أرأيت أعمالنا هذه أشيء قد فرغ منه، أم أمر نستأنفه؟ فقال: بل هو أمر قد فرغ منه. فقالوا: ففيم العمل إذًا؟ قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له. قالوا: فنعمل إذًا».
ألا تراه كيف علقهم بين الأمرين، فرهنهم بسابق القدر المفروغ منه، ثم ألزمهم العمل الذي هو مدرجة التعبد، لتكون تلك الأفعال أمائر مبشرة، ومنذرة، فلم يبطل السبب الذي هو كالفرع بالعلة التي هي له كالأصل، ولم يترك أحد الأمرين للآخر. وأخبر مع ذلك أن فائدة العمل هو القدر المفروغ منه، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «فكل ميسر لما خلق له». يريد: أنه ميسر في أيام حياته للعمل الذي سبق له القدر به قبل وقت وجوده، وكونه، إلا أن الواجب. عليك هاهنا أن تعلم فرق ما بين الميسر، والمسخر، فتفهم.
وكذلك القول في باب الرزق، وفي التسبب إليه بالكسب، وهو أمر مفروغ منه في الأصل، لا يزيده الطلب، ولا ينقصه الترك.
ونظير ذلك؛ أمر العمر، والأجل المضروب فيه في قوله عز وجل: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف: 34].
ثم قد جاء في الطب، والعلاج، ما جاء، وقد استعمله عامة أهل الدين من السلف، والخلف، مع علمهم بأن ما تقدم من الأقدار، والأقضية لا يدفعها التعالج بالعقاقير، والأدوية
وإذا تأملت هذه الأمور، علمت أن الله سبحانه قد لطف بعباده؛ فعلل طباعهم البشرية بوضع هذه الأسباب؛ ليأنسوا بها، فيخفف عنهم ثقل الامتحان الذي تعبدهم به، وليتصرفوا بذلك بين الرجاء، والخوف، وليستخرج منهم وظيفتي الشكر، والصبر في طوري السراء، والضراء، والشدة، والرخاء، ومن وراء ذلك علم الله تعالى فيهم، ولله عاقبة الأمور، وهو العليم الحكيم، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [الأنبياء: 23].
فإن قيل فما تأويل قوله سبحانه: {ادعوني استجب لكم} [غافر: 60]، وهو وعد من الله جل وعز يلزم الوفاء به، ولا يجوز وقوع الخلف فيه؟ قيل هذا مضمر فيه المشيئة كقوله: {بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء} [الأنعام: 41]، وقد يرد الكلام بلفظ عام، مراده خاص، وإنما يستجاب من الدعاء ما وافق القضاء، ومعلوم أنه لا تظهر لكل داع استجابة دعائه؛ فعلمت أنه إنما جاء في نوع خاص منه بصفة معلومة. وقد قيل: معنى الاستجابة: أن الداعي يعوض من دعائه عوضًا ما، فربما كان ذلك إسعافًا بطلبته التي دعا لها، وذلك إذا وافق القضاء. فإن لم يساعده القضاء، فإنه يعطي سكينة في نفسه، وانشراحًا في صدره، وصبرًا يسهل معه احتمال ثقل الواردات عليه، وعلى كل حال فلا يعدم فائدة دعائه، وهو نوع من الاستجابة.
وقد روى: أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مؤمن ينصب وجهه لله، عز وجل، يسأله مسألة إلا أعطاه إياه إما عجلها له في الدنيا، وإما ادخرها له في الآخرة، ما لم يعجل، قالوا: وما عجلته؟ قال: يقول: دعوت، دعوت، فلا أراه يستجاب لي».
قال الشيخ رضي الله عنه -: وإذا ثبت معنى الدعاء، ووجوب العمل به؛ فإن من شرائط صحته، أن يكون ذلك من العبد بإخلاص نيته، وإظهار فقر، ومسكنة، وعلى حال ضرع، وخشوع، وأن يكون على طهارة من الداعي، واستقبال للقبلة، وأن يقدم الثناء على الله عز وجل والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما دعائه، ومن سنته أن يرفع إلى الله عز وجل يديه، باسطًا كفيه ، غير ساتر لهما بثوب، أو غطاء، ويكره فيه الجهر الشديد بالصوت، وتكره الإشارة فيه بأصبعين، وإنما يشير بالسبابة من يده اليمنى فقط.
وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يشير بأصبعين، فقال له: «أحد أحد » ويستحب الاقتصار على جوامع الدعاء، ويكره الاعتداء فيه، وليس معنى الاعتداء الإكثار منه فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يحب الملحين في الدعاء» وقال:«إذا دعا أحدكم، فليستكثر، فإنما يسأل ربه». وإنما هو مثل ما روي عن سعد: أنه سمع ابنًا له يقول:«اللهم إني أسألك الجنة، ونعيمها، وبهجتها، وكذا، وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا، فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء» فإياك أن تكون منهم، فإنك إذا سألتها، فأعطيتها، أعطيتها وما فيها، وإذا تعذوت من النار، فأعذت منها، أعذت منها ومما فيها من الشر».
ويكره في الدعاء السجع، وتكلف صنعة الكلام له، ولا يجوز أن يدعا بالمحال، وأن يطلب ما لا مطمع فيه، كمن يدعو بالخلود في الدنيا، وقد علم، أن الله سبحانه استأثر بالبقاء، وكتب الفناء على جميع خلقه. ولا يدعو بمعصية، ولا بقطيعة رحم، ونحوها من الأمور المحظورة، وليتخير لدعائه، والثناء على ربه، أحسن الألفاظ، وأنبلها، وأجمعها للمعاني، وأبينها؛ لأنه مناجاة العبد سيد السادات الذي ليس له مثل، ولا نظير، ولو تقدم بعض خدم ملوك أهل الدنيا إلى صاحبه، ورئيسه في حاجة، يرفعها إليه، أو معونة يطلبها منه، لتخير له محاسن الكلام، ولتخلص إليه بأجود ما يقدر عليه من البيان، ولئن لم يستعمل هذا المذهب في مخاطبته إياه، ولم يسلك هذه الطريقة فيها معه، أوشك أن ينبو سمعه عن كلامه، وأن لا يحظى بطائل من حاجته عنده.فما ظنك برب العزة سبحانه وبمقام عبده الذليل بين يديه، ومن عسى أن يبلغ بجهد بيانه كنه الثناء عليه؟ وهذا رسوله، وصفيه صلى الله عليه وسلم قد أظهر العجز، والانقطاع دونه؛ فقال في مناجاته:«وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت، كما أثنيت على نفسك». فسبحان من جعل عجز العاجزين عن شكره، والثناء عليه شكرًا لهم، كما جعل معرفة العارفين بأنهم لا يدركون كنه صفته إيمانًا لهم، وقد أولع كثير من العامة بأدعية منكرة اخترعوها، وأسماء سموها، ما أنزل الله بها من سلطان وقد يوجد في أيديهم دستور من الأسماء، والأدعية يسمونه: «الألف الاسم». صنعها لهم بعض المتكلفين من أهل الجهل، والجرأة على الله، عز وجل، أكثرها زور، وافتراء على الله، عز وجل، فليجتنبها الداعي إلا ما وافق منها الصواب. إن شاء الله تعالى ومما يسمع على ألسنة العامة، وكثير من القصاص، قولهم: يا سبحان يا برهان يا غفران يا سلطان، وما أشبه ذلك.وهذه الكلمات، وإن كان يتوجه بعضها في العربية على إضمار النسبة بذي، فإنه مستهجن، مهجور، لأنه لا قدوة فيه، ويغلط كثير منهم في مثل قولهم: يا رب طه ويس، ويا رب القرآن العظيم.
وأول من أنكر ذلك ابن عباس رحمه الله فإنه سمع رجلاً، يقول عند الكعبة: «يا رب القرآن». فقال:«مه! إن القرآن لا رب له، إن كل مربوب مخلوق».
فأما أغاليط من جمح به اللسان، واعتسف أودية الكلام من الأعراب، وغيرهم، الذين لم يعنوا بمعرفة الترتيب، ولم يقومهم ثقاف التأديب، كقول بعضهم في استسقاء الغيث:

رب العباد ما لنا وما لكا

قد كنت تسقينا فما بدا لكا

أنزل علينا الغيث لا أبا لكا
وكقول القائل من قريش حين هدموا الكعبة في الجاهلية، وأرادوا بناءه على أساس إبراهيم صلوات الله عليه فجاءت حية عظيمة، فحملت عليهم، فارتدعوا. فعند ذلك قال شيخ منهم كبير.«اللهم لا ترع، ما أردنا إلا تشييد بيتك، وتشريفه» وكقول بعضهم وإن كان من المذكورين في الزهاد -: «نعم المرء ربنا، لو أطعناه لم يعصنا» فإنها في أخواتها، ونظائرها عجرفية في الكلام، وتهور فيه، والله سبحانه متعال عن هذه النعوت، وذكره منزه عن مثل هذه الأمور، وقد روينا عن عون بن عبد الله، أنه كان يقول:
«ليعظم أحدكم ربه، أن يذكر اسمه في كل شيء، حتى يقول: أخزى الله الكلب، وفعل الله به كذا». وكان بعض من أدركناه من مشايخنا قل ما يذكر اسم الله جل وعلا إلا فيما
يتصل بطاعة، أو قربة، وكان يقول للرجل إذا جزاه خيرًا: جزيت خيرًا، وقل ما يقول: جزاك الله خيرًا، إعظامًا للاسم أن يمتهن في غير قربة، أو عبادة.
ومما يجب أن يراعى في الأدعية، الإعراب الذي هو عماد الكلام، وبه يستقيم المعنى، وبعدمه يختل، ويفسد، وربما انقلب المعنى باللحن حتى يصير كالكفر، إن اعتقده صاحبه. كدعاء من دعا، أو قراءة من قرأ: {إياك نعبد وإياك نستعين} بتخفيف الياء من إياك، فإن الأيا ضياء الشمس، فيصير كأنه يقول شمسك نعبد. وهذا كفر.
وأخبرني محمد بن بحر الرهني، قال: حدثني الشاه بن الحسن قال: قال: أبو عثمان المازني لبعض تلامذته: عليك بالنحو؛ فإن بني إسرائيل كفرت بحرف ثقيل خففوه، قال
الله عز وجل لعيسى: {إني ولدتك} فقالوا: «إني ولدتك» فكفروا.
وأخبرني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل، قال: حدثنا ابن المرزبان عن الرياشي، قال: مر الأصمعي برجل يقول في دعائه: «يا ذو الجلال والإكرام» فقال ما اسمك؟ قال: ليث. فأنشأ يقول:
ينادي ربه باللحن ليث....... لذلك إذا دعاه لا يجيب

