شرح ابن القيم (ت:751هـ)[الشرح المطول]
قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: ( (الوَاجِدُ):
( (( الوَاجِدُ )) في أسمائِهِ سبحانَهُ... بمعنَى: ذُو الوُجدِ والغِنَى، وهوَ ضِدُّ الفاقِدِ، وهوَ كالمُوسِعِ ذِي السَّعَةِ، قالَ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)} [الذاريات: 47]؛ أيْ: ذَوُو سَعَةٍ وقدرةٍ وملكٍ، كما قالَ تَعَالَى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236].
وَدَخَلَ في أسمائِهِ سبحانَهُ (( الواجِدُ )) دونَ " المُوجِدِ "؛ فإنَّ (( المُوجِدَ )) صفةُ فِعْلٍ، وهوَ مُعْطِي الوجودِ؛ كالمْحُيْيِ مُعْطِي الحياةِ، وهذا الفعلُ لمْ يَجِئْ إطلاقُهُ في أفعالِ اللهِ في الكتابِ ولا في السُّنَّةِ، فلا يُعْرَفُ إطلاقُ: أَوْجَدَ اللهُ كذا وكذا. وَإِنَّمَا الذي جَاءَ: خَلَقَهُ وَبَرَأَهُ وَصَوَّرَهُ وَأَعْطَاهُ خَلْقَهُ، ونحوُ ذلكَ.
فَلَمَّا لمْ يَكُنْ يُسْتَعْمَلُ فِعْلُهُ لمْ يَجِئ اسمُ الفاعلِ منهُ في أسمائِهِ الحُسْنَى؛ فإنَّ الفعلَ أَوْسَعُ من الاسمِ، ولهذا أَطْلَقَ اللهُ على نفسِهِ أَفْعَالاً لمْ يَتَسَمَّ منها بأسماءِ الفاعلِ، كَأَرَادَ، وَشَاءَ، وَأَحْدَثَ. ولمْ يُسَمَّ " بالمُرِيدِ " و " الشَّائِي " و " المُحْدِثِ "، كَمَا لمْ يُسَمِّ نَفْسَهُ " بالصَّانِعِ " و " الفاعِلِ " و " المُتْقِنِ " وغيرِ ذلكَ من الأسماءِ التي أَطْلَقَ على نفسِهِ [أَفْعَالَهَا]، فبابُ الأفعالِ أَوْسَعُ منْ بابِ الأسماءِ.
وقدْ أَخْطَأَ أَقْبَحَ خَطَإٍ مَن اشْتَقَّ لهُ منْ كلِّ فِعْلٍ اسْماً، وبَلَغَ بأسمائِهِ زيادةً على الأَلْفِ، فَسَمَّاهُ " المَاكِرَ، والمُخَادِعَ، والفَاتِنَ، والكَائِدَ "، ونحوَ ذلكَ.
وكذلكَ بابُ الإخبارِ عنهُ بالاسمِ أَوْسَعُ منْ تَسْمِيَتِهِ بهِ، فإنَّهُ يُخْبَرُ عنهُ بأنَّهُ " شَيْءٌ وَمَوْجُودٌ، وَمَذْكُورٌ، وَمَعْلُومٌ، وَمُرَادٌ "، لا يُسَمَّى بذلكَ.
فأمَّا (( الواجِدُ )) فلمْ تَجِئْ تَسْمِيَتُهُ بهِ إلاَّ في حديثِ تَعْدَادِ الأسماءِ الحُسْنَى ([1]). والصحيحُ: أنَّهُ ليسَ منْ كلامِ النبيِّ، ومعناهُ صحيحٌ؛ فإنَّهُ ذو الوُجْدِ والغِنَى، فهوَ أَوْلَى بأنْ يُسَمَّى بهِ من (( الموجودِ )) ومن (( المُوجِدِ ))، أمَّا (( المَوْجُودُ )) فَإِنَّهُ مُنْقَسِمٌ إلى كاملٍ وناقصٍ، وخيرٍ وشرٍّ، وما كانَ مُسَمَّاهُ مُنْقَسِماً لمْ يَدْخُل اسْمُهُ في الأسماءِ الحُسْنَى، كالشيءِ والمعلومِ، ولذلكَ لمْ يُسَمَّ بالمُرِيدِ، ولا بالمُتَكَلِّمِ وإنْ كانَ لهُ الإرادةُ والكلامُ، لانْقِسَامِ مُسَمَّى (( المُرِيدِ )) و (( المُتَكَلِّمِ )). وأمَّا (( المُوجِدُ )) فقدْ سَمَّى نَفْسَهُ بأكملِ أنواعِهِ، وهوَ (الخالِقُ، البارِئُ، المُصَوِّرُ)، فالمُوجِدُ كالمُحْدِثِ والفاعلِ والصانعِ، وهذا مِنْ دقيقِ فِقْهِ الأسماءِ الحُسْنَى، فتَأَمَّلْهُ. وباللهِ التوفيقُ)([2]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟]
(1) سَبَقَ تَخْرِيجُه ص 354.
(2) مَدارِجُ السَّالكِينَ ( 3/383-385)
وقال –رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى– في شِفاءِ العَلِيلِ (1/ 332): (ووَقَعَ فِي أَسمائِهِ الواجِدُ، وهو بمعنَى: الغَنِيِّ الذي له الوَجْدُ).