التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلّا النّار ولا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم}
يعني: علماء اليهود الذين كتموا أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله:{ويشترون به ثمناً قليلاً} , أي: كتموه ؛ لأنهم أخذوا على كتمانه الرّشى.
{أولئك ما يأكلون في بطونهم إلّا النّار}: المعنى: أن الذين يأكلونه , يعذبون به، فكأنهم: إنما أكلوا النار, وكذلك قوله عزّ وجلّ:{الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلّا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ}
أي: يصيرهم أكله في الآخرة إلى مثل هذه الحالة.
و (الّذين) نصب ب (إنّ)، وخبر (إنّ) جملة الكلام , وهي {أولئك ما يأكلون في بطونهم إلّا النّار}, و (أولئك) رفع بالابتداء , وخبر (أولئك}: {ما يأكلون في بطونهم إلّا النار}.
وقوله عزّ وجلّ:{ولا يكلمهم اللّه يوم القيامة}
فيه غير قول:
1-قال بعضهم معناه يغضب عليهم، كما تقول: فلان لا يكلم فلاناً, تريد هو غضبان عليه.
2- وقال بعضهم معنى {لا يكلمهم اللّه يوم القيامة}: لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية،
3- وجائز إن يكون: {لا يكلمهم الله}: لا يسمعهم الله كلامه، ويكون الأبرار , وأهل المنزلة الذين رضي اللّه عنهم يسمعون كلامه.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا يزكّيهم}
أي: لا يثنى عليهم، ومن لا يثني اللّه عليه , فهو معذب.
وقوله عزّ وجلّ: {ولهم عذاب أليم}
معنى {أليم}: مؤلم , ومعنى مؤلم : مبالغ في الوجع). [معاني القرآن: 1/ 245]
تفسير قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: {فما أصبرهم على النّار...}
فيه وجهان:
أحدهما معناه: فما الذي صبّرهم على النار؟,
والوجه الآخر: فما أجرأهم على النار! .
قال الكسائيّ: سألني قاضى اليمن وهو بمكّة، فقال: اختصم إليّ رجلان من العرب، فحلف أحدهما على حقّ صاحبه، فقال له: ما أصبرك على الله! , وفي هذه أن يراد بها: ما أصبرك على عذاب الله، ثم تلقى العذاب فيكون كلامً, كما تقول: ما أشبه سخاءك بحاتم). [معاني القرآن: 1/ 103]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فما أصبرهم على النّار}: (ما) في هذا الموضع في معنى الذي، فمجازها: ما الذي صبّرهم على النار، ودعاهم إليها، وليس بتعجب). [مجاز القرآن: 1/ 64]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النّار}
قال: {فما أصبرهم على النّار}, فزعم بعضهم أنه تعجب منهم كما قال: {قتل الإنسان ما أكفره} تعجباً من كفره,وقال بعضهم {فما أصبرهم}, أي: ما أصبرهم، و: ما الذي أصبرهم). [معاني القرآن: 1/ 122]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {فما أصبرهم على النار} قال ابن عباس: ما الذي جرأهم على النار؛ كأنه صير {أصبرهم} على معنى "صبرهم" يريد التعجب؛ كأنه قال: ما الذي أصبرهم؛ فيكون مثل: أكرمته وكرمته.
وقد يجوز أن يكون المعنى على {ما أصبرهم على النار} على كلام العرب؛ أي أقدموا على أعمال أهل النار، فاستخفوا بها، ولم يجزعوا منها). [معاني القرآن لقطرب: 345]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فما أصبرهم على النار}: ما أجرأهم عليها.
قالوا في التفسير ما أعملهم بأعمال أهل النار، وقالوا معناها: فما الذي صبرهم على النار. ويقال اختصم رجلان من العرب فحلف أحدهما على حق صاحبه فقال له الآخر: ما أصبرك على الله أي ما أصبرك على عذاب الله كما يقال ما أشبه سخاك بحاتم). [غريب القرآن وتفسيره: 87]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فما أصبرهم على النّار}: ما أجرأهم,
وحكى الفراء عن الكسائي أنه قال: أخبرني قاضي المين: أنه اختصم إليه رجلان، فحلف أحدهما على حق صاحبه, فقال له الآخر: ما أصبرك على اللّه, ويقال منه قوله: {اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا} .
قال مجاهد: «ما أصبرهم على النار، وما أعملهم بعمل أهل النار, وهو وجه حسن, يريد ما أدومهم على أعمال النار, وتحذف الأعمال».
قال أبو عبيدة: «ما أصبرهم على النار، بمعنى : ما الذي أصبرهم على ذلك , ودعاهم إليه,وليس بتعجب»). [تفسير غريب القرآن: 69-70]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النّار}
{فما أصبرهم على النّار}: وفيه غير وجه:
1- قال بعضهم: أيّ شيء أصبرهم على النار؟.
2- وقال بعضهم: فما أصبرهم على عمل يؤدي إلى النار ؛ لأن هؤلاء كانوا علماء بأن من عاند النبي صلى الله عليه وسلم صار إلى النار.
كما تقول: ما أصبر فلاناً على الجنس ,أي: ما أبقاه منه). [معاني القرآن: 1/ 245]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فما أصبرهم على النار} , أي:
1-أجرأهم,
2-وقيل: ما أعملهم بعمل أهل النار,
3-وقيل: المعنى ما الذي يصبرهم على ذلك، وهو تقرير بلفظ الاستفهام). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاقٍ بعيدٍ}:
قال: {ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ} , فالخبر مضمر , كأنه يقول: "ذلك معلوم لهم : بأن الله نزل الكتاب؛ لأنه قد أخبرنا في الكتاب أن ذلك قد قيل لهم , فالكتاب حق). [معاني القرآن: 1/ 122-123]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}:
المعنى: الأمر ذلك، أو ذلك الأمر , فذلك مرفوع بالابتداء, أو بخبر الابتداء.
وقوله عزّ وجلّ: {وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}
بتباعد بعضهم في مشاقّة بعض؛ لأن اليهود والنصارى هم الّذين اختلفوا في الكتاب, ومشاقتهم بعيدة). [معاني القرآن: 1/ 246]