قال أبو سليمان:
وإذ قد أتينا بما قد وجب تقديمه من شرائط صحة الدعاء، فلنعمد لتفسير ما جاء منه مأثورًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولنبدأ بتفسير أسماء الله جل وع التي هي تسعة وتسعون اسمًا. قال الله سبحانه: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180]. ثم قال: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} [الأعراف: 180]. فكان دلالة الآية أن [الغلط فيها والزيغ عنها إلحاد]. ونحن نسأل الله التوفيق لصواب القول فيها برحمته). [شأن الدعاء: 3-21]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:11 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

الأسماء والصفات

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): (فصل
[قال أبو سليمان رضي الله عنه -]:
ومن علم هذا الباب، أعني: الأسماء والصفات، ومما يدخل في أحكامه [ويتعلق به من شرائط] أنه لا يتجاوز فيها التوقيف ولا يستعمل فيها القياس؛ فيلحق بالشيء نظيره في ظاهر وضع اللغة ومتعارف الكلام، فالجواد: لا يجوز أن يقاس عليه: السخي وإن كانا متقاربين في ظاهر الكلام. وذلك أن السخي، لم يرد به التوقيف كما ورد بالجواد، ثم إن السخاوة موضوعة في باب الرخاوة واللين، يقال: أرض سخية وسخاوية إذا كان فيها لين ورخاوة وكذلك لا يقاس عليه السمح لما يدخل السماحة من معنى اللين والسهولة. وأما الجود فإنما هو سعة العطاء من قولك: جاد السحاب إذا أمطر فأغزر، ومطر جود، وفرس جواد؛ إذا: بذل ما في وسعه من الجري.
وقد جاء في الأسماء: «القوي» ولا يقاس عليه الجلد وإن كانا يتقاربان في نعوت الآدميين، لأن باب التجلد يدخله التكلف والاجتهاد ولا يقاس على «القادر» المطيق ولا المستطيع لأن الطاقة والاستطاعة إنما تطلقان على معنى قوة البنية، وتركيب الخلقة ولا يقاس على «الرحيم» الرقيق، وإن كانت الرحمة في نعوت الآدميين نوعًا من رقة القلب، وضعفه عن احتمال القسوة.
وفي صفات الله سبحانه: «الحليم» و«الصبور» فلا يجوز أن يقاس عليها الوقور والرزين.
وفي أسمائه «العليم» ومن صفته العلم؛ فلا يجوز قياسه عليه أن يسمى «عارفًا» لما تقتضيه المعرفة من تقديم الأسباب التي بها يتوصل إلى علم الشيء. وكذلك لا يوصف بالعاقل. وهذا الباب يجب أن يراعى، ولا يغفل، فإن عائدته عظيمة، والجهل به ضار [وبالله التوفيق].
[وصلى الله على محمد وآله وسلم كثيرًا] ).[شأن الدعاء: 111-113]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:15 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

من باب ما يقول إذا أصبح

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم
[قال الشيخ]: فهذا ما حضرني في تفسير الأسماء ومعانيها، ونحن نتبعه الآن: تفسير الدعوات المأثورة فصلا فصلا على نظم الكتاب وترتيبه، بعون الله وتوفيقه، [إن شاء الله، وهو المستعان].
من باب ما يقول إذا أصبح
[44] [قال]: إذا أصبحت فقل: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور» قال الشيخ: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «أحيانا بعدما أماتنا» مع إحاطة العلم منا أن الحياة في حالتي اليقظة والنوم قائمة غير زائلة، هو أنه جعل النوم الذي يكون معه زوال العقل، وسكون الحركات بمنزلة الموت الذي يكون به عدمها وبطلانها، وهذا على سبيل التشبيه، والتمثيل لا على وجه التحقيق. وقال بعض أهل اللغة أصل الموت في الكلام السكون
يقال: ماتت الريح إذا ركدت، وأنشد
يا ليت شعري هل تموت الريح
فأسكن اليوم وأستريح
ثم عقبه بقوله صلى الله عليه وسلم: «وإليه النشور» ليدل بإعادة اليقظة بعد النوم على إثبات البعث بعد الموت. والنشور مصدر، يقال: أنشر الله الميت [إنشارًا: إذا أحياه، فنشر الميت] نشورًا، فهو ناشر بلفظ فاعل. قال الأعشى:
حتى تقول الناس مما رأوا
يا عجبًا للميت الناشر
[45] [وقوله]: [وأصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: معنى الفطرة: ابتداء الخلقة، وهي إشارة إلى كلمة التوحيد حين أخذ الله العهد من ذرية آدم، [فقال]: {ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] وقد تكون الفطرة بمعنى السنة، ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم:
[46] «عشر من الفطرة فذكر السواك والمضمضة وأخواتها»[.
[47] وقوله صلى الله عليه وسلم: «نسألك من خير هذا اليوم وخير ما قبله وخير ما بعده ونعود بك من شر هذا اليوم وشر ما قبله وشر ما بعده». قد يسأل عن هذا فيقال: ما معنى استعاذته من سوء زمان قد مضى وقته وتقضى حكمه؟ والمعنى: أنه طلب عفو الله عن ذنب كان [قد] قارفه في أمسه. والوقت وإن كان قد مضى فإن تبعته باقية. ومعنى مسألته خير ما قبله: قبول الحسنة التي كان قدمها في أمسه. والزمان وإن كان فائتًا فإن الحسنة التي عملها فيه موجودة وبركتها مرجوة والخير والشر لا يتعلقان بأعيان الأيام، وإنما أضيفا إليها على معنى أنها أوقات وظروف لها يوجدان فيها بكسب الفاعلين لهما.
[48] وقوله: «وأعوذ بك من الكسل والهرم، وسوء الكبر»، الكسل: خصلة ذميمة تصد عن الحقوق، وتحرم صاحبها خير الدنيا والآخرة، وهو عدم انبعاث النفس للخير، وقلة الرغبة فيه مع وجود الاستطاعة له. والعجز: عدم القوة والاستطاعة له، والعاجز معذور، والكسلان غير معذور.
[49] وأخبرني أبو محمد [أحمد بن محمد] الكراني، قال: حدثنا عبد الله بن مسيب، قال: حدثنا زكريا بن يحيى المنقري، قال: حدثنا الأصمعي، قال: قال الأحنف بن قيس: «إياك والكسل والضجر؛ فإنك إن كسلت لم تطلب حقًا وإن ضجرت لم تؤد حقًا».
وأما سوء الكبر فإنما استعاذ بالله من آفات طول العمر، وما يجلبه الكبر من الخرف، وذهاب العقل وضعف القوى.
[50] وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أنزل الله [من] داء إلا جعل له دواء إلا الهرم»، فجعل الهرم [داء من لا دواء له].
[51] [قال أبو سليمان]: وأخبرني إبراهيم بن عبد الرحيم العنبري، قال: حدثني ابن أبي قماش، قال: حدثنا ابن عائشة، قال: حدثنا حماد عن حميد عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لم يكن لابن آدم إلا السلامة والصحة لكان كفى بهما داء قاضيًا» قال ابن عائشة: فحدثت به أبي فقال: يا بني ما علمت أن هذا خبرًا، وإنما كنت أعرف فيه قول حميد بن ثور:
أرى بصري قد رابني بعد صحة
وحسبك داء أن تصح وتسلما
وقد رواه بعضهم: من سوء الكبر، ساكنة الباء. من كبر النخوة. والصواب هو الأول.
[52] وقوله: «أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه» يروى هذا على وجهين. أحدهما: الشرك، بكسر الشين وسكون الراء، ومعناه: ما يدعو إليه الشيطان ويوسوس به من الإشراك بالله سبحانه. والوجه الآخر: وشركه، بفتح الشين والراء، يريد: حبائل الشيطان ومصايده.
[53] [وقوله]: «وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت» يحتمل وجهين مختلفي المحلين.
أحدهما: إني مقيم على ما عاهدتك عليه من الإيمان بك والاعتقاد لوحدانيتك لا أزول عنه ما استطعت، وإنما استثنى بقوله: ما استطعت موضع القدر السابق في أمره، يقول: إن كان قد تقدم القدر في أمري، وجرى القضاء بأني انقض العهد يوما ما، وأزول عنه فإني أفزع عند ذلك إلى التنصل، والاعتذار بعدم الاستطاعة لدفع ما قضيته علي والامتناع من وقوعه بي.
والوجه الآخر: أن يكون معناه: إني متمسك بما عهدته إلي من أمرك، ونهيك، ومبل العذر في الوفاء به قدر الوسع، والاستطاعة، وإن كنت لا أبلغ كنه الواجب من حقك ولا أفي بما يلزمني من مواجب طاعتك. ونظير هذا.
[18 مكرر] قوله صلى الله عليه وسلم: «استقيموا ولن تحصوا» أي: لن تطيقوا كل الاستقامة. أي: فاجتهدوا وأبلوا العذر فيما تطيقون منها.
[54] وقوله صلى الله عليه وسلم: «أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي» معناه: التزام المنة بحق النعمة والاعتراف بالتقصير في شكرها واحتمال اللائمة فيه، وأصله من قولك: بؤت بكذا، إذا احتملته، ومنه قول الله سبحانه: {فباؤوا بغض من الله} [آل عمران: 112] قال [بعض] أهل التفسير، [معناه]: احتملوه ورجعوا به.
[55] وقوله: «اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي» أقسام الجهات ستة وكلها سبل للآفات، وطرق لها لا يؤمن ورودها منها، وقد روي عن غير واحد من أهل التفسير في قوله جل وعز: {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} [الأعراف: 17] قالوا: «من بين أيدهم»: الدنيا. «ومن خلفهم»: الآخرة. «وعن أيمانهم»: الحسنات. «وعن شمائلهم»: السيئات. والمعنى: أنه يزين: لهم الدنيا، ويثبطهم عن الآخرة، ويصدهم عن الحسنات، ويدعوهم إلى السيئات.
وأما جهة فوق: فمنها ينزل البلاء، والعذاب والصواعق.
ومن تحت: تقع الزلازل والخسف، وقد يكون معناه: أن يستدرج، فيؤتي من حيث لا يشعر؛ فيغتال، ويهلك.
[56] وأخبرني أبو عمر عن أبي العباس أحمد بن يحيي، قال: العرب تقول: «اللهم واقية كواقية الوليد». قال: وذلك أن الصبي قد يتعرض للآفات فيقيه الله، ويحفظه من غير حذر ولا اتقاء.
[57] وحدثني في إسناد له أن بعض الأنبياء صلوات الله عليهم كان يقول في دعائه: «اللهم احفظني حفظ الصبي» وهذا قد يكون من الوجه الذي ذكرناه، وهو ما يحدث عليه في الدنيا من آفاتها. وقد يتأول أيضًا على معنى طلب العصمة وأن يحفظ من الذنوب كما حفظ الصبي؛ فلم يكتب عليه ذنب.
والاغتيال: أن يؤتى المرء من حيث لا يشعر وأن يدهى بمكروه لم يرتقبه، ويقالك قتل فلان غيلة إذا ظفر به في حال غرة، وأوان غفلة فقتل. وأصل هذا من الغول، الذي يقال: إنها تغول الناس، وتضلهم، ويقال: الخمر غول العقل؛ وذلك أنها تذهب العقل، ومن هذا قولهم: غالت فلانا غائلة إذا أصابته داهية قال ذو الرمة:
فأيقن قلبي أنني لاحق أبي
وغائلتي غول الرجال الأوائل
يريد الموت.
[58] وقوله: «اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري. لا إله إلا أنت» قد تكون العافية في السمع والبصر بأن يسلما من الآفات، كالصمم والعمى، والرمد والأوجاع، [وتكون بمعنى السلامة مما يسوء السامع له والناظر إليه، وقد] تكون بمعنى العصمة من المآثم فلا ينظر بعينه إلى محظور ولا يصغي بأذنه إلى مكروه.
[59] وقوله: «لبيك اللهم لبيك وسعديك». لبيك: كلمة معناها سرعة الإجابة، وإظهار الطاعة. وقال النحويون: أصله مأخوذ من لب الرجل بالمكان، وألب به، إذا لزمه وأقام به؛ ومنه قول الشاعر:
لب بأرض ما تخطاها الغنم
أي: أقام بها. وأخبرني ابن مالك، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعيد العبدي، قال: سمعت ابن عائشة يقول: دعا أعرابي غلامًا فه فأبطأ في الإجابة، ثم قال: لبيك. فقال: لب عمود جنبيك. دعا عليه بأن يضرب على جنبيه فيلزمهما العمود بالضرب، قالوا: وكان الأصل في لبى لبب فأبدلوا من إحدى الباءات ياء طلبًا للخفة كما قالوا: تقضي [البازي] [الطائر] من تقضض. وتظني من تظنن. كقول النابغة:
قواف كالسلام إذا استمرت
فليس يرد مذهبها التظني
قالوا: ومعنى التثنية فيه: التوكيد، كأنه قال: إلبابا ببابك بعد إلباب، ولزومًا لطاعتك بعد لزوم، وكذلك قوله: وسعديك، معناه: إسعادًا بعد إسعاد وطاعة لك بعد طاعة. كما قالوا: حنانيك، أي: تحننا بعد تحنن. وهذا ذيك، أي: هذا بعد هذ وأصل الهذ: الإسراع.
[60] وقوله: «اللهم ما قلت من قول أو حلفت من حلف أو نذرت من نذر فمشيئتك بين يدي ذلك كله». الصواب: أن تنصب المشيئة على إضمار فعل، كأنه قال: فإني أقدم مشيئتك في ذلك [كله] وأنوي الاستثناء فيه طرحًا للحنث عني عند وقوع الخلف. وفيه حجة لمن ذهب مذهب المكيين في جواز الاستثناء منفصلاً عن اليمين. ومما يحتجون به في ذلك.
[61] حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لأغزون قريشا، والله لأغزون قريشا، والله لأغزون قريشًا». ثم سكت ساعة ثم قال: «إن شاء الله». أخبرناه ابن الأعرابي. قال: حدثنا الحسن بن مكرم، قال: حدثنا الحسن بن قتيبة، قال: حدثنا مسعر عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس. ومن رواه، بضم المشيئة كان معناه الاعتذار بسابق الأقدار العائقة عن الوفاء بما ألزمه نفسه منها وفيه طرف من مذهب الجبر، والأول أحسن وأصوب. والله تعالى أعلم).[شأن الدعاء: 114-131]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:20 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

