العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:47 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (7) إلى الآية (9) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (7) إلى الآية (9) ]

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 09:16 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف


تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه أنه كان يقول في هذه الآية: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}، قال عروة: أمر الله رسوله أن يأخذ بالعفو من أخلاق الناس؛ قال هشام: وكان أبي يقول في هذه الآية: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌ من عند ربنا}، إن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله، ولكنهم يقولون آمنا به كل من عند ربنا). [الجامع في علوم القرآن: 1/64] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني الحارث عن أيّوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة زوج النّبيّ عليه السّلام قالت: قرأ رسول اللّه هذه الآية: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هن أم الكتاب وأخر متشابهاتٌ}، الآية كلّها، فقال رسول اللّه: إذا رأيتم الّذين يتّبعون ما تشابه منه أو الّذين يجادلون فيه فهم الّذين قال اللّه فيهم، فلا تجالسوهم). [الجامع في علوم القرآن: 1/79]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى منه آيات محكمات قال المحكم ما يعمل به فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشبه منه ابتغاء الفتنة قال معمر وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية فأما الذين في قلوبهم زيغ قال إن لم تكن الحرورية أو السبئية فلا أدري من هم ولعمري لقد كان في أصحاب بدر والحديبية الذين شهدوا مع رسول الله بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار خبر لمن استخبر وعبرة لمن اعتبر لمن كان يعقل أو يبصر إن الخوارج خرجوا وأصحاب رسول الله يومئذ كثير بالمدينة وبالشام وبالعراق وأزواجه يومئذ أحياء والله إن خرج منهم ذكر ولا أنثى حروريا قط ولا رضوا الذي هم عليه ولا ما لؤوهم فيه بل كانوا يحدثون بعيب رسول الله إياهم ونعته الذي نعتهم به وكانوا يبغضونهم بقلوبهم ويعادونهم بألسنتهم ويشتد والله أيديهم عليهم إذا لقوهم ولعمري لو كان أمر الخوارج هدى لاجتمع ولكنه كان ضلالة فتفرق وكذلك الأمر إذا كان من عند غير الله وجدت فيه اختلافا كثيرا فقد ألاصوا هذا الأمر منذ زمان طويل فهل أفلحوا فيه يوما قط أو أنجحوا يا سبحان الله كيف لا يعتبر آخر هؤلاء القوم بأولهم إنهم لو كانوا
[تفسير عبد الرزاق: 1/115]
على حق أو هدى قد أظهره الله وأفلجه ونصره ولكنهم كانوا على باطل فأكذبه الله تعالى وأدحضه فهم كما رأيتم خرج منهم قرن أدحض الله حجتهم وأكذب أحدوثتهم وأهراق دماءهم وإن كتموه كان قرحا في قلوبهم وغما عليهم وإن أظهروه أهراق الله دماءهم ذاكم والله دين سوء فاجتنبوه فوالله إن اليهودية لبدعة ما نزل بهن كتاب ولا سنهن نبي). [تفسير عبد الرزاق: 1/116]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال حدثنا معمر عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة أن النبي قرأها فقال إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/116]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال كان ابن عباس يقرؤها وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به). [تفسير عبد الرزاق: 1/116]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن سلمة بن نبيطٍ أو جويبر عن الضّحّاك في قوله: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات} قال: الناسخ {وأخر متشابهات} قال: المنسوخ [الآية: 7]). [تفسير الثوري: 75]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلّا الله والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا وما يذّكّر إلّا أولو الألباب} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حمّاد بن يحيى الأبحّ، قال: نا عبد اللّه بن أبي مليكة، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ... }، إلى قوله: {وما يذّكّر إلّا أولو الألباب} قال: ((فإذا رأيتم الّذين يجادلون فيه، فهم أولئك، فاحذروهم)) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/1032-1033]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن عبد اللّه بن قيسٍ، عن ابن عبّاسٍ: {منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب}، قال: ثلاث آياتٍ من سورة الأنعام: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم} ). [سنن سعيد بن منصور: 3/1039]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {منه آياتٌ محكماتٌ} [آل عمران: 7]
وقال مجاهدٌ: " الحلال والحرام، {وأخر متشابهاتٌ} [آل عمران: 7] : يصدّق بعضه بعضًا، كقوله تعالى: {وما يضلّ به إلّا الفاسقين} [البقرة: 26] ، وكقوله جلّ ذكره: {ويجعل الرّجس على الّذين لا يعقلون} [يونس: 100] وكقوله: {والّذين اهتدوا زادهم هدًى وآتاهم تقواهم} [محمد: 17] {زيغٌ} [آل عمران: 7] : شكٌّ، {ابتغاء الفتنة} [آل عمران: 7] : المشتبهات، {والرّاسخون في العلم} [آل عمران: 7] : يعلمون {يقولون آمنّا به} [آل عمران: 7] : كلٌّ من عند ربّنا، وما يذّكّر إلّا أولو الألباب "
- حدّثنا عبد اللّه بن مسلمة، حدّثنا يزيد بن إبراهيم التّستريّ، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمّدٍ، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: تلا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ} ، فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلّا اللّه، والرّاسخون في العلم يقولون: آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا وما يذّكّر إلّا أولو الألباب قالت: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا رأيت الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الّذين سمّى اللّه فاحذروهم» ). [صحيح البخاري: 6/33-34]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله منه آيات محكمات)
قال مجاهد الحلال والحرام وأخر متشابهات يصدّق بعضها بعضًا كقوله وما يضلّ به إلا الفاسقين وكقوله ويجعل الرّجس على الّذين لا يعقلون وكقوله والّذين اهتدوا زادهم هدًى وآتاهم تقواهم هكذا وقع فيه وفيه تغييرٌ وبتحريره يستقيم الكلام وقد أخرجه عبد بن حميدٍ بالإسناد الّذي ذكرته قريبًا إلى مجاهدٍ قال في قوله تعالى منه آيات محكمات قال ما فيه من الحلال والحرام وما سوى ذلك منه متشابهٌ يصدّق بعضه بعضًا هو مثل قوله وما يضلّ به إلّا الفاسقين إلى آخر ما ذكره قوله زيغٌ شكٌّ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة المشتبهات هو تفسير مجاهدٍ أيضًا وصله عبد بن حميدٍ بهذا الإسناد كذلك ولفظه وأمّا الّذين في قلوبهم زيغ قال شكٌّ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة المشتبهات الباب الّذي ضلّوا منه وبه هلكوا قوله والراسخون في العلم يعلمون ويقولون آمنا به الآية وصله عبد بن حميدٍ من الطّريق المذكور عن مجاهدٍ في قوله والرّاسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنّا به ومن طريق قتادة قال: قال الرّاسخون كما يسمعون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا المتشابه والمحكم فآمنوا بمتشابهه وعملوا بمحكمه فأصابوا وهذا الّذي ذهب إليه مجاهدٌ من تفسير الآية يقتضي أن تكون الواو في والرّاسخون عاطفةً على معمول الاستثناء وقد روى عبد الرّزّاق بإسنادٍ صحيحٍ عن بن عبّاسٍ أنّه كان يقرأ وما يعلم تأويله إلّا اللّه ويقول الرّاسخون في العلم آمنّا به فهذا يدلّ على أنّ الواو للاستئناف لأنّ هذه الرّواية وإن لم تثبت بها القراءة لكن أقلّ درجاتها أن تكون خبرًا بإسنادٍ صحيحٍ إلى ترجمان القرآن فيقدّم كلامه في ذلك على من دونه ويؤيّد ذلك أنّ الآية دلّت على ذمّ متّبعي المتشابه لوصفهم بالزّيغ وابتغاء الفتنة وصرّح بوفق ذلك حديث الباب ودلّت الآية على مدح الّذين فوّضوا العلم إلى اللّه وسلّموا إليه كما مدح اللّه المؤمنين بالغيب وحكى الفرّاء أنّ في قراءة أبيّ بن كعبٍ مثل ذلك أعني ويقول الرّاسخون في العلم آمنّا به تنبيهٌ سقط جميع هذه الآثار من أوّل السّورة إلى هنا لأبي ذرٍّ عن السّرخسيّ وثبت عند أبي ذرٍّ عن شيخه قبل قوله منه آياتٌ محكماتٌ بابٌ بغير ترجمةٍ ووقع عند أبي ذرٍّ آثارٌ أخرى ففي أوّل السّورة
...
- قوله التّستريّ بضمّ المثنّاة وسكون المهملة وفتح المثنّاة قوله عن بن أبي مليكة عن القاسم بن محمّدٍ عن عائشة قد سمع بن أبي مليكة من عائشة كثيرًا وكثيرًا أيضًا ما يدخل بينها وبينه واسطةٌ وقد اختلف عليه في هذا الحديث فأخرجه التّرمذيّ من طريق أبي عامر الجزار عن بن أبي مليكة عن عائشة ومن طريق زيد بن إبراهيم كما في الباب بزيادة القاسم ثمّ قال روى غير واحدٍ هذا الحديث عن بن أبي مليكة عن عائشة ولم يذكروا القاسم وإنّما ذكره يزيد بن إبراهيم انتهى وقد أخرجه بن أبي حاتمٍ من طريق أبي الوليد الطّيالسيّ عن يزيد بن إبراهيم وحمّاد بن سلمة جميعًا عن بن أبي مليكة عن القاسم فلم ينفرد يزيد بزيادة القاسم وممّن رواه عن بن أبي مليكة بغير ذكر القاسم أيّوب أخرجه بن ماجة من طريقه ونافع بن عمر وبن جريجٍ وغيرهما قوله تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أي قرأ هذه الآية هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات قال أبو البقاء أصل المتشابه أن يكون بين اثنين فإذا اجتمعت الأشياء المتشابهة كان كلٌّ منها مشابهًا للآخر فصحّ وصفها بأنّها متشابهةٌ وليس المراد أنّ الآية وحدها متشابهةٌ في نفسها وحاصله أنّه ليس من شرط صحّة الوصف في الجمع صحّة انبساط مفردات الأوصاف على مفردات الموصوفات وإن كان الأصل ذلك قوله فإذا رأيت الّذين يتّبعون ما تشابه منه قال الطّبريّ قيل إنّ هذه الآية نزلت في الّذين جادلوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أمر عيسى وقيل في أمر مدّة هذه الأمّة والثّاني أولى لأنّ أمر عيسى قد بيّنه اللّه لنبيّه فهو معلومٌ لأمّته بخلاف أمر هذه الأمّة فإنّ علمه خفيٌّ عن العباد وقال غيره المحكم من القرآن ما وضح معناه والمتشابه نقيضه وسمّي المحكم بذلك لوضوح مفردات كلامه وإتقان تركيبه بخلاف المتشابه وقيل المحكم ما عرف المراد منه إمّا بالظّهور وإمّا بالتّأويل والمتشابه ما استأثر اللّه بعلمه كقيام السّاعة وخروج الدّجّال والحروف المقطّعة في أوائل السّور وقيل في تفسير المحكم والمتشابه أقوالٌ أخرى غير هذه نحو العشرة ليس هذا موضع بسطها وما ذكرته أشهرها وأقربها إلى الصّواب
وذكر الأستاذ أبو منصورٍ البغداديّ أنّ الأخير هو الصّحيح عندنا وبن السّمعانيّ أنّه أحسن الأقوال والمختار على طريقة أهل السّنّة وعلى القول الأوّل جرى المتأخّرون واللّه أعلم وقال الطّيبيّ المراد بالمحكم ما اتّضح معناه والمتشابه بخلافه لأنّ اللّفظ الّذي يقبل معنًى إمّا أن يقبل غيره أو لا الثّاني النّصّ والأوّل إمّا أن تكون دلالته على ذلك المعنى راجحةً أو لا والأوّل هو الظّاهر والثّاني إمّا أن يكون مساويه أو لا والأوّل هو المجمل والثّاني المؤول فالمشترك هو النّصّ والظّاهر هو المحكم والمشترك بين المجمل والمؤول هو المتشابه ويؤيّد هذا التّقسيم أنّه سبحانه وتعالى أوقع المحكم مقابلًا للمتشابه فالواجب أن يفسّر المحكم بما يقابله ويؤيّد ذلك أسلوب الآية وهو الجمع مع التّقسيم لأنّه تعالى فرّق ما جمع في معنى الكتاب بأن قال منه آيات محكمات وآخر متشابهات أراد أن يضيف إلى كلّ منهما ما شاء منهما من الحكم فقال أوّلًا فأمّا الّذين في قلوبهم زيغ إلىان قال والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به وكان يمكن أن يقال وأمّا الّذين في قلوبهم استقامةٌ فيتّبعون المحكم لكنّه وضع موضع ذلك الرّاسخون في العلم لإتيان لفظ الرّسوخ لأنّه لا يحصل إلّا بعد التّتبّع التّامّ والاجتهاد البليغ فإذا استقام القلب على طريق الرّشاد ورسخ القدم في العلم أفصح صاحبه النّطق بالقول الحقّ وكفى بدعاء الرّاسخين في العلم ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا إلخ شاهدًا على أنّ والرّاسخون في العلم مقابلٌ لقوله وأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ وفيه إشارةٌ على أنّ الوقف على قوله إلّا اللّه تامٌّ وإلى أنّ علم بعض المتشابه مختصٌّ باللّه تعالى وأنّ من حاول معرفته هو الّذي أشار إليه في الحديث بقوله فاحذروهم وقال بعضهم العقل مبتلًى باعتقاد حقيقة المتشابه كابتلاء البدن بأداء العبادة كالحكيم إذا صنّف كتابًا أجمل فيه أحيانا ليكون موضع خضوع المتعلّم لأستاذه وكالملك يتّخذ علامةً يمتاز بها من يطلعه على سرٍّ وقيل لو لم يقبل العقل الّذي هو أشرف البدن لاستمرّ العالم في أبّهة العلم على التّمرّد فبذلك يستأنس إلى التّذلّل بعزّ العبوديّة والمتشابه هو موضع خضوع العقول لباريها استسلامًا واعترافًا بقصورها وفي ختم الآية بقوله تعالى وما يذكر إلا أولو الألباب تعريضٌ بالزّائغين ومدحٌ للرّاسخين يعني من لم يتذكّر ويتّعظ ويخالف هواه فليس من أولي العقول ومن ثمّ قال الرّاسخون ربّنا لا تزغ قلوبنا إلى آخر الآية فخضعوا لباريهم لاشتراك العلم اللّدنّي بعد أن استعاذوا به من الزّيغ النّفسانيّ وباللّه التّوفيق وقال غيره دلّت الآية على أنّ بعض القرآن محكمٌ وبعضه متشابهٌ ولا يعارض ذلك قوله أحكمت آياته ولا قوله كتابا متشابها مثانى حتّى زعم بعضهم أنّ كلّه محكمٌ وعكس آخرون لأنّ المراد بالإحكام في قوله أحكمت الإتقان في النّظم وأنّ كلّها حقٌّ من عند اللّه والمراد بالمتشابه كونه يشبه بعضه بعضًا في حسن السّياق والنّظم أيضًا وليس المراد اشتباه معناه على سامعه وحاصل الجواب أنّ المحكم ورد بإزاء معنيين والمتشابه ورد بإزاء معنيين واللّه أعلم قوله فهم الّذين سمّى اللّه فاحذروهم في رواية الكشميهنيّ فاحذرهم بالإفراد والأولى أولى والمراد التحذير من الإصغاء إلى الّذين يتّبعون المتشابه من القرآن وأوّل ما ظهر ذلك من اليهود كما ذكره بن إسحاق في تأويلهم الحروف المقطّعة وأنّ عددها بالجمّل مقدار مدّة هذه الأمّة ثمّ أوّل ما ظهر في الإسلام من الخوارج حتّى جاء عن بن عبّاسٍ أنّه فسّر بهم الآية وقصّة عمر في إنكاره على ضبيعٍ لمّا بلغه أنّه يتّبع المتشابه فضربه على رأسه حتّى أدماه أخرجها الدّارميّ وغيره وقال الخطّابيّ المتشابه على ضربين أحدهما ما إذا ردّ إلى المحكم واعتبر به عرف معناه والآخر ما لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته وهو الّذي يتّبعه أهل الزّيغ فيطلبون تأويله ولا يبلغون كنهه فيرتابون فيه فيفتنون واللّه أعلم). [فتح الباري: 8/209-212]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
- {منه آيات محكمات} قال مجاهد الحلال والحرام {وأخر متشابهات} يصدق بعضها بعضًا كقوله تعالى {وما يضل به إلّا الفاسقين} وكقوله جلّ ذكره {ويجعل الرجس على الّذين لا يعقلون}
وكقوله {والّذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} ). [تغليق التعليق: 4/189]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : ( {زيغ} شكّ {ابتغاء الفتنة} المشتبهات {والراسخون في العلم} يعلمون تأويله {يقولون آمنا به} انتهى
قال عبد بن حميد ثنا روح ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا كله مفرقا). [تغليق التعليق: 4/189] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
- ثنا إسماعيل حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن سمع أنس بن مالك رضي اللّه عنه يقول كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلا الحديث
قال عبد الله بن يوسف وروح بن عبادة ذلك مال رابح
أما حديث عبد الله بن يوسف فأسنده المؤلف في الزّكاة وتقدم الكلام على حديث روح بن عبادة هناك وأن الإمام أحمد رواه عن روح به) ). [تغليق التعليق: 4/190]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (1 - (بابٌ: {منه آياتٌ محكماتٌ} . وقال مجاهدٌ الحلال والحرام: وأخر متشابهاتٌ يصدّق بعضه بعضا كقوله تعالى وما يضلّ به إلاّ الفاسفين وكقوله جلّ ذكره ويجعل الرّجس على الّذين لا يعقلون وكقوله تعالى: {والّذين اهتدوا زادهم هدًى وآتاهم تقواهم}
هذا الكلام كله كلام مجاهد رواه عبد بن حميد عن روح عن شبل عن ابن أبي نجيح عنه: رواه ابن المنذر عن عليّ بن المبارك عن زيد بن المبارك عن محمّد بن ثور عن ابن جريج عنه قوله: (منه) . أي: من الكتاب، يعني: القرآن قال: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} (آل عمران: 7) قال الزّمخشريّ: محكمات أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه. هن أم الكتاب أي: أصل الكتاب. متشابهات مشتبهات محتملات وقال الكرماني: أما اصطلاح الأصوليّين فالحكم هو المشترك بين النّص والظّاهر المتشابه هو المشترك بين المجمل والمؤول وقال الخطابيّ المحكم هو الّذي يعرف بظاهر بيانه تأويله وبواضح أدلته باطن معناه، والمتشابه ما اشتبه منها فلم يتلق معناه من لفظه ولم يدرك حكمه من تلاوته، وهو على ضربين: أحدهما: ما إذا رد إلى المحكم واعتبر به علم معناه. والآخر: ما لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته وهو الّذي يتبعه أهل الزبغ فيبطلون تأويله ولا يبلغون فيرتابون فيه فيفتنون به، وذلك كالإيمان بالقدر ونحوه، ويقال: المحكم ما اتضحت دلالته، والمتشابه ما يحتاج إلى نظر وتخريج، وقيل: المحكم ما لم ينسخ، والمتشابه ما نسخ، وقيل: المحكم آيات الحلال والحرام، والمتشابه آيات الصّفات والقدر، وقيل: المحكم آيات الأحكام، والمتشابه الحروف المقطعة. قوله: (وأخر) جمع أخرى، واختلف في عدم صرفها. فقيل: لأنّها نعت، كما لا تصرف كتع وجمع لأنّهنّ نعوت، وقيل: لم تصرف لزيادة الياء في واحدتها وأن جمعها مبنى على واحدها في ترك الصّرف: كحمراء وبيضاء في النكرة والمعرفة لزيادة المدّة والهمزة فيهما. قوله: (يصدق) تفسير للمتشابه. قوله: كقوله تعالى: {وما يضل به إلّا الفاسقين} (البقرة: 26) إشارة إلى أن المفهوم منه أن الفاسقين أي الضّالّين إنّما ضلالتهم من جهة اتباعهم المتشابه بما لا يطابق المحكم طلب افتتان النّاس عن دينهم وإرادة إضلالهم. قوله: وكقوله تعالى: {ويجعل الرجس على الّذين لا يعقلون} (يونس: 100) إنّما ذكر هذا تصديقًا لما تتضمنه الآية الّتي قبلها حيث يجعل الرجس على الّذين لا يعقلون، وقيل: الرجس السخط. وقيل: الإثم، وقيل: العذاب. وقيل: الفتن والنجاسة، أي: يحكم عليهم بأنّهم أنجاس غير طاهرة، وقرأ الأعمش: الرجز: بالزاي وبه فسر الرجس أيضا. وقال الزّمخشريّ: الرجل الخذلان وهو العذاب وهو شبيه قوله: {على الّذين لا يعقلون} أي أمر الله ولا أمر رسوله لأنهم مصرون على الكفر. وهذا أيضا راجع إلى معنى الّذين يتبعون ما تشابه بما لا يطابق علم الراسخين. قوله: وكقوله: {والّذين اهتدوا} (محمّد: 17) إلى آخره، راجع في الحقيقة إلى معنى الّذين صدرهم مجاهد في كلامه المذكور لأن مراده من ذلك في نفسر الأمر الراسخون في العلم الّذين اهتدوا وزادهم الله هدى، فافهم، فإنّي لم أر أحدا من الشّرّاح أتي ساحل هذا فضلا أن يغوص فيه. والله أعلم.
زيغٌ شكٌّ. ابتغاء الفتنة
أشار به إلى قوله تعالى: {فأما الّذين في قلوبهم زيغ} وفسّر الزيغ بالشّكّ. قال الزّمخشريّ: هم أهل البدع، {فيتبعون ما تشابه منه} أي: من الكتاب الّذي هو القرآن، ويقال: هم أهل الضلال والباطل والخروج عن الحق (يتبعون ما تشابه منه) الّذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها. قوله: (ابتغاء الفتنة) ، أي: طلبا أن يفتنوا النّاس عن دينهم.
والراسخون يعلمون يقولون آمنّا به
قال ابن نجيح عن مجاهد: {الراسخون في العلم يعلمون تأويله يقولون آمنا به} (آل عمران: 7) وكذا قال الرّبيع بن أنس. وقال الزّمخشريّ: الراسخون في العلم الّذين رسخوا أي: ثبتوا فيه وتمكنوا، ويقولون كلام مستأنف يوضح حال الراسخين، يعني: هؤلاء العالمون بالتأويل يقولون: آمنا به أي: بالتشابه كل من عند ربنا أي كل واحد من المتشابه والمحكم من عند الله، ويجوز أن يكون: يقولون، حالا من الراسخين. وقرأ عبد الله أن تأويله إلاّ عند الله، وقرأ أبي: ويقول الراسخون.

- حدّثنا عبد الله بن مسلمة حدّثنا يزيد بن إبراهيم التّستريّ عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمّدٍ عن عائشة رضي الله عنها قالت تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هاذه الآية: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} إلى قوله: {أولوا الألباب} قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا رأيت الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الّذين سمّى الله فاحذروهم.

عبد الله بن مسلمة، بفتح الميمين: ابن قعنب القعنبي شيخ مسلم أيضا ويزيد من الزّيادة. ابن إبراهيم أبو سعيد التستري، بضم التّاء المثنّاة من فوق وسكون السّين المهملة وفتح التّاء الأخرى وبالراء نسبة إلى تستر مدينة من كور الأهواز وبها قبر البراء بن مالك، وتسميها العامّة ششتر، بشينين معجمتين الأولى مضمومة والثّانية ساكنة، وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، واسمه زهير، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر الصّديق، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه مسلم في القدر عن القعنبي أيضا وأخرجه أبو داود أيضا عن القعنبي في السّنة. وأخرجه التّرمذيّ في التّفسير. وقال: روى هذا الحديث غير واحد عن ابن أبي مليكة عن عائشة. ولم يذكر والقاسم، وإنّما ذكره يزيد بن إبراهيم عن القاسم في هذا الحديث، وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة سمع من عائشة أيضا انتهى. وفيه نظر لأن غير يزيد ذكر فيه القاسم وهو حمّاد بن سلمة قال الإسماعيليّ: أنبأنا الحسن بن عليّ الشطوي حدثنا ابن المدينيّ حدثنا عفّان حدثنا حمّاد بن سلمة عن ابن أبي مليكة. قال: حدثني القاسم بن محمّد عن عائشة، فذكره. قال الإسماعيليّ ذكر حمّاد في هذا الحديث للاستشهاد على موافقته يزيد بن إبراهيم في الإسناد. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو الوليد الطّيالسيّ حدثنا يزيد بن إبراهيم وحمّاد بن سلمة عن ابن أبي مليكة عن القاسم، ورواه حمّاد بن سلمة أيضا عند الطّبريّ عن عبد الرّحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة.
قوله: (تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، أي: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: وهي قوله: (هو الّذي أنزل عليك الكتاب) الآية. قوله: (فإذا رأيت الّذين يتبعون ما تشابه منه) ، قال الطّبريّ: قيل: إن هذه الآية نزلت في الّذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر عيسى، عليه السّلام، وقيل: في أمر هذه الأمة. وهذا أقرب لأن أمرى عيسى عليه السّلام، أعلمه الله نبيه محمّدًا صلى الله عليه وسلم وأمته وبينه لهم بخلاف أمر هذه الأمة فإن علم أمرهم خفي على العباد. قوله: (فأولئك الّذين سمى الله) ، قال ابن عبّاس: هم الخوارج، قيل: أول بدعة وقعت في الإسلام بدعة الخوارج، ثمّ كان ظهورهم في أيّام عليّ بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، ثمّ تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ونحل كثيرة منتشرة، ثمّ نبعت القدريّة ثمّ المعتزلة ثمّ الجهمية وغيرهم من أهل البدع الّتي أخبر عنها الصّادق المصدوق في قوله: وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النّار إلاّ واحدة. قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي: أخرجه الحاكم في (مستدركه) . قوله: (فاحذروهم) ، بصيغة الجمع والخطاب للأمة، وفي رواية الكشميهني فاحذرهم، بالإفراد أي: احذرهم أيها المخاطب). [عمدة القاري: 18/138-139]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (1 - باب
{منه آياتٌ محكماتٌ} وقال مجاهدٌ: الحلال، والحرام {وأخر متشابهاتٌ} يصدّق بعضه بعضًا كقوله تعالى: {وما يضلّ به إلاّ الفاسقين} وكقوله جلّ ذكره: {ويجعل الرّجس على الّذين لا يعقلون} وكقوله تعالى: {والّذين اهتدوا زادهم هدًى} {زيغٌ} شكٌّ. {ابتغاء الفتنة} المشتبهات {والرّاسخون} يعلمون. {يقولون آمنّا به}.
هذا (باب) بالتنوين ثبت باب لأبي ذر عن الكشميهني والمستملي في قوله تعالى: ({منه آيات محكمات} وقال مجاهد): مما أخرجه عبد بن حميد هي (الحلال والحرام: {وأخر متشابهات}) [آل عمران: 7] أي (يصدّق بعضه بعضًا كقوله تعالى: {وما يضل به إلا الفاسقين}) [البقرة: 26] و (كقوله جل ذكره: {ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون}) [يونس: 100] وكقوله تعالى: ({والذين اهتدوا زادهم هدى}) [محمد صلّى اللّه عليه وسلّم: 17] زاد أبو ذر عن الكشميهني والمستملي وآتاهم تقواهم هذا تفسير للمتشابه وذلك أن المفهوم من الآية الأولى أن الفاسق وهو الضال تزيد ضلالته وتصدقه الآية الأخرى حيث يجعل الرجس للذي لا يعقل وذلك حيث تزيد للمهتدي الهداية قاله الكرماني. وقال بعضهم: المحكم ما وضح معناه فيدخل فيه النص والظاهر، والمتشابه ما ترددت فيه الاحتمالات فيدخل فيه المجمل والمؤول. وقال الزمخشري: محكمات أحكمت عباراتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه.
قال الزجاج فيما حكاه الطيبي: المعنى أحكمت في الإبانة فإذا سمعها السامع لم يحتج إلى التأويل وقسم الراغب المتشابه إلى قسمين. أحدهما ما يرجع إلى ذاته، والثاني إلى أمر ما يعرض له.
والأول على ضروب ما يرجع إلى جهة اللفظ مفردًا ما لغرابته نحو وفاكهة وأبا أو لمشاركته الغير نحو اليد والعين أو مركبًا أما للاختصار نحو: {واسأل القرية} أو للإطناب نحو {ليس كمثله شيء} أو لإغلاق اللفظ نحو فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما الآية.
وثانيها ما يرجع إلى المعنى أما من جهة دقته كأوصاف الباري عز وجل وأوصاف القيامة أو من جهة ترك الترتيب ظاهرًا نحو: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} إلى قوله: {لعذبنا الذين كفروا} [الفتح: 25] وثالثها: ما يرجع إلى اللفظ والمعنى معًا وأقسامه بحسب تركيب بعض وجوه اللفظ مع بعض وجوه المعنى نحو غرابة اللفظ مع دقة المعنى ستة أنواع، لأن وجوه اللفظ ثلاثة، ووجوه المعنى اثنان ومضروب الثلاثة في اثنين ستة.
والقسم الثاني من المتشابه وهو ما يرجع إلى ما يعرض في اللفظ وهو خمسة أنواع.
الأول من جهة الكمية كالعموم والخصوص.
الثاني من طريق الكيفية كالوجوب والندب.
الثالث من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ.
الرابع من جهة المكان كالمواضع والأمور التي نزلت فيها نحو: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} [البقرة: 189] وقوله تعالى: {إنما النسيء زيادة في الكفر} [التوبة: 37] فإنه يحتاج في معرفة ذلك إلى معرفة عاداتهم في الجاهلية.
الخامس من جهة الإضافة وهي الشروط التي بها يصح الفعل أو يفسد كشروط العبادات والأنكحة والبيوع.
وقد يقسم المتشابه والمحكم بحسب ذاتهما إلى أربعة أقسام.
المحكم من جهة اللفظ والمعنى كقوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} [الأنعام: 151] إلى آخر الآيات.
الثاني متشابه من جهتهما معًا قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه} [الأنعام: 125] الآية.
الثالث متشابه في اللفظ محكم في المعنى قوله تعالى: {وجاء ربك} الآية.
الرابع متشابه في المعنى محكم في اللفظ نحو: الساعة والملائكة.
وإنما كان فيه المتشابه لأنه باعث على تعلم علم الاستدلال لأن معرفة المتشابه متوقفة على معرفة علم الاستدلال فتكون حاملة على تعلمه فتتوجه الرغبات إليه ويتنافس فيه المحصلون فكان كالشيء النافق بخلافه إذا لم يوجد فيه المتشابه فلم يحتج إليه كل الاحتياج فيتعطل ويضيع ويكون كالشيء الكاسد قاله الطيبي.
وقوله تعالى: {فأما الذين في قلوبهم} ({زيغ}) أي (شك). وضلال وخروج عن الحق إلى الباطل: {فيتبعون ما تشابه منه} ({ابتغاء الفتنة}) مصدر مضاف لمفعوله منصوب له أي لأجل طلب (المشتبهات) بضم الميم وسكون المعجمة وفتح الفوقية وكسر الموحدة ليفتنوا الناس عن دينهم لتمكنهم من تحريفها إلى مقاصدهم الفاسدة كاحتجاج النصارى بأن القرآن نطق بأن عيسى روح الله وكلمته وتركوا الاحتجاج بقوله: إن هو إلا عبد أنعمنا عليه، وأن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب، وهذا بخلاف المحكم فلا نصيب لهم فيه وحجة عليهم، وتفسير الفتنة بالمشتبهات لمجاهد وصله عبد بن حميد ({والراسخون}) يعلمون) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني {والراسخون في العلم} يعلمون ({يقولون}) خبر المبتدأ الذي هو والراسخون أو حال أي والراسخون يعلمون تأويله حال كونهم قائلين ذلك أو خبر مبتدأ مضمر أي هم يقولون
({آمنا به}) [آل عمران: 7] زاد في نسخة عن المستملي والكشميهني كل من عند ربنا أي كل من المتشابه والمحكم من عنده وما يذكر إلا أولو الألباب وسقط جميع هذه الآثار من أول السورة لي هنا عن الحموي.
- حدّثنا عبد اللّه بن مسلمة، حدّثنا يزيد بن إبراهيم التّستريّ، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمّدٍ، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلّا اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا وما يذّكّر إلّا أولو الألباب} [آل عمران: 7]. قالت: قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «فإذا رأيت الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الّذين سمّى اللّه فاحذروهم».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا يزيد بن إبراهيم) أبو سعيد (التستري) بالسين المهملة (عن ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبد الرحمن (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (عن عائشة -رضي الله عنها-) إنها (قالت: تلا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب}) قال الزمخشري أي أصل الكتاب تحمل المشتبهات عليها. قال الطيبي: وذلك أن العرب تسمي كل جامع يكون مرجعًا لشيء أما قال القاضي البيضاوي والقياس أمهات الكتاب وأفرد على أن الكل بمنزلة آية واحدة أو على تأويل كل واحدة ({وأخر مشابهات}) عطف على آيات ومتشابهات نعت لآخر وفي الحقيقة أخر نعت لمحذوف تقديره وآيات أخر متشابهات ({فأما الذين في قلوبهم زيغ}) قال الراغب: الزيغ الميل عن الاستقامة إلى أحد الجانبين ومنه زاغت الشمس عن كبد السماء وزاغ البصر والقلب، وقال بعضهم: الزيغ أخص من مطلق الميل، فإن الزيغ لا يقال إلا لما كان من حق إلى باطل والمراد أهل البدع ({فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}) على ما يشتهونه ({وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم}).
قال في الكشاف: أي لا يهتدي إلى تأويله الحق الذي يجب أن يحمل عليه إلا الله، وتعقبه في الانتصاف بأنه لا يجوز إطلاق الاهتداء على الله تعالى لما فيه من إيهام سبق جهل وضلال تعالى الله وتقدس عن ذلك لأن اهتدى مطاوع هدى ويسمى من تجدد إسلامه مهتديًا وانعقد الإجماع على امتناع إطلاق الألفاظ الموهمة عليه تعالى قال: وأظنه سها فنسب الاهتداء إلى الراسخين في العلم وغفل عن شمول ذلك الحق جل جلاله.
({يقولون آمنا به}) وفي مصحف ابن مسعود: ويقول الراسخون في العلم آمنا به بواو قبل يقول وثبت ذلك من قراءة ابن عباس كما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح وهو يدل على أن الواو للاستئناف. قال صاحب المرشد: لا إنكار لبقاء معنى في القرآن استأثر الله تعالى بعلمه دون خلقه

فالوقف على إلا الله على هذا تام ولا يكاد يوجد في التنزيل أما وما بعدها رفع إلا ويثنى ويثلث كقوله تعالى: {أما السفينة} {وأما الغلام} {وأما الجدار} الآيات، فالمعنى وأما الراسخون فحذف لدلالة الكلام عليه. فإن قيل: فيلزم على هذا أن يجاء في الجواب بالفاء وليس بعد والراسخون الفاء، فجوابه: أن أما لما حذفت ذهب حكمها الذي يختص بها فجرى مجرى الابتداء والخبر ({كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب}) وسقط قوله: {وما يعلم تأويله} إلا الله الخ لغير أبي ذر وقالوا بعد قوله وابتغاء تأويله إلى قوله وما يذكر إلا أولو الباب.
(قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها: (قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) بكسر تاء رأيت وكاف أولئك على خطاب عائشة وفتحهما لأبي ذر على أنه لكل أحد ولأبي ذر عن الكشميهني فاحذرهم بالإفراد أي احذر أيها المخاطب الإصغاء إليهم وأول ما ظهر ذلك من اليهود كما عند ابن إسحاق في تأويلهم الحروف المقطعة وإن عددها بالجمل بقدر مدة هذه الأمة ثم أول ما ظهر في الإسلام من الخوارج.
وحديث الباب أخرجه مسلم في القدر وأبو داود في السنة والترمذي في التفسير). [إرشاد الساري: 7/50-52]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (1 ـ باب {منه آياتٌ محكماتٌ}
قوله: (وأخر متشابهات الخ) حاصل ما ذكروه في تفسيره أنها متناسبات يشبه بعضها بعضاً في المعنى بحيث يصير كل منها كالمصدق لصاحبه، ولا يخفى أن هذا المعنى غير مناسب لما بعده، وإنما المناسب به أن يفسر بالمشتبهات التي يشتبه، ويلتبس معانيها بحيث لا يكاد تفهم، والله تعالى أعلم اهـ سندي). [حاشية السندي على البخاري: 3/42-43]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ، قال: حدّثنا أبو عامرٍ وهو الخزّاز، ويزيد بن إبراهيم كلاهما، عن ابن أبي مليكة. قال يزيد: عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمّدٍ، عن عائشة،، ولم يذكر أبو عامرٍ القاسم -. قالت: سألت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم عن قوله: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله}، قال: فإذا رأيتيهم فاعرفيهم وقال يزيد: فإذا رأيتموهم فاعرفوهم قالها مرّتين أو ثلاثًا.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/72]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: أخبرنا أبو الوليد الطّيالسيّ، قال: حدّثنا يزيد بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمّدٍ، عن عائشة، قالت: سئل رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم عن هذه الآية {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ} إلى آخر الآية. فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إذا رأيتم الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الّذين سمّاهم اللّه فاحذروهم.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد روي عن أيّوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، هذا الحديث، وهكذا روى غير واحدٍ هذا الحديث عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، ولم يذكروا فيه عن القاسم بن محمّدٍ، وإنّما ذكره يزيد بن إبراهيم، عن القاسم في هذا الحديث. وابن أبي مليكة هو: عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة وقد سمع من عائشة أيضًا). [سنن الترمذي: 5/73]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ {في قلوبهم زيغٌ} قال: شك). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 72]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ مّحكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ}.
يعني بقوله جل ثناؤه: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب} أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء هو الّذي أنزل عليك الكتاب. يعني بالكتاب بالقرآن.
وقد أتينا على البيان فيما مضى عن السبب الذي من أجله سمي القرآن كتابا، بما أغنى عن عبادته في هذا الموضع.
وأما قوله {منه آياتٌ مّحكماتٌ}. فإنه يعني: من الكتاب آيات. يعني بالآيات آيات القرآن. وأما المحكمات، فإنهن اللواتي قد أحكمن بالبيان والتفصيل، وأثبتت حججهن وأدلتهن على ما جعلن أدلة عليه؛ من حلال وحرام، ووعد ووعيد، وثواب وعقاب، وأمر وزجر، وخبر ومثل، وعظة وعبر، وما أشبه ذلك.
ثم وصف جل ثناؤه هؤلاء الآيات المحكمات بأنهن أم الكتاب، يعني بذلك أنهن أصل الكتاب الذي فيه عماد الدين والفرائض والحدود، وسائر ما بالخلق إليه الحاجة من أمر دينهم، وما كلفوا من الفرائض والحدود، وسائر ما يحتاجون إليه، في عاجلهم وآجلهم، وإنما سماهن أم الكتاب لأنهن معظم الكتاب، وموضع مفزع أهله عند الحاجة إليه، وكذلك تفعل العرب، تسمي الجامع معظم الشيء أما له، فتسمى راية القوم التي تجمعهم في العساكر أمهم، والمدبر معظم أمر القرية والبلدة أمها. وقد بينا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
ووحد {هنّ أمّ الكتاب} ولم يجمع فيقول هن أمهات الكتاب وقد قال {هنّ} لأنه أردا جميع الايات المحكمات أم الكتاب لا أن كل اية منهن أم ولو كان معنى أن كل أية منهن أم الكتاب لكان لشك قد قيل هن أمهات الكتاب ونظير قول الله عز وجل {هنّ أمّ الكتاب} على التأويل الذى قلنا في توحيد ألام وهى خير ل{هنّ} قوله تعالى ذكره {وجعلنا ابن مريم وأمّه آيةً وآويناهما إلى ربوةٍ ذات قرارٍ ومعينٍ} ولم يقل ايتين لأن معناه وجعلنا جميعهما ايه إذا كان المعنى واحد فيما جعلا فيه للخلق عبرة ولو كان مراده الخبر عن كل وحد منهما على انفرده بأنه جعل للخلق عبرة لقيل وجعلنا ابن مريم وأمه ايتين لأنه قد كان في كل وحد منهما للناس آية وقد قال بعض نحوى البصرة انما قيل {هنّ أمّ الكتاب} ولم يقل هن أمهات الكتاب على وجه الحكاية كما يقول الرجل مالى أنصار فتقول أنا أنصارك أو مالى نظير فتقول نحن نظيرك قال وهو شبيه دعنى من تمرتان وأنشد من فقعيس.
تعرضت لى بمكان حل...تعرض المهرة في الطول
تعرضا لم تأل عن قتلا لى.
قتلا لى يحكى به على الحكاية لأنه كان منصوبا قبل ذلك كما يقول نودى الصلاة الصلاة يحكى قول القائل الصلاة الصلاة وقال قال بعضهم إنما هى أن قتلا لى ولكنه جعله عينا لأن أن في لغته تجعل موضعها عن النصب على الأمر كأنك قلت ضربا لزيد.
وهذا قول لمعنى له لأن كا هذه الشواهد استشهدها لاشك أنهن حكايات حاكيهن بما حكى عن قول غيره وألفاظه التى نطق بهن وأن معلومات أن الله جل ثناؤه لم يحك عن أحد قوله أم الكتاب فيجوز أن يقال أخرج ذلك مخرج الحكاية عمن قال ذلك كذلك.واما قوله {وأخر} فإنها جميع أخرى.
ثم اختلف أهل العربيه في العلة التى من أجلها لم يصرف أخرى فقال بعضهم لم يصرف أخرى من أجل أنها نعت واحدتهما أخرى كما لم تصرف جميع وكتع لأنهن نعوت.
وقال اخرون إنما لم تصرف الأخرى لزيادة اليا التى في وحدتها أن جمعها مبنى على واحدها في ترك الصرف قالو وأنما ترك صرف أخرى كما ترك صرف حمراء وبيضاء في النكرة والمعرفة لزياة المدة فيهما والهمزة بالواو ثم اقتراف جمع حمراء وأخرى فبنى جمع أخرى على وحدته فقيل فعل أخرى فترك صرفها كما ترك صرف أخرى وبنى جمع حمراء وبيضاء على خلاف وحدته فصرف وقيل حمر وبيض فلا ختلاف حالتهما في الجمع اختلاف إعربهما عندهما في الصرف ولاتفاق حالتهما في الوحدة اتفقت حالتاهما فيها.
وأما قوله {متشابهاتٌ} فإن معناه متشابهات في النلاوه مختلفات في المعنى كما قال جلا ثناؤه وأتو به متشبهات يعنى في المنظر مختلفا في المطعم وكما قال مخبر عمن أخبر عنه من بنى أسرئيل أنه قال {إنّ البقر تشابه علينا} يعنون بذلك تشابه علينا في الصفه وإن اختلفت أنوعه. فتإويل الكلام إذن أن الذى لايخفى عليه شى في الأرض ولأ في السماء هو الذى …أنزل عليك يامحمد القران {منه آياتٌ مّحكماتٌ} با البيان هن أصل الكتاب عليه عمادك وعماد أمتك في الدين وإليه مفزعك ومفزعهم فيما أفترضت عليك عليهم من شرائع الاسلام وايات أخرى هن متشبهات في التلاوه مختلافات في المعانى.
وقد اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله{منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ} واما المحكم من اى الكتاب واما المتشابه منه فقال بعضهم المحكامات من اى القران المعمول بهن وهن الناسخات أو المثبتات الأحكام والمتشابهات من اية المتروك العمل بهن المنسوخات.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا العوّام، عمّن حدّثه عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {منه آياتٌ محكماتٌ} قال: هي الثّلاث الآيات الّتي هاهنا: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم} إلى ثلاث آياتٍ، والّتي في بني إسرائيل: {وقضى ربّك ألا تعبدوا إلاّ إيّاه} إلى آخر الآيات.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب} المحكمات: ناسخه، وحلاله، وحرامه، وحدوده، وفرائضه، وما يؤمن به، ويعمل به قال: {وأخر متشابهاتٌ} والمتشابهاتٌ: منسوخه، ومقدّمه، ومؤخّره، وأمثاله، وأقسامه، وما يؤمن به، ولا يعمل به.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب} إلى: {وأخر متشابهاتٌ} فالمحكمات الّتي هي أمّ الكتاب: النّاسخ الّذي يدان به ويعمل به؛ والمتشابهات: هنّ المنسوخات الّتي لا يدان بهنّ.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب} إلى قوله: {كلٌّ من عند ربّنا} أمّا الآيات المحكمات: فهنّ النّاسخات الّتي يعمل بهنّ؛ وأمّا المتشابهات: فهنّ المنسوخات.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب} والمحكمات: النّاسخ الّذي يعمل به ما أحلّ اللّه فيه حلاله وحرّم فيه حرامه؛ وأمّا المتشابهات: فالمنسوخ الّذي لا يعمل به ويؤمن.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {آياتٌ محكماتٌ} قال: المحكم: ما يعمل به.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ} قال: المحكمات: النّاسخ الّذي يعمل به، والمتشابهات: المنسوخ الّذي لا يعمل به، ويؤمن به.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب} قال: النّاسخات {وأخر متشابهاتٌ} قال: ما نسخ وترك يتلى.
- حدّثني ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ قال: المحكم ما لم ينسخ، وما تشابه منه: ما نسخ.
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك في قوله: {آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب} قال: النّاسخ {وأخر متشابهاتٌ} قال: المنسوخ.
حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ} قال: المحكمات: الّذي يعمل به. ذايد
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ يحدّث، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: {منه آياتٌ محكماتٌ} يعني النّاسخ الّذي يعمل به، {وأخر متشابهاتٌ} يعني المنسوخ، يؤمن به ولا يعمل به.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن الضّحّاك: {منه آياتٌ محكماتٌ} قال: ما لم ينسخ، {وأخر متشابهاتٌ} قال: ما قد نسخ
وقال آخرون: المحكمات من آي الكتاب: ما أحكم اللّه فيه بيان حلاله وحرامه؛ والمتشابه منها: ما أشبه بعضه بعضًا في المعاني وإن اختلفت ألفاظه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {منه آياتٌ محكماتٌ} ما فيه من الحلال والحرام وما سوى ذلك، فهو متشابه يصدّق بعضه بعضًا وهو مثل قوله: {وما يضلّ به إلاّ الفاسقين} ومثل قوله: {كذلك يجعل اللّه الرّجس على الّذين لا يؤمنون} ومثل قوله: {والّذين اهتدوا زادهم هدًى وآتاهم تقواهم}
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله
وقال آخرون: المحكمات من آي الكتاب: ما لم يحتمل من التّأويل غير وجهٍ واحدٍ؛ والمتشابه منه: ما احتمل من التّأويل أوجهًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ} فيهنّ حجّة الرّبّ وعصمة العباد، ودفع الخصوم والباطل، ليس لها تصريفٌ ولا تحريفٌ عمّا وضعت عليه، وأخر متشبهتٌ في الصّدق لهنّ تصريفٌ وتحريفٌ وتأويلٌ ابتلى اللّه فيهنّ العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام، لا يصرفن إلى الباطل ولا يحرّفن عن الحقّ
وقال آخرون: معنى المحكم: ما أحكم اللّه فيه من آي القرآن وقصص الأمم ورسلهم الّذين أرسلوا إليهم، ففصّله ببيان ذلك لمحمّدٍ وأمّته، والمتشابه هو ما اشتبهت الألفاظ به من قصصهم عند التّكرير في السّور بقصّةٌ باتّفاق الألفاظ واختلاف المعاني، وبقصّةٌ باختلاف الألفاظ واتّفاق المعاني.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ وقرأ: {الر كتابٌ أحكمت آياته ثمّ فصّلت من لدن حكيمٍ خبيرٍ} قال: وذكر حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أربعٍ وعشرين آيةً منها، وحديث نوحٍ في أربعٍ وعشرين آيةً منها.
ثمّ قال: {تلك من أنباء الغيب} ثمّ ذكر: {وإلى عادٍ} فقرأ حتّى بلغ: {واستغفروا ربّكم} ثمّ مضى، ثمّ ذكر صالحًا وإبراهيم ولوطًا وشعيبًا، وفرغ من ذلك، وهذا يقينٌ، ذلك يقينٌ أحكمت آياته ثمّ فصّلت، قال: والمتشابه ذكر موسى في أمكنةٍ كثيرةٍ، وهو متشابهٌ، وهو كلّه معنًى واحدٌ ومتشابهٌ: {اسلك فيها}، {احمل فيها}، {اسلك يدك} {أدخل يدك}، {حيّةٌ تسعى}، {ثعبانٌ مبينٌ}
قال: ثمّ ذكر هودًا في عشرٍ آياتٍ منها، وصالحًا في ثماني آياتٍ منها وإبراهيم في ثماني آياتٍ أخرى، ولوطًا في ثماني آياتٍ منها، وشعيبًا في ثلاث عشرة آيةً، وموسى في أربع آياتٍ، كلّ هذا يقضي بين الأنبياء وبين قومهم في هذه السّورة، فانتهى ذلك إلى مائة آيةٍ من سورة هودٍ، ثمّ قال: {ذلك من أنباء القرى نقصّه عليك منها قائمٌ وحصيدٌ} وقال في المتشابه من القرآن: من يرد اللّه به البلاء والضّلالة، يقول: ما شأن هذا لا يكون هكذا؟ وما شأن هذا لا يكون هكذا
وقال آخرون: بل المحكم من آي القرآن: ما عرف العلماء تأويله، وفهموا معناه وتفسيره؛ والمتشابه: ما لم يكن لأحدٍ إلى علمه سبيلٌ ممّا استأثر اللّه بعلمه دون خلقه، وذلك نحو الخبر عن وقت مخرج عيسى ابن مريم، ووقت طلوع الشّمس من مغربها، وقيام السّاعة، وفناء الدّنيا، وما أشبه ذلك، فإنّ ذلك لا يعلمه أحدٌ، وقالوا: إنّما سمّى اللّه من آي الكتاب المتشابه الحروف المقطّعة الّتي في أوائل بعض سور القران من نحو الم، والمص، والمر، والر، وما أشبه ذلك؛ لأنّهنّ متشابهاتٌ في الألفاظ، وموافقاتٌ حروف حساب الجمّل، وكان قومٌ من اليهود على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم طمعوا أن يدركوا من قبلها معرفة مدّة الإسلام وأهله، ويعلموا نهاية أكل محمّدٍ وأمّته، فأكذب اللّه أحدوثتهم بذلك، وأعلمهم أنّ ما ابتغوا علمه من ذلك من قبل هذه الحروف المتشابهة لا يدركونه ولا من قبل غيرها، وأنّ ذلك لا يعلمه إلاّ اللّه، وهذا قولٌ ذكر عن جابر بن عبد اللّه بن رئابٍ أنّ هذه الآية نزلت فيه، وقد ذكرنا الرّواية بذلك عنه وعن غيره ممّن قال نحو مقالته في تأويل ذلك في تفسير قوله: {الم ذلك الكتاب لا ريب فيه}
وهذا القول الّذي ذكرناه عن جابر بن عبد اللّه أشبه بتأويل الآية، وذلك أنّ جميع ما أنزل اللّه عزّ وجلّ من آي القرآن على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّما أنزله عليه بيانًا له ولأمّته وهدًى للعالمين، وغير جائزٍ أن يكون فيه ما لا حاجة بهم إليه، ولا أن يكون فيه ما بهم إليه الحاجة، ثمّ لا يكون لهم إلى علم تأويله سبيلٌ، فإذا كان ذلك كذلك، فكلّ ما فيه لخلقه إليه الحاجة وإن كان في بعضه ما بهم عن بعض معانيه الغنى، وإن اضطرّته الحاجة إليه في معانٍ كثيرةٍ، وذلك كقول اللّه عزّ وجلّ: {يوم يأتي بعض آيات ربّك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا} فأعلم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أمّته أنّ تلك الآية الّتي أخبر اللّه جلّ ثناؤه عباده أنّها إذا جاءت لم ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ذلك، هي طلوع الشّمس من مغربها، فالّذي كانت بالعباد إليه الحاجة من علم ذلك هو العلم منهم بوقت نفع التّوبة بصفته بغير تحديده بعدٍّ السّنين والشّهور والأيّام، فقد بيّن اللّه ذلك لهم بدلالة الكتاب، وأوضحه لهم على لسان رسول صلّى اللّه عليه وسلّم مفسّرًا، والّذي لا حاجة لهم إلى علمه منه هو العلم بمقدار المدّة الّتي بين وقت نزول هذه الآية ووقت حدوث تلك الآية، فإنّ ذلك ممّا لا حاجة بهم إلى علمه في دينٍ ولا دنيا، وذلك هو العلم الّذي استأثر اللّه جلّ ثناؤه به دون خلقه، فحجبه عنهم، وذلك وما أشبهه هو المعنى الّذي طلبت اليهود معرفته في مدّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأمّته من قبل قوله: الم، والمص، والر، والمر ونحو ذلك من الحروف المقطّعة المتشابهات الّتي أخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّهم لا يدركون تأويل ذلك من قبله، وأنّه لا يعلم تأويله إلاّ اللّه.
فإذا كان المتشابه هو ما وصفنا، فكلّ ما عداه فمحكمٌ؛ لأنّه لن يخلو من أن يكون محكمًا بأنّه بمعنًى واحدٍ لا تأويل له غير تأويلٍ واحدٍ، وقد استغنى بسماعه عن بيانٍ يبيّنه، أو يكون محكمًا، وإن كان ذا وجوهٍ وتأويلاتٍ وتصرّفٍ في معانٍ كثيرةٍ، بالدّلالة على المعنى المراد منه إمّا من بيان اللّه تعالى ذكره عنه أو بيان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم لأمّته، ولن يذهب علم ذلك عن علماء الأمّة لما قد بيّنّا). [جامع البيان: 5/188-201]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هنّ أمّ الكتاب}
قد أتينا على البيان عن تأويل ذلك بالدّلالة الشّاهدة على صحّة ما قلنا فيه، ونحن ذاكرو اختلاف أهل التّأويل فيه، وذلك أنّهم اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى قوله: {هنّ أمّ الكتاب} هنّ الاي فيهنّ الفرائض والحدود والأحكام، نحو قيلنا الّذي قلنا فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عمران بن موسى القزّاز، قال: حدّثنا عبد الوارث بن سعيدٍ، قال: حدّثنا إسحاق بن سويدٍ، عن يحيى بن يعمر، أنّه قال في هذه الآية: {محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب} قال يحيى: هنّ اللاّتي فيهنّ الفرائض والحدود وعماد الدّين، وضرب لذلك مثلاً فقال: أمّ القرى مكّة، وأمّ خراسان مرو، وأمّ المسافرين الّذين يجعلون إليه أمرهم، ويعنى بهم في سفرهم، قال: فذاك أمّهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {هنّ أمّ الكتاب} قال: هنّ جماع الكتاب
وقال آخرون: بل معنيّ بذلك فواتح السّور الّتي منها يستخرج القرآن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عمران بن موسى، قال: حدّثنا عبد الوارث بن سعيدٍ، قال: حدّثنا إسحاق بن سويدٍ، عن أبي فاختة، أنّه قال في هذه الآية: {منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب} قال: أمّ الكتاب فواتح السّور منها يستخرج القرآن {الم ذلك الكتاب} منها استخرجت البقرة، و{الم اللّه لا إله إلاّ هو} منها استخرجت آل عمران). [جامع البيان: 5/201-202]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: فأمّا الّذين في قلوبهم ميلٌ عن الحقّ، وانحرافٌ عنه، يقال منه: زاغ فلانٌ عن الحقّ، فهو يزيغ عنه زيغًا وزيغانًا وزيوغةً وزيوغًا، وأزاغه اللّه: إذا أماله، فهو يزيغه، ومنه قوله جلّ ثناؤه: {ربّنا لا تزغ قلوبنا} لا تملها عن الحقّ {بعد إذ هديتنا}
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ} أي ميلٌ عن الهدى.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {في قلوبهم زيغٌ} قال: شكٌّ
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ} قال: من أهل الشّكّ.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ} أمّا الزّيغ: فالشّكّ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: {زيغٌ} شكٌّ، قال ابن جريجٍ {الّذين في قلوبهم زيغٌ} المنافقون). [جامع البيان: 5/202-203]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فيتّبعون ما تشابه منه}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {فيتّبعون ما تشابه منه} ما تشابهت ألفاظه وتصرّفت معانيه بوجوه التّأويلات، ليحقّقوا بادّعائهم الأباطيل من التّأويلات في ذلك ما هم عليه من الضّلالة والزّيغ عن محجّة الحقّ تلبيسًا منهم بذلك على من ضعفت معرفته بوجوه تأويل ذلك وتصاريف معانيه.
- كما: حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {فيتّبعون ما تشابه منه} فيحملون المحكم على المتشابه، والمتشابه على المحكم ويلبّسون، فلبّس اللّه عليهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {فيتّبعون ما تشابه منه} أي ما تحرّف منه وتصرّف، ليصدّقوا به ما ابتدعوا وأحدثوا ليكون لهم حجّةً على ما قالوا وشبهةً.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {فيتّبعون ما تشابه منه} قال: الباب الّذي ضلّوا منه وهلكوا فيه ابتغاء تأويله.
وقال آخرون في ذلك بما:
- حدّثني به موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {فيتّبعون ما تشابه منه} يتّبعون المنسوخ والنّاسخ، فيقولون: ما بال هذه الآية عمل بها كذا وكذا مكان، مجاز هذه الآية، فتركت الأولى وعمل بهذه الأخرى؟ هلاّ كان العمل بهذه الآية قبل أن تجيء الأولى الّتي نسخت، وما باله يعد العذاب من عمل عملاً يعذبه النّار وفي مكانٍ آخر من عمله فإنّه لم يوجب له النّار
واختلف أهل التّأويل فيمن عني بهذه الآية، فقال بعضهم: عني به الوفد من نصارى نجران الّذين قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فحاجّوه بما حاجّوه به، وخاصموه بأن قالوا: ألست تزعم أنّ عيسى روح اللّه وكلمته؟ وتأوّلوا في ذلك ما يقولون فيه من الكفر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: عمدوا يعني الوفد الّذين قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من نصارى نجران فخاصموا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا: ألست تزعم أنّه كلمة اللّه وروحٌ منه؟ قال: بلى، قالوا: فحسبنا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة} ثمّ إنّ اللّه جلّ ثناؤه أنزل: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم} الآية
وقال آخرون: بل أنزلت هذه الآية في أبي ياسر بن أخطب، وأخيه حييّ بن أخطب، والنّفر الّذين ناظروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قدر مدّة أكله وأكل أمّته، وأرادوا علم ذلك من قبل قوله: الم، والمص والمر، والر فقال اللّه جلّ ثناؤه فيهم: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ} يعني هؤلاء اليهود الّذين قلوبهم مائلةٌ عن الهدى والحقّ، {فيتّبعون ما تشابه منه} يعني معاني هذه الحروف المقطّعة المحتملة التّصريف في الوجوه المختلفة التّأويلات ابتغاء الفتنة.
وقد ذكرنا الرّواية بذلك فيما مضى قبل في أوّل السّورة الّتي تذكر فيها البقرة
وقال آخرون: بل عنى اللّه عزّ وجلّ بذلك كلّ مبتدعٍ في دينه بدعةً مخالفةً لما ابتعث به رسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم بتأويلٍ يتأوّله من بعض آي القرآن المحتملة التّأويلات، وإن كان اللّه قد أحكم بيان ذلك، إمّا في كتابه وإمّا على لسان رسوله.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة} وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ} قال: إن لم يكونوا الحروريّة والسّبائيّة فلا أدري من هم؟ ولعمري لقد كان في أهل بدرٍ والحديبية الّذين شهدوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيعة الرّضوان من المهاجرين والأنصار خبرٌ لمن استخبر، وعبرةٌ لمن استعبر، لمن كان يعقل أو يبصر، إنّ الخوارج خرجوا وأصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومئذٍ كثيرٌ بالمدينة والشّام والعراق وأزواجه يومئذٍ أحياءٌ، واللّه إن خرج منهم ذكرٌ ولا أنثى حروريًّا قطّ، ولا رضوا الّذي هم عليه ولا مالئوهم فيه، بل كانوا يحدّثون بعيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إيّاهم ونعته الّذي نعتهم به، وكانوا يبغضونهم بقلوبهم ويعادونهم بألسنتهم وتشتدّ واللّه عليهم أيديهم إذا لقوهم، ولعمري لو كان أمر الخوارج هدًى لاجتمع، ولكنّه كان ضلالاً فتفرّق، وكذلك الأمر إذا كان من عند غير اللّه وجدت فيه اختلافًا كثيرًا، فقد ألاصوا هذا الأمر منذ زمانٍ طويلٍ، فهل أفلحوا فيه يومًا أو أنجحوا؟ يا سبحان اللّه كيف لا يعتبر آخر هؤلاء القوم بأوّلهم؟ لو كانوا على هدًى قد أظهره اللّه وأفلجه ونصره، ولكنّهم كانوا على باطلٍ أكذبه اللّه وأدحضه، فهم كما رأيتهم كلّما خرج لهم قرنٌ أدحض اللّه حجّتهم، وأكذب أحدوثتهم، وأهرق دماءهم؛ وإن كتموا كان قرحًا في قلوبهم وغمًّا عليهم، وإن أظهروه أهراق اللّه دماءهم، ذاكم واللّه دين سوءٍ فاجتنبوه. واللّه إنّ اليهود لبدعةٌ، وإنّ النّصرانيّة لبدعةٌ، وإنّ الحروريّة لبدعةٌ وإنّ السّبائيّة لبدعةٌ، ما نزل بهنّ كتابٌ ولا سنّهنّ نبيّ
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} طلب القوم التّأويل فأخطئوا التّأويل، وأصابوا الفتنة، فاتّبعوا ما تشابه منه فهلكوا من ذلك، لعمري لقد كان في أصحاب بدرٍ والحديبية الّذين شهدوا بيعة الرّضوان، وذكر نحو حديث عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عنه.
- حدّثني محمّد بن خالد بن خداشٍ، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدّثنا إسماعيل بن عليّة، عن أيّوب، عن عبد اللّه بن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب} إلى قوله: {وما يذّكّر إلاّ أولو الألباب} فقال: فإذا رأيتم الّذين يجادلون فيه فهم الّذين عنى اللّه فاحذروهم.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت أيّوب، عن عبد اللّه بن أبي مليكة، عن عائشة أنّها قالت: قرأ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب} إلى: {وما يذّكّر إلاّ أولو الألباب} قالت: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فإذا رأيتم الّذين يجادلون فيه أو قال: ويتجادلون فيه فهم الّذين عنى اللّه فاحذروهم قال مطرٌ: عن أيّوب أنّه قال: فلا تجالسوهم؛ فهم الّذين عنى اللّه فاحذروهم
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا أيّوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحو معناه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، نحوه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرنا الحارث، عن أيّوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قالت: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ} الآية كلّها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إذا رأيتم الّذين يتّبعون ما تشابه منه والّذين يجادلون فيه فهم الّذين عنى اللّه أولئك الّذين قال اللّه، فلا تجالسوهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن يزيد بن إبراهيم، عن ابن أبي مليكة، قال: سمعت القاسم بن محمّدٍ، يحدّث عن عائشة، قالت: تلا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب} ثمّ قرأ إلى آخر الآيات، فقال: إذا رأيتم الّذين يتّبعون ما تشابه منه، فأولئك الّذين سمّى اللّه فاحذروهم.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: نزع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {يتّبعون ما تشابه منه} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قد حذّركم اللّه، فإذا رأيتموهم فاعرفوهم.
- حدّثنا عليٌّ، قال: حدّثنا الوليد، عن نافعٍ، بن عمر عن ابن ابى ملكيه،قال حدثتنى عن عائشة، قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إذا رأيتموهم فاحذروهم، ثمّ نزع: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه} ولا يعلمون بمحكمه.
- حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن بن وهبٍ، قال: أخبرنا عمّي، قال: أخبرني شبيب بن سعيدٍ، عن روح بن القاسم، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سئل عن هذه الآية: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاّ اللّه، والرّاسخون في العلم} فقال: فإذا رأيتم الّذين يجادلون فيه فهم الّذين عنى اللّه فاحذروهم.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا خالد بن نزارٍ، عن نافعٍ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة في هذه الآية: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب} الآية، يتبعها: يتلوها، ثمّ يقول: فإذا رأيتم الّذين يجادلون فيه فاحذروهم فهم الّذين عنى اللّه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن حمّاد بن سلمة، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في هذه الآية: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب} إلى آخر الآية، قال: هم الّذين سمّاهم اللّه، فإذا رأيتموهم فاحذروهم
قال أبو جعفرٍ: والّذي يدلّ عليه ظاهر هذه الآية أنّها نزلت في الّذين جادلوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمتشابه ما أنزل إليه من كتاب اللّه إمّا في أمر عيسى، وإمّا في مدّة أكله وأكل أمّته، وهو بأن تكون في الّذين جادلوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمتشابهه في مدّته ومدّه أمّته أشبه؛ لأنّ قوله: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه} دالٌ على أنّ ذلك إخبارٌ عن المدّة الّتي أرادوا علمها من قبل المتشابه الّذي لا يعلمه إلاّ اللّه، فأمّا أمر عيسى وأسبابه، فقد أعلم اللّه ذلك نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأمّته وبيّنه لهم، فمعلومٌ أنّه لم يعن إلا ما كان خفيًّا عن الآحاد). [جامع البيان: 5/204-212]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ابتغاء الفتنة}
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك ابتغاء الشّرك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ابتغاء الفتنة} قال: إرادة الشّرك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {ابتغاء الفتنة} يعني الشّرك
وقال آخرون: معنى ذلك ابتغاء الشّبهات.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ابتغاء الفتنة} قال: الشّبهات بها أهلكوا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {ابتغاء الفتنة} الشّبهات، قال: هلكوا به.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {ابتغاء الفتنة} قال: الشّبهات، قال: والشّبهات ما أهلكوا به.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {ابتغاء الفتنة} أي اللّبس
وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: معناه إرادة الشّبهات واللّبس.
فمعنى الكلام إذًا: فأمّا الّذين في قلوبهم ميلٌ عن الحقّ وحيفٌ عنه، فيتّبعون من آي الكتاب ما تشابهت ألفاظه، واحتمل صرفه في وجوه التّأويلات، باحتماله المعاني المختلفة إرادة اللّبس على نفسه وعلى غيره، احتجاجًا به على باطله الّذي مال إليه قلبه دون الحقّ الّذي أبانه اللّه فأوضحه بالمحكمات من آي كتابه.
وهذه الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا أنّها نزلت فيه من أهل الشّرك، فإنّه معنيّ بها كلّ مبتدعٍ في دين اللّه بدعةً، فمال قلبه إليها، تأويلاً منه لبعض متشابه آي القرآن، ثمّ حاجّ به وجادل به أهل الحقّ، وعدل عن الواضح من أدلّة أيّه المحكمات إرادةً منه بذلك اللّبس على أهل الحقّ من المؤمنين، وطلبًا لعلم تأويل ما تشابه عليه من ذلك كائنًا من كان، وأيّ أصناف البدعة كان من أهل النّصرانيّة كان أو اليهوديّة أو المجوسيّة، أو كان سبئيًّا، أو حروريًّا، أو قدريًّا، أو جهميًّا، كالّذي قال صلّى اللّه عليه وسلّم: فإذا رأيتم الّذين يجادلون به فهم الّذين عنى اللّه فاحذروهم.
- وكما: حدّثني يونس، قال: أخبرنا سفيان، عن معمرٍ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: وذكر عنده الخوارج وما يلقون عند الفران، فقال: يؤمنون بمحكمه، ويهلكون عند متشابهه وقرأ ابن عبّاسٍ: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه}
الآية وإنّما قلنا: القول الّذي ذكرنا أنّه أولى التّأويلين بقوله: {ابتغاء الفتنة} لأنّ الّذين نزلت فيهم هذه الآية كانوا أهل شركٍ، وإنّما أرادوا بطلب تأويل ما طلبوا تأويله اللّبس على المسلمين والاحتجاج به عليهم ليصدّوهم عمّا هم عليه من الحقّ، فلا معنى لأن يقال: فعلوا ذلك إرادة الشّرك، وهم قد كانوا مشركين). [جامع البيان: 5/212-214]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وابتغاء تأويله}
اختلف أهل التّأويل في معنى التّأويل الّذي عنى اللّه جلّ ثناؤه بقوله: {وابتغاء تأويله} فقال بعضهم معنى ذلك: الأجل الّذي أرادت اليهود أن تعرفه من انقضاء مدّة أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأمر أمّته من قبل الحروف المقطّعة من حساب الجمل الم، والمص، والر، والمر وما أشبه ذلك من الآجال.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: أمّا قوله: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه} يعني تأويله يوم القيامة إلاّ اللّه
وقال آخرون: بل معنى ذلك عواقب القرآن، وقالوا: إنّما أرادوا أن يعلموا متى يجيء ناسخ الأحكام الّتي كان اللّه جلّ ثناؤه شرّعها لأهل الإسلام قبل مجيئه، فنسخ ما قد كان شرّعه قبل ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وابتغاء تأويله} أرادوا أن يعلموا تأويل القرآن، وهو عواقبه، قال اللّه: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه}، وتأويله عواقبه، متى يأتي النّاسخ منه فينسخ المنسوخ
وقال آخرون: معنى ذلك: وابتغاء تأويل ما تشابه من آي القرآن يتأوّلونه إذ كان ذا وجوهٍ وتصاريف في التّأويلات على ما في قلوبهم من الزّيغ، وما ركبوه من الضّلالة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {وابتغاء تأويله} وذلك على ما ركبوا من الضّلالة في قولهم: خلقنا وقضينا
والقول الّذي قاله ابن عبّاسٍ من أنّ ابتغاء التّأويل الّذي طلبه القوم من المتشابه هو معرفة انقضاء المدّة، ووقت قيام السّاعة، والّذي ذكرنا عن السّدّيّ من أنّهم طلبوا وأرادوا معرفة وقتٍ هو جاء قبل مجيئه أولى بالصّواب، وإن كان السّدّيّ قد أغفل معنى ذلك من وجه صرفه إلى حصره على أنّ معناه أنّ القوم طلبوا معرفة وقت مجيء النّاسخ لما قد أحكم قبل ذلك.
وإنّما قلنا: إنّ طلب القوم معرفة الوقت الّذي هو جاء قبل مجيئه المحجوب علمه عنهم وعن غيرهم بمتشابه آي القرآن أولى بتأويل قوله: {وابتغاء تأويله} لما قد دلّلنا عليه قبل من إخبار اللّه جلّ ثناؤه أنّ ذلك التّأويل لا يعلمه إلاّ اللّه، ولا شكّ أنّ معنى قوله: قضينا وفعلنا، قد علم تأويله كثيرٌ من جهلة أهل الشّرك، فضلاً عن أهل الإيمان وأهل الرّسوخ في العلم منهم). [جامع البيان: 5/215-217]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه}
يعني جلّ ثناؤه بذلك: وما يعلم وقت قيام السّاعة وانقضاء مدّة أكل محمّدٍ وأمّته وما هو كائنٌ إلاّ اللّه، دون من سواه من البشر الّذين أمّلوا إدراك علم ذلك من قبل الحساب والتّنجيم والكهانة، وأمّا الرّاسخون في العلم، فيقولون: آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا، لا يعلمون ذلك، ولكنّ فضل علمهم في ذلك على غيرهم العلم بأنّ اللّه هو العالم بذلك دون من سواه من خلقه.
واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، وهل الرّاسخون معطوفونٌ على اسم اللّه، بمعنى إيجاب العلم لهم بتأويل المتشابه، أو هم مستأنفٌ ذكرهم بمعنى الخبر عنهم أنّهم يقولون: آمنّا بالمتشابه، وصدّقنا أنّ علم ذلك لا يعلمه إلاّ اللّه؟ فقال بعضهم: معنى ذلك: وما يعلم تأويل ذلك إلاّ اللّه وحده منفردًا بعلمه، وأمّا الرّاسخون في العلم فإنّهم ابتدئ الخبر عنهم بأنّهم يقولون: آمنّا بالمتشابه والمحكم وأنّ جميع ذلك من عند اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا خالد بن نزارٍ، عن نافعٍ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قوله: {والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به} قالت: كان من رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه، ولم يعلموا تأويله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، قال: كان ابن عبّاسٍ يقول: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه} يقول الرّاسخون في العلم: آمنّا به.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني ابن أبي الزّناد، قال: قال هشام بن عروة: كان أبي يقول في هذه الآية {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه والرّاسخون في العلم} أنّ الرّاسخين في العلم لا يعلمون تأويله، ولكنّهم يقولون: {آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن أبي نهيكٍ الأسديّ، قوله: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه والرّاسخون في العلم} فيقول: إنّكم تصلون هذه الآية وإنّها مقطوعةٌ {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا} فانتهى علمهم إلى قولهم الّذي قالوا.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا ابن دكينٍ، قال: حدّثنا عمرو بن عثمان بن عبد اللّه بن موهبٍ، قال: سمعت عمر بن عبد العزيز، يقول: {الرّاسخون في العلم} انتهى علم الرّاسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا: {آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا أشهب، عن مالكٍ، في قوله: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه} قال: ثمّ ابتدأ فقال: {والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا} وليس يعلمون تأويله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما يعلم تأويله إلاّ اللّه والرّاسخون في العلم، وهم مع علمهم بذلك ورسوخهم في العلم {يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: أنا ممّن يعلم تأويله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، والرّاسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنّا به.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: والرّاسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنّا به.
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {والرّاسخون في العلم} يعلمون تأويله ويقولون آمنّا به.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {وما يعلم تأويله} الّذي أراد ما أراد {إلاّ اللّه والرّاسخون} في العلم يقولون آمنّا به، ثمّ ردّوا تأويل المتشابهة على ما عرفوا من تأويل المحكمة الّتي لا تأويل لأحدٍ فيها إلاّ تأويلٌ واحدٌ، فاتّسق بقولهم الكتاب، وصدّق بعضه بعضًا، فنفذت به الحجّة، وظهر به العذر، وزاح به الباطل، ودمغ به الكفر فمن قال القول الأوّل في ذلك، وقال: إنّ الرّاسخين لا يعلمون تأويل ذلك، وإنّما أخبر اللّه عنهم بإيمانهم وتصديقهم بأنّه من عند اللّه، فإنّه يرفع الرّاسخين في العلم بالابتداء في قول البصريّين، ويجعل خبره، يقولون آمنّا به. وأمّا في قول بعض الكوفيّين فبالعائد من ذكرهم في يقولون، وفي قول بعضهم بجملة الخبر عنهم، وهي ويقولون، ومن قال القول الثّاني، وزعم أنّ الرّاسخين يعلمون تأويله عطف بالرّاسخين على اسم اللّه فرفعهم بالعطف عليه.
والصّواب عندنا في ذلك أنّهم مرفوعون بجملة خبرهم بعدهم وهو {يقولون}، لما قد بيّنّا قبل من أنّهم لا يعلمون تأويل المتشابه الّذي ذكره اللّه عزّ وجلّ في هذه الآية، وهو فيما بلغني مع ذلك في قراءة أبيٍّ: ويقول الرّاسخون في العلم، كما ذكرناه عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرؤه؛ وفي قراءة عبد اللّه أنّ تأويله إلاّ عند اللّه {والرّاسخون في العلم يقولون}
وأمّا معنى التّأويل في كلام العرب فإنّه التّفسير والمرجع والمصير، وقد أنشد بعض الرّواة بيت الأعشى:
على أنّها كانت تأوّل حبّها = تأوّل ربعيّ السّقاب فأصحبا
وأصله من آل الشّيء إلى كذا، إذا صار إليه ورجع يؤول أولاً وأوّلته أنا: صيّرته إليه.
وقد قيل: إنّ قوله: {وأحسن تأويلاً} أي جزاءً، وذلك أنّ الجزاء هو المعنى الّذي آل إليه أمر القوم وصار إليه،
ويعني بقوله: وتأوّل حبّها تفسير حبّها ومرجعه، وإنّما يريد بذلك أنّ حبّها كان صغيرًا في قلبه، فآل من الصّغر إلى العظم، فلم يزل ينبت حتّى أصحب فصار قديمًا كالسّقب الصّغير الّذي لم يزل يشبّ حتّى أصحب فصار كبيرًا مثل أمّه،
وقد ينشد هذا البيت:
على أنّها كانت توابع حبّها = توالي ربعيّ السّقاب فأصحبا). [جامع البيان: 5/217-222]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به}
يعني بالرّاسخين في العلم العلماء الّذين قد أتقنوا علمهم ووعوه فحفظوه حفظًا لا يدخلهم في معرفتهم وعلمهم بما علموه شكٌّ ولا لبسٌ، وأصل ذلك من رسوخ الشّيء في الشّيء، وهو ثبوته وولوجه فيه، يقال منه: رسخ الإيمان في قلب فلانٍ فهو يرسخ رسخًا ورسوخًا.
وقد روي في نعتهم خبرٌ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو ما.
- حدّثنا موسى بن سهلٍ الرّمليّ، قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا فيّاض بن محمّدٍ الرّقّيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يزيد بن آدم، عن أبي الدّرداء، وأبي أمامة، قالا: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الرّاسخ في العلم؟ قال: من برّت يمينه، وصدق لسانه واستقام له قلبه، وعفّ بطنه، فذلك الرّاسخ في العلم.
- حدّثني المثنّى، وأحمد بن الحسن التّرمذيّ، قالا: حدّثنا نعيم بن حمّادٍ، قال: حدّثنا فيّاضٌ الرّقّيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يزيد الأوديّ، قال - وكان أدرك أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: حدّثنا أنس بن مالكٍ، وأبو أمامة، وأبو الدّرداء: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سأل عن الرّاسخين في العلم، فقال: من برّت يمينه، وصدق لسانه، واستقام به قلبه، وعفّ بطنه وفرجه؛ فذلك الرّاسخ في العلم
وقد قال جماعةٌ من أهل التّأويل: إنّما سمّى اللّه عزّ وجلّ هؤلاء القوم الرّاسخين في العلم بقولهم: {آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: {الرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به} قال: الرّاسخون الّذين يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {والرّاسخون في العلم} هم المؤمنون فإنّهم {يقولون آمنّا به} بناسخه ومنسوخه {كلٌّ من عند ربّنا}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: قال ابن عبّاسٍ: قال عبد اللّه بن سلامٍ: {الرّاسخون في العلم} وعلمهم قولهم قال ابن جريجٍ: {الرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به} وهم الّذين يقولون: {ربّنا لا تزغ قلوبنا} ويقولون: {ربّنا إنّك جامع النّاس ليومٍ لا ريب فيه} الآية
وأمّا تأويل قوله: {يقولون آمنّا به} فإنّه يعني: أنّ الرّاسخين في العلم يقولون صدّقنا بما تشابه من آي الكتاب وأنّه حقٌّ وإن لم نعلم تأويله.
- وقد: حدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك: {والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به} قال: المحكم والمتشابه). [جامع البيان: 5/223-225]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كلٌّ من عند ربّنا}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {كلٌّ من عند ربّنا} كلّ المحكم من الكتاب والمتشابه منه من عند ربّنا، وهو تنزيله ووحيه إلى نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- كما: حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {كلٌّ من عند ربّنا} قال: يعني ما نسخ منه، وما لم ينسخ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه والرّاسخون في العلم} قالوا: {كلٌّ من عند ربّنا} آمنوا بمتشابهه، وعملوا بمحكمه.
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {كلٌّ من عند ربّنا} يقولون: المحكم والمتشابه من عند ربّنا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا يؤمن بالمحكم ويدين به، ويؤمن بالمتشابه ولا يدين به، وهو من عند اللّه كلّه.
- حدّثنا يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {والرّاسخون في العلم} يعملون به، يقولون: نعمل بالمحكم ونؤمن به، ونؤمن بالمتشابه ولا نعمل به، وكلٌّ من عند ربّنا
واختلف أهل العربيّة في حكم كلٍّ إذا أضمر فيها. فقال بعض نحويّي البصريّين: إنما جاز حذف المراد الّذي كان معها الّذي الكلّ إليه مضافٌ في هذا الموضع لأنّها اسمٌ، كما قال: {إنّا كلٌّ فيها} بمعنى: إنّا كلّنا فيها، قال: ولا يكون كلٌّ مضمرًا فيها وهي صفةٌ، لا يقال: مررت بالقوم كلٍّ، وإنّما يكون فيها مضمرٌ إذا جعلتها اسمًا لو كان إنّا كلًّا فيها على الصّفة، لم يجز؛ لأنّ الإضمار فيها ضعيفٌ لا يتمكّن في كلّ مكانٍ،
وكان بعض نحويّي الكوفيّين يرى الإضمار فيها وهي صفةٌ أو اسمٌ سواءً؛ لأنّه غير جائزٍ أن يحذف ما بعدها عنده إلاّ وهي كافيةٌ بنفسها عمّا كانت تضاف إليه من المضمر وغير جائزٍ أن تكون كافيةً منه في حالٍ، ولا تكون كافيةً في أخرى، وقال: سبيل الكلّ والبعض في الدّلالة على ما بعدهما بأنفسهما وكفايتهما منه، بمعنًى واحدٍ في كلّ حالٍ، صفةً كانت أو اسمًا، وهذا القول الثّاني أولى بالقياس؛ لأنّها إذا كانت كافيةً بنفسها ممّا حذف منها في حالٍ لدلالتها عليه، فالحكم فيها أنّها كلّما وجدت دالّةً على ما بعدها، فهي كافيةٌ منه). [جامع البيان: 5/225-227]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما يذّكّر إلاّ أولو الألباب}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وما يتذكّر ويتّعظ وينزجر عن أن يقول في متشابه آي كتاب اللّه ما لا علم له به إلاّ أولو العقول والنّهى.
- وقد: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {وما يذّكّر إلاّ أولو الألباب} يقول: وما يذكّر في مثل هذا، يعني في ردّ تأويل المتشابه إلى ما قد عرف من تأويل المحكم حتّى يتّسقا على معنًى واحدٍ، إلاّ أولو الألباب). [جامع البيان: 5/227]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلّا اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا وما يذّكّر إلّا أولو الألباب (7)
قوله تعالى: هو الّذي أنزل عليك الكتاب
- حدثنا أبو زرعة، ثنا بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: هو الّذي أنزل عليك الكتاب يعني: القرآن.
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا ابن إدريس، عن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير وغيره من أهل العلم هو الّذي أنزل عليك الكتاب بصفة ما وصف من نفسه وعدله وافتراده بالخلق دون سواه منهم، عصمة للعباد ودمغ للخصوم والباطل، وحجّة الرّبّ.
قوله تعالى: منه آياتٍ محكماتٍ
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٍ محكماتٍ هنّ أمّ الكتاب فالمحكمات ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه، وما يؤمن به ويعمل به.
وروي عن عكرمة ومجاهدٍ قتادة والضّحّاك ومقاتل بن حيّان والرّبيع بن أنسٍ.
والسّدّيّ قالوا: المحكم الّذي يعمل به.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو غسّان، ثنا قيسٌ يعني: ابن الرّبيع، عن أبي إسحاق، عن عبد اللّه بن فلانٍ قال: سمعت ابن عبّاسٍ يقول في قول اللّه: منه آياتٌ محكماتٌ قال: الثّلاث آياتٍ من آخر سورة الأنعام محكماتٌ، قل تعالوا: أتل ما حرّم ربّكم عليكم والآيات بعدها.
- حدّثنا أبي، ثنا ابن نفيلٍ، ثنا هشيمٌ، أنا العوّام بن حوشبٍ عن من حدّثه عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: في قوله: منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب قال: من هاهنا قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم إلى ثلاث آياتٍ ومن هاهنا وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إياه إلى ثالث آياتٍ بعدها- وروي عن سعيد بن جبيرٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا عمرو بن رافعٍ أبو الحجر: ثنا سليمان بن عامرٍ عن الرّبيع في قوله: آياتٌ محكماتٌ قال: هي الآمرة والزّاجرة.
- حدّثنا محمّد بن نحيى، ثنا أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال ابن إسحاق:
منه آياتٌ محكماتٌ فهنّ حجّة الرّبّ وعصمة العباد، ودمغ الخصوم والباطل ليس لهنّ تصريفٌ ولا تحريفٌ عمّا وضعن عليه.
قوله تعالى: هن أم الكتاب
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا سليمان بن حربٍ، ثنا حمّاد بن زيدٍ، عن إسحاق بن سويدٍ أنّ يحيى بن يعمر وأبا فاختة تراجعا هذه الآية هنّ أمّ الكتاب فقال أبو فاختة: فواتح السّور، وقال يحيى الفرائض والأمر والنّهي والحلال.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: هنّ أمّ الكتاب يقول: أصل الكتاب، وإنّما سمّاهنّ أمّ الكتاب لأنّهنّ مكتوباتٌ في جميع الكتب.
الوجه الثّالث:
قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان: في هنّ أمّ الكتاب وإنّما قال: هنّ أمّ الكتاب لأنّه ليس من أهل دينٍ إلا يرضى بهن.
قوله تعالى: وأخر متشابهات
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: وأخر متشابهاتٌ فالمتشابهات: منسوخه ومقدّمه، ومؤخّره، وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به.
وما يؤمن به ولا يعمل
- وروي عن مجاهدٍ أنّه قال: بعضه يصدّق بعضًا.
وقال الضّحّاك والرّبيع بن أنسٍ وقتادة: هو المنسوخ الّذي يؤمن به ولا يعمل به.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن الهرويّ، ثنا أبو داود، ثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ وأخر متشابهاتٌ قال: بعضه يصدّق بعضًا.
والوجه الثّالث:
- قرأت على محمّد بن الفضل ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل: قوله: وأخر متشابهاتٌ يعني فيما بلغنا: الم والمص والمر والر، فهؤلاء الأربع المتشابهات.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا ابن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق وأخر متشابهاتٌ لم يفصل فيهنّ القول كفصله في المحكمات، تتشابه في عقول الرّجال ويتخالجها التّأويل، فابتلى اللّه فيها العباد كابتلائهم في الحلال والحرام.
- حدّثنا محمد بن نحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق متشابهاتٌ في الصّدق لهنّ تصريفٌ وتحريفٌ وتأويلٌ، ابتلى اللّه فيهنّ العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام، ألا يصرفن إلى الباطل ولا يحرّفن عن الحقّ.
قوله: فأمّا الّذين في قلوبهم زيغ
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو بدرٍ عبّاد بن الوليد الغبريّ فيما كتب إليّ، ثنا محمّد بن عبّادٍ الهنائيّ، حدّثني حميدٌ الخيّاط قال: سألت أبا غالبٍ عن هذه الآية: فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ قال: حدّثني أبو غالبٍ عن أبي أمامة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّهم الخوارج.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ البيروتيّ قراءةً، أخبرني أبي، حدّثني عبد اللّه بن شوذبٍ قال: كنت في مسجد دمشق إذ قدمت رؤس من رؤس الأزارقة ممّا كان بعث به المهلّب فنصبت عند درج مسجد دمشق، واجتمع النّاس ينظرون إليها فدنوت منها، فجاء أبو أمامة، فدخل المسجد فصلّى ثمّ دنا من الرّءوس فقال: كلاب جهنّم، ثلاثًا، شرّ قتلى قتلوا تحت ظلّ السّماء، ثلاثًا، ثمّ نظر إلى القوم فإذا هو بي، فقال: أما تقرأ هذه الآية الّتي في آل عمران فأمّا الّذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه قيل له: أرأيت ما تقول في هؤلاء القوم أشيء قلته برأيك؟ أم شيء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: إنّي إذًا لجريءٌ، لقد سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غير مرّةٍ ولا اثنتين ولا ثلاثٍ حتّى ذكر سبعًا.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ يعني أهل الشّكّ
- وروي عن مجاهدٍ والسّدّيّ قالا: شكٌّ.
والوجه الثّالث:
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان في قوله: فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ يعني: حييّ بن أخطب، وأصحابه من اليهود.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا محمّد بن نحيى، أنبأ أبو غسّان، أنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ أي: ميلٌ عن الهدى.
قوله تعالى: فيتّبعون ما تشابه منه
- حدّثنا أبي، ثنا أبو الوليد الطّيالسيّ، ثنا يزيد بن إبراهيم التّستريّ وحمّاد بن سلمة، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمّدٍ عن قول اللّه: فأمّا الّذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إذا رأيتم الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الّذين سمّى اللّه فاحذروهم.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: فيتّبعون ما تشابه منه قال: فيحملون المحكم على المتشابه. والمتشابه على المحكم ويلبسون، فلبّس اللّه عليهم.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباط، عن السدي: فيتّبعون ما تشابه منه قال: فإنّهم يتّبعون المنسوخ والنّاسخ ويقولون: ما بال هذه الآية عمل بها كذا وكذا، ثمّ جاءت هذه الآية وتركت هذه الأولى وعمل بهذه الآخرة، فهلا كان العمل بهذه الآية قبل أن تجيء الأولى الّتي قد نسخت؟، وما باله بعد العذاب من عمل عملا يعذّبه بالنّار؟، وفي مكان آخر من عمله فإنّه لم يوجب له النّار، فأراد ما في القرآن ممّا وعد اللّه، وما فيه من النّاسخ والمنسوخ إرادة الفتنة.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع قوله: فيتّبعون ما تشابه منه وذلك أنّهم يعني: النّصارى قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ألست تزعم أنّ عيسى كلمة اللّه وروحٌ منه؟
قال: بلى. قالوا: فحسبنا. فأنزل اللّه فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة.
قوله تعالى: ما تشابه منه
- حدثنا محمد بن نحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: قوله: فيتّبعون ما تشابه منه أي: ما تحرّف منه وتصرّف.
قوله تعالى: ابتغاء الفتنة
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله:
ابتغاء الفتنة: إرادة الفتنة.
قوله تعالى: الفتنة
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ. عن مجاهدٍ
قوله ابتغاء الفتنة الشّبهات ممّا أهلكوا به.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله:
ابتغاء الفتنة وهو الشّرك- وروي عن الرّبيع بن أنسٍ ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
الوجه الثالث:
- حدثنا محمد بن نحيى، أنبأ أبو غسّان ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: قوله: ابتغاء الفتنة أي: اللبس.
قوله تعالى: وابتغاء تأويله
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن طلحة القنّاد، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ وابتغاء تأويله قال: وأرادوا أن يعلموا تأويل القرآن وهو عواقبه.
والوجه الثّاني:
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتلٍ: قوله: ابتغاء تأويله قال وابتغاء ما يكون وكم يكون.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: وابتغاء تأويله فقال: تأويله:
القضاء به يوم القيامة.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا ابن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق قوله: ابتغاء تأويله ما تأوّلوا وزيّنوا من الضلالة ليجيئ لهم الّذين في أيديهم من البدعة، ليكون لهم به حجّةٌ على من خالفهم للتّصريف والتّحريف الّذي ابتلوا به، كميل الأهواء وزيغ القلوب، والتّنكيب عن الحقّ الّذي أحدثوا من البدعة.
قوله تعالى: وما يعلم تأويله إلا الله
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، وعن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: في قوله: وما يعلم تأويله إلا اللّه قال: تأويله يوم القيامة لا يعلمه إلا اللّه.
الوجه الثّاني:
- ذكر عن إبراهيم بن طهمان، عن مسلمٍ عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ وما يعلم تأويله إلا اللّه قال: تأويل القرآن.
الوجه الثّالث:
- ذكر عن مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ وما يعلم تأويله إلا اللّه العبارة. قال أبو محمّدٍ: يعني عبارة الرّؤيا.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال اللّه:
وما يعلم تأويله إلا اللّه وتأويله: عواقبه متى يجيئ النّاسخ فينسخ المنسوخ.
والوجه الخامس:
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل ابن حيّان يقول اللّه: وما يعلم تأويله إلا اللّه كم يملكون إلا اللّه.
والوجه السّادس:
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا ابن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق قوله: وما يعلم تأويله أي: ما يعلم ما حرّفوا وتأويله إلا اللّه الّذي يعلم سرائر العباد وأعمالهم.
الوجه السّابع:
- حدّثنا أبي ثنا عليّ بن هاشم بن مرزوقٍ، ثنا محمّد بن يزيد الواسطيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك وما يعلم تأويله إلا اللّه قال: لنا ثوابه.
الوجه الثّامن:
- أخبرني أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ يقول قول اللّه: وما يعلم تأويله قال تحقيقه.
قوله تعالى: والراسخون في العلم
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن عوفٍ الحمصيّ، ثنا نعيم بن حمّادٍ، ثنا فيّاض الرّقّيّ، ثنا عبد اللّه بن يزيد وكان قد أدرك أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أبا أمامة وأنسًا وأبا الدّرداء. قال: ثنا أبو الدّرداء أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سئل عن الرّاسخين في العلم، فقال: من برّت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، ومن عفّ بطنه وفرجه فذلك من الرّاسخين في العلم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عبد اللّه بن سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو تميلة، أنبأ أبو منيبٍ، عن أبي الشّعثاء وأبي نهيكٍ في قوله: وما يعلم تأويله إلّا اللّه والرّاسخون في العلم قال:
إنّكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعةٌ ثمّ يقرأ: والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كل من عند ربّنا فأثنى عليهم إلى قوله الّذين قالوا وما يعلم تأويله إلا اللّه ثمّ قال: والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً ثنا ابن وهبٍ، وأخبرني ابن أبي الزّناد، ثنا هشامٌ يعني ابن عروة وكان أبي يقول في هذه الآية: والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به قال: إنّ الرّاسخين في العلم لا يعلمون تأويله، ولكنّهم يقولون: آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا.
- حدّثنا أبي ثنا يسرة بن صفوان، ثنا نافع بن عمر الجمحيّ، عن ابن أبي مليكة قال: قرأت عائشة هؤلاء الآيات: هو الّذي أنزل عليك الكتاب إلى قوله: آمنّا به قالت: كان من رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه، ولا يعلمونه.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان الأشعث، ثنا حم بن نوحٍ، ثنا أبو معاذٍ، ثنا أبو مصلحٍ، عن الضّحّاك: وما يعلم تأويله إلّا اللّه والرّاسخون في العلم
يقول: الرّاسخون يعلمون تأويله، لو لم يعلموا تأويله لم يعلموا ناسخه من منسوخه، ولم يعلموا حلاله من حرامه، ولا محكمه من متشابهه.
الوجه الرّابع: بوصف الرّاسخين:
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليٍّ أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: والرّاسخون في العلم يعني عبد اللّه بن سلامٍ وأصحابه من مؤمني أهل الكتاب من أهل التّوراة.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن مسروقٍ قال: لقيت زيدًا فوجدته من الرّاسخين في العلم.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ والرّاسخون في العلم فهم المؤمنون.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا ابن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق قوله: والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به قال: لم تكن معرفتهم إيّاه أن يفقهوه على الشّكّ، ولكنّهم خلصت الأعمال منهم، ونفذ علمهم أن عرفوا اللّه بعدله، لم يكن ليختلف شيءٌ ممّا جاء منه فردّوا المتشابه على المحكم فقالوا.
قوله تعالى: يقولون آمنّا به
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن جابرٍ عن السّدّيّ عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ يقولون آمنّا به يعني: ما نسخ وما لم ينسخ- قال أبو محمّدٍ: وروي عن عائشة والسّدّيّ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان، عن قتادة يقولون آمنّا به قال: آمنوا بمتشابهه وعملوا بمحكمه، فأحلّوا حلاله وحرّموا حرامه.
- حدّثنا أبي ثنا عليّ بن هاشم بن مرزوقٍ، ثنا محمّد بن يزيد، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به نعمل بمحكمه ونؤمن بمتشابهه: ولا نعمل به يعني: بمتشابهه.
قوله تعالى: كلٌّ من عند ربّنا
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي الحسين عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا نؤمن بالمحكم وندين به، ونؤمن بالمتشابه. ولا ندين به، وهو من عند اللّه كلّه وما يذكر إلا أولوا الألباب.
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا ابن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق كلٌّ من عند ربّنا قال: فردّوا المتشابه على المحكم، وقالوا: كلٌّ من عند ربنا فيكف يكون فيه اختلافٌ، وإنّما جاء يصدّق بعضه بعضا.
قوله تعالى: وما يذكر إلا أولوا الألباب
- حدثنا محمد بن نحيى، ثنا أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق قال: ثمّ ردّوا، يعني: الرّاسخين في العلم تأويل المتشابه على ما عرفوا من تأويل المحكمة الّتي لا تأويل لأحدٍ فيها إلا تأويلا واحدا، فاشتق بقولهم الكتاب وصدّق بعضه بعضًا فنفذت به الحجة، وظهر به القدر، وزاح الباطل، ودمغ به الكفر. يقول اللّه تعالى: وما يذكر في مثل إلا أولوا الألباب.
- قرأت على محمّد بن الفضل (بن موسى) ، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: وما يذّكّر إلا أولوا الألباب إلا كلّ ذي لبٍّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/591-601]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله آيات محكمات يقول أحكم ما فيها من الحلال والحرام وما سوى ذلك). [تفسير مجاهد: 121]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وأخر متشابهات يقول يصدق بعضه بعضا كقوله وما يضل به إلا الفاسقين وكقوله كذلك يجعل الله الرجس على الذين
[تفسير مجاهد: 121]
لا يؤمنون وكقوله زادهم هدى وآتاهم تقواهم). [تفسير مجاهد: 122]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ابتغاء الفتنة يعني الهلكات التي اهلكوا بها). [تفسير مجاهد: 122]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله زيغ قال شك). [تفسير مجاهد: 122]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد والراسخون في العلم قال يعلمون تأويله ويقولون آمنا به كل من عند ربنا). [تفسير مجاهد: 122]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا الحاكم أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الحافظ إملاءً في شعبان سنة تسعٍ وتسعين وثلاث مائةٍ أنا عليّ بن محمّد بن عقبة الشّيبانيّ نا الهيثم بن خالدٍ أبو سعيدٍ نا أبو نعيمٍ نا عليّ بن صالحٍ، عن أبي إسحاق، عن عبد اللّه بن قيسٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، «منه آياتٌ محكماتٌ هي الّتي في سورة الأنعام قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألّا تشركوا به شيئًا إلى آخر الثّلاث آياتٍ» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/316]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب نا محمّد بن إسحاق الصّغانيّ نا الحسن بن موسى الأشيب نا عمر بن راشدٍ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ ممّا أتخوّف على أمّتي، أن يكثر فيهم المال، حتّى يتنافسوا فيه، فيقتتلوا عليه، وإنّ ممّا أتخوّف على أمّتي، أن يفتح لهم القرآن، حتّى يقرأه المؤمن والكافر والمنافق فيحلّ حلاله المؤمن ابتغاء تأويله إلى آخر الآية» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/316]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا عليّ بن عيسى الحيريّ نا إبراهيم بن أبي طالبٍ نا محمّد بن سهل بن عسكرٍ نا محمّد بن يوسف نا سفيان الثّوريّ عن الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال: كان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول: «يا مقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك» قلنا: يا رسول اللّه، تخاف علينا وقد آمنّا بك؟ فقال: «إنّ قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرّحمن كقلبٍ واحدٍ يقول به هكذا» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرّجاه هكذا إنّما تفرّد مسلمٌ بإخراج حديث عبد اللّه بن عمرٍو: «قلوب بني آدم» فقط "). [المستدرك: 2/317]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا العبّاس محمّد بن يعقوب نا العبّاس بن الوليد البيروتيّ نا محمّد بن شعيب بن شابورٍ، نا عبد الرّحمن بن يزيد بن جابرٍ، عن بسر بن عبيد اللّه، عن أبي إدريس الخولانيّ، عن النّوّاس بن سمعان الكلابيّ قال: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الميزان بيد الرّحمن، يرفع أقوامًا، ويضع آخرين، وقلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرّحمن، إذا شاء أقامه، وإذا شاء أزاغه» وكان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/317]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا عبد الصّمد بن عليّ بن مكرمٍ البزّار، ببغداد، ثنا محمّد بن إسماعيل السّلميّ، ثنا عبد اللّه بن صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عبد الرّحمن بن جبير بن نفيرٍ، عن أبيه، عن المقداد بن الأسود رضي اللّه عنه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لقلب ابن آدم أشدّ انقلابًا من القدر إذا اجتمع غليانًا» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط البخاريّ ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/317]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني محمّد بن صالح بن هانئٍ، ثنا الحسين بن الفضل البجليّ، ثنا زهير بن حربٍ، ثنا سفيان بن عيينة، عن معمرٍ، عن عبد اللّه بن طاوسٍ، عن أبيه، قال: سمعت ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، " يقرأ {وما يعلم تأويله إلّا اللّه، والرّاسخون} [آل عمران: 7] في العلم، يقولون آمنّا به «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/317]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو سعيدٍ أحمد بن يعقوب الثّقفيّ، ثنا الحسن بن أحمد بن اللّيث الرّازيّ، ثنا همّام بن أبي بدرٍ، ثنا عبد اللّه بن وهبٍ، أخبرني حيوة بن شريحٍ، عن عقيل بن خالدٍ، عن سلمة بن أبي سلمة، عن عبد الرّحمن بن عوفٍ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، قال: كان " الكتاب الأوّل نزل من بابٍ واحدٍ على حرفٍ واحدٍ، ونزل القرآن من سبعة أبوابٍ على سبعة أحرفٍ، زاجرٍ، وآمرٍ، وحلالٍ، وحرامٍ، ومحكمٍ، ومتشابهٍ، وأمثالٍ، فأحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عمّا نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا، وما يذّكر إلّا أولو الألباب «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/317]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني الحسن بن عليٍّ المروزيّ، أنبأ أبو الموجّه، أنبأ عبدان، أنبأ عبد اللّه بن المبارك، أنبأ حميدٌ الطّويل، عن أنسٍ رضي اللّه عنه، قال: قرأ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، " {وفاكهةً وأبًّا} [عبس: 31] فقال بعضهم هكذا، وقال بعضهم هكذا، فقال عمر: دعونا من هذا آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا «هذا حديثٌ صحيح الإسناد على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/318]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت د س) عائشة - رضي الله عنها-: قالت: تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ} - وقرأت إلى - {وما يذّكّر إلا أولو الألباب} [آل عمران: 7] فقال: «فإذا رأيتم الّذين يتّبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمّى الله فاحذروهم». هذه رواية البخاري ومسلم وأبي داود.
وفي رواية الترمذي، قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم - وفيها - «فإذا رأيتموهم فاعرفوهم» قالها مرّتين، أو ثلاثاً). [جامع الأصول: 2/63]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {والرّاسخون في العلم} [آل عمران: 7].
- عن عبد اللّه بن يزيد بن آدم قال: حدّثني أبو الدّرداء، وأبو أمامة، وواثلة بن الأسقع، وأنس بن مالكٍ قالوا: «سئل رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -: من الرّاسخون في العلم؟ قال: " هو من برّت يمينه وصدق لسانه، وعفّ فرجه وبطنه، فذاك الرّاسخ في العلم».
رواه الطّبرانيّ، وعبد اللّه بن يزيد ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 6/324]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال: {محكمات} ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما يؤمن به و{متشابهات} منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال {محكمات} الناسخ الذي يدان به ويعمل به، و{متشابهات} المنسوخات التي لا يدان بهن.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه عن عبد الله بن قيس: سمعت ابن عباس يقول في قوله {منه آيات محكمات} قال: الثلاث آيات من آخر سورة الأنعام محكمات (قل تعالوا) (الأنعام الآيات 151 - 153) والآيتان بعدها، واخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله {آيات محكمات} قال: من ههنا (قل تعالوا) (الأنعام الآيات 151 - 153) إلى آخر ثلاث آيات، ومن ههنا (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) (الإسراء الآيات 23 - 25) إلى ثلاث آيات بعدها
وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة بن مسعود وناس من الصحابة {محكمات} الناسخات التي يعمل بهن {متشابهات} المنسوخات.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال {محكمات} الحلال والحرام.
وأخرج عبد بن حميد والفرياني عن مجاهد قال المحكمات ما فيه الحلال والحرام وما سوى ذلك منه متشابه يصدق بعضه بعضا، مثل قوله (وما يضل به إلا الفاسقين) (البقرة الآية 26) ومثل قوله (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) (الأنعام الآية 125) ومثل قوله (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) (محمد الآية 17).
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال المحكمات هي الآمرة الزاجرة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن الضريس، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن إسحاق بن سويد، أن يحيى بن يعمر وأبا فاختة، تراجعا هذه الآية {هن أم الكتاب} فقال أبو فاختة: هن فواتح السور منها يستخرج القرآن (الم ذلك الكتاب) منها استخرجت البقرة و(الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم) منها استخرجت آل عمران قال يحيى: هن اللاتي فيهن الفرائض والأمر والنهي والحلال والحدود
وعماد الدين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {هن أم الكتاب} قال: أصل الكتاب لأنهن مكتوبات في جميع الكتب.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير قال المحكمات حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم والباطل ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعت عليه {وأخر متشابهات} في الصدق لهن تصريف وتحريف وتأويل ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام لا يصرفن إلى الباطل ولا يحرفن عن الحق، واخرج ابن جرير عن مالك بن دينار قال: سألت الحسن عن قوله {أم الكتاب} قال: الحلال والحرام قلت له ف (الحمد لله رب العالمين) (الفاتحة الآية 1) قال: هذه أم القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: إنما قال {هن أم الكتاب} لأنه ليس من أهل دين إلا يرضى بهن {وأخر متشابهات} يعني فيما بلغنا {الم} و(المص) و(المر) و(الر).
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال المتشابهات آيات في القرآن
يتشابهن على الناس إذا قرأوهن، ومن أجل ذلك يضل من ضل فكل فرقة يقرؤون آية من القرآن يزعمون أنها لهم فمنها يتبع الحرورية من المتشابه قول الله (و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (المائدة الآية 44) ثم يقرؤون معها (والذين كفروا بربهم يعدلون) (الأنعام الآية 1) فإذا رأوا الإمام يحكم بغير الحق قالوا: قد كفر فمن عدل بربه ومن عدل بربه فقد أشرك بربه، فهؤلاء الأئمة مشركون.
وأخرج البخاري في التاريخ، وابن جرير من طريق ابن إسحاق عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله بن رباب قال مر أبو ياسر بن أخطب فجاء رجل من يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يتلو فاتحة سورة البقرة (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه)، فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود فقال أتعلمون والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه (الم ذلك الكتاب) فقال: أنت سمعته قال: نعم، فمشى حتى وافى أولئك النفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: الم تقل أنك تتلو فيما أنزل عليك (الم ذلك الكتاب) فقال: بلى فقالوا: لقد بعث بذلك أنبياء ما
نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك، الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة، ثم قال: يا محمد هل مع هذا غيره قال: نعم، (المص) قال: هذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون فهذه إحدى وثلاثون ومائة، هل مع هذا غيره قال: نعم، (الر) قال: هذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان، هذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة، هل مع هذا غيره قال: نعم، (المر) قال: هذه أثقل وأطول، هذه إحدى وسبعون ومائتان، ثم قال: لقد لبس علينا أمرك حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا، ثم قال: قوموا عنه، ثم قال أبو ياسر لأخيه ومن معه: ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد، إحدى وسبعون وإحدى وثلاثون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان فذلك سبعمائة وأربع سنين، فقالوا: لقد تشابه علينا أمره فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}.
وأخرج يونس بن بكير في المغازي عن ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وجابر بن رباب، أن أبا ياسر بن أخطب مر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ (فاتحة الكتاب والم ذلك الكتاب) فذكر القصة، وأخرجه ابن المنذر في تفسيره من وجه آخر عن ابن جريج معضلا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس {فأما الذين في قلوبهم زيغ} يعني أهل الشك، فيحملون المحكم على المتشابه والمتشابه على المحكم ويلبسون فلبس الله عليهم {وما يعلم تأويله إلا الله} قال: تأويله يوم القيامة لا يعمله إلا الله.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود {زيغ} قال: شك.
وأخرج عن ابن جريج قال {الذين في قلوبهم زيغ} المنافقون
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {فيتبعون ما تشابه منه}
قال: الباب الذي ضلوا منه وهلكوا فيه {وابتغاء تأويله} وفي قوله {ابتغاء الفتنة} قال: الشبهات.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والدرامي وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان والبيهقي في الدلائل من طرق عن عائشة قالت تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ} إلى قوله {أولوا الألباب} فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم، ولفظ البخاري: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم، وفي لفظ لابن جرير: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه سمى الله فاحذروهم، وفي لفظ لابن جرير: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه والذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فلا تجالسوهم
وأخرج عبد الرزاق وأحمد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن أبي أمامة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، في قوله {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه} قال: هم الخوارج، وفي قوله (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) (آل عمران الآية 106) قال: هم الخوارج.
وأخرج الطبراني عن أبي مالك الشعري، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال، أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب} وأن يزداد علمهم فيضيعوه ولا يبالوا به.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مما أتخوف على أمتي، أن يكثر فيهم المال حتى يتنافسوا فيه فيقتتلوا عليه وإن مما أتخوف على أمتي أن يفتح لهم القرآن حتى يقرأه المؤمن والكافر والمنافق فيحل حلاله المؤمن.
أما قوله تعالى: {وابتغاء تأويله} الآية.
أخرج أبو يعلى عن حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن في أمتي قوما يقرؤون القرآن ينثرونه نثر الدقل يتأولونه على غير تأويله.
وأخرج ابن سعد، وابن الضريس في فضائله، وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج على قوم يتراجعون في القرآن وهو مغضب فقال: بهذا ضلت الأمم قبلكم باختلافهم على أنبيائهم وضرب الكتاب بعضه ببعض قال: وإن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا ولكن نزل أن يصدق بعضه بعضا فما عرفتم منه فاعملوا به وما تشابه عليكم فآمنوا به.
وأخرج أحمد من وجه آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوما يتدارأون فقال: إنما هلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب الله بعضه ببعض وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا فلا تكذبوا بعضه ببعض فما علمتم منه فقولوا وما جهلتم فكلوه إلى عالمه
وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه وأبو نصر السجزي في الإبانة عن ابن مسعود عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف، زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا بما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا {آمنا به كل من عند ربنا} وأخرجه ابن أبي حاتم عن ابن مسعود، موقوفا، واخرج الطبراني عن عمر بن أبي سلمة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال لعبد الله بن مسعود إن الكتب كانت تنزل من السماء من باب واحد وإن القرآن نزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف حلال وحرام ومحكم ومتشابه وضرب أمثال وآمر وزاجر فأحل حلاله وحرم حرامه واعمل بمحكمه وقف عند متشابهه واعتبر أمثاله، فإن كلا من عند الله {وما يذكر إلا أولوا الألباب}.
وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد بسند واه عن علي أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال في خطبته: أيها الناس قد بين الله لكم في محكم كتابه ما أحل لكم وما حرم عليكم، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وآمنوا بمتشابهه واعملوا بمحكمه واعتبروا بأمثاله.
وأخرج ابن الضريس، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن مسعود قال: أنزل القرآن على خمسة أوجه: حرام وحلال ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحل الحلال وحرم الحرام وآمن بالمتشابه واعمل بالمحكم واعتبر بالأمثال.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن ابن مسعود قال: إن القرآن أنزل على نبيكم صلى الله عليه وسلم، من سبعة أبواب على سبعة أحرف وإن الكتاب قبلكم كان ينزل من باب واحد على حرف واحد.
وأخرج ابن جرير ونصر المقدسي في الحجة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نزل القرآن على سبعة أحرف، المراء في القرآن كفر، ما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعربوا القرآن واتبعوا غرائبه وغرائبه فرائضه وحدوده، فإن القرآن نزل على خمسة أوجه، حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فاعملوا بالحلال واجتنبوا الحرام واتبعوا المحكم وآمنوا بالمتشابه واعتبروا بالأمثال
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إن القرآن ذو شجون وفنون وظهور وبطون، لا تنقضي عجائبه ولا تبلغ غايته، فمن أوغل فيه برفق نجا ومن أوغل فيه بعنف غوى، أخبار وأمثال وحرام وحلال وناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه وظهر وبطن، فظهره التلاوة وبطنه التأويل، فجالسوا به العلماء وجانبوا به السفهاء وإياكم وزلة العالم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الربيع أن النصارى قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم،: ألست تزعم أن عيسى كلمة الله وروح منه قال: بلى، قالوا: فحسبنا، فأنزل الله {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة}.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن الأنباري في كتاب الأضداد والحاكم وصححه عن طاووس قال: كان ابن عباس يقرؤها وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم آمنا به.
وأخرج أبو داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة عبد الله وإن حقيقة تأويله عند الله والرسخون في العلم يقولون آمنا به.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن أبي مليكة قال: قرأت على عائشة هؤلاء الآيات فقالت: كان رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه {وما يعلم تأويله إلا الله} ولم يعلموا تأويله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي الشعثاء وأبي نهيك قالا: إنكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوا.
وأخرج ابن جرير عن عروة قال {الراسخون في العلم} لا يعلمون تأويله ولكنهم يقولون {آمنا به كل من عند ربنا}، واخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عمر بن عبد العزيز قال: انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا {آمنا به كل من عند ربنا}.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي قال: كتاب الله ما استبان منه فاعمل به وما اشتبه عليك فآمن به وكله إلى عالمه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: إن للقرآن منارا كمنار الطريق فما عرفتم فتمسكوا به وما اشتبه عليكم فذروه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ قال: القرآن منار كمنار الطريق ولا يخفى على أحد فما عرفتم منه فلا تسألوا عنه أحدا وما شككتم فيه فكلوه إلى عالمه.
وأخرج ابن جرير من طريق أشهب عن مالك في قوله {وما يعلم تأويله إلا الله} قال: ثم ابتدأ فقال {والراسخون في العلم يقولون آمنا به} وليس يعلمون تأويله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني عن أنس وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل عن {والراسخون في العلم} فقال: من برت يمينه وصدق لسانه واستقام قلبه ومن عف بطنه وفرجه، فذلك من الراسخين في العلم.
وأخرج ابن عساكر من طريق عبد الله بن يزيد الأودي، سمعت أنس بن مالك يقول سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، من {الراسخون في العلم} قال: من صدق حديثه وبر في يمينه وعف بطنه وفرجه، فذلك {الراسخون في العلم}
وأخرج ابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: تفسير القرآن على أربعة وجوه: تفسير يعلمه العلماء وتفسير لا يعذر الناس بجهالته من حلال أو حرام وتفسير تعرفه العرب بلغتها وتفسير لا يعلم تأويله إلا الله، من ادعى علمه فهو كاذب، ن.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف: حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به وتفسير تفسره العرب وتفسير تفسره العلماء ومتشابه لا يعلمه إلا الله، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن الأنباري من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: أنا ممن يعلم تأويله.
وأخرج ابن جرير عن الربيع والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به.
وأخرج ابن جرير، وابن أي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {يقولون آمنا به} نؤمن بالمحكم وندين به ونؤمن بالمتشابه ولا ندين به، وهو من عند الله كله
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {كل من عند ربنا} يعني ما نسخ منه وما لم ينسخ.
وأخرج الدرامي في مسنده ونصر المقدسي في الحجة عن سليمان بن يسار، أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل فقال: من أنت فقال: أنا عبد الله صبيغ فقال: وانا عبد الله عمر، فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه حتى دمى رأسه فقال: يا أمير المؤمنين حسبك، قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي.
وأخرج الدرامي عن نافع، أن صبيغا العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر فبعث به عمر بن العاص إلى عمر بن الخطاب فلما أتاه أرسل عمر إلى رطائب من جريد فضربه بها حتى ترك ظهره دبره ثم تركه حتى برى ء ثم عاد له ثم تركه حتى برى ء فدعا به ليعود له فقال صبيغ: إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا وإن كنت تريد أن تداويني فقد - والله - برأت، فأذن له إلى أرضه وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالسه أحد من المسلمين.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أنس، أن عمر بن الخطاب جلد صبيغا الكوفي في مسألة عن حرف من القرآن حتى اطردت الدماء في ظهره.
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف ونصر المقدسي في الحجة، وابن عساكر عن السائب بن يزيد، أن رجلا قال لعمر: إني مررت برجل يسأل عن تفسير مشكل القرآن، فقال عمر: اللهم أمكني منه، فدخل الرجل يوما على عمر فسأله فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده ثم قال: ألبسوه تبانا واحملوه على قتب وابلغوا به حيه ثم ليقم خطيب فليقل إن صبيغا طلب العلم فأخطأه فلم يزل وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم.
وأخرج نصر المقدسي في الحجة، وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي، أن عمر كتب إلى أهل البصرة أن لا يجالسوا صبيغا قال: فلو جاء ونحن مائة لتفرقنا.
وأخرج ابن عساكر عن محمد بن سيرين قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالس صبيغا وأن يحرم عطاءه ورزقه
وأخرج نصر في الحجة، وابن عساكر عن زرعة قال: رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب يجيء إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونه فتناديهم الحلقة الأخرى: عزمة أمير المؤمنين عمر فيقومون ويدعونه.
وأخرج نصر في الحجة عن أبي إسحاق، أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري، أما بعد، فإن الأصبغ تكلف ما يخفى وضيع ما ولي فإذا جاءك كتابي هذا فلا تبايعوه وإن مرض فلا تعودوه وإن مات فلا تشهدوه.
وأخرج الهروي في ذم الكلام عن الإمام الشافعي رضي الله عنه قال: حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ أن يضربوا بالجريد ويحملوا على الإبل ويطاف بهم في العشائر والقبائل وينادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام.
وأخرج الدرامي عن عمر بن الخطاب قال: إنه سيأتيكم ناس يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله.
وأخرج نصر المقدسي في الحجة عن ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القرآن، هذا ينزع بآية وهذا ينزع بآية، فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان فقال: ألهذا خلقتم أو لهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض انظروا ما أمرتم به فاتبعوه وما نهيتم عنه فانتهوا.
وأخرج أبو داود والحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجدال في القرآن كفر.
وأخرج نصر المقدسي في الحجة عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن وراء حجرته قوم يتجادلون في القرآن، فخرج محمرة وجنتاه كأنما تقطران دما فقال: يا قوم لا تجادلوا بالقرآن فإنما ضل من كان قبلكم بجدالهم إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا ولكن نزل ليصدق بعضه بعضا فما كان من محكمه فاعملوا به وما كان من متشابهه فآمنوا به.
وأخرج نصر في الحجة عن أبي هريرة قال: كنا عند عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل يسأله عن القرآن أمخلوق هو أم غير مخلوق فقام عمر فأخذ بمجامع ثوبه حتى قاده إلى علي بن أبي طالب فقال: يا أبا الحسن أما تسمع ما يقول هذا قال: وما يقول قال: جاءني يسألني عن القرآن أمخلوق هو أم غير مخلوق، فقال علي: هذه كلمة وسيكون لها ثمرة لو وليت من الأمر ما وليت ضربت عنقه.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {فأما الذين في قلوبهم زيغ} الآية، قال: طلب القوم التأويل فأخطأوا التأويل وأصابوا الفتنة واتبعوا ما تشابه منه فهلكوا بين ذلك.
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد عن مجاهد قال: الراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به). [الدر المنثور: 3/448-467]

تفسير قوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: أنّ الرّاسخين في العلم يقولون: آمنّا بما تشابه من آي كتاب اللّه، وأنّه هو والمحكم من آيه من تنزيل ربّنا ووحيه، ويقولون أيضًا: {ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} يعني أنّهم يقولون رغبةً منهم إلى ربّهم، في أن يصرف عنهم ما ابتلى به الّذين زاغت قلوبهم من اتّباع متشابه آي القرآن ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله الّذي لا يعلمه غير اللّه، يا ربّنا لا تجعلنا مثل هؤلاء الّذين زاغت قلوبهم عن الحقّ فصدّوا عن سبيلك، {لا تزغ قلوبنا} لا تملها فتصرفها عن هداك {بعد إذ هديتنا} له فوفّقتنا للإيمان بمحكم كتابك ومتشابهه، {وهب لنا} يا ربّنا {من لدنك رحمةً} يعني من عندك رحمةً، يعني بذلك: هب لنا من عندك توفيقًا وثباتًا للّذي نحن عليه، من الإقرار بمحكم كتابك ومتشابهه؛ {إنّك أنت الوهّاب} يعني: إنّك أنت المعطي عبادك التّوفيق والسّداد للثّبات على دينك وتصديق كتابك ورسلك.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} أي لا تمل قلوبنا وإن ملنا بأحداثنا، {وهب لنا من لدنك رحمةً}
وفي مدح اللّه جلّ ثناؤه هؤلاء القوم بما مدحهم به من رغبتهم إليه في أن لا يزيغ قلوبهم، وأن يعطيهم رحمةً منه، معونةٌ لهم للثّبات على ما هم عليه من حسن البصيرة بالحقّ الّذي هم عليه مقيمون، ما أبان عن خطأ قول الجهلة من القدريّة أنّ إزاغة اللّه قلب من أزاغ قلبه من عباده عن طاعته، وإمالته له عنها جورٌ؛ لأنّ ذلك لو كان كما قالوا لكان الّذين قالوا: {ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} بالذّمّ أولى منهم بالمدح؛ لأنّ القول لو كان كما قالوا، لكان القوم إنّما سألوا ربّهم بسألتهم إيّاه أن لا يزيغ قلوبهم أن لا يظلمهم ولا يجور عليهم، وذلك من السّائل جهلٌ؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه لا يظلم عباده ولا يجور عليهم، وقد أعلم عباده ذلك، ونفاه عن نفسه بقوله: {وما ربّك بظلاّمٍ للعبيد} ولا وجه لمسألته أن يكون بالصّفة الّتي قد أخبرهم أنّه بها، وفي فساد ما قالوا من ذلك الدّليل الواضح على أنّ عدلاً من اللّه عزّ وجلّ إزاغة من أزاغ قلبه من عباده عن طاعته، فلذلك استحقّ المدح من رغب إليه في أن لا يزيغه لتوجيهه الرّغبة إلى أهلها ووضعه مسألته موضعها، مع تظاهر الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم برغبته إلى ربّه في ذلك مع محلّه منه، وكرامته عليه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشبٍ، عن أمّ سلمة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك ثمّ قرأ: {ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} إلى آخر الآية
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشبٍ، عن أسماء، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحوه.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا عبد الحميد بن بهرام الفزاريّ، قال: حدّثنا شهر بن حوشبٍ، قال: سمعت أمّ سلمة، تحدّث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يكثر في دعائه أن يقول: اللّهمّ مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك قالت: قلت: يا رسول اللّه، وإنّ القلب ليقلّب؟ قال: نعم، ما خلق اللّه من بشرٍ من بني آدم إلا أن قلبه بين أصبعين من أصابعه، فإن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه، فنسأل اللّه ربّنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمةً إنّه هو الوهّاب. قالت: قلت: يا رسول اللّه، ألا تعلّمني دعوةً أدعو بها لنفسي؟ قال: بلى، قولي: اللّهمّ ربّ النّبيّ محمّدٍ، اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلاّت الفتن.
- حدّثني محمّد بن منصور الطّوسيّ، قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الزّبيريّ، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابرٍ، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يكثر أن يقول: يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك فقال له بعض أهله: يخاف علينا وقد آمنّا بك وبما جئت به؟ قال: إنّ القلب بين أصبعين من أصابع الرّحمن تبارك وتعالى يقول بها هكذا؛ وحرّك أبو أحمد أصبعيه. قال أبو جعفرٍ: وإنّ الطّوسيّ وسّق بين أصبعيه.
- حدّثني سعيد بن يحيى الأمويّ، قال: حدّثنا أبو معاوية، قال: حدّثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن أنسٍ، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كثيرًا ما يقول: يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك قلنا: يا رسول اللّه قد آمنّا بك، وصدّقنا بما جئت به، فيخاف علينا؟ قال: نعم، إنّ القلوب بين أصبعين من أصابع اللّه يقلّبها تبارك وتعالى.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا بشر بن بكرٍ. وحدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا أيّوب بن بشرٍ، جميعًا، عن ابن جابرٍ، قال: سمعت بشر بن عبيد اللّه، قال: سمعت أبا إدريس الخولانيّ، يقول: سمعت النّوّاس بن سمعان الكلابيّ، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ما من قلبٍ إلاّ بين أصبعين من أصابع الرّحمن إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: يا مقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك، والميزان بيد الرّحمن يرفع أقوامًا ويخفض آخرين إلى يوم القيامة.
- حدّثني عمر بن عبد الملك الطّائيّ، قال: حدّثنا محمّد بن عبيدة، قال: حدّثنا الجرّاح بن مليحٍ البهرانيّ، عن الزّبيديّ، عن جيبرٍ، عن سمرة بن فاتكٍ الأسديّ، وكان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: الموازين بيد اللّه يرفع أقوامًا ويضع أقوامًا، وقلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرّحمن، إذ شاء أزاغه وإذ شاء أقامه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال أخبرنا ابن المبارك، عن حيوة بن شريحٍ، قال: أخبرني أبو هانئٍ الخولانيّ، أنّه سمع أبا عبد الرّحمن الحبليّ، يقول سمعت عبد اللّه بن عمرو بن العاص، يقول سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: إنّ قلوب بني آدم كلّها بين أصبعين من أصابع الرّحمن كقلبٍ واحدٍ يصرّف كيف يشاء ثمّ يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اللّهمّ مصرّف القلوب صرّف قلوبنا إلى طاعتك.
- حدّثنا الرّبيع بن سليمان، قال: حدّثنا أسد بن موسى، قال حدّثنا عبد الحميد بن بهرام، قال: حدّثنا شهر بن حوشبٍ، قال: سمعت أمّ سلمة، تحدّث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يكثر في دعائه أن يقول: اللّهمّ ثبّت قلبي على دينك قالت: قلت: يا رسول اللّه، وإنّ القلوب لتقلّب؟ قال: نعم، ما من خلق اللّه من بني آدم بشرٌ إلاّ أنّ قلبه بين أصبعين من أصابع اللّه، إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه فنسأل اللّه ربّنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمةً إنّه هو الوهّاب). [جامع البيان: 5/227-232]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب (8)
قوله تعالى: ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا
- حدثنا محمد بن نحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق ربّنا لا تزغ قلوبنا أي: لا تمل قلوبنا وإن ملنا بأحداثنا.
قوله تعالى: وهب لنا من لدنك رحمةً
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشبٍ، عن أمّ سلمة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول:
يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك، ثمّ قرأ ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب.
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكيرٍ، عن مقاتل بن حيّان قال: دعا عبد اللّه بن سلامٍ وأصحابه ربّهم فقالوا: ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا كما أزغت قلوب اليهود بعد إذ هديتهم، وهب لنا من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا ابن إدريس، ثنا محمد ابن إسحاق قوله: ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا أي: بعد ما بصّرتنا من الهدى فيما جاء به أهل البدعة والضّلالة). [تفسير القرآن العظيم: 2/601-602]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ربّنا لا تزغ قلوبنا} [آل عمران: 8].
- عن أمّ سلمة أنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - «كان يكثر في دعائه أن يقول: " اللّهمّ مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك ".
قالت: قلت: يا رسول اللّه، وإنّ القلوب لتتقلّب؟ قال: " نعم، ما من خلق اللّه من بشرٍ من بني آدم إلّا وقلبه بين إصبعين من أصابع اللّه عزّ وجلّ، فإن شاء اللّه أقامه، وإن شاء أزاغه، فنسأل اللّه ربّنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمةً إنّه هو الوهّاب ".
قالت: قلت: يا رسول اللّه ألا تعلّمني دعوةً أدعو بها لنفسي؟ قال: " بلى، قولي: اللّهمّ ربّ النّبيّ اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلّات الفتن ما أحييتنا».
قلت: روى التّرمذيّ بعضه.
رواه أحمد، وفيه شهر بن حوشبٍ، وهو ضعيفٌ وقد وثّق. وتأتي بقيّة طرق هذا الحديث في القدر والأدعية إن شاء اللّه). [مجمع الزوائد: 6/325]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أم سلمة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ثم قرأ {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي، وابن جرير والطبراني، وابن مردويه عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول: اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قلت: يا رسول الله وإن القلوب لتتقلب قال: نعم، ما من
خلق الله من بشر من بني آدم إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله فإن شاء الله أقامه وإن شاء أزاغه، فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا الله ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، قلت: يا رسول الله ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي، قال: بلى قولي اللهم رب النّبيّ محمد اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتني.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وابن مردويه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يدعو: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قلت: يا رسول الله ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء، فقال: ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن إذا شاء أن يقيمه أقامه وإذا شاء أن يزيغه أزاغه أما تسمعين قوله تعالى {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} ولفظ ابن أبي شيبة إذا شاء أن يقلبه إلى هدى قلبه وإذا شاء أن يقلبه إلى ضلال قلبه.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي وحسنه، وابن جرير عن أنس قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قالوا: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا قال: نعم، قال: إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها.
وأخرج البخاري في تاريخه، وابن جرير والطبراني عن سيرة بن فاتك قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرب فإذا شاء أقامه وإذا شاء أزاغه.
وأخرج ابن أبي الدنيا في الإخلاص والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي عبيدة بن الجراح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن قلب ابن آدم مثل قلب العصفور يتقلب في اليوم سبع مرات.
وأخرج ابن أبي الدنيا في الإخلاص عن أبي موسى الأشعري قال: إنما سمي القلب قلبا لتقلبه، وإنما مثل القلب مثل ريشة بفلاة من الأرض.
وأخرج أحمد، وابن ماجه عن أبي موسى الأشعري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا القلب كريشة بفلاة من الأرض تقيمها الريح ظهرا لبطن
وأخرج مالك والشافعي، وابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي في "سننه" عن أبي
عبد الله الصنابحي أنه قدم المدينة في خلافة أبي بكر الصديق فصلى وراء أبي بكر المغرب فقرأ أبو بكر في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة من قصار المفصل، ثم قام في الركعة الثالثة فقرأ بأم القرآن وهذه الآية {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}.
وأخرج ابن جرير والطبراني في السنة والحاكم وصححه، عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، قلنا: يا رسول الله تخاف علينا وقد آمنا بك فقال: إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يقول به هكذا، ولفظ الطبراني: إن قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الله عز وجل فإذا شاء أن يقيمه أقامه وإذا شاء أن يزيغه أزاغه.
وأخرج أحمد والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن النواس بن سمعان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الميزان بيد الرحمن، يرفع أقواما ويضع آخرين إلى يوم القيامة وقلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن، إذا شاء أقامه وإذا شاء أزاغه وكان يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
وأخرج الحاكم وصححه عن المقداد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لقلب ابن آدم أشد انقلابا من القدر إذا اجتمع غليانا.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله {ربنا لا تزغ قلوبنا} أي لا تمل قلوبنا وإن ملنا بأجسادنا.
وأخرج ابن سعد في طبقاته عن أبي عطاف أن أبا هريرة كان يقول: أي رب لا أزنين أي رب لا أسرقن أي رب لا أكفرن، قيل له: أو تخاف قال: آمنت بمحرف القلوب ثلاثا.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي الدرداء قال: كان عبد الله ابن رواحة إذا لقيني قال: اجلس يا عويمر فلنؤمن ساعة فنجلس فنذكر الله على ما يشاء، ثم قال: يا عويمر هذه مجالس الإيمان إن مثل الإيمان ومثلك كمثل قميصك بينا أنت قد نزعته إذ لبسته وبينا أنت قد لبسته إذ نزعته، يا عويمر للقلب أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا.
وأخرج الحكيم الترمذي من طريق عتبة بن عبد الله بن خالد بن معدان عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الإيمان بمنزلة القميص مرة تقمصه ومرة تنزعه.
وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي أيوب الأنصاري قال: ليأتين على الرجل أحايين وما في جلده موضع إبرة من النفاق وليأتين عليه أحايين وما في جلده موضع إبرة من إيمان.
وأخرج أبو داود والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال: لا إله إلا أنت سبحانك اللهم إني أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
وأخرج مسلم والنسائي، وابن جرير والبيهقي عن عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك.
وأخرج الطبراني في السنة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل). [الدر المنثور: 3/467-473]

تفسير قوله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {ربّنا إنّك جامع النّاس ليومٍ لا ريب فيه إنّ اللّه لا يخلف الميعاد}
يعني بذلك جلّ ثناؤه أنّهم يقولون أيضًا مع قولهم: آمنّا بما تشابه من آي كتاب ربّنا، كلّ المحكم والمتشابه الّذي فيه من عند ربّنا يا ربّنا إنّك جامع النّاس ليومٍ لا ريب فيه إنّ اللّه لا يخلف الميعاد.
وهذا من الكلام الّذي استغني بذكر ما ذكر منه عمّا ترك ذكره، وذلك أنّ معنى الكلام: ربّنا إنّك جامع النّاس ليوم القيامة فاغفر لنا يومئذٍ، واعف عنّا، فإنّك لا تخلف وعدك أنّ من آمن بك واتّبع رسولك. وعمل بالّذي أمرته به في كتابك أنّك غافره يومئذٍ.
وإنّما هذا من القوم مسألة ربّهم أن يثبّتهم على ما هم عليه من حسن نصيرتهم بالإيمان باللّه ورسوله، وما جاءهم به من تنزيله، حتّى يقبضهم على أحسن أعمالهم وإيمانهم، فإذا فعل ذلك بهم وجبت لهم الجنّة؛ لأنّه قد وعد من فعل ذلك به من عباده أنّه يدخله الجنّة، فالآية وإن كانت قد خرجت مخرج الخبر، فإنّ تأويلها من القوم مسألةٌ ودعاءٌ ورغبةٌ إلى ربّهم.
وأمّا معنى قوله: {ليومٍ لا ريب فيه} فإنّه لا شكّ فيه،
وقد بيّنّا ذلك بالأدلّة على صحّته فيما مضى قبل.
ومعنى قوله: {ليومٍ} في يومٍ، وذلك يومٌ يجمع اللّه فيه خلقه لفصل القضاء بينهم في موقف العرض والحساب،
والميعاد: المفعال من الوعد). [جامع البيان: 5/233-234]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ربّنا إنّك جامع النّاس ليومٍ لا ريب فيه إنّ اللّه لا يخلف الميعاد (9)
قوله: إنّك جامع النّاس
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا أبو عاصم الثقفي الربيع ابن إسماعيل، حدثني عمرو بن سعيد ابن جعد بن هبيرة المخزوميّ، عن أبيه، عن جدّه، عن أمّ هاني أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ اللّه يجمع الأوّلين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ يوم القيامة.
قوله: ليومٍ لا ريب فيه
- حدّثنا أبي، ثنا أبو اليمان الحكم بن نافعٍ، ثنا حريزٌ يعني ابن عثمان، عن عبد الرّحمن يعني ابن أبي عوفٍ، عن عبد الرّحمن بن مسعودٍ الفزاريّ، عن أبي الدّرداء قال: الرّيب يعني الشّكّ من الكفر.
قوله تعالى: إنّ اللّه لا يخلف الميعاد
- حدّثنا أبي، ثنا إسحاق بن الضّيف، ثنا إبراهيم بن الحكم حدّثني أبي، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: إنّ اللّه لا يخلف الميعاد قال: ميعاد من قال لا إله إلّا الله). [تفسير القرآن العظيم: 2/602]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 9 - 10
أخرج ابن النجار في تاريخه عن جعفر بن محمد الخلدي قال: روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قرأ هذه الآية على شيء ضاع منه رده الله عليه {ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد} اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيني وبين مالي إنك على كل شيء قدير). [الدر المنثور: 3/473]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 3 جمادى الآخرة 1434هـ/13-04-2013م, 11:16 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ مّحكماتٌ...}
{منه آياتٌ مّحكماتٌ} يعني: مبيّنات للحلال, والحرام , ولم ينسخن, وهنّ الثلاث الآيات في الأنعام أوّلها: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}, والآيتان بعدها, وقوله: {هنّ أمّ الكتاب}, يقول: هنّ الأصل.
{وأخر متشابهاتٌ}, وهنّ: ألمص، وألر، وألمر؛ اشتبهن على اليهود؛ لأنهم التمسوا مدّة أكل هذه الأمّة من حساب الجمّل، فلمّا لم يأتهم على ما يريدون, قالوا: خلّط محمد صلى الله عليه وسلم , وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
فقال الله: {فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} يعني: تفسير المدّة.
ثم قال: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه}, ثم استأنف {والراسخون}, فرفعهم بـ{يقولون} لا بإتباعهم إعراب الله, وفي قراءة أبيّ {ويقول الراسخون},
وفي قراءة عبد الله :{إن تأويله إلا عند الله، والراسخون في العلم يقولون}).
[معاني القرآن: 1/190-191]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (آياتٌ محكماتٌ) يعني: هذه الآيات التي تسمّيها في القرآن.
(وأخر متشابهاتٌ): يشبه بعضها بعضاً.
(في قلوبهم زيغٌ) أي: جور.
(فيتّبعون ما تشابه منه): ما يشبه بعضه بعضاً، فيطعنون فيه.
(ابتغاء الفتنة): الكفر.
(والرّاسخون في العلم): العلماء، ورسخ أيضاً في الإيمان.
(تأويله): التأويل: التفسير، والمرجع: مصيره، قال الأعشى:
على أنها كانت تأوّل حبّها= تأوّل ربعيّ السّقاب فأصحبا
قوله: تأول حبها: تفسيره: ومرجعه، أيك إنه كان صغيراً في قلبه، فلم يزل ينبت، حتى أصحب, فصار قديماً كهذا السقب الصغير لم يزل يشبّ حتى أصحب, فصار كبيراً مثل أمّه). [مجاز القرآن: 1/86-87]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ مّحكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاّ اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ مّن عند ربّنا وما يذّكّر إلاّ أولوا الألباب},قال: {هنّ أمّ الكتاب}, ولم يقل: "أمهات" كما تقول للرجل: "ما لي نصيرٌ" , فيقول: "نحن نصيرك" , وهو يشبه "دعني من تمرتان", قال:
تعرّضت لي بمكان حلّ = تعرّض المهرة في الطولّ
= تعرّضاً لم تأل عن قتلا لي=
فجعله على الحكاية ؛ لأنه كان منصوباً قبل ذلك كما ترى، كما تقول: "نودي" "الصلاة الصلاة" "أي: تحكى قوله: "الصلاة الصلاة",
وقال بعضهم: إنّما هي "أن قتلاًلي" , ولكنه جعله عيناً, لأنّ من لغته في "أن", "عن", والنصب على الأمر؛ كأنك قلت: ضرباً لزيدٍ").
[معاني القرآن: 1/159-160]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (وقال: {كلٌّ مّن عند ربّنا}؛لأن "كلّ" قد يضمر فيها كما قال: {إنّا كلٌّ فيها} يريد: كلّنا فيها, ولا تكون "كلّ" مضمراً فيها, وهي صفة إنما تكون مضمراً فيها إذا جعلتها اسماً, فلو كان "إنّا كلاّ فيها" على الصفة لم يجز ؛ لأن الإضمار فيها ضعيف, لا يتمكن في كل مكان). [معاني القرآن: 1/160]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({في قلوبهم زيغ}: جور زاغ عن الطريق أي حاد، وأزغته أنا.
{ابتغاء الفتنة}: قالوا الكفر).[غريب القرآن وتفسيره: 101]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({في قلوبهم زيغٌ}, أيك جور, يقال: زغت عن الحق. ومنه قوله: {أم زاغت عنهم الأبصار} أي: عدلت, ومالت.
{ابتغاء الفتنة}أي: الكفر, والفتنة تتصرف على وجوه قد ذكرتها في كتاب «تأويل المشكل».
{أولو الألباب}: ذوو العقول, وواحد «أولو» : ذو, وواحد أولات: ذات). [تفسير غريب القرآن: 101]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ولو لم يكن للراسخين في العلم حظ في المتشابه إلا أن يقولوا: {آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}لم يكن للراسخين فضل على المتعلمين، بل على جهلة المسلمين، لأنهم جميعا يقولون: {آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}.
وبعد فإنّا لم نر المفسرين توقّفوا عن شيء من القرآن فقالوا: هذا متشابه لا يعلمه إلا الله، بل أمرّوه كلّه على التفسير، حتى فسروا (الحروف المقطّعة) في أوائل السّور، مثل: الر، وحم، وطه، وأشباه ذلك. وسترى ذلك في الحروف المشكلة، إن شاء الله.
فإن قال قائل: كيف يجوز في اللغة أن يعلمه الراسخون في العلم، والله تعالى يقول: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] وأنت إذا أشركت الراسخين في العلم انقطعوا عن (يقولون)، وليست هاهنا واو نسق توجب للراسخين فعلين. وهذا مذهب كثير من النحويين في هذه الآية، ومن جهته غلط قوم من المتأوّلين؟.
قلنا له: إن (يقولون) هاهنا في معنى الحال، كأنه قال: الرّاسخون في العلم قائلين: آمنا به. ومثله في الكلام: لا يأتيك إلا عبد الله، وزيد يقول: أنا مسرور بزيارتك. يريد: لا يأتيك إلا عبد الله وزيد قائلا: أنا مسرور بزيارتك.
ومثله لابن مفرّغ الحميريّ يرثي رجلا في قصيدة أولها:
أصرمت حبلك من أمامه من بعد أيّام برامه
والرّيح تبكي شجوها والبرق يلمع في غمامه
أراد: والبرق لامعاً في غمامة تبكي شجوه أيضا، ولو لم يكن البرق يشرك الرّيح في البكاء، لم يكن لذكره البرق ولمعه معنى). [تأويل مشكل القرآن: 100-101]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهات فأمّا الّذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلّا اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلّ من عند ربّنا وما يذّكّر إلّا أولو الألباب}
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما إنّه قال: المحكمات: الآيات في آخر الأنعام, وهي قوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}, إلى آخر هذه الآيات، والآيات المتشابهات {الم}, و{المر} , وما اشتبه على اليهود من هذه , ونحوها.
وقال قوم: معنى {منه آيات محكمات} أي: أحكمت في الإبانة , فإذا سمعها السامع لم يحتج إلى تأويلها؛ لأنها ظاهرة بينة نحو : ما أنبأ الله من أقاصيص الأنبياء مما اعترف به أهل الكتاب, وما أخبر الله به من إنشاء الخلق من قوله عز وجل: {ثمّ خلقنا النّطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثمّ أنشأناه خلقاً آخر}, فهذا اعترف القوم به, وأقروا بأن الله هو خالقهم، وما أخبر اللّه به من خلقه من الماء كل شيء حي وما خلق لهم من الثمار, وسخر لهم من الفلك, والرياح , وما أشبه ذلك.
فهذا ما لم ينكروه، وأنكروا ما احتاجوا فيه إلى النظر , والتدبر من أن اللّه عزّ وجلّ يبعثهم بعد أن يصيروا تراباً, فقال: {وقال الّذين كفروا هل ندلّكم على رجل ينبّئكم إذا مزّقتم كلّ ممزّق إنّكم لفي خلق جديد * أفترى على اللّه كذبا أم به جنّة}
{وكانوا يقولون أئذا متنا وكنّا ترابا وعظاما أإنّا لمبعوثون *أوآباؤنا الأوّلون }, فهذا الذي هو المتشابه عليهم، فأعلمهم اللّه الوجه الذي ينبغي أن يستدلوا به على أن هذا المتشابه عليهم كالظاهر إن تدبروه, ونظروا فيه، فقال عزّ وجلّ: {وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم* قل يحييها الّذي أنشأها أوّل مرّة وهو بكلّ خلق عليم * الّذي جعل لكم من الشّجر الأخضر ناراً}
وقال: {أوليس الّذي خلق السّماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم} أي: إذا كنتم قد أقررتم بالإنسان , والابتداء , فما تنكرون من البعث والنشور؛ وهذا قول كثير من الناس وهو بين واضح, والقول الأول حسن أيضاً, فأما (أخر) فغير مصروفة.
زعم سيبويه, والخليل أن (أخر) فارقت أخواتها, والأصل الذي عليه بناء أخواتها، لأن أخر أصلها أن تكون صفة بالألف واللام, كما تقول الصغرى والصّغر، والكبرى والكبر, فلما عدلت عن مجرى الألف واللام , وأصل " أفعل منك ", وهي مما لا تكون إلا صفةمنعتالصرف.
وقوله عزّ وجلّ: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه}الزيغ: الجور والميل عن القصد، ويقال: زاغ, يزيغ إذا جار.
ومعنى (ابتغاء الفتنة) أي: يفعلون ذلك لطلب الفتنة, ولطلب التأويل.
والفتنة في اللغة على ضروب:
فالضرب الذي ابتغاه هؤلاء هو فساد ذات البين في الدّين والحروب، والفتنة في اللغة: الاستهتار بالشيء والغلو فيه.

يقال: فلان مفتون في طلب الدنيا، أي: قد غلا في طلبها , وتجاوز القدرة, والفتنة الاختبار كقوله عزّ وجلّ: {وكذلك فتنّا بعضهم ببعض} أي: اختبرنا، ومعنى ابتغائهم تأويله كأنهم طلبوا تأويل بعثهم , وإحيائهم، فأعلم الله أن تأويل ذلك, ووقته لا يعلمه إلا الله, والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {هل ينظرون إلّا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الّذين نسوه من قبل}أي: يوم يرون ما وعدوا به من البعث, والنشور, والعذاب.
{يقول الّذين نسوه من قبل} أي: الذين تركوه, وتركوا ما أنبأ به النبي صلى الله عليه وسلم عن اللّه عزّ وجلّ من بعثهم، ومجازاتهم.
وقوله عزّ وجلّ: {قد جاءت رسل ربّنا بالحقّ} أي: قد رأينا ما أنبأتنا به الرسل.
فالوقف التام قوله: (وما يعلم تأويله إلّا اللّه) أي: لا يعلم أحد متى البعث(غير اللّه).
ومعنى: (والراسخون في العلم) أي: الثابتون.
يقال: رسخ الشيء , يرسخ, رسوخاً إذا ثبت, أي: يقولون صدقنا بأنّ اللّه يبعثنا، ويؤمنون بأنّ البعث حق كما أن الإنشاء حق، ويقولون: {كلّ من عند ربّنا}, ويدل على أن الأمر الذي اشتبه عليهم لم يتدبروه.
قوله عزّ وجلّ: {وما يذّكّر إلّا أولو الألباب} أي: ذوو العقول, أي: ما يتذكر القرآن , وما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم إلّا أولو الألباب). [معاني القرآن: 1/376-379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}
روي , عن ابن عباس: المحكمات الثلاث الآيات: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم} إلى ثلاث آيات, والتي في بني إسرائيل , {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه }, قال : والمتشابه ما تشابه عليهم نحو: {الم}, و{المر}.
وقال يحيى بن يعمر: المحكمات: الفرائض, والأمر, والنهي, وهن عماد الدين , وعماد كل شيء أمه.
وقال مجاهد, وعكرمة: نحوا من هذا قالا: ما فيه من الحلال, والحرام, وما سوى ذلك, فهو متشابه :يصدق بعضه بعضاً.
وقال قتادة نحوه, قال: المحكم : ما يعمل به .
وقال الضحاك: المحكمات: الناسخات, والمتشابهات: المنسوخات .
وقال ابن عباس : كل من عند ربنا, يعني : ما نسخ, وما لم ينسخ.
قال ابن كيسان: أحكامها بيانها , وإيضاحها , وقد يكون إيجابها وإلزامها, وقد يكون أنها لا تحتمل إلا معاني ألفاظها, ولا يضل أحد في تأويلها.
ويجمع ذلك أن كل محكم تام الصنعة, وقد يكون الإحكام ههنا المنع من احتمال التأويلات,
ومنه سميت حكمة الدابة لمنعها إياها, قال : متشابهات: يحتمل أن يشبه اللفظ اللفظ, ويختلف المعنى, أو يشتبه المعنيان, ويختلف اللفظ, أو يشتبه الفعل من الأمر , والنهي, فيكون هذا نحو الناسخ , والمنسوخ.

وقيل: المتشابهات, ما كان نحو قوله تعالى: {ثلاثة قروء}
وأجمع هذه الأقوال: أن المحكم ما كان قائما بنفسه لا يحتاج إلى استدلال, والمتشابه ما لم يقم بنفسه, واحتاج إلى استدلال). [معاني القرآن: 1/344-346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقال الله عز وجل: {منه آيات محكمات}, وقد قال: {كتاب أحكمت آياته},
وقال: {وأخر متشابهات}, وقد قال كتاباً متشابهاً, فالجواب أن معنى {أحكمت آياته}, جعلت كأنها محكمة, ثم فصلت , فكأن بعضها أم الكتاب, وليس قوله: {منه آيات محكمات} بمزيل الحكمة عن المتشابهات, وكذا كتاباً متشابهاً, وليس قوله: {وأخر متشابهات} بمزيل عن المحكمات أن تكون متشابهات في باب الحكمة بل جملته إذا كان محكماً لاحقة لجميع ما فصل منه , وكتاباً متشابهاً,أي: متشابهاً في الحكمة, لا يختلف بعضه مع بعض كما قال تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} , وقد بينا معنى : و{منه آيات محكمات} بأقاويل العلماء فيه.

وهذا معنى قول ابن عباس : أنها ما أوجب الله على عباده من أحكامه اللازمة التي لم يلحقها تغير , ولا تبديل.
وقد يكون المحكم: ما كان خبراً؛ لأنه لا يلحقه نسخ , والمتشابه الناسخ, والمنسوخ؛ لأنهم لا يعلمون منتهى ما يصيرون إليه منه , وفي كل ذلك حكمة, وبعضه يشبه بعصا في الحكمة .
وقال تعالى: {هن أم الكتاب}, ولم يقل: أمهات , قال الأخفش: هذا حكاية.
قال الفراء :{ هن أم الكتاب}؛ لأن معناهن شيء واحد
قال ابن كيسان: وأحسب الأخفش أراد هذا , أي : هن الشيء الذي يقال: هو أم الكتاب, أي: كل واحدة منهن يقال لها: أم الكتاب كما تقول أصحابك علي أسد ضار , أي واحد كاسد ضار؛ لأنهم جروا مجرى شيء واحد في الفعل
ومنه {وجعلنا ابن مريم وأمه آية} ؛ لأن شانهما واحد في أنها جاءت به من غير ذكر , وأنه لا أب له , فلم تكن الآية لها إلا به ولا له إلا بها, ولم يرد أن يفصله منها فيقول آيتين
وكذلك هن أم الكتاب إنما جعلهن شيئا واحداً في الحكمة والبيان, فذلك الشيء هو أم الكتاب). [معاني القرآن: 1/346-349]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه}
روى أيوب , عن ابن أبي مليكة, عن عائشة , عن النبي صلى الله عليه وسلم :{فأما الذين في قلوبهم زيغ, فيتبعون ما تشابه منه}, قال: ((فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه, فهم أولئك؛ فاحذروهم)).
قال ابن عباس : هم الخوارج , وقال أبو غالب: قال أبو أمامة الباهلي, ورأى رؤوساً من رؤوس الخوارج , فقرأ : {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه} , ثم قال: هم هؤلاء.
فقلت: يا أبا أمامة أشيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم , أم شيئا قلته من رأيك.
فقال:إني إذاً لجريء , يقولها ثلاثاً, بل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة, ولا مرتين, ولا ثلاث.
قال مجاهد: الزيغ : الشك , وابتغاء الفتنة: الشبهات.
وقيل: إفساد ذات البين, وقد ذكرنا تصرف الفتنة , والتأويل من قولهم آل الأمر إلى كذا إلى صار إليه , وأولته تأويلاً صيرته إليه .
قيل : الفرق بين التأويل:
والتفسير: أن التفسير نحو قول العلماء الريب: الشك.
والتأويل: نحو قول ابن عباس: الجد أب , وتأمل قول الله {يا بني آدم}).
[معاني القرآن: 1/349-351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به} , في هذه الآية اختلاف كثير منه أن التمام عند قوله: {إلا الله}, وهذا قول الكسائي, والأخفش , والفراء, وأبي عبيدة , وأبي حاتم ,ويحتج في ذلك بما روى طاووس, عن ابن عباس أنه قرأ :{وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به}, وقال عمر بن عبد العزيز: انتهى علم الراسخين في العلم إلى أن قالوا: آمنا به .
قال ابن كيسان : التأويل في كلام العرب ما يؤول إليه معنى الكلام, فتأويله: ما يرجع إليه معناه, وما يستقر عليه الأمر في ذلك المشتبه , هل ينجح أم لا, فالكلام عندي منقطع على هذا.
والمعنى: والثابتون في العلم, المنتهون إلى ما يحاط به منه مما أباح الله خلقه بلوغه, يقولون: آمنا به على التسليم, والتصديق به, وإن لم ينتهوا إلى علم ما يؤول إليه أمره
ودل على هذا {كل من عند ربنا}, أي: المحكم , والمتشابه , فلو كان كله عندهم سواء, لكان كله محكماً, ولم ينسب شيء منه إلى المتشابه.
قال أبو جعف: وهذا قول حسن, ولكنه على قول من قال: المحكم الذي لا ينسخ نحو: الأخبار, ودعاء العباد إلى التوحيد.
والمتشابه: ما يحتمل النسخ من الفرائض لم يكن إلى العباد علم تأويله. وما يثبت عليه , ومن جعل تأويله بمعنى تفسيره ؛ لأنه ما يؤول إليه معنى الكلام , فالراسخون في العلم عنده يعلمون تأويله.

كما روى ابن نجيح, عن مجاهد :{الراسخون في العلم يعلمون تأويله يقولون آمنا به}, قال مجاهد: قال ابن عباس : أنا ممن يعلم تأويله.
قال أبو جعفر : والقول الأول وإن كان حسناً, فهذا أبين منه؛ لأن واو العطف الأولى بها أن تدخل الثاني فيما دخل فيه الأول حتى يقع دليل بخلافه.
وقد مدح الله عز وجل الراسخين بثباتهم في العلم , فدل على أنهم يعلمون تأويله.
وقد قال جل وعز: {أفلا يتدبرون القرآن}
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه دعا لابن عباس, فقال: ((اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل))
وقال أبو إسحاق: معنى {ابتغائهم تأويله}: أنهم طلبوا تأويل بعثهم, وأحيائهم, فأعلم الله عز وجل أن تأويل ذلك, ووقته لا يعلمه إلا الله , قال: والدليل على ذلك قوله: {هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله}, أي: يوم يرون ما وعدوا به من البعث, والنشور, والعذاب, يقول: الذين نسوه, أي: تركوه : قد جاء ت رسل ربنا بالحق, أي: قد رأينا تأويل ما أنبأتنا به الرسل.
قال: والوقف التام: { وما يعلم تأويله إلا الله}, أي: يعلم أحد متى البعث غير الله). [معاني القرآن: 1/350-355]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و{الراسِحونَ فِي الْعِلْمِ}:الحفاظ الذاكرون). [ياقوتة الصراط: 185]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({زيغ} جور وميل, {ابتغاء الفتنة}, أي: الكفر.
{أولو الألباب}
: ذوو العقول).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 47]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({زَيْغٌ}: ميل.
{الْفِتْنَةِ}
: الكفر).
[العمدة في غريب القرآن: 96]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {من لدنك} أي: من عندك). [مجاز القرآن: 1/87]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): (و{لا تزغ قلوبنا}: لا تصرفها عن الهدى في التفسير). [غريب القرآن وتفسيره: 101]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنّك أنت الوهّاب}أي: لا تملها عن الهدى والقصد، أي: لا تضلّنا بعد إذ هديتنا.
وقيل أيضاً {لا تزغ قلوبنا}: لا تتعبّدنا بما يكون سبباً لزيغ قلوبنا, وكلاهما جيد). [معاني القرآن: 1/379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا}, أي: لا تبتلينا بما نزيغ به, أي: يقولون هذا , ويجوز أن يكون المعنى: قل يا محمد.
ويقال إزاغة القلب : فساد وميل عن الدين , أو كانوا يخافون , وقد هدوا أن ينقلهم الله إلى الفساد.
فالجواب: أن يكونوا سألوا إذ هداهم الله أن لا يبتليهم بما يثقل عليهم من الأعمال , فيعجزوا عنه نحو , ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم.
قال ابن كيسان: سألوا أن لا يزيغوا, فيزيغ الله قلوبهم نحو , فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم, أي: ثبتنا على هدايتك إذ هديتنا , وأن لا نزيغ فنستحق أن تزيغ قلوبنا.
قال : وفيها جواب آخر أنه جل وعز الذي من عليهم بالهداية, وعرفهم ذلك, فسألوه أن يدوموا على ما هم عليه, وأن يمدهم منه بالمعونة, وأن لا يلجئهم إلى أنفسهم , وقد ابتدأهم بفضله , فتزيغ قلوبهم , وذلك مضاف إليه جل وعز ؛ لأنه إذا تركهم, ولم يتول هدايتهم ؛ ضلوا, فكان سبب ذلك: تخليته إياهم, قال: وقول جامع القلوب لله جل وعز يصرفها كيف يشاء .
وفي الحديث , عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) ). [معاني القرآن: 1/355-357]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لا ريب فيه}, لا شك فيه). [مجاز القرآن: 1/87]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ربّنا إنّك جامع النّاس ليوم لا ريب فيه إنّ اللّه لا يخلف الميعاد (9)}
يدل على تأويل قوله: {وما يعلم تأويله إلّا اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به}, فقولهم: {إنّك جامع النّاس ليوم لا ريب فيه}, إقرار بالبعث, ودليل أنهم خالفوا من يتبع المتشابه؛ لأن الذين ابتغوا المتشابه هم الذين أنكروا البعث.
{لا ريب فيه}لا شك فيه, وقد شرح باستقصاء فيما تقدم من كتابنا.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه لا يخلف الميعاد}, جائز أن يكون:
1- حكاية عن الموحدين.
2- وجائز أن يكون إخباراً عن اللّه وجائز فتح { أن اللّه لا يخلف الميعاد }, فيكون المعنى: جامع الناس ؛ لأنك لا تخلف الميعاد, أي: قد أعلمتنا ذلك , ونحن غير شاكّين فيه).
[معاني القرآن: 1/379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد} , قال ابن كيسان: {لا ريب فيه}, أي : دليله قائم في أنفس العباد , وإن جحدوا به ؛ لإقرارهم بالحياة الأولى , ولم يكونوا قبلها شيئاً, فإذا عرفوا الإعادة , فهي لهم لازمة بأن يقروا بها, وأن لا يشكوا فيها ؛ لأن إنشاء ما لم يكن مبين بأن المنشء على الإعادة قادر
ومن حسن ما قيل فيه: أن يوم القيامة لا ريب فيه ؛ لأنهم إذا شاهدوه, وعاينوا ما وعدوا فيه, لم يجز أن يداخلهم ريب فيه). [معاني القرآن: 1/357-358]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 03:08 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب ما يكون عليه الكلم بمعانيه

فأقل ما تكون عليه الكلمة حرف واحد. ولا يجوز لحرف أن ينفصل بنفسه. لأنه مستحيل. وذلك أنه لا يمكنك أن تبتدئ إلا بمتحرك، ولا تقف إلا على ساكن. فلو قال لك قائل: الفِظ بحرف، لقد كان سألك أن تحيل؛ لأنك إذا ابتدأت به ابتدأْت متحركاً، وإذا وقفت عليه وقفت ساكناً، فقد قال لك: اجعل الحرف ساكناً متحركاً في حال .
ولكن سنذكر اللفظ بالحروف ساكنها ومتحركها في موضعه، ليوصل إلى المتكلم به إن شاء الله فما كان على حرف فلا سبيل إلى التكلم به وحده.
فمما جاء على حرف مما هو اسم التاء في قمت إذا عنى المتكلم نفسه، أو غيره من ذكر أو أنثى، إلا أنها تقع له مضمومةً ذكراً كان أو أنثى، ولغيره إذا كان ذكراً مفتوحة، وإن كانت أنثى مكسورة .
والكاف من نحو: ضربتك، ومررت بك، تنفتح للمذكر، وتنكسر للمؤنث .
والهاء في ضربته، ومررت به، ولها أحكام نبينها إن شاء الله .
وذلك أن أصل هذه الهاء أن تلحقها واو زائدة؛ لأن الهاء خفية. فتوصل بها الواو إذا وصلت، فإن وقفت لم تلحق الواو لئلا يكون الزائد كالأصلي. وذلك قولك: رأيتُهو يا فتى، ورأيتَهو يا فتى، فتلحق بعد المضموم والمفتوح .
فإن كان قبلها كسرة جاز أن تتبعها واوا، أو ياء أيهما شئت .
أما الواو فعلى الأصل الذي ذكرت لك، وأما الياء فلقرب الجوار، لأن الضمة مستثقلة بعد الكسرة، والناس عامةً للكسرة، والياء بعدها أكثر استعمالاً .
فأما أهل الحجاز خاصةً فعلى الأمر الأول فيها يقرأون (فخسفنا بِهُو وبدارهو الأرضَ) لزموا الأصل. وهما في القياس على ما وصفت لك.
فإن كانت هذه الهاء بعد واو، أو ياء ساكنتين، أو ألف فالذي يختار حذف حرف اللين بعدها: تقول: عليه مال يا فتى بكسر الهاء من أجل الياء التي قبلها كما فعلت ذلك للكسرة.
ومن لزم اللغة الحجازية قال: عليه مالٌ .
وتقول: هذا أبوه فاعلم {فألقى موسى عصاه} .
وإنما حذفت الياء، والواو، لأن الهاء خفية، والحرف الذي يلحقها ساكن، وقبلها حرف لين ساكن فكره الجمع بين حرفي لين ساكنين لا يفصلهما إلا حرف خفي .
وإن شئت ألحقت الياء. والواو على الأصل، لأن الهاء حرف متحرك في الحقيقة. وذلك قولك على قول العامة: عليهى مال، وعلى قول أهل الحجاز: عليهو مال (فألقى عصاهو فإذا هي). وهذا أبوهو فاعلم .
فإن كان قبل الهاء حرف ساكن من غير حروف المد واللين فأنت مخير: إن شئت أثبت، وإن شئت حذفت .
أما الإثبات فعلى ما وصفت لك، وأما الحذف، فلأن الذي قبل الهاء ساكن وبعدها ساكن وهي خفية. فكرهوا أن يجمعوا بينهما؛ كما كرهوا الجمع بين الساكنين. وذلك قولك: {منه آياتٌ محكماتٌ} وإن شئت قلت (منهو آيات)، وعنهو أخذت. فهذا جملة هذا .
واعلم أن الشاعر إذا احتاج إلى الوزن وقبل الهاء جرف متحرك، حذف الياء والواو اللتين. بعد الهاء؛ إذ لم يكونا من أصل الكلمة. فمن ذلك قوله:



فإنْ يكُ غَثّاً، أو سَمينا فإنَّنِيسَأَجعَلُ عيْنَيْهي لنفسهِ مقْنَعَا

وقال آخر:



أو معبـر الظـهـر ينـبـي عــن وليـتـهما حج ربه في الدنيا ولا اعتمرا

وقال آخر:



ومـــا لـــه مـــن مـجــد تـلـيـد، ومــــا لــهــومن الريح فضلٌ لا الجنوب ولا الصبا

وأشد من هذا في الضرورة أن يحذف الحركة كما قال:



فظلت لدى البيت العتيق أريغهومـطــواي مشـتـاقـان لـــه أرقــــان

فأما ما كان من هذه الحروف التي جاءت لمعان، فهي منفصلة بأنفسها مما بعدها وقبلها، إلا أن الكلام بها منفردة محالٌ، كما وصفت لك. فإن منها: كاف التشبيه التي في قولك: أنت كزيد، ومعناه: مثل زيد، واللام التي تسمى لام الملك؛ نحو هذا لعبد الله ولك. تكون مكسورة مع الظاهر، ومفتوحة مع المضمر: لعلة قد ذكرت في موضعها .
وهي التي في قولك: جئت لأكرمك؛ لأن الفعل انتصب بإضمار أن، وأن والفعل مصدر. فقد صار المعنى جئت لإكرامك .
ومنها الباء التي تكون للإلصاق، والاستعانة .
فأما الإلصاق فقولك مررت بزيد، وألممت بك، وأما الاستعانة فقولك: كتبت بالقلم، وعمل النجار بالقدوم.
ومنها واو القسم التي تكون بدلاً من الباء؛ لأنك إذا قلت: بالله لأفعلن فمعناه: أحلف بالله. فإذا قلت: والله لأفعلن فذلك معناه؛ لأن مخرج الباء، والواو من الشفة .
ومن ذلك الكاف التي تلحق آخر الكلام لا موضع لها، نحو كاف ذاك، ورويدك و{أرأيتك هذا الذي كرمت علي} .
وقولهم: أبصرك زيدا .
وهذه الحروف كثيرة إلا أنا نذكر منها شيئاً يدل على سائرها). [المقتضب: 1/174-178] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب ما يختار فيه حذف الواو والياء من هذه الهاءات
اعلم أنه إذا كان قبل هاء المذكر ياءٌ ساكنة، أو واو ساكنة، أو ألف كان الذي يختار حذف الواو والياء بعدها.
وذلك؛ لأن قبلها حرف لين، وهي خفية، وبعدها حرف لين، فكرهوا اجتماع حرفين ساكنين كلاهما حرف لين ليس بينهما إلا حرف خفي، مخرجه مخرج الألف وهي إحدى هذه الثلاث.
وذلك قوله {فألقى موسى عصاه} و{عليه ما حمل} وفيه بصائر ورأيت قفاه يا فتى.
وإن أتممت فعربي حسن، وهو الأصل، وهو الاختيار، لما ذكرت لك. فإن كان قبل الهاء حرف ساكن ليس من هذه الحروف، فإن سيبويه والخليل يختاران الإتمام.
والحذف عندي أحسن. وذلك قوله {منه آياتٌ محكماتٌ}، ومن لدنه يا فتى، في إلا ....
وسيبويه، والخليل يختازان إتمام الواو، لما ذكرت لك، فالإتمام عندهما أجود، لأنها قد خرجت من حروف اللين تقول رأيت ... يا فتى). [المقتضب: 1/401] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن قال قائل: فما بالكم إذا قلتكم: رأيتكم حذفتم الواو، ولم تثبتوا الحركة؟ قيل: لأن الضمة في الاستثقال مع هذا كالواو، وإنما بقيت الحركة في الواحد في قوله: {منه آياتٌ محكماتٌ} و{عليه ما حمل}، لأن ما قبل الهاء ساكن فلم يجوز إسكانها، فيلتقي ساكنان). [المقتضب: 1/403]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ولو قلت: أتتني جاريتك وامرأة أخرى كان غير جائز. فإن قلت: أتاني أخوك، وإنسان آخر جاز وإن عنيت بالإنسان امرأة؛ لأن الباب الذي ذكرتها به يجمعها. وكذلك: جاءتني جاريتك وإنسان آخر، وأنت تعني بالإنسان رجلاً فهو جيد بالغ. فأما قوله:



صلى علـى عـزة الرحمـن وابنتهـاليلى وصلى على جاراتها الأخر

فإنه جعل ابنتها جارة لها، ولولا ذلك لم يجز. ألا ترى إلى قول الله عز وجل: {فعدةٌ من أيامٍ أخر} لما قدم من ذكر الأيام. وكذلك: {منه آياتٌ محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهاتٌ}. فهذا باب هذا. وكان حد آخر أن يكون معه من كذا، وكذا إلا أن أفعل يقع على وجهين: أحدهما: أن يكون نعتاً قائماً في المنعوت، نحو: أحمر، وأصفر، وأعور. والوجه الآخر: أن يكون للتفضيل، نحو: هذا أفضل من زيد، وأكبر من عبد الله فإن أردت هذا الوجه لم يكن إلا أن تقول: من كذا، كذا، أو بالألف واللام؛ نحو: هذا الأصغر، والأكبر. فأما قوله في الآذان: الله أكبر، فتأويله: كبير؛ كما قال عز وجل: {وهو أهون عليه}. فإنما تأويله: وهو عليه هين؛ لأنه لا يقال: شيءٌ أهون عليه من شيءٍ. ونظير ذلك قوله:
لعمرك ما أدري وإني لأوجلعلى أينا تعدو المنية أول
أي: إني لوجل. فأما إذا أردت من كذا وكذا فلا بد من منه أو الألف واللام؛ كقولك: جاءني زيد ورجل آخر، إنما معناه: آخر منه. ولكن علم أن الآخر لا يكون إلا بعد مذكور أو بعد أول، فلم يحتج إلى منه. والدليل على أن الأصل هذا قولهم في مؤنثه: أخرى؛ كما تقول: هذا أول منك، وهذه الأولى، والأوسط، والوسطى، والأكبر والكبرى. فلولا أن آخر قد استغنى فيه عن ذكر من كذا لكان لازماً؛ كما يلزم قولك: هذه أول من ذاك؛ ولذلك قلت: في أخر بغير الصرف؛ لأنها محدودة عن وجهها؛ لأن الباب لا يستعمل إلا بالألف واللام أو من كذا. فلما سقط، من كذا سقط ما يعاقبه، فلم يصرف. قال الله عز ذكره: {وأخر متشابهاتٌ} فلم يصرف. وقال: {فعدةٌ من أيامٍ أخر}، فلم يصرف. فهذان دليلان بينان مع المعنى الذي يجمعه). [المقتضب: 3/244-247] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ولو قلت: أتتني جاريتك وامرأة أخرى كان غير جائز. فإن قلت: أتاني أخوك، وإنسان آخر جاز وإن عنيت بالإنسان امرأة؛ لأن الباب الذي ذكرتها به يجمعها. وكذلك: جاءتني جاريتك وإنسان آخر، وأنت تعني بالإنسان رجلاً فهو جيد بالغ. فأما قوله:



صلى علـى عـزة الرحمـن وابنتهـاليلى وصلى على جاراتها الأخر

فإنه جعل ابنتها جارة لها، ولولا ذلك لم يجز. ألا ترى إلى قول الله عز وجل: {فعدةٌ من أيامٍ أخر} لما قدم من ذكر الأيام. وكذلك: {منه آياتٌ محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهاتٌ}. فهذا باب هذا. وكان حد آخر أن يكون معه من كذا، وكذا إلا أن أفعل يقع على وجهين: أحدهما: أن يكون نعتاً قائماً في المنعوت، نحو: أحمر، وأصفر، وأعور. والوجه الآخر: أن يكون للتفضيل، نحو: هذا أفضل من زيد، وأكبر من عبد الله فإن أردت هذا الوجه لم يكن إلا أن تقول: من كذا، كذا، أو بالألف واللام؛ نحو: هذا الأصغر، والأكبر. فأما قوله في الآذان: الله أكبر، فتأويله: كبير؛ كما قال عز وجل: {وهو أهون عليه}. فإنما تأويله: وهو عليه هين؛ لأنه لا يقال: شيءٌ أهون عليه من شيءٍ. ونظير ذلك قوله:
لعمرك ما أدري وإني لأوجلعلى أينا تعدو المنية أول
أي: إني لوجل. فأما إذا أردت من كذا وكذا فلا بد من منه أو الألف واللام؛ كقولك: جاءني زيد ورجل آخر، إنما معناه: آخر منه. ولكن علم أن الآخر لا يكون إلا بعد مذكور أو بعد أول، فلم يحتج إلى منه. والدليل على أن الأصل هذا قولهم في مؤنثه: أخرى؛ كما تقول: هذا أول منك، وهذه الأولى، والأوسط، والوسطى، والأكبر والكبرى. فلولا أن آخر قد استغنى فيه عن ذكر من كذا لكان لازماً؛ كما يلزم قولك: هذه أول من ذاك؛ ولذلك قلت: في أخر بغير الصرف؛ لأنها محدودة عن وجهها؛ لأن الباب لا يستعمل إلا بالألف واللام أو من كذا. فلما سقط، من كذا سقط ما يعاقبه، فلم يصرف. قال الله عز ذكره: {وأخر متشابهاتٌ} فلم يصرف. وقال: {فعدةٌ من أيامٍ أخر}، فلم يصرف. فهذان دليلان بينان مع المعنى الذي يجمعه). [المقتضب: 3/244-247] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فتأنيث الأفعل الفعلى من هذا الباب، فكان حدٌّ آخر أن يكون معه من نحو قولك: جاءني زيدٌ ورجل آخر انما كان اصله آخر منه؛ كما تقول: أكبر منه، وأصغر منه. فلما كان لفظ آخر يغني عن من لما فيه من البيان أنه رجلٌ معه. وكذلك: ضربت رجلاً آخر، قد بينت أنه ليس بالأول استغناءً عن من بمعناه. فكان معدولاً عن الألف واللام خارجاً عن بابه، فكان مؤنثه كذلك فقلت: جاءتني امرأة أخرى، ولا يجوز جاءتني امرأة صغرى ولا كبرى، إلا أن يقول: الصغرى أو الكبرى، أو تقول: أصغر منك أو أكبر، فلما جمعناها فقلنا: أخر كانت معدولة عن الألف واللام؛ فذلك الذي منعها الصرف. قال الله عز وجل: {وأخر متشابهاتٌ} وقال: {فعدةٌ من أيامٍ أخر}). [المقتضب: 3/377]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} قال: تفسيره). [مجالس ثعلب: 584]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ومثله أيضا: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به}. يقول قوم: الراسخون في العلم المعطوفون على الله جل وعز، ويقولون في موضع نصب على الحال، وإن كان مرفوعا في اللفظ، والتقدير: وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم قائلين آمنا به، واحتجوا بقول الشاعر:



الــريـــح تـبــكــي شـــجـــوهوالبرق يلمع في الغمامه

أراد الريح تبكي شجوه، والبرق يبكي أيضا لامعا في الغمامة، واحتجوا بما أخبرناه عبد الله بن محمد، قال: حدثنا يحيى بن خلف الجوباري، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الراسخون في العلم يعلمون تأويله، ويقولون: آمنا بالله. وبما أخبرناه أيضا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، أنه قال: أنا ممن يعلم تأويله.
وقال أكثر أهل العلم: (الراسخون) مستأنفون مرفوعون بما عاد من (يقولون)، لا يدخلون مع الله تبارك وتعالى في العلم، لأن في كتاب الله جل وعز حروفا طوى الله تأويلاتها عن الناس اختبارا للعباد، ليؤمن المؤمن بها على غموض تأويلها فيسعد، ويكفر بها الكافر فيشقى؛ من ذلك قوله جل وعز: {إن الساعة آتية} تحت الإتيان تأويل زمان محدود لا يعلمه غير الله عز وجل، يدل على ذلك أنهم طالبوا به، وأرادوا علمه فمنعوا، ولم يجابوا إلى كشفه، فكان من قولهم: {متى هذا الوعد}، و{أيان مرساها}، وكان من جواب الله عز وجل: {يعلمها إلا هو} ). [كتاب الأضداد: 424-425]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( ومن الحروف أيضا: {والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله} تحت {الذين} تأويل من غير تحصيل العدد، لا يعلمه غير الله جل وعز. ويدل على صحة هذا القول أيضا قراءة ابن مسعود، (إن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به) وقراءة أبي: (ويقول الراسخون في العلم)، فتقديم القول على (الراسخين) يدل على أنهم غير داخلين في العلم.
ويدل على أنهم غير داخلين في العلم ما أخبرناه عبد الله بن محمد، قال: حدثنا الحسن بن يحيى: قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس أنه قرأ: (ويقول الراسخون في العلم).
والحديثان اللذان احتج بهما أصحاب القول الأول لا يصححان؛ لأن ابن أبي نجيح هو الراوي لهما عن مجاهد. وقد قال ابن عيينة: لم يسمع ابن أبي نجيح التفسير عن مجاهد، والآثار كلها تبطلها.
وإلى هذا المذهب كان يذهب الكسائي، والفراء، وأبو عبيدة، وأبو العباس؛ وهو اختيارنا. ولا حجة علينا في أن الراسخين إذا استؤنفوا وجعل القول خبرهم، لم يكن لهم على غير الراسخين فضل، لأن فضلهم على هذا التأويل لا يخفى؛ إذا كانوا يؤمنون بما تعقله قلوبهم، وتنطوي عليه ضمائرهم، وغير الراسخين يقلدون الراسخين، ويقتدون بهم، ويجرون على مثل سبيلهم، والمقتدي وإن كان له أجر وفضل يتقدمه المقتدى به، ويسبقه إلى الفضل والأجر والخير.
ولا ينكر أن يكتفى بالراسخين من غيرهم إذ كانوا أرفع شأنا منهم، فقد فعل الله جل وعز مثل هذا في قوله: {ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}.
ففي ذلك آيات لكل صبار، ولكل غير صبار؛ إلا أنه أفرد الصبار، وخصه بالذكر تشريفا وتعظيما، والآخر غير خارج من معناه.
وفي هذه المسألة تفاسير واحتجاجات، يطول شرحها في هذا الموضع، إذ لم يكن قصدنا فيه التفسير؛ وهي كاملة موجودة مجموعة في كتاب (الرد على أهل الإلحاد في القرآن) ). [كتاب الأضداد: 426-428] (م)

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) }

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 05:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 05:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 05:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 05:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والكتاب في هذه الآية القرآن بإجماع من المتأولين، والمحكمات: المفصلات المبينات الثابتات الأحكام، والمتشابهات هي التي فيها نظر وتحتاج إلى تأويل ويظهر فيها ببادئ النظر إما تعارض مع أخرى أو مع العقل، إلى غير ذلك من أنواع التشابه، فهذا الشبه الذي من أجله توصف ب متشابهاتٌ، إنما هو بينها وبين المعاني الفاسدة التي يظنها أهل الزيغ ومن لم يمعن النظر، وهذا نحو الحديث الصحيح، عن النبي عليه السلام: «الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور متشابهات» أي يكون الشيء حراما في نفسه فيشبه عند من لم يمعن النظر شيئا حلالا وكذلك الآية يكون لها في نفسها معنى صحيح فتشبه عند من لم يمعن النظر أو عند الزائغ معنى آخر فاسدا فربما أراد الاعتراض به على كتاب الله، هذا عندي معنى الإحكام والتشابه في هذه الآية، ألا ترى أن نصارى نجران قالوا للنبي عليه السلام، أليس في كتابك أن عيسى كلمة وروح منه؟ قال: «نعم»، قالوا: فحسبنا إذا.
قال الفقيه الإمام أبو محمد: «فهذا التشابه»، واختلفت عبارة المفسرين في تعيين المحكم والمتشابه المراد بهذه الآية، فقال ابن عباس: «المحكمات هي قوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم} [الأنعام: 151] إلى ثلاث آيات»، وقوله في بني إسرائيل: {وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه} [الإسراء: 23] وهذا عندي مثال أعطاه في المحكمات، وقال ابن عباس أيضا: «المحكمات ناسخه وحلاله وحرامه وما يؤمن به ويعمل، والمتشابه منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به»، وقال ابن مسعود وغيره: «المحكمات الناسخات، والمتشابهات المنسوخات».
قال الفقيه الإمام: «وهذا عندي على جهة التمثيل أي يوجد الإحكام في هذا والتشابه في هذا، لا أنه وقف على هذا النوع من الآيات»، وقال بهذا القول قتادة والربيع والضحاك، وقال مجاهد وعكرمة:
المحكمات ما فيه الحلال والحرام، وما سوى ذلك فهو متشابه يصدق بعضه بعضا، وذلك مثل قوله: {وما يضلّ به إلّا الفاسقين} [البقرة: 26] وقوله: {كذلك يجعل اللّه الرّجس على الّذين لا يؤمنون} [الأنعام: 125].
قال الفقيه أبو محمد: «وهذه الأقوال وما ضارعها يضعفها أن أهل الزيغ لا تعلق لهم بنوع مما ذكر دون سواه»، وقال محمد بن جعفر بن الزبير: «المحكمات هي التي فيهن حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم والباطل ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه، والمتشابهات لهن تصريف وتحريف وتأويل ابتلى الله فيهن العباد».
قال الفقيه الإمام أبو محمد: «وهذا أحسن الأقوال في هذه الآية»، وقال ابن زيد: «المحكم ما أحكم فيه قصص الأنبياء والأمم وبين لمحمد وأمته، والمتشابه هو ما اشتبهت الألفاظ به من قصصهم عند التكرير في السور بعضها باتفاق الألفاظ واختلاف المعاني، وبعضه بعكس ذلك نحو قوله: {حيّةٌ تسعى} [طه: 20] و{ثعبانٌ مبينٌ} [الأعراف: 107] ونحو: {اسلك يدك} و{أدخل يدك} »، وقالت جماعة من العلماء منهم جابر بن عبد الله بن رئاب وهو مقتضى قول الشعبي وسفيان الثوري، وغيرهما: «المحكمات من آي القرآن ما عرف العلماء تأويله وفهموا معناه وتفسيره والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه دون خلقه» قال بعضهم: وذلك مثل وقت قيام الساعة وخروج يأجوج ومأجوج والدجال ونزول عيسى ونحو الحروف المقطعة في أوائل السور.
قال القاضي رحمه الله: «أما الغيوب التي تأتي فهي من المحكمات، لأن ما يعلم البشر منها محدود وما لا يعلمونه وهو تحديد الوقت محدود أيضا، وأما أوائل السور فمن المتشابه لأنها معرضة للتأويلات ولذلك اتبعته اليهود وأرادوا أن يفهموا منه مدة أمة محمد عليه السلام»، وفي بعض هذه العبارات التي ذكرنا للعلماء اعتراضات، وذلك أن التشابه الذي في هذه الآية مقيد بأنه مما لأهل الزيغ به تعلق، وفي بعض عبارات المفسرين تشابه لا يقتضي لأهل الزيغ تعلقا.
وقوله تعالى: {أمّ الكتاب} فمعناه الإعلام بأنها معظم الكتاب وعمدة ما فيه إذ المحكم في آيات الله كثير قد فصل ولم يفرط في شيء منه، قال يحيى بن يعمر: «هذا كما يقال لمكة- أم القرى- ولمرو أم خراسان، وكما يقال أم الرأس لمجتمع الشؤون إذ هو أخطر مكان»، قال المهدوي والنقاش: «كل آية محكمة في كتاب الله يقال لها أمّ الكتاب»، وهذا مردود بل جميع المحكم هو أمّ الكتاب، وقال النقاش: «وذلك كما تقول: كلكم عليّ أسد ضار». قال الفقيه أبو محمد: «وهذا المثال غير محكم»، وقال ابن زيد: «أمّ الكتاب معناه جماع الكتاب»، وحكى الطبري عن أبي فاختة أنه قال: «هنّ أمّ الكتاب يراد به فواتح السور إذ منها يستخرج القرآن {الم ذلك الكتاب} منه استخرجت سورة البقرة {الم اللّه لا إله إلّا هو} منه استخرجت سورة آل عمران»، وهذا قول متداع للسقوط مضطرب لم ينظر قائله أول الآية وآخرها ومقصدها وإنما معنى الآية الإنحاء على أهل الزيغ والإشارة بذلك أولا إلى نصارى نجران وإلى اليهود الذين كانوا معاصرين لمحمد عليه السلام فإنهم كانوا يعترضون معاني القرآن، ثم تعم بعد ذلك كل زائغ، فذكر الله تعالى أنه نزل الكتاب على محمد إفضالا منه ونعمة، وأن محكمه وبينه الذي لا اعتراض فيه هو معظمه والغالب عليه، وأن متشابه الذي يحتمل التأويل ويحتاج إلى التفهم هو أقله. ثم إن أهل الزيغ يتركون المحكم الذي فيه غنيتهم ويتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة وأن يفسدوا ذات البين ويردوا الناس إلى زيغهم، فهكذا تتوجه المذمة عليهم، وأخر جمع أخرى لا ينصرف لأنه صفة، وعدل عن الألف واللام في أنه يثنى ويجمع، وصفات التفضيل كلها إذا عريت عن الألف واللام لم تثن ولم تجمع كأفضل وما جرى مجراه، ولا يفاضل بهذه الصفات بين شيئين إلا وهي منكرة، ومتى دخلت عليه الألف واللام زال معنى التفضيل بين أمرين، وليس عدل أخر عن الألف واللام مؤثرا في التعريف كما هو عدل- سحر- بل أخر نكرة، وأما سحر فعدل بأنه زالت الألف واللام وبقي معرفة في قوله، جئت يوم الجمعة سحر، وخلط المهدوي في هذه المسألة وأفسد كلام سيبويه فتأمله.
قوله تعالى: {الّذين في قلوبهم زيغٌ} يعم كل طائفة من كافر وزنديق وجاهل صاحب بدعة، والزيغ الميل، ومنه زاغت الشمس، وزاغت الأبصار، والإشارة بالآية في ذلك الوقت كانت إلى نصارى نجران لتعرضهم للقرآن في أمر عيسى عليه السلام، قاله الربيع، وإلى اليهود، ثم تنسحب على كل ذي بدعة أو كفر، وبالميل عن الهدى فسر الزيغ محمد بن جعفر بن الزبير وابن مسعود وجماعة من الصحابة ومجاهد وغيرهم، وما تشابه منه هو الموصوف آنفا- بمتشابهات- وقال قتادة في تفسير قوله تعالى: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ}: «إن لم يكونوا الحرورية وأنواع الخوارج، فلا أدري من هم؟» وقالت عائشة: «إذا رأيتم الذين يجادلون في القرآن فهم الذي عنى الله فاحذروهم»، وقال الطبري: «الأشبه أن تكون الآية في الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدته ومدة أمته بسبب حروف أوائل السور، وهؤلاء هم اليهود»، وابتغاء نصب على المفعول من أجله، ومعناه طلب الفتنة، وقال الربيع: «الفتنة هنا الشرك»، وقال مجاهد: «الفتنة الشبهات واللبس على المؤمنين»، ثم قال: «وابتغاء تأويله والتأويل هو مرد الكلام ومرجعه والشيء الذي يقف عليه من المعاني، وهو من آل يؤول، إذا رجع، فالمعنى وطلب تأويله على منازعهم الفاسدة. هذا فيما له تأويل حسن وإن كان مما لا يتأول بل يوقف فيه كالكلام في معنى الروح ونحوه، فنفس طلب تأويله هو اتباع ما تشابه». وقال ابن عباس: «ابتغوا معرفة مدة محمد صلى الله عليه وسلم النبي عليه السلام وأمته»، ثم قال: «وما يعلم تأويله إلّا اللّه فهذا على الكمال والتوفية فيما لا يتأول ولا سبيل لأحد إليه كأمر الروح وتعرف وقت قيام الساعة وسائر الأحداث التي أنذر بها الشرع، وفيما يمكن أن يتأوله العلماء ويصح التطرق إليه، فمعنى الآية: وما يعلم تأويله على الكمال إلا الله».
واختلف العلماء في قوله تعالى: {والرّاسخون في العلم} فرأت فرقة: «أن رفع والرّاسخون هو بالعطف على اسم الله عز وجل وأنهم داخلون في علم المتشابه في كتاب الله وأنهم مع علمهم به، يقولون آمنّا به الآية». قال بهذا القول ابن عباس، وقال: «أنا ممن يعلم تأويله»، وقال مجاهد: «والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به»، وقاله الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير وغيرهم، ويقولون على هذا التأويل نصب على الحال، وقالت طائفة أخرى: «والرّاسخون رفع بالابتداء وهو مقطوع من الكلام الأول وخبره يقولون، والمنفرد بعلم المتشابه هو الله وحده بحسب اللفظ في الآية وفعل الراسخين قولهم آمنّا به» قالته عائشة وابن عباس أيضا، وقال عروة بن الزبير: «إن الراسخين لا يعلمون تأويله ولكنهم يقولون، آمنّا به»، وقال أبو نهيك الأسدي: «إنكم تصلون هذه الآية وإنها مقطوعة وما انتهى علم الراسخين إلا إلى قولهم آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا» وقال مثل هذا عمر بن عبد العزيز، وحكى نحوه الطبري عن يونس عن أشهب عن مالك بن أنس.
قال القاضي رحمه الله: «وهذه المسألة إذا تؤملت قرب الخلاف فيها من الاتفاق، وذلك أن الله تعالى قسم آي الكتاب قسمين: - محكما ومتشابها- فالمحكم هو المتضح المعنى لكل من يفهم كلام العرب لا يحتاج فيه إلى نظر ولا يتعلق به شيء يلبس ويستوي في علمه الراسخ وغيره والمتشابه يتنوع، فمنه ما لا يعلم البتة، كأمر الروح، وآماد المغيبات التي قد أعلم الله بوقوعها إلى سائر ذلك، ومنه ما يحمل على وجوه في اللغة ومناح في كلام العرب، فيتأول تأويله المستقيم، ويزال ما فيه مما عسى أن يتعلق به من تأويل غير مستقيم كقوله في عيسى: {وروحٌ منه} [النساء: 171] إلى غير ذلك، ولا يسمى أحد راسخا إلا بأن يعلم من هذا النوع كثيرا بحسب ما قدر له، وإلا فمن لا يعلم سوى المحكم فليس يسمى راسخا»، وقوله تعالى: {وما يعلم تأويله} الضمير عائد على جميع متشابه القرآن، وهو نوعان كما ذكرنا، فقوله إلّا اللّه مقتض ببديهة العقل أنه يعلمه على الكمال والاستيفاء، يعلم نوعيه جميعا، فإن جعلنا قوله: {والرّاسخون} عطفا على اسم الله تعالى، فالمعنى إدخالهم في علم التأويل لا على الكمال، بل علمهم إنما هو في النوع الثاني من المتشابه، وبديهة العقل تقضي بهذا، والكلام مستقيم على فصاحة العرب كما تقول: ما قام لنصرتي إلا فلان وفلان، وأحدهما قد نصرك بأن حارب معك، والآخر إنما أعانك بكلام فقط، إلى كثير من المثل، فالمعنى وما يعلم تأويل المتشابه إلا الله والرّاسخون كل بقدره، وما يصلح له، والرّاسخون بحال قول في جميعه آمنّا به، وإذا تحصل لهم في الذي لا يعلم ولا يتصور عليه تمييزه من غيره فذلك قدر من العلم بتأويله، وإن جعلنا قوله: {والرّاسخون} رفعا بالابتداء مقطوعا مما قبله، فتسميتهم راسخين يقتضي بأنهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب، وفي أي شيء هو رسوخهم، إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع، وما الرسوخ إلا المعرفة بتصاريف الكلام وموارد الأحكام، ومواقع المواعظ، وذلك كله بقريحة معدة، فالمعنى وما يعلم تأويله على الاستيفاء إلى الله، والقوم الذين يعلمون منه ما يمكن أن يعلم يقولون في جميعه آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا وهذا القدر هو الذي تعاطى ابن عباس رضي الله عنه، وهو ترجمان القرآن، ولا يتأول عليه أنه علم وقت الساعة وأمر الروح وما شاكله. فإعراب الرّاسخون يحتمل الوجهين، ولذلك قال ابن عباس بهما، والمعنى فيهما يتقارب بهذا النظر الذي سطرناه.
فأما من يقول: إن المتشابه إنما هو ما لا سبيل لأحد إلى علمه فيستقيم على قوله إخراج الراسخين من علم تأويله، لكن تخصيصه المتشابهات بهذا النوع غير صحيح، بل الصحيح في ذلك قول من قال: المحكم ما لا يحتمل إلا تأويلا واحدا والمتشابه ما احتمل من التأويل أوجها، وهذا هو متبع أهل الزيغ، وعلى ذلك يترتب النظر الذي ذكرته، ومن قال من العلماء الحذاق بأن الراسخين لا يعلمون تأويل المتشابه فإنما أرادوا هذا النوع وخافوا أن يظن أحد أن الله وصف الراسخين بعلم التأويل على الكمال، وكذلك ذهب الزجاج إلى أن الإشارة بما تشابه منه إنما هي إلى وقت البعث الذي أنكره، وفسر باقي الآية على ذلك، فهذا أيضا تخصيص لا دليل عليه، وأما من يقول، إن المتشابه هو المنسوخ فيستقيم على قوله إدخال الراسخين في علم التأويل لكن تخصيصه المتشابهات بهذا النوع غير صحيح، ورجح ابن فورك أن الراسخين يعلمون التأويل وأطنب في ذلك، وقرأ أبي بن كعب وابن عباس: «إلا الله ويقول: الراسخون في العلم آمنا به»، وقرأ ابن مسعود «وابتغاء تأويله» إن تأويله إلا عند الله، - والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به- والرسوخ الثبوت في الشيء، وأصله في الأجرام أن يرسخ الجبل أو الشجر في الأرض وسئل النبي عليه السلام عن «الراسخين في العلم»، فقال: «هو من برت يمينه وصدق لسانه واستقام»، وقوله: {كلٌّ من عند ربّنا} فيه ضمير عائد على كتاب الله، محكمه ومتشابهه، والتقدير، كله من عند ربنا، وحذف الضمير لدلالة لفظ كل عليه، إذ هي لفظة تقتضي الإضافة. ثم قال تعالى: {وما يذّكّر إلّا أولوا الألباب} أي ما يقول هذا ويؤمن به ويقف حيث وقف ويدع اتباع المتشابه إلا ذو لب، وهو العقل، وأولوا: جمع ذو). [المحرر الوجيز: 2/ 155-163]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب (8) ربّنا إنّك جامع النّاس ليومٍ لا ريب فيه إنّ اللّه لا يخلف الميعاد (9)}
يحتمل أن تكون هذه الآية حكاية عن الراسخين في العلم، أنهم يقولون هذا مع قولهم: {آمنّا به} [آل عمران: 7] ويحتمل أن يكون المعنى منقطعا من الأول لما ذكر أهل الزيغ وذكر نقيضهم، وظهر ما بين الحالتين عقب ذلك بأن علم عباده الدعاء إليه في أن لا يكونوا من الطائفة الذميمة التي ذكرت وهي أهل الزيغ، وهذه الآية حجة على المعتزلة في قولهم، إن الله لا يضل العباد، ولو لم تكن الإزاغة من قبله لما جاز أن يدعي في دفع ما لا يجوز عليه فعله وتزغ معناه، تمل قلوبنا عن الهدى والحق، وقرأ أبو واقد، والجراح «ولا تزغ قلوبنا» بإسناد الفعل إلى القلوب، وهذه أيضا رغبة إلى الله تعالى. وقال أبو الفتح: «ظاهر هذا ونحوه الرغبة إلى القلوب وإنما المسئول الله تعالى»، وقوله الرغبة إلى القلوب غير متمكن، ومعنى الآية على القراءتين، أن لا يكن منك خلق الزيغ فيها فتزيغ هي. قال الزجاج: «وقيل: إن معنى الآية لا تكلفنا عبادة ثقيلة تزيغ منها قلوبنا».
قال الفقيه الإمام: «وهذا قول فيه التحفظ من خلق الله تعالى الزيغ والضلالة في قلب أحد من العباد»، ومن لدنك معناه: من عندك ومن قبلك، أي تكون تفضلا لا عن سبب منا ولا عمل، وفي هذا استسلام وتطارح، والمراد هب لنا نعيما صادرا عن الرحمة لأن الرحمة راجعة إلى صفات الذات فلا تتصور فيها الهبة). [المحرر الوجيز: 2/ 163-164]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ربّنا إنّك جامع النّاس} إقرار بالبعث ليوم القيامة، قال الزجاج: «هذا هو التأويل الذي علمه الراسخون فأقروا به، وخالف الذين اتبعوا ما تشابه عليهم من أمر البعث حين أنكروه»، والريب: الشك، والمعنى أنه في نفسه حق لا ريب فيه وإن وقع فيه ريب عند المكذبين به فذلك لا يعتد به إذ هو خطأ منهم، وقوله تعالى: {إنّ اللّه لا يخلف الميعاد} يحتمل أن يكون إخبارا منه محمدا عليه السلام وأمته، ويحتمل أن يكون حكاية من قول الداعين، ففي ذلك إقرار بصفة ذات الله تعالى، والميعاد مفعال من الوعد). [المحرر الوجيز: 2/ 164-165]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 05:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 05:42 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا وما يذّكّر إلا أولو الألباب (7) ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب (8) ربّنا إنّك جامع النّاس ليومٍ لا ريب فيه إنّ اللّه لا يخلف الميعاد (9)}
يخبر تعالى أنّ في القرآن آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب، أي: بيّناتٌ واضحات الدّلالة، لا التباس فيها على أحدٍ من النّاس، ومنه آياتٌ أخر فيها اشتباهٌ في الدّلالة على كثيرٍ من النّاس أو بعضهم، فمن ردّ ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحكّم محكمه على متشابهه عنده، فقد اهتدى. ومن عكس انعكس؛ ولهذا قال تعالى: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب} أي: أصله الّذي يرجع إليه عند الاشتباه {وأخر متشابهاتٌ} أي: تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئًا آخر من حيث اللّفظ والتّركيب، لا من حيث المراد.
وقد اختلفوا في المحكم والمتشابه، فروي عن السّلف عباراتٌ كثيرةٌ، فقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: «المحكمات ناسخه، وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وما يؤمر به ويعمل به».
وكذا روي عن عكرمة، ومجاهدٍ، وقتادة، والضّحّاك، ومقاتل بن حيّان، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّي أنّهم قالوا: «المحكم الّذي يعمل به». وعن ابن عبّاسٍ أيضًا أنّه قال: «المحكمات في قوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألا تشركوا به شيئًا} [الأنعام: 151] والآيتان بعدها، وقوله تعالى: {وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إيّاه} [الإسراء: 23] إلى ثلاث آياتٍ بعدها». رواه ابن أبي حاتمٍ، وحكاه عن سعيد بن جبير ثمّ قال: حدّثنا أبي، حدّثنا سليمان بن حربٍ، حدّثنا حمّاد بن زيد، عن إسحاق بن سويد أنّ يحيى بن يعمر وأبا فاختة تراجعا في هذه الآية: {هنّ أمّ الكتاب} فقال أبو فاختة: «فواتح السّور». وقال يحيى بن يعمر: «الفرائض، والأمر والنّهي، والحلال والحرام».
وقال ابن لهيعة، عن عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {هنّ أمّ الكتاب} يقول: «أصل الكتاب، وإنّما سمّاهنّ أمّ الكتاب؛ لأنّهنّ مكتوباتٌ في جميع الكتب». وقال مقاتل بن حيّان: «لأنّه ليس من أهل دينٍ إلّا يرضى بهنّ».
وقيل في المتشابهات: «إنّهنّ المنسوخة، والمقدّم منه والمؤخّر، والأمثال فيه والأقسام، وما يؤمن به ولا يعمل به». رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ. وقيل: «هي الحروف المقطّعة في أوائل السّور»، قاله مقاتل بن حيّان.
وعن مجاهدٍ: «المتشابهات يصدّق بعضهنّ بعضًا. وهذا إنّما هو في تفسير قوله: {كتابًا متشابهًا مثاني} [الزّمر: 23] هناك ذكروا: أنّ المتشابه هو الكلام الّذي يكون في سياقٍ واحدٍ، والمثاني هو الكلام في شيئين متقابلين كصفة الجنّة وصفة النّار، وذكر حال الأبرار ثمّ حال الفجّار، ونحو ذلك فأمّا هاهنا فالمتشابه هو الّذي يقابل المحكم».
وأحسن ما قيل فيه الّذي قدّمناه، وهو الّذي نصّ عليه محمّد بن إسحاق بن يسارٍ، رحمه اللّه، حيث قال: « {منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب} فيهنّ حجّة الرّبّ، وعصمة العباد، ودفع الخصوم والباطل، ليس لهنّ تصريفٌ ولا تحريفٌ عمّا وضعن عليه».
قال: «والمتشابهات في الصّدق، لهنّ تصريفٌ وتحريفٌ وتأويلٌ، ابتلى اللّه فيهنّ العباد، كما ابتلاهم في الحلال والحرام ألّا يصرفن إلى الباطل، ولا يحرّفن عن الحق».
ولهذا قال تعالى: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ} أي: ضلالٌ وخروجٌ عن الحقّ إلى الباطل {فيتّبعون ما تشابه منه} أي: إنّما يأخذون منه بالمتشابه الّذي يمكنهم أن يحرّفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها، لاحتمال لفظه لما يصرفونه فأمّا المحكم فلا نصيب لهم فيه؛ لأنّه دامغٌ لهم وحجّةٌ عليهم، ولهذا قال: {ابتغاء الفتنة} أي: الإضلال لأتباعهم، إيهامًا لهم أنّهم يحتجّون على بدعتهم بالقرآن، وهذا حجّةٌ عليهم لا لهم، كما لو احتجّ النّصارى بأنّ القرآن قد نطق بأنّ عيسى هو روح اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم، وتركوا الاحتجاج بقوله تعالى {إن هو إلا عبدٌ أنعمنا عليه} [الزّخرف: 59] وبقوله: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون} [آل عمران: 59] وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرّحة بأنّه خلقٌ من مخلوقات اللّه، وعبدٌ، ورسولٌ من رسل اللّه.
وقوله: {وابتغاء تأويله} أي: تحريفه على ما يريدون وقال مقاتلٌ والسّدّيّ: «يبتغون أن يعلموا ما يكون وما عواقب الأشياء من القرآن».
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا إسماعيل، حدّثنا أيّوب عن عبد اللّه بن أبي مليكة، عن عائشة قالت: «قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ فأمّاالّذين في قلوبهم زيغٌ} إلى قوله: {أولو الألباب} فقال: «فإذا رأيتم الّذين يجادلون فيه فهم الّذين عنى الله فاحذروهم». هكذا وقع هذا الحديث في مسند الإمام أحمد، رحمه اللّه، من رواية ابن أبي مليكة، عن عائشة، ليس بينهما أحدٌ. وهكذا رواه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن عليّة وعبد الوهّاب الثّقفيّ، كلاهما عن أيّوب، عن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن أبي مليكة، عنها.
ورواه محمّد بن يحيى العبديّ في مسنده عن عبد الوهّاب الثّقفيّ، عن أيّوب، به. وكذا رواه عبد الرّزّاق، عن معمر عن أيّوب. وكذا رواه غير واحدٍ عن أيّوب. وقد رواه ابن حبّان في صحيحه، من حديث أيّوب، به.
وتابع أيّوب أبو عامرٍ الخزّاز وغيره عن ابن أبي مليكة، فرواه التّرمذيّ عن بندار، عن أبي داود الطّيالسيّ، عن أبي عامرٍ الخزّاز، فذكره. وهكذا رواه سعيد بن منصورٍ في سننه، عن حمّاد بن يحيى الأبحّ، عن عبد اللّه بن أبي مليكة، عن عائشة. ورواه ابن جريرٍ، من حديث روح بن القاسم ونافع بن عمر الجمحيّ، كلاهما عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، به. وقال نافعٌ في روايته عن ابن أبي مليكة: حدثتني عائشة، فذكره.
وقد روى هذا الحديث البخاريّ، رحمه اللّه، عند تفسير هذه الآية، ومسلمٌ في كتاب القدر من صحيحه، وأبو داود في السّنّة من سننه، ثلاثتهم، عن القعنبيّ، عن يزيد بن إبراهيم التّستريّ، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمّدٍ، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: «تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ} إلى قوله: {وما يذّكّر إلا أولو الألباب} قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «فإذا رأيت الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الّذين سمّى الله فاحذروهم» لفظ البخاريّ.
وكذا رواه التّرمذيّ أيضًا، عن بندارٍ، عن أبي داود الطّيالسيّ، عن يزيد بن إبراهيم التّستريّ، به. وقال: حسنٌ صحيحٌ. وذكر أنّ يزيد بن إبراهيم التّستريّ تفرّد بذكر القاسم في هذا الإسناد، وقد رواه غير واحدٍ عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، ولم يذكروا القاسم. كذا قال.
ورواه ابن المنذر في تفسيره من طريقين عن النّعمان بن محمّد بن الفضل السّدوسيّ -ولقبه عارمٌ-حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، حدّثنا أيّوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، به.
وقد رواه ابن أبي حاتمٍ فقال: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو الوليد الطّيالسيّ، حدّثنا يزيد بن إبراهيم التّستريّ وحمّاد بن سلمة، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمّدٍ، عن عائشة قالت: «سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن قول اللّه عزّ وجلّ: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا رأيتم الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الّذين سمّى الله، فاحذروهم».
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا عليّ بن سهلٍ حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: نزع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بهذه الآية: {فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «قد حذّركم الله، فإذا رأيتموهم فاعرفوهم». ورواه ابن مردويه من طريقٍ أخرى، عن القاسم، عن عائشة به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو كاملٍ، حدّثنا حمّادٌ، عن أبي غالبٍ قال: سمعت أبا أمامة يحدّث، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {فأمّاالّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه} قال: «هم الخوارج»، وفي قوله: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ}. [آل عمران: 106] قال: «هم الخوارج». وقد رواه ابن مردويه من غير وجهٍ، عن أبي غالبٍ، عن أبي أمامة مرفوعا، فذكره.
وهذا الحديث أقلّ أقسامه أن يكون موقوفًا من كلام الصّحابيّ، ومعناه صحيحٌ؛ فإنّ أوّل بدعةٍ وقعت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان مبدؤهم بسبب الدّنيا حين قسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غنائم حنين، فكأنّهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنّه لم يعدل في القسمة، ففاجؤوه بهذه المقالة، فقال قائلهم -وهو ذو الخويصرة-بقر اللّه خاصرته-اعدل فإنّك لم تعدل، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني». فلمّا قفا الرّجل استأذن عمر بن الخطّاب -وفي روايةٍ: خالد بن الوليد-ولا بعد في الجمع -رسول اللّه في قتله، فقال: «دعه فإنّه يخرج من ضئضئ هذا-أي: من جنسه -قومٌ يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّ في قتلهم أجرًا لمن قتلهم».
ثمّ كان ظهورهم أيّام عليّ بن أبي طالبٍ، وقتلهم بالنّهروان، ثمّ تشعّبت منهم شعوبٌ وقبائل وآراءٌ وأهواءٌ ومقالاتٌ ونحلٌ كثيرةٌ منتشرةٌ، ثمّ نبعت القدريّة، ثمّ المعتزلة، ثمّ الجهميّة، وغير ذلك من البدع الّتي أخبر عنها الصّادق المصدوق في قوله: «وستفترق هذه الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فرقةً، كلّها في النّار إلّا واحدةً» قالوا: من هم يا رسول اللّه؟ قال: «من كان على ما أنا عليه وأصحابي» أخرجه الحاكم في مستدركه بهذه الزّيادة.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا أبو موسى، حدّثنا عمرو بن عاصمٍ، حدّثنا المعتمر، عن أبيه، عن قتادة، عن الحسن عن جندب بن عبد اللّه أنّه بلغه، عن حذيفة -أو سمعه منه-يحدّث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه ذكر: «إنّ في أمّتي قومًا يقرؤون القرآن ينثرونه نثر الدّقل، يتأوّلونه على غير تأويله». لم يخرّجوه.
وقوله: {وما يعلم تأويله إلا اللّه} اختلف القرّاء في الوقف هاهنا، فقيل: على الجلالة، كما تقدّم عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: «التّفسير على أربعة أنحاءٍ: فتفسيرٌ لا يعذر أحدٌ في فهمه، وتفسيرٌ تعرفه العرب من لغاتها، وتفسيرٌ يعلمه الرّاسخون في العلم، وتفسيرٌ لا يعلمه إلّا اللّه عزّ وجلّ». ويروى هذا القول عن عائشة، وعروة، وأبي الشّعثاء، وأبي نهيك، وغيرهم.
وقد قال الحافظ أبو القاسم في المعجم الكبير: حدّثنا هاشم بن مرثدٍ حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن عيّاشٍ، حدّثني أبي، حدّثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيدٍ، عن أبي مالكٍ الأشعريّ أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «لا أخاف على أمّتي إلّا ثلاث خلالٍ: أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا، وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله، {وما يعلم تأويله إلا اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا وما يذّكّر إلا أولو الألباب} الآية، وأن يزداد علمهم فيضيّعوه ولا يبالون عليه» غريبٌ جدًّا وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، أخبرنا أحمد بن عمرٍو، أخبرنا هشام بن عمّارٍ، أخبرنا ابن أبي حاتمٍ عن أبيه، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن ابن العاص، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ القرآن لم ينزل ليكذّب بعضه بعضًا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه منه فآمنوا به».
وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمر، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه قال: كان ابن عبّاسٍ يقرأ: «{وما يعلم تأويله إلّا اللّه} ويقول الرّاسخون: آمنّا به» وكذا رواه ابن جريرٍ، عن عمر بن عبد العزيز، ومالك بن أنسٍ: «أنّهم يؤمنون به ولا يعلمون تأويله». وحكى ابن جريرٍ أنّ في قراءة عبد اللّه بن مسعودٍ: "إن تأويله إلّا عند اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به". وكذا عن أبيّ بن كعبٍ. واختار ابن جريرٍ هذا القول.
ومنهم من يقف على قوله: {والرّاسخون في العلم} وتبعهم كثيرٌ من المفسّرين وأهل الأصول، وقالوا: الخطاب بما لا يفهم بعيدٌ.
وقد روى ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، عن ابن عباس أنّه قال: «أنا من الرّاسخين الّذين يعلمون تأويله». وقال ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «والرّاسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنّا به». وكذا قال الرّبيع بن أنسٍ.
وقال محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير:«{وما يعلم تأويله} الّذي أراد ما أراد {إلا اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به} ثمّ ردّوا تأويل المتشابه على ما عرفوا من تأويل المحكمة الّتي لا تأويل لأحدٍ فيها إلّا تأويلٌ واحدٌ، فاتّسق بقولهم الكتاب، وصدّق بعضه بعضًا، فنفذت الحجّة، وظهر به العذر، وزاح به الباطل، ودفع به الكفر».
وفي الحديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دعا لابن عبّاسٍ فقال: «اللّهمّ فقّهه في الدّين وعلّمه التّأويل».
ومن العلماء من فصّل في هذا المقام، فقال: التّأويل يطلق ويراد به في القرآن معنيان، أحدهما: التّأويل بمعنى حقيقة الشّيء، وما يؤول أمره إليه، ومنه قوله تعالى: {ورفع أبويه على العرش وخرّوا له سجّدًا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربّي حقًّا} [يوسف: 100] وقوله: {هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله} [الأعراف: 53] أي: حقيقة ما أخبروا به من أمر المعاد، فإن أريد بالتّأويل هذا، فالوقف على الجلالة؛ لأنّ حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه على الجليّة إلّا اللّه عزّ وجلّ، ويكون قوله: {والرّاسخون في العلم} مبتدأً و {يقولون آمنّا به} خبره. وأمّا إن أريد بالتّأويل المعنى الآخر وهو التّفسير والتّعبير والبيان عن الشّيء كقوله تعالى: {نبّئنا بتأويله} [يوسف: 36] أي: بتفسيره، فإنّ أريد به هذا المعنى، فالوقف على: {والرّاسخون في العلم} لأنّهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار، وإن لم يحيطوا علمًا بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه، وعلى هذا فيكون قوله: {يقولون آمنّا به} حالًا منهم، وساغ هذا، وهو أن يكون من المعطوف دون المعطوف عليه، كقوله: {للفقراء المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم} إلى قوله: {والّذين جاءوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان} الآية [الحشر: 8-10]، وكقوله تعالى: {وجاء ربّك والملك صفًّا صفًّا} [الفجر: 22] أي: وجاءت الملائكة صفوفًا صفوفًا.
وقوله إخبارًا عنهم أنّهم {يقولون آمنّا به} أي: بالمتشابه {كلٌّ من عند ربّنا} أي: الجميع من المحكم والمتشابه حقٌّ وصدقٌ، وكلّ واحدٍ منهما يصدّق الآخر ويشهد له؛ لأنّ الجميع من عند اللّه وليس شيءٌ من عند اللّه بمختلفٍ ولا متضادٍّ لقوله: {أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا} [النّساء: 82] ولهذا قال تعالى: {وما يذّكّر إلا أولو الألباب} أي: إنّما يفهم ويعقل ويتدبّر المعاني على وجهها أولو العقول السّليمة والفهوم المستقيمة.
وقد قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عوفٍ الحمصيّ، حدّثنا نعيم بن حمّادٍ، حدّثنا فيّاضٌ الرّقّيّ، حدّثنا عبد اللّه بن يزيد -وكان قد أدرك أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنسًا، وأبا أمامة، وأبا الدّرداء، رضي اللّه عنهم، قال: حدّثنا أبو الدّرداء، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سئل عن الرّاسخين في العلم، فقال: «من برّت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، ومن أعفّ بطنه وفرجه، فذلك من الرّاسخين في العلم».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمر، عن الزهري، عن عمر بن شعيبٍ عن أبيه، عن جدّه قال: سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قومًا يتدارءون فقال: «إنّما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب اللّه بعضه ببعضٍ، وإنّما أنزل كتاب اللّه ليصدّق بعضه بعضًا، فلا تكذّبوا بعضه ببعضٍ، فما علمتم منه فقولوا، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه».
و قد تقدّم رواية ابن مردويه لهذا الحديث، من طريق هشام بن عمّارٍ، عن ابن أبي حازمٍ عن أبيه، عن عمرو بن شعيبٍ، به.
وقد قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن عليّ بن المثنّى الموصليّ في مسنده، حدّثنا زهير بن حربٍ، حدّثنا أنس بن عياضٍ، عن أبي حازمٍ، عن أبي سلمة قال: لا أعلمه إلّا عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «نزل القرآن على سبعة أحرفٍ، والمراء في القرآن كفرٌ -ثلاثًا-ما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردّوه إلى عالمه». وهذا إسنادٌ صحيحٌ، ولكن فيه علّةٌ بسبب قول الرّاوي: «لا أعلمه إلّا عن أبي هريرة».
وقال ابن المنذر في تفسيره: أخبرنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، أخبرنا ابن وهبٍ قال: أخبرني نافع بن يزيد قال: يقال: «الرّاسخون في العلم المتواضعون للّه، المتذلّلون للّه في مرضاته، لا يتعاطون من فوقهم، ولا يحقّرون من دونهم. ولهذا قال تعالى: {وما يذّكّر إلا أولو الألباب} أي: إنّما يفهم ويعقل ويتدبّر المعاني على وجهها أولو العقول السّليمة أو الفهوم المستقيمة»). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 6-13]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى عنهم مخبرًا أنّهم دعوا ربّهم قائلين: {ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} أي: لا تملها عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه ولا تجعلنا كالّذين في قلوبهم زيغٌ، الّذين يتّبعون ما تشابه من القرآن ولكن ثبّتنا على صراطك المستقيم، ودينك القويم {وهب لنا من لدنك} أي: من عندك {رحمةً} تثبّت بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا، وتزيدنا بها إيمانًا وإيقانًا {إنّك أنت الوهّاب}
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأودي -وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب -قالا جميعًا: حدّثنا وكيع، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن أمّ سلمة، رضي اللّه عنها، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: «يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» ثمّ قرأ: {ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب}» رواه ابن مردويه من طريق محمّد بن بكّار، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشبٍ، عن أمّ سلمة، وهي أسماء بنت يزيد بن السّكن، سمعها تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه: «اللّهمّ مقلّب القلوب، ثبّت قلبي على دينك» قالت: قلت: يا رسول اللّه، وإنّ القلب ليتقلّب ؟ قال: «نعم، ما خلق اللّه من بني آدم من بشرٍ إلّا أنّ قلبه بين أصبعين من أصابع اللّه عزّ وجلّ، فإن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه». فنسأل اللّه ربّنا ألّا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمةً، إنّه هو الوهّاب.
وهكذا رواه ابن جريرٍ من حديث أسد بن موسى، عن عبد الحميد بن بهرام، به مثله. ورواه أيضًا عن المثنّى، عن الحجّاج بن منهال، عن عبد الحميد بن بهرام، به مثله، وزاد: «قلت يا رسول الله، ألا تعلّمني دعوةً أدعو بها لنفسي؟ قال: «بلى قولي: اللّهمّ ربّ النّبيّ محمّدٍ، اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن».
ثمّ قال ابن مردويه: حدّثنا سليمان بن أحمد، حدّثنا محمّد بن هارون بن بكارٍ الدّمشقيّ، أخبرنا العبّاس بن الوليد الخلّال، أخبرنا يزيد بن يحيى بن عبيد اللّه، أخبرنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة، عن أبي حسّان الأعرج عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كثيرًا ما يدعو: «يا مقلّب القلوب، ثبّت قلبي على دينك»، قلت: يا رسول اللّه، ما أكثر ما تدعو بهذا الدّعاء. فقال: «ليس من قلبٍ إلّا وهو بين أصبعين من أصابع الرّحمن، إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه، أما تسمعين قوله: {ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب}». غريبٌ من هذا الوجه، ولكنّ أصله ثابتٌ في الصّحيحين، وغيرهما من طرقٍ كثيرةٍ بدون زيادة ذكر هذه الآية الكريمة.
وقد روى أبو داود والنّسائيّ وابن مردويه، من حديث أبي عبد الرحمن المقري -زاد النّسائيّ وابن حبّان: وعبد اللّه بن وهبٍ، كلاهما عن سعيد بن أبي أيّوب حدّثني عبد اللّه بن الوليد التّجيبي، عن سعيد بن المسيّب، عن عائشة، رضي اللّه عنها، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا استيقظ من اللّيل قال: «لا إله إلّا أنت سبحانك، اللّهمّ إنّي أستغفرك لذنبي، وأسألك رحمةً، اللّهمّ زدني علمًا، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب» لفظ ابن مردويه.
وقال عبد الرّزّاق، عن مالكٍ، عن أبي عبيدٍ -مولى سليمان بن عبد الملك-عن عبادة بن نسيّ، أنّه أخبره، أنّه سمع قيس بن الحارث يقول: أخبرني أبو عبد اللّه الصنابحي: «أنّه صلّى وراء أبي بكرٍ الصّدّيق المغرب، فقرأ أبو بكرٍ في الرّكعتين الأوليين بأمّ القرآن وسورتين من قصار المفصّل، وقرأ في الرّكعة الثّالثة، قال: فدنوت منه حتّى إنّ ثيابي لتكاد تمسّ ثيابه، فسمعته يقرأ بأمّ القرآن وهذه الآية: {ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب} ».
قال أبو عبيدٍ: وأخبرني عبادة بن نسيّ: أنّه كان عند عمر بن عبد العزيز في خلافته، فقال عمر لقيسٍ: «كيف أخبرتني عن أبي عبد اللّه الصّنابحيّ فأخبره بما سمع أبا عبد اللّه ثانيًا. قال عمر: فما تركناها منذ سمعناها منه، وإن كنت قبل ذلك لعلى غير ذلك. فقال له رجلٌ: على أيّ شيءٍ كان أمير المؤمنين قبل ذلك؟ قال: كنت أقرأ {قل هو اللّه أحدٌ} [الإخلاص: 1]» وقد روى هذا الأثر الوليد بن مسلمٍ، عن مالكٍ والأوزاعيّ، كلاهما عن أبي عبيدٍ، به. ورواه الوليد أيضًا، عن ابن جابرٍ، عن يحيى بن يحيى الغسّانيّ، عن محمود بن لبيدٍ، عن الصّنابحي: «أنّه صلّى خلف أبي بكرٍ، رضي اللّه عنه، المغرب فقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورةٍ قصيرةٍ، يجهر بالقراءة، فلمّا قام إلى الثّالثة ابتدأ القراءة فدنوت منه حتّى إنّ ثيابي لتمسّ ثيابه، فقرأ هذه الآية: {ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 13-15]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ربّنا إنّك جامع النّاس ليومٍ لا ريب فيه إنّ اللّه لا يخلف الميعاد} أي: يقولون في دعائهم: إنّك -يا ربّنا-ستجمع بين خلقك يوم معادهم، وتفصل بينهم وتحكم فيهم فيما اختلفوا فيه، وتجزي كلًّا بعمله، وما كان عليه في الدنيا من خير وشر). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 15]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:53 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة