التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً} يعني: عند الله).[مجاز القرآن: 1/87]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {إنّ الّذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئا وأولئك هم وقود النّار}
{وأولئك هم وقود النّار}أي: الكفار يعذبون , وهم وقود أنفسهم، كلما نضجت جلودهما وعظامهم بالاتقاد, بدّلوا خلوداً غيرها, فعذبهم بجلودهم , وعظامهم). [معاني القرآن: 1/379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا}, وذلك أن قوماً قالوا : شغلتنا أموالنا, وأهلونا.
ثم قال تعالى: {وأولئك هم وقود النار} أي: هم بمنزلة الحطب في النار). [معاني القرآن: 1/358]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و{الوقود}: الحطب، والوقود: الالتهاب). [ياقوتة الصراط: 185]
تفسير قوله تعالى: {كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {كدأب آل فرعون...}, يقول: كفرت اليهود ككفر آل فرعون , وشأنهم). [معاني القرآن: 1/191]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({كدأب آل فرعون }: كسنة آل فرعون وعادتهم، قال الراجز:
= ما زال هذا دأبها ودأبي
{كذّبوا بآياتنا} أي: بكتبنا, وعلاماتنا عن الحق).[مجاز القرآن: 1/87]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب}
قال: {كدأب آل فرعون} , يقول: "كدأبهم في الشرّ" من "دأب" , "يدأب", "دأباً").[معاني القرآن: 1/162]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({كدأب آل فرعون}: كعادتهم وكأمرهم وشأنهم). [غريب القرآن وتفسيره: 101]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({كدأب آل فرعون}أي: كعادتهم يريد كفر اليهود ككفر من قبلهم, يقال: هذا دأبه, ودينه , وديدنه). [تفسير غريب القرآن: 101]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب}أي: كشأن آل فرعون، وكأمر آل فرعون، كذا قال أهل اللغة, والقول عندي فيه - واللّه أعلم - إن " دأب " ههنا, أي: اجتهادهم في كفرهم, وتظاهرهم على النبي صلى الله عليه وسلم كتظاهر آل فرعون على موسى عليه السلام, وموضع الكاف رفع , وهو في موضع خبر الابتداء، المعنى: دأبهم مثل دأب آل فرعون، و{كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم}
يقال: دأبت , أدأب دأباً, ودؤوباً إذا اجتهدت في الشيء, ولا يصلح أن تكون الكاف في موضع نصب بـ {كفروا}؛ لأن كفروا في صلة الذين، لا يصلح أن الذين كفروا ككفر آل فرعون ؛ لأن الكاف خارجة من الصلة, ولا يعمل فيها ما في الصلة). [معاني القرآن: 1/380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم} , قال الضحاك: كفعل آل فرعون.
قال أبو جعفر: وكذلك هو في اللغة, ويقال: دأب, يدأب إذا اجتهد في فعله,
فيجوز أن تكون: الكاف معلقة بقوله: {وقود النار}, أي: عذبوا تعذيباً كما عذب آل فرعون,
وتجوز أن تكون: معلقة بقوله: {لن تغني عنهم}
ويجوز أن تكون: معلقة بقوله: {فأخذهم الله بذنوبهم} .
قال ابن كيسان: ويحتمل على بعد أن تكون معلقة بـ{كذبوا}, ويكون في كذبوا ضمير الكافرين ؛ لا ضمير آل فرعون .
قال أبو إسحاق: المعنى: اجتهادهم في كفرهم هو كاجتهاد آل فرعون, والكاف في موضع رفع, أي: دأبهم مثل دأب آل فرعون). [معاني القرآن: 1/360]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والدأب: العادة، ويحرك أيضاً).[ياقوتة الصراط: 185]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({كدأب آل فرعون}أي: كعادتهم، أي: كعادتنا في إهلاكهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 47]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({كَدَأْبِ}: كعادة). [العمدة في غريب القرآن: 96]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قل لّلّذين كفروا ستغلبون...}
تقرأ بالتاء والياء, فمن جعلها بالياء ؛ فإنه ذهب إلى مخاطبة اليهود، وإلى أن الغلبة على المشركين بعد يوم أحد, وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا هزم المشركين يوم بدر , وهم ثلاثمائة ونيّف , والمشركون ألف إلا شيئاً, قالت اليهود: هذا الذي لا تردّ له راية، فصدّقوا, فقال بعضهم: لا تعجلوا بتصديقه حتى تكون وقعةٌ أخرى, فلما نكب المسلمون يوم أحد كذّبوا ورجعوا, فأنزل الله: قل لليهود سيغلب المشركون, ويحشرون إلى جهنم, فليس يجوز في هذا المعنى إلا الياء.
ومن قرأ بالتاء جعل اليهود والمشركين داخلين في الخطاب, فيجوز في هذا المعنى سيغلبون وستغلبون؛ كما تقول في الكلام: قل لعبد الله إنه قائم، وإنك قائم.
وفي حرف عبد الله:{قل للذين كفروا إن تنتهوا يغفر لكم ما قد سلف}, وفي قراءتنا : {إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}, وفي الأنعام:{هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائهم}, وفي قراءتنا:{لشركائنا}).[معاني القرآن: 1/191]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({المهاد}:الفراش).[مجاز القرآن: 1/87]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قل لّلّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد}, قال: {قل لّلّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم}, أي: إنّكم ستغلبون,كما تقول: "قل لزيد": "سوف تذهب", أي: إنّك سوف تذهب, وقال بعضهم:{سيغلبون}, أي: قل لهم الذي أقول, والذي أقول لهم "سيغلبون". وقال: {قل للّذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم مّا قد سلف وإن يعودوا}, فهذا لا يكون إلا بالياء في القرآن ؛ لأنه قال: {يغفر لهم} ولو كان بالتاء قال: {يغفر لكم},وهو في الكلام جائز بالتاء. وتجعلها "لكم" كما فسرت لك). [معاني القرآن: 1/162]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد}
وتقرأ :{سيغلبون}, فمن قرأ بالتاء فللحكاية والمخاطبة، أي: قل لهم في خطابك ستغلبون, ومن قال:{سيغلبون}, فالمعنى: بلغهم أنهم سيغلبون.
وهذا فيه أعظم آية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أنبأهم بما لم يكن, وأنبأهم بغيب، ثم بان تصديق ما أنبأ به ؛لأنه صلى الله عليه وسلم غلبهم أجمعين كما أنبأهم.
ومعنى {وبئس المهاد}: بئس المثوى, وبئس الفراش).[معاني القرآن: 1/380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد}
قال ابن كيسان : ستغلبون, أي: قل لهم هذا وبالياء ؛ لأنهم في وقت الخطاب غيب.
ويحتمل أن يكون الذين أمره أن يبلغهم غير المغلوبين
وقد قيل: أنه أمر أن يقول لليهود سيغلب المشركون). [معاني القرآن: 1/360]
تفسير قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا...}
يعني: النبي صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، والمشركين يوم بدر, {فئةٌ تقاتل} قرئت بالرفع؛ وهو وجه الكلام على معنى: إحداهما: تقاتل في سبيل الله, {وأخرى كافرةٌ} على الاستئناف؛ كما قال الشاعر:
فكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ = ورجلٌ رمى فيها الزّمان فشلّت
ولو خفضت لكان جيدا: تردّه على الخفض الأوّل؛ كأنك قلت: كذي رجلين: كذي رجلٍ صحيحةٍ , ورجلٍ سقيمة, وكذلك يجوز خفض الفئة , والأخرى على أوّل الكلام,ولو قلت: {فئةً تقاتل في سبيل الله أخرى كافرةً}, كان صواباً على قولك: التقتا مختلفتين, وقال الشاعر في مثل ذلك مما يستأنف:
إذ متّ كان الناس نصفين شامتٌ = وآخر مثنٍ بالذي كنت أفعل
ابتدأ الكلام بعد النصفين ففسّره, وأراد: بعضٌ شامتٌ , وبعض غير شامت, والنصب فيهما جائز، يردّهما على النصفين, وقال الآخر:
حتى إذا ما استقلّ النجم في غلس = وغودر البقل ملوي ومحصود
ففسر بعض البقل كذا، وبعضه كذا, والنصب جائز.
وكل فعل أوقعته على أسماء لها أفاعيل ينصب على الحال الذي ليس بشرط,
ففيه الرفع على الابتداء،
والنصب على الاتصال بما قبله؛ من ذلك: رأيت القوم قائماً, وقاعداً, وقائم وقاعد؛ لأنك نويت بالنصب القطع، والاستئناف في القطع حسن, وهو أيضاً فيما ينصب بالفعل جائز؛ فتقول: أظنّ القوم قياماً وقعوداً, وقيام وقعود، وكان القوم بتلك المنزلة, وكذلك رأيت القوم في الدار قياماًوقعوداً, وقيامٌ وقعود، وقائماًوقاعداً, وقائم وقاعد؛ فتفسّره بالواحد والجمع؛ قال الشاعر:
وكتيبةٍ شعواء ذات أشلّة = فيها الفوارس حاسر ومقنّع
فإذا نصبت على الحال لم يجز أن تفسّر الجمع بالاثنين، ولكن تجمع فتقول: فيها القوم قياماً وقعوداً.
وأمّا الذي على الشرط مما لا يجوز رفعه: فقوله: اضرب أخاك ظالماً أو مسيئاص, تريد: اضربه في ظلمه, وفي إساءته, ولا يجوز هاهنا الرفع في حاليه؛ لأنهما متعلقتان بالشرط,
وكذلك الجمع؛ تقول: ضربت القوم مجرّدين , أو لا بسين, ولا يجوز: مجردون, ولا لابسون؛ إلا أن تستأنف فتخبر، وليس بشرط للفعل؛ ألا ترى أنك لو أمرت بضربهم في هاتين الحالين لم يكن فعلهم إلا نصبا؛ فتقول: اضرب القوم مجرّدين أو لا بسين؛ لأن الشرط في الأمر لازم, وفيما قد مضى يجوز أن تجعله خبراً, وشرطاً, فلذلك جاز الوجهان في الماضي.
وقوله: {يرونهم مّثليهم} زعم بعض من روى عن ابن عبّاس أنه قال: رأى المسلمون المشركين في الحزر ستمائة, وكان المشركون تسعمائة وخمسين، فهذا وجه, وروى قول آخر كأنه أشبه بالصواب: أن المسلمين رأوا المشركين على تسعمائةوخمسين, والمسلمون قليل: ثلاثمائة وأربعة عشر، فلذلك قال: {قد كان لكم} يعني اليهود :{آيةٌ}, في قلّة المسلمين, وكثرة المشركين.
فإن قلت: فكيف جاز أن يقال "مثليهم" يريد ثلاثة أمثالهم؟ , قلت: كما تقول, وعندك عبد أحتاج إلى مثله، فأنت محتاج إليهو , وإلى مثله، وتقول: أحتاج إلى مثلي عبدي، فأنت إلى ثلاثة محتاج, ويقول الرجل: معي ألف وأحتاج إلى مثليه، فهو يحتاج إلى ثلاثة, فلمّا نوى أن يكون الألف داخلاً في معنى المثل صار المثل اثنين , والمثلان ثلاثة, ومثله في الكلام أن تقول: أراكم مثلكم، كأنك قلت: أراكم ضعفكم، وأراكم مثليكم يريد: ضعفيكم، فهذا على معنى الثلاثة.
فإن قلت: فقد قال في سورة الأنفال: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقلّلكم في أعينهم}, فكيف كان هذا ها هنا تقليلاً, وفي الآية الأولى تكثيراً؟, قلت: هذه آية المسلمين أخبرهم بها، وتلك الآية لأهل الكفر, مع أنك تقول في الكلام: إني لأرى كثيركم قليلا، أي: قد هوّن عليّ، لا أني أرى الثلاثة اثنين, ومن قرأ {ترونهم}, ذهب إلى اليهود ؛ لأنه خاطبهم، ومن قال:{يرونهم}, فعلى ذلك؛ كما قال: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} , وإن شئت جعلت{يرونهم} للمسلمين دون اليهود). [معاني القرآن: 1/191-195]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قد كان لكم آيةٌ}, أي: علامةٌ.
{في فئتين}, أي: في جماعتين , {فئةٌ تقاتل في سبيل الله}:
إن شئت، عطفتها على (في)، فجررتها,
وإن شئت قطعتها فاستأنفت، قال، كثيّر عزّة:
فكنت كذي رجلين رجلٍ صحيحةٍ= ورجلٍ رمى فيها الزمان فشلّت
وبعضهم يرفع رجل صحيحة.
{يرونهم مثليهم رأى العين}: مصدر، تقول: فعل فلان كذا رأى عينى , وسمع أذني.
{يؤيّد}: يقوّى، من الأيد، وإن شئت من الأد,{لعبرةً}: اعتبار).[مجاز القرآن: 1/87-88]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (وقال: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ}على الابتداء رفع كأنه قال "إحداهما فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه" , وقرئت جراً على أول الكلام على البدل, وذلك جائز, قال الشاعر:
وكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ = ورجلٌ بها ريبٌ من الحدثان
فرففع, ومنهم من يجرّ على البدل, ومنهم من يرفع على إحداهما كذا وإحداهما كذا, وقال:
وإنّ لها جارين لن يغدرا بها = ربيب النبيّ وابن خير الخلائف
رفع، والنصب على البدل, وقال تعالى: {هذاذكرٌ وإنّ للمتّقين لحسن مآبٍ}, {جنّات عدنٍ},
وإن شئت جعلت "جنات" على البدل أيضاً,
وإن شئت رفعت على خبر "إنّ"، أو على "هنّ جنات" فيبتدأ به, وهذا لا يكون على "إحداهما كذا" ؛ لأن ذلك المعنى ليس فيه هذا , ولم يقرأ أحد بالرفع, وقال تعالى: {وجعلوا للّه شركاء الجنّ}, فنصب على البدل, وقد يكون فيه الرفع على "هم الجنّ",
وقال تعالى: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوّاً شياطين الإنس} على البدل , ورفع على "هم شياطين" كأنه إذا رفع قيل له، أو علم أنه يقال له : "ما هم"؟ , أو "من هم" , فقال: "هم كذا وكذا", وإذا نصب ؛ فكأنه قيل له , أو علم أنه يقال له "جعل ماذا", أو جعلوا ماذا" , أو يكون فعلاً واقعاً بالشياطين , و {عدوّاً} حالاً, ومثله : {لنسفعاً بالنّاصية} , {ناصيةٍ كاذبةٍ}, كأنه قيل ,أو علم ذلك , فقال "بناصية" , وقد يكون فيه الرفع على قوله: " ما هي" ,فيقول:{ناصيةٌ}, والنصب على الحال, قال الشاعر:
إنّا وجدنا بني جلان كلّهم = كساعد الضّبّ لا طولٌ ولا عظم
على البدل, أي: كـ"لا طول ولا عظم", ومثل الابتداء:{قل أفأنبّئكم بشرٍّ مّن ذالكم النّار}).[معاني القرآن: 1/160-161]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مّثليهم رأي العين واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار}
وقال: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ} على الابتداء رفع كأنه قال:"إحداهما فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه" , وقرئت جراً على أول الكلام على البدل , وذلك جائز, قال الشاعر:
وكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ = ورجلٌ بها ريبٌ من الحدثان
فرففع, ومنهم من يجرّ على البدل, ومنهم من يرفع على إحداهما كذا , وإحداهما كذا, وقال:
و إنّ لها جارين لن يغدرا بها = ربيب النبيّ وابن خير الخلائف
رفع، والنصب على البدل, وقال تعالى: {هذا ذكرٌ وإنّ للمتّقين لحسن مآبٍ},{جنّات عدنٍ},
وإن شئت جعلت "جنات" على البدل أيضاً,
وإن شئت رفعت على خبر "إنّ"، أو على "هنّ جنات" فيبتدأ به, وهذا لا يكون على "إحداهما كذا" ؛ لأن ذلك المعنى ليس فيه هذا ولم يقرأ أحد بالرففع, وقال تعالى: {وجعلوا للّه شركاء الجنّ}فنصب على البدل, وقد يكون فيه الرفع على "هم الجنّ", وقال تعالى: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوّاً شياطين الإنس} على البدل, ورفع على {هم شياطين}, كأنه إذا رفع قيل له، أو علم أنه يقال له "ما هم"؟, أو "من هم", فقال: "هم كذا وكذا",
وإذا نصب فكأنه قيل له أو علم أنه يقال له "جعل ماذا" , أو جعلوا ماذا" , أو يكون فعلاً واقعاً بالشياطين, و{عدوّاً} حالاً, ومثله {لنسفعاً بالنّاصية}, {ناصيةٍ كاذبةٍ} كأنه قيل أو علم ذلك فقال: "بناصية", وقد يكون فيه الرفع على قوله: "ما هي" , فيقول: "ناصيةٍ", والنصب على الحال, قال الشاعر:
إنّا وجدنا بني جلان كلّهم = كساعد الضّبّ لا طولٌ ولا عظم
على البدل, أي: كـ"لا طول ولا عظم" , ومثل الابتداء :{قل أفأنبّئكم بشرٍّ مّن ذالكم النّار}). [معاني القرآن: 1/163-164]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({في فئتين}: الفئة الجماعة). [غريب القرآن وتفسيره: 101]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرة لأولي الأبصار}
آية علامة من أعلام النبي صلى الله عليه وسلم التي تدل على تصديقه، والفئة في اللغة الفرقة، وهي مأخوذة من قولهم : فأوت رأسه بالسيف, وفأيته إذا فلقته , ومعنى{فئتين}: فرقتين.
{فئة تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرة}: الرفع , والخفض جائزان جميعاً.
فأما من رفع فالمعنى: إحداهما تقاتل في سبيل اللّه , والأخرى كافرة، ومن خفض جعل فئة تقاتل في سبيل الله , وأخرى كافرة بدلاً من فئتين: المعنى: قد كان لكم آية في فئة تقاتل في سبيل اللّه, وفي أخرى كافرة.
وأنشدوا بيت كثير على جهتين:
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة= ورجل رمى فيها الزمان فشفت
وأنشدوا أيضاً: رجل صحيحة، ورجل رمى فيها الزمان على البدل من الرجلين.
وقد اختلف أهل اللغة في قوله :{يرونهم مثليهم رأي العين}, ونحن نبين ما قالوه إن شاء اللّه, وما هو الوجه,واللّه أعلم.
زعم الفراء أن معنى {يرونهم مثليهم}:يرونهم ثلاثة أمثالهم , قال: لأنك إذا قلت: عندي ألف وأحتاج إلى مثلها , فأنت تحتاج إلى ألفين , كأنك قلت أحتاج إلي مثليها, وإذا قلت عندي ألف , وأحتاج إلى مثليها, فأنت تحتاج إلى ثلاثة آلاف، وهذا باب الغلط فيه غلط بيّن في جميع المقاييس وجميع الأشياء، لأنا إنما نعقل مثل الشيء ما هو مساو له، ونعقل مثليه ما يساويه مرتين، فإذا جهلنا المثل فقد بطل التميز، وإنما قال هذا ؛ لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا ثلاثمائة, وأربعة عشر رجلاً, وكان المشركون تسعمائة وخمسين رجلاً, فالذي قال يبطل في اللفظ ,ويبطل في معنى الدلالة على الآية التي تعجز؛ لأنهم إذا رأوهم على هيئتهم,فليس هذا آية، فإن زعم أن الآية في هذا : غلبة القليل على الكثير , فقد أبطل أيضاً؛ لأن القليل يغلب الكثيرموجود ذلك أبداً.
فهذا الذي قال يبطل في اللغة, وفي المعنى , وإنّما الآية في هذا أنّ المشركين كانوا تسعمائة وخمسين , وكان المسلمون ثلاثمائة وأربعة عشر , فأرى اللّه جلّ وعزّ المشركين أنّ المسلمين أقل من ثلاثمائة , واللّه قد أعلم المسلمين أن المائة تغلب المائتين , فأراهم المشركين على قدر ما أعلمهم أنهم يغلبونهم ؛ ليقوّي قلوبهم، وأرى المشركين المسلمين أقل من عدد المسلمين، ثم ألقى مع ذلك في قلوبهم الرعب , فجعلوا يرون عدداً قليلاً مع رعب شديد حتى غلبوا.
والدليل على صحة هذا القول: قول اللّه عزّ وجلّ: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقلّلكم في أعينهم ليقضي اللّه أمرا كان مفعولاً}, فهذا هو الذي فيه آية أن يرى الشيء بخلاف صورته, واللّه أعلم.
ويجوز نصب {فئة تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرة}, ولا أعلم أحداً قرأ بها.
ونصبها من وجهين:
أحدهما: الحال المعنى التقتا مؤمنة وكافرة ,
ويجوز: نصبها على أعني فئة تقاتل في سبيل اللّه, وأخرى كافرة). [معاني القرآن: 1/380-382]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين}
والمعنى: قد كان لكم علامة من أعلام النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أنباهم بما لم يكن , والفئة: الفرقة من قولهم , فأوت رأسه بالسيف, وفأيته, أي: فلقته .
قرأ أبو عبد الرحمن: {ترونهم مثليهم}بضم التاء , وروى علي بن أبي طلحة يرونهم بضم الياء
وروى ابن نجيح , عن مجاهد في قوله جل وعز: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا}
قال: محمد , وأصحابه , ومشركو بدر , وأنكر أبو عمرو أن يقرأ:{ترونهم} بالتاء , قال: ولو كان كذلك , لكان مثليكم.
قال أبو جعفر :وذا لا يلزم , ولكن يجوز أن يكون مثلي أصحابكم.
قال ابن كيسان: الهاء , والميم في ترونهم عائدة إلى : وأخرى كافرة , والهاء والميم في مثليهم عائدة إلى فئة تقاتل في سبيل الله , وهذا من الإضمار الذي يدل عليه سياق الكلام , وهو قوله: {والله يؤيد بنصره من يشاء} فدل على أن الكافرين كانوا مثلي المسلمين في رأي العين , وكانوا ثلاثة أمثالهم في العدد .
قال: والرؤية ههنا لليهود
قال: ومن قال يرونهم بالياء : جعل الرؤية للمسلمين يرون المشركين مثلهم, وكان المسلمون يوم بدر ثلاثمائة وأربعة عشر , والمشركون تسع مائة وخمسين , فأري المسلمون المشركين ضعفهم , وقد وعدوهم أن الرجل منهم يغلب الرجلين من المشركين , فكانت تلك آية أن يروا الشيء على خلاف صورته كما قال تعالى: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولاً}
قال أبو إسحاق: ليؤلف بينهم على الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه, والإنعام على من أراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته.
قال الفراء: يحتمل مثليهم ثلاثة أمثالهم.
قال أبو إسحاق: وهذا باب الغلط فيه غلط بين في جميع المقاييس ؛ لأنا إنما نعقل مثل الشيء مساويا له , ونعقل مثليه ما يساوي مرتين.
قال ابن كيسان الأزدي: كيف يقع المثلان موقع ثلاثة أمثال إلا أني أحسبه جعل ترونهم راجعة إلى الكل, ثم جعل المثلين مضافاً إلى نصفهم على معادلة الكافرين المؤمنين, أي: يرون الكل مثليهم لو كان الفريقان معتدلين, قال: والراءون ههنا : اليهود .
وقد بين الفراء قوله بأن قال: كما تقول , وعندك عبد أحتاج إلى مثليه , فأنت محتاج إلى ثلاثة .
وكذلك عنده: إذا قلت معي درهم , واحتاج إلى مثليه , فأنت تحتاج إلى ثلاثة مثليه , والدرهم ؛ لأنك لا تريد أن يذهب الدرهم.
والمعنى: يدل على خلاف ما قال, وكذلك اللغة, فإنهم إذا رأوهم على هيأتهم, فليس في هذه آية, واللغة على خلاف هذا؛ لأنه قد عرف بالتميز معنى المثل.
والذي أوقع الفراء في هذا أن المشركين كانوا ثلاثة أمثال المؤمنين يوم بدر , فتوهم أن لا يجوز أن يكونوا يرونهم إلا على عادتهم , فتأول أنك إذا قلت عندي درهم, وأحتاج إلى مثله والدرهم بحاله, فقد صرت تحتاج إلى درهمين , وهذا بين , وليس المعنى عليه, وإنما أراهم الله إياهم على غير عدتهم لجهتين:
إحداهما: أنه رأى الصلاح في ذلك؛ لأن المؤمنين تقوى قلوبهم بذلك .
والأخرى: أنه آية للنبي صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/364-366]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فِئَةٌ}: جماعة). [العمدة في غريب القرآن: 96]