وقوله: اللهم ما صليت من صلاة

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ)
: ([62] وقوله: «اللهم ما صليت من صلاة فعلى من صليت، وما لعنت [من لعنة] فعلى من لعنت». [و] الوجه أن ترفع التاء من «صليت» ومن «لعنت» في الأول وأن تنصبها منهما في الآخر، والمعنى كأنه يقول: اللهم اصرف صلاتي ودعائي إلى من أحققته لصلاتك، ورحمتك، واجعل لعني على من استحق اللعن عندك، واستوجب الطرد والإيعاد في حكمك، ولا تؤاخذني بالخطأ مني في وضعهما غير موضعهما، وإحلالهما في غير ملحهما. وهو إنما يصح على هذا التأويل إذا كان قد سبقت منه صلاة، أو بدر منه لعن الغير المستحقين، وقد يحتمل أن يكون إنما دعا بالتوفيق واشترط في مسألته العصمة؛ لأن لا يجري على لسانه ثناء إلا لمن يستحق الثناء من أوليائه، ولا ذم إلا لم يستحقه من أعدائه، كأنه يقول: اللهم احفظني حتى لا أوالي إلا أولياءك، ولا أعادي إلا أعداءك. فالوجه الأول إنما ينصرف إلى الماضي، و[الوجه] الآخر إلى المستقبل. والله أعلم.
[63] وقوله: «اللهم إني أسألك الرضى بعد [نزول] القضاء، وبرد العين بعد الموت» إنما سأل الرضى بعد نزول القضاء به لأن الرضى قبل ذلك دعوى من العبد، وإنما يتحقق ذلك عند وقوع القضاء به، وورود كراهته عليه، سأل الله [تعالى] التثبيت له، وتوطين النفس عليه. وبرد العيش: خفضه، ونعمته. وأصل البرد في الكلام: السهولة. ومنه:
[64] قول النبي صلى الله عليه وسلم: [«الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة» أي: السهلة. وقال بعضهم: إنما قيل له: الغنيمة الباردة؛ لأنه لم يشهد فيه حر قتال. وقيل: لأن حرة العطش لا تنال الصائم فيه. قال الشاعر:
قليلة لحم الناظرين يزينها
شباب ومخفوض من العيش بارد
أي: ناعم سهل.
[65] وقوله عند سماع الأذان: «اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته».
[66] قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرًا».
قال الشيخ أبو سليمان: إنما وصف هذه الدعوة بالتمام لأنها ذكر الله تعالى يدعا بها إلى طاعة الله، وعبادته، وهذه الأمور هي التي تستحق صفة الكمال، والتمام وما سواها من أمور الدنيا فإنها بعرض النقض والفساد، وكانت دعواتهم في الجاهلية إنما هي دعوى القبائل، كقولهم: يا لبكر ويا آل خندف، أو دعوة نعي [وندبة]، كقولهم عند موت الرجل الشريف منهم: يا نعاء فلانا، ويا فلاناه، أو دعوة إلى طعام ونحوه.
وكل هذه الأمور لا تخلو من آفة أو نقص يدخلها، ودعوة الأذان إنما شرعت في الإسلام لإقامة ذكر الله جل وعز فوصفها بالتمام تحريضًا عليها، وترغيبًا فيها، وصرفًا للوجوه إليها. والله أعلم.
ونظير هذا
[67] قوله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق، وذرأ، وبرأ» فوصفها بالتمام؛ إذ لا يجوز [أن يكون] في شيء من كلامه عيب، أو نقص، كما يكون ذلك في كلام الآدميين. وقيل فيه وجه آخر، وهو أن كل كلمة كانت على حرفين؛ فإنها عندهم ناقصة، والتامة منها ما كان أقله على ثلاثة أحرف، وقد أخبر الله سبحانه أنه إذا أراد أمرًا قال له: {كن فيكون} [يس: 82]، وكلمة (كن) ناقصة في الهجاء. فنفى صلى الله عليه وسلم النقص عن كلمات الله قطعًا للأوهام.
نسخة الشيخ: قال أبو سليمان أحمد بن إبراهيم الخطابي رحمه الله:
واعلم أن حكم كلامه.
[خلاف حكم كلام بني آدم، وإن نقص الهجاء [في الكتابة] لا يسلبه صفة الكمال والتمام، وقيل: إن معنى التمام فيها أنها تنفع المتعوذ بها، وتشفيه، وتحفظه [من الآفات]، وتكفيه. وكان أحمد بن حنبل رحمه الله يستدل به على أن القرآن غير مخلوق، قال: وذلك لأنه ما من مخلوق إلا وفيه نقص.
وأما الوسيلة: فقد
[68] روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عنها فقال: «هي درجة في الجنة لا ينالها عبد غيري».
وقيل في «المقام المحمود»: إنه الشفاعة.
وأما قوله
[66 مكرر] صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا» فإن هذه فضيلة عظيمة، ومرتبة في الاختصاص والاصطفاء جليلة، وهو مشبه في عرف أهل الدنيا وعاداتهم بالرجل يكون له الحميم والصديق، قد غاب عنه، فيذكره بعض من يحضره بالجميل من القول فيرد عليه صاحبه جميلاً، ويضاعف الثناء عليه مجازاة له ونيابة في الشكر عنه]).[شأن الدعاء: 131-139]


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:23 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

