العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:06 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (44) إلى الآية (45) ]

{إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)}

قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) }
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {واخشون ولا تشتروا} [44].
قرأ أبو عمرو بياء في الوصل، ووقف بغير ياء.
وقرأ الباقون بغير ياء وصلوا ووقفوا. فمن حذف تبع المصحف، واجتزأ بالكسرة عن الياء. ومن أثبته وصلاً فعلى الأصل، ومن حذف وقفًا اتباعًا للمصحف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/144]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله تعالى: واخشون ولا تشتروا [المائدة/ 44].
فقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة وابن عامر والكسائي، بغير ياء في وصل ولا وقف.
وقرأ أبو عمرو بياء في الوصل.
واختلف عن نافع فروى ابن جمّاز وإسماعيل بن جعفر بالياء في الوصل وروى المسيبي وقالون وورش بغير ياء في وصل ولا وقف.
[الحجة للقراء السبعة: 3/218]
قال أبو علي: القول في ذلك: أن الإثبات حسن والحذف حسن، وذلك أن الفواصل في أنّها أواخر الآي مثل القوافي في أنّها أواخر البيوت، فكما أنّ من القوافي ما لا يكون إلّا
محذوفا منه، ومخالفا لغيره، كذلك الفواصل. وكما أنّ من القوافي ما يكون فيه الحذف والإتمام جميعا، كذلك تكون الفواصل. فمما لا يكون من القوافي إلّا ما قد حذف منه هذه الياء وحذف منها غير هذه الياء قول الأعشى:
فهل ينفعنّي ارتيادي البلا... د من حذر الموت أن يأتين
ومن شانئ كاسف وجهه... إذا ما انتسبت له أنكرن
فهذا لا يكون إلّا محذوفا منه، ألا ترى أنّ هذا الضرب لا يخلو من أن يكون: فعولن، أو فعول، أو فعل، ولا يجوز تحريك الياء في شيء من ذلك، فعلى هذا يكون من الفواصل ما يكون ملزما الحذف، وأما ما يجوز فيه الحذف والإتمام فقوله:
وهم وردوا الجفار على تميم... وهم أصحاب يوم عكاظ إنّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/219]
فهذا فعولن قد حذفه، ويجوز أن يتمم فيقول: إني. وقد أجرى قوم القوافي مجرى غيرها من الكلام فقالوا:
أقلّي اللّوم عادل والعتاب.
واسأل بمصقلة البكريّ ما فعل.
فعلى هذا القياس يجوز أن تجرى الفواصل مثل غير الفواصل ولا تغيّر بحذف ولا غيره كما فعل ذلك بالقوافي.
وإنّما فعلوا ذلك بالقوافي لأن اقتضاء الوزن للمحذوف وتمامه به يجعلانه في حكم المثبت في اللفظ، فصار هذا يسوّغ الحذف فيه إذ قد حذف مما لا يقتضيه الوزن، فصار المحذوف منه في حكم المثبت، مع أنّ الوزن لا يقتضيه، وذلك نحو قوله:
ارهن بنيك عنهم أرهن بني فياء المتكلم التي تزاد في بني في حكم المثبت، يدلّ على ذلك حذف النون من الجميع، كما تحذف مع إثبات الياء
[الحجة للقراء السبعة: 3/220]
في بنيّ، وإن كان الوزن لا يقتضيه، ألا ترى: أنّ: أرهن بني: مستفعلن، وإنّما خصّ القوافي والفواصل بالحذف في أكثر الأمر، لأنّها مما يوقف عليها، والوقف موضع تغيير فجعل التغيير فيه الحذف، كما جعل التغيير فيه الإبدال وتخفيف التضعيف، ونحو ذلك مما يلحق الوقف من التغيير. وقال بعض من يضبط القراءة: لم يذكر أحمد بن موسى كيف يقف أبو عمرو قال: وهو يقف.
واخشون بغير ياء ويصل بياء). [الحجة للقراء السبعة: 3/221]

قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أنّ النّفس بالنّفس... (45).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (أنّ النّفس بالنّفس) بالنصب في هذه الأسماء كلها (والجروح قصاصٌ) بالرفع خاصة،
[معاني القراءات وعللها: 1/329]
وقرأ الكسائي (أنّ النّفس بالنّفس والعين بالعين) بالرفع في هذه الأسماء كلها، ونصبها كلها الباقون.
قال أبو منصور: أما ما قرأه الكسائي من رفع الأسماء كلها بعد (النفس) ونصبه فإنه جعل قوله (والعين بالعين) ابتداء، وعطف عليه ما بعدها من الأسماء، وجعل قوله (قصاصٌ) خبر الابتداء، وقد رويت هذه القراءة عن النبي صلى الله عليه فيما أخبرني المنذري عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أبان عن أنس أن رسول الله قرأ (والعين بالعين)، قال - الفراء: فإذا رفع (العين) تبعها ما بعدها.
ومن قرأ (أنّ النّفس بالنّفس) بالنصب وأتبعها الأسماء بعدها بالنصب حتى انتهى إلى قوله (والجروح قصاصٌ) فرفعها فالجروح ابتداء، و(قصاص) خبره، قال الفراء: الرفع والنصب في عطوف (أنّ) إنما يسهلان إذا كان مع الأسماء أفاعيل، مثل قوله (وإذا قيل إنّ وعد اللّه حقٌّ والسّاعة لا ريب فيها) فسهل لأن بعد الساعة خبرها، ومثله: (إنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين (128).
[معاني القراءات وعللها: 1/330]
وكذلك قوله (والجروح قصاصٌ) رفعت (الجروح) بالقصاص، ومن نصب الجميع أتبع بعضه بعضًا). [معاني القراءات وعللها: 1/331]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (والأذن بالأذن... (45)
قرأ نافع (والأذن بالأذن)، وكذلك قوله: (ويقولون هو أذنٌ) وقوله: (كأنّ في أذنيه وقرًا) بإسكان الذال في كل القرآن، وقرأ الباقون (الأذن) بضمتين في جميع القرآن.
قال أبو منصور: هما لغتان، وأفصحهما التثقيل). [معاني القراءات وعللها: 1/331]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} [45].
قرأ الكسائي وحده: {أن النفس بالنفس} ورفع ما بعد ذلك على الابتداء، ذهب الكسائي إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها كذلك فنصب {النفس} بـ «أن» واستأنف ما بعد ذلك على الابتداء.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بنصب ذلك، ورفعا {والجروح قصاص}، أي: كتب الله على بني إسرائيل في التوراة أن النفس بالنفس إلى: {السن بالسن} ثم بعد ذلك: الجروح قصاص.
وقرأ الباقون كل ذلك بالنصب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/146]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {والأذن بالأذن} [45].
قرأ نافع وحده {بالأذن} ساكنة.
وقرأ الباقون بضمتين، ففي ذلك ثلاثُ حجج:
إحداهن: أن يكون استثقل بضمتين فأسكن كما قال: {وأحيط بثمره}، والأصل: بثمره، وكما قال: {فرهن مقبوضة} والأصل: رهن. والعرب ..................... ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/146]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الرفع والنصب من قوله تعالى:
[الحجة للقراء السبعة: 3/222]
أن النفس بالنفس إلى قوله: والجروح قصاص [المائدة/ 45].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: أن النفس بالنفس والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن والسن بالسن [المائدة/ 45] ينصبون ذلك كله، ويرفعون: والجروح قصاص [المائدة/ 45].
كان نافع وعاصم وحمزة ينصبون ذلك كله. وروي عن الواقدي عن نافع: والجروح رفعا.
وقرأ الكسائي: أن النفس بالنفس نصبا، ورفع ما بعد ذلك كله.
[قال أبو علي]: حجّة من نصب العين بالعين وما بعده: أنّه عطف ذلك على أنّ، فجعل الواو للاشراك في نصب أنّ، ولم يقطع الكلام مما قبله، كما فعل ذلك من رفع.
فأما من رفع بعد النصب فقال: أن النفس بالنفس والعين بالعين فحجته أنه يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون الواو عاطفة جملة على جملة وليست للاشتراك في العامل كما كان كذلك في قول من نصب، ولكنها عطفت جملة على جملة، كما تعطف المفرد على المفرد.
[الحجة للقراء السبعة: 3/223]
والوجه الثاني أنّه حمل الكلام على المعنى، لأنّه إذا قال: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس [المائدة/ 45] فمعنى الحديث: قلنا لهم: النفس بالنفس، فحمل العين بالعين على هذا كما أنه لما كان المعنى في قوله: يطاف عليهم بكأس من معين [الصافات/ 45] يمنحون كأسا من معين، حمل حورا عينا على ذلك، كأنّه: يمنحون كأسا، ويمنحون حورا عينا، وكما أنّ معنى الحديث في قوله:
فلم يجدا إلّا مناخ مطيّة......
أنّ هناك مناخ مطية، حمل قوله:
وسمر ظماء
[الحجة للقراء السبعة: 3/224]
على معنى الحديث، كأنّه قال: ثمّ مناخ مطية وسمر ظماء وكذلك قوله:
ومشجّج أمّا سواء قذاله... فبدا وغيّر ساره المعزاء
لما كان المعنى في:
بادت وغيّر آيهنّ مع البلى * إلّا رواكد..
بها رواكد، حمل مشججا عليه، فكأنّه قال: هناك رواكد ومشجّج فعلى هذا يكون وجه الآية. ومثل هذا من الحمل على المعنى كثير في التنزيل وغيره.
والوجه الثالث: أن يكون عطف قوله والعين على. الذكر
[الحجة للقراء السبعة: 3/225]
المرفوع في الظرف الذي هو الخبر وإن لم يؤكد المعطوف عليه بالضمير المنفصل كما أكّد في نحو إنه يراكم هو وقبيله [الأعراف/ 27] ألا ترى أنه قد جاء: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا [الأنعام/ 148] فلم يؤكد بالمنفصل، كما أكّد في الآي الأخر. فإن قلت: فإن لا* في قوله: ولا آباؤنا عوضا من التأكيد، لأنّ الكلام قد طال بها، كما طال
في نحو: حضر القاضي اليوم امرأة؛ قيل: هذا إنّما يستقيم أن يكون عوضا إذا وقع قبل حرف العطف ليكون عوضا من الضمير المنفصل الذي كان يقع قبل حرف العطف، فأما إذا وقع بعد حرف العطف لم يسدّ ذلك المسدّ. ألا ترى أنّك لو قلت: حضر امرأة اليوم القاضي، لم يغن طول الكلام في غير هذا الموضع الذي كان ينبغي أن يقع فيه التعويض.
فأمّا قوله تعالى: والجروح قصاص فمن رفعه بقطعه عما قبله فإنه يحتمل هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرناها في قول من رفع: والعين بالعين.
ويجوز أن يستأنف: والجروح قصاص ليس على أنّه مما كتب عليهم في التوراة، ولكن على استئناف إيجاب وابتداء شريعة في ذلك، ويقوّي أنه من المكتوب عليهم في التوراة نصب من نصبه، فقال: والجروح قصاص.
[الحجة للقراء السبعة: 3/226]
قال: وكلّهم ثقّل الأذن إلّا نافعا فإنّه خففها في كل القرآن.
القول في ذلك أنّهما لغتان، كما أنّ السّحت والسّحت لغتان، وقد تقدّم القول في ذلك. قال أبو زيد: يقال: رجل أذن ويقن، وهما واحد، وهو الذي لا يسمع بشيء إلّا أيقن به، وقد ذكرنا ذلك في سورة التوبة أيضا). [الحجة للقراء السبعة: 3/227]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وكتبنا عليهم فيها أن النّفس بالنّفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسّن بالسّنّ والجروح قصاص}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسّن بالسّنّ} كلها بالنّصب {والجروح} رفعا
[حجة القراءات: 225]
وقرأ نافع وعاصم وحمزة جميع ذلك بالنّصب وقرأ الكسائي كلها بالرّفع
فمن قرأ {العين} أراد أن العين بالعين فأضمر أن وهذا مذهب الأخفش ومذهب سيبويهٍ نسق على قوله {أن النّفس بالنّفس}
وحجّة من رفع {والجروح} ذكرها اليزيدي عن أبي عمرو فقال رفع على الابتداء يعني والجروح من بعد ذلك قصاص
[حجة القراءات: 226]
وحجّة أخرى هي إنّما اختاروا الانقطاع عن الكلام الأول والاستئناف ب الجروح لأن خبر الجروح يتبيّن فيه الإعراب وخبر الاسم الأول مثل خبر الاسم الثّاني والثّالث والرّابع والخامس فأشبه الكلام بعضه بعضًا ثمّ استأنفوا الجروح فقالوا {والجروح قصاص} لأنّه لم يكن خبر الجروح يشبه أخبار ما تقدمه فعدل به إلى الاستئناف
وحجّة الكسائي في ذلك صحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه أنه قرأ {والعين بالعين والأنف بالأنف} كلها بالرّفع قال الزّجاج رفعه على وجهين على العطف على موضع {النّفس بالنّفس} والعامل فيها المعنى وكتبنا عليهم النّفس أي قلنا لهم النّفس ويجوز أن يكون {والعين بالعين} على الاستئناف وعند الفراء أن الرّفع أجود الوجهين وذلك لمجيء الاسم الثّاني بعد تمام خبر الأول وذلك مثل قولك إن عبد الله قائم وزيد قاعد وقد أجمعوا على الرّفع في قوله {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} فكان إلحاق ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه أولى
قرأ نافع {والأذن بالأذن} ساكنة الذّال في جميع القرآن كأنّه استثقل الضمتين في كلمة واحدة فأسكن وقرأ الباقون بالضّمّ على أصل الكلمة). [حجة القراءات: 227]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: «العين والأنف والأذن والسن والجروح» قرأ الكسائي برفع الخمسة، ونصبهن الباقون، غير أن الجروح نصبه نافع وعاصم وحمزة ورفعه الباقون وأسكن نافع الذال من {أذن} «التوبة 61» و{الأذن} «المائدة 45»، و{أذنيه} «لقمان 7» وضم الباقون.
11- وحجة من رفع أنه عطفه على موضع «النفس»؛ لأن «إن» دخلت على الابتداء، فلما تمت بخبرها، وهو «بالنفس» عطف «والعين» على موضع الجملة، وموضعها الابتداء والخبر، فهو عطف جملة على جملة، وعطف ما بعد العين عليها، ويجوز أن يكون عطف على معنى الكلام، لأن معنى الكلام وكتبنا عليهم فيها، قلنا لهم: النفس بالنفس، فعطف على المعنى على الابتداء والخبر، ويجوز أن يكون عطف «والعين» على المضمر المرفوع، الذي في النفس، وحسن ذلك، وإن لم يؤكده، كما قال تعالى: {ما أشركنا ولا آباؤنا} «الأنعام 145» ولا تكون «لا» عوضًا من التأكيد؛ لأنها بعد حرف العطف، ولو كانت قبل الحرف لحسن أن تكون عوضًا، وقد روى أنس بن مالك أن النبي عليه السلام قرأ بالرفع في «العين» وما بعد ذلك إلى «قصاص».
12- وحجة من نصب أنه عطفه على لفظ «النفس» فهو ظاهر التلاوة، وأعمل «أن» في النفس، وفيما عطف على «النفس» ولم يقطع بعض الكلام من بعض، وجعل «قصاصا» هو خبر «أن» إذا نصب الجروح، فإن رفعت الجروح، فعلى الابتداء، و«قصاص» خبره، وخبر «أن» في المجرور في قوله: «بالنفس وبالعين وبالأنف وبالأذن» كل مخفوض خبر لما قبله.
13- وحجة من رفع «الجروح» أنه عطف على ما قبله، إن كان يقرأ برفع ما قبله، وإن كان يقرأ بنصب ما قبله، فإنما رفعه على الابتداء، والقطع مما
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/409]
قبله، و«قصاص» خبره، فيكون إذا قطعته مما قبله ليس مما كتب عليهم في التوراة، إنما هو استئناف شريعة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أجمعوا على الرفع، على القطع، في قوله: {والله ولي المؤمنين} «آل عمران 68» وعلى قوله: {والله ولي المتقين} «الجاثية 19» فكذلك «الجروح» وقيل: إنما رفع لأنه عطفه على موضع «النفس» وقيل: عطفه على المضمر المرفوع الذي في «بالنفس» والاختيار الرفع، للعلل التي ذكرنا، ولأنه مروي عن النبي عليه السلام، لأن خبره مخالف لخبر ما قبله من الجمل، ولمخالفته إعراب ما بعده إعراب خبر ما قبله، فالرفع في «الجروح» قوي من جهة الإعراب، والنصب قوي من جهة المعنى، واتصال بعض الكلام ببعض، فهو أيضًا قوي مختار، وإذا عطفته على ما قبله، فنصبته فهو مما كتب عليهم في التوراة، وبالنصب في «العين» , ما بعد ذلك قرأ أبي بن كعب، فأما ضم الذال من «أذن» وإسكانها فلغتان، كالسحْت والسحُت، والاختيار في ذلك كله ما عليه الجماعة؛ لأنه محمول في النصب على اتصال بعض الكلام ببعض، غير منقطع بعضه من بعض، ومحمول على أنه كله مكتوب في التوراة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/410]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {أَنَّ النَفْسَ} [آية/ 45]:-
بالنصب، وما بعدها جميعًا بالرفع، قرأها الكسائي وحده.
والرفع في هذه الأسماء المعطوفة يحتمل أوجهًا ثلاثة:-
أحدها: أن تكون الواو عطفت جملة على جملةٍ، ولم تشرك في العامل،
[الموضح: 439]
كما في قول من نصب، فعلى هذا الوجه يكون ما بعد الواو على الابتداء، ولا يتعلق بالعامل الذي في الجملة الأولى.
ويجوز أن يكون الكلام محمولاً على المعنى؛ لأن قوله {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} معناه النفس بالنفس، فحمل المعطوف على هذا، كأنه قال: النفس بالنفس والعين بالعين؛ لأن {انَّ} لا تفيد معنى إلا الابتداء والحمل على المعنى كثير في التنزيل وغيره، فمن ذلك قوله {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} ثم قال {وَحُورًا عينًا} في قراءة من قرأ بالنصب؛ لأن المعنى: يمنحون كأسًا ويمنحون حورًا.
والوجه الثالث: أن يكون عطف قوله {والعينُ بالعينِ} على الذكر المرفوع في الظرف الذي هو الخبر، وإن لم يؤكد المعطوف عليه بالضمير المنفصل.
[الموضح: 440]
وأما قوله {والجروحُ قصاصٌ} فرفعه يحتمل الأوجه الثلاثة التي ذكرنا، ويحتمل أن يكون على استئناف الكتاب ليس على أنه مما كتب عليهم في التوراة.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بالنصب فيها كلها إلا {الجُرُوحُ} فإنه بالرفع.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة ويعقوب بالنصب فيهن أجمع.
ووجه النصب ظاهر من حيث إنها تكون معطوفة على اسم أن، والواو للإشراك في نصب ان، والكلام غير مقطوع مما قبله، والتقدير: أن النفس بالنفس وأن العين بالعين، وكذلك في الجميع). [الموضح: 441]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ} [آية/ 45]:-
بإسكان الذال، قرأها نافع وحده، وكذلك {أُذْنُ خَيْرٍ} و{أُذْنٌ واعِيَة} و{في أذْنَيْهِ}.
وقرأ الباقون {الأُذُن} بتحريك الذال في كل القرآن.
[الموضح: 441]
هما لغتان، الأُذُنُ والأُذْنُ، لغتان كالسُحُت والسُحْت، وقد تقدم مثله). [الموضح: 442]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:07 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (46) إلى الآية (47) ]

{وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)}

قوله تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46)}

قوله تعالى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل اللّه فيه... (47)
قرأ حمزة وحده (وليحكم أهل الإنجيل) بكسر اللام وفتح الميم، وقرأ الباقون (وليحكم) بجزم اللام والميم.
قال أبو منصور: أما قراءة حمزة (وليحكم) فإن الزجاج قال قرئت بكسر اللام وفتح الميم على معنى: ولأن يحكم.
قال: ويجوز كسر اللام مع الجزم في الميم، ولكنه لم يقرأ به، والأصل كان كسر اللام فخفف.
قال الأزهري اللام إذا اتصلت بالفاء والواو استثقل كسرها، وكثرت الحركات فسكنها، وهما لغتان جيدتان، ومن جزم الميم فلأن اللام لام الأمر، إلا أنه لم يقرأ به). [معاني القراءات وعللها: 1/332]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في إسكان اللام والميم، وكسر اللام وفتح الميم [في قوله تعالى]: وليحكم أهل الإنجيل [المائدة/ 47].
فقرأ حمزة وحده: وليحكم أهل الإنجيل بكسر اللام وفتح الميم.
وقرأ الباقون بإسكان اللام وجزم الميم.
[قال أبو علي]: حجة حمزة في قراءته: وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه [المائدة/ 47] أنه جعل اللام متعلقة بقوله: وآتيناه الإنجيل [المائدة/ 46] لأنّ إيتاءه الإنجيل
[الحجة للقراء السبعة: 3/227]
إنزال ذلك عليه، فصار بمنزلة قوله: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله [النساء/ 105] فكأنّ المعنى: آتيناه الإنجيل ليحكم، كما قال: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم فالحكمان جميعا حكمان لله تعالى، وإن كان أحدهما حكما بما أنزله الله، والآخر حكما بما أراه الله، فكلاهما حكم الله.
وأمّا حجة من قرأ: وليحكم أهل الإنجيل فهي نحو قوله: وأن احكم بينهم بما أنزل الله فكما أمر عليه السلام- بالحكم بما أنزل الله كذلك أمروا هم بالحكم بما أنزل الله في الإنجيل). [الحجة للقراء السبعة: 3/228]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه}
قرأ حمزة {وليحكم أهل الإنجيل} بكسر اللّام وفتح الميم جعل اللّام لام كي ونصب الفعل بها وكأنّه وجه معنى ذلك إلى
[حجة القراءات: 227]
{وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التّوراة} وكي يحكم أهله بما أنزل الله فيه
وقرأ الباقون {وليحكم} ساكنة اللّام والميم على الأمر فأسكنوا الميم للجزم وأسكنوا اللّام للتّخفيف
وحجتهم في ذلك أن الله عز وجل أمرهم بالعمل بما في الإنجيل كما أمر نبينا صلى الله عليه في الآية الّتي بعدها بما أنزل الله إليه في الكتاب بقوله {وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله} ). [حجة القراءات: 228]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (14- قوله: {وليحكم} قرأه حمزة بكسر اللام، وفتح الميم، وقرأ الباقون بإسكان اللام والميم، غير أن ورشا يلقي حركة همزة «أهل» على الميم فيفتحها.
وحجة من كسر اللام أنه جعلها لام كي، فنصب الفعل بها، على معنى: آتيناه الإنجيل لكي يحكم أهل الإنجيل، يعني عيسى؛ لأن إنزال الإنجيل كان بعد حدوث عيسى فلا يبتدأ به.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/410]
15- وحجة من أسكن اللام أنه جعلها لام الأمر، فهو إلزام مستأنف يبتدأ به، أمر الله أهل الإنجيل بالحكم بما أنزل في الإنجيل، كما أمر النبي عليه السلام بالحكم بما أنزل عليه، فقال: {وأن أحكم بينهم بما أنزل الله} «المائدة 49» وهو الاختيار، لأن الجماعة عليه، ولأن ما أتى بعده من الوعيد والتهديد، يدل على أنه أمر لازم، إلزام من الله لأهل الإنجيل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/411]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {وَلِيَحْكُمَ} [آية/ 47]:-
بكسر اللام وفتح الميم، قرأها حمزة وحده.
والوجه أن اللام، متعلقة بقوله تعالى {وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ}، والمعنى: وآتيناه الانجيل ليحكم أهل الأنجيل به، واللام هي التي بمعنى كي، وليست بلام الأمر، وذلك بمنزلة قوله تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ}.
وقرأ الباقون {وَلْيَحْكُمْ} بسكون اللام وجزم الميم.
والوجه أن اللام لام الأمر، وذلك أنهم أمروا بما أنزل الله في الأنجيل، وهو كقوله تعالى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله}). [الموضح: 442]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:09 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (48) إلى الآية (50) ]

{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)}

قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)}

قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)}

قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أفحكم الجاهليّة يبغون... (50)
قرأ ابن عامر وحده (تبغون) بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فهي المخاطبة، ومن قرأ بالياء فللغيبة). [معاني القراءات وعللها: 1/332]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلّهم قرأ أفحكم الجاهلية يبغون [المائدة/ 50] بالياء إلّا ابن عامر فإنّه قرأ: تبغون بالتاء.
[قال أبو علي]: من قرأ بالياء فلأنّ قبله غيبة لقوله: وإن كثيرا من الناس لفاسقون [المائدة/ 49].
والتاء على قوله: قل لهم: أفحكم الجاهلية تبغون والياء أكثر في القراءة، زعموا، وهي أوجه لمجرى الكلام على ظاهره،
[الحجة للقراء السبعة: 3/228]
واستقامته عليه من غير تقدير إضمار، ونحو هذا الإضمار لا ينكر لكثرته وإن كان الأوّل أظهر). [الحجة للقراء السبعة: 3/229]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى وإبراهيم والسلمي: [أَفَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ] بالياء ورفع الميم.
[المحتسب: 1/210]
قال ابن مجاهد: وهو خطأ.
قال: وقال الأعرج: لا أعرف في العربية [أفحكمُ]، وقرأ: {أفحكمَ} نصبًا.
وقرأ الأعمش: [أفَحكَمَ الجاهلية] بفتح الحاء والكاف والميم.
قال أبو الفتح: قول ابن مجاهد إنه خطأ فيه سرف؛ لكنه وجه غيره أقوى منه، وهو جائز في الشعر، قال أبو النجم:
قد أصبحَتْ أَمُّ الخيار تدَّعي ... عليَّ ذنبًا كلُّه لم أصنع
أي: لم أصنعه، فحذف الهاء. نعم، ولو نصب فقال: "كلَّه" لم ينكسر الوزن، فهذا يؤنسك بأنه ليس للضرروة مطلقة؛ بل لأن له وجهًا من القياس، وهو تشبيه عائد الخبر بعائد الحال أو الصفة، وهو إلى الحال أقرب؛ لأنها ضرب من الخبر، فالصفة كقولهم: الناس رجلان: رجل أكرمت ورجل أهنت؛ أي: أكرمته وأهنته، والحال كقولهم: مررت بهند يضرب زيد؛ أي: يضربها زيد، فحذف عائد الحال وهو في الصفة أمثل؛ لشبه الصفة بالصلة في نحو قولهم: أكرمت الذي أهنت؛ أي: أهنته، ومررت بالتي لقيتُ؛ أي: لقيتها، فغير بعيد أن يكون قوله: [أَفَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ] يراد به يبغونه، ثم يُحْذَف الضمير، وهذا وإن كانت فيه صنعة فإن ليس بخطأ.
وفيه من بَعْدِ هذا شيئان نذكرهما:
الأول: وهو أن قوله: "كله لم أصنع" وإن كان قد حذف منه الضمير، فإنه قد خلفه وأُعيض منه ما يقوم مقامه في اللفظ؛ لأنه يعاقبه ولا يجتمع معه، وهو حرف الإطلاق؛ أعني: الياء في "أصنعي"، فلما حضر ما يعاقب الهاء فلا يجتمع معها صارت لذلك كأنها حاضرة غير محذوفة، فهذا وجه.
والثاني: أن هناك همزة استفهام، فهو أشد لتسليط الفعل، ألا ترى أنك تقول: زيد ضربته فيختار الرفع، فإذا جاء همزة الاستفهام اخترت النصب ألبتة، فقلت: أزيدًا ضربته، فنصبته بفعل مضمر يكون هذا الظاهر تفسيرًا له.
فإذا قلت: [أفحكمَ الجاهلية تبغون] ولم تُعد ضميرًا ولا عوضت منه ما يعاقبه، وحرف الاستفهام
[المحتسب: 1/211]
الذي يختار معه النصب والضمير ملفوظ به موجود معك، فتكاد الحال تختلف على فساد الرفع، وبإزاء هذا أنه لو نصب فقال: "كلَّه لم أصنع" لما كَسَر وزنًا، فهذا يؤنسك بالرفع في القراءة.
وإن شئت لم تجعل قوله [يبغون] خبرًا؛ بل تجعله صفة خبر موصوف محذوف، فكأنه قال: أفحكمُ الجاهلية حكمٌ يبغونه، ثم حذف الموصوف الذي هو حكم، وأقام الجملة التي هي صفته مقامه؛ أعني: يبغون، كما قال الله سبحانه: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} أي: قوم يحرفون، فحُذف الموصوف وأُقيمت الصفة مقامه، وعليه قوله:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما ... أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
أي: فمنهما تارة أموت فيها، فحذف تارة وأقام الجملة التي هي صفتها نائبة عنها فصار أموت فيها، ثم حذف حرف الجر فصار التقدير أموتها، ثم حذف الضمير فصار أموت. ومثله في الحذف من هذا الضرب؛ بل هو أطول منه:
تروَّحي يا خيرَةَ الفَسيلِ ... تروَّحي أجدرَ أن تقيلي
أصله: ائتي مكانًا أجدر بأن تقيلي فيه، فحذف الفعل الذي هو "ائتي" لدلالة تروحي عليه، فصار مكانًا أجدر بأن تقيلي فيه، ثم حذف الموصوف الذي هو مكانًا فصار تقديره أجدر بأن تقيلي فيه، ثم حذف الباء أيضًا تخفيفًا فصار أجدر أن تقيلي فيه، ثم حذف حرف الجر فصار أجدر أن تقيليه، ثم حذف العائد المنصوب فصار أجدر أن تقيلي. ففيه إذن خمسة أعمال؛ وهي: حذف الفعل الناصب، ثم حذف الموصوف، ثم حذف الباء، ثم حذف "في"، ثم حذف الهاء، فتلك خمسة أعمال.
وهناك وجه سادس؛ وهو أن أصله: ائتي مكانًا أجدر بأن تقيلي فيه من غيره، كما تقول: مررت برجل أحسن من فلان، وأنت أكرمُ عليَّ من غيرك. فإذا جاز في الكلام توالي هذه الحذوف ولم يكن معيبًا ولا مَشِينًا ولا مُستكرَهًا كان حذف الهاء من قوله تعالى: [أَفَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ]، والمراد به حكمٌ يبغونه، ثم حذف الموصوف وعائده أسوغ وأسهل وأسير. وأما قوله:
[المحتسب: 1/212]
[أَفَحَكَمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ] فيمن قرأه كذلك، فأمره ظاهر في إعرابه، غير أن [حَكَمًا] هنا ليس مقصودًا به قصد حاكم بعينه؛ وإنما هو بمعنى الشِّياع والجنس؛ أي: أفحكامَ الجاهلية يبغون؟ وجاز للمضاف أن يقع جنسًا كما جاء عنهم في الحديث من قولهم: منعت العراق قَفِيزها ودرهمها، ومنعت مصر إردبها، وله نظائر.
ثم يرجع المعنى من بعد إلى أن معناه معنى: [أَفَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ]؛ لأنه ليس المراد والْمَبْغيّ هنا نفس الحكام، فإنما المبغي نفس الحُكْم، فهو إذن على حذف المضاف؛ أي: أفحُكمَ حَكَمِ الجاهلية يبغون؟ وهذا هو الأول في المعنى، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/213]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أفحكم الجاهليّة يبغون}
قرأ ابن عامر (أفحكم الجاهليّة تبغون) بالتّاء أي قل لهم يا محمّد (أفحكم الجاهليّة تبغون) يا كفرة
وقرأ الباقون بالياء أي أيطلب هؤلاء اليهود حكم عبدة الأوثان وحجتهم ما تقدم وهو قوله قبلها {فإن تولّوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم} ). [حجة القراءات: 228]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {يبغون} قرأه ابن عامر بالتاء، على الخطاب، على معنى: قل لهم يا محمد أفحكم الجاهلية تبغون، وقرأ الباقون بالياء، ردوه على قوله: {وإن كثيرًا من الناس لفاسقون} «49» وعلى قوله: {إنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم} «49» وهو الاختيار، لارتباط بعض الكلام ببعض، ولمطابقة آخره مع أوله، ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/411]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [آية/ 50]:-
بالتاء فوقه نقطتان، قرأها ابن عامر وحده.
والمعنى: قل لهم أفحكم الجاهلية تبغون. وقرأ الباقون {يَبْغُونَ} بالياء.
[الموضح: 442]
ووجهه: أن الكلام على الغيبة؛ لأن ما قبله إخبار عن الغيب، وهو قوله {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}، وهذه القراءة أكثر وأوجه لجري الكلام على ظاهره من غير إضمار). [الموضح: 443]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:10 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (51) إلى الآية (53) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ (53)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)}

قوله تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى وإبراهيم: [فَيرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ] بالياء.
قال أبو الفتح: فاعل يرى مضمر دلت عليه الحال؛ أي: فيرى رائيهم ومتأمِّلُهم، والذين في موضع نصب كقراءة الجماعة، وقد كثر إضمار الفاعل لدلالة الكلام عليه، كقولهم: إذا كان غدًا فائتني؛ أي: إذا كان ما نحن عليه من البلاء في غد فائتني، وهو كثير، ودل عليه أيضًا القراءة العامة؛ أي: فترى أنت يا محمد -أو يا حاضر- الحال الذين في قلوبهم مرض يسارعون في ولاء المشركين ونصرهم). [المحتسب: 1/213]

قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ (53)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويقول الّذين آمنوا أهؤلاء الّذين أقسموا... (53).
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: (يقول الّذين آمنوا) بغير واو في أوله وبرفع اللام، وقرأ أبو عمرو: (ويقول) نصبًا.
وقرأ الكوفيون: (ويقول الّذين آمنوا) رفعًا، وروى علي بن نصر عن أبى عمرو الرفع والنصب جميعًا.
قال أبو منصور: أما حذف الواو وإثباتها فعلى ما كتب في المصاحف القديمة، وثبوت الواو، وسقوطها لا يغير المعنى، ومن نصب (ويقول) عطفه على قوله (فعسى اللّه أن يأتي بالفتح.. وأن يقول.
ومن رفع (ويقول) فهو استئناف، وكل ذلك جائز). [معاني القراءات وعللها: 1/333]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في إدخال الواو وإخراجها والرفع والنصب في قوله [جل وعز]: ويقول الذين آمنوا [المائدة/ 53].
فقرأ أبو عمرو وحده: ويقول الذين آمنوا* نصبا. وروى علي بن نصر عن أبي عمرو أنّه قرأ بالنصب والرفع: ويقول الذين آمنوا* نصبا ويقول الذين آمنوا رفعا.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: ويقول الذين آمنوا رفعا.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: يقول الذين آمنوا* بغير واو في أولها ورفع اللام، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة ومكة واللام من يقول مضمومة.
[قال أبو علي]: إن قلت: كيف قرأ أبو عمرو: ويقول الذين آمنوا* ولا يجوز عسى الله أن يقول الذين آمنوا. فالقول في ذلك أنّه يحتمل أمرين غير ما ذكرت، أحدهما: أن يحمله على المعنى لأنّه إذا قال: فعسى الله أن يأتي بالفتح [المائدة/ 52] فكأنّه قد قال: عسى أن يأتي الله بالفتح، ويقول الذين آمنوا. كما أنّه إذا قال: فأصدق وأكن [المنافقون/ 10] فكأنّه قد قال: أصّدق
[الحجة للقراء السبعة: 3/229]
وأكن، ألا ترى أنّه يستقيم أن يقع في موضع قوله: لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق: هلّا أخّرتني إلى أجل قريب أصّدّق، لأنّ هلّا للتحضيض، فكأنّه قال: أخّرتني إلى أجل قريب أصّدّق، كما تقول: أعطني أكرمك، فلما وقع قوله: فأصدق موضع قوله:
أصّدّق حمل أكن على الجزم الذي كان يجوز في الفعل لو وقع موقع الفاء والفعل الذي بعده، كما أنّ قوله:
أنّى سلكت فإنّني لك كاشح... وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد
حمل أزدد فيه على الجزم الذي كان يكون في موضع الفعل الذي هو جزاء، فكذلك حمل: ويقول الذين آمنوا على ما كان يجوز وقوعه بعد عسى من أن، ألا ترى أنّ جواز كلّ واحد منهما ومساغه كجواز الآخر وقد جاء التنزيل بهما [قال عزّ وجل]:
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم [البقرة/ 216] وعسى الله أن يكف بأس الذين كفروا [النساء/ 84] فلمّا كان مجازهما واحدا، صرت إذا ذكرت أحدهما فكأنّك ذكرت الآخر، فجاز الحمل عليه.
ووجه آخر وهو أنّه إذا قال: فعسى الله أن يأتي بالفتح [المائدة/ 52] جاز أن يبدل أن يأتي من اسم الله كما أبدلت
[الحجة للقراء السبعة: 3/230]
أن من الضمير في قوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] وإذا أبدلت منه حملت النصب في: ويقول* على ذلك، كأنّك قلت: عسى أن يأتي الله بالفتح، ويقول الذين آمنوا.
فأمّا من رفع، فحجّته أن يجعل الواو لعطف جملة على جملة، ولا يجعلها عاطفة على مفرد، ويدلّ على قوة الرفع قول من حذف الواو فقال: يقول الذين آمنوا*.
وأما إسقاط الواو وإثباتها من قوله: ويقول الذين آمنوا فالقول فيه إنّ حذفها في المساغ والحسن كإثباتها. فأمّا الحذف فلأنّ في الجملة المعطوفة ذكرا من المعطوف عليها، وذلك أن من وصف بقوله: يسارعون فيهم يقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة إلى قوله: نادمين [المائدة/ 52] هم الذين قال فيهم الذين آمنوا: أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم [المائدة/ 53] فلمّا صار في كلّ واحدة من الجملتين ذكر من الأخرى حسن عطفها بالواو وبغير الواو، كما أن قوله:
سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقولون خمسة سادسهم كلبهم [الكهف/ 22] لمّا كان في كل واحدة من الجملتين ذكر مما تقدّم، اكتفي بذلك عن الواو، لأنّها بالذكر وملابسة بعضها ببعض به ترتبط إحداهما بالأخرى كما ترتبط بحرف العطف، وعلى هذا قوله: والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [البقرة/ 39]
[الحجة للقراء السبعة: 3/231]
ولو أدخلت الواو فقيل: وهم فيها خالدون، كان حسنا، ويدلّك على حسن دخول الواو قوله:
ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم فحذف الواو من قوله: ويقول الذين آمنوا كحذفها في هذه الآي، وإلحاقها كإلحاقها في قوله: ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم [الكهف/ 22] فقد تبين لك بمجيء التنزيل بالأمرين أنّ هذا الموضع أيضا مثل ما جاء التنزيل به في غير هذا الموضع). [الحجة للقراء السبعة: 3/232]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويقول الّذين آمنوا أهؤلاء الّذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم}
قرأ ابو عمرو {ويقول الّذين آمنوا} بالنّصب رد على قوله {فعسى الله أن يأتي بالفتح} و{أن يقول الّذين آمنوا} وقرأ أهل الحجاز والشّام (يقول) بغير الواو وكذلك هي في مصاحفهم وحجتهم ما روي عن مجاهد في تفسيره {فعسى الله أن يأتي بالفتح} فتح مكّة {أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين} (يقول الّذين آمنوا) أي حينئذٍ (يقول الّذين آمنوا أهؤلاء الّذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم) أي ليس كما قالوا
وقرأ أهل الكوفة {ويقول} بالواو والرّفع على الانقطاع من الكلام المتقدّم فابتدأ الخبر عن قول الّذين آمنوا وقد يجوز أن تكون
[حجة القراءات: 229]
مردودة على قوله {فترى الّذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم} ويقول الّذين آمنوا أي وترى الّذين آمنوا يقولون {أهؤلاء الّذين أقسموا باللّه} ). [حجة القراءات: 230]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (17- قوله: {ويقول الذين آمنوا} قرأ الحرميان وابن عامر بغير واو، وقرأ الباقون بالواو، وكلهم رفع «يقول» إلا أبا عمرو فإنه نصبه.
وحجة من أثبت أنه جعله عطفًا على ما قبله، عطف جملة على جملة، وتبع في ذلك أنها ثابتة في مصاحف الكوفة والبصرة.
18- وحجة من حذف الواو أنه استغنى عن حرف العطف، لأن في الجملة الثانية ضميرًا يعود على الاول، فذلك الضمير يغني عن حرف العطف، كما قال: {ثلاثة رابعهم} وقال: {خمسة سادسهم} «الكهف 22» وإثبات حرف العطف حسن، كما قال: {سبعة وثامنهم}، وأيضًا فإنه بغير واو في مصاحف أهل المدينة ومكة والشام، والقراءتان حسنتان، وإثبات الواو أحب
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/411]
إلي؛ لارتباط بعض الكلام ببعض؛ ولأنه أزيد في الحسنات.
19- وحجة من نصب الفعل أنه عطفه على «أن يأتي» على تقدير تقدم «أن» إلى جنب «عسى» إذ لا يحسن «على الله أن يأتي، وعسى الله أن يقول الذين» كما لا يحسن: عسى زيد أن يقوم عمرو، فإذا قدّرت التقديم في «أن يأتي» إلى جنب «عسى» حسن لأنه يصير التقدير: عسى الله أن يأتي الله، وعسى أن يقول الذين، ويجوز أن يجعل «أن يأتي» بدلًا من اسم الله جل ذكره، فيصير التقدير: عسى الله أن يأتي الله بالفتح ويقول الذين.
20- وحجة من رفع الفعل أنه جعل الواو عطفت جملة على جملة، لم تعطف مفردًا على مفرد، ويقوي الرفع قراءة من قرأ بغير واو فلا يجوز مع حذف الواو إلا الرفع على الاستئناف، والاستغناء بالضمير الذي في الجملة الثانية، عن حرف العطف، والاختيار الرفع، إذ عليه الجماعة، ولظهور وجهه، ولترك التكلف فيه، كما احتيج إلى التكلف في النصب، من تقديم لفظ مؤخر، وإثبات الواو وحذفها واحد، وحذفها أحب إلي؛ لأن في حذفها دليلًا على قوة الرفع الي اخترنا، وفيه ترك النصب، الذي فيه ترك التقديم والتأخير). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/412]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا} [آية/ 53]:-
بغير واو في أوله، قرأها ابن كثير ونافع وابن عامر؛ لأن في هذه الجملة ذكرًا من الجملة المتقدمة، فجاز عطفها عليها بالواو وبغير الواو، وذلك أن الذين وصفوا بقوله تعالى {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} هم الذين قال فيهم {الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِالله} فلما كان في كل واحدةٍ من الجملتين ذكر من الأخرى جاز حذف الواو لاتصال إحداهما بالأخرى، كما جاز في قوله {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ} فعطف بغير الواو، ثم قال: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} فعطف بالواو.
وقرأ الباقون {وَيَقُولُ} بإثبات الواو في أوله، وهو الأظهر؛ لأنه عطف جملةٍ على جملةٍ، فالأصل فيه أن يكون بالواو.
[الموضح: 443]
وأما نصب {يُقُولَ}:-
فقد قرأه أبو عمرو ويعقوب.
ووجهه أن الكلام محمول على المعنى؛ لأنه إذا قال {فَعَسَى الله أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} فكأنه قال: عسى أن يأتي الله بالفتح، ويقول الذين آمنوا، فعطف على المعنى، كما أنه إذا قال {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ} كان محمولاً على المعنى، كأنه قال: أصدق وأكن، بالجزم فيهما، وقد قال الله تعالى {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا} {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا}.
ووجه ثانٍ: هو أنه إذا قال {فَعَسَى الله أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} جاز أن يبدل {أَنْ يَأْتِيَ} من اسم الله، كما فعلت في قوله تعالى {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} فأبدلت {أَنْ أَذْكُرَهُ} بدلاً من الضمير في {آنْسانِيهُ}، فإذا أبدلت {أَنْ يَأْتِيَ} من اسم الله، حملت قوله {وَيَقُولَ} بالنصب عليه، فكأنك قلت: فعسى أن يأتي الله بالفتح وأن يقول.
ووجه ثالث: إن قوله {يَقُولَ} بالنصب عطف على الفتح، والفتح مصدر، وأن يقول في معنى المصدر، فكأنه قال: عسى الله أن يأتي بالفتح وبأن يقول الذين آمنوا، والمعنى بالفتح وبقول الذين آمنوا، فعطف مصدرًا على مصدرٍ.
وإنما لم يعطف {يَقُولَ} على {يأتيَ} كما يتوهمه بعض الناس؛ لأنه لا يستقيم: عسى الله أن يقول الذين آمنوا.
[الموضح: 444]
وقرأ الباقون {يَقُولُ} بالرفع.
ووجهه: أن تجعل الواو لعطف جملة على جملةٍ، ولا تجعلها عاطفة على مفردٍ، ويؤيد وجه الرفع قراءة من قرأ بحذف الواو من {يَقُولُ} ). [الموضح: 445]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:11 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (54) إلى الآية (56) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من يرتدّ منكم عن دينه... (54)
قرأ نافع وابن عامر ((من يرتدد) بدالين، وقرأ الباقون (من يرتدّ)
[معاني القراءات وعللها: 1/333]
بتشديد الدال وفتحها.
قال أبو منصور: من أظهر الدالين فلسكون الدال الثانية في موضع الجزم، ومن قرأ (يرتدّ) بالنصب فلان المضاعف إذا أدغم في موضع الجزم أعطي أخف الحركات وهو النصب، كقولك: حل واحلل، وعض واعضض). [معاني القراءات وعللها: 1/334]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في إظهار الدال وإدغامها من قوله جلّ وعز: من يرتد منكم عن دينه [المائدة/ 54].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي بإدغام الدال الأولى في الآخرة.
وقرأ نافع وابن عامر: من يرتدد منكم عن دينه بإظهار الدالين وجزم الآخرة.
حجة من أظهرهما ولم يدغم: أن الحرف المدغم لا يكون إلّا ساكنا، ولا يمكن الإدغام في الحرف الذي يدغم حتى يسكن، لأنّ اللسان يرتفع عن المدغم فيه ارتفاعة واحدة، فإذا لم يسكن لم يرتفع اللسان ارتفاعة واحدة، فإذا لم يرتفع كذلك لم يمكن الإدغام فإذا كان كذلك لم يسغ الإدغام في الساكن، لأنّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/232]
المدغم إذا كان ساكنا، والمدغم فيه كذلك، التقى ساكنان، والتقاء الساكنين في الوصل في هذا النحو ليس من كلامهم، فأظهر الحرف الأوّل وحرّكه، وأسكن الحرف الثاني من المثلين، وهذه لغة أهل الحجاز فلم يلتق الساكنان.
وحجة من أدغم أنّه لما أسكن الحرف الأول من المثلين ليدغمه في الثاني وكان الثاني ساكنا، وقد أسكن الأوّل للإدغام حرّك المدغم فيه لالتقاء الساكنين على اختلاف في التحريك، وهذه لغة بني تميم. وإنّما حرّك بنو تميم ذلك لتشبيههم إياه بالمعرب، وذلك أنّ المعرب قد اتفقوا على إدغامه، فلما وجدوا ما ليس بمعرب مشابها للمعرب في تعاور الحركات عليه كتعاورها على المعرب، جعلوه بمنزلة المعرب فأدغموا كما أدغموا المعرب، وهذا من فعلهم يدل على صحّة ما ذهب إليه سيبويه من تشبيه حركة الإعراب بحركة البناء في التخفيف نحو:
.. أشرب غير مستحقب ألا ترى أنّهم شبهوا حركة البناء بحركة الإعراب في إدغامهم في الساكن المحرّك بغير حركة الإعراب، فكما شبهوا حركة البناء
بحركة الإعراب، كذلك شبهوا حركة الإعراب بحركة البناء في نحو:
أشرب غير مستحقب
[الحجة للقراء السبعة: 3/233]
وليس ذلك بأبعد من تشبيههم أفكل بأذهب، وقد جاء التنزيل بالأمرين جميعا قال [جلّ وعزّ]: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى [النساء/ 115] وقال: ومن يشاقق الله ورسوله [الأنفال/ 13] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/234]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({من يرتد منكم عن دينه}
قرأ نافع وابن عامر (من يرتدد منكم) بدالين وحجتهما إجماع الجميع في سورة البقرة {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت} بدالين وقرأ الباقون {من يرتد} بدال مشدّدة
اعلم أن الإظهار لغة أهل الحجاز وهو الأصل لأن التّضعيف إذا سكن الثّاني من المضاعفين ظهر التّضعيف نحو قوله {إن يمسسكم قرح} ولو قرئت (إن يمسكم قرح) كان صوابا والإدغام لغة غيرهم والأصل كما قلنا {يرتدد} فأدغمت الدّال الأولى بالثّانية وحركت الثّانية بالفتح لالتقاء الساكنين). [حجة القراءات: 230]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (21- قوله: {من يرتد} قرأ نافع وابن عامر بدالين، الثانية ساكنة، وقرأ الباقون بدال واحدة مفتوحة مشددة.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/412]
وحجة من أظهر دالين أن الإدغام، إنما أصله إذا كان الأول ساكنًا فيدغم الأول في الثاني، فلما كان الثاني في هذا هو الساكن أوثر الإدغام، لئلا يدغم، فيسكن الأول للإدغام، فيجتمع ساكنان، فكان الإظهار أولى به، وهي لغة أهل الحجاز، مع أن الإدغام يحتاج إلى تغيير بعد تغيير، فكان الإظهار أولى، وهو الأصل، وكذلك هي بدالين في مصاحف أهل المدينة والشام.
22- وحجة من أدغم أنه أراد التخفيف لما اجتمع له مثلان فأسكن الأول للإدغام، فاجتمع له ساكنان، فحرك الثاني، ثم أدغم الأول فيه، وهي لغة بني تميم، وهي بدال واحدة في مصاحف أهل الكوفة والبصرة ومكة، والإظهار أحب إليّ لأنه الأصل ولأنه لا تغيير فيه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/413]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ} [آية/ 54]:-
بدالين، قرأها نافع و(ابن عامر).
والوجه أن الإدغام لا يكون إلا بإسكان الحرف الأول من المثلين، وإذا أسكن الأول فينبغي أن يكون الثالث متحركًا حتى يحصل الإدغام، فأما إذا أسكن الأول، والحرف الثاني ساكن أيضًا، للجزم، لم يمكن الإدغام، بل يلتقي ساكنان، وهو غير جائزٍ، فلذلك أظهر الحرف الأول في هذه القراءة، وحرك، وأسكن الحرف الثاني من المثلين، فلم يلتق ساكنان، وهو لغة أهل الحجاز.
وقرأ الباقون {يَرْتَدَّ} بدالٍ واحدةٍ مشددةٍ.
ووجهه: أن الحرف الأول من المثلين لما أسكن للإدغام، وكان الثاني ساكنًا للجزم، حرك الثاني لالتقاء الساكنين، فحصل الإدغام، واختير له الفتحة للخفة وهذه لغة بني تميم). [الموضح: 445]

قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)}

قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:12 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (57) إلى الآية (58) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ (58)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا تتّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء (57)
قرأ أبو عمرو ويعقوب والكسائي (والكفّار أولياء) خفضًا، وقرأ الباقون بالنصب، وروى حسين عن أبي عمرو (والكفار) نصبًا.
قال أبو منصور: من قرأ (والكفّار) خفضًا عطفه على قوله (من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) ومن الكفار، ومن قرأ (والكفّار) عطفه على قوله: (لا تتخذوا الذين) ولا تتخذوا الكفار). [معاني القراءات وعللها: 1/334]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في نصب الراء وخفضها من قوله تعالى: والكفار أولياء [المائدة/ 57].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وحمزة: والكفار نصبا.
وقرأ أبو عمرو والكسائي: والكفار* خفضا، وروى حسين الجعفي عن أبي عمرو والكفار بالنصب.
حجة من قرأ بالجر فقال: والكفار* أنه حمل الكلام على أقرب العاملين وقد تقدّم أن لغة التنزيل الحمل على أقرب العاملين، فحمل على عامل الجرّ من حيث كان أقرب إلى المجرور من عامل النصب، وحسن الحمل على الجر، لأنّ فرق الكفار الثلاث: المشرك، والمنافق، والكتابي الذي لم يسلم، قد كان
منهم الهزء فساغ لذلك أن يكون الكفار... مجرورا وتفسيرا
[الحجة للقراء السبعة: 3/234]
للموصول، وموضحا له، فالدليل على استهزاء المشركين قوله: إنا كفيناك المستهزئين. الذين يجعلون مع الله إلها آخر [الحجر/ 95 - 96] والدليل على استهزاء المنافقين قوله: وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن [البقرة/ 14]. وأمّا الكتابي الذي لم يسلم فيدا، على وقوع ذلك منه قوله: لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب [المائدة/ 57] وكلّ من ذكرنا من المشركين والمنافقين ومن لم يسلم من أهل الكتاب يقع عليه اسم كافر ويدل على ذلك قوله: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين [البيّنة/ 1] وقال: ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب [الحشر/ 11] وقال: إن الذين آمنوا ثم كفروا [النساء/ 137]، فإذا وقع على المستهزئين اسم كافر حسن أن يكون قوله: والكفار* تفسيرا للاسم الموصول، كما كان قوله: من الذين أوتوا الكتاب تفسيرا له، ولو فسّر الموصول بالكفار لعمّ الجميع. ولكنّ الكفار كأنه أغلب على المشركين وأهل الكتاب، على من إذا عاهد دخل في ذمّة المسلمين وقبلت منه الجزية، على دينه أغلب فلذلك فصّل ذكرهما، ويدل على تقدم قوله: والكفار* قوله: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم [البقرة/ 105] فكما
[الحجة للقراء السبعة: 3/235]
أنّ الاتفاق فيما علمنا على الجرّ في قوله: ولا المشركين ولم يحمل على العامل الرافع، كذلك ينبغي أن يتقدم الجرّ في قوله: والكفار أولياء.
وحجّة من نصب فقال: والكفار أولياء أنه عطف على العامل الناصب، فكأنّه قال: لا تتخذوا الكفار أولياء، وحجتهم في ذلك قوله: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين [آل عمران/ 28] فكما وقع النهي عن اتّخاذ الكفار أولياء في هذه الآية، كذلك يكون في الأخرى معطوفا على الاتخاذ). [الحجة للقراء السبعة: 3/236]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لا تتّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزوا ولعبًا من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء}
قرأ أبو عمرو والكسائيّ {من قبلكم والكفّار} بالخفض على النسق على {الّذين أوتوا الكتاب} المعنى من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفّار وقرأ الباقون بالنّصب على النسق على قوله
[حجة القراءات: 230]
{لا تتّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزوا ولعبًا} ولا تتّخذوا الكفّار أولياء). [حجة القراءات: 231]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (23- قوله: {والكفار أولياء} قرأه أبو عمرو والكسائي بالخفض، ونصبه الباقون.
وحجة من خفضه أنه عطفه على أقرب العاملين منه، وهو قوله: {من الذين أوتوا} فنهاهم الله أن يتخذوا اليهود والمشركين أولياء، وأعلمهم أن الفريقين اتخذوا دين المؤمنين هزوا ولعبا، ولما كانت فرق الكفار ثلاثًا: مشرك ومنافق وكتابي، وكل هذه الفرق قد اتخذت دين المؤمنين هزوا بدلالة قوله: {من الذين أوتوا الكتاب} و{الكفار} بدلالة قوله في المنافقين أنهم قالوا: {إنما نحن مستهزئون} وبدلالة قوله: {إنا كفيناك المستهزئين. الذين يجعلون مع الله إلهًا آخر} الحجر «95، 96» فقد أخبر عن الكفار بالاستهزاء، فحسن دخولهم في هذه الآية، في الاستهزاء أيضًا مع الذين أوتوا الكتاب، وهم اليهود، فجعل النوعين تفسيرًا للموصول، وهو قوله: {لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا} ثم فسرهم بنوعين: يهود ومشركين، فوجب الخفض على العطف على قوله: {من الذين} لظهور المعنى وقوته، ولقرب المعطوف عليه من المعطوف.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/413]
24- وحجة من نصب أنه عطفه على «الذين» الأول، في قوله: {لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا}، {والكفار أولياء}، أي: لا تتخذوا هؤلاء وهؤلاء أولياء، فالموصوف بالهزء واللعب، في هذه القراءة، هم اليهود لا غير، والمنهي عن اتخاذهم أولياء هم اليهود والمشركون، وكلاهما في القراءة بالخفض، موصوف بالهزوء واللعب منهي عن اتخاذهم أولياء، ولولا اتفاق الجماعة على النصب لاخترت الخفض، لقوته في الإعراب وفي المعنى والتفسير، والقرب من المعطوف عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/414]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ} [آية/ 57]:-
بالخفض، قرأها أبو عمرو والكسائي ويعقوب.
والوجه فيه أن الحمل على عامل الجر أولى، وهو قوله {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} من حيث كان أقرب إلى المعطوف، وحمل الكلام على أقرب العاملين لغة التنويل، كما قال تعالى {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ} ولم يقل: ولا المشركون.
وقرأ الباقون {الكُفَّارَ} بالنصب، حملاً على عامل النصب، وهو قوله تعالى {لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ}، كأنه قال: ولا تتخذوا الكفار أولياء، كما قال تعالى {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ}). [الموضح: 446]

قوله تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ (58)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:13 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (59) إلى الآية (63) ]

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (62) لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (63)}

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)}

قوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وعبد الطّاغوت... (60)
قرأ حمزة وحده (وعبد الطّاغوت) بضم الباء وكسر التاء، وقرأ الباقون بفتحها.
قال أبو منصور: من قرأ (وعبد الطّاغوت) عطفه على قوله (وجعل منهم القردة والخنازير) ومن عبد الطاغوت، وأما قراءة حمزة (وعبد الطّاغوت)) فإن أهل العربية ينكرونه، وقال نصير النحوي: هو وهمٌ ممن قرأ به، فليتق الله من قرأ به، وليسأل عنه العلماء حتى يوقف على أنه غير جائز.
وقال الفراء من قرأ (وعبد الطاغوت) فإن تكن فيه لغة مثل: حذر وحذر، وعجل وعجل فهو وجه، وإلا فلا يجوز في القراءة). [معاني القراءات وعللها: 1/335]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- .............. [60].
بضم الباءِ وفتح الدَّال.
وقرأ الباقون {وعبد الطاغوت} فعلاً ماضيًا، ولهم في ذلك حجتان:
إحداهما: النسق على قوله {من لعنه الله} ومن عبد الطاغوت.
والحجة الثانية: أن ابن مسعود وأبيًّا قرآ: {وعبدوا الطاغوت} فأما حمزة فإنه جعل «عبد» جمع عبد، والعرب تجمع عبدًا فيقولون هؤلاء عبيد الله وعباد الله وأعبد الله وعبدان الله وعبدي الله، فمن جر الطاغوت أضاف إليه العبد، ومن قرأ بالنصب جعله فعلاً ماضيًا وتلخيصه: من لعنه الله وخدم الطاغوت.
واختلف الناس في «الطاغوت» فقال قوم: يكون مذكرًا ومؤنثًا وجمعًا وواحدًا، وقد بين الله ذلك في القرآن فقال: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها} فأنث وقال: {أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم} فجمع.
وقال آخرون: الطاغوت: واحدٌ، وجمعها طواغيت، وإنما قال تعالى: {أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم} كما قال: {أو الطفل الذين لم يظهروا} فاجتزأ بالواحد عن الجمع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/147]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضم الباء وفتحها من قوله تعالى: وعبد الطاغوت [المائدة/ 60].
فقرأ حمزة وحده: وعبد الطاغوت بفتح العين وضم الباء وكسر التاء من الطاغوت.
وقرأ الباقون: وعبد الطاغوت منصوبا كلّه.
حجّة حمزة في قراءته عبد الطاغوت: أنه يحمله على ما عمل فيه جعل* فكأنه قال: وجعل منهم عبد الطاغوت. ومعنى جعل*: خلق كما قال: وجعل منها زوجها [الأعراف/ 189] وكما قال: وجعل الظلمات والنور [الأنعام/ 1] وليس عبد*
[الحجة للقراء السبعة: 3/236]
لفظ جمع، ألا ترى أنّه ليس في أبنية الجموع شيء على هذا البناء، ولكنه واحد يراد به الكثرة، ألا ترى أن في الأسماء المنفردة المضافة إلى المعارف ما لفظه لفظ الإفراد ومعناه الجمع؟ وفي التنزيل: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [النحل/ 18] [يريد: نعم الله] فكذلك قوله: وعبد الطاغوت وجاء على فعل لأنّ هذا البناء تراد به الكثرة والمبالغة، وذلك نحو يقظ، وندس، وفي التنزيل: وتحسبهم أيقاظا [الكهف/ 18] فكأنّ تقديره أنّه قد ذهب في عبادة الطاغوت، والتذلّل له كلّ مذهب وتحقّق به، وجاء على هذا لأنّ عبدا في الأصل صفة، وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء، واستعمالهم إياه استعمالها لا يزيل عنه كونه صفة، ألا ترى أنّ الأبرق والأبطح، وإن كانا استعملا استعمال الأسماء حتى كسّر هذا النحو تكسيرها عندهم في نحو قوله:
بالعذب في رصف القلات مقيله... قضّ الأباطح لا يزال ظليلا
لم يزل عنهما حكم الصفة يدلك على ذلك تركهم
[الحجة للقراء السبعة: 3/237]
صرفها كتركهم صرف آخر، ولم يجعلوا ذلك كأفكل، وأيدع، فكذلك عبد، وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء، لم يخرجه ذلك عن أن يكون صفة وإذا لم يخرج عن أن يكون صفة، لم يمتنع أن يبنى بناء الصفات على فعل نحو يقظ.
فأما من فتح فقال: وعبد الطاغوت فإنّه عطفه على مثال الماضي الذي في الصلة وهو قوله: لعنه الله [النساء/ 118] وأفرد الضمير الذي في عبد، وإن كان المعنى فيه الكثرة لأنّ الكلام محمول على لفظ من دون معناه، وفاعله ضمير من كما أن فاعل الأمثلة المعطوف عليها ضمير من، فأفرد لحمل ذلك جميعا على اللفظ ولو حمل الكلّ على المعنى أو البعض على اللفظ والبعض على المعنى كان مستقيما). [الحجة للقراء السبعة: 3/238]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وابن هُرْمُز وابن عمران ونُبيج وابن بريدة: [مَثْوبة] ساكنة الثاء.
قال أبو الفتح: هذا مما خرج على أصله، شاذًّا عن بابه وحال نظائره، ومثله مما يحكى عنهم من قولهم: الفُكاهة مَقْوَدةٌ إلى الأذى، وقياسهما مَثابة ومَقادة، كما جاء عنهم من منامة وهي القطيفة، ومزادة، ومثله مزْيد، وقياسه مزاد، إلا أن مَزْيَدًا عَلَم، والأعلام قد يحتمل فيها ما يكره في الأجناس، نحو: مَحبب ومَكوزة ومريم ومدين ومعد يكرب ورجاء بن حيوة، ومنه: موظب ومورق اسم رجلين، ومَثْوَبة مَفْعَلةٌ ومَثُوبة مَفْعُلة، ونظيرها الْمَبْطَخة والْمَبْطُخة والمشرَفة والمشرُفة، وأصل مَثُوبَة مَثْوُبَة، فنقلت الضمة من الواو إلى الثاء، ومثلها معونة. وأما مئونة
[المحتسب: 1/213]
فمختلف فيها، فمذهب سيبويه أنها فَعُولة من مُنت الرجل أَمونه، وأصلها مَوُونة بلا همز، كما تقول في فَعول من القيام: قَوُوم، ومن النوم: نَوُوم، ثم تُهمز الواو استحسانًا للزوم الضمة لها؛ فتصير مئونة. وقال غيره: هي مَفْعُلة من الأَوْن؛ وهو الثِّقْل من قول رؤبة:
سِرًّا وقد أوَّن تأْوينَ العُقُق
أي: ثقلت أجوافهن فصار كأن هناك أَونَين؛ أي: عِدْلين، فمئونة على هذا كمعونة، هذا من الأَوْن، وهذا من الْمَوْن، وأجاز الفراء أن تكون من الأَيْن -وهو التعب- من حيث كانت المئونة ثِقْلًا على ملتزها، فسلك الفراء في هذا مذهب أبي الحسن في قوله في مَفْعُلَة من البيع: مَبْوُعَة، وحجته في هذا ما سمع منهم في قول الشاعر:
وكنتُ إذا جارِي دَعَا لمضوفة ... أُشَمِّر حتى يَنْصُفَ الساقَ مئزري
وهي من الضيف. والكلام هنا يطول، وقد أشبعناه في كتابنا المنصف). [المحتسب: 1/214]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما يُروى في قول الله تعالى: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}، وهو عشر قراءات:
{وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} على فَعَل ونصب الطاغوت. [وعَبُدَ الطاغوتِ] بفتح العين، وضم الباء، وفتح الدال، وخفض الطاغوت، وهما في السبعة.
ابن عباس، وابن مسعود، وإبراهيم النخعي، والأعمش، وأبان بن تغلب، وعلي بن صالح، وشيبان: [وعُبُد الطاغوتِ]بضم العين والباء، وفتح الدال، وخفض الطاغوت.
وروى عكرمة عن ابن عباس: [وعُبَّدَ الطاغوتِ] بضم العين، وفتح الباء وتشديدها، وفتح الدال، وخفض الطاغوت.
[المحتسب: 1/214]
وأبو واقد: [وعُبَّادَ الطاغوتِ]، و[وعِبَادَ الطاغوتِ] قراءة البصريين.
وقال معاذ: قرأ بعضهم: [وعُبِدُ الطاغوتُ]، كقولك: ضُرب زيد لم يسم فاعله.
وقرأ عون العقيلي وابن بُرَيدة: [وعابِدَ الطاغوتِ].
وقرأ أبي بن كعب: [وعَبدُوا الطاغوتَ] بواو.
وقرأ ابن مسعود فيما رواه عبد الغفار عن علقمة عنه: [وعُبَدَ الطاغوتِ] كصُرد.
قال أبو الفتح: أما قوله: {وعَبد الطاغوتَ} فماض معطوف على قوله سبحانه: [وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ].
وأما [وعَبُد الطاغوتِ] فاسم على فَعُل. قال أبو الحسن: جاء به نحو حَذُر وفَطُن.
قال: وأما [وعُبُدَ] فجمع عبيد، وأنشد:
انسب العبدَ إلى آبائه ... أسود الجلد ومن قوم عُبُد
هكذا قال أبو الحسن، وقد يجوز أن يكون عُبُد جمع عَبْد، كرَهْن ورُهُن، وسَقْف وسُقُف، ومن جهة أحمد بن يحيى: عُبُد جمع عابد، وهذا صحيح، كبازل وبُزُل، وشارف وشُرُف.
وقال أبو الحسن: والمعنى -فيما يقال- خَدمُ الطاغوت.
وأما [عُبَّد الطاغوت] فجمع عابد، ومثله عُبَّاد، كضارب وضُرَّب وضُرَّاب، وعليه القراءتان: [عُبَّد الطاغوت] و[عُبَّاد الطاغوت]، وعليه قراءة من قرأ: [وعِبَادَ الطاغوت]، عابد وعباد، كقائم وقيام، وصائم وصيام. وقد يجوز أن يكون [عِبَادَ الطاغوت] جمع عَبْد، وقلما يأتي عِباد مضافًا إلى غير الله. وقد أنشد سيبويه:
أتوعدني بقومك يابن حَجْل ... أُشَاباتٍ يُخالون العِبادَا
[المحتسب: 1/215]
يريد: عبيدًا لبني آدم، ولا يجوز أن يكون في المعنى عباد الله، لأن هذا ما لا يُسب به أحد، والناس كلهم عباد الله تعالى، وأما قول الآخر:
لا والذي أنا عبد في عبادته ... لولا شماتة أعداء ذوي إحن
ما سرني أنَّ إبْلي في مبارِكها ... وأن شيئًا قضاه الله لم يكن
فيحتمل أن يكون جمع عبد، إلا أنه أنثه فصار كَذِكارة وحجارة وقصارة، جمع قصير.
ويجوز أن تكون العبادة هنا مصدرًا؛ أي: أنا عبد في طاعته.
وأما [عُبِدَ الطاغوتُ] فظاهر، وعليه قراءة أُبي: [وَعَبَدُوا الطَّاغُوتَ] بواو.
وأما [وعابِدَ الطاغوتِ] فهو في الإفراد كعبد الطاغوت، واحد في معنى جماعة على ما مضى. وعليه أيضًا: [وعُبَد الطاغوتِ] لأنه كحُطَم ولُبَد، كما أن عبُدًا كندُسٍ وحذُرٍ ووظيف عَجُرٍ، ومن جهة أحمد بن يحيى [وعَبُدَ الطاغوتُ] أي: صار الطاغوتُ معبودًا؛ كفقُه الرجل وظرف: صار فقيهًا وظريفًا، ومن جهته أيضًا: [وعبدَ الطاغوتِ] وقال: أراد عبَدَة فحذف الهاء، قال: ويقال: عَبَدة الطاغوتِ والأوثان، ويقال للمسلمين: عُبَّاد). [المحتسب: 1/216]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت}
قرأ حمزة {وعبد} بضم الباء {الطاغوت} جر يقال عبد وعبد قال الشّاعر
ابني لبينى إن أمكم ... أمة وإن أباكم عبد
قال الفراء الباء تضمها العرب للمبالغة في المدح والذم نحو رجل حذر ويقظ أي مبالغ في الحذر فتأويل عبد أنه بلغ الغاية في طاعة الشّيطان وكذا قرأ مجاهد ثمّ فسره وقاله وخدم الطاغوت قال الزّجاج وكان اللّفظ لفظ واحد يدل على الجميع كما تقول للقوم منكم عبد العصا تريد إن فيكم عبيد العصا والنّصب في عبد من وجهين أحدهما على وجعل منهم عبد الطاغوت والثّاني على الذّم على أعني عبد الطاغوت
وقرأ الباقون {وعبد الطاغوت} ولهم في ذلك حجتان
إحداهما النسق على قوله {من لعنه الله} و{عبد الطاغوت} والطاغوت هو الشّيطان أي أطاعه فيما سوّل له وأغواه به والثّانية أن ابن مسعود وأبيا قرأا (وعبدوا الطاغوت) حملا الفعل على معنى
[حجة القراءات: 231]
من لأن من واحد في اللّفظ وجمع في المعنى فقراءة العامّة على اللّفظ وقراءتهما على المعنى كما قال {ومنهم من يستمعون إليك} على المعنى ثمّ قال {ومنهم من ينظر إليك} على اللّفظ). [حجة القراءات: 232]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (25- قوله: {وعبد الطاغوت} قرأه حمزة بضم الباء وكسر التاء، وقرأ الباقون بفتح الباء والتاء.
وحجة من ضم الباء وكسر التاء أنه جعل «عبد» اسمًا يبنى على «فعل» كعضُد، فهو بناء للمبالغة والكثرة كـ «يقظ وندس» وأصله الصفة، ونصبه بـ «جعل» أي: جعل منهم عبدًا للطاغوت، وأضاف «عبد » إلى «الطاغوت» فخفضه، و«جعل» بمعنى: «خلق» كقوله: {وجعل الظلمات والنور} «الأنعام 1» والمعنى: وجعل منهم من يبالغ في عبادة الطاغوت، وليس «عبد» بجمع، لأنه ليس من أبنية الجموع.
26 – وحجة من فتح الباء والتاء أنه جعله فعلًا ماضيًا، وعطفه على فعل ماض، وهو غضب ولعن وجعل، ونصب «الطاغوت» به، في هذه القراءة غير بحذفه الموصول؛ لأن التقدير: وجعل منهم من عبد الطاغوت، فحذف «من»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/414]
وأبقى الصلة، فهو قبيح جائز على بعده، ولذلك كثر الاختلاف في هذا الحرف، فقرئ على أحج عشر وجهًا، ووحّد الضمير في القراءتين، حملا على فظ «من» وهو الاختيار؛ لأن عليه الجماعة، وهو أبين في المعنى؛ لأن التقدير: من لعنه الله، ومن غضب عليه، ومن جعل منهم القردة والخنازير، ومن عبد الطاغوت، فهو أبين في المجانسة والمطابقة، وحمل آخر الكلام على مثال أوله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/415]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [آية/ 60]:-
بضم الباء، وخفض {الطاغوتِ}، قرأها حمزة وحده.
ووجهه أن عبدًا واحدٌ كحذر وندس ويقظ، وهو من أبنية المبالغة، والمراد بعبد الطاغوت الذي ذهب في عبادة الطاغوت كل مذهبٍ، وهو معطوف على
[الموضح: 446]
ما قبله مما عمل فيه جعل، كأنه قال: وجعل منهم القردة والخنازير وجعل منهم عبد الطاغوت، أي عابد الطاغوت.
وقرأ الباقون {وَعَبَدَ الطاغوت} بفتح الباء ونصب {الطاغوت}.
والوجه أن {عَبَدَ} فعل ماضٍ معطوف على مثال الماضي الذي في الصلة، وهو قوله {لَعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ}، وأفراد الضمير حملاً على لفظ {مَنْ} دون معناه؛ لأن لفظه على الوحدة). [الموضح: 447]

قوله تعالى: {وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ (61)}

قوله تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (62)}
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {السحت} قرأه ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بضم الحاء في ثلاثة مواضع في هذه السورة، وأسكن ذلك الباقون، وهما لغتان يراد بهما اسم الشيء المسحوت، وليسا بمصدرين، يقال: سحته الله إذا استأصله، فكأنه يستح بدين آكله أي يذهبه، ويقال: سحته إذا ذهب به قليلًا، وأصله أكل الرُشا في الأحكام). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/408]

قوله تعالى: {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (63)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {وأكلهم السحت} [63].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: {السحت} بضمتين.
وقرأ الباقون: {السحت} ساكنًا، وهما لغتان، نحو والبخل والبخل. قرأ به عيسى بن عمر.
وروى خارجة عن نافع {السحت} بفتح السين وسكون الحاء
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/145]
فتكون لغة ثالثة. والعرب تقول: سحتهم الله وأسحتهم، وكل ذلك قد قرئ به {فيسحتكم بعذاب} و{فيسحتكم} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/146]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الحاء وإسكانها من قوله تعالى: السحت [المائدة/ 62/ 63].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: السحت* مضمومة الحاء مثقّلة.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة: السحت ساكنة الحاء خفيفة.
وروى العباس بن الفضل عن خارجة بن مصعب عن نافع: أكالون للسحت [المائدة/ 42] بفتح السين [وجزم الحاء].
قال أبو عبيدة: السّحت: أكل ما لا يحلّ. يقال: سحته وأسحته: إذا استأصله، وفي التنزيل: فيسحتكم بعذاب
[الحجة للقراء السبعة: 3/221]
[طه/ 61] أي: نستأصلكم به، ومن أسحت قول الفرزدق:
إلّا مسحتا أو مجلّف والسّحت والسّحت لغتان، ويستمر التخفيف والتثقيل في هذا النحو، وهما اسم الشيء المسحوت، وليسا بالمصدر. فأما من قرأ أكالون للسحت [المائدة/ 42] فالسّحت مصدر سحت، وأوقع اسم المصدر على المسحوت كما أوقع الضرب على المضروب في قولهم: هذا الدرهم ضرب الأمير. والصيد على المصيد في قوله: لا تقتلوا الصيد [المائدة/ 95] والسّحت أعم من الربا، وهؤلاء قد وصفوا بأكل الربا. في قوله: وأخذهم الربا وقد نهوا عنه [النساء/ 161] إلّا أنّ السّحت أعمّ من الربا نحو ما أخذوا فيه من كتمانهم ما أنزل عليه وتحريفهم إياه ونحو ذلك لأنّه يشمل الربا وغيره). [الحجة للقراء السبعة: 3/222]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:14 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (64) إلى الآية (66) ]

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ (66)}

قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)}

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65)}

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ (66)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:15 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (67) إلى الآية (69) ]

{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (69)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته... (67)
قرأ ابن كثير (بلّغت رسالته) و(حيث يجعل رسالته) و(على النّاس برسالتي) ثلاثتهن على التوحيد، وقرأ ابن عامر
[معاني القراءات وعللها: 1/335]
وأبو بكر عن عاصم والحضرمي ثلاثتهن على الجمع، وقرأ نافع ها هنا وفي الأنعام على الجمع وفي الأعراف (برسالتي) واحدة، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي (فما بلغت رسالته " موحدةً، والأخريان على الجمع، وقرأ حفص عن عاصم ها هنا وفي الأنعام على التوحيد، وفي الأعراف (برسالاتي) جماعة.
قال أبو منصور: الرسالة بمنزلة المصدر على (فعالة) فهو ينوب عن الجماعة، والقرآن كله رسالة الله إلى الخلق وهو مشتمل على رسالات كثيرة، والرسائل أكثر من الرسالات). [معاني القراءات وعللها: 1/336]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {... فما بلغت رسالته} [67] وفي (الأنعام) [124] {حيث يجعل رسالته} وفي (الأعراف) [144] {برسالتي}.
قرأ ابن كثير ثلاثهن بالتوحيد.
وقرا عاصم وابن عامر ثلاثهن بالجمع.
وقرأ نافع {برسالتي} على التوحيد، وجمع الباقي.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي {سالته} بالتوحيد. و{برسالتي} و{حيث يجعل رسالته} بالجمع فيها، فمن وحد جعل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن جمعها احتج بأن جعل كل وحي رسالة. والاختيار أن تجمع التي في (الأنعام)، لأن الله تعالى ذكر الرسل فيه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/148]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في التوحيد والجمع في قوله تعالى: فما بلغت رسالاته [المائدة/ 67].
[الحجة للقراء السبعة: 3/238]
فقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: فما بلغت رسالته واحدة، وفي الأنعام: حيث يجعل رسالاته [الآية/ 124] جماعة، وفي الأعراف: برسالاتي [144] على الجمع أيضا.
وقرأ ابن كثير: رسالته على التوحيد، وفي الأنعام: حيث يجعل رسالته وفي الأعراف: برسالتي على التوحيد ثلاثهنّ.
وقرأ نافع: فما بلغت رسالاته جماعا، وقرأ في الأنعام:
حيث يجعل رسالاته جماعة، وقرأ: على الناس برسالتي واحدة.
وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: فما بلغت رسالاته وحيث يجعل رسالاته وعلى الناس برسالاتي جماعا ثلاثهنّ. وروى حفص عن عاصم: فما بلغت رسالته واحدة حيث يجعل رسالته واحدة أيضا وعلى الناس برسالاتي جماعا.
قال أبو علي: أرسل فعل يتعدّى إلى مفعولين: ويتعدّى إلى الثاني منهما بحرف الجر كقوله: إنا أرسلنا نوحا إلى قومه [نوح/ 1] وأرسلناه إلى مائة ألف [الصافات/ 147] ويجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر، من نحو: أعطيت، وكسوت،
[الحجة للقراء السبعة: 3/239]
وليس من باب حسبت كقوله: ثم أرسلنا رسلنا تترا [المؤمنون/ 44] وقوله: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا [الأحزاب/ 45] وقال: فأرسل إلى هارون [الشعراء/ 13] فعدّى إلى الثاني، والأول مقدّر في المعنى، التقدير: أرسل رسولا إلى هارون، فأمّا قوله: لقد أرسلنا رسلنا بالبينات [الحديد/ 25] فالجار في موضع نصب على الحال، كما تقول:
أرسلت زيدا بعدّته، وكذلك قوله: أرسله معنا غدا نرتع [يوسف/ 12] إن رفعت المضارع كان حالا، وإن جزمته كان جزاء.
وقد يستعمل الإرسال على معنى التخلية بين المرسل وما يريد وليس يراد به البعث قال الراجز:
أرسل فيها مقرما غير قفر... طبّا بإرسال المرابيع السؤر
وقال آخر:
أرسل فيها بازلا يقرّمه... وهو بها ينحو طريقا يعلمه
[الحجة للقراء السبعة: 3/240]
فهذا إنّما يريد خلّى بين الفحل وبين طروقته، ولم يمنعه منها وقال:
فأرسلها العراك ولم يذدها... ولم يشفق على نغض الدّخال
المعنى: خلى بين هذه الإبل وبين شربها ولم يمنعها من ذلك، فمن هذا الباب قوله تعالى: ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين [مريم/ 83] فأما ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
لعمري لقد جاءت رسالة مالك... إلى جسد بين العوائد مختبل
وأرسل فيها مالك يستحثّنا... وأشفق من ريب المنون فما وأل
[الحجة للقراء السبعة: 3/241]
فالرسالة هاهنا بمنزلة الإرسال، والمصدر في تقدير الإضافة إلى الفاعل والمفعول الأول، في التقدير محذوف كما كان محذوفا في قوله: فأرسل إلى هارون [الشعراء/ 13] والتقدير: رسالة مالك إلى جسد، والجار والمجرور في موضع نصب لكونه مفعولا ثانيا، والمعنى: إلى ذي جسد، لأنّ الرسالة لم تأت الجسد دون سائر المرسل إليه. ومثل ذلك قوله:
........ وبعد عطائك المائة الرّتاعا في وضعه العطاء في موضع الإعطاء.
وقوله:
وأرسل فيها مالك يستحثّنا.......
يجوز أن يكون المعنى: أرسل الرسالة يستحثنا، ودخول الجار كدخوله في قوله: لهم فيها [يس/ 57]، ويستحثّنا حال من مالك. وإن شئت قلت: تستحثّنا، فجعلته حالا من الرسالة. وإن شئت ذكّرت، لأنّ الرسالة والإرسال بمعنى.
والرسول جاء على ضربين أحدهما أن يراد به المرسل.
والآخر [أن يراد به] الرسالة، فالأوّل كقولك: هذا رسول زيد،
[الحجة للقراء السبعة: 3/242]
تريد مرسله وقال [جلّ وعز]: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل [آل عمران/ 144] فهذا كأنه يراد به المرسل، يقوي ذلك قوله: إنك لمن المرسلين [يس/
3].
ومثل هذا في أنّه فعول: يراد به المفعول قوله:
وما زلت خيرا منك مذ عضّ كارها... بلحييك عاديّ الطريق ركوب
المعنى أنّه طريق مركوب مسلوك، وقال:
تضمّنها وهم ركوب كأنّه... إذا ضمّ جنبيه المخارم رزدق
وقالوا: الحلوبة والحلوب، والركوبة والركوب لما يحلب ويركب. فأمّا استعمالهم الرسول بمعنى الرسالة فكقول الشاعر:
لقد كذب الواشون ما فهت عندهم... بسرّ ولا أرسلتهم برسول
أي: برسالة، فيجوز على هذا في قوله: إنا رسول ربك [طه/ 47] أن يكون التقدير: إنّا ذوو رسالة ربك. فلم يثنّ رسول كما لا يثنّى المصدر. ويجوز أن يكون وضع الواحد موضع التثنية كما وضع موضع الجمع في قوله: وهم لكم عدو
[الحجة للقراء السبعة: 3/243]
[الكهف/ 50] فإن كان من قوم عدو [النساء/ 92] ونحو ذلك.
وجمع رسالة: رسالات، وعلى التكسير رسائل ومثله: عمامة وعمامات وعمائم. فأما قوله تعالى: أعلم حيث يجعل رسالاته [الأنعام/ 124] فلا يخلو حيث فيه من أن يكون انتصابه انتصاب الظروف، أو انتصاب المفعولين ولا يجوز أن يكون انتصابه انتصاب الظروف، لأن علم القديم سبحانه في جميع الأماكن على صفة واحدة، فإذا لم يستقم أن يحمل أفعل على زيادة علم في مكان، علمت أن انتصابه انتصاب المفعول به، والفعل، الناصب مضمر دلّ عليه قوله: أعلم كما أن القوانس في قوله:
وأضرب منا بالسيوف القوانسا ينتصب على مضمر دلّ عليه أضرب، فكذلك حيث إذا انتصب انتصاب المفعول به، ألا ترى أنّ المفعول به لا ينتصب بالمعاني ومثل ذلك في انتصاب حيث على أنّه مفعول به قول الشماخ:
وحلّأها عن ذي الأراكة عامر... أخو الخضر يرمي حيث تكوى النّواحز
[الحجة للقراء السبعة: 3/244]
فحيث مفعول به، ألا ترى أنه ليس يريد أنه يرمي شيئا حيث تكوى النواحز، إنّما يرمي حيث تكوى النواحز، فحيث تكوى مفعول به وليس بمفعول فيه.
فحجة من جمع فقال: برسالاتي أن الرسل يرسلون بضروب من الرسائل كالتوحيد والعدل، وما يشرعون من الشرائع، وما ينسخ منها على ألسنتهم، فلمّا اختلفت الرسائل حسن أن يجمع، كما حسن أن تجمع أسماء الأجناس إذا اختلفت، ألا ترى أنّك تقول: رأيت تمورا كثيرة، ونظرت في علوم كثيرة فجمعت هذه الأسماء إذا اختلفت ضروبها كما تجمع غيرها من الأسماء.
وحجة من أفرد هذه الأسماء ولم يجمعها أنّها تدل على الكثرة، وإن لم تجمع كما تدل عليها الألفاظ المصوغة للجمع، وتدل على الكثير كما تدل ألفاظ الجمع عليه. مما يدل على ذلك
[الحجة للقراء السبعة: 3/245]
قوله تعالى: لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا [الفرقان/ 14] فوقع الاسم الشائع على الجميع، كما يقع على الواحد، فكذلك الرسالة ولو وضع موضع القراءة بالإفراد الجمع، أو موضع الجمع الإفراد، لكان سائغا في العربية، إلّا أنّ لفظ الجمع في الموضع الّذي يراد به الجمع أبين.
والقرّاء قد يتبعون مع ما يجوز في العربية الآثار، فيأخذون بها ويؤثرونها. إذا وجدوا مجاز ذلك في العربية مجازا واحدا). [الحجة للقراء السبعة: 3/246]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}
قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر (فما بلغت رسالاته) على الجمع وحجتهم أنهم جعلوا لكل وحي رسالة ثمّ جمعوا فقالوا (فما بلغت رسالاته)
وقرأ الباقون {رسالته} وحجتهم قول النّبي صلى الله عليه
إن الله جلّ وعز أرسلني برسالة وأمرني أن أبلغها الخبر ثمّ تلا الآية). [حجة القراءات: 232]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (27- قوله: {رسالته} قرأه نافع وابن عامر وأبو بكر بالجمع، وكسر التاء، وقرأ الباقون بالتوحيد، وقرأه الباقون بالجمع.
وحجة من قرأ بالجمع أنه لما كانت الرسل، يأتي كل واحد بضروب من الشرائع المرسلة معهم مختلفة، حسن جمعه ليدل على ذلك؛ إذ ليس ما جاءوا به رسالة واحدة، فحسن الجمع لما اختلفت الأجناس.
28- وحجة من وحد أن الرسالة على انفراد لفظها تدل على الكثرة، وهي كالمصدر في أكثر الكلام، لا تُجمع ولا تثنى لدلالته على نوعه بلفظه، لكن جاز جمعه في هذا لما اختلفت أنواعه وأجناسه، فتشابه المفعول فجمع، فهي تدل على ما يدل عليه لفظ الجمع، وهي أخف، ألا ترى إلى قوله: {وإن تعدوا نعمة الله} «إبراهيم 34» والنعم كثيرة، والمعدود لا يكون إلا كثيرًا، لكن الواحد يدل على الجمع، والاختيار لفظ الجمع في هذه السورة، لأن المعنى عليه، لكثرة الرسل، وكثرة ما أرسلوا به، فأما في الأعراف فالاختيار التوحيد، لأن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/415]
الإخبار بالرسالة عن موسى وحده، في قوله لموسى: {إني اصطفيتك على الناس برسالتي} ووقى ذلك أن بعده {وبكلامه}، ولم يقل: «كلماتي» والكلام أيضًا مصدر معطوف على «رسالتي» وهو مصدر فأتيا بالتوحيد جميعًا لما ذكرنا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/416]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [آية/ 67]:-
على الإفراد، قرأها ابن كثير، وكذلك في الأنعام {يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}، وفي الأعراف {بِرِسَالَتِي} بالإفراد في الثلاثة.
وقرأ ابن عامر وعاصم ياش- ويعقوب- يس- بالجمع في الثلاثة، و-ص- عن عاصم في الأعراف بالجمع، وفي المائدة والأنعام بالتوحيد.
وقرأ نافع ويعقوب ح- في الأعراف بالتوحيد، وفي المائدة والأنعام بالجمع.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي في المائدة بالتوحيد، وفي الأنعام والأعراف بالجمع.
[الموضح: 447]
وجه الإفراد أن الرسالة اسم للإرسال، وهو مصدر، والمصدر جنس، فوقوعه على الكثرة أصل فيه، فالرسالة تدل على الكثرة وإن لم تجمع، كما تدل عليها الألفاظ الموضوع للجمع، ألا ترى إلى قوله {لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا}. فوقع الثبور لما كان شائعة على الجمع، كما وقع على الواحد، وكذلك الرسالة يجوز أن تقع على الجمع.
وأما وجه القراءة بالجمع فهو أن الرسائل مختلفة، فيجوز أن تجمع، كما يجوز جمع أسماء الأجناس، تقول رأيت تمورا كثيرة، ونظرت إلى علوم كثيرة، فتجمع أسماء الأجناس إذا اختلفت ضروبها). [الموضح: 448]

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (69)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن والزهري: [والصَّابِيُون] يثبت الياء ولا يهمز.
وقرأ: [الصابُون] بغير همز ولا ياء أبو جعفر وشيبة، و[الخاطون] و[مُتَّكُون].
قال أبو الفتح: أما [الصابيون] بياء غير مهموزة، فعلى قياس قول أبي الحسن في {يستهزئون}: [يَستهزيُون] بياء غير مهموزة، ويحتمل ذلك فيها لتقدير الهمزة في أصلها؛ فيكون ذلك فرقًا بينها وبين ياء يَسْتَقْضُون، ألا ترى أن أصله يستقضِيوه، كما فرَّق
[المحتسب: 1/216]
أبو الحسن بقوله في مثل عنكبوت من قرأت: قرْأَيوُت بضمة الياء بينه وبين مثال عنكبوت من رميت رَمْيَوُوت. وأصلها رَمْيَيُوت، وقد مضى هذا في موضعه.
وأما [الصابُونَ] و[مُتَّكُون] فعلى إبدال الهمزة ألبتة، فصارت كالصابون من صبوت، وكمتَجَنُّون من تَجَنَّيْتُ، والوجه أن يكون الصابيون بلا همز تخفيفًا لا بدلًا، وإن جعلته بدلًا مُراعي به أولية حاله كقرْأَيوت جاز أيضًا). [المحتسب: 1/217]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عثمان وأُبي بن كعب وعائشة وسعيد بن جبير والجحدري رضي الله عنهم: [والصابِيين] بياء.
قال أبو الفتح: الخطب في هذا أيسر من [الصابيون] بالرفع؛ لأن النصب على ظاهره؛ وإنما الرفع يحتاج إلى أن يقال: إنه مقدم في اللفظ مؤخر في المعنى على ما يقال في هذا، حتى كأنه قال: لا خوف عليهم ولاهم يحزنون والصابئون كذلك). [المحتسب: 1/217]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:20 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة