بيانِ مَا دَلَّ عليهِ قولُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ،وَأَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ, وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ،لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)) ([1])
قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: (البابُ الثامنُ: في بيانِ مَا دَلَّ عليهِ قولُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ،وَأَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ, وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ،لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)) ([1])
مِن الفَوائدِ الجَلِيلَةِ فِي بابِ الأسماءِ والصِّفَاتِ:
(قدْ دلَّ هذا الحديثُ العظيمُ القَدْرِ على أمورٍ:
- منها: أنَّهُ يُسْتَعَاذُ بصفاتِ الرَّبِّ تعالى كما يُستعاذُ بذاتِهِ، وكذَلِكَ يُسْتَغَاثُ بصفاتِهِ كما يُستغاثُ بذاتِهِ، كما في الحديثِ: ((يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا بَدِيعَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ، لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَلا إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ)) ([2])، وكذلكَ قولُهُ في الحديثِ الآخرِ: ((أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ أَنْ تُضِلَّنِي)) ([3]).
وكذلكَ استعاذَتُهُ بكلماتِ اللهِ التَّامَّاتِ ([4]) وبوَجْهِهِ الكريمِ ([5]) وتعظيمِهِ.
وفي هذا ما يَدُلُّ على أنَّ هذهِ صفاتٌ ثابتةٌ وُجُودِيَّةٌ؛ إذْ لا يُستعاذُ بالعدمِ، وأنَّها قائمةٌ بهِ غيرُ مخلوقةٍ؛ إذْ لا يُستعاذُ بالمخلوقِ. وهوَ احتجاجٌ صحيحٌ؛ فإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا يستعيذُ بمخلوقٍ ولا يستغيثُ بهِ ولا يدلُّ أُمَّتَهُ على ذلكَ.
- ومنها: أنَّ العفوَ منْ صفاتِ الفعلِ القائمةِ بهِ، وفيهِ ردٌّ على مَنْ زَعَمَ أنَّ فِعْلَهُ عينُ مفعولِهِ؛ فإنَّ المفعولَ مخلوقٌ ولا يُستعاذُ بهِ.
- ومنها: أنَّ بعضَ صفاتِهِ وأفعالِهِ سُبحانَهُ أفضلُ مِنْ بعضٍ؛ فإنَّ المُستعاذَ بهِ أفضلُ من المُستعاذِ منهُ، وهذا كما أنَّ صفةَ الرحمةِ أفضلُ منْ صفةِ الغضبِ، ولذلكَ كانَ لها الغلبةُ والسَّبْقُ، ولذلكَ كلامُهُ سُبحانَهُ هوَ صفتُهُ، ومعلومٌ أنَّ كلامَهُ الذي يُثْنِي على نفسِهِ بهِ ويذكرُ فيهِ أوصافَهُ وتوحيدَهُ أفضلُ منْ كلامِهِ الذي يذُمُّ بهِ أعداءَهُ ويذكُرُ أوصافَهُم.
ولهذا كانَتْ سورةُ الإخلاصِ أفضلَ منْ سورةِ تَبَّتْ، وكانتْ تعدِلُ ثُلُثَ القرآنِ دُونَها، وكانتْ آيَةُ الكرسيِّ أفضلَ آيَةٍ في القرآنِ.
ولا تُصْغِ إلى قولِ مَنْ غَلُظَ حجابُهُ: إنَّ الصِّفَاتِ قديمةٌ، والقديمَ لا يَتَفاضَلُ؛ فإنَّ الأدِلَّةَ السمعيَّةَ والعقليَّةَ تُبْطِلُ قولَهُ.
وقدْ جعلَ سُبحانَهُ ما كانَ من الفضلِ والعطاءِ والخيرِ وأهلِ السعادةِ بيدِهِ اليُمْنَى، وما كانَ من العَدْلِ والقبضِ بيدِهِ الأُخْرَى. ولهذا جعلَ أهلَ السعادةِ في القبضةِ اليُمنى، وأهلَ الشقاوةِ في القبضةِ الأخرى، والمُقْسِطُونَ على منابرَ منْ نورٍ عنْ يمينِهِ، والسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بيمينِهِ، والأرضُ بالأرضِ ([6]).
- ومنها: أنَّ الغضبَ والرضا، والعفوَ والعقوبةَ، لمَّا كانتْ مُتقابِلةً استعاذَ بأحدِهما من الآخرِ، فلمَّا جاءَ إلى الذاتِ المقدَّسةِ التي لا ضدَّ لها ولا مُقابلَ قالَ: "وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ"، فاستعاذَ بصفةِ الرِّضَى منْ صفةِ الغضبِ، وبفعلِ العفوِ منْ فعلِ العقوبةِ، وبالموصوفِ بهذهِ الصِّفَاتِ والأفعالِ منهُ، وهذا يتضمَّنُ كمالَ الإثباتِ للقدرِ والتوحيدِ بأوجزِ لفظٍ وأخْصَرِهِ؛ فإنَّ الذي يُستعاذُ منهُ من الشرِّ وأسبابِهِ هوَ واقعٌ بقضاءِ الربِّ تعالى وقدَرِهِ، وهوَ المُنْفَرِدُ بخلْقِهِ وتقديرِهِ وتكوينِهِ، فما شاءَ كانَ وما لمْ يشَأْ لمْ يكُنْ، فالمُستعاذُ منهُ إمَّا وصْفُهُ، وإمَّا فعْلُهُ، وإمَّا مفعولُهُ الذي هوَ أَثَرُ فعلِهِ، والمفعولُ ليسَ إليهِ نفعٌ ولا ضرٌّ ولا يضرُّ إلاَّ بإذنِ خالقِهِ كما قالَ تعالى في أعظمِ ما يتضرَّرُ بهِ العبدُ وهوَ السحرُ: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102].
فالذي يُستعاذُ منهُ هوَ بمشيئتِهِ وقضائِهِ وقدَرِهِ، وإعاذَتُهُ منهُ وصرْفُهُ عن المستعيذِ إنَّما هوَ بمشيئَتِهِ أيضاً وقضائِهِ وقدَرِهِ.
فهوَ المُعيذُ منْ قدرِهِ بقدَرِهِ، وممَّا يُصدرُهُ عنْ مشيئَتِهِ وإرادَتِهِ بما يُصْدِرُهُ عنْ مشيئتِهِ وإرادَتِهِ. والجميعُ واقعٌ بإرادَتِهِ الكونيَّةِ القدريَّةِ، فهوَ يُعيذُ مِنْ إرادَتِهِ بإرَادَتِهِ؛ إذ الجميعُ خلقُهُ وقدرُهُ وقضاؤُهُ، فليسَ هناكَ خَلْقٌ لغيرِهِ فيُعيذَ منهُ هوَ، بل المستعاذُ منهُ خلقٌ لهُ، فهوَ الذي يُعيذُ عبدَهُ منْ نفسِهِ بنفْسِهِ، فيُعيذُهُ ممَّا يُريدُهُ بهِ بما يُريدُهُ بهِ.
فليسَ هناكَ أسبابٌ مخلوقةٌ لغيرِهِ يَستعيذُ منها المستعيذُ بهِ كما يَستعيذُ منْ رجلٍ ظلمَهُ وقهرَهُ برجلٍ أقْوَى أوْ نظيرِهِ.
فالمستعاذُ منهُ هوَ الذنوبُ وعقوبتُها، والآلامُ وأسبابُها. والسببُ منْ قضائِهِ، والمُسبَّبُ منْ قضائِهِ. والإعاذةُ بقضائِهِ. فهوَ الذي يُعِيذُ منْ قضائِهِ بقضائِهِ، فلَمْ يُعِذْ إلاَّ بما قدَّرَهُ وشاءَهُ. قدَّرَ الاستعاذةَ منهُ وشاءَها، وقدَّرَ الإعاذةَ وشاءَها. فالجميعُ قضاؤُهُ وقدَرُهُ ومُوجَبُ مشيئتِهِ.