قوله عند دخول الخلاء

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ)
: (بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا الشيخ الحافظ أبو مسلم عمر بن علي الليثي البخاري بقراءتي عليه، قلت: أخبركم الشيخ أبو القاسم عبد الوهاب بن محمد بن محمد الخطابي قراءة عليه، قال: قال أبو سليمان الخطابي:
[69] [و] قوله: عند دخول الخلاء: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث»، الخبث مضمومة الباء جمع الخبيث. والخبائث: جمع الخبيثة، يريد: [به] ذكران الشياطين وإناثهم. وعامة أصحاب الحديث يقولون: الخبث ساكنة الباء وضمها أصوب على ما فسرناه. ورواه أبو عبيد: «من الخبث» - ساكنة الباء وقال: معناه ذو البخث.
[70] قوله عند خروجه من الخلاء: «غفرانك [ربنا وإليك المصير]». [الغفران: مصدر كالمغفرة، ونصبه على إضمار الطلب والمسألة، كأنه يقول: اللهم إني أسألك غفرانك. كما يقول: «عفوك يا رب ورحمتك» أي: هب لي عفوك ورحمتك. والمعنى في تعقيبه الخروج من الخلاء بهذا الدعاء يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه إنما استغفر لتركه ذكر الله سبحانه مدة لبثه على الخلاء. وكان صلى الله عليه وسلم: «لا يهجر ذكر الله إلا عند الحاجة والخلاء». فكأنه رأى هجران الذكر في تلك الحال تقصيرًا، وعده على نفسه ذنبًا فتداركه بالاستغفار. وقيل: معناه: التوبة من تقصيره في شكر النعمة التي أنعم بها الله عليه؛ فأطعمه، ثم هضمه، ثم سهل خروج الأذى منه؛ فرأى شكره قاصرًا عن بلوغ حقوق هذه النعمة؛ ففزع إلى الاستغفار] [منه] وكان الحسن البصري يقول إذا بال: «يا لها نعمة، تدخل لذة، وتخرج سرحا».
وأخبرني أبو محمد الكراني، قال: حدثنا عبد الله بن شبيب، قال: حدثنا زكريا بن يحيى المنقري، قال: حدثنا الأصمعي، قال: دخل ابن السماك على هارون، فقال له: «عظني» فقال: «[يا] أمير المؤمنين، أرأيت إن منعت شربة ماء عند العطش أكنت تفديها بنصف ملكك؟ قال: نعم، فقال: أرأيت إن منعت خروجها عند الحاجة، أكنت تفديه بالشطر الآخر؟ قال: نعم، قال: فما فرحك بشيء قيمته شربة وبولة».
[71] [و] قوله: عند الفراغ من وضوئه: «سبحانك اللهم وبحمدك». قال النحويون: «سبحان» مصدر من قولك: سبحت الله تسبيحا وسبحانا، أي: نزهته تنزيها و[برأته] تبرئة. ومنه قول الأعشى:
أقول لما جاءني فخره
سبحان من علقمة الفاخر
يريد: التعجب من فخره، والتبرؤ منه. ويقال: إن التسبيح مأخوذ من قولك: سبح الرجل في الأرض، إذا: ذهب فيها. ومنه قيل للفرس إذا كان جيد الركض -: سابح.
وأما دخول الواو في قوله: «وبحمدك» فإن الحسن بن خلاد أخبرني، قال: سألت عنه الزجاج؛ فقال: سألت عما سألتني [عنه] أبا العباس، محمد بن يزيد، فقال: سألت أبا عثمان المازني عما سألتني [عنه]، فقال: المعنى: سبحتك اللهم بجميع آلائك، وبحمدك سبحتك قال: ومعنى سبحانك: سبحتك.
قال أبو سليمان يريد بقوله: «وبحمدك سبحتك» أي: وبمعونتك التي هي نعمة توجب علي حمدًا سبحتك، لا بحولي وقوتي.
وسمعت أبا عمر يقول: سئل أبو العباس أحمد بن يحيي عن قوله: «وبحمدك» فقال: أراد: «سبحتك بحمدك» كأنه يذهب إلى أن الواو صلة.
[72] [و] قوله: «اللهم اجعل في قلبي نورًا واجعل في لساني نورا واجعل في سمعي نورا، واجعل في بصري نورا، واجعل [من] خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل من فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا».
معنى النور في هذا: ضياء الحق وبيانه، كأنه يقول: اللهم استعمل هذه الأعضاء مني في الحق، واجعل تصرفي وتقلبي في هذه الجهات على سبيل الحق. وكذلك معنى قوله بعد ركعتي السنة:
[73] «اللهم اجعل نورًا في قلبي، ونورًا في سمعي، ونورًا في بصري، ونورًا في شعري، ونورًا في بشري، ونورًا في لحمي، ونورًا في دمي، ونورًا في عظامي». وإنما ذلك لأن القلب أمير البدن، وهو الذي يستعمل سائر الأعضاء، وهي على إرادته تتصرف، فإذا استنار القلب انبث نوره في سائر البدن، وفاض على جميع أجزائه. وقد يكون أيضًا معنى النور: في اللحم، والدم، والعظام، والشعر، والبشر منصرفًا إلى القوت الذي به يغتدي البدن ومنه تستمد هذه الأعضاء قواها. سأل الله بأن يجعل رزقه طيبًا، فإن أكل الحلال يصلح عليه القلب وتحسن معه الأخلاق، وأكل الحرام يفسد عليه القلب وتخبث معه الأخلاق.
وقد ضرب الله سبحانه مثل الحق والباطل بالنور والظلمات، كقوله سبحانه: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} [البقرة: 257] وذلك أن أمر الضلالة والباطل مظلم غير بين، وأمر [الهدى و] الحق بين واضح كبيان النور.
[74] [و] قوله: صلى الله عليه وسلم: «أسألك يا قاضي الأمور ويا شافي الصدور كما تجير بين البحور أن تجيرني من عذاب السعير ومن دعوة الثبور ومن فتنة القبور».
أصل الثبور: الهلاك، [يقال]: ثبر الرجل فهو مثبور، إذا: أصابه الهلاك. ومن هذا [قول الله تعالى]: {وإني أظنك يا فرعون مثبورا} [الإسراء: 102] أي: [أظنك] مهلكًا. وقال الفراء في قوله: «مثبورًا» أي: ملعونًا ممنوعًا من الخير. يقال: ما ثبرك عن هذا الأمر؟ أي: ما منعك [منه] وما صدك عنه؟
ودعوة الثبور: دعوة أهل النار، يدعون على أنفسهم بالهلاك وبالموت، ليتخلصوا من العذاب. بالله نستعيذ من عذابه وسخطه.
وفتنة القبور؛ معناها: مسألة القبر،
[75] [و] روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر فتنة القبر فقال: «بي تفتنون وعني تسألون» يريد قول الملك: «من ربك؟ ومن نبيك؟» ومعنى الفتنة: الامتحان.
وأخبرني أبو عمر عن أبي العباس، قال: أصل الفتنة من قولك: فتنت الذهب، إذا أدخلته [في] النار؛ تمتحنه؛ لتعرف جيده من رديئه.
[76] [و] قوله: «اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، حربا لأعدائك، سلما لأوليائك». الحرب: المحارب. والسلم: المسالم، أقيم الاسم فيه مقام الفعل. يقال: رجل حرب وقوم حرب، ورجل سلم، وقوم سلم الواحد والجمع فيه سواء ومثله رجل عدو، وقوم عدو، كقوله تعالى: {وهم لكم عدو} [الكهف: 50] ويقال: هو لك صديق، وهم صديق.
وحكى أبو حاتم: أن عجوزا من الأعراب أقبلت من السوق، وكان الطريق غاصا بأصحاب أبي زيد النحوي فقالت:
تنح للعجوز عن طريقها
إذا أقبلت جائية من سوقها
دعها فما النحوي من صديقها
تريد: من أصدقائها.
[77] [و] قوله: «اللهم ذا الحبل الشديد، والأمر الرشيد، أسألك الأمن يوم الوعيد، والجنة يوم الخلود» الحبل: السبب الذي يتمسك به، والحبل: العهد؛ ومنه قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا} [آل عمران: 103] قال الأعشى:
وإذا تجوزها حبال قبيلة
أخذت من الأخرى إليك حبالها
وقيل: حبل الله: القرآن. وفيه عهده، وأمره، ونهيه. ووصف الحبل بالشدة لأن من تعلق به أمن انبتاته وانقطاعه.
[78] [و] قوله: «سبحان من تعطف العز وقال به، سبحان الذي لبس المجد وتكرم به». تعطف مأخوذ من العطاف، وهو الرداء. وإنما هو مثل كما جاء: «أن الكبرياء رداء الله» ومعناه: الاختصاص بالعز والاتصاف به لا يفارقه بمنزلة الرداء للابسه الذي اتخذه زينة ولباسًا، لا يضعه ولا يفارقه. ومعنى «قال به»: حكم به فينفذ حكمه، ولا يرد أمره. يقال منه: قال الرجل، واقتال، إذا: تحكم فمضى حكمه، ومنه سمي «القيل» وهو الملك. وأنشد أبو العباس عن ابن الأعرابي:
نحن ضربناه على نطابه
قلنا به قلنا به قلنا به
قال أبو العباس: معناه: حكمنا به.
وقال علقمة بن عبدة:
فلو أن ميتا يفتدي لفديته
بما اقتال من حكم علي طبييب
وقوله: «لبس المجد» مثله، والقول فيه كما قلنا في «تعطف» سواء.
[79] [و] قوله: «والخير كله في يدك والشر ليس إليك».
معنى هذا الكلام الإرشاد إلى استعمال الأدب في الثناء على الله تعالى والمدح له بأن تضاف إليه محاسن الأمور دون مساوئها ولم يقع القصد إلى إثبات شيء وإدخاله له تحت قدرته ونفي ضده عنها، فإن الخير والشر صادران عن خلقه، وقدرته، لا موجد لشيء من الخلق غيره. وقد تضاف محاسن الأمور ومحامد الأفعال إلى الله تعالى عند الثناء عليه دون مساوئها ومذامها كقوله تعالى: {وإذا مرضت فهو يشفين} [الشعراء: 80] وكقوله تعالى: «وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن» [يوسف: 100] ولم يضف سبب وقوعه في السجن إليه. وكما تضاف معاظم الخليقة إليه عند الثناء والدعاء فيقال: «يا رب السموات والأرضين» كما يقال: «يا رب الأنبياء والمرسلين» ولا يحسن أن يقال: يا رب الكلاب، ويا رب القردة والخنازير، ونحوها من سفل الحيوان، وحشرات الأرض، وإن كانت إضافة جميع المكونات إليه من جهة الخلق لها، والقدرة عليها شاملة لجميع أصنافها.
وسئل الخليل عن قوله: «والشر ليس إليك» فقال: معناه:
ليس مما يتقرب به إليك؛ كأنه يذهب إلى مثل قول القائل لرئيسه: أنا منك وإليك، أي: عدادي منك، وميلي وانقطاعي إليك، في نحو هذا من الكلام).[شأن الدعاء: 140-154]


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:25 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

قوله - صلى الله عليه وسلم - في الركوع والسجود

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): ( [80] [و] قوله صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح». السبوح: المنزه عن كل عيب. جاء بلفظ: فعول من قولك: سبحت الله؛ أي: نزهته. وقد.
[81] روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن تفسير قوله: «سبحان الله» فقال: «إنكاف الله من كل سوء»؛ أي: تنزيهه.
والقدوس: قد فسرناه في الأسماء.
والروح: فيه قولان:
أحدهما: أنه جبريل صلوات الله عليه خص بالذكر تفضيلاً له على سائر الملائكة، ويقال: إن الروح خلق من الملائكة يشبهون في الصور بالإنس وليسوا بإنس.
[82] [و] قوله: «سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض. وملء ما شئت من شيء بعده». قد يحتمل أن يكون قوله: «سمع الله لمن حمده» دعاء من الإمام للمأمومين لأنهم يقولون: «ربنا لك الحمد» وهذا على مذهب من يقول: إن المأموم لا يقولك «سمع الله لمن حمده» وعلى مذهب أكثر العلماء يجمع الإمام والمأموم بين الكلمتين فتشيع الدعوة من كل من الطائفتين لنفسه، ولأصحابه. ومعنى سمع: استجاب. فأما قوله: «ملء السموات وملء الأرض» فإن هذا كلام تمثيل وتقريب، والكلام لا يقدر بالمكاييل ولا تحشى به الظروف، ولا تسعة الأوعية وإنما المراد به تكثير العدد. حتى لو يقدر أن تكون تلك الكلمات أجسامًا تملأ الأماكن لبلغت من كثرتها ما يملأ السموات والأرضين.
وقد يحتمل أيضًا أن يكون المراد به أجرها وثوابها. ويحتمل أن يراد به التعظيم لها والتفخيم لشأنها؛ كما يقول القائل: تكلم فلان اليوم بكلمة كأنها جبل، وحلف بيمين كالسموات والأرضين؛ وكما يقال: هذه كلمة تملأ طباق الأرض، أي: أنها تسير وتنتشر في الأرض، كما قالوا كلمة تملأ الفم وتملأ السمع، ونحوها من الكلام. والملء بكسر الميم الاسم. والملء: المصدر من قولك ملأت الإناء ملئًا.
[83] [و] قوله: «وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال» عوام الناس يولعون بكسر الميم من المسيح، وتثقيل السين ليكون ذلك عندهم فرقا بين عيسى [عليه السلام] وبين مسيح الضلالة. والاختيار في كل واحد [منهما: فتح الميم] وتخفيف السين. وإنما سمي الدجال مسيحا لأنه ممسوح إحدى العينين. وسمي عيسى [صلوات الله عليه] مسيحا لأنه [كان] إذا مسح ذا عاهة برأ. فهو في نعت عيسى عليه السلام فعيل بمعنى فاعل. وفي نعت الدجال فعليل بمعنى معفول.
[84] [و] قوله: «اللهم أنت السلام» إلى قوله: «ولا ينفع ذا الجد منك الجد».
قد فسرنا السلام [في الأسماء]، وذكرنا أن معناه: ذو السلام. وأشبعنا بيانه هناك فأغنى ذلك عن إعادته. وأما قوله: «ولا ينفع ذا الجد منك الجد»، فإن الجد يفسر على وجهين، أحدهما: الغني، ومنه.
[85] قوله صلى الله عليه وسلم في الفقراء: «أنهم يدخلون الجنة وإذا أصحاب الجد محبوسون» يريد أن أصحاب الأموال محبوسون للمحاسبة.
والجد أيضًا بمعنى البخت، يقال: لفلان جد في هذا الأمر، أي: حظ. يقول: إن المال والغنى والبخت لا ينفع أحدًا إنما النفع والضر من قبل الله سبحانه.
وأما قول الله جل وعز: {وأنه تعالى جد ربنا} [الجن: 3]، فمعناه: الجلال والعظمة. وقوله: «منك الجد» من هاهنا بمعنى البدل، كقوله عز وجل: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون} [الزخرف: 60] أي: بدلكم.
[86] [و] قوله: «أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من نقمتك، وأعوذ بك منك».
قلت: الرضى: ضد السخط، والنقمة: ضد العفو. فلذلك قابل الضد بالضد [في موضع اللغة]، فلما انتهى إلى ذكر ما لا ضد له ولا ند سبحانه أظهر العجز. والانقطاع، وفزع منه إليه، واستعاذ به منه، واستجار بفضله من عدله. وفيه دليل على أن النفع والضر والخير والشر مصدرهما جميعا من قبل الله عز وجل.
[87] [و] قوله: «سبحان الله عدد خلقه، ورضى نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته» المداد: مصدر كالمدد، يقال: مددت الشيء أمده مددًا ومدادًا قال الشاعر:
رأوا بارقات بالأكف كأنها
مصابيح سرج أوقدت بمداد
أي: بزيت يمدها. وروى سلمة عن الفراء، قال: قال الحارثي: يجمعون المد: مدادًا. وأنشدني:
ما يرن في البحر بخير سعر
وخير مد من مداد البحر
فعلى هذا يكون معناه المكيال، والمعيار. وكلمات الله سبحانه لا ينتهي إلى أمد، ولا تحد، ولا تحصى بعدد، ولكنه ضرب بهما المثل ليدل على الكثرة والوفور، ونصب «العدد، والمداد» على المصدر. و«زنة العرش»: ثقله ورزانته. والعرش: خلق عظيم لله عز وجل لا يعلم قدر عظمه ورزانة ثقله أحد غير الله سبحانه وهو مخلوق، ومحدود؛ ألا تراه يقول: {وترى الملائكة حافين من حول العرش} [الزمر: 75] وهو محمول على كواهل الملائكة، والله سبحانه حامل حملته، لا حاجة به إلى العرش، وليس بمكان له، ولا هو متمكن فيه ولا معتمد عليه لأن هذا كله من صفات الحدث، لكنه بائن منه ومن جميع خلقه، وإنما جاء في التنزيل: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] فنحن نؤمن بما أنزل، ونقول كما قال، ولا نكيفه، ولا نحده، ولا نتأوله. كما فعله نفاة الصفات، وهذا باب من العلم الذي يجب علينا الإيمان بظاهره، ولا يجوز لنا الكشف عن باطنه).[شأن الدعاء: 154-160]


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:29 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

قوله - صلى الله عليه وسلم- أفضل الكلام أربع

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): ([88] [و] قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الكلام أربع هن من القرآن ولسن بقرآن «سبحان الله» و«الحمد لله» و«لا إله إلا الله» و«الله أكبر».
يريد بقوله: «هن من القرآن» أن هذه الكلمات موجودة في القرآن وليست بقرآن من جهة النظم، فيكون آية متلوة. [وهذا يدل على أن إعجاز القرآن إنما هو في لفظه ونظمه معًا لا في لفظه فحسب].
[89] [و] قوله: «لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة». معنى الكنز في هذا: الأجر الذي يحوزه قائله، والثواب الذي يدخر له ومعنى كلمة «لا حول ولا قوة إلا بالله» إظهار الفقر إلى الله جل وعز وطلب المعونة منه على كل ما يزاوله من الأمور، وهو حقيقة العبودية.
وقال ابن الأنباري: الحول معناه في كلام العرب: الحيلة، يقال: ما للرجل حول، وماله، احتيال، وماله محالة، وماله محال؛ بمعنى واحد. يريد: أنه لا حيلة له في دفع شر، ولا قوة له في درك خير إلا بالله، ومعناه: التبرؤ من حول نفسه وقوته، والانقطاع إلى الله عز وجل في جميع الأمور.
وقال أبو الهيثم الرازي قوله: «لا حول» أصله من حال الشيء إذا تحرك، يقول: لا حركة ولا استطاعة إلا بالله. وقد روي عن ابن مسعود أنه قال في تفسيره: «لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله».
قال أبو سليمان: وهذا أحسن ما جاء فيه.
[90] [و] قوله: «أسألك النعيم يوم العيلة، والأمن يوم الخوف»، العيلة: الفقر، يقال منه: عال الرجل يعيل عيلة، إذا: افتقر، وعال يعول، إذا: جار. وأعال يعيل [إعالة]، إذا: كثر عياله.
[91] [و] قوله: «اللهم عائذ بك من شر ما أعطيتنا ومن شر ما منعتنا». قال أبو سليمان: من رواه «عائذ» بضم الذال كان معناه: أنا عائذ بك، وأضمر الاسم. ومن رواه: «عائذًا بك» - مفتوحة الذال كان معناه: المصدر. كأنه يقول: «أعوذ بك عياذًا» وقد جاء من المصادر على وزن فاعل «العافية» وفلج الرجل «فالجأ» وما باليت به «بالية وبالة».
[92] [و] قوله: «ألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين» خزايا: جمع خزيان. [و] أصل الخزي [الذل] الذي يستحيا من مثله لما يخاف من الفضيحة [فيه. يقال]: خزي الرجل يخزي خزيًا، إذا: هان وذل. وخزي خزاية، إذا: استحيا.
[93] [و] قوله: «اللهم أعني ولا تعن علي، وامكر لي ولا تمكر علي» معناه: أن ينفذ مكره وحيلته في عدوه، ولا ينفذ مكر عدوه وحيلته فيه. وقد يكون معنى المكر: الاستدراج في الطاعات؛ فيتوهم أنها مقبولة منه وهي مردودة عليه، ويحسب أنه محسن وهو مسيء. كقوله سبحانه: {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} [الكهف: 104] وكقوله تعالى: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} [الزمر: 47].
[94] وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب، وهو مقيم على معاصيه، فإنما ذلك منه استدراج»، ثم ترجم بهذه الآية: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون}» [الأنعام: 44].
حدثناه ابن الأعرابي، قال: أنبأنا أبو إسماعيل الترمذي، قال: أنبأنا أبو صالح [هو] كاتب الليث، قال: حدثني حرملة بن عمران عن [عقبة] بن مسلم عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[95] [و] قوله: «رب اجعلني [لك] شكارًا، لك ذكارًا، مخبتًا لك أواها، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، واسلل سخيمة قلبي».
المخبت: الخاشع، ويقال: المخلص في خشوعه. والأواه: الموقن. ويقال: البكاء.
وروي في قوله سبحانه: {إن إبراهيم لحليم أواه منيب} [هود: 75]: أنه كان إذا ذكر النار [ضج وتأوه].
والحوبة: كل ما يتحوب منه، أي: يتحرج من فعله؛ والاسم منه: الحوب والحاب، يقال: حاب الرجل يحوب، قال الشاعر:
وإن مهاجرين تكنفاه
غداة ئذ لقد ظلما وحابا
والسخيمة: غل القلب ونغله.
[96] [و] قوله: «اللهم عافني في سمعي وبصري ما أبقيتني، واجعله الوارث مني» معنى الوارث هاهنا- الباقي، وحقيقة الوارث أنه هو الذي يرث ملك الماضي. سأل الله أن يبقي له قوة هاتين الحاستين إذا أدركه الكبر، وضعف منه سائر القوى؛ ليكونا وارثي سائر الأعضاء والباقيين بعدها.
وقيل: إنه دعا بذلك للأعقاب والأولاد. وقوله: «واجعله الوارث مني» بلفظ الواحد، وقد ذكر قبله السمع والبصر، وهما اثنان، فإنه رد الفعل إلى واحد منهما كقول الشاعر:
إن شرخ الشباب والشعر الأســــ
ـود لم يعاص كان جنونا
ولم يقل: ما لم يعاصيا؛ لأنه أراد: ما لم يعاص كل واحد منهما. وفيه وجه آخر، وهو أن كل شيئين تقاربا في معنييهما، فإن الدلالة على أحدهما دلالة على الآخر.
[97] [و] قوله: «اللهم اغفر لي، وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى».
الرفيق: الخليط المرفق، فعيل بمعنى مفعل. كقولهم: أليم بمعنى مؤلم، يقال للواحد وللجماعة: رفيق. كما يقال للواحد وللجماعة: صديق. يريد الملائكة المقربين، وهم الملأ الأعلى. كقوله تعالى: {لا يسمعون إلى الملأ الأعلى} [الصافات: 8] يريد الملائكة. والله أعلم.
[98] [و] قوله: «يا كائن قبل أن يكون شيء، والمكون لكل شيء، والكائن بعدها لا يكون شيء» الوجه في حركة الأول ضم النون لأنه نداء مفرد، وفي الثاني نصبها لأنه عطف على موضع المنادي. كقوله جل وعز: {يا جبال أوبي معه والطير} [سبأ: 10] [و] كما قال الشاعر:
ألا يا زيد والضحاك سيرا
فقد جاوزتما خمر الطريق
فعطف على موضع المنادي.
[قوله]: «والكائن بعدما لا يكون شيء» مضموم النون على استئناف النداء؛ إذا طال الكلام قطع، واستؤنف ما بعده، وكأنه أضمر فيه أنت.
[99] [و] قوله: «اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» [قال أبو سليمان]: معنى ذكره الثلج والبرد توكيد للتطهير، ومبالغة فيه، وذلك أن الثلج والبرد ماءان مفطوران على خلقتهما، لم تمترسهما الأيدي، ولم تخضهما الأرجل كسائر المياه التي قد خالطت تربة الأرض، وجرت في الأنهار والحياض ونحوها؛ فكانا أحق بكمال الطهارة، وكذلك هذا المعنى في قوله: «كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس» إشباع في بيان التطهير، وتوكيد له. والله سبحانه مستغن عن أن يضرب له الأمثال، وأن يظاهر له البيان من طريق التشبيه، والتمثيل، ولكنه عادة الكلام، وبه يحسن البيان، ويقرب الشيء من الأفهام. [والله أعلم].
[100] [و] قوله: «اللهم إني أعوذ بك من طمع يهدي إلى طبع». قال أبو عبيد: الطبع: الدنس، والعيب، وكل شين في دين أو دنيا فهو طبع، يقال منه: رجل طبع، وأنشد الأعشى:
له أكاليل بالياقوت فصلها
صواغها لا ترى عيبا ولا طبعا
[101] قوله: «وأعوذ بك من الغرق والحرق» والحرق مفتوحة الراء -.
[102] [و] قوله: «اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة» فإن جار البادية يتحول. سأل سائل عن هذا فقال: ما معنى هذا الشرط؟ وما وجه التخصيص فيه؟ والمعنى والله أعلم أن حكم الشيء الخاص النادر خلاف حكم الشيء العام الدائم. واليسير من الأذى والمشقة محتمل فلم يستعذ بالله منه لأن في احتماله، والصبر عليه أجرًا ومثوبة وقد أمرنا بالصبر والرضى في المكروه ما احتمله الإنسان، واستقل به، فأما الكثير الدائم منه فغير محتمل ولا مستطاع وإذا ابتلى به الإنسان افتتن في دينه، وخيف عليه الوقوع في المأثم، فاستعاذ بالله منه، وفزع إليه في صرفه عنه. وجوار البوادي جوار نجعة ومقامهم فيها مقام قلعة؛ لأنهم إنما يبتغون مواقع الغيث، فإذا نفدت تلك المياه انتقلوا، وتباينت بهم المحال. وجوار المقام في البلدان جوار يتصل مدى العمر، ويدون ولا ينقطع، ويقال: هذه دار مقام، ودار مقامة، ونظير هذا.
[103] قوله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بك من الصمم، والبكم، والجنون، والجذام، والبرص، وسيء الأسقام» فيقال كيف لم يستعذ من الحمى، والصداع، والرمد ونحوها من العلل والأمراض؟ والجواب في هذا كالأول أو قريب منه، وذلك أن هذه الأمور آفات وعاهات تفسد الخلقة، وتغير الصورة، وتورث الشين، وتؤثر في العقل، والمحنة بها تعظم، والبلاء فيها يجهد ويشتد.
[104] وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم: «يستعيذ بالله من جهد البلاء». فأما الحمى والصداع والرمد ونحوها من الأوجاع فإنها [- وإن كانت أعراضًا مؤلمة -] تزول ولا تدوم وفيها أجر وتكفير للذنوب، فلم يصرف الاستعاذة إليها لخفة الأمر فيها، وإمكان الصبر عليها.
[105] [و] قوله: [اللهم إني] أعوذ بك من الذلة والمسكنة، وأعوذ بك من الفقر. معنى استعاذته من الفقر والمسكنة، إنما هو فقر النفس وما يعتريها من الحرص والجشع، ولم يرد به قلة المال، وعدم اليسار، فقد كان معلوما من أمره صلى الله عليه وسلم أنه كان يؤثر الإقلال من الدنيا ويكره الاستكثار من حطام أعراضها. وقال بعض العلماء قد جاء في الحديث مدح الفقر، وذمه، والاستعاذة منه، وإنما المذموم من الفقر أن يكرهه خوفًا من الذل والصغار وانحطاط القدر عند الناس، فأما ما كره من ذلك لأجل ما يخاف من فتنته. فليس بمذموم؛ لأن سوء احتمال الفقر ربما دعا إلى التقصير في إقامة الفرائض، والذهاب عن الحقوق الواجبة.
[106] [و] قوله: «واجعلني في النداء الأعلى» وقد يروى: «[في] الندى الأعلى».
النداء مصدر ناديته نداء، ومعناه أن ينادي للتنويه به. والرفع منه، وقد يحتمل [أن] يكون أراد بـ«النداء الأعلى» نداء أهل الجنة أهل النار كقوله تعالى: {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا} [الأعراف: 44] والنداء الأسفل: نداء أهل النار أهل الجنة: {أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله} [الأعراف: 50]. ولهذا قيل: ليوم القيامة: «يوم التنادي» وقيل إنما سمي يوم التنادي، لأن كل واحد يدعى باسمه فيعطى كتابه. وأما الندي: فأصله المجلس الذي قد اجتمع فيه أهله. يقال منه ندوت القوم أندوهم ندوا: إذا جمعتهم. ومنه سميت «دار الندوة» ويقال: فلان في ندي قومه وناديهم. وقال حاتم الطائي:
ودعيت في أولى الندي ولم
ينظر إلي بأعين خزر
فالندى الأعلى: هم الملائكة صلوات الله عليهم ويقال: لا يكون الندى إلا الجماعة من أهل الندى والكرم.
[107] [و] قوله: «ما من مسلم يبيت طاهرًا على ذكر الله [تعالى] فيتعار من الليل يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه».
يتعار: معناه: يستيقظ من نومه. قالوا: ولا يكاد يكون ذلك إلا مع صوت أو كلام ويقال: إنه مأخوذ من عرار الظلم. وهو صوته.
[45 مكرر] [قوله: «أصحبنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم». معنى الفطرة ابتداء الخلقة، وهي إشارة إلى كلمة التوحيد حين أخذ الله العهد من ذرية آدم فقال: {ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172]. وقد تكون الفطرة بمعنى السنة ومن هذا قوله: «عشر من الفطرة فذكر السواك والمضمضة وأخواتها»[.
[آخر كتاب شأن الدعاء وتفسير الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وآله أجمعين، التي جمعها محمد بن إسحاق بن خزيمة وفرغ من تسويده في الليلة الخامسة من ذي القعدة من شهور سنة سبع وثمانين وخمسمائة علي بن محمد بن عثمان المؤذن النيسابوري حامدًا لله تعالى ومصليًا على رسوله محمد وعلى آله وسلم]).[شأن الدعاء: 160-177]


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:33 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

من لواحق الدعاء الذي لم يذكر في المأثور

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ)
: (بسم الله الرحمن الرحيم
ومن لواحق الدعاء الذي لم يذكر في المأثور
[108] قوله صلى الله عليه وسلم عند الخروج إلى السفر: «اللهم بك ابتسرت، وإليك توجهت، وبك اعتصمت». معنى ابتسرت: ابتدأت سفري، وكل شيء أخذته غضا فقد بسرته، وابتسرته، ويقال: بسرت لانبات أبسره بسرًا: إذا رعيته غضًا، وهذا هو الصحيح في الرواية. والعوام ترويه: «اللهم بك انتشرت» وهو صحيح في المعنى أيضًا، إلا أن الرواية ما ذكرته لك أولاً، وقد فسرناه في غريب الحديث.
[109] [و] قوله قوله - صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من السفر: «ثوبا لربنا أوبا لا يغادر علينا حوبا» الثوب: مصدر ثاب يثوب [ثوبا]، ونصبه على المصدر كأنه قال: أثوب ثوبا، وقوله أوبا مصدر آب يؤوب إذا رجع ومعناه: الرجوع عن الذنب. كقوله سبحانه -: {فإن كان للأوابين غفورا} [الإسراء: 25]. وكقوله: {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب} [ص: 17]. [قالوا] الأواب: الكثير الرجوع إلى الله عز وجل.
والحوب بضم الحاء المأثم، والحوب بفتحها مصدر حاب يحوب: إذا أثم.
[110] [و] قوله: [صلى الله عليه وسلم] إذا سافر: «اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحور بعد الكون وسوء المنظر في الأهل والمال».
وعثاء السفر: شدة النصب والمشقة، وأصله من الوعث وهو الدهس، والمشي يشتد فيه على صاحبه فصار مثلاً لكل ما يشاق على فاعله. وقوله: «كآبة المنقلب» يعني أن ينقلب من سفره إلى أهله بأمر يكتئب منه. مثل أن يصيبه في طريقه مرض أو يناله خسران أو يقدم على ألهه فيجدهم مرضى، أو يكون قد هلك بعضهم إلى ما يشبه ذلك من الأمور التي يكتئب لها الإنسان. قوله: الحور بعد الكون [هكذا يروى] بالنون؛ ومعناه، النقصان بعد الزيادة، وذلك أن يكون الإنسان على حالة جميلة، فيحور عن ذلك؛ أي: يرجع. وأخبرني عبد الرحمن بن الأسد عن الدبري عن عبد الرزاق، قال: سئل معمر عن ذلك فقال: هو الكنتي، ومعنى الكنتي أن يكون الإنسان قد بلغ حالة من النقص لا يزال يخبر الراهن منها بالماضي فيقول: كنت موسرًا فأهب، وكنت شابًا فأغزو، ونحو هذا من الأمر. وأنشد أبو زيد:
إذا ما كنت ملتمسا صديقا
فلا تظفر بكنتي كبير
وقد جاء في غير هذا الحديث. الكور، وهو مأخوذ من كور العمامة. يقول: قد تغير وانتقض كما ينقض كور العمامة.
[111] [و] قوله صلى الله عليه وسلم عند دخول الخلاء: «اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث [المخبث] الشيطان الرجيم». الرجس النجس، زعم الفراء أنهم إذا بدؤوا بالنجس ولم يذكروا الرجس فتحوا النون والجيم، وإذا بدؤوا بالرجس ثم أتبعوه النجس كسروا النون. وقوله: «الخبيث المخبث» الخبيث هو ذو الخبث في نفسه، والمخبث: هو الذي أصحابه وأعوانه خبثاء. كقولهم: قوي مقو، وضعيف مضعف، ونحوهما.
[112] [و] قوله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه» فقيل: يا رسول الله ما همزه ونفثه ونفخه؟ قال: «أما همزه فالموتة، وأما نفثه فالشعر؛ وأما نفخه فالكبر». قال أبو عبيد: فهذا تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم ولتفسيره تفسير؛ فالموتة: الجنون، وإنما سماه همزًا؛ لأنه جعله من النخس والهمز وكل شيء دفعته فقد همزته، فأما الشعر فإنما سماه نفثًا لأنه كالشيء ينفثه الإنسان من فيه مثل الرقية ونحوها. وأما الكبر. فإنما سمي نفخًا لما يوسوس إليه الشيطان في نفسه فيعظمها عنده ويحقر الناس في عينه حتى يدخله لذلك الكبر والنخوة.
[113] [و] قوله صلى الله عليه وسلم إذا عوذ الحسن والحسين: «أعيذكما بكلمات الله التامة من [شر] كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة». الهامة يعني: الواحدة من هوام الأرض، وهي دوابها المؤذية، كالحية، والعقرب ونحوهما. وقوله: «لامة» ولم يقل ملمة، وأصلها من ألممت إلماما فأنا ملم. يقال: ذلك الشيء يأتيه ويلم به، وذلك لأنه لم يرد طريق الفعل، ولكن أراد أنها ذات لمم. كقول النابغة:
كليني لهم يا أمية ناصب
أي: ذي نصب، ومن هذا قول الله سبحانه: {وأرسلنا الرياح لواقح} [الحجر: 22] واحدتها: لاقح؛ يعني أنها ذات لقح ولو كان على مذهب الفعل لقال: ملقح؛ لأنها تلقح السحاب والشجر. وأما قوله: «كلمات الله التامة» فقد فسرناه فيما تقدم، وبينا معنى التمام فيها؛ فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا.
[114] [و] قوله: «إنه صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من خمس العيمة والغيمة والأيمة والكزم والقرم».
العيمة: شهوة اللبن حتى لا يصبر عنه، يقال: عام الرجل يعيم عيمًا، ورجل عيمان. والغيمة: أن يكون الإنسان شديد العطش، كثير الاستسقاء للماء. والأيمة: طول التعزب، من قولك رجل: أيم، وامرأة أيم. إذا كانا عزبين. وأخبرني أبو عمر عن أبي العباس، أحمد بن يحيى، قال: العرب تقول في الدعاء على الإنسان: ما له! عام وغام وآم، فمعنى: عام: أن تهلك إبله وماشيته؛ فلا يجد لبنا يحلبه.
ومعنى غام: أن يشتد عطشه فلا يجد ماء يشربه.
ومعنى آم: أن تطول أيمته؛ فلا يجد نكاحًا. وأما القرم: فهو في اللحم كالعيمة في اللبن؛ يقال: قرمت إلى اللحم فأنا قرم إليه.
وأما الكزم: فشدة الأكل، [من قولك]: كزم الرجل الشيء بفيه يكزمه كزمًا؛ إذا كسره، المصدر ساكن الزاي، والاسم بفتحها. ويقال: كزم، وأزم، وبزم، وكدم، وعذم، كله بمعنى واحد.
[115] [و] قوله صلى الله عليه وسلم إذا نزل من سفره أرضًا: «يا أرض، ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك، وشر ما فيك، وشر ما يدب عليك من أسد، وأسود، ومن ساكن البلد، ومن والد وما ولد». يعني بالأسود: الحية، وساكن البلد: الجن؛ وذلك أنهم سكان الأرض. والعرب تسمي الأرض المستوية: بلدًا، وإن لم تكن مسكونة ولا ذات أبنية. قال الشاعر:
وبلد ليس به أنيس
إلا اليعافير وإلا العيس
وقال النابغة:
ها إن تا عذرة إن لم تكن نفعت
فإن صاحبها قد تاه في البلد
يريد متائه الأرض ومجاهلها. والوالد: إبليس، وما ولد: نسله وذريته.
[116] [و] قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من الضبنة في السفر، وكآبة الشطة، وسوء المنقلب».
الضبنة: عيال الرجل [ومن يلزمه في نفقته]. وسموا ضبنة؛ لأنهم في ضبن من يعولهم. والضبن: ما بين الكشح والإبط؛ تعوذ بالله من كثرة العيال، وخص به حال السفر، لأنه مظنة الإقواء.
وفيه وجه آخر: وهو أن يكون إنما تعوذ من صحبة من لا غناء فيه، ولا كفاية، وإنما هو كل، وعيال عليه. والشطة: بعد المسافة. يقال: شط المكان: إذا بعد يشط ويشط. ويقال: شطت به النوى إذا بعدت.
[117] [و] قوله صلى الله عليه وسلم حين قنت في صلاة الفجر فقال: «اللهم قاتل كفرة أهل الكتاب، واجعل قلوبهم كقلوب نساء كوافر».
المعنى: كقلوبهن في الاختلاف، وقلة الائتلاف، وأراه عني الضرائر منهن لأن ذلك أشد لاختلافهن ومنافسة بعضهن بعضًا. وفي الكوافر وجهان؛ أحدهما: الكفر بالله جل وعز وذلك أشد لاختلافهن. قال الله تعالى: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} [المائدة: 64]. والقول الآخر: أن يكون ذلك من كفران النعم وهن من أقل الناس شكرًا للعوارف وكذلك.
[118] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير».
وفيه وجه آخر؛ وهو أن الكوافر يرعن أبدًا بالصباح والبيات في عقر دارهن فقلوبهن تجب أبدًا.
[119] [و] قوله حين استأذن عليه رهط من اليهود فقالوا: «السام عليكم يا أبا القاسم، فقالت عائشة [رضي الله عنها]: عليكم السام واللعنة والأفن والذام».
السام: فسره أبو عبيد فقال: هو الموت. وقال قتادة: هو السآم ممدود مهموز؛ أي: تسأمون دينكم. مصدر سئم سآمة وسآما، والأفن: النقص. والذام: العيب. ومثله الذان).[شأن الدعاء: 178-190]


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 20 ذو القعدة 1434هـ/24-09-2013م, 05:26 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي غير مصنف

معنى الدعاء

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): (معنى الدعاء أصل هذه الكلمة مصدر، من قولك: دعوت الشيء، أدعوه، دعاء.
أقاموا المصدر مقام الاسم. تقول: سمعت دعاء كما تقول: سمعت صوتًا، وكما تقول: اللهم اسمع دعائي. وقد يوضع المصدر موضع الاسم. كقولهم: رجل عدل، وهذا درهم ضرب الأمير، وهذا ثوب نسج اليمن
ومعنى الدعاء: استدعاء العبد ربه عز ولج العناية واستمداده إياه المعونة.
وحقيقته: إظهار الافتقار إليه، والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية، واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله [عز وجل]، وإضافة الجود، والكرم إليه؛ ولذلك

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة».
قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): حدثنا: ابن الأعرابي، قال: حدثنا: بكر بن فرقد التميمي قال: حدثنا: أبو داود قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن ذر، عن يسيع الحضرمي، عن النعمان بن بشير: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله: وحدثنيه: محمد بن الحسين بن عاصم. قال: حدثنا: محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا: أبو موسى، قال: حدثنا: عبد الرحمن [يعني -] ابن مهدي قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن ذر، عن يسيع، عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم [أنه] قال: «إن الدعاء هي العبادة»، وقرأ: {وقال ربكم ادعوني استجب لكم} [غافر: 60].
[قال أبو سليمان:]
هكذا قال في رواية: «إن الدعاء هي العبادة»، وإنما أنث على نية الدعوة، أو المسألة، أو الكلمة، أو نحوها، وقوله: «الدعاء هو العبادة» معناه أنه معظم العبادة، أو أفضل العبادة، كقولهم: الناس بنو تميم، والمال الإبل، يريدون: أنهم أفضل الناس، أو أكثرهم عددًا أو ما أشبه ذلك، وإن الإبل أفضل أنواع الأموال، وأنبلها. وكقول النبي صلى الله عليه وسلم:«الحج عرفة». يريد: أن معظم الحج الوقوف بعرفة.
وذلك؛ لأنه إذا أدرك عرفة، فقد أمن فوات الحج. ومثله في الكلام كثير.



وقد اختلفت مذاهب الناس في الدعاء، فقال قوم: لا معنى للدعاء ولا طائل له لأن الأقدار سابقة والأقضية متقدمة، والدعاء لا يزيد فيها، وتركه لا ينقص شيئًا منها ولا فائدة في الدعاء والمسألة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «قدر الله المقادير، قبل أن يخلق الخلق، بكذا وكذا عامًا».
وروي عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «جف القلم بما هو كائن».
وروي [عنه صلى الله عليه وسلم]: «أربع قد فرع [الله] منها: العمر، والرزق، والخلق والخلق». أو كما قال.
وقالت طائفة أخرى: الدعاء واجب. وهو يدفع البلاء، ويرد القضاء.
واحتجوا بما روي [عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه]: «لا يرد القضاء إلا الدعاء».
و[بما روي]: «أن الدعاء، والقضاء، يلتقيان فيعتلجان ما بين السماء والأرض».
وقال آخرون: «الدعاء واجب، إلا أنه لا يستجاب منه إلا ما وافق القضاء». وهذا المذهب هو الصحيح، وهو قول أهل السنة والجماعة، وفيه الجمع بين الأخبار المروية عن اختلافها والتوفيق بينها.
فأما من ذهب إلى إبطال الدعاء، فمذهبه فاسد؛ وذلك أن الله سبحانه أمر بالدعاء، وحض عليه، فقال: {ادعوني استجب لكم} [غافر: 60]

وقال عز وجل: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} [الأعراف: 55].

وقال تعالى: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم} [الفرقان: 77] في آي ذوات عدد في القرآن.
ومن أبطل الدعاء، فقد أنكر القرآن، ورده. ولا خفاء بفساد قوله، وسقوط مذهبه.
فإن قيل: فإذا كان الأمر على ما ذكرتموه من أن الدعاء: لا يدفع ضررًا، ولا يجلب نفعًا، لم يكن جرى به القضاء، فما فائدته؟ وما معنى الاشتغال به؟ فالجواب: إن هذا من جملة الباب الذي وقع التعبد فيه بظاهر من العلم، يجري مجرى الأمارة المبشرة، أو المنذرة، دون العلة الموجبة، وذلك والله أعلم لتكون المعاملة فيه على معنى الترجي، والتعلق بالطمع الباعثين على الطلب دون اليقين الذي يقع معه طمأنينة النفس، فيقضي بصاحبه إلى ترك العمل والإخلاد إلى دعة العطلة. فإن العمل الدائر بين الظفر، بالمطلوب وبين مخافة فوته، يحرك على السعي له، والدأب فيه، واليقين يسكن النفس، [ويريحها]، كما اليأس [يبلدها ويطفئها]، وقد قضى الله سبحانه أن يكون العبد ممتحنًا، ومستعملاً، ومعلقًا بين الرجاء، والخوف اللذين هما مدرجتا العبودية؛ ليستخرج منه بذلك الوظائف المضروبة عليه، التي هي سمة كل عبد، ونصبة كل مربوب، مدبر، وعلى هذا بني الأمر في معاني ما نعتقده في مبادئ الأمور التي هي الأقدار، والأقضية، مع التزامنا الأوامر التي تعبدنا بها، ووعدنا عليها في المعاد، الثواب والعقاب.
ولما عرض في هذا من الإشكال، ما سألت الصحابة: رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا:
«أرأيت أعمالنا هذه أشيء قد فرغ منه، أم أمر نستأنفه؟ فقال: بل هو أمر قد فرغ منه. فقالوا: ففيم العمل إذًا؟ قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له. قالوا: فنعمل إذًا».
ألا تراه كيف علقهم بين الأمرين، فرهنهم بسابق القدر المفروغ منه، ثم ألزمهم العمل الذي هو مدرجة التعبد، لتكون تلك الأفعال أمائر مبشرة، ومنذرة، فلم يبطل السبب الذي هو كالفرع بالعلة التي هي له كالأصل، ولم يترك أحد الأمرين للآخر. وأخبر مع ذلك أن فائدة العمل هو القدر المفروغ منه، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «فكل ميسر لما خلق له». يريد: أنه ميسر في أيام حياته للعمل الذي سبق له القدر به قبل وقت وجوده، وكونه، إلا أن الواجب. [عليك هاهنا] أن تعلم فرق ما بين الميسر، والمسخر، فتفهم.
وكذلك القول في باب الرزق، وفي التسبب إليه بالكسب، وهو أمر مفروغ منه في الأصل، لا يزيده الطلب، ولا ينقصه الترك.
ونظير ذلك؛ أمر العمر، والأجل المضروب فيه في قوله عز وجل: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف: 34].
ثم قد جاء في الطب، والعلاج، ما جاء، وقد استعمله عامة أهل الدين من السلف، والخلف، مع علمهم بأن ما تقدم من الأقدار، والأقضية لا يدفعها التعالج بالعقاقير، والأدوية
وإذا تأملت هذه الأمور، علمت أن الله سبحانه قد لطف بعباده؛ فعلل طباعهم البشرية بوضع هذه الأسباب؛ ليأنسوا بها، فيخفف عنهم ثقل الامتحان الذي تعبدهم به، وليتصرفوا بذلك بين الرجاء، والخوف، وليستخرج منهم وظيفتي الشكر، والصبر في طوري السراء، والضراء، والشدة، والرخاء، ومن وراء ذلك علم الله تعالى فيهم، ولله عاقبة الأمور، وهو العليم الحكيم، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [الأنبياء: 23].
فإن قيل فما تأويل قوله سبحانه: {ادعوني استجب لكم} [غافر: 60]، وهو وعد من الله جل وعز يلزم الوفاء به، ولا يجوز وقوع الخلف فيه؟ قيل هذا مضمر فيه المشيئة كقوله: {بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء} [الأنعام: 41]، وقد يرد الكلام بلفظ عام، مراده خاص، وإنما يستجاب من الدعاء ما وافق القضاء، ومعلوم أنه لا تظهر لكل داع استجابة دعائه؛ فعلمت أنه إنما جاء في نوع خاص منه بصفة معلومة. وقد قيل: معنى الاستجابة: أن الداعي يعوض من دعائه عوضًا ما، فربما كان ذلك إسعافًا بطلبته التي دعا لها، وذلك إذا وافق القضاء. فإن لم يساعده القضاء، فإنه يعطي سكينة في نفسه، وانشراحًا في صدره، وصبرًا يسهل معه احتمال ثقل الواردات عليه، وعلى كل حال فلا يعدم فائدة دعائه، وهو نوع من الاستجابة.
وقد روى: أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مؤمن ينصب وجهه لله، عز وجل، يسأله مسألة إلا أعطاه إياه إما عجلها له في الدنيا، وإما ادخرها له في الآخرة، ما لم يعجل، قالوا: وما عجلته؟ قال: يقول: دعوت، دعوت، فلا أراه يستجاب لي».
قال الشيخ رضي الله عنه -: وإذا ثبت معنى الدعاء، ووجوب العمل به؛ فإن من شرائط صحته، أن يكون ذلك من العبد بإخلاص نيته، وإظهار فقر، ومسكنة، وعلى حال ضرع، وخشوع، وأن يكون على طهارة من الداعي، واستقبال للقبلة، وأن يقدم الثناء على الله عز وجل والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما دعائه، ومن سنته أن يرفع إلى الله عز وجل يديه، باسطًا كفيه، غير ساتر لهما بثوب، أو غطاء، ويكره فيه الجهر الشديد بالصوت، وتكره الإشارة فيه بأصبعين، وإنما يشير بالسبابة من يده اليمنى فقط.
وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يشير بأصبعين، فقال له: «أحد أحد».
ويستحب الاقتصار على جوامع الدعاء، ويكره الاعتداء فيه، وليس معنى الاعتداء الإكثار منه.
فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يحب الملحين في الدعاء». وقال: «إذا دعا أحدكم، فليستكثر، فإنما يسأل ربه». وإنما هو مثل ما روي عن سعد: أنه سمع ابنًا له يقول:
«اللهم إني أسألك الجنة، ونعيمها، وبهجتها، وكذا، وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا، فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء» فإياك أن تكون منهم، فإنك إذا سألتها، فأعطيتها، أعطيتها وما فيها، وإذا تعذوت من النار، فأعذت منها، أعذت منها ومما فيها من الشر».
ويكره في الدعاء السجع، وتكلف صنعة الكلام له، ولا يجوز أن يدعا بالمحال، وأن يطلب ما لا مطمع فيه، كمن يدعو بالخلود في الدنيا، وقد علم، أن الله سبحانه استأثر بالبقاء، وكتب الفناء على جميع خلقه. ولا يدعو بمعصية، ولا بقطيعة رحم، ونحوها من الأمور المحظورة، وليتخير لدعائه، والثناء على ربه، أحسن الألفاظ، وأنبلها، وأجمعها للمعاني، وأبينها؛ لأنه مناجاة العبد سيد السادات الذي ليس له مثل، ولا نظير، ولو تقدم بعض خدم ملوك أهل الدنيا إلى صاحبه، ورئيسه في حاجة، يرفعها إليه، أو معونة يطلبها منه، لتخير له محاسن الكلام، ولتخلص إليه بأجود ما يقدر عليه من البيان، ولئن لم يستعمل هذا المذهب في مخاطبته إياه، ولم يسلك هذه الطريقة فيها معه، أوشك أن ينبو سمعه عن كلامه، وأن لا يحظى بطائل من حاجته عنده.
فما ظنك برب العزة سبحانه وبمقام عبده الذليل بين يديه، ومن عسى أن يبلغ بجهد بيانه كنه الثناء عليه؟ وهذا رسوله، وصفيه صلى الله عليه وسلم قد أظهر العجز، والانقطاع دونه؛ فقال في مناجاته: «وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت، كما أثنيت على نفسك». فسبحان من جعل عجز العاجزين عن شكره، والثناء عليه شكرًا لهم، كما جعل معرفة العارفين بأنهم لا يدركون كنه صفته إيمانًا لهم، وقد أولع كثير من العامة بأدعية منكرة اخترعوها، وأسماء سموها، ما أنزل الله بها من سلطان وقد يوجد في أيديهم دستور من الأسماء، والأدعية يسمونه: «الألف الاسم». صنعها لهم بعض المتكلفين من أهل الجهل، والجرأة على الله، عز وجل، أكثرها زور، وافتراء على الله، عز وجل، فليجتنبها الداعي إلا ما وافق منها الصواب. إن شاء الله تعالى
ومما يسمع على ألسنة العامة، وكثير من القصاص، قولهم: يا سبحان يا برهان يا غفران يا سلطان، وما أشبه ذلك.
وهذه الكلمات، وإن كان يتوجه بعضها في العربية على إضمار النسبة بذي، فإنه مستهجن، مهجور، لأنه لا قدوة فيه، ويغلط كثير منهم في مثل قولهم: يا رب طه ويس، ويا رب القرآن العظيم.
وأول من أنكر ذلك ابن عباس رحمه الله فإنه سمع رجلاً، يقول عند الكعبة: «يا رب القرآن». فقال: «مه! إن القرآن لا رب له، إن كل مربوب مخلوق».
فأما أغاليط من جمح به اللسان، واعتسف أودية الكلام من الأعراب، وغيرهم، الذين لم يعنوا بمعرفة الترتيب، ولم يقومهم ثقاف التأديب، كقول بعضهم في استسقاء الغيث:
رب العباد ما لنا وما لكا
قد كنت تسقينا فما بدا لكا
أنزل علينا الغيث لا أبا لكا
وكقول القائل من قريش حين هدموا الكعبة في الجاهلية،
وأرادوا بناءه على أساس إبراهيم صلوات الله عليه فجاءت حية عظيمة، فحملت عليهم، فارتدعوا. فعند ذلك قال شيخ منهم كبير.
«اللهم لا ترع، ما أردنا إلا تشييد بيتك، وتشريفه» وكقول بعضهم وإن كان من المذكورين في الزهاد -: «نعم المرء ربنا، لو أطعناه لم يعصنا» فإنها في أخواتها، ونظائرها عجرفية في الكلام، وتهور فيه، والله سبحانه متعال عن هذه النعوت، وذكره منزه عن مثل هذه الأمور، وقد روينا عن عون بن عبد الله، أنه كان يقول:
«ليعظم أحدكم ربه، أن يذكر اسمه في كل شيء، حتى يقول: أخزى الله الكلب، وفعل الله به كذا». وكان بعض من أدركناه من مشايخنا قل ما يذكر اسم الله جل وعلا إلا فيما يتصل بطاعة، أو قربة، وكان يقول للرجل إذا جزاه خيرًا: جزيت خيرًا، وقل ما يقول: جزاك الله خيرًا، إعظامًا للاسم أن يمتهن في غير قربة، أو عبادة.
ومما يجب أن يراعى في الأدعية، الإعراب الذي هو عماد الكلام، وبه يستقيم المعنى، وبعدمه يختل، ويفسد، وربما انقلب المعنى باللحن حتى يصير كالكفر، إن اعتقده صاحبه. كدعاء من دعا، أو قراءة من قرأ: {إياك نعبد وإياك نستعين} بتخفيف الياء من إياك، فإن الأيا ضياء الشمس، فيصير كأنه يقول شمسك نعبد. وهذا كفر.
وأخبرني محمد بن بحر الرهني، قال: حدثني الشاه بن الحسن قال: قال: أبو عثمان المازني لبعض تلامذته: عليك بالنحو؛ فإن بني إسرائيل كفرت بحرف ثقيل خففوه، قال الله عز وجل لعيسى: {إني ولدتك} فقالوا: «إني ولدتك» فكفروا.
وأخبرني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل، قال: حدثنا ابن المرزبان عن الرياشي، قال: مر الأصمعي برجل يقول في دعائه: «يا ذو الجلال والإكرام» فقال ما اسمك؟ قال: ليث. فأنشأ يقول:
ينادي ربه باللحن ليث



لذاك إذا دعاه لا يجيب


[قال أبو سليمان]:
وإذ قد أتينا بما قد وجب تقديمه من شرائط صحة الدعاء، فلنعمد لتفسير ما جاء منه مأثورًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولنبدأ بتفسير أسماء الله جل وع التي هي تسعة وتسعون اسمًا. قال الله سبحانه: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180]. ثم قال: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} [الأعراف: 180]. فكان دلالة الآية أن [الغلط فيها والزيغ عنها إلحاد]. ونحن نسأل الله التوفيق لصواب القول فيها برحمته. [شأن الدعاء:3- 21]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:38 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة