التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجلك {مّتّكئين فيها...} منصوبة كالقطع. وإن شئت جعلته تابعاً للجنة، كأنك قلت: جزاؤهم جنة متكئين فيها). [معاني القرآن: 3/216]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({مّتّكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً * ودانيةً عليهم ظلالها وذلّلت قطوفها تذليلاً} وقال: {مّتّكئين} على المدح أو على: "جزاهم جنّةً متكّئين فيها" على الحال. وقد تقول "جزاهم ذلك قياماً"). [معاني القرآن: 4/41](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله {متّكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا} واحدتها أريكة، وجاء في التفسير أنها من الحجال, فيها الفرش وفيها الأسرّة. وفي اللغة أن كل متكأ عليه فهو أريكة.
ونصب {متّكئين} على الحال، المعنى: وجزاهم جنّة في حال اتكائهم فيها.
وكذلك: {ودانية عليهم ظلالها وذلّلت قطوفها تذليلا}). [معاني القرآن: 5/259]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((الزَمْهَرِير): شديد البرد). [العمدة في غريب القرآن: 327]
تفسير قوله تعالى: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله جل ذكره: {ودانيةً عليهم ظلالها...} يكون نصباً على ذلك: جزاؤهم جنة متكئين فيها، ودانيةً ظلالها. وإن شئت جعلت: الدانية تابعة للمتكئين على سبيل القطع الذي قد يكون رفعاً على الاستئناف. فيجوز مثل قوله: {وهذا بعلي شيخاً} "وشيخٌ"، وهي في قراءة أبي: (ودانٍ عليهم ظلالها) فهذا مستأنف في موضع رفع، وفي قراءة عبد الله: "ودانياً عليهم ظلالها"، وتذكير الداني وتأنيثه كقوله: {خاشعاً أبصارهم} في موضع، وفي موضع {خاشعةً أبصارهم}.
وقد تكون الدانية منصوبة على مثل قول العرب: عند فلان جاريةٌ جميلةٌ، وشابةً بعد طريةً، يعترضون بالمدح اعتراضاً، فلا ينوون به النسق على ما قبله، وكأنهم يضمرون مع هذه الواو فعلا تكون به النصب في إحدى القراءتين: "وحوراً عيناً".
أنشدني بعضهم:
ويأوي إلى نسوة عاطلاتٍ = وشعثا مراضيع مثل السعالي
بالنصب يعني: وشعثا، والخفض أكثر.
وقوله عز وجل: {وذلّلت قطوفها تذليلاً...} يجتني أهل الجنة الثمرة قياماً وقعوداً، وعلى كل حال لا كلفة فيها). [معاني القرآن: 3/216-217]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وذلّلت قطوفها} ثمارها). [مجاز القرآن: 2/280]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({مّتّكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً * ودانيةً عليهم ظلالها وذلّلت قطوفها تذليلاً}
وقال: {مّتّكئين} على المدح أو على: "جزاهم جنّةً متكّئين فيها" على الحال. وقد تقول "جزاهم ذلك قياماً" وكذلك {ودانيةً} على الحال أو على المدح، إنما انتصابه بفعل مضمر.
وقد يجوز في قوله: {ودانيةً} أن يكون على وجهين على "وجزاهم دانيةً ظلالها" تقول: "أعطيتك جيداً طرفاه" و"رأينا حسناً وجهه"). [معاني القرآن: 4/41]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وذلّلت قطوفها تذليلًا} أي أدنيت منهم. ممن قولك: حائط ذليل، إذا كان قصير السّمك. ونحوه قوله: {قطوفها دانيةٌ}.
و«القطوف»: الثمر، واحدها: «قطف».
و(التذليل) أيضا: تسوية العذوق. يقول أهل المدينة: ذلّل النخل، أي سوي عذوقه). [تفسير غريب القرآن: 503]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({ودانية عليهم ظلالها وذلّلت قطوفها تذليلا} وجائز أن يكون دانية نعتا للجنة. المعنى وجزاهم جنة دانية عليهم ظلالها
{وذلّلت قطوفها تذليلا} هذا كقوله تعالى: (قطوفها دانية).
وقيل كلما أرادوا أن يقطعوا شيئا منها ذلّل لهم، ودنا منهم قعودا كانوا أو مضطجعين أو قياما). [معاني القرآن: 5/259-260]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَذُلِّلَتْ} أي أُدنيت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 288]
تفسير قوله تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ (15)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {كانت قواريرا...} يقول: كانت كصفاء القوارير، وبياض الفضة، فاجتمع فيها صفاء القوارير، وبياض الفضة). [معاني القرآن: 3/217]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(الأكواب): كيزان لا عري لها. واحدها: كوب). [تفسير غريب القرآن: 503]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَاْ مِنْ فِضَّةٍ}، فقد أعلمتك أن كل ما في الجنة من آلتها وسررها وفرشها وأكوابها- مخالف لما في الدنيا من صنعة العباد، وإنما دلّنا الله بما أراناه من هذا الحاضر على ما عنده من الغائب. وقال ابن عباس: ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء.
والأكواب: كيزان لا عرى لها، وهي في الدنيا قد تكون من فضة، وتكون من قوارير.
فأعلمنا أن هناك أكوابا لها بياض الفضّة وصفاء القوارير، وهذا على التشبيه، أراد قوارير كأنها من فضة، كما تقول: أتانا بشراب من نور، أي كأنه نور.
وقال قتادة في قول الله عز وجل: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ}أي لهنّ صفاء الياقوت وبياض المرجان). [تأويل مشكل القرآن: 80-81]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الأَكْوَاب} كيزان لا عُرى لها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 288]
تفسير قوله تعالى: {قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {قدّروها...} قدروا الكأس على ري أحدهم لا فضل فيه ولا عجز عن ريه، وهو ألذ الشراب. وقد روى بعضهم عن الشعبي: (قُدِّروها تقديراً). والمعنى واحد، والله أعلم، قدّرت لهم، وقدروا لها سواء). [معاني القرآن: 3/217]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قواريرا من فضّةٍ} مفسر في كتاب «تأويل المشكل».
{قدّروها تقديراً} على قدر الرّيّ). [تفسير غريب القرآن: 503]
- راجع كلام عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) في كتاب "تأويل مشكل القرآن" عند الآية 15.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({ويطاف عليهم بآنية من فضّة وأكواب كانت قواريرا * قوارير...} قرئت غير مصروفة، وهذا الاختيار عند النحويين البصريين لأنّ كل جمع يأتي بعد ألفه حرفان لا ينصرف. وقد فسرنا ذلك فيما سلف من الكتاب.
ومن قرأ (قواريرا) فصرف الأول فلأنّه رأس آية، وترك صرف الثاني لأنه ليس بآخر آية، ومن صرف الثاني أتبع اللّفظ اللفظ، لأن العرب ربّما قلبت إعراب الشيء ليتبع اللفظ اللفظ، فيقولون: هذا حجر ضبّ خرب، وإنما الخرب من نعت الحجر، فكيف بما يترك صرفه، وجميع ما يترك صرفه يجوز صرفه في الشعر.
ومعنى {قوارير من فضّة قدّروها تقديرا} أصل القوارير التي في الدنيا من الرمل، فأعلم اللّه أن فضل تلك القوارير أن أصلها من فضة يرى من خارجها ما في داخلها
ومعنى: {قدّروها تقديرا} أي جعلت بكون الإناء على قدر ما يحتاجون إليه ويريدونه.
وقرئت (قدّروها تقديرا) أي جعلت لهم على قدر إرادتهم). [معاني القرآن: 5/260]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({قَدَّرُوهَا} أي على قدر الرِّيّ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 288]
تفسير قوله تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كأساً كان مزاجها زنجبيلاً...} إنما تسمى الكأس إذا كان فيها الشراب، فإذا لم يكن فيها الخمر لم يقع عليها اسم الكأس.
وسمعت بعض العرب يقول للطبق الذي يهدى عليه الهدية: وهو المهدي، ما دامت عليه الهدية، فإذا كان فارغا رجع إلى اسمه إن كان طبقاً أو خواناً، أو غير ذلك). [معاني القرآن: 3/217]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {زنجبيلاً... عيناً...} ذكر أن الزنجبيل هو العين، وأن الزنجبيل اسم لها، وفيها من التفسير ما في الكافور). [معاني القرآن: 3/217]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {تسمّى سلسبيلاً...} ذكروا أن السلسبيل اسم للعين، وذكر أنه صفة للماء لسلسلته وعذوبته، ونرى أنه لو كان اسما للعين لكان ترك الإجراء فيه أكثر، ولم نر أحدا من القراء ترك إجراءها وهو جائز في العربية، كما كان في قراءة عبد الله: {ولا تذرنّ ودًّا ولا سواعاً ولا يغوثاً ويعوقاً} بالألف.
وكما قال: "سلاسلا"، و"قواريرا" بالألف، فأجروا ما لا يجرى، وليس بخطأ، لأن العرب تجري ما لا يجري في الشعر، فلو كان خطأ ما أدخلوه في أشعارهم، قال متمم بن نويرة:
فما وجد أظآرٍ ثلاثٍ روائمٍ = رأين مجرًّا من حوارٍ ومصرعا
فأجرى روائم، وهي مما لا يجري فيما لا أحصيه في أشعارهم). [معاني القرآن: 3/217-218]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً} [معاني القرآن: 4/41]
وقال: {كان مزاجها زنجبيلاً} فنصب العين على أربعة وجوه على "يسقون عيناً" أو على الحال، أو بدلاً من الكأس أو على المدح والفعل مضمر. وقال بعضهم "إن" "سلسبيل" صفة للعين بالسلسبيل.
وقال بعضهم: "إنّما أراد" "عيناً تسمّى سلسبيلاً" أي: تسمى من طيبها، أي: توصف للناس كما تقول: "الأعوجيّ" و"الأرحبيّ" و"المهريّ من الإبل" وكما تنسب الخيل إذا وصفت إلى هذه الخيل المعروفة والمنسوبة كذلك تنسب العين إلى أنها تسمى [سلسبيلا] لأن القرآن يدل على كلام العرب.
قال الشاعر، وأنشدناه يونس هكذا:
صفراء من نبعٍ يسمّى سهمها = من طول ما صرع الصّيود الصّيّب
فرفع "الصيّب" لأنه لم يرد "يسمى سهمها بالصيّب" إنما "الصيّب" من صفة الاسم والسهم. وقوله "يسمى سهمها": يذكر سهمها.
وقال بعضهم: "لا بل هو اسم العين وهو معرفة ولكن لما كان رأس آية [و] كان مفتوحاً زدت فيه الألف كما كانت {قواريرا} [الإنسان: 15] ). [معاني القرآن: 4/42]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({سلسبيلا}: شديد الحرية). [غريب القرآن وتفسيره: 405]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كان مزاجها زنجبيلًا} يقال: هو اسم العين. وكذلك (السلسبيل): اسم العين.
قال مجاهد: «السلسبيل: الشديد[ة] الجرية». وقال غيره: «السلسبيل: السّلسة الليّنة».
وأمّا «الزنجبيل»: فإن العرب تضرب به المثل وبالخمر ممتزجين. قال المسيّب ابن علس يصف فم المرأة:
وكان طعم الزنجبيل به - إذ ذقته - وسلافة الخمر). [تفسير غريب القرآن: 503]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا} أي يجمع طعم الزنجبيل، والعرب تصف الزنجبيل، وهو مستطاب عندها جدّا قال الشاعر:
كأنّ القرنفل والزّنجبيل = باتا بفيها وأريا مشورا
فجائز أن يكون طعم الزنجبيل فيها، وجائز أن يكون مزاجها ولا غائلة له كما قلنا في الكافور). [معاني القرآن: 5/260]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {عينا فيها تسمّى سلسبيلا} المعنى يسقون عينا، وسلسبيل اسم العين إلا أنه صرف لأنه رأس آية. وسلسبيل في اللغة صفة لما كان في غاية السلاسة، فكأنّ العيق -واللّه أعلم- سميت بصفتها). [معاني القرآن: 5/261]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({زَنجَبِيلاً} قيــل: هو اسم العين. وكذلك (السَّلْسَبِيل).
وقيل: السلسبيل: الشديدة الجَرْية). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 288]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سَلْسَبِيلًا}: الحديدة الجري). [العمدة في غريب القرآن: 328]
تفسير قوله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {مّخلّدون...} يقول: محلّون مسورون، ويقال: مقرطون، ويقال: مخلدون دائم شبابهم لا يتغيرون عن تلك السنن، وهو أشبهها بالصواب ـ والله أعلم ـ وذلك أن العرب إذا كبر الرجل، وثبت سواد شعره قيل: إنه لمخلد، وكذلك يقال إذا كبر ونبتت له أسنانه وأضراسه قيل: إنه لمخلد ثابت الحال. كذلك الولدان ثابتة أسنانهم). [معاني القرآن: 3/218]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({ويطوف عليهم ولدان مخلّدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا} أي يخدمهم وصفاء مخلّدون، وتأويل {مخلّدون} أي لا يجوز واحد منهم حدّ الوصافة أبدا هو وصيف، والعرب تقول للرجل الذي لا يشيب: هو مخلّد.
ويقال {مخلّدون} مجلّون عليهم الحلي، ويقال لجماعة الحلي الخلدة.
وقوله: {حسبتهم لؤلؤا منثورا} أي هم في حسن ألوانهم وصفائها كاللؤلؤ المنثور). [معاني القرآن: 5/261]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({مخلدون} أي: مقرطون بالخلدة، ووجمعها: خلد، وهي: القرطة، ومخلدون، أي: لا يشيبون، أي: كلهم شباب مرد). [ياقوتة الصراط: 547]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مُخَلَّدُونَ}:.....) [1]. [العمدة في غريب القرآن: 328]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {وإذا رأيت ثمّ رأيت نعيماً...} يقال: إذا رأيت ما ثمّ رأيت نعيما، وصلح إضمار (ما) كما قيل: {لقد تقطّع بينكم}. والمعنى: ما بينكم، والله أعلم.
ويقال: {إذا رأيت ثم}، يريد: إذا نظرت، ثم إذا رميت ببصرك هناك رأيت نعيما). [معاني القرآن: 3/218]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذا رأيت ثمّ رأيت نعيماً وملكاً كبيراً} وقال: {وإذا رأيت ثمّ رأيت نعيماً} يريد أن يجعل "رأيت" لا تتعدى كما يقول: "ظننت في الدار خيرٌ" لمكان ظنه وأخبر بمكان رؤيته). [معاني القرآن: 4/42]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا} أي: عاينت). [تأويل مشكل القرآن: 499]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله: {وإذا رأيت ثمّ رأيت نعيما وملكا كبيرا} جاء في التفسير أنه "ملكا كبيرا" أنهم تسلم عليهم الملائكة.
وجاء أيضا تستأذن عليهم الملائكة، و (ثمّ) يعنى به الجنة، والعامل في (ثمّ) معنى رأيت. المعنى وإذا رأيت ببصرك (ثمّ).
وقيل المعنى وإذا رأيت ما (ثمّ) رأيت نعيما وهذا غلط لأن ما موصولة بقوله (ثمّ) على هذا التفسير - ولا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة، ولكن " رأيت " يتعدى في المعنى إلى (ثمّ)). [معاني القرآن: 5/261]
تفسير قوله تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {عاليهم ثياب سندسٍ...}. نصبها أبو عبد الرحمن وعاصم والحسن البصري، جعلوها كالصفة فوقهم. والعرب تقول: قومك داخل الدار، فينصبون داخل الدار؛ لأنه محل، فعاليهم من ذلك.
وقد قرأ أهل الحجاز وحمزة: "عاليهم" بإرسال الياء، وهي في قراءة عبد الله: "عاليتهم ثياب سندسٍ" بالتاء. وهي حجةٌ لمن أرسل الياء وسكنها. وقد اختلف القراء في: الخضر والسندس، فخفضهما يحيى بن وثاب أراد أن يجعل الخضر من صفة السندس ويكسر على الإستبرق ثياب سندس، وثياب إستبرق، وقد رفع الحسن الحرفين جميعاً. فجعل الخضر من صفة الثياب، ورفع الإستبرق بالرد على الثياب، ورفع بعضهم الخضر، وخفض الإستبرق ورفع الإستبرق وخفض الخضر، وكل ذلك صواب. والله محمود.
وقوله عز وجل: {شراباً طهوراً...} يقول: طهور ليس بنجس كما كان في الدنيا مذكوراً بالنجاسة). [معاني القرآن: 3/218-219]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(السندس) و(الإستبرق) قد تقدم ذكرهما). [تفسير غريب القرآن: 504]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلّوا أساور من فضّة وسقاهم ربّهم شرابا طهورا}
(عاليهم) بإسكان الياء، وقرئت (عاليهم) بفتح الياء، وقرئت (عليهم) بغير ألف (ثياب سندس).. وهذه الثلاثة توافق المصحف وكلها حسن في العربية.
وقرئ على وجهين غير هذه الثلاثة؛ قرئت (عاليتهم ثياب سندس) بالرفع والتأنيث، و(عاليتهم) بالنّصب.. وهذا الوجهان جيّدان في العربية إلا أنهما يخالفان المصحف، ولا أرى القراءة بهما، وقرّاء الأمصار ليس يقرأون بهما.
فأما تفسير إسكان (عاليهم) بإسكان الياء، فيكون رفعه بالابتداء، ويكون خبره (ثياب سندس خضر).
ومن نصب فقال: (عاليهم) بفتح الياء، فقال بعض النحويين إنه ينصبه على الظرف، كما تقول فوقهم ثياب، وهذا لا نعرفه في الظروف، ولو كان ظرفا لم يجز إسكان الياء.
ولكن نصبه على الحال من شيئين:
أحدهما: من الهاء والميم، المعنى يطوف على الأبرار ولدان مخلّدون عاليا الأبرار ثياب سندس لأنه وقد وصف أحوالهم في الجنّة، فيكون المعنى يطوف عليهم في هذه الحال هؤلاء.
ويجوز أن يكون حالا من الولدان، المعنى: إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا في حال علو الثياب إياهم. فالنصب على هذا بين.
فأما (عليهم ثياب سندس) فرفع كقولك عليك مال فترفعه بالابتداء، ويكون المعنى: وثياب سندس عليهم.
وتفسير نصب (عاليتهم) ورفعها كتفسير عاليهم.
و"السندس": الحرير.
وقد قرئت خُضرٌ وخُضْرٍ. فمن قرأ {خُضرٌ} فهو أحسن لأنه يكون نعتا للثياب، فلفظ الثياب لفظ الجميع، وخضر لفظها لفظ الجمع. ومن قرأ خضر فهو من نعت السندس، والسّندس في المعنى راجع إلى الثياب.
وقرئت {وإستبرق} وهو الدّيباج الصّفيق الغليظ الخشن- وقرئت بالرفع والجر:
- فمن رفع فهو عطف على "ثياب"، المعنى: عليهم إستبرق.
- ومن جر عطف على السندس. ويكون المعنى: عليهم ثياب من هذين النوعين ثياب سندس وإستبرق.
وقرئت (وإستبرق) على وجهين غير هذين الوجهين، كلاهما ضعيف في العربية جدّا:
- قرئت (وإستبرق) وحلّوا - بنصب (إستبرق) - وهو في موضع الجر ولم يصرف، قرأها ابن محيصن، وزعموا أنه لم يصرفه لأن (وإستبرق) اسم أعجمي، وأصله بالفارسية استبره، فلما حول إلى العربية لم يصرف، وهذا غلط لأنه نكرة؛ ألا ترى أن الألف واللام يدخلانه، تقول: السندس والإستبرق.
- والوجه الثاني، واستبرق وحلّوا - بطرح الألف - جعل الألف ألف وصل، وجعله مسمّى بالفعل من البريق، وهذا خطأ لأن الإستبرق معروف معلوم أنه اسم نقل من العجمية إلى العربية كما سمي الديباج وهو منقول من الفارسية.
قوله عزّ وجلّ: {وسقاهم ربّهم شرابا طهورا} جاء في التفسير أنهم إذا شربوه ضمرت بطونهم ورشحت جلودهم عرقا كرائحة المسك، وقيل إنه طهور ليس برجس كخمر الدنيا). [معاني القرآن: 5/261-263]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} عملكم). [مجاز القرآن: 2/280]
[1] بياض في الأصل. [/align]