وضع المصحف على بطن الميت أو عند رأس المحتضر
قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (صرح جمع من أهل العلم بأنه ينبغى أن يصان المصحف عن أن يوضع على بطن الميت ولو على سبيل التثقيل إلى حين الغسل بل صرح بعضهم بكراهة وضع المصحف على بطن الميت مطلقا وهو الذى جزم به الهيتمى وحكى التحريم احتمالا للأذرعى , قال فى التحفة :( ويكره وضع المصحف قال الأذراعى والتحريم محتمل ) أهـ ويتعين الجزم به إن مس بل أو قرب مما فيه قذر ولو طاهرا أو جعل على كيفية تنافى تعظيمه وألحق به الأسنوى كتب الحديث والعلم المحترم وأقره الشبراملسى فى حاشيته على النهاية وقال الشروانى فى حاشيته على التحفة ["وقوله أو قرب مما فيه قذر ... إلخ " محل تأمل لما مر من أن المذهب كراهة إدخاله الخلاء لا حرمته نعم إن كان القرب على وجه يغلب على الظن تأديته إلى مماسة القذر فلا بعد فيه بصرى وقد تكلم فريق من أهل العلم على مسألة إنفاذ وصية من وصى بوضع مصحفه أو كتبه أو شئ منها بين أكفانه , أو دفنها معه , فقالوا بمنع إنفاذ مثل هذه الوصية لما يترتب على إنفاذها من امتهان للمصحف والمكتوب الشرعى , بل قد يؤوول الأمر إلى تنجيس المصحف وما ألحق به . ومن هنا أفتى بعض أهل العلم بوجوب نبش القبر إذا دفن فيه مع الميت مصحف فيتعين نبش القبر حينئذ
{765}
لإخراج المصحف واسنقاذه قال الونشريسى المالكى فى كتابه المعيار : [وسئل بعض الشيوخ عمن أوصى أن تدفن إجازته معه]فأجاب : بأنها لا تنفذ , وإن قيل : إن الميت لا ينجس بالموت إلا أنه قد ينفجر فيتلوث ما فيها من الآيات والأسماء . واستحسنوا أن توضع فى القبر ساعة ثم تزال كقضية القطيفة يعنون فى مطلق الوضع لأن القطيفة لم تخرج بعد . وكان الشامى فقيها متزهدا فى طبقة ابن عبد السلام ممن قرأ معه البودرى فلما حضرته الوفاة أوصى أن تدفن إجازته معه , وكأنه رأى أن الميت لا ينجس بالموت .
وحكى ابن بشكوال أن محمد بن يحى بن الحذا عهد أن يدخل فى أكفانه كتابه المعروف بالإبناه على أسماء الله , فنشر ورقه وجعل بين القميص والأكفان نفعه الله بذلك .
قلت فى تنفيذ هذه الوصية مع توقع ما ذكر من الانفجار فتتلوث أسماء الله الحسنى نظر ظاهر . وذكر الونشريسى أيضا أنه سئل ابن زيادة الله عمن أوصى أن تجعل بين
{766}
أكفانه ختمة أو جزء منه أو جزء من أحاديث نبوية أو أدعية حسنة هل تنفذ وصيته أم لا؟ وإذا لم تنفذ وقد عمل ذلك فهل ينبش ذلك ويخرج أم لا ؟ فأجاب لا أرى تنفيذ وصيته , وتجل أسماء الله عن الصديد والنجاسة فإن فات فأمر الأدعية خفيف , والختمة يجب أن تنبش وتخرج إذا طمع بالمنفعة بها وأمن من كشف جسده ومضرته أو الاطلاع على عورته .
قلت : قال الأبى فى إكمال الإكمال : وكان الشامى فقيها متزهدا فى طبقة ابن عبد السلام ممن قرأ معه البودرى , فلما حضرته الوفاة أوصى أن تدفن إجازته معه , وكأنه رأى ان الميت لا ينجس بالموت , لأنه قد ينفجر فيتلوث ما فيها من الآيات والأسماء واستحسنوا أن توضع فى القبر ساعة ثم تزال , انتهى . البرزلى حكى شيخنا عن بعض أشياخه أنها تجعل بين أكفانه بعد الغسل وتخرج إذا أرادوا دفنه , وحكى عن غيره أنها تجعل عند رأسه فوق جسده بحيث لا يخاطلها شئ ويجعل ما بينهما من التراب بحيث لا يصل إليه شئ من رطوبات الميت , وفى بعض التواريخ أن أبا ذر أو غيره من فقهاء الأندلس أوصى أن يدفن معه جزء ألفه فى الأحاديث وأنه فعل ذلك به , وكذا آخر أوصى أن يدفن خاتم فيه مكتوب "لاإله إلا الله , محمد رسول الله ",وفعل ذلك به , وهذا عندى قريب , لأنه قصده التلقين والبركة , وقد أجاز فى رواية ابن القاسم الاستنجاء به وكتب آيات للكفار ومبايعتهم بالدنانير والدراهم التى فيها اسم الله , وهذا أخف , ومثل ذلك حفيظة تكون عند رأسه تليه من فوقه لا بأس بذلك عندى وكتب النقاش حجارة فوق القبر فيها اسم الله تعالى وآيات القرآن والتذكير والشهادتين لا يضر كون ذلك مجاورا للقبر وجرى عرف الناس فى الأمصار عليه , انتهى . قلت قوله وجرى عرف الناس فى الأمصار عليه فيه إشارة لقول الحاكم فى المستدرك بعد تصحيح أحاديث النهى عن البناء والكتب وليس عليها العمل لأن أئمة المسلمين شرقا وغربا مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذه الخلف عن السلف , وهذا لا يسلم له لأن أئمة المسلمين لم يفتوا بالجواز , ولا أوصوا أن يفعل ذلك بقبورهم , بل تجد أكثرهم يفتى بالمنع ويكتب ذلك فى تصنيفه , وغاية ما يقال لهم يشاهدون ذلك ولا ينكرون , من أين لنا أنهم يرون ذلك ولا ينكرون وهم ينصون فى كتبهم
{767}
وفتاويهم على المنع , وإن سلم أنه عمل فلا يعارض تلك الأحاديث لإمكان الجمع بأن يحمل ما فى الأحاديث على البناء المشرف كما كانت الجاهلية تفعل , وتصحيح أحاديث النهى عن الكتب خلاف قول ابن العربى. ولما لم تصح أحاديث النهى عن الكتب تسامح الناس فيه حتى فشا وعم الأرض وليس فيه فائدة إلا التعليم لئلا يندثر القبر , وسمع ابن القاسم أكره البناء على القبر وجعل البلاطة المكتوبة , فقد نص مالك فى هذه الرواية على منع الكتب وإن سلم ما ذكره الحاكم من العمل فإنما يجوز ذلك على وجه لا تطئوه الأقدام كالكتب فى الحجر المنصوب عند رأس الميت وأما على صفح القبر فلا لأن فيه تعريضا للمشى عليها .
[من أوصى أن تدفن معه نسخة من كتاب الله أو نسخة من البخارى]
وسئل سيدى قاسم العقبانى عمن أوصى أن تدفن معه نسخة من كتاب الله أو نسخة من البخارى .
فأجاب : الوصية بدفن نسخة من كتاب الله أو نسخة من البخارى لا تنفذ فكيف يصح أن يعمد إلى كتاب الله العزيز أو ستة الآف من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدفن فى التراب هذا لا يصح , ولعل مولانا الكريم يتلافى برحمته هذا الموصى بقوة خوفه من موالاه , والله الموفق بفضله .
وقد نص غير واحد من أهل العلم على تحريم كتابة شئ من القرآن أو الذكر الشرعى على بدن الميت أو أكفانه للمحاذير السالف ذكرها ولعدم الدليل الصحيح على إباحة ذلك والقول بالمنع هو اختيار جمهور أهل العلم وقد أفتى به ابن الصلاح وابن البزاز والهيتيمى والونشريسى والبلبانى الحنبلى قال البلبانى :" أفتى ابن الصلاح من الشافعية بتحريم كتابة قرآن على كفن خوف تنجيس بتفسح الميت . وقواعدنا معشر الحنابلة تقضيه , أى : تحريم الكتابة على الكفن لما يترتب عليه من التنجيس المؤدى لآمتهان القرآن وقد جرى بسط الكلام على مسألة الكتابة على بدن الميت وأكفانه {768}]
فى موضعها من مصنف أفردته فى أحكام الكتابة والكتب فليطالعه فيه من رامه . هذا كله فيما يتعلق بمسألة صيانة المصحف والقرآن عن أن يوضع على بدن الميت أو أكفانه أو قبره , وأما ما يتعلق بوضع المصحف عند رأس المحتضر فقد ذكر الألبانى فى أحكام الجنائز من البدع قبل الوفاة وضع المصحف عند رأس المحتضر) . {769}