فنَتَجَتْ هذهِ الكلمةُ التي لوْ قالَها غيرُ الرسولِ لبادَرَ المُتكلِّمُ الجاهلُ إلى إنكارِها ورَدِّها: إنَّهُ لا يملِكُ الضرَّ والنفعَ والخلقَ والأمرَ والإعادةَ غيرُكَ، وإنَّ المستعاذَ منهُ هوَ بيدِكَ وتحتَ تصرُّفِكَ ومخلوقٌ منْ خلقِكَ، فما استعَذْتُ إلاَّ بكَ، ولا استعَذْتُ إلاَّ منكَ، وهذا نظيرُ قولِهِ في الحديثِ الآخرِ: ((لا مَلْجَأَ وَلا مَنْجَى مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ)) ([7]).
فهُوَ الذي يُنْجِي منْ نفسِهِ بنفسِهِ، ويُعيذُ منْ نفسِهِ بنفسِهِ، وكذلكَ الفرارُ، يَفِرُّ عبدُهُ منهُ إليهِ.
وهذا كُلُّهُ تحقيقٌ للتوحيدِ والقدَرِ، وأنَّهُ لا ربَّ غيرُهُ ولا خالقَ سوَاهُ، ولا يملكُ المخلوقُ لنفسِهِ ولا لغيرِهِ ضرًّا ولا نفعاً ولا موْتاً ولا حياةً ولا نُشُوراً، بل الأمرُ كلُّهُ للهِ ليسَ لأحدٍ سواهُ منهُ شيءٌ، كما قالَ تعالى لأكرمِ خلْقِهِ عليهِ وأحبِّهم إليهِ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمرانَ: 128]، وقالَ جواباً لمَنْ قالَ: هلْ لنا من الأمرِ شيءٌ: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمرانَ: 154]، فالملكُ كلُّهُ لهُ، والأمرُ كلُّهُ لهُ، والحمدُ كلُّهُ لهُ، والشفاعةُ كلُّها لهُ، والخيرُ كلُّهُ في يدَيْهِ، وهذا تحقيقُ تفرُّدِهِ بالربوبيَّةِ والألوهِيَّةِ، فلا إلهَ غيرُهُ، ولا ربَّ سِوَاهُ {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)} [الزمر: 38]، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)} [الأنعام: 17]، {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)}[فاطر: 2].
فاسْتَعِذْ بهِ منهُ، وفِرَّ منهُ إليهِ، واجْعَلْ لُجْأَكَ منهُ إليهِ، فالأمرُ كلُّهُ لهُ، لا يملكُ أحدٌ معهُ منهُ شيئاً، فلا يأتي بالحسناتِ إلاَّ هوَ، ولا يذهبُ بالسيِّئاتِ إلاَّ هوَ، ولا تتحرَّكُ ذرَّةٌ فما فوقَها إلاَّ بإذنِهِ، ولا يضُرُّ سُمٌّ ولا سِحْرٌ ولا شيطانٌ ولا حيوانٌ ولا غيرُهُ إلاَّ بإذْنِهِ ومشيئَتِهِ. يُصِيبُ بذلكَ مَنْ يَشاءُ ويصْرِفُهُ عمَّنْ يشاءُ.
فأعْرَفُ الخلقِ بهِ وأقْوَمُهُم بتوحيدِهِ مَنْ قالَ في دُعائِهِ: ((وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ)). فليسَ للخَلْقِ مَعاذٌ سِوَاهُ، ولا مُستعاذٌ منهُ إلاَّ وهوَ رَبُّهُ وخالقُهُ ومليكُهُ وتحتَ قهرِهِ وسلطانِهِ.
ثمَّ خَتَمَ الدعاءَ بقولِهِ: ((لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)). اعترافاً بأنَّ شَأْنَهُ وعظمتَهُ ونعوتَ كمالِهِ وصفاتِهِ أعظمُ وأجلُّ منْ أنْ يُحْصِيَهَا أحدٌ من الخلقِ، أوْ يَبْلُغَ أحدٌ حقيقةَ الثناءِ عليهِ غيرُهُ سُبحانَهُ.
فهوَ توحيدٌ في الأسماءِ والصِّفَاتِ والنعوتِ، وذاكَ توحيدٌ في العبودِيَّةِ والتَّأَلُّهِ وإفرَادِهِ تعالى بالخوفِ والرجاءِ والاستعاذةِ، وهذا مُضَادُّ الشركِ، وذاكَ مُضادُّ التعطيلِ.وباللهِ التوفيقُ) ([8]) ).[المرتبع الأسنى: ؟؟]
([1]) رواهُ الإمامُ مَالِكٌ في كتابِ القُرآنِ / بابُ ما جاءَ في الدعاءِ، والإمامُ أَحْمَدُ (23791، 25127)، ومُسلِمٌ في كِتابِ الصَّلاةِ / بابُ ما يُقالُ في الركوعِ والسجودِ (1090)، وأبو داودَ في كتابِ الصلاةِ / بابٌ في الدعاءِ في الركوعِ والسجودِ (874)، والنَّسَائِيُّ في كتابِ الطهارةِ / بابُ تَرْكِ الوُضوءِ مِن مَسِّ الرَّجُلِ امرَأَتَهُ بغَيْرِ شَهْوَةٍ (169)، وفي كتابِ التطبيقِ / بابُ نَصْبِ القَدَمينِ في السجودِ (1099)، والتِّرْمِذِيُّ في كتابِ الدَّعَوَاتِ / بابُ (76)، وابنُ مَاجَهْ في كتابِ الدُّعاءِ / بابُ ما تَعَوَّذَ منه رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ (3841)، وغيرُهُم مِن حديثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها.
([2]) رَوَاهُ النَّسائِيُّ في كتابِ عَمَلِ اليومِ والليلةِ / بابُ ما يَقُولُ إذا أَمْسَى (10405) دُونَ قَوْلِهِ: ((يَا بَدِيعَ السَّماوَاتِ والأرضِ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إله إلا أَنْتَ)) ولا قَوْلِهِ: ((وَلاَ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ)) من حَدِيثِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
([3]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (2748)، ومُسلِمٌ في كتابِ الذِّكْرِ والدعاءِ / بابُ التعوُّذِ منْ شَرِّ ما عَمِلَ ومِنْ شَرِّ مَا لَمْ يَعْمَلْ (6837)، وأصلُ الحديثِ عندَ البُخارِيِّ في كتابِ التوحيدِ / بابُ قولِ اللهِ تعالَى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (7383) بدونِ هذه الجملةِ. كلُّهُم من طُرُقٍ، عن حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، حَدَّثَنِي عبدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، عن يَحْيَى بنِ يَعْمُرَ، عن ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنهُما.
([4]) يُشيرُ إلى الحديثِ الذي رَوَاهُ مُسلِمٌ في كتابِ الذِّكْرِ والدعاءِ / بابُ التعوُّذِ مِنْ سُوءِ القضاءِ (6817)، والتِّرْمِذِيُّ في كتابِ الدعَوَاتِ / بابُ ما جاءَ فيما يَقُولُ إذا نَزَلَ مَنْزِلاً (3437)، وابْنُ مَاجَهْ في كتابِ الطِّبِّ / بابُ الفَزَعِ والأَرَقِ وما يُتَعَوَّذُ مِنْهُ (3547) من حَدِيثِ خَوْلَةَ بِنتِ حَكِيمٍ رَضِيَ اللهُ عنها. وفي هذا المَعْنَى أحاديثُ كَثِيرَةٌ في الكتُبِ السِّتَّةِ وغيرِها.
([5]) يُشيرُ إلى الحديثِ الذي رَوَاهُ أبو دَاوُدَ في كتابِ الصلاةِ / بابُ ما يَقُولُهُ الرَّجُلُ عِنْدَ دُخولِهِ المَسْجِدَ (462)، وفي هذا المَعْنَى أحاديثُ أُخَرُ.
([6]) هكذا في الأصلِ.
([7]) جُزءٌ من حديثِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وقد رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (18044) ومَوَاضِعَ أُخَرَ، والبُخَارِيُّ في كتابِ الوُضوءِ / بابُ فَضْلِ مَنْ بَاتَ عَلَى الوُضوءِ (247)، وكتابِ الدَّعَوَاتِ / بابُ إذا باتَ طَاهِرًا (6311)، وبابُ النومِ على الشِّقِّ الأيمَنِ (6315) وكتابِ التوحيدِ / بابُ قولِهِ: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ} (7488).
ومُسْلِمٌ في كتابِ الذِّكْرِ والدُّعَاءِ / بابُ ما يقولُ عند النومِ والمَضْجَعِ (6820)، وأبو دَاوُدَ في كتابِ الأدَبِ / بابُ ما يُقالُ عِنْدَ النومِ (5046)، والتِّرْمِذِيُّ في كتابِ الدَّعَوَاتِ / بابُ ما جَاءَ في الدعاءِ إذا أَوَى إلى فِرَاشِهِ (3394)، وابْنُ مَاجَهْ في كتابِ الدُّعاءِ / بابُ ما يَدْعُو بِهِ إذا أَوَى إلى فِراشِهِ (3876).، وقد رُوِيَ الحديثُ من غيرِ طريقِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
([8]) شِفَاءُ العَلِيلِ (2/265-269).
مُلْحَقٌ: [فَإِذَا كانَ] (رِضَاهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِن غَضَبِهِ، وعَفْوُهُ أَحَبَّ إليهِ مِن عُقوبَتِهِ، ورَحْمَتُهُ أَحَبَّ إليه مِن عَذابِهِ، وعَطَاؤُهُ أَحَبَّ إليه من مَنْعِه. [فـ] إِنَّمَا يَقَعُ الغَضَبُ والعُقوبَةُ والمَنْعُ بأَسبابٍ تُناقِضُ مُوجَبَ تلك الصِّفاتِ والأَسماءِ وهو سُبْحَانَهُ كمَا يُحِبُّ أَسماءَهُ وصِفَاتِهِ يُحِبُّ آثارَهَا ومُوجَبَها كما في الحديثِ أنَّهُ: (وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ، جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، عَفُوٌّ يُحِبُّ العَفْوَ).
وهو شَكُورٌ يُحِبُّ الشَّاكِرينَ، عَلِيمٌ يُحِبُّ العالِمِينَ، جَوَادٌ يُحِبُّ أهلَ الجُودِ، حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ أَهْلَ الحَياءِ والسَّتْرِ، صَبُورٌ يُحِبٌّ الصابرِينَ، رَحِيمٌ يُحِبُّ الرُّحَمَاءَ، فهو يَكْرَهُ ما يُضَادُّ ذلك، وكذلك كَرِهَ الكُفْرَ والفُسُوقَ والعِصْيانَ والظُّلْمَ والجَهْلَ، لمُضَادَّةِ هذه الأوصافِ لأَوْصَافِ كَمالِهِ المُوافِقَةِ لأَسْمَائِهِ وصفاتِهِ، ولكنْ يُرِيدُهُ سُبْحَانَهُ لاستِلْزَامِهِ ما يُحِبُّهُ ويَرْضَاهُ، فهو مُرادٌ له إِرَادَةَ اللَّوازِمِ المَقْصُودَةِ لغَيْرِهَا: إذ هي مُفْضِيَةٌ إلى ما يُحِبُّ، فإذا حَصَلَ بها ما يُحِبُّهُ وأدَّتْ إلى الغايَةِ المقصودةِ له سُبْحانَهُ لم تَبْقَ مَقْصُودةً لا لِنَفْسِهَا ولا لِغَيْرِها، فتَزُولُ ويَخْلُفُها أَضْدَادُها التي هي أَحَبُّ إليه سُبْحَانَهُ منها، وهي مُوجَبُ أَسْمَائِهِ وصِفَاتِهِ). شِفاءُ العَلِيلِ (2/243-244).
[وكذلك] (فِعْلُ ما يُحِبُّهُ، والإعانةُ عليه، وجَزَاؤُهُ، وما يَتَرَتَّبُ عليه مِن المَدْحِ والثَّناءِ مِن رَحْمَتِه، وفِعْلُ ما يَكْرَهُهُ وجَزاؤُه، وما يَتَرَتَّبُ عليه مِنَ الذَّمِّ والأَلَمِ والعِقابِ، من غَضَبِهِ، ورَحْمَتُهُ سَابِقَةٌ على غَضَبِهِ غَالِبَةٌ له، وكُلُّ ما كانَ مِن صِفَةِ الرَّحْمَةِ فهو غالِبٌ لِمَا كانَ مِن صِفَةِ الغَضبِ، فإنه سُبْحَانَهُ لا يَكُونُ إلا رَحيمًا، ورَحْمَتُهُ مِن لَوازِمِ ذَاتِهِ كعِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ وحَياتِهِ وسَمْعِهِ وبَصَرِهِ وإِحسانِهِ؛ فيَسْتَحِيلُ أنْ يَكُونَ على خِلافِ ذلك، وليس كذلكَ غَضَبُهُ؛ فإنه لَيْسَ مِن لَوازِمِ ذَاتِهِ، ولا يَكُونُ غَضْبَانَ دَائمًا غَضَبًا لا يُتَصَوَّرُ انفِكَاكُهُ، بلْ يَقُولُ رُسُلُهُ وأَعْلَمُ الخَلْقِ به يَوْمَ القِيامَةِ (إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ) ورَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وَغَضَبُهُ لَمْ يَسَعْ كُلَّ شَيْءٍ، وهو سُبْحَانَهُ كَتَبَ على نفسِهِ الرَّحْمَةَ، ولَمْ يَكْتُبْ على نَفْسِهِ الغَضَبَ، ووَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وعِلْمًا، ولم يَسَعْ كُلَّ شَيْءٍ غَضَبًا وانتِقامًا. فالرَّحْمَةُ وما كانَ بها ولوازِمُها وآثارُها غَالِبَةٌ على الغَضَبِ، وما كانَ منه وآثارُهُ فوُجودُ ما كانَ بالرَّحْمَةِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِن وُجودِ ما كان من لوازمِ الغَضبِ، ولهذا كانتِ الرَّحْمَةُ أَحَبَّ إليه منَ العذابِ، والعفوُ أَحَبَّ إليه مِنَ الانتقامِ). الفوائدُ (182- 183).
([فـ] الرَّبُّ تَعالَى تَسَمَّى بالغَفُورِ الرَّحِيمِ، ولَمْ يَتَسَمَّ بالمُعَذِّبِ ولا بالمُعاقِبِ، بل جَعَلَ العذابَ والعِقابَ في أفعالِه كما قالَ تَعالَى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} وقالَ تَعالَى: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} وقالَ: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} وقالَ: {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} وهذا كثيرٌ في القرآنِ، فإنه سُبْحَانَهُ يَتَمَدَّحُ بالعَفْوِ والمَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ والكَرَمِ والحِلْمِ ويَتَسَمَّى، ولم يَتَمَدَّحْ بِأَنَّهُ المُعاقِبُ ولا الغَضْبَانُ ولا المُعَذِّبُ ولا المُسقمُ [هكذا في الأصل، ولعله تَصْحِيفٌ من المُنْتَقِمِ، فَإنه هو المَعْدُودُ في الأسماءِ الحُسْنَى فِي الحَدِيثِ الذي سَيُشِيرُ إليه المُؤَلِّفُ] إلا في الحديثِ الذي فيه تَعْدِيدُ الأسماءِ الحُسْنَى، ولم يَثْبُتْ، وقد كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ كِتابًا بأنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ] شِفاءُ العَلِيلِ (2/223- 224).