تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن زيد بن أسلم في قوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم الآية قال: قالت الملائكة يا ربنا أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها وينعمون ولم تعطنا ذلك فأعطناه في الآخرة فقال وعزتي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فيكون). [تفسير عبد الرزاق: 1/382]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله تعالى: {ولقد كرّمنا بني آدم} [الإسراء: 70]
«كرّمنا وأكرمنا واحدٌ»). [صحيح البخاري: 6/83]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله تعالى ولقد كرّمنا بني آدم)
كرّمنا وأكرمنا واحدٌ أي في الأصل وإلّا فالتشديد أبلغ قال أبو عبيدة كرّمنا أي أكرمنا إلّا أنّها أشدّ مبالغةً في الكرامة انتهى وهي من كرم بضمّ الرّاء مثل شرف وليس من الكرم الّذي هو في المال). [فتح الباري: 8/393]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله تعالى: {ولقد كرّمنا بني آدم} (الإسراء: 70)
أي: هذا باب في بيان قوله تعالى: {ولقد كرمنا} وليست في بعض النّسخ هذه التّرجمة، قوله: (ولقد كرمنا بني آدم) أي: بالعقل، قاله ابن عبّاس، وعن الضّحّاك: بالنطق والتمييز، وعن عطاء: بتعديل القامة وامتدادها، وعن يمان: بحسن الصّورة، وعن محمّد ابن جرير: بتسليطهم على غيرهم من الخلق وتسخير سائر الخلق لهم، وعن ابن عبّاس: كل شيء يأكل بفيه إلاّ ابن آدم يأكل بيده.
كرّمنا وأكرمنا واحدٌ
قال بعضهم: أي في الأصل وإلاّ فبالتشديد أبلغ قلت: إذا كان مراده بالأصل الوضع فليس كذلك لأن لكل منهما بابا في الأصل موضوعا، وإن كان مراده بالأصل الاستعمال فليس كذلك، لأن كرمنا بالتّشديد من باب التفعيل، وأكرمنا من باب الأفعال، بل المراد أنّها واحد في التّعدّي، غير أن في كرمنا بالتّشديد من المبالغة ما ليس في أكرمنا. فافهم). [عمدة القاري: 19/23]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب
{كرّمنا} وأكرمنا واحدٌ، ضعف الحياة: عذاب الحياة وعذاب الممات. خلافك وخلفك: سواءٌ، ونأى: تباعد: شاكلته: ناحيته وهي من شكله. صرّفنا: وجّهنا، قبيلًا معاينةً ومقابلةً وقيل: القابلة لأنّها مقابلتها وتقبل ولدها. خشية الإنفاق: أنفق الرّجل أملق ونفق الشّيء ذهب. قتورًا: مقتّرًا، للأذقان مجتمع اللّحيين، والواحد ذقنٌ. وقال مجاهدٌ: موفورًا: وافرًا. تبيعًا: ثائرًا، وقال ابن عبّاسٍ: نصيرًا. خبت: طفئت، وقال ابن عبّاسٍ: لا تبذّر: لا تنفق في الباطل.
ابتغاء رحمةٍ: رزقٍ مثبورًا: ملعونًا. لا تقف: لا تقل، فجاسوا: تيمّموا. يزجي الفلك: يجري الفلك، يخرّون للأذقان: للوجوه.
({كرمنا}) ولأبي ذر باب قوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70] كرمنا (وأكرمنا واحد) وهو من كرم بالضم كشرف والمعنى جعلنا لهم كرمًا أي شرفًا وفضلًا وهذا كرم نفي النقصان لا كرم المال وتكريمهم كما قال في الأنوار بحسن الصورة والمزاج الأعدل واعتدال القامة والتمييز بالعقل والإفهام بالنطق والإشارة والخط والهدى إلى أسباب المعاش والمعاد والتسلط على ما في الأرض والتمكن من الصناعات إلى ما يعود عليهم بالمنافع إلى غير ذلك مما يقف الحصر دون إحصائه، واستدلّ بالآية على طهارة ميتة الآدمي لأن قضية تكريمه أن لا يحكم بنجاسته بالموت كما نص عليه في الأم ولأنه، -صلّى اللّه عليه وسلّم- قبل عثمان بن مظعون بعد موته ودموعه تجري على خده فلو كان نجسًا لما قبّله مع ظهور رطوبته ولأنا تعبدنا بغسله والنجس لا يتعبد بغسله لأن غسله يزيد النجاسة وسواء المسلم والكافر، وأما قوله تعالى: {إنما المشركون نجس} [التوبة: 28] فالمراد نجاسة الاعتقاد أو اجتنابهم كالنجس لا نجاسة الأبدان). [إرشاد الساري: 7/202]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلاً}.
يقول تعالى ذكره: {ولقد كرّمنا بني آدم} بتسليطنا إيّاهم على غيرهم من الخلق، وتسخيرنا سائر الخلق لهم {وحملناهم في البرّ} على ظهور الدّوابّ والمراكب {و} في {البحر} في الفلك الّتي سخّرناها لهم {ورزقناهم من الطّيّبات} يقول: من طيّبات المطاعم والمشارب، وهي حلالها ولذيذاتها {وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلاً} ذكر لنا أنّ ذلك تمكّنهم من العمل بأيديهم، وأخذ الأطعمة والأشربة بها ورفعها بها إلى أفواههم، وذلك غير متيسّرٍ لغيرهم من الخلق، كما:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله {ولقد كرّمنا بني آدم}. الآية، قال: وفضّلناهم في اليدين يأكل بهما، ويعمل بهما، وما سوى الإنس يأكل بغير ذلك.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن زيد بن أسلم، في قوله: {ولقد كرّمنا بني آدم} قال: قالت الملائكة: يا ربّنا إنّك أعطيت بني آدم الدّنيا يأكلون منها، ويتنعّمون، ولم تعطنا ذلك، فأعطناه في الآخرة، فقال: وعزّتي لا أجعل ذرّيّة من خلقت بيدي، كمن قلت له كن فكان). [جامع البيان: 15/5]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 70 - 72.
أخرج الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان والخطيب في تاريخه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من شيء أكرم على الله من بني آدم يوم القيامة، قيل: يا رسول الله ولا الملائكة المقربون،، قال: ولا الملائكة، الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر، وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفا وقال: هو الصحيح). [الدر المنثور: 9/399-400]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: المؤمن أكرم على الله من ملائكته). [الدر المنثور: 9/400]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة قالت: يا رب أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون ونحن نسبح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة، قال: لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم مثله). [الدر المنثور: 9/400-401]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من طريق عروة بن رويم قال: حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة قالوا: ربنا خلقتنا وخلقت بني آدم، فجعلتهم يأكلون الطعام ويشربون الشراب ويلبسون الثياب ويأتون النساء ويركبون الدواب وينامون ويستريحون ولم تجعل لنا من ذلك شيئا، فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة، فقال الله: لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عروة بن رويم مرسلا). [الدر المنثور: 9/401]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عروة بن رويم الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة: يا رب خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة فقال الله تعالى: لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان). [الدر المنثور: 9/401]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من وجه آخر عن عروة بن رويم اللخمي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه إلا أنه قال: ويركبون الخيل ولم يذكر ونفخت فيه من روحي). [الدر المنثور: 9/402]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولقد كرمنا بني آدم} قال: جعلناهم يأكلون بأيديهم وسائر الخلق يأكلون بأفواههم). [الدر المنثور: 9/402]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم في التاريخ والديلمي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {ولقد كرمنا بني آدم} قال: الكرامة الأكل بالأصابع). [الدر المنثور: 9/402]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر رضي الله عنه قال: ما من رجل يرى مبتلى فيقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني عليك وعلى كثير من خلقه تفضيلا إلا عافاه الله من ذلك البلاء كائنا ما كان). [الدر المنثور: 9/402]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله خلق السموات سبعا فاختار العليا منها فأسكنها ما شاء من خلقه ثم خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم واختار من بني آدم العرب واختار من العرب مضر واختار من مضر قريشا واختار من قريش بني هاشم واختارني من بني هاشم فأنا من خيار الأخيار). [الدر المنثور: 9/402-403]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس فسأله رجل: أرأيت قوله تعالى: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لم تصب المسألة اقرأ ما قبلها {ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر} حتى بلغ {وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} فقال ابن عباس رضي الله عنهما: فمن كان أعمى عن هذا النعيم الذي قد رأى وعاين فهو في أمر الآخرة التي لم تر ولم تعاين {أعمى وأضل سبيلا} ). [الدر المنثور: 9/405] (م)
تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أن القطمير القشرة التي تكون على النواة، والنقير النقطة التي على ظهرها، والفتيل الذي في شق النواة). [الجامع في علوم القرآن: 1/20] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني طلحة أنه سمع عطاء يقول: القطمير القشر الذي يكون بين النواة والتمرة، والنقير الذي في ظهر النواة، والفتيل الذي في بطن النواة). [الجامع في علوم القرآن: 1/91-92] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى يوم ندعوا كل أناس بإمامهم يقول بأنبيائهم
قال معمر وقال الحسن بكتابهم الذي فيه أعمالهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/382]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولا يظلمون فتيلا قال الذي في شق النواة). [تفسير عبد الرزاق: 1/382]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا إسرائيل عن أبي إسحاق وابن عيينة عن أصحابه عن أبي إسحاق عن رجل من بني تميم أنه قال لابن عباس ما ولا يظلمون فتيلا قال ففت بين أصبعيه فخرج بينهما شيء فقال هو هذا
قال أخبرني الثوري عن رجل عن الحكم قال: قال لي مجاهد كنا لا ندري ما الزخرف حتى رأيناه في قراءة ابن مسعود (أو يكون له بيت من ذهب)). [تفسير عبد الرزاق: 1/389-390]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن جابرٍ عن عديٍّ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} قال: إمام هدًى أو إمام ضلالة [الآية: 71]). [تفسير الثوري: 174]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد الله بن عبد الرّحمن، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قول الله: {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} قال: يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه، ويمدّ له في جسمه ستّون ذراعًا، ويبيّض وجهه، ويجعل على رأسه تاجٌ من لؤلؤٍ يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعدٍ فيقولون: اللّهمّ ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا، حتّى يأتيهم فيقول لهم: أبشروا لكلّ رجلٍ منكم مثل هذا، قال: وأمّا الكافر فيسوّد وجهه ويمدّ له في جسمه ستّون ذراعًا على صورة آدم فيلبس تاجًا، فيراه أصحابه فيقولون: نعوذ باللّه من شرّ هذا، اللّهمّ لا تأتنا بهذا، قال: فيأتيهم فيقولون: اللّهمّ أخزه، فيقول: أبعدكم اللّه فإنّ لكلّ رجلٍ منكم مثل هذا.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
والسّدّيّ اسمه: إسماعيل بن عبد الرّحمن). [سنن الترمذي: 5/153-154]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلاً}.
اختلفت أهل التّأويل في معنى الإمام الّذي ذكر اللّه جلّ ثناؤه أنّه يدعو كلّ أناسٍ به، فقال بعضهم: هو نبيّه، ومن كان يقتدى به في الدّنيا ويأتمّ به
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: حدّثنا فضيلٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} قال: بنبيّهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} قال: بنبيّهم
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {بإمامهم} قال: بنبيّهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {كلّ أناسٍ بإمامهم} قال: بنبيّهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، مثله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنّه يدعو بهم بكتب أعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} قال: الإمام: ما عمل وأملى، فكتب عليه، فمن بعث متّقيًا للّه جعل كتابه بيمينه، فقرأه واستبشر، ولم يظلم فتيلاً، وهو مثل قوله: {وإنّهما لبإمامٍ مبينٍ} والإمام: ما أملى وعمل.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} قال: بأعمالهم.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: قال الحسن: بكتابهم الّذي فيه أعمالهم.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} يقول: بكتابهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: بأعمالهم.
وقال آخرون: بل معناه: يوم ندعو كلّ أناسٍ بكتابهم الّذي أنزلت عليهم بأمري ونهيي.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت يعنى ابن زيدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} قال: بكتابهم الّذي أنزل عليهم فيه أمر اللّه ونهيه وفرائضه، والّذي عليه يحاسبون، وقرأ: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} قال: الشّرعة: الدّين، والمنهاج: السّنّة، وقرأ: {شرع لكم من الدّين ما وصّى به نوحًا} قال: فنوحٌ أوّلهم، وأنت آخرهم.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} بكتبهم.
وأولى هذه الأقوال عندنا بالصّواب، قول من قال: معنى ذلك: يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم الّذي كانوا يقتدون به، ويأتمّون به في الدّنيا، لأنّ الأغلب من استعمال العرب الإمام فيما ائتمّ واقتدي به، وتوجيه معاني كلام اللّه إلى الأشهر أولى ما لم تثبت حجّةٌ بخلافه يجب التّسليم لها.
وقوله: {فمن أوتي كتابه بيمينه} يقول: فمن أعطي كتاب عمله بيمينه {فأولئك يقرءون كتابهم} ذلك حتّى يعرفوا جميع ما فيه {ولا يظلمون فتيلاً} يقول تعالى ذكره: ولا يظلمهم اللّه من جزاء أعمالهم فتيلاً، وهو المنفتل الّذي في شقّ بطن النّواة.
وقد مضى البيان عن الفتيل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله {ولا يظلمون فتيلاً} قال: الّذي في شقّ النّواة). [جامع البيان: 15/6-9]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال إن الفتيل الذي في شق النواة). [تفسير مجاهد: 166]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبو هريرة - رضي الله عنه -: عن النبي صلى الله عليه وسلم {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} [الإسراء: 71] قال: «يدعى أحدهم، فيعطى كتابه بيمينه، ويمدّ له في جسمه ستّون ذراعاً، ويبيضّ وجهه، ويجعل على رأسه تاجٌ من لؤلؤٍ يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه الذين كانوا يجتمعون إليه فيرونه من بعيد، فيقولون، اللهم ائتنا بهذا، فيأتيهم، فيقول: أبشروا لكلّ رجلٍ منكم مثل هذا المتبوع على الهدى، وأما الكافر: فيعطى كتابه بشماله، ويسودّ وجهه، ويمدّ له في جسمه ستون ذراعاً، ويلبس تاجاً من نارٍ، فإذا رآه أصحابه يقولون: نعوذ بالله من شر هذا، اللّهمّ لا تأتنا به، فيأتيهم، فيقولون: اللهم أّخّره، فيقول لهم: أبعدكم الله، فإنّ لكلّ رجلٍ منكم هذا». أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/213-214]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم} قال: إمام هدى وإمام ضلالة). [الدر المنثور: 9/403]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه والخطيب في تاريخه عن أنس رضي الله عنه في قوله: {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم} قال: بنبيهم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه مثله). [الدر المنثور: 9/403-404]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم} قال: بكتاب أعمالهم). [الدر المنثور: 9/404]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم} قال: يدعى كل قوم بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم). [الدر المنثور: 9/404]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي وحسنه والبزار، وابن أبي حاتم، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم} قال: يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمد له في جسمه ستين ذراعا ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من نور يتلألأ فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون: اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا حتى يأتيهم فيقول: أبشروا، لكل رجل منكم مثل هذا.
وأمّا الكافر فيسود له وجهه ويمد له في جسمه ستين ذراعا على صورة آدم ويلبس تاجا من نارا فيراه أصحابه فيقولون: نعوذ بالله من شر هذا، اللهم لا تأتنا بهذا، قال فيأتيهم.
فيقول: ربنا أخره فيقول: ابعدكم الله فإن لكل رجل منكم مثل هذا). [الدر المنثور: 9/404-405]
تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى قال في الدنيا أعمى عما أراه الله من آياته من خلق السماوات والأرض والجبال والنجوم فهو في الآخرة الغائبة التي لم يراها أعمى وأضل سبيلا). [تفسير عبد الرزاق: 1/382-383]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى أعمى قال أعمى عن حجته في الآخرة). [تفسير عبد الرزاق: 1/383]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً}. اختلف أهل التّأويل في المعنى الّذي أشير إليه بقوله " هذه " فقال بعضهم: أشير بذلك إلى النّعم الّتي عددّها تعالى ذكره بقوله: {ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلاً} فقال: ومن كان في هذه النعم أعمى فهو في نعم الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن محمّد بن أبي موسى، قال: سئل عن هذه الآية، {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً} فقال: قال {ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلاً} قال: من عمّي عن شكر هذه النّعم في الدّنيا، فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومن كان في هذه الدّنيا أعمى عن قدرة اللّه فيها وحججه، فهو في الآخرة أعمى
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ومن كان في هذه أعمى} يقول: من عمي عن قدرة اللّه في الدّنيا فهو في الآخرة أعمى.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {في هذه أعمى} قال: الدّنيا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} يقول: من كان في هذه الدّنيا أعمى عمّا عاين فيها من نعم اللّه وخلقه وعجائبه {فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً} فيما يغيب عنه من أمر الآخرة وأعمى.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {ومن كان في هذه أعمى} في الدّنيا فيما أراه اللّه من آياته من خلق السّماوات والأرض والجبال والنّجوم {فهو في الآخرة} الغائبة الّتي لم يرها {أعمى وأضلّ سبيلاً}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، وسئل عن قول اللّه، تعالى {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً} فقرأ: {إنّ في السّموات والأرض لآياتٍ للمؤمنين} {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} وقرأ: {ومن آياته أن خلقكم من ترابٍ ثمّ إذا أنتم بشرٌ تنتشرون} وقرأ حتّى بلغ: {وله من في السّموات والأرض كلٌّ له قانتون} قال: كلٌّ له مطيعون، إلاّ ابن آدم قال: فمن كان في هذه الآيات الّتي يعرف أنّها منّا ويشهد عليها وهو يرى قدرتنا ونعمتنا أعمى فهو في الآخرة الّتي لم يرها أعمى وأضلّ سبيلاً.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب، قول من قال: معنى ذلك: ومن كان في هذه الدّنيا أعمى عن حجج اللّه على أنّه المنفرد بخلقها وتدبيرها، وتصريف ما فيها، فهو في أمر الآخرة الّتي لم يرها ولم يعاينها، وفيما هو كائنٌ فيها أعمى وأضلّ سبيلاً: يقول: وأضلّ طريقًا منه في أمر الدّنيا الّتي قد عاينها ورآها.
وإنّما قلنا: ذلك أولى تأويلاته بالصّواب، لأنّ اللّه تعالى ذكره لم يخصّص في قوله {ومن كان في هذه} الدّنيا {أعمى} عمى الكافر به عن بعض حججه عليه فيها دون بعضٍ، فيوجّه ذلك إلى عمّاه عن نعمه بما أنعم به عليه من تكريمه بني آدم، وحمله إيّاهم في البرّ والبحر، وما عدّد في الآية الّتي ذكر فيها نعمه عليهم، بل عمّ بالخبر عن عماه في الدّنيا، فهم كما عمّ تعالى ذكره.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله {فهو في الآخرة أعمى} فكسرت القرأة جميعًا أعني الحرف الأوّل قوله {ومن كان في هذه أعمى}.
وأمّا قوله {فهو في الآخرة أعمى} فإنّ عامّة قرّاء الكوفيّين أمالت أيضًا قوله: {فهو في الآخرة أعمى} وأمّا بعض قرّاء البصرة فإنّه فتحه، وتأوّله بمعنى: فهو في الآخرة أشدّ عمًى. واستشهد لصحّة قراءته بقوله: {وأضلّ سبيلاً}.
وهذه القراءة هي أولى القراءتين في ذلك بالصّواب للشّاهد الّذي ذكرنا عن قارئه كذلك، وإنّما كره من كره قراءته كذلك ظنًّا منه أنّ ذلك مقصودٌ به قصد عمى العينين الّذي لا يوصف أحدٌ بأنّه أعمى من آخر أعمى، إذ كان عمى البصر لا يتفاوت فيكون أحدهما أزيد عمًى من الآخر، إلاّ بإدخال أشدّ أو أبين، فليس الأمر في ذلك كذلك.
وإنّما قلنا: ذلك من عمى القلب الّذي يقع فيه التّفاوت، فإنّما عنى به عمى قلوب الكفّار عن حجج اللّه الّتي قد عاينتها أبصارهم، فلذلك جاز ذلك وحسن.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {فهو في الآخرة أعمى} قال: أعمى عن حجّته في الآخرة). [جامع البيان: 15/9-12]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ومن كان في هذه أعمى يعني في الدنيا). [تفسير مجاهد: 367]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس فسأله رجل: أرأيت قوله تعالى: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لم تصب المسألة اقرأ ما قبلها {ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر} حتى بلغ {وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} فقال ابن عباس رضي الله عنهما: فمن كان أعمى عن هذا النعيم الذي قد رأى وعاين فهو في أمر الآخرة التي لم تر ولم تعاين {أعمى وأضل سبيلا} ). [الدر المنثور: 9/405]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس رضي الله عنهما {ومن كان} في الدنيا {أعمى} عما يرى من قدرتي من خلق السماء والأرض والجبال والبحار والناس والدواب وأشباه هذا {فهو} عما وصفت له في الآخرة ولم يره {أعمى وأضل سبيلا} يقول: أبعد حجة). [الدر المنثور: 9/405-406]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس: من عمي عن قدرة الله في الدنيا فهو في الآخرة أعمى). [الدر المنثور: 9/406]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن قتادة في الآية قال: من عمي عما يراه من الشمس والقمر والليل والنهار وما يرى من الآيات ولم يصدق بها فهو عما غاب عنه من آيات الله أعمى وأضل سبيلا). [الدر المنثور: 9/406]