العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 11:53 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (235) إلى الآية (237) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (235) إلى الآية (237) ]


{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:26 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال زيد بن أسلم في هذه الآية: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجلة}، فهذا في المرأة يتوفى عنها زوجها أو يطلق فتكون في عدتها، فيرسل إليها الرجل يخطبها ويقول: لا تفوتيني بنفسك، فهذا القول المعروف، أما قوله: {لا تواعدوهن سرا}، فيقول: لا تنكح المرأة في عدتها، ثم تقول شيئا سره حتى لا يعلم به، أو يدخل عليها فيقول: لا يعلم بدخولي حتى تنقضي العدة، وهي التي قال الله: {حتى يبلغ الكتاب أجله}). [الجامع في علوم القرآن: 1/127]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن مهدي عن الثوري عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النساء}، قال: يقول: إنّي أريد أن أتزوّج). [الجامع في علوم القرآن: 1/132-133]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني شبيب عن شعبة عن [منصور عن الشعبي أنه قال في هذه] الآية: {لا جناح عليكم فيما عرضتم به [من خطبة النساء}، لا يأخذ] ميثاقها، ولا تنكح غيرك). [الجامع في علوم القرآن: 2/27-28]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى فيما عرضتم به من خطبة النساء قال هو الرجل يعرض للمرأة عدتها فيقول والله إنك لجميلة وإن النساء لمن حاجتي وإنك لإلى خير إن شاء الله). [تفسير عبد الرزاق: 1/95]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ولا تواعدوهن سرا قال مواعدة السر أن يأخذ عليها عهدا أن تحبس نفسها عليه ولا تنكح غيره). [تفسير عبد الرزاق: 1/95]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة عن الحسن في قوله تعالى لا تواعدوهن سرا قال هو الفاحشة). [تفسير عبد الرزاق: 1/95]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن ليث عن مجاهد في قوله تعالى حتى يبلغ الكتب أجله قال حتى تنقضي العدة). [تفسير عبد الرزاق: 1/96-97]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ليثٍ عن مجاهدٍ {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النساء} قال: أن تقول إنّك لجميلةٌ وإنك لحسينة وإنك لإلى خير.
سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ قال: التّعريض أن تقول: إني أريد أن أتزوج ثلاث مرار). [تفسير الثوري: 69]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن السّدّيّ عن إبراهيم في قوله جلّ وعزّ: {لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: الزنا [الآية: 235]). [تفسير الثوري: 69]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن التّيميّ عن أبي مجلزٍ في قول اللّه جلّ وعزّ: {ولا تواعدوهن سرا} قال: الزنا.
سفيان [الثوري] عن سلمة بن كهيلٍ عن سعيد بن جبيرٍ قال: لا تقاصيها على كذى وكذى أن لا تتزوج غيرك [الآية: 235].
سفيان [الثوري] عن ليثٍ عن مجاهدٍ أنّه كان يكره أن يقول: لا تسبقيني بنفسك).
سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن إبراهيم قال: قال رجلٌ لامرأةٍ وهي في جنازةٍ: لا تسبقيني بنفسك قالت: قد سبقت). [تفسير الثوري: 70]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ليثٍ عن مجاهدٍ في قوله جلّ وعزّ: {حتّى يبلغ الكتاب أجله} قال: العدة [الآية: 235]). [تفسير الثوري: 70]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنّكم ستذكرونهنّ ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا إلّا أن تقولوا قولًا معروفًا} ]
- (حدّثنا سعيدٌ؛ قال: نا هشيم، قال: نا إسماعيل بن سالمٍ، عن الشّعبي، قال: سمعته يقول ) - في قوله عزّ وجلّ: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} - قال: ((لا تأخذ ميثاقها ألّا تنكح غيرك، ولا توجب العقدة حتى تنقضي العدّة)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا منصورٌ، عن الحسن.
- وأنا جويبر، عن الضّحّاك.
- والتّيمي، عن أبي مجلز.
- وأنا مخبر، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، ويحدّث عن عطاءٍ، أنّهم قالوا: ((هو الزّنا)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ - في قوله تعالى: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} - قال: ((لا يخطبها في عدّتها)). {إلّا أن تقولوا قولًا معروفًا}، يقول: ((إنّك لجميلةٌ، وإنّك لفي منصب، وإنك لمرغوب فيك)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن شعبة، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ - في قوله عزّ وجلّ: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} - قال: ((التّعريض ما لم ينصب للخطبة)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن زيادٍ، قال: نا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن ابن جبير قال: ((يقول: إنّي أريد أن أتزوّج، وإن تزوجت أحسنت إلى امرأتي)) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/873-882]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء}.
يعني تعالى ذكره بذلك: ولا جناح عليكم أيّها الرّجال فيما عرّضتم به من خطبة النّساء للنّساء المعتدّات، من وفاة أزواجهنّ في عددهنّ، ولم تصرّحوا بعقد نكاحٍ.
والتّعريض الّذي أبيح في ذلك هو ما؛
- حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قال: التّعريض أن يقول: إنّي أريد التّزويج، وإنّي لأحبّ امرأةً من أمرها وأمرها، يعرّض لها بالقول بالمعروف.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {لا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قال: إنّي أريد أن أتزوّج.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا شعبة، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: التّعريض ما لم ينصب للخطبة قال مجاهدٌ: قال رجلٌ لامرأةٍ في جنازة زوجها لا تسبقيني بنفسك، قالت: قد سبقت.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: في هذه الآية: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قال: التّعريض ما لم ينصب للخطبة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قال: التّعريض: أن يقول للمرأة في عدّتها: إنّي لا أريد أن أتزوّج غيرك إن شاء اللّه، ولوددت أنّي وجدت امرأةً صالحةً، ولا ينصب لها ما دامت في عدّتها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} يقول: يعرّض لها في عدّتها، يقول لها: إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك، ولوددت أنّ اللّه قد هيّأ بيني وبينك، ونحو هذا من الكلام فلا حرج.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم العسقلانيّ، قال: حدّثنا شعبة، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قال: هو أن يقول لها في عدّتها: إنّي أريد التّزويج، ووددت أنّ اللّه رزقني امرأةً ونحو هذا، ولا ينصب للخطبة.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن عونٍ، عن محمّدٍ، عن عبيدة في هذه الآية قال: يذكرها إلى وليّها يقول: لا تسبقيني بها.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قال: يقول: إنّك لجميلةٌ، وإنّك لنافقةٌ، وإنّك إلى خيرٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، أنّه كره أن يقول: لا تسبقيني بنفسك.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى ذكره: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قل: هو قول الرّجل للمرأة: إنّك لجميلةٌ، وإنّك لنافقةٌ، وإنّك لاءلى خيرٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمرٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قال: يعرّض للمرأة في عدّتها فيقول: واللّه إنّك لجميلةٌ، وإنّ النّساء لمن حاجتي، وإنّك إلى خيرٍ إن شاء اللّه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا شعبة، عن سلمة بن كهيلٍ، عن مسلمٍ البطين، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: هو قول الرّجل: إنّي أريد أن أتزوّج، وإنّي إن تزوّجت أحسنت إلى امرأتي، هذا التّعريض.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا شعبة، عن سلمة بن كهيلٍ، عن مسلمٍ البطين، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قال: يقول: لأعطينّك، لأحسننّ إليك، لأفعلنّ بك كذا وكذا.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: سمعت يحيى بن سعيدٍ، قال: أخبرني عبد الرّحمن بن القاسم، في قوله: {فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قال: قول الرّجل للمرأة في عدّتها يعرّض بالخطبة: واللّه إنّي فيك لراغبٌ، وإنّي عليك لحريصٌ، ونحو هذا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الوهّاب الثّقفيّ، قال: سمعت يحيى بن سعيدٍ، يقول: أخبرني عبد الرّحمن بن القاسم، أنّه، سمع القاسم بن محمّدٍ، يقول: {فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} هو قول الرّجل للمرأة: إنّك لجميلةٌ، وإنّك لنافقةٌ، وإنّك إلى خيرٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: كيف يقول الخاطب؟ قال: يعرّض تعريضًا ولا يبوح بشيءٍ، يقول: إنّ لي حاجةً وأبشري، وأنت بحمد اللّه نافقةٌ، ولا يبوح بشيءٍ. قال عطاءٌ: وتقول هي: قد أسمع ما تقول. ولا تعدّه شيئًا، ولا تقول: لعلّ ذاك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن القاسم: أنّه، سمع القاسم، يقول: في المرأة يتوفّى عنها زوجها، والرّجل يريد خطبتها، ويريد كلامها ما الّذي يجمل به من القول؟ قال: يقول: إنّي فيك لراغبٌ، وإنّي عليك لحريصٌ، وإنّي بك لمعجبٌ، وأشباه هذا من القول.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، في قوله: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قال: لا بأس بالهديّة في تعريض النّكاح.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا مغيرة، قال:، كان إبراهيم، لا يرى بأسًا أن يهدي لها في العدّة إذا كانت من شأنه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن عامرٍ، في قوله: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قال: يقول: إنّك لنافقةٌ، وإنّك لمعجبةٌ، وإنّك لجميلةٌ، وإن قضى اللّه شيئًا كان.
- حدّثنا عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، قوله: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قال: كان إبراهيم النّخعيّ يقول: إنّك لمعجبةٌ، وإنّي فيك لراغبٌ.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: وأخبرني - يعني - شبيب بن سعيدٍ، عن شعبة، عن منصورٍ، عن الشّعبيّ أنّه قال في هذه الآية: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قال: لا تأخذ ميثاقها ألاّ تنكح غيرك.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قال: كان أبي، يقول: كلّ شيءٍ كان دون أن يعزما عقدة النّكاح، فهو كما قال اللّه تعالى ذكره: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، وحدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا زيدٌ، جميعًا، عن سفيان، قوله: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} والتّعريض فيما سمعنا: أن يقول الرّجل وهي في عدّتها: إنّك لجميلةٌ، إنّك إلى خيرٍ، إنّك لنافقةٌ، إنّك لتعجبيني، ونحو هذا، فهذا التّعريض.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عبد الرّحمن بن سليمان، عن خالته سكينة ابنة حنظلة بن عبد اللّه بن حنظلة، قالت: دخل عليّ أبو جعفرٍ محمّد بن عليٍّ، وأنا في، عدّتي، فقال: يا ابنة حنظلة أنا من، علمت قرابتي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وحقّ جدّي عليّ، وقدمي في الإسلام. فقلت: غفر اللّه لك يا أبا جعفرٍ أتخطبني في عدّتي، وأنت يؤخذ عنك فقال: أو قد فعلت؟ إنّما أخبرك بقرابتي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وموضعي، قد دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أمّ سلمة وكانت عند ابن عمّها أبي سلمة، فتوفّي عنها، فلم يزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يذكر لها منزلته من اللّه وهو متحاملٌ على يده حتّى أثّر الحصير في يده من شدّة تحامله على يده، فما كانت تلك خطبةً.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، قال: حدّثني عقيلٌ، عن ابن شهاب: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قال: لا جناح على من عرّض لهنّ بالخطبة قبل أن يحللن إذا كنّوا في أنفسهم من ذلك.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني مالكٌ، عن عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه، أنّه كان يقول: في قول اللّه تعالى ذكره: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} أن يقول الرّجل للمرأة وهي في عدّة من وفاة زوجها: إنّك عليّ لكريمةٌ، وإنّي فيك لراغبٌ، وإنّ اللّه سائقٌ إليك خيرًا ورزقًا، ونحو هذا من الكلام.
واختلف أهل العربيّة في معنى الخطبة. فقال بعضهم: الخطبة: الذّكر، والخطبة: التّشهّد.
وكأنّ قائل هذا القول تأوّل الكلام: ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من ذكر النّساء عندهن.
وقد زعم صاحب هذا القول أنّه قال: لا تواعدوهنّ سرًّا لأنّه لمّا قال: لا جناح عليكم، كأنّه قال: اذكروهنّ، ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا.
وقال آخرون منهم: الخطبة من قولهم خطب فلان فلانه يخطبها خطبةً وخطبًا، قال: وقول اللّه تعالى ذكره: {قال فما خطبك يا سامريّ} يقال: إنّه من هذا. قال: وأمّا الخطبة، فهو المخطوب من قولهم. خطب على المنبر واختطب.
قال أبو جعفرٍ: والخطبة عندي هي الفعلة من قول القائل: خطبت فلانة، كالجلسة من قوله: جلس، أو القعدة من قوله: قعد.
ومعنى قولهم: خطب فلانٌ فلانة سألها خطبةً إليها في نفسها، وذلك حاجته من قولهم: ما خطبك؟ بمعنى: ما حاجتك وما أمرك؟.
وأمّا التّعريض فهو ما كان من لحن الكلام الّذي يفهم به السّامع الفهم ما يفهم بصريحه). [جامع البيان: 4/261-269]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو أكننتم في أنفسكم}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {أو أكننتم في أنفسكم} أو أخفيتم في أنفسكم، فأسررتموه من خطبتهنّ، وعزم نكاحهنّ وهنّ في عددهنّ، فلا جناح عليكم أيضًا في ذلك إذا لم تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله.
يقال منه: أكنّ فلانٌ هذا الأمر في نفسه، فهو يكنّه إكنانًا، وكنّه: إذا ستره، يكنّه كنًّا وكنونًا، وجلس في الكنّ. ولم يسمع: كننته في نفسي، وإنّما يقال: كننته في البيت أو في الأرض: إذا خبّأته فيه، ومنه قوله تعالى ذكره: {كأنّهنّ بيضٌ مكنونٌ} أي مخبوءٌ، ومنه قول الشّاعر:
ثلاثٌ من ثلاث قدامياتٍ = من اللاّئي تكنّ من الصقيع
وتكنّ بالتّاء المضمومه هو أجود ويكنّ.
ويقال: أكنّته ثيابه من البرد، وأكنّه البيت من الرّيح.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أو أكننتم في أنفسكم} قال: الإكنان: ذكر خطبتها في نفسه لا يبديه لها، هذا كلّه حلٌّ معروفٌ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {أو أكننتم في أنفسكم} قال: أن يدخل فيسلّم، ويهدي إن شاء ولا يتكلّم بشيءٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب الثّقفيّ، قال: سمعت يحيى بن سعيدٍ، يقول: أخبرني عبد الرّحمن بن القاسم، أنّه سمع القاسم بن محمّدٍ، يقول، فذكر نحوه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {أو أكننتم في أنفسكم} قال: جعلت في نفسك نكاحها، وأضمرت ذلك.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، وحدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا زيدٌ، جميعًا، عن سفيان: {أو أكننتم في أنفسكم} أن يسرّ في نفسه أن يتزوّجها.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا هوذة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، في قوله: {أو أكننتم في أنفسكم} قال: أسررتم.
قال أبو جعفرٍ: وفي إباحة اللّه تعالى ذكره ما أباح من التّعريض بنكاح المعتدّة لها في حال عدّتها وحظره التّصريح، ما أبان عن افتراق حكم التّعريض في كلّ معاني الكلام وحكم التّصريح منه.
وإذا كان ذلك كذلك تبيّن أنّ التّعريض بالقذف غير التّصريح به، وأنّ الحدّ بالتّعريض بالقذف لو كان واجبًا وجوبه بالتّصريح به لوجب من الجناح بالتّعريض بالخطبة في العدّة نظير الّذي يجب بعزم عقدة النّكاح فيها، وفي تفريق اللّه تعالى ذكره بين حكميها في ذلك الدّلالة الواضحة على افتراق أحكام ذلك في القذف). [جامع البيان: 4/269-271]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: علم اللّه أنّكم ستذكرون المعتدّات في عددهنّ بالخطبة في أنفسكم وبألسنتكم.
- كما حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن: {علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ} قال: الخطبة.
- حدّثني أبو السّائب سلم بن جنادة، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قال: ذكرك إيّاها في نفسك. قال: فهو قول اللّه: {علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، في قوله: {علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ} قال: هي الخطبة). [جامع البيان: 4/271-272]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا}.
اختلف أهل التّأويل في معنى السّرّ الّذي نهى اللّه تعالى عباده عن مواعدة المعتدّات به، فقال بعضهم: هو الزّنى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا همّامٌ، عن صالحٍ الدّهّان، عن جابر بن زيدٍ: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: الزّنى.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي مجلزٍ، قوله: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: الزّنى.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، قال: حدّثنا سليمان التّيميّ، عن أبي مجلزٍ مثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن سليمان التّيميّ، عن أبي مجلزٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي مجلزٍ: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: الزّنا قيل لسفيان التّيميّ: ذكره؟ قال: نعم.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر، عن أبيه، عن رجلٍ، عن الحسن، في المواعدة مثل قوله أبي مجلزٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، قال: الزّنى.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، قال: حدّثنا أشعث، وعمران، عن الحسن، مثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، ويحيى، قالا: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، قال: سمعت إبراهيم، يقول: {لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: الزّنى.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، عن إبراهيم، مثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: الزّنى.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: الزّنى.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمرٍ، عن قتادة، عن الحسن، في قوله: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: الفاحشة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، وحدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك: {لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: السّرّ: الزّنى.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: فذلك السّرّ: الزّنية، كان الرّجل يدخل من أجل الزّنية وهو يعرّض بالنّكاح، فنهى اللّه عن ذلك، إلاّ من قال معروفًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا منصورٌ، عن الحسن، وجويبرٍ، عن الضّحّاك وسليمان التّيميّ، عن أبي مجلزٍ، أنّهم قالوا: الزّنى.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} للفحش، والخضع من القول.
حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، عن الحسن: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: هو الفاحشة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تأخذوا ميثاقهنّ، وعهودهنّ في عددهنّ أن لا ينكحن غيركم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {لا تواعدوهنّ سرًّا} يقول: لا تقل لها إنّي عاشقٌ، وعاهديني أن لا تتزوّجي غيري، ونحو هذا.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن مسلمٍه بن كهين، عن مسلمٍ البطين، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: لا تقاصها على كذا وكذا على ألا تتزوّج غيرك.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن عامرٍ، ومجاهدٍ، وعكرمة، قالوا: لا يأخذ ميثاقها في عدّتها أن لا تتزوّج غيره.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن منصورٍ، قال: ذكر لي، عن الشّعبيّ، أنّه قال في هذه الآية: {لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: لا تأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيرك.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن الشّعبيّ: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: لا يأخذ ميثاقها في أن لا تتزوّج غيره.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالمٍ، عن الشّعبيّ، قال: سمعته يقول في قوله: {لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: لا تأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيرك، ولا توجب العقدة حتّى تنقضي العدّة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن الشّعبيّ: {لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: لا يأخذ عليها ميثاقًا أن لا تتزوّج غيره.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} يقول: أمسكي عليّ نفسك، فأنا أتزوّج، ويأخذ عليها عهدًا أن لا تنكحي غيري.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: هذا في الرّجل يأخذ عهد المرأة وهي في عدّتها أن لا تنكح غيره، فنهى اللّه عن ذلك، وقدّم فيه وأحلّ الخطبة، والقول المعروف، ونهى عن الفاحشة، والخضع من القول.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، وحدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا زيدٌ، جميعًا، عن سفيان: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: إن تواعدها سرًّا على كذا وكذا على أن لا تنكحي غيري.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمرٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: موعدة السّرّ: أن يأخذ عليها عهدًا، وميثاقًا أن تحبس نفسها عليه، ولا تنكح غيره.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن يقول لها الرّجل: لا تسبقيني بنفسك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: قول الرّجل للمرأة: لا تفوتيني بنفسك، فإنّي ناكحك. هذا لا يحلّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: هو قول الرّجل للمرأة: لا تفوتيني.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: المواعدة أن يقول: لا تفوتيني بنفسك.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} أن يقول: لا تفوتيني بنفسك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا تنكحوهنّ في عدّتهنّ سرًّا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} يقول: لا تنكحوهنّ سرًّا، ثمّ تمسكها حتّى إذا حلّت أظهرت ذلك وأدخلتها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} قال: كان أبي، يقول: لا تواعدوهنّ سرًّا، ثمّ تمسكها، وقد ملكت عقدة نكاحها، فإذا حلّت أظهرت ذلك وأدخلتها.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال بالصّواب في تأويل ذلك، تأويل من قال: السّرّ في هذا الموضع: الزّنا؛ وذلك أنّ العرب تسمّي الجماع، وغشيان الرّجل المرأة سرًّا، لأنّ ذلك ممّا يكون بين الرّجال والنّساء في خفاءٍ غير ظاهرٍ مطّلعٍ عليه، فيسمّى لخفائه سرًّا.
من ذلك قول رؤبة بن العجّاج:
فعفّ عن أسرارها بعد العسق = ولم يضعها بين فركٍ وعشق
يعني بذلك: عفّ عن غشيانها بعد طول ملازمته ذلك.
ومنه قول الحطيئة:
ويحرم سرّ جارتهم عليهم = ويأكل جارهم أنف القصاع
وكذلك يقال لكلّ ما أخفاه المرء في نفسه سرٌّ.
ويقال: هو في سرّ قومه، يعني في خيارهم وشرفهم.
فلمّا كان السّرّ إنّما يوجّه في كلامها إلى أحد هذه الأوجه الثّلاثة، وكان معلومًا أنّ أحدهنّ غير معنيٍّ به قوله: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} وهو السّرّ الّذي هو معنى الخيار والشّرف، فلم يبق إلاّ الوجهان الآخران وهو السّرّ الّذي بمعنى ما أخفته نفس المواعدين المتواعدين، والسّرّ الّذي بمعنى الغشيان، والجماع. فلمّا لم يبق غيرهما، وكانت الدّلالة واضحةً على أنّ أحدهما غير معنيٍّ به صحّ أنّ الآخر هو المعنيّ به.
فإن قال قائلٌ: فما الدّلالة على أنّ مواعدة القول سرًّا غير معنيٍّ به على ما قال من قال: إنّ معنى ذلك: أخذ الرّجل ميثاق المرأة أن لا تنكح غيره، أو على ما قال من قال: قول الرّجل لها: لا تسبقيني بنفسك؟
قيل: لأنّ السّرّ إذا كان بالمعنى الّذي تأوّله قائلو ذلك، فلن يخلو ذلك السّرّ من أن يكون هو مواعدة الرّجل المرأة ومسألته إيّاها أن لا تنكح غيره، أو يكون هو النّكاح الّذي سألها أنّ تجيبه إليه بعد انقضاء عدّتها وبعد عقدة له دون النّاس غيره. فإن كان السّرّ الّذي نهى اللّه الرّجل أن يواعد المعتدّات هو أخذ العهد عليهنّ أن لا ينكحن غيره، فقد بطل أن يكون السّرّ معناه ما أخفي من الأمور في النّفوس، أو نطق به فلم يطّلع عليه، وصارت العلانية من الأمر سرًّا، وذلك خلاف المعقول في لغة من نزل القرآن بلسانه، إلاّ أن يقول قائلٌ هذه المقالة: إنّما نهى اللّه الرّجال عن مواعدتهنّ ذلك سرًّا بينهم وبينهنّ، لا أنّ نفس الكلام بذلك، وإن كان قد أعلن سرٌّ.
فيقال له: إن قال ذلك فقد يجب أن تكون جائزةً مواعدتهنّ النّكاح والخطبة صريحًا علانيةً، إذ كان المنهيّ عنه من المواعدة إنّما هو ما كان منها سرًّا. فإن قال: إنّ ذلك كذلك خرج من قول جميع الأمّة؛ على أنّ ذلك ليس من قيل أحدٍ ممّن تأوّل الآية أنّ السّرّ ها هنا بمعنى المعاهدة أن لا تنكح غير المعاهد.
وإن قال: ذلك غير جائزٍ. قيل له: فقد بطل أن يكون معنى ذلك: إسرار الرّجل إلى المرأة بالمواعدة، لأنّ معنى ذلك لو كان كذلك لم يحرم عليه مواعدتها مجاهرةً وعلانيةً، وفي كون ذلك عليه محرّمًا سرًّا وعلانيةً ما أبان أنّ معنى السّرّ في هذا الموضع غير معنى إسرار الرّجل إلى المرأة بالمعاهدة، أن لا تنكح غيره إذا انقضت عدّتها؛ أو يكون إذا بطل هذا الوجه، معنى ذلك: الخطبة، والنّكاح الّذي وعدت المرأة الرّجل أن لا تعدوه إلى غيره، فذلك إذا كان، فإنّما يكون بوليٍّ، وشهودٍ علانيةً غير سرٍّ، وكيف يحوز أن يسمّى سرًّا وهو علانيةٌ لا يجوز إسراره؟
وفي بطول هذه الأوجه أن تكون تأويلاً لقوله {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} بما عليه دلّلنا من الأدلّة وضوح صحّة تأويل ذلك أنّه بمعنى الغشيان، والجماع.
وإذا كان ذلك صحيحًا، فتأويل الآية: ولا جناح عليكم أيّها النّاس فيما عرّضتم به للمعتدّات من وفاة أزواجهنّ من خطبة النّساء، وذلك حاجتكم إليهنّ، فلم تصرّحوا لهنّ بالنّكاح والحاجة إليهنّ إذا أكننتم في أنفسكم، فأسررتم حاجتكم إليهنّ وخطبتكنّ إيّاهنّ في أنفسكم ما دمن في عددهنّ، علم اللّه أنّكم ستذكرون خطبتهنّ وهنّ في عددهنّ. فأباح لكم التّعريض بذلك لهنّ، وأسقط الحرج عمّا أضمرته نفوسكم حكم منه، ولكن حرّم: عليكم أن تواعدوهنّ جماعًا في عددهنّ، بأن يقول أحدكم لإحداهنّ في عدّتها. قد تزوّجتك في نفسي، وإنّما أنتظر إنقضاء عدّتك، فيسألها بذلك القول إمكانه من نفسها الجماع، والمباضعة، فحرّم اللّه تعالى ذكره ذلك). [جامع البيان: 4/272-281]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى. {إلاّ أن تقولوا قولاً معروفًا}.
قال أبو جعفرٍ: ثمّ قالا تعالى ذكره. {إلاّ أن تقولوا قولاً معروفًا} فاستثنى القول المعروف ممّا نهي عنه، من مواعدة الرّجل المرأة السّرّ، وهو من غير جنسه؛ ولكنّه من الاستثناء الّذي قد ذكرت قبل أنّه يأتي بمعنًى خلاف الّذي قبله في الصّفة خاصّةً، وتكون إلاّ فيه بمعنى لكن فقوله: {إلاّ أن تقولوا قولاً معروفًا} منه: ومعناه: ولكن قولوا قولاً معروفًا. فأباح اللّه تعالى ذكره أن يقول لها المعروف من القول في عدّتها، وذلك هو ما أذن له بقوله: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء}.
- كما حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن سلمة بن كهيلٍ، عن مسلمٍ البطين، عن سعيد بن جبيرٍ: {إلاّ أن تقولوا، قولاً معروفًا} قال: يقول: إنّي فيك لراغبٌ، وإنّي لأرجو أن نجتمع.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {إلاّ أن تقولوا، قولاً معروفًا} قال: هو قوله: إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {إلاّ أن تقولوا، قولاً معروفًا} قال: يعني التّعريض.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {إلاّ أن تقولوا قولاً معروفًا} قال: يعني التّعريض.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} إلى {حتّى يبلغ الكتاب أجله} قال: هو الرّجل يدخل على المرأة وهي في عدّتها، فيقول: واللّه إنّكم لأكفاء كرامٌ، وإنّكم لرعةٌ، وإنّك لتعجبيني، وإن يقدّر شيءٌ يكن. فهذا القول المعروف.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، وحدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا زيدٌ، قالا جميعًا: قال سفيان: {إلاّ أن تقولوا قولاً معروفًا} قال: يقول: إنّي فيك لراغبٌ، وإنّي أرجو إن شاء اللّه أن نجتمع.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {إلاّ أن تقولوا قولاً معروفًا} قال: يقول: إنّ لك عندي كذا، ولك عندي كذا، وأنا معطيك كذا وكذا. قال: هذا كلّه وما كان قبل أن يعقد عقدة النّكاح، فهذا كلّه نسخه قوله: {ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله}.
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك: {إلاّ أن تقولوا، قولاً معروفًا} قال: المرأة تطلّق، أو يموت عنها زوجها، فيأتيها الرّجل فيقول: احبسي عليّ نفسك، فإنّ لي بك رغبةً، فتقول: وأنا مثل ذلك. فتتوّق نفسه لها، فذلك القول المعروف). [جامع البيان: 4/281-283]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ولا تعزموا عقدة النّكاح} ولا تصحّحوا عقدة النّكاح في عدّة المرأة المعتدّة، فتوجبوها بينكم وبينهنّ، وتعقدوها قبل انقضاء العدّة {حتّى يبلغ الكتاب أجله} يعني: يبلغن أجل الكتاب الّذي بيّنه اللّه تعالى ذكره بقوله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} فجعل بلوغ الأجل للكتاب والمعنى: للمتناكحين أن لا ينكح الرّجل المرأة المعتدّة فيعزم عقدة النّكاح عليها حتّى تنقضي عدّتها، فيبلغ الأجل الّذي أجّله اللّه في كتابه لانقضائها.
- كما: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، وعمرو بن عليٍّ، قالا: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن الثّوريّ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {حتّى يبلغ الكتاب أجله} قال: حتّى تنقضي العدّة.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {حتّى يبلغ الكتاب أجله} قال: حتّى تنقضي أربعة أشهرٍ وعشرٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {حتّى يبلغ الكتاب أجله} قال: حتّى تنقضي العدّة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {حتّى يبلغ الكتاب أجله} قال: تنقضي العدّة.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله} قال: حتّى تنقضي العدّة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قوله: {حتّى يبلغ الكتاب أجله} قال: لا يتزوّجها حتّى يخلو أجلها.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا أبو قتيبة، قال: حدّثنا يونس بن أبي إسحاق، عن الشّعبيّ، في قوله: {ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله} قال: مخافة أن تتزوّج المرأة قبل انقضاء العدّة.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله} حتّى تنقضي العدّة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، وحدّثني عليٌّ، قال. حدّثنا زيدٌ، جميعًا، عن سفيان، قوله: {حتّى يبلغ الكتاب أجله} قال: حتّى تنقضي العدّة). [جامع البيان: 4/283-285]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أنّ اللّه غفورٌ حليمٌ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: واعلموا أيّها النّاس أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم من هواهنّ، ونكاحهنّ، وغير ذلك من أموركم {فاحذروه} يقول: فاحذروا اللّه واتّقوه في أنفسكم أن تأتوا شيئًا ممّا نهاكم عنه من عزم عقدة نكاحهنّ، أو مواعدتهنّ السّرّ في عددهنّ، وغير ذلك ممّا نهاكم عنه في شأنهنّ في حال ما هنّ معتدّاتٌ، وفي غير ذلك. {واعلموا أنّ اللّه غفورٌ} يعني أنّه ذو سترٍ لذنوب عباده وتغطيةٍ عليها فيما تكنّه نفوس الرّجال من خطبة المعتدّات وذكرهم إيّاهنّ في حال عددهنّ، وفي غير ذلك من خطاياهم.
وقوله {حليمٌ} يعني أنّه ذو أناةٍ لا يعجّل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم). [جامع البيان: 4/286]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء أو أكننتم في أنفسكم علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا إلّا أن تقولوا قولًا معروفًا ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أنّ اللّه غفورٌ حليمٌ (235)
قوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه تعالى: ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء قال: هو التّعريض في العدّة، ما لم ينصب للخطبة.
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن أبيه، عن منصورٍ عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النساء قال: يقول لها في العدّة: أنّ من شأني النّساء ولوددت أنّ اللّه ييسّر لي امرأةً صالحةً من غير أن ينصب لها.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا ابن أبي شيبة، ثنا معاوية بن هشامٍ، عن عمارة بن رزيقٍ عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء فقال: يقول: إنّي فيك لراغبٌ، ولوددت أنّي تزوّجتك، حتّى يعلمها أنّه يريد تزويجها، من غير أن يوجب عقدًا، أو يعاهدها على عهدٍ.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن يحي بن سعيدٍ عن عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء
قال: يقول لها في العدّة: إنّي فيك لراغبٌ وإنّي عليك لحريصٌ، ونحو ذا قال أبو محمّدٍ وروي عن مجاهدٍ وطاوسٍ والشّعبيّ وعكرمة والحسن وسعيد بن جبيرٍ وإبراهيم والزّهريّ ويزيد بن قسطٍ ومقاتل بن حيّان وقتادة والقاسم، نحو حديث ابن عبّاسٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/438-439]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: أو أكننتم في أنفسكم
- حدّثنا المنذر بن شاذان، حدّثني هوذة أبنا عوفٌ عن الحسن أو أكننتم في أنفسكم قال: يقول: أسررتم.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله:
أو أكننتم في أنفسكم أن يدخل فيسلّم ويهدي إن شاء ولا يتكلّم بشيءٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/439]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: علم اللّه أنّكم ستذكرونهن
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ قال: بالخطبة.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن إدريس، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ قال: ذكره إيّاها في نفسه). [تفسير القرآن العظيم: 1/439]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا يقول: عاهديني ألا تتزوّجي غيري، ونحو هذا.
وروي عن مجاهدٍ والشّعبيّ وأبي الضّحى والضّحّاك وسعيد بن جبيرٍ وابن شهابٍ وعكرمة، قالوا: لا يأخذ ميثاقها أن لا تتزوّج غيره.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن عمران بن حديرٍ، عن أبي مجلزٍ والحسن ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا قال: الزنا. وروي عن إبراهيم وجابر ابن زيد وقتادة سليمان التّيميّ ومقاتل بن حيّان والسّدّيّ وأحد قولي الضّحّاك، نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيبٌ، عن خالدٍ عن محمّد بن سيرين، في قوله: ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا قال: تلقى الوليّ فتذكر رغبةً وحرصًا. وروي عن عطاءٍ، نحو ذلك.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا المسيّب بن واضحٍ، ثنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ قلت لعطاءٍ: أيواعد وليّها بغير علمها؟ فإنّها مالكةٌ لأمرها، قال: لا إنّي لأكره ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/439-440]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: إلا أن تقولوا قولا معروفًا
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال اللّه: إلا أن تقولوا قولا معروفًا وهو قوله: أرأيت ألا تسبقيني وإنّي لك عاشقٌ.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ ويزيد بن سنانٍ البصريّ، قالا ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن سلمة بن كهيلٍ، عن مسلمٍ البطين عن سعيد بن جبيرٍ إلا أن تقولوا قولا معروفًا قال: يقول: إنّي فيك لراغبٌ، وإنّي لأرجو أن نجتمع. وروي عن مجاهدٍ وعبد الرّحمن بن القاسم وأبي الضّحى وقتادة والزّهريّ ومقاتل بن حيّان وزيد بن أسلم وإبراهيم النّخعيّ وعطاءٍ والضّحّاك والشّعبيّ والسّدّيّ، نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا محمّد بن المثنّى، ثنا معاذ بن معاذٍ، عن ابن عونٍ، عن محمّد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن هذه الآية: إلا أن تقولوا قولا معروفًا قال: أن يقول لوليّها: لا تسبقني بها. يعني: لا تزوّجها حتّى تعلمني). [تفسير القرآن العظيم: 1/440-441]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولا تعزموا عقدة النكاح
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، قوله: ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله قال: لا تواعدها في عدّتها: إنّي أتزوّجك، حتّى تنقضي عدّتها. وروي عن زيد بن أسلم، نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى، أبنا هشام بن يوسف، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ ولا تعزموا عقدة النّكاح قال: لا تنكحوا. وروي عن مقاتل بن حيّان والحسن، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/441]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: حتّى يبلغ الكتاب أجله
- حدّثنا أبي ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا هشام بن يوسف، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ حتّى يبلغ الكتاب أجله قال حتّى تنقضي العدّة. وروي عن الحسن ومجاهدٍ وأبي مالكٍ والضّحّاك والشّعبيّ والرّبيع بن أنسٍ وزيد بن أسلم والسّدّيّ وقتادة ومقاتل بن حيّان والزّهريّ وعطاءٍ الخراسانيّ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/441]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أنّ اللّه غفورٌ حليمٌ
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا أبو وهبٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قوله: واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه أن تركبوا معصيته واعلموا أن الله غفور حليم
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا مهران، عن المبارك، عن سعيد بن المهاجر بن الأسود، عن قتادة واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه يقول: وعيدٌ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: غفورٌ قال: للذّنوب الكثيرة أو الكبيرة. قال أبو محمّدٍ: وروي عن سعيد بن جبيرٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/441-442]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: حليمٌ
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: أخبر اللّه عزّ وجلّ عباده، بحلمه وعفوه وكرمه وسعة رحمته ومغفرته). [تفسير القرآن العظيم: 1/442]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء قال هو قول الرجل للمرأة في عدتها إنك لجميلة وإنك لتعجبين ويضمر خطبتها ولا يبديه لها هذا كله حل معروف ولكن لا تواعدوهن سرا يقول لا يقول لها لا تسبقيني بنفسك فإني ناكحك هذا لا يحل). [تفسير مجاهد: 109-110]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) ابن عباس رضي الله عنهما قال: في قوله تعالى: {فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} [البقرة: 235]، هو أن يقول: إنّي أريد التّزوّج، [وإنّ النّساء لمن حاجتي ]، ولوددت أن تيسّر لي امرأةٌ صالحةٌ. أخرجه البخاري). [جامع الأصول: 2/48-49]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم.
أخرج وكيع والفريابي وعبد الرزاق وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد والبخاري، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء} قال: التعريض أن يقول إني أريد التزويج وإني لأحب امرأة من أمرها وأمرها وإن من شأني النساء لوددت أن الله يسر لي امرأة صالحة من غير أن ينصب لها.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: يعرض لها في عدتها يقول لها: إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك ولوددت أن الله قد هيأ بيني وبينك ونحو هذا من الكلام فلا حرج
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن ابن عباس {ولا جناح عليكم فيما عرضتم} قال: يقول: إني فيك راغب ولوددت أني تزوجتك حتى يعلمها أن يريد تزويجها من غير أن يوجب عقدة أو يعاهدها على عهد.
وأخرج مالك والشافعي، وابن أبي شيبة والبيهقي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، أنه كان يقول في قول الله {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء} أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها: إنك علي كريمة وإني فيك راغب والله سائق إليك خيرا أو رزقا أو نحو هذا من القول.
وأخرج ابن ابي شيبة عن إبراهيم قال: لا بأس بالهدية في تعريض النكاح.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن الحسن في قوله {أو أكننتم} قال: أسررتم.
وأخرج عبد الرزاق عن الضحاك، مثله
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {أو أكننتم في أنفسكم} قال: أن يدخل فيسلم ويهدي إن شاء ولا يتكلم بشيء.
وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير عن الحسن في قوله {علم الله أنكم ستذكرونهن} قال: بالخطبة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد في قوله {علم الله أنكم ستذكرونهن} قال: ذكره إياها في نفسه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولكن لا تواعدوهن سرا} قال: لا يقول لها إني عاشق وعاهديني أن لا تتزوجي غيري ونحو هذا {إلا أن تقولوا قولا معروفا} وهو قوله: إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ولكن لا تواعدوهن سرا} قال: الزنا كان الرجل يدخل من أجل الزنا وهو يعرض النكاح.
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن وأبي مجلز والنخعي، مثله.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {لا تواعدوهن سرا} قال: السر: الجماع، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول امرى ء القيس:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني * كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي.

وأخرج البيهقي عن مقاتل بن حيان قال: بلغنا أن معنى {لا تواعدوهن سرا} الرفث من الكلام أي لا يواجهها الرجل في تعريض الجماع من نفسه.
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد في قوله {لا تواعدوهن سرا} قال: الذي يأخذ عليها عهدا أو ميثاقا أن تحبس نفسها ولا تنكح غيره.
وأخرج عن سعيد بن جبير، مثله.
وأخرج سفيان، وابن أبي شيبة عن مجاهد في قوله {لا تواعدوهن سرا} قال: لا يخطبها في عدتها {إلا أن تقولوا قولا معروفا} قال: يقول: إنك لجميلة وإنك لفي منصب وإنك لمرغوب فيك.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {إلا أن تقولوا قولا معروفا} قال: يقول: إنك لجميلة وإنك لإلى خير أو أن النساء من حاجتي
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا تعزموا عقدة النكاح}
قال: لا تنكحوا حتى يبلغ الكتاب أجله قال: حتى تنقضي العدة.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة عن مجاهد، مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن أبي مالك {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} قال: لا يواعدها في عدتها: إني أتزوجك حين تنقضي عدتك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه} قال: وعيد). [الدر المنثور: 3/22-26]

تفسير قوله تعالى: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن الزهري في قوله ومتعوهن على الموسع قدره قال متعتان إحداهما يقضي بهما والأخرى حق على المتقين فمن طلق قبل أن يدخل ويفرض فإنه لم يؤخذ بالمتعة ومن طلق بعدما يدخل أو يفرض فالمتعة حق عليه قال معمر وأخبرني أيوب عن نافع أن ابن عمر قال لا متعة لها إذا فرض لها). [تفسير عبد الرزاق: 1/95]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر وقال الزهري لكل مطلقة متعة). [تفسير عبد الرزاق: 1/96]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ):(وقال ابن عبّاسٍ: (لمستم) و {تمسّوهنّ} [البقرة: 236] و {اللّاتي دخلتم بهنّ} [النساء: 23] ، " والإفضاء: النّكاح "). [صحيح البخاري: 6/50] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال ابن عبّاسٍ لمستم وتمسّوهنّ واللّاتي دخلتم بهنّ والإفضاء النّكاح أمّا قوله لمستم فروى إسماعيل القاضي في أحكام القرآن من طريق مجاهدٍ عن بن عبّاسٍ في قوله تعالى أو لامستم النّساء قال هو الجماع وأخرجه بن أبي حاتمٍ من طريق سعيد بن جبيرٍ بإسنادٍ صحيحٍ وأخرجه عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة عن بن عبّاسٍ قال هو الجماع ولكن اللّه يعفو ويكنى وأما قوله تمسّوهنّ فروى ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن بن عبّاسٍ في قوله تعالى ما لم تمسّوهنّ أي تنكحوهنّ وأمّا قوله دخلتم بهنّ فروى بن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في قوله تعالى اللّاتي دخلتم بهن قال الدّخول النّكاح وأمّا قوله والإفضاء فروى ابن أبي حاتمٍ من طريق بكر بن عبد اللّه المزنيّ عن بن عبّاسٍ في قوله تعالى {وقد أفضى بعضكم إلى بعض} قال الإفضاء الجماع وروى عبد بن حميدٍ من طريق عكرمة عن بن عبّاسٍ قال الملامسة والمباشرة والإفضاء والرّفث والغشيان والجماع كلّه النّكاح ولكنّ اللّه يكنّي وروى عبد الرّزّاق من طريق بكرٍ المزنيّ عن ابن عبّاسٍ إنّ اللّه حييٌّ كريمٌ يكنّي عمّا شاء فذكر مثله لكن قال التّغشّي بدل الغشيان وإسناده صحيحٌ قال الإسماعيليّ أراد بالتّغشّي قوله تعالى فلمّا تغشاها وسيأتي شيءٌ من هذا في النّكاح والّذي يتعلّق بالباب قوله لمستم وهي قراءة الكوفيّين حمزة والكسائيّ والأعمش ويحيى بن وثّابٍ وخالفهم عاصمٌ من الكوفيّين فوافق أهل الحجاز فقرؤوا أو لامستم بالألف ووافقهم أبو عمرو بن العلاء من البصريين). [فتح الباري: 8/272-273] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال ابن عبّاس لامستم وتمسوهن واللآتي دخلتم بهن والإفضاء النّكاح
قال ابن أبي حاتم ثنا أبو سعيد الأشج ثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قوله 6 المائدة {أو لامستم النّساء} قال الجماع
وقال أيضا ثنا أبو سعيد الأشج ثنا المحاربي عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عبّاس قال {ثمّ طلقتموهن من قبل أن تمسّوهنّ} 49 الأحزاب قال إذا طلقتموهن من قبل أن تنكحوهن فلا طلاق
وقال أيضا ثنا أبي ثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن علّي عن ابن عبّاس في قوله 23 : النّساء {من نسائكم اللّاتي دخلتم بهن} قال والدّخول النّكاح وقال أيضا ثنا أبي ثنا محمّد بن مقاتل ثنا وكيع عن سفيان عن عاصم عن بكر بن عبد الله المزنيّ عن ابن عبّاس في قوله 21 النّساء {وقد أفضى بعضكم إلى بعض}
قال الإفضاء الجماع
وقال إسماعيل القاضي ثنا سليمان بن حرب ثنا حمّاد بن سلمة عن عاصم عن عكرمة عن ابن عبّاس قال الملامسة والمباشرة والإفضاء والرفث كله النّكاح ولكن الله عزّ وجلّ كنى
ثنا مسدّد ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا عاصم الأحول عن بكر بن عبد الله قال: قال ابن عبّاس إن الله عزّ وجلّ حييّ كريم يكني عمّا شاء وإن المباشرة والرفث والتغشي والإفضاء واللماس عني به الجماع قال يعني في التغشي قوله {فلمّا تغشاها} 189 الأعراف وبالإفضاء قوله {وقد أفضى بعضكم إلى بعض} 21 النّساء
ثنا مسدّد ثنا يحيى عن ابن جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد عن ابن عبّاس قال أو لامستم النّساء قال هو الجماع). [تغليق التعليق: 4/202-203] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ لمستم وتمسّوهنّ واللاتي دخلتم بهنّ والإفضاء النّكاح
أشار بقول ابن عبّاس هذا إلى أن معنى أربعة ألفاظ في القرآن بمعنى واحد، وهو: النّكاح أي: الوطء. وقوله: لمستم، في محل الرّفع على الابتداء بتقدير قوله: لمستم، وما بعده عطف عليه، وقوله: النّكاح، على أنه خبره، وقد ذكر هذا عن ابن عبّاس بطريق التّعليق. أما اللّفظ الأول: فقد وصله إسماعيل القاضي في (أحكام القرآن) من طريق مجاهد عن ابن عبّاس في قوله تعالى: {أو لمستم النّساء} قال هو الجماع، وروى ابن المنذر حدثنا محمّد بن عليّ حدثنا سعيد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن ابن جبير عن ابن عبّاس أن اللّمس والمس والمباشرة الجماع، وقال ابن أبي حاتم في (تفسيره) . وروي عن عليّ ابن أبي طالب وأبي بن كعب ومجاهد والحسن وطاوس وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير والشعبيّ وقتادة ومقاتل نحو ذلك، وقرأ حمزة والكسائيّ والأعمش ويحيى بن وثاب (لمستم) وقرأ عاصم وأبو عمرو بن العلاء وأهل الحجاز (لامستم) بالألف (وأما اللّفظ الثّاني) : فوصله ابن المنذر وقد مر الآن (وأما اللّفظ الثّالث) : فرواه عليّ بن أبي حاتم من طريق وابن أبي طلحة عن ابن عبّاس في قوله تعالى: {اللّاتي دخلتم بهن} (النّساء: 23) قال الدّخول النّكاح (وأما اللّفظ الرّابع) : فرواه ابن أبي حاتم من طريق بكر بن عبد الله المزنيّ عن ابن عبّاس في قوله تعالى: {وقد أفضى بعضكم إلى بعض} (النّساء: 21) قال: الإفضاء الجماع، وروى ابن المنذر عن عليّ بن عبد العزيز حدثنا حجاج حدثنا حمّاد أخبرنا عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عبّاس، قال: الملامسة والمباشرة والإفضاء والرفث والجماع نكاح ولكن الله يكني). [عمدة القاري: 18/200] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ}.
يعني تعالى ذكره بقوله {لا جناح عليكم} لا حرج عليكم إن طلّقتم النّساء، يقول: لا حرج عليكم في طلاقكم نساءكم وأزواجكم ما لم تمسّوهنّ، يعني بذلك: ما لم تجامعوهنّ. والمماسّة في هذا الموضوع كنايةٌ عن اسم الجماع.
- كما حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، وحدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قالا جميعًا: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: المسّ: الجماع، ولكنّ اللّه يكنّي ما يشاء بما شاء.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: المسّ: النّكاح.
وقد اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل الحجاز والبصرة {ما لم تمسّوهنّ} بفتح التّاء من تمسّوهنّ، وبغير ألفٍ من قولك: مسسته أمسّه مسًّا ومسيسًا ومسّيسى مقصورٌ مشدّدٌ غير مجرى. وكأنّهم اختاروا قراءة ذلك إلحاقًا منهم له بالقراءة المجتمع عليها في قوله: {ولم يمسسني بشرٌ}.
وقرأ ذلك آخرون: (ما لم تماسّوهنّ) بضمّ التّاء والألف بعد الميم إلحاقًا منهم ذلك بالقراءة المجتمع عليها في قوله: {فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسّا} وجعلوا ذلك بمعنى فعل كلّ واحدٍ من الرّجل والمرأة بصاحبه من قولك: ماسست الشّيء أماسه مماسّةً ومساسًا.
والّذي نرى في ذلك أنّهما قراءتان صحيحتا المعنى متّفقتا التّأويل، وإن كان في إحداهما زيادة معنًى غير موجبةٍ اختلافًا في الحكم والمفهوم. وذلك أنّه لا يجهل ذو فهمٍ إذا قيل له: مسست زوجتي أنّ الممسوسة قد لاقى من بدنها بدن الماسّ ما لاقاه مثله من بدن الماسّ، فكلّ واحدٍ منهما وإن أفرد الخبر عنه بأنّه الّذي مسّ صاحبه معقولٌ، بذلك الخبر نفسه أنّ صاحبه المسوّس قد ماسّه، فلا وجه للحكم لإحدى القراءتين مع اتّفاق معانيهما، وكثرة القراءة بكلّ واحدةٍ منهما بأنّها أولى بالصّواب من الأخرى، بل الواجب أن يكون القارئ بأيّتهما قرأ مصيب الحقّ في قراءته.
وإنّما عنى اللّه تعالى ذكره بقوله: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ} المطلّقات قبل الإفضاء إليهنّ في نكاحٍ قد سمّي لهنّ فيه الصّداق.
وإنّما قلنا إنّ ذلك كذلك، لأنّ كلّ منكوحةٍ فإنّما هي إحدى اثنتين إمّا مسمًّى لها الصّداق، أو غير مسمًّى لها ذلك، فعلمنا بالّذي يتلو ذلك من قوله تعالى ذكره أنّ المعنيّة بقوله: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ} إنّما هي المسمّى لها؛ لأنّ المعنيّة بذلك لو كانت غير المفروض لها الصّداق لما كان لقوله: {أو تفرضوا لهنّ فريضةً} معنًى معقولٌ، إذ كان لا معنى لقول قائلٍ: لا جناح عليكم إذا طلّقتم النّساء ما لم تفرضوا لهنّ فريضةً في نكاحٍ لم تماسّوهنّ فيه أو ما لم تفرضوا لهنّ فريضةً. فإذ كان لا معنى لذلك، فمعلومٌ أنّ الصّحيح من التّأويل في ذلك: لا جناح عليكم إن طلّقتم المفروض لهنّ من نسائكم الصّداق قبل أنّ تماسّوهنّ، وغير المفروض لهنّ قبل الفرض). [جامع البيان: 4/286-288]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو تفرضوا لهنّ فريضةً}.
يعني تعالى ذكره بقوله {أو تفرضوا لهنّ} أو توجبوا لهنّ، وبقوله: {فريضةً} صداقًا واجبًا.
- كما: حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {أو تفرضوا لهنّ فريضةً} قال: الفريضة: الصّداق.
وأصل الفرض: الواجب، كما قال الشّاعر:
كانت فريضة ما أتيت كما = كان الزّناء فريضة الرّجم
يعني كما كان الرّجم الواجب من حدّ الزّنا، لذلك قيل: فرض السّلطان لفلانٍ فى ألفين، يعني بذلك أوجب له ذلك ورزقه من الدّيوان). [جامع البيان: 4/289]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ومتّعوهنّ} وأعطوهنّ ما يتمتّعن به من أموالكم على أقداركم ومنازلكم من الغنى، والإقتار.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في مبلغ ما أمر اللّه به الرّجال من ذلك، فقال بعضهم: أعلاه الخادم، ودون ذلك الورق، ودونه الكسوة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: متعة الطّلاق أعلاه الخادم، ودون ذلك الورق، ودون ذلك الكسوة.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن أميّة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ بنحوه.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن داود، عن الشّعبيّ، قوله: {ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} قلت له: ما أوسط متعة المطلّقة؟ قال: خمارها، ودرعها، وجلبابها، وملحفتها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعًا بالمعروف حقًّا على المحسنين} فهذا الرّجل يتزوّج المرأة ولم يسمّ لها صداقًا ثمّ يطلّقها من قبل أن ينكحها، فأمر اللّه سبحانه أنّ يمتّعها على قدر عسره، ويسره، فإن كان موسرًا متّعها بخادمٍ أو شبه ذلك، وإن كان معسرًا متّعها بثلاثة أثوابٍ أو نحو ذلك.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن داود، عن