العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الثاني 1434هـ/21-02-2013م, 11:13 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة النساء [ الآية (12) ]

تفسير سورة النساء
[ الآية (12) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 03:00 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) ).
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن أبي داود عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: الضّرار عند الوصيّة من الكبائر ثمّ قرأ {غير مضارٍّ وصيّةً من اللّه} إلى قوله عزّ وجلّ: {عذاب مهين}). [تفسير الثوري: 91]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ فلكلّ واحدٍ منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرٍو، عن طاوس، قال:
« أمر (عمر) حفصة أن تسأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، عن الكلالة، فأمهلته حتّى إذا لبس ثيابه، سألته عنها، فأملاها عليها، وقال: «من أمرك بهذا، أعمر؟ ما أظن أن يفهمهما، أو لم تكفه آية الصّيف؟» قال سفيان: {وإن كان رجلٌ يورث كلالةً}، فلم يفهمها، وقال: اللّهمّ من فهمها فإني لم أفهمها».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن الحسن بن محمّدٍ، قال: سألت ابن عبّاسٍ عن الكلالة، قال:
«هو ما عدا الولد والوالد. فقلت له: {إن امرؤٌ هلك ليس له ولد} ؟ فغضب وانتهرني».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن سليمان الأحول، عن طاوس، سمع ابن عبّاسٍ يقول:
«كنت آخر النّاس عهدًا بعمر، فسمعته يقول: القول ما قلت، فقلت: وما قلت؟ قال: الكلالة من لا ولد له».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، عن زكريّا، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبد اللّه، قال: سمعت ابن عبّاسٍ يقول:
«الكلالة ما عدا الوالد والولد».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عاصمٍ الأحول، عن الشّعبي، قال: قال عمر:
«الكلالة ما عدا الولد» ، وقال أبو بكرٍ رضي اللّه عنه: « الكلالة ما عدا الولد والوالد» ، فلمّا طعن عمر رضي اللّه عنه، قال: « إنّي لأستحي اللّه عزّ وجلّ أن أخالف أبا بكرٍ رضي اللّه عنه: (الكلالة ماعدا الولد والوالد»).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، عن يعلى بن عطاءٍ، عن القاسم بن ربيعة بن قانف، عن سعد بن أبي وقّاصٍ، أنّه كان يقرأ: {وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ من أم}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن إبراهيم قال: نا أبو حيّان التّيمي، عن الشّعبي، عن ابن عمر، قال:
«سمعت عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه يقول على منبر المدينة: أيّها النّاس، ألا إنّه نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة أشياء: من العنب، والتّمر، والعسل، والحنطة، والشّعير، والخمر ما خامر العقل، وثلاثٌ أيّها النّاس وددت أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لم يفارقنا حتّى يعهد إلينا عهدًا ننتهي إليه: الجدّ، والكلالة، وأبوابٌ من أبواب الرّبا»). [سنن سعيد بن منصور: 3/1178-1188]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم}.
- حدّثنا محمّد بن يوسف، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال:
«كان المال للولد، وكانت الوصيّة للوالدين، فنسخ اللّه من ذلك ما أحبّ، فجعل: للذّكر مثل حظّ الأنثيين، وجعل للأبوين لكلّ واحدٍ منهما السّدس، والثّلث، وجعل للمرأة الثّمن والرّبع، وللزّوج الشّطر والرّبع»). [صحيح البخاري: 6/44]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله باب قوله{ ولكم نصف ما ترك أزواجكم})
سقط قوله باب لغير أبي ذرٍّ وثبت قوله قوله للمستمليّ فقط.

[4578] قوله كان المال للولد يشير إلى ما كانوا عليه قبل وقد روى الطّبريّ من وجهٍ آخر عن بن عبّاسٍ
«أنّها لمّا نزلت قالوا يا رسول اللّه أنعطي الجارية الصّغيرة نصف الميراث وهي لا تركب الفرس ولا تدافع العدوّ قال وكانوا في الجاهليّة لا يعطون الميراث إلّا لمن قاتل القوم قوله فنسخ اللّه من ذلك ما أحبّ » هذا يدلّ على أنّ الأمر الأوّل استمرّ إلى نزول الآية وفيه ردٌّ على من أنكر النّسخ ولم ينقل ذلك عن أحدٍ من المسلمين إلّا عن أبي مسلمٍ الأصبهانيّ صاحب التّفسير فإنّه أنكر النّسخ مطلقًا وردّ عليه بالإجماع على أنّ شريعة الإسلام ناسخةٌ لجميع الشّرائع أجيب عنه بأنّه يرى أنّ الشّرائع الماضية مستقرّة الحكم إلى ظهور هذه الشّريعة قال فسمّي ذلك تخصيصًا لا نسخا ولهذا قال بن السّمعانيّ إن كان أبو مسلمٍ لا يعترف بوقوع الأشياء الّتي نسخت في هذه الشّريعة فهو مكابرٌ وإن قال لا أسمّيه نسخًا كان الخلاف لفظيًّا واللّه أعلم قوله وجعل للأبوين لكلّ واحدٍ منهما السّدس والثّلث قال الدّمياطيّ قوله والثّلث زيادةٌ هنا وقد أخرج المصنّف هذا الحديث بهذا الإسناد في كتاب الفرائض فلم يذكرها قلت اختصرها هناك ولكنّها ثابتةٌ في تفسير محمّد بن يوسف الفريابيّ شيخه فيه والمعنى أنّ لكلّ واحدٍ منهما السّدس في حالٍ وللأمّ الثّلث في حالٍ ووزان ذلك ما ذكره في بقيّة الحديث وللزّوج النّصف والرّبع أي كلٌّ منهما في حال). [فتح الباري: 8/245]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم}

أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} وليس لفظ: باب، إلّا في رواية المستملي قوله تعالى: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} .
- حدّثنا محمّد بن يوسف عن ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال
«كان المال للولد وكانت الوصيّة للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحبّ فجعل للذكر مثل حظّ الأنثيين وجعل للأبوين لكلّ واحدٍ منهما السّدس والثلث وجعل للمرأة الثمن والرّبع وللزّوج الشّطر والرّبع».
مطابقته للتّرجمة في قوله: (وللزّوج الشّطر) ، أي: شطر المال. وذلك عند عدم الولد، ومحمّد بن يوسف بن واقد الفريابيّ وليس هو محمّد بن يوسف البخاريّ البيكندي، وورقاء تأنيث الأورق ابن عمر اليشكري، ويقال الشّيبانيّ، أصله من خوارزم، ويقال: من الكوفة سكن المدائن، وابن أبي نجيح هو عبد الله، وأبو نجيح، بفتح النّون وكسر الجيم، اسمه يسارّ ضد اليمين وعطاء هو ابن رباح. والحديث قد مر في الوصايا في: باب لا وصيّة لوارث، بعين هذا الإسناد والمتن، ومر الكلام فيه هناك). [عمدة القاري: 18/167]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {ولكم نصف ما ترك أزواجكم}
هذا (باب) بالتنوين كذا لأبي ذر وله عن المستملي باب قوله الإضافة {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} إن لم يكن لهن ولد وارث من بطنها أو من صلب بنيها أو بني بنيها وإن سفل ذكرًا كان أو أنثى منكم أو من غيركم.
- حدّثنا محمّد بن يوسف، عن ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما- قال:
«كان المال للولد وكانت الوصيّة للوالدين فنسخ اللّه من ذلك ما أحبّ فجعل للذّكر مثل حظّ الأنثيين وجعل للأبوين لكلّ واحدٍ منهما السّدس والثّلث وجعل للمرأة الثّمن والرّبع وللزّوج الشّطر والرّبع».
وبه قال: حدّثنا محمد بن يوسف الفريابي عن ورقاء بن عمر اليشكري وقيل الشيباني عن ابن أبي نجيح اسمه عبد الله وأبو نجيح بفتح النون وكسر الجيم آخره مهملة اسمه يسار ضد اليمين عن عطاء هو ابن أبي رباح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: كان المال للولد أي مال الشخص إذا مات لولده وكانت الوصية للوالدين واجبة على ما يراه الموصي من المساواة والتفضيل فنسخ الله من ذلك ما أحب بآية المواريث فجعل للذكر من الأولاد مثل حظ الأنثيين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس إن كان للميت ولد ذكر أو أنثى والثلث إن لم يكن له ولد وجعل للمرأة أي الزوجة الثمن مع الولد والربع مع عدمه (وللزوج الشطر) مع عدم الولد (والربع) عند وجوده.
وهذا الحديث قد مرّ في الوصايا). [إرشاد الساري: 7/78]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهنّ ولدٌ فإن كان لهنّ ولدٌ فلكم الرّبع ممّا تركن من بعد وصيّةٍ يوصين بها أو دينٍ ولهنّ الرّبع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ فإن كان لكم ولدٌ فلهنّ الثّمن ممّا تركتم من بعد وصيّةٍ توصون بها أو دينٌ وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ فلكلّ واحدٍ منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث من بعد وصيّةٍ يوصى بها أو دينٍ غير مضارٍّ وصيّةً من اللّه واللّه عليمٌ حليمٌ}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ولكم أيّها النّاس نصف ما ترك أزواجكم بعد وفاتهنّ من مالٍ وميراثٍ إن لم يكن لهنّ ولدٌ يوم يحدث لهنّ الموت لا ذكرٌ ولا أنثى. {فإن كان لهنّ ولدٌ} أي فإن كان لأزواجكم يوم يحدث لهنّ الموت ولد ذكرٌ أو أنثى، فلكم الرّبع ممّا تركن من مالٍ وميراثٍ، ميراثًا لكم عنهنّ، {من بعد وصيّةٍ يوصين بها أو دينٍ} يقول: ذلكم لكم، ميراثًا عنهنّ ممّا يبقى من تركاتهنّ وأموالهنّ من بعد قضاء ديونهنّ الّتي يمتن وهي عليهنّ، ومن بعد إنفاذ وصاياهنّ الجائزة إن كنّ أوصين بها). [جامع البيان: 6/473]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولهنّ الرّبع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ فإن كان لكم ولدٌ فلهنّ الثّمن ممّا تركتم من بعد وصيّةٍ توصون بها أو دينٌ} يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ولهنّ الرّبع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ} ولأزواجكم أيّها النّاس ربع ما تركتم بعد وفاتكم من مالٍ وميراثٍ إن حدث بأحدكم حدث الوفاة ولا ولد له: ذكرٌ ولا أنثى {فإن كان لكم ولدٌ} يقول: فإن حدث بأحدكم حدث الموت وله ولدٌ ذكرٌ أو أنثى، واحدًا كان الولد أو جماعةً، {فلهنّ الثّمن ممّا تركتم} يقول: فلأزواجكم حينئذٍ من أموالكم وتركتكم الّتي تخلّفونها بعد وفاتكم الثّمن من بعد قضاء ديونكم الّتي حدث بكم حدث الوفاة وهي عليكم، ومن بعد إنفاذ وصاياكم الجائزة الّتي توصون بها.
وإنّما قيل: {من بعد وصيّةٍ توصون بها أو دينٍ} فقدّم ذكر الوصيّة على ذكر الدّين؛ لأنّ معنى الكلام أنّ الّذي فرضت لمن فرضت له منكم في هذه الآيات إنّما هو له من بعد إخراج أيّ هذين كان في مال الميّت منكم، من وصيّةٍ أو دينٍ، فلذلك كان سواءً تقديم ذكر الوصيّة قبل ذكر الدّين، وتقديم ذكر الدّين قبل ذكر الوصيّة؛ لأنّه لم يرد من معنى ذلك إخراج أحد الشّيئين: الدّين والوصيّة من ماله، فيكون ذكر الدّين أولى أن يبدأ به من ذكر الوصيّة). [جامع البيان: 6/474]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ} يعني بذلك جلّ ثناؤه: وإن كان رجلٌ أو امرأةٌ يورث كلالةً.
ثمّ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الإسلام: {وإن كان رجلٌ يورث كلالةً} يعني: وإن كان رجلٌ يورث متكلّله النّسب، فالكلالة على هذا القول مصدرٌ من قولهم: تكلّله النّسب تكلّلاً وكلالةً، بمعنى: تعطّف عليه النّسب.
وقرأه بعضهم: (وإن كان رجلٌ يورّث كلالةً) بمعنى: وإن كان رجلٌ يورّث من يتكلّله، بمعنى: من يتعطّف عليه بنسبه من أخٍ أو أختٍ.
واختلف أهل التّأويل في الكلالة، فقال بعضهم:
«هي ما خلا الوالد والولد».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الوليد بن شجاعٍ السّكونيّ، قال: حدّثني عليّ بن مسهرٍ، عن عاصمٍ، عن الشّعبيّ، قال: قال أبو بكرٍ رضي اللّه عنه:
«إنّي قد رأيت في الكلالة رأيًا، فإن كان صوابًا فمن اللّه وحده لا شريك له، وإن يكن خطأً فمنّي والشّيطان، واللّه منه بريءٌ؛ إنّ الكلالة ما خلا الولد والوالد فلمّا استخلف عمر رضي اللّه عنه، قال: إنّي لأستحيي من اللّه تبارك وتعالى أن أخالف أبا بكرٍ في رأي رآه».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عاصمٌ الأحول، قال: حدّثنا الشّعبيّ
« أنّ أبا بكرٍ رضي اللّه عنه، قال في الكلالة: أقول فيها برأيي، فإن كان صوابًا فمن اللّه: هو ما دون الولد والوالد قال: فلمّا كان عمر رضي اللّه عنه، قال: إنّي لأستحيي من اللّه أن أخالف أبا بكرٍ».
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا سفيان، عن عاصمٍ الأحول، عن الشّعبيّ أنّ أبا بكرٍ، وعمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنهما قالا:
« الكلالة من لا ولد له ولا والد ».
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثني أبي، عن عمران بن حديرٍ، عن السّميط، قال:
«كان عمر رجلاً أيسر، فخرج يومًا وهو يقول بيده هكذا، يديرها إلاّ أنّه قال: أتى عليّ حينٌ ولست أدري ما الكلالة؟ ألا وإنّ الكلالة: ما خلا الولد والوالد».
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن جابرٍ، عن عامرٍ، عن أبي بكرٍ، قال:
« الكلالة ما خلا الولد والوالد».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن الحسن بن محمّدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال:
«الكلالة من لا ولد له ولا والد».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت ابن جريجٍ يحدّث عن عمرو بن دينارٍ، عن الحسن بن محمّدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال:
«الكلالة من لا ولد له ولا والد».
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن الحسن بن محمّدٍ ابن الحنفيّة، عن ابن عبّاسٍ، قال:
«الكلالة: ما خلا الولد والوالد».
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبدٍ، عن ابن عبّاسٍ، بمثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبد السّلوليّ، عن ابن عبّاسٍ، قال:
«الكلالة: ما خلا الولد والوالد».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ} قال:
«الكلالة: من لم يترك ولدًا ولا والدًا».
- حدّثني محمّد بن عبيدٍ المحاربيّ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبدٍ قال:
«ما رأيتهم إلاّ قد اتّفقوا أنّ من مات ولم يدع ولدًا ولا والدًا أنّه كلالةٌ».
- حدّثنا تميم بن المنتصر، قال: حدّثنا إسحاق بن يوسف، عن شريكٍ، عن أبي إسحاق عن سليم بن عبدٍ، قال:
«ما رأيتهم إلاّ قد أجمعوا أنّ الكلالة: الّذي ليس له ولدٌ ولا والدٌ».
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبدٍ، قال:
«الكلالة: ما خلا الولد والوالد».
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن أشعث، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبدٍ، قال:
«أدركتهم وهم يقولون: إذا لم يدع الرّجل ولدًا ولا والدًا ورث كلالةً».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ}
« والكلالة: الّذي لا ولد له ولا والد، لا أب ولا جدّ ولا ابن ولا ابنة، فهؤلاء الإخوة من الأمّ ».
- حدّثني محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، عن شعبة، عن الحكم، قال في
«الكلالة: ما دون الولد والوالد».
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ:
« الكلالة كلّ من لا يرثه والدٌ ولا ولدٌ، وكلّ من لا ولد له ولا والد فهو يورث كلالةً من رجالهم ونسائهم».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، والزّهريّ، وأبي إسحاق، قال:
« الكلالة: من ليس له ولدٌ ولا والدٌ ».
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا محمّد بن محمّدٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، وقتادة، وأبي إسحاق، مثله.
وقال آخرون:
«الكلالة: ما دون الولد، وهذا قولٌ عن ابن عبّاسٍ، وهو الخبر الّذي ذكرناه قبل من رواية طاووسٍ عنه أنّه ورّث الإخوة من الأمّ السّدس مع الأبوين».
وقال آخرون:
«الكلالة: ما خلا الوالد».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا سهل بن يوسف، عن شعبة، قال: سألت الحكم عن الكلالة، قال:
«فهو ما دون الأب».
واختلف أهل العربيّة في النّاصب للكلالة؛ فقال بعض البصريّين: إن شئت نصبت كلالةً على خبر كان، وجعلت {يورث} من صفة الرّجل، وإن شئت جعلت {كان} تستغني عن الخبر نحو: وقع، وجعلت نصب كلالةٍ على الحال: أي يورث كلالةً، كما يقال:
«يضرب قائمًا».
وقال بعضهم: قوله {كلالةً} خبر كان، لا يكون الموروث كلالةً، وإنّما الوارث الكلالة
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك عندي: أنّ الكلالة منصوبٌ على الخروج من قوله {يورث} وخبر {كان} {يورث} والكلالة وإن كانت منصوبةً بالخروج من يورث، فليست منصوبةً على الحال، ولكن على المصدر من معنى الكلام، لأنّ معنى الكلام وإن كان رجلٌ يورث متكلّله النّسب كلالةً، ثمّ ترك ذكر متكلّله اكتفاءً بدلالة قوله: {يورث} عليه.
واختلف أهل العلم في المسمّى كلالةً، فقال بعضهم:
«الكلالة: الموروث، وهو الميّت نفسه، سمّي بذلك إذا ورثه غير والده وولده».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله في الكلالة، قال:
«الّذي لا يدع والدًا ولا ولدًا».
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن طاووسٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال:
« كنت آخر النّاس عهدًا بعمر رضي اللّه عنه، فسمعته يقول القول ما قلت، قلت: وما قلت؟ قال: الكلالة: من لا ولد له».
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، ويحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال:
«الكلالة: من لا ولد له ولا والد».
وقال آخرون:
« الكلالة: هي الورثة الّذين يرثون الميّت إذا كانوا إخوةً أو أخواتٍ أو غيرهم إذا لم يكونوا ولدًا ولا والدًا على ما قد ذكرنا من اختلافهم في ذلك».
وقال آخرون:
« بل الكلالة: الميّت والحيّ جميعًا ».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: الكلالة:
« الميّت الّذي لا ولد له ولا والد، والحيّ كلّهم كلالةٌ، هذا يرث بالكلالة، وهذا يورث بالكلالة».
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك عندي ما قاله هؤلاء، وهو أنّ الكلالة الّذين يرثون الميّت من عدا ولده ووالده، وذلك لصحّة الخبر الّذي ذكرناه عن جابر بن عبد اللّه أنّه قال: قلت: يا رسول اللّه، إنّما يرثني كلالةٌ، فكيف بالميراث؟.
- وبما: حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن عونٍ، عن عمرو بن سعيدٍ، قال: كنّا مع حميد بن عبد الرّحمن في سوق الرّقيق، قال:
« فقام من عندنا ثمّ رجع، فقال: هذا آخر ثلاثةٍ من بني سعدٍ حدّثوني هذا الحديث، قالوا: مرض سعدٌ بمكّة مرضًا شديدًا، قال: فأتاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعوده، فقال: يا رسول اللّه لي مالٌ كثيرٌ، وليس لي وارثٌ إلاّ كلالةً، فأوصي بمالي كلّه؟ فقال: لا ».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا إسحاق بن سويدٍ، عن العلاء بن زيادٍ، قال: جاء شيخٌ إلى عمر رضي اللّه عنه، فقال:
« إنّي شيخٌ وليس لي وارثٌ إلاّ كلالةٌ أعرابٌ متراخٍ نسبهم، أفأوصي بثلث مالي؟ قال: لا فقد أنبأت هذه الأخبار عن صحّة ما قلنا في معنى الكلالة وأنّها ورثة الميّت دون الميّت ممّن عدا والده وولده»). [جامع البيان: 6/474-482]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وله أخٌ أو أختٌ فلكلّ واحدٍ منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وله أخٌ أو أختٌ} وللرّجل الّذي يورث كلالةً أخٌ أو أختٌ يعني أخا أو أختًا من أمّه.
- كما: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن يعلي بن عطاءٍ، عن القاسم، عن سعدٍ، أنّه كان يقرأ: {وإن كان رجلٌ يورث كلالةً} أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ قال سعدٌ: لأمّه.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا شعبة، عن يعلى بن عطاءٍ، قال:
«سمعت القاسم بن ربيعة يقول: قرأت على سعدٍ: {وإن كان رجلٌ يورث كلالةً} أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ قال سعدٌ: لأمّه».
- حدّثني محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا وهب بن جريرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن يعلى بن عطاءٍ، عن القاسم بن ربيعة بن قانفٍ، قال: قرأت على سعدٍ، فذكر نحوه.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: أخبرنا هشيمٌ، قال: أخبرنا يعلى بن عطاءٍ، عن القاسم بن ربيعة، قال: سمعت سعد بن أبي وقّاصٍ قرأ:
«وإن كان رجلٌ يورث كلالةً وله أخٌ أو أختٌ من أمّه».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وله أخٌ أو أختٌ} فهؤلاء الإخوة من الأمّ إن كان واحدًا فله السّدس، وإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث، ذكرهم وأنثاهم فيه سواءٌ.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ} فهؤلاء الإخوة من الأمّ، فهم شركاء في الثّلث، سواءٌ الذّكر والأنثى.
وقوله: {فلكلّ واحدٍ منهما السّدس} إذا انفرد الأخ وحده أو الأخت وحدها، ولم يكن أخٌ غيره أو غيرها من أمّه فله السّدس من ميراث أخيه لأمّه، فإن اجتمع أخٌ وأختٌ أو أخوان لا ثالث معهما لأمّهما، أو أختان كذلك، أو أخٌ وأختٌ ليس معهما غيرهما من أمّهما، فلكلّ واحدٍ منهما من ميراث أخيهما لأمّهما السّدس. {فإن كانوا أكثر من ذلك} يعني: فإن كان الإخوة والأخوات لأمّ الميّت الموروث كلالةً أكثر من اثنين، {فهم شركاء في الثّلث} يقول: فالثّلث الّذي فرضت لاثنيهم إذا لم يكن غيرهما من أمّهما ميراثًا لهما من أخيهما الميّت الموروث كلالةً شركةٌ بينهم إذا كانوا أكثر من اثنين إلى ما بلغ عددهم على عدد رءوسهم، لا يفضّل ذكرٌ منهم على أنثًى في ذلك، ولكنّه بينهم بالسّويّة.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل وله أخٌ أو أختٌ، ولم يقل لهما أخٌ أو أختٌ، وقد ذكر قبل ذلك رجلٌ أو امرأةٌ، فقيل: وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ؟
قيل: إنّ من شأن العرب إذا قدّمت ذكر اسمين قبل الخبر فعطفت أحدهما على الآخر بأو ثمّ أتت بالخبر أضافت الخبر إليهما أحيانًا وأحيانًا إلى أحدهما، وإذا أضافت إلى أحدهما، كان سواءً عندها إضافة ذلك إلى أيّ الاسمين اللّذين ذكرتهما إضافته، فتقول: من كان عنده غلامٌ أو جاريةٌ فليحسن إليه، يعني: فليحسن إلى الغلام، وفليحسن إليها، يعني: فليحسن إلى الجارية، وفليحسن إليهما.
وأمّا قوله: {فلكلّ واحدٍ منهما السّدس} وقد تقدّم ذكر الأخ والأخت بعطف أحدهما على الآخر، والدّلالة على أنّ المراد بمعنى الكلام أحدهما في قوله: {وله أخٌ أو أختٌ} فإنّ ذلك إنّما جاز لأنّ معنى الكلام: فلكلّ واحدٍ من المذكورين السّدس). [جامع البيان: 6/482-485]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {من بعد وصيّةٍ يوصى بها أو دينٍ غير مضارٍّ وصيّةً من اللّه واللّه عليمٌ حليم} يعني جلّ ثناؤه بقوله: {من بعد وصيّةٍ يوصى بها} أي هذا الّذي فرضت لأخي الميّت الموروث كلالةً وأخته أو إخوته وأخواته من ميراثه وتركته، إنّما هو لهم من بعد قضاء دين الميّت الّذي كان عليه يوم حدث به حدث الموت من تركته، وبعد إنفاذ وصاياه الجائزة الّتي يوصي بها في حياته لمن أوصى له بها بعد وفاته.
- كما: حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {من بعد وصيّةٍ يوصى بها أو دينٍ} والدّين أحقّ ما بدئ به من جميع المال، فيؤدّى عن أمانة الميّت، ثمّ الوصيّة، ثمّ يقسم أهل الميراث ميراثهم.
وأمّا قوله: {غير مضارٍّ} فإنّه يعني تعالى ذكره: من بعد وصيّةٍ يوصى بها غير مضارٍّ ورثته في ميراثهم عنه.
- كما: حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {غير مضارٍّ} قال:
«في ميراث أهله».
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {غير مضارٍّ} قال:
«في ميراث أهله».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثني يزيد، قال: حدّثني سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {غير مضارٍّ وصيّةً من اللّه} إنّ اللّه تبارك وتعالى كره الضّرار في الحياة وعند الموت ونهى عنه وقدّم فيه، فلا تصلح مضارّةٌ في حياةٍ ولا موتٍ.
- حدّثني نصر بن عبد الرّحمن الأوديّ، قال: حدّثنا عبيدة بن حميدٍ، وثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، جميعًا، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في هذه الآية: {غير مضارٍّ وصيّةً من اللّه واللّه عليمٌ حليمٌ} قال:
«الضّرار في الوصيّة من الكبائر».
- حدّثنا ابن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال:
«الضّرار في الوصيّة من الكبائر».
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ مثله.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال:
« الحيف في الوصيّة من الكبائر».
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ وعبد الأعلى، قالا: حدّثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال:
«الضّرار والحيف في الوصيّة من الكبائر».
- حدّثني موسى بن سهلٍ الرّمليّ، قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم أبو النّصر، قال: حدّثنا عمر بن المغيرة، قال: حدّثنا داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«الضّرار في الوصيّة من الكبائر».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا أبو عمرٍو التّيميّ، عن أبي الضّحى، قال:
«دخلت مع مسروقٍ على مريضٍ، فإذا هو يوصي، قال: فقال له مسروقٌ: اعدل لا تضلل».
ونصبت {غير مضارٍّ} على الخروج من قوله: {يوصى بها} وأمّا قوله: {وصيّةً} فإنّ نصبه من قوله: {يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين} وسائر ما أوصى به في الاثنين، ثمّ قال: {وصيّةً من اللّه} مصدرًا من قوله: {يوصيكم}.
وقد قال بعض أهل العربيّة: ذلك منصوبٌ من قوله: {فلكلّ واحدٍ منهما السّدس}، {وصيّةً من اللّه} قال: هو مثل قولك:
«لك درهمان نفقةً إلى أهلك».
والّذي قلناه بالصّواب أولى؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه افتتح ذكر قسمة المواريث في هاتين الآيتين بقوله: {يوصيكم اللّه} ثمّ ختم ذلك بقوله: {وصيّةً من اللّه} أخبر أنّ جميع ذلك وصيّةٌ منه به عباده، فنصب قوله: {وصيّةً} على المصدر من قوله: {يوصيكم} أولى من نصبه على التّفسير من قوله: {فلكلّ واحدٍ منهما السّدس} لما ذكرنا.
ويعني بقوله تعالى ذكره: {وصيّةً من اللّه} عهدًا من اللّه إليكم فيما يجب لكم من ميراث من مات منكم {واللّه عليمٌ} يقول: ذو علمٍ بمصالح خلقه ومضارّهم، ومن يستحقّ أن يعطى من أقرباء من مات منكم وأنسبائه من ميراثه، ومن يحرم ذلك منهم، ومبلغ ما يستحقّ به كلّ من استحقّ منهم قسمًا، وغير ذلك من أمور عباده ومصالحهم {حليمٌ} يقول: ذو حلمٍ عن خلقه، وذو أناةٍ في تركه معاجلتهم بالعقوبة على ظلم بعضهم بعضًا في إعطائهم الميراث لأهل الجلد والقوّة من ولد الميّت وأهل الغناء والبأس منهم، دون أهل الضّعف والعجز من صغار ولده وإناثهم). [جامع البيان: 6/485-488]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهنّ ولدٌ فإن كان لهنّ ولدٌ فلكم الرّبع ممّا تركن من بعد وصيّةٍ يوصين بها أو دينٍ ولهنّ الرّبع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ فإن كان لكم ولدٌ فلهنّ الثّمن ممّا تركتم من بعد وصيّةٍ توصون بها أو دينٍ وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ فلكلّ واحدٍ منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث من بعد وصيّةٍ يوصى بها أو دينٍ غير مضارٍّ وصيّةً من اللّه واللّه عليمٌ حليمٌ (12)}.
قوله تعالى: {ولكم}.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: ولكم يقول:{للرّجل}.
قوله تعالى: {نصف ما ترك أزواجكم}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: ولكم نصف ما ترك أزواجكم يقول:
«للرّجل نصف ما تركت امرأته إذا ماتت».
قوله تعالى: {إن لم يكن لهنّ ولدٌ}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {إن لم يكن لهنّ ولدٌ} :
« إن لم يكن لها ولدٌ من زوجها الّذي ماتت عنه أو من غيره».
قوله تعالى: {فإن كان لهنّ ولدٌ}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {فإن كان لهنّ ولدٌ}:
« فإن كان لها ولدٌ ذكرٌ أو أنثى».
قوله تعالى: {فلكم الرّبع}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {فلكم الرّبع}
« يعني: للزّوج».
قوله تعالى: {ممّا تركن}.
- وبه عن عن سعيدٍ قوله: {ممّا تركن }
«يعني: ممّا تركت من المال».
قوله تعالى: {يوصين بها}.
- وبالإسناد عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {من بعد وصيّةٍ يوصين بها}:
«النّساء».
قوله تعالى: {أو دينٍ}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله:{ أو دينٍ}:
«دينٌ عليهنّ، قال: فالدّين قبل الوصيّة فيها تقديمٌ».
قوله تعالى: {ولهنّ}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله:
« ولهنّ يعني: النّساء».
قوله تعالى: {الرّبع}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {ولهنّ الرّبع ممّا تركتم }
«يعني: للمرأة الرّبع».
قوله تعالى: {ممّا تركتم}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {ممّا تركتم}
«يعني: ممّا ترك زوجها من الميراث».
قوله تعالى: {إن لم يكن لكم}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {إن لم يكن لكم }
«يعني: لزوجها الّذي مات عنها».
قوله تعالى: {ولدٌ}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله:{ إنّ لم يكن لكم ولدٌ }
«قال: ولدٌ منها ولا من غيرها».
قوله تعالى: {فإن كان لكم}
«يعني: للرجل».
قوله تعالى: {ولدٌ}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {فإن كان لكم ولدٌ}
«قال: ولدٌ ذكرٌ أو أنثى».
قوله تعالى: {فلهنّ الثّمن}.
- حدّثنا بحر بن نصرٍ الخولانيّ، ثنا عبد اللّه بن وهبٍ، حدثني داود ابن قيسٍ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيلٍ، عن جابر بن عبد اللّه
« أنّ امرأة سعد بن الرّبيع قالت: يا رسول الله، إن سعد أهلك وترك ابنتين وأخاه، فعمد أخوه فقبض ما ترك سعدٌ، وإنّما تنكح النّساء على أموالهنّ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:« ادع لي أخاه»، فجاء، فقال: « ادفع إلى ابنتيه الثّلثين، وإلى المرأة الثّمن ولك ما بقي» ».
قوله تعالى: {ممّا تركتم}.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {فلهنّ الثّمن ممّا تركتم }
«يعني: ممّا ترك الزّوج من المال».
قوله تعالى: {من بعد وصيّةٍ توصون بها أو دينٍ}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: من بعد وصيّةٍ توصون بها أو دينٍ: والدّين قبل الوصيّة ثمّ يقسم الميراث.
قوله تعالى: {وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأة}.
[الوجه الأول]:
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان بن عيينة، عن سليمان الأحول، عن طاوسٍ قال: سمعت ابن عبّاسٍ يقول:
«كنت آخر النّاس عهداً بعمر، فسمعته يقول: القول ما قلت. قال: قلت: وما قلت؟ قال: الكلالة: من لا ولد له ولا والد».
- وروي عن الضّحّاك والحسن نحو ذلك.
[الوجه الثّاني]:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبدٍ، عن ابن عبّاسٍ بمثل حديثٍ قبله قال:
«الكلالة: ما خلا الولد والوالد».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله:
«وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ يقول: إن كان رجلٌ أو امرأةٌ يورث كلالةً، الكلالة: الميّت الّذي ليس له ولدٌ ولا والدٌ».
قوله تعالى: {وله أخٌ أو أختٌ فلكلّ واحدٍ منهما السّدس}.
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان (ح) وحدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرميّ، ثنا شعبة كلاهما عن يعلى بن عطاءٍ، عن القاسم بن عبد اللّه بن ربيعة، عن سعد بن مالكٍ وهو ابن أبي وقّاصٍ أنّه قرأ هذا الحرف: إن امرؤٌ هلك ليس له ولدٌ أخٌ أو أختٌ من أمٍّ وفي حديث الحسن أنّه قال في قول اللّه تعالى:{ وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ} قال:
«من أمّه».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: {فإن كانوا أكثر من ذلك } يعني:
«أكثر من واحدٍ، وكانوا اثنين إلى عشرةٍ فصاعداً».
قوله تعالى: {فهم شركاء في الثّلث}.
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى، أنبأ عبد اللّه بن وهبٍ، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهابٍ قال:
«قضى عمر بن الخطّاب أنّ ميراث الأخوة من الأمّ بينهم للذّكر فيه مثل الأنثى، قال: ولا أرى عمر بن الخطّاب قضى بذلك حتّى علم ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولهذه الآية الّتي قال اللّه تعالى: فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث، وروي عن الحسن، وسعيد بن جبيرٍ، وقتادة نحو ذلك».
قوله تعالى: {من بعد وصيّةٍ يوصى بها أو دين}.
قد تقدّم تفسيره.
قوله تعالى: {غير مضارٍّ وصيّةً من اللّه}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو النّضر الدّمشقيّ الفراديسيّ، ثنا عمر بن المغيرة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«الإضرار في الوصيّة من الكبائر».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عائذ بن حبيبٍ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: قال:
« الضّرار في الوصيّة من الكبائر» ، ثمّ قرأ: غير مضارٍّ وصيّةً من اللّه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى:{ فإن كانوا أكثر من ذلك} يعني:
« أكثر من واحدٍ، وكانوا اثنين إلى عشرةٍ فصاعداً».
قوله تعالى: {فهم شركاء في الثّلث}.
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى، أنبأ عبد اللّه بن وهبٍ، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهابٍ قال:
« قضى عمر بن الخطّاب أنّ ميراث الأخوة من الأمّ بينهم للذّكر فيه مثل الأنثى، قال: ولا أرى عمر بن الخطّاب قضى بذلك حتّى علم ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولهذه الآية الّتي قال اللّه تعالى: {فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث} ، وروي عن الحسن، وسعيد بن جبيرٍ، وقتادة نحو ذلك».
قوله تعالى: {من بعد وصيّةً يوصى بها أو دين}.
قد تقدّم تفسيره.
قوله تعالى: {غير مضارٍّ وصيّةً من اللّه}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو النّضر الدّمشقيّ الفراديسيّ، ثنا عمر بن المغيرة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
« الإضرار في الوصيّة من الكبائر».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عائذ بن حبيبٍ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: قال:
« الضّرار في الوصيّة من الكبائر»، ثمّ قرأ: غير مضارٍّ وصيّةً من اللّه.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله:
«غير مضارٍّ: في الميراث أهله».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى:{ من بعد وصيّةً يوصى بها أو دينٍ} يعني، عليه من غير ضرارٍ يكون به، ولا يقرّ بحقٍّ عليه ولا يوصي بأكثر من الثّلث مضارّةً لهم، فذلك قوله: {غير مضارٍّ } يعني:
«غير مضارٍّ للورثة بتلك القسمة وصيّةً من الله».
قوله تعالى: {والله عليم حليم}.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة، ثنا محمّد بن إسحاق: {واللّه عليمٌ}
«أي: عليمٌ بما يخفون».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: {عليمٌ } يعني:
«عالماً بها»). [تفسير القرآن العظيم: 3/884-890]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله غير مضار يقول الموصي لا يضار في الميراث أهله). [تفسير مجاهد: 148]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (هكذا أخبرنا عليّ بن محمّد بن عقبة الشّيبانيّ، بالكوفة، ثنا الهيثم بن خالدٍ، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، قال: سمعت محمّد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، يحدّث عن عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، قال: لأن أكون سألت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عن «ثلاثٍ أحبّ إليّ من حمر النّعم من الخليفة بعده، وعن قومٍ قالوا أنقرّ بالزّكاة في أموالنا ولا نؤدّيها إليك، أيحلّ قتالهم؟ وعن الكلالة» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/332]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (وأخبرنا عليّ بن محمّد بن عقبة، ثنا الهيثم بن خالدٍ، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا ابن عيينة، قال: سمعت سليمان الأحول، يحدّث عن طاوسٍ، قال: سمعت ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال:
«كنت آخر النّاس عهدًا بعمر فسمعته يقول: القول ما قلت. قلت: وما قلت؟ قال: قلت: «الكلالة من لا ولد له» هذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه). [المستدرك: 2/332]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (وأخبرنا عليّ بن محمّد بن عقبة، ثنا الهيثم بن خالدٍ، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا سفيان، عن عمرو بن مرّة، عن مرّة، عن عمر رضي اللّه عنه، قال:
« ثلاثٌ لأن يكون النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيّنهم لنا أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها: الخلافة، والكلالة والرّبا «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/333]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (ما جاء في الكلالة: - عن حذيفة - رضي اللّه عنه - قال: «نزلت آية الكلالة على النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - في مسيرٍ له، فوقف النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فإذا هو بحذيفة، وإذا رأس ناقة حذيفة عند مؤتزر النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فلقّاها إيّاه، فنظر حذيفة فإذا عمر - رضي اللّه عنه - فلقّاها إيّاه، فلمّا كان في خلافة عمر - رحمة اللّه عليه - نظر عمر في الكلالة، فدعا حذيفة فسأله عنها، فقال حذيفة: لقد لقّانيها رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فلقّيتك كما لقّاني، واللّه إنّي لصادقٌ، وواللّه لا أزيدك على ذلك شيئًا أبدًا».
رواه البزّار، ورجاله رجال الصّحيح غير أبي عبيدة بن حذيفة، ووثّقه ابن حبّان). [مجمع الزوائد: 7/13]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} الآية، يقول:
« للرجل نصف ما تركت امرأته إذا ماتت إن لم يكن لها ولد من زوجها الذي ماتت عنه أو من غيره فإن كان لها ولد ذكر أو أنثى فللزوج الربع مما تركت من المال من بعد وصية يوصي بها النساء أو دين عليهن - والدين قبل الوصية فيها تقديم - {ولهن الربع} الآية، يعني للمرأة الربع مما ترك زوجها من الميراث إن لم يكن لزوجها الذي مات عنها ولد منها ولا من غيرها فإن كان للرجل ولد ذكر أو أنثى فلها الثمن مما ترك الزوج من المال وإن كان رجل أو امرأة يورث كلالة - والكلالة الميت الذي ليس له ولد ولا والد - {فإن كانوا أكثر من ذلك} يعني أكثر من واحد اثنين إلى عشرة فصاعدا » وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد والدرامي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يقرأ {وإن كان رجل يورث كلالة وله أخ أو أخت من أم} ).
وأخرج البيهقي عن الشعبي قال: ما ورث أحد من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم الأخوة من الأم مع الجد شيئا قط.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله {وله أخ أو أخت} قال:
«هؤلاء الإخوة من الأم فهم شركاء في الثلث قال: ذكرهم وأنثاهم فيه سواء».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال: قضى عمر بن الخطاب أن ميراث الإخوة من الأم بينهم الذكر فيه مثل الأنثى، قال: ولا أرى عمر بن الخطاب قضى بذلك حتى علمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذه الآية التي قال الله {فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث}
وأخرج الحاكم عن عمر وعلي، وابن مسعود وزيد في أم وزوج وإخوة لأب وأم وإخوة لأم إن الإخوة من الأب والأم شركاء الإخوة من الأم في ثلثهم وذلك أنهم قالوا:
«هم بنو أم كلهم ولم تزدهم الأم إلا قربا فهم شركاء في الثلث».
وأخرج الحاكم عن زيد بن ثابت في المشركة قال:
«هبوا أن أباهم كان حمارا ما زادهم الأب إلا قربا وأشرك بينهم في الثلث».
ذكر الأحاديث الواردة في الفرائض.
أخرج الحاكم والبيهقي في "سننه" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
« تعلموا الفرائض وعلموه الناس فإنه نصف العلم وإنه ينسى وهو أول ما ينزع من أمتي».
وأخرج الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
« تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الإثنان في الفرائض لا يجدان من يقضي بها».
وأخرج الحاكم عن ابن المسيب قال:
«كتب عمر إلى أبي موسى: إذا لهوتم فالهوا بالرمي وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض».
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال:
«تعلموا الفرائض واللحن والسنة كما تعلمون القرآن».
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال:
«تعلموا الفرائض فإنها من دينكم».
وأخرج الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود قال:
«من قرأ منكم القرآن فليتعلم الفرائض فإن لقيه أعرابي قال: يا مهاجر أتقرأ القرآن فيقول: نعم، فيقول: وأنا أقرأ، فيقول الأعرابي: أتفرض يا مهاجر فإن قال: نعم، قال: زيادة خير، وإن قال: لا، قال: فما فضلك علي يا مهاجر».
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال:
«تعلموا الفرائض والحج والطلاق فإنه من دينكم ».
وأخرج الحاكم والبيهقي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أفرض أمتي زيد بن ثابت».
وأخرج البيهقي عن الزهري قال:
« لولا أن زيد بن ثابت كتب الفرائض لرأيت أنها ستذهب من الناس».
وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود في المراسيل والبيهقي عن عطاء بن يسار
« أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب إلى قباء يستخير في ميراث العمة والخالة، فأنزل الله عليه لا ميراث لهما »، وأخرجه الحاكم موصولا من طريق عطاء عن أبي سعيد الخدري.
وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول:
«عجبا للعمة تورث ولا ترث».
وأخرج الحاكم عن قبيصة بن ذؤيب قال:
«جاءت الجدة إلى أبي بكر فقالت: إن لي حقا في ابن ابن، أو ابن ابنة لي مات، قال: ما علمت لك حقا في كتاب الله ولا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئا وسأسأل، فشهد المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس قال: من شهد ذلك معك فشهد محمد بن مسلمة فأعطاها أبو بكر السدس».
وأخرج الحاكم عن زيد بن ثابت أن عمر لما استشارهم في ميراث الجد والإخوة قال زيد:
«كان رأيي أن الإخوة أولى بالميراث وكان عمر يرى يومئذ أن الجد أولى من الإخوة فحاورته وضربت له مثلا وضرب علي، وابن عباس له مثلا يومئذ، السيل يضربانه ويصرفانه على نحو تصريف زيد».
وأخرج الحاكم عن عبادة بن الصامت قال:
« إن من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للجدتين من الميراث السدس بينهما بالسوية».
وأخرج الحاكم والبيهقي عن ابن عباس قال:
« أول من أعال الفرائض عمر تدافعت عليه وركب بعضها بعضا قال: والله ما أدري كيف أصنع بكم والله ما أدري أيكم قدم الله ولا أيكم أخر وما أجد في هذا المال شيئا أحسن من أن أقسمه عليكم بالحصص، ثم قال ابن عباس: وأيم الله لو قدم من قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضته، فقيل له: وأيها قدم الله قال: كل فريضة لم يهبطها الله من فريضة إلا إلى فريضة: فهذا ما قدم الله وكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي فتلك التي أخر الله فالذي قدم كالزوجين والأم والذي أخر كالأخوات والبنات، فإذا اجتمع من قدم الله وأخر بدئ بمن قدم فأعطى حقه كاملا فإن بقي شيء كان لهن وإن لم يبق شيء فلا شيء لهن ».
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس قال:
« أترون الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في المال نصفا وثلثا وربعا إنما هو نصفان وثلاثة أثلاث وأربعة أرباع».
وأخرج سعيد بن منصور عن عطاء قال:
«قلت لابن عباس: إن الناس لا يأخذون بقولي ولا بقولك ولو مت أنا وأنت ما اقتسموا ميراثا على ما تقول: قال: فليجتمعوا فلنضع أيدينا على الركن ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين، ما حكم الله بما قالوا».
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في "سننه" عن زيد بن ثابت،
«أنه أول من أعال الفرائض وأكثر ما بلغ العول مثل ثلثي رأس الفريضة».
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس أنه كان يقول:
«من شاء لاعنته عند الحجر الأسود إن الله لم يذكر في القرآن جدا ولا جدة إن هم إلا الآباء ثم تلا {واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب} ».
وأخرج سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
« أجرؤكم على قسم الجد أجرؤكم على النار».
وأخرج عبد الرزاق عن عمر قال:
« أجرؤكم على جراثيم جهنم أجرؤكم على الجد ».
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، عن علي، قال:
« من سره أن يتقحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والإخوة».
وأخرج مالك والبخاري ومسلم عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
« لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر».
وأخرج سعيد بن منصور عن عبد الله بن مغفل قال:
« ما أحدث في الإسلام قضاء بعد قضاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعجب إلي من قضاء معاوية أنا نرثهم ولا يرثونا كما أن النكاح يحل لنا فيهم ولا يحل لهم فينا».
وأخرج أبو داود والبيهقي عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ليس للقاتل من الميراث شيء» ، قوله تعالى: {غير مضار} الآية.
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار}
«يعني من غير ضرار لا يقر بحق ليس عليه ولا يوصي بأكثر من الثلث مضار للورثة».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {غير مضار} قال:
«في الميراث لأهله».
وأخرج النسائي، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة في المصنف، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال:
« الضرار في الوصية من الكبائر ثم قرأ {غير مضار}».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
« الإضرار في الوصية من الكبائر».
وأخرج مالك والطيالسي، وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان عن سعد بن أبي وقاص أنه
« مرض مرضا أشفي منه فأتاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعوده فقال: يا رسول الله إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنة أفأتصدق بالثلثين قال: «لا» ، قال: فالشطر، قال: « لا» ، قال: فالثلث، قال:«الثلث والثلث إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس».
وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل قال:
«إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم زيادة في حياتكم يعني الوصية».
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن عباس قال:
« وددت أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الثلث كثير».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: ذكر عند عمر الثلث في الوصية قال:
« الثلث وسط لا بخس ولا شطط».
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب قال:
« لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث ومن أوصى بالثلث لم يترك».
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: كانوا يقولون:
« الذي يوصي بالخمس أفضل من الذي يوصي بالربع والذي يوصي بالربع أفضل من الذي يوصي بالثلث».
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: كان يقال:
«السدس خير من الثلث في الوصية».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عامر الشعبي قال:
« من أوصى بوصية لم يحف فيها ولم يضار أحدا كان له من الأجر ما لو تصدق في حياته في صحته».
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال:
«كانوا يكرهون أن يموت الرجل قبل أن يوصي قبل أن تنزل المواريث »). [الدر المنثور: 4/260-270]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 08:01 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)}
.
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يورث كلالةً...}
الكلالة: ما خلا الولد والوالد.
وقوله: {وله أخٌ أو أختٌ} ولم يقل: ولهما؛ وهذا جائز؛ إذا جاء حرفان في معنى واحد بأو أسندت التفسير إلى أيّهما شئت.
وإن شئت: ذكرتهما فيه جميعا؛ تقول في الكلام: من كان له أخ أو أخت فليصله، تذهب إلى الأخ (و) فليصلها، تذهب إلى الأخت.
وإن قلت (فليصلهما) فذلك جائز.
وفي قراءتنا: {إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما}.
وفي إحدى القراءتين: (فالله أولى بهم) ذهب إلى الجماع لأنهما اثنان غير موقّتين.
وفي قراءة عبد الله: (والذين يفعلون منكم فآذوهما) فذهب إلى الجمع لأنهما اثنان غير موقتين، وكذلك في قراءته: (والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما).
وقوله: {غير مضارٍّ} يقول: يوصى بذلك غير مضارّ.
ونصب قوله وصية من قوله: {لكلّ واحدٍ منهما السّدس - وصيةً من الله} مثل قولك: لك درهمان نفقةً إلى أهلك، وهو مثل قوله: {نصيبا مفروضا}). [معاني القرآن: 1/257-258]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فلهنّ الثّمن}، (والرّبع) والمعنى واحد (؟).
{كلالةً}: كل من لم يرثه أب أو ابن أو أخ فهو عند العرب كلالة.
{يورث كلالةً}: مصدرٌ من تكلّله النسب، أي: تعطّف النسب عليه، ومن قال: {يورث كلالة} فهم الرجال الورثة، أي: يعطف النسب عليه). [مجاز القرآن: 1/118-119]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقوله: {يورث كلالةً} هو الرجل يموت ولا ولد له ولا والد.
قال أبو عبيدة: هو مصدر من تكلّله النّسب. وتكلله النسب: أحاط به.
والأب والابن طرفان للرجل. فإذا مات ولم يخلفهما، فقد مات عن ذهاب طرفيه. فمسي ذهاب الطرفين: كلالة، وكأنها اسم للمصيبة في تكلل النسب مأخوذ منه، نحو هذا قولهم: وجهت الشيء: أخذت وجهه، وثغّرت الرجل: كسرت ثغره.
وأطراف الرجل: نسبه من أبيه وأمه. وأنشد أبو زيد:
فكيف بأطرافي إذا ما شتمتني......... وما بعد شتم الوالدين صلوح
أي: صلاح). [تفسير غريب القرآن:121-122]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجل: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهنّ ولد فإن كان لهنّ ولد فلكم الرّبع ممّا تركن من بعد وصيّة يوصين بها أو دين ولهنّ الرّبع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهنّ الثّمن ممّا تركتم من بعد وصيّة توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكلّ واحد منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث من بعد وصيّة يوصى بها أو دين غير مضارّ وصيّة من اللّه واللّه عليم حليم}
{وإن كان رجل يورث كلالة}

يقرأ يورث ويورث.. بفتح الراء وكسرها -. فمن قرأ يورث - بالكسر - فكلالة.. مفعول، ومن قرأ " يورث " فكلالة منصوب على الحال.
زعم أهل اللغة أن: الكلالة من قولك " تكلله النسب، أي: لم يكن الذي يرثه ابنه ولا أباه.
والكلالة: سوى الولد والوالد، والدليل على أن الأب ليس بكلالة قول الشاعر:
فإن أبا المرء أحمى له...؟؟؟ ومولى الكلالة لا يغضب
وإنما هو كالإكليل الذي على الرأس. وإنما استدل على أن الكلالة ههنا الإخوة لأمّ دون الأب بما ذكر في آخر السورة أن للأختين الثلثين وأن للإخوة كل المال، فعلم ههنا لما جعل للواحد السدس، وللاثنين الثلث، ولم يزادوا على الثلث شيئا ما كانوا، علم أنه يعني بهم الإخوة لأمّ.
فإن ماتت امرأة وخلّفت زوجا وأمّا وإخوة لأمّ فللزوج النصف وللام السدس، وللإخوة من الأم الثلث.
فإن خلّفت زوجا وأمّا وإخوة لأب وأمّ وإخوة لأمّ فإن هذه المسألة يسميها بعضهم المسألة المشتركة، وبعضهم يسميها الحمارية.
قال بعضهم: «إن الثلث الذي بقي للإخوة للأمّ دون الإخوة للأب والأم، لأن لهؤلاء الذين للأمّ تسمية وهي الثلث وليس للإخوة للأب والأم تسمية، فأعطيناهم الثلث ».
كما أنّه لو مات رجل وخلّف أخوين لأمّ، وخلّف مائة أخ لأب وأمّ لأعطي الأخوان للأمّ الثلث وأعطي المائة الثلثين، فقد صار الإخوة للأمّ يفضلون في الأنصباء الإخوة للأب والأمّ الأشقاء.
وقال بعضهم:«الأمّ واحدة».
وسموها الحمارية بأن قالوا: « هب أباهم كان حمارا واشتركوا بينه».
فسمّيت المشتركة.
وقوله عزّ وجلّ: {غير مضارّ وصيّة من اللّه} "غير" منصوب على الحال، المعنى: يوصي بها غير مضار، فمنع اللّه عزّ وجلّ من الضّرار في الوصية.
وروي عن أبي هريرة: «من ضارّ في وصية ألقاه الله في واد من جهنّم أو من نار ».
فالضرار: راجع في الوصية إلى الميراث.
{واللّه عليم حليم} أي: عليم ما دبر من هذه الفرائض، حليم عمّن عصاه بأن أخرّه وقبل توبته). [معاني القرآن: 2/25-27]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة} في الكلالة أقوال:
1- قال البصريون الكلالة: الميت الذي لا ولد له ولا والد، واحتجوا بأنه روي عن أبي بكر باختلاف وعن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود وابن عباس وجابر بن زيد أنهم قالوا: « الكلالة من لا ولد له ولا والد».
وقال البصريون هذا مثل قولك رجل عقيم إذا لم يولد له، وهو مشتق من الإكليل: فكأن الورثة قد أحاطوا به وليس له ولد ولا والد فيحوز المال.
2- وقال أهل المدينة وأهل الكوفة: الكلالة الورثة الذين لا والد فيهم ولا ولد.
وروي عن عمر قولان:
أحدهما: أن الكلالة من لا ولد له ولا والد.
والآخر: أنها من لا ولد له .
قال أبو جعفر روي عن عطاء قول شاذ قال: الكلالة المال.
وقال ابن زيد: «الكلالة الميت الذي لا والد له ولا ولد والحي كلهم كلالة هذا يرث بالكلالة وهذا يورث بالكلالة».
وقال محمد بن جرير: « الصواب أن الكلالة الذي يرثون الميت من عدا ولده ووالده لصحة خبر جابر يعني ابن عبد الله أنه قال: قلت يا رسول الله إنما يرثني كلالة فكيف بالميراث فنزلت»). [معاني القرآن: 2/34-36]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس}
وإنما يعني ههنا: الإخوة والأخوات للأم.
وكذلك روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قرأ {وله أخ أو أخت من أمه فلكل واحد منهما السدس} وقرأ الحسن وأبو رجاء {يورث كلالة}.
وقال هارون القارئ قرأ بعض أهل الكوفة {يورث كلالة} فعلى هاتين القراءتين لا تكون الكلالة إلا الورثة أو المال). [معاني القرآن: 2/36-37]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار} وروي عن الحسن أنه قرأ (غير مضار وصية من الله) مضاف.
وقد زعم بعض أهل اللغة أن: هذا لحن لأن اسم الفاعل لا يضاف إلى المصدر.
والقراءة حسنة على حذف والمعنى غير مضار ذي وصية، أي: غير مضار بها ورثته في ميراثهم). [معاني القرآن: 2/37-38]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {يورث كلالة} الكلالة: النسب كله، ما خلا الولد والوالدين). [ياقوتة الصراط: 196]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (الكلالة) وهو الرجل يموت ولا ولد له ولا والد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 58]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 10:43 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) }.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 06:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 06:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 06:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 06:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) }.
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهنّ ولدٌ فإن كان لهنّ ولدٌ فلكم الرّبع ممّا تركن من بعد وصيّةٍ يوصين بها أو دينٍ ولهنّ الرّبع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ فإن كان لكم ولدٌ فلهنّ الثّمن ممّا تركتم من بعد وصيّةٍ توصون بها أو دينٍ وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ فلكلّ واحدٍ منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث من بعد وصيّةٍ يوصى بها أو دينٍ غير مضارٍّ وصيّةً من اللّه واللّه عليمٌ حليمٌ (12)}.
آباؤكم وأبناؤكم رفع الابتداء، والخبر مضمر تقديره: هم المقسوم عليهم، وهم المعطون، وهذا عرض للحكمة في ذلك، وتأنيس للعرب الذين كانوا يورثون على غير هذه الصفة، ولا تدرون عامل في الجملة بالمعنى ومعلق عن العمل في اللفظ بحسب المعمول فيه، إذ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، ونفعاً، قال مجاهد والسدي وابن سيرين: «معناه في الدنيا» ، أي إذا اضطر إلى إنفاقهم للحاجة، نحا إليه الزجاج، وقد ينفقون دون اضطرار، وقال ابن عباس والحسن، «في الآخرة»، أي بشفاعة الفاضل للمفضول، وقال ابن زيد: فيهما، واللفظ يقتضي ذلك، وفريضةً نصب على المصدر المؤكد، إذ معنى يوصيكم يفرض عليكم، وقال مكي وغيره: هي حال مؤكدة، وذلك ضعيف، والعامل يوصيكم، وكان هي الناقصة، قال سيبويه لما رأوا علما وحكمة قيل لهم: إن الله لم يزل هكذا وصيغة- كان- لا تعطي إلا المضي، ومن المعنى بعد يعلم أن الله تعالى كان كذلك، وهو ويكون، لا من لفظ الآية، وقال قوم:«كان بمعنى وجد ووقع، وعليماً»، حال، وفي هذا ضعف، ومن قال: كان زائدة فقوله خطأ.
وقوله تعالى:{ ولكم نصف ما ترك أزواجكم} الآية. الخطاب للرجال، والولد هاهنا بنو الصلب وبنو ذكورهم وإن سفلوا، ذكرانا وإناثا، واحدا فما زاد هذا بإجماع من العلماء.
قوله تعالى: والولد في هذه الآية كما تقدم في الآية التي قبلها، والثمن للزوجة أو للزوجات هن فيه مشتركات بإجماع، ويلحق العول فرض الزوج والزوجة، كما يلحق سائر الفرائض المسماة، إلا عند ابن عباس، فإنه قال:« يعطيان فرضهما بغير عول »، والكلالة: مأخوذة من تكلل النسب: أي أحاط، لأن الرجل إذا لم يترك والدا ولا ولدا فقد انقطع طرفاه، وبقي أن يرثه من يتكلله نسبه، أي يحيط به من نواحيه كالإكليل، وكالنبات إذا أحاط بالشيء، ومنه: روض مكلل بالزهر، والإكليل منزل القمر يحيط به فيه كواكب، ومن الكلالة قول الشاعر: [المتقارب]
فإنّ أبا المرء أحمص له ...... ومولى الكلالة لا يغضب
فالأب والابن هما عمودا النسب، وسائر القرابة يكللون، وقال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس وسليم بن عبيد وقتادة والحكم وابن زيد والزهري وأبو إسحاق السبيعي: «الكلالة خلو الميت عن الولد والوالد»، وهذا هو الصحيح، وقالت طائفة: «هي خلو الميت من الولد فقط»، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعن عمر، ثم رجعا عنه، وروي عن ابن عباس، وذلك مستقرا من قوله في الإخوة مع الوالدين: «إنهم يحطون الأم ويأخذون ما يحطونها».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: هكذا حكى الطبري. ويلزم على قول ابن عباس« إذ ورثهم بأن الفريضة «كلالة» أن يعطيهم الثلث بالنص»، وقالت طائفة منهم الحكم بن عتيبة: «الكلالة الخلو من الوالد»، وهذان القولان ضعيفان، لأن من بقي والده أو ولده، فهو موروث بجزم نسب لا بتكلل، وأجمعت الآن الأمة على أن الإخوة لا يرثون مع ابن ولا مع أب، وعلى هذا مضت الأمصار والأعصار، وقرأ جمهور الناس- «يورث» بفتح الراء، وقرأ الأعمش وأبو رجاء- «يورّث» - بكسر الراء وتشديدها، قال أبو الفتح بن جني: قرأ الحسن «يورث» من أورث، وعيسى «يورّث» بشد الراء من ورث، والمفعولان على كلتا القراءتين محذوفان، التقدير: يورث وارثه ماله كلالة، ونصب كلالةً على الحال، واختلفوا في «الكلالة» فيما وقعت عليه في هذه الآية، فقال عمر وابن عباس: «الكلالة» الميت الموروث إذا لم يكن له أب، ونصبها على خبر كان، وقال ابن زيد: «الكلالة» الوارثة بجملتها، الميت والأحياء كلهم «كلالة»، ونصبها على الحال أو على النعت لمصدر محذوف تقديره وراثة «كلالة»، ويصح على هذا أن تكون كان تامة بمعنى وقع، ويصح أن تكون ناقصة وخبرها يورث وقال عطاء: «الكلالة» المال، ونصب على المفعول الثاني.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: « والاشتقاق في معنى الكلالة يفسد تسمية المال بها»، وقالت طائفة:«الكلالة الورثة»، وهذا يستقيم على قراءة «يورث» بكسر الراء، فينصب كلالةً على المفعول، واحتج هؤلاء بحديث جابر بن عبد الله، إذ عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنما يرثني «كلالة» أفأوصي بمالي كله؟ وحكى بعضهم: أن تكون «الكلالة» الورثة، ونصبها على خبر كان، وذلك بحذف مضاف، تقديره ذا كلالة، ويستقيم سائر التأويلات على كسر الراء، وقوله أو امرأةٌ عطف على الرجل، وقوله تعالى: وله أخٌ أو أختٌ الآية، الضمير في له عائد على الرجل، واكتفى بإعادته عليه دون المرأة، إذ المعنى فيهما واحد، والحكم قد ضبطه العطف الأول، وأصل أختٌ: أخوة، كما أصل بنت: بنية، فضم أول أخت إذ المحذوف منها واو، وكسر أول بنت إذ المحذوف ياء، وهذا الحذف والتعليل على غير قياس، وأجمع العلماء على أن الإخوة في هذه الآية الإخوة لأم، لأن حكمهم منصوص في هذه الآية على صفة، وحكم سائر الإخوة مخالف له، وهو الذي في كلالة آخر السورة، وقرأ سعد بن أبي وقاص «وله أخ أو أخت لأمه» والأنثى والذكر في هذه النازلة سواء، وشركتهم في الثلث متساوية وإن كثروا، هذا إجماع، فإن ماتت امرأة وتركت زوجا وأما وإخوة أشقاء، فللزوج النصف، وللأم السدس وما بقي فللإخوة، فإن كانوا لأم فقط، فلهم الثلث، فإن تركت الميتة زوجا وأما وأخوين لأم وإخوة لأب وأم، فهذه الحمارية، قال قوم: فيها للإخوة للأم الثلث، ولا شيء للإخوة الأشقاء، كما لو مات رجل وخلف أخوين لأم، وخلف مائة أخ لأب وأم، فإنه يعطى الأخوان الثلث، والمائة الثلثين، فيفضلون بالثلث عليهم، وقال قوم: الأم واحدة وهب أباهم كان حمارا، وأشركوا بينهم في الثلث وسموها أيضا المشتركة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ولا تستقيم هذه المسألة ان لو كان الميت رجلا، لأنه يبقى للأشقاء، ومتى بقي لهم شيء فليس لهم إلا ما بقي، والثلث للإخوة للأم ».
غير مضارٍّ نصب على الحال، والعامل يوصى، ووصيّةٍ نصب على المصدر في موضع الحال، والعامل يوصيكم وقيل: هو نصب على الخروج من قوله: فلكلّ واحدٍ منهما السّدس أو من قوله فهم شركاء في الثّلث ويصح أن يعمل مضارٍّ في وصيّةٍ، والمعنى: أن يقع الضرر بها وبسببها، فأوقع عليها تجوزا، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «غير مضار وصية» بالإضافة، كما تقول: شجاع حرب، ومدره حرب، وبضة المتجرد، في قول طرفة بن العبد، والمعنى على ما ذكرناه من التجوز في اللفظ لصحة المعنى، وقال ابن عباس: «الضرار في الوصية من الكبائر»، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ضارّ في وصية ألقاه الله تعالى في واد في جهنم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ووجوه المضارّة كثيرة لا تنحصر، وكلها ممنوعة: يقر بحق ليس عليه، ويوصي بأكثر من ثلثه، أو لوارثه، أو بالثلث فرارا عن وارث محتاج، وغير ذلك، ومشهور مذهب مالك وابن القاسم أن الموصي لا يعد فعله مضارّة ما دام في الثلث، فإن ضارّ الورثة في ثلثه مضى ذلك، وفي المذهب قوله: إن المضارة ترد وإن كانت في الثلث، إذا علمت بإقرار أو قرينة ويؤيد هذا قوله تعالى:{فمن خاف من موصٍ جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم .... الآية }). [المحرر الوجيز: 2/484-488]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 06:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 06:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) }.
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهنّ ولدٌ فإن كان لهنّ ولدٌ فلكم الرّبع ممّا تركن من بعد وصيّةٍ يوصين بها أو دينٍ ولهنّ الرّبع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ فإن كان لكم ولدٌ فلهنّ الثّمن ممّا تركتم من بعد وصيّةٍ توصون بها أو دينٍ وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ فلكلّ واحدٍ منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث من بعد وصيّةٍ يوصى بها أو دينٍ غير مضارٍّ وصيّةً من اللّه واللّه عليمٌ حليمٌ (12) }.
يقول تعالى: ولكم -أيّها الرّجال-نصف ما ترك أزواجكم إذا متن عن غير ولدٍ، فإن كان لهنّ ولدٌ فلكم الرّبع ممّا تركن من بعد وصيّةٍ يوصين بها أو دينٍ. وقد تقدّم أنّ الدّين مقدّمٌ على الوصيّة، وبعده الوصيّة ثمّ الميراث، وهذا أمرٌ مجمعٌ عليه بين العلماء، وحكم أولاد البنين وإن سفلوا حكم أولاد الصّلب.
ثمّ قال: {ولهنّ الرّبع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ فإن كان لكم ولدٌ فلهنّ الثّمن ممّا تركتم} إلخ، وسواءٌ في الرّبع أو الثّمن الزّوجة والزوجتان الاثنتان والثلاث والأربع يشتركن فيه.
وقوله: {من بعد وصيّةٍ} إلخ، الكلام عليه كما تقدّم.
وقوله: {وإن كان رجلٌ يورث كلالةً} الكلالة: مشتقّةٌ من الإكليل، وهو الّذي يحيط بالرّأس من جوانبه، والمراد هنا من يرثه من حواشيه لا أصوله ولا فروعه، كما روى الشّعبيّ عن أبي بكرٍ الصّديق: « أنّه سئل عن الكلالة، فقال: أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن اللّه، وإن يكن خطأً فمنّي ومن الشّيطان، واللّه ورسوله بريئان منه: الكلالة من لا ولد له ولا والد. فلمّا ولي عمر بن الخطّاب قال: إنّي لأستحيي أن أخالف أبا بكرٍ في رأيٍ رآه». رواه ابن جريرٍ وغيره.
وقال ابن أبي حاتمٍ، رحمه اللّه، في تفسيره: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد، حدّثنا سفيان، عن سليمان الأحول، عن طاوسٍ قال: «سمعت عبد اللّه بن عبّاسٍ يقول: كنت آخر النّاس عهدًا بعمر بن الخطّاب، فسمعته يقول: القول ما قلت، وما قلت وما قلت. قال: الكلالة من لا ولد له ولا والد ».
وهكذا قال عليّ بن أبي طالبٍ وابن مسعودٍ، وصحّ عن غير وجهٍ عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، وزيد بن ثابتٍ، وبه يقول الشّعبيّ والنّخعيّ، والحسن البصريّ، وقتادة، وجابر بن زيدٍ، والحكم. وبه يقول أهل المدينة والكوفة والبصرة. وهو قول الفقهاء السّبعة والأئمّة الأربعة وجمهور السّلف والخلف بل جميعهم. وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحدٍ، وورد فيه حديثٌ مرفوعٌ. قال أبو الحسين بن اللّبّان: وقد روي عن ابن عبّاسٍ ما يخالف ذلك، وهو أنّه لا ولد له. والصّحيح عنه الأوّل، ولعلّ الرّاوي ما فهم عنه ما أراد.
وقوله: {وله أخٌ أو أختٌ} أي: من أمٍّ، كما هو في قراءة بعض السّلف، منهم سعد بن أبي وقّاصٍ، وكذا فسّرها أبو بكرٍ الصّديق فيما رواه قتادة عنه، {فلكلّ واحدٍ منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث} وإخوة الأمّ يخالفون بقيّة الورثة من وجوهٍ، أحدها: أنّهم يرثون مع من أدلوا به وهي الأمّ. الثّاني: أنّ ذكرهم وأنثاهم سواءٌ. الثّالث: أنّهم لا يرثون إلّا إذا كان ميّتهم يورث كلالةً، فلا يرثون مع أبٍ، ولا جدٍّ، ولا ولدٍ، ولا ولد ابنٍ. الرّابع: أنّهم لا يزادون على الثّلث، وإن كثر ذكورهم وإناثهم.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس، حدّثنا ابن وهب، أخبرنا يونس، عن الزّهريّ قال:« قضى عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، أنّ ميراث الإخوة من الأمّ بينهم، للذّكر مثل الأنثى» قال محمّد بن شهابٍ الزّهريّ: « ولا أرى عمر قضى بذلك حتّى علم بذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولهذه الآية الّتي قال الله تعالى: {فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث}» واختلف العلماء في المسألة المشتركة، وهي: زوجٌ، وأمٌّ أو جدّةٌ، واثنان من ولد الأمّ وواحدٌ أو أكثر من ولد الأبوين. فعلى قول الجمهور: للزّوج النّصف، وللأمّ أو الجدّة السّدس، ولولد الأمّ الثّلث، ويشاركهم فيه ولد الأب والأمّ بما بينهم من القدر المشترك وهو إخوة الأمّ.
وقد وقعت هذه المسألة في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، فأعطى الزّوج النّصف، والأمّ السّدس، وجعل الثّلث لأولاد الأمّ، فقال له أولاد الأبوين: يا أمير المؤمنين، هب أنّ أبانا كان حمارًا، ألسنًا من أمٍّ واحدةٍ؟ فشرّك بينهم.
وصحّ التّشريك عنه وعن أمير المؤمنين عثمان، وهو إحدى الرّوايتين عن ابن مسعودٍ، وزيد بن ثابتٍ، وابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهم. وبه يقول سعيد بن المسيّب، وشريحٌ القاضي، ومسروقٌ، وطاوسٌ، ومحمّد بن سيرين وإبراهيم النّخعيّ، وعمر بن عبد العزيز، والثّوريّ، وشريك وهو مذهب مالك والشافعي، وإسحاق بن راهويه.
وكان عليّ بن أبي طالبٍ لا يشرّك بينهم، بل يجعل الثّلث لأولاد الأمّ، ولا شيء لأولاد الأبوين، والحالة هذه، لأنّهم عصبةٌ. وقال وكيع بن الجرّاح: لم يختلف عنه في ذلك، وهذا قول أبيّ بن كعبٍ وأبي موسى الأشعريّ، وهو المشهور عن ابن عبّاسٍ، وهو مذهب الشّعبيّ وابن أبي ليلى، وأبي يوسف، ومحمّد بن الحسن، والحسن بن زيادٍ، وزفر بن الهذيل، والإمام أحمد بن حنبلٍ، ويحيى بن آدم ونعيم بن حمّادٍ، وأبي ثورٍ، وداود بن عليٍّ الظّاهريّ، واختاره أبو الحسين بن اللّبّان الفرضيّ، رحمه اللّه، في كتابه "الإيجاز".
وقوله: {من بعد وصيّةٍ يوصى بها أو دينٍ غير مضارٍّ} أي: لتكون وصيّته على العدل، لا على الإضرار والجور والحيف بأن يحرم بعض الورثة، أو ينقصه، أو يزيده على ما قدر اللّه له من الفريضة فمتى سعى في ذلك كان كمن ضادّ اللّه في حكمته وقسمته؛ ولهذا قال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا أبي، حدّثنا أبو النّضر الدّمشقيّ الفراديسيّ، حدّثنا عمر بن المغيرة، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:«الإضرار في الوصيّة من الكبائر».
وكذا رواه ابن جريرٍ من طريق عمر بن المغيرة هذا وهو أبو حفصٍ بصريٌ سكن المصّيصة، قال أبو القاسم ابن عساكر: ويعرف بمفتي المساكين. وروى عنه غير واحدٍ من الأئمّة. وقال فيه أبو حاتمٍ الرّازيّ: هو شيخٌ. وقال عليّ بن المدينيّ: هو مجهولٌ لا أعرفه. لكن رواه النّسائيّ في سننه عن عليّ ابن حجرٍ، عن عليّ بن مسهر، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، موقوفًا: "الإضرار في الوصيّة من الكبائر". وكذا رواه ابن أبي حاتمٍ عن أبي سعيدٍ الأشجّ، عن عائذ بن حبيبٍ، عن داود بن أبي هندٍ. ورواه ابن جريرٍ من حديث جماعةٍ من الحفّاظ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ موقوفًا وفي بعضها: ويقرأ ابن عبّاسٍ: {غير مضارٍّ} قال ابن جريجٍ والصّحيح الموقوف.
ولهذا اختلف الأئمّة في الإقرار للوارث: هل هو صحيحٌ أم لا؟ على قولين: أحدهما: لا يصحّ لأنّه مظنّة التّهمة أن يكون قد أوصى له بصيغة الإقرار وقد ثبت في الحديث الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ اللّه قد أعطى كلّ ذي حق حقّه، فلا وصيّة لوارثٍ ». وهذا مذهب أبي حنيفة ومالكٍ، وأحمد بن حنبلٍ، والقول القديم للشّافعيّ، رحمهم اللّه، وذهب في الجديد إلى أنّه يصحّ الإقرار. وهو مذهب طاوسٍ، وعطاءٍ، والحسن، وعمر بن عبد العزيز.
وهو اختيار أبي عبد اللّه البخاريّ في صحيحه. واحتجّ بأنّ رافع بن خديجٍ أوصى ألّا تكشف الفزارية عمّا أغلق عليه بابها قال: وقال بعض النّاس: لا يجوز إقراره لسوء الظّنّ به للورثة، وقد قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إيّاكم والظنّ، فإنّ الظّنّ أكذب الحديث». وقال اللّه تعالى: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها}فلم يخصّ وارثًا ولا غيره. انتهى ما ذكره.
فمتى كان الإقرار صحيحًا مطابقًا لما في نفس الأمر جرى فيه هذا الخلاف، ومتى كان حيلةً ووسيلةً إلى زيادة بعض الورثة ونقصان بعضهم، فهو حرامٌ بالإجماع وبنصّ هذه الآية الكريمة {غير مضارٍّ وصيّةً من اللّه واللّه عليمٌ حليمٌ} [ثمّ قال اللّه] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/229-232]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:36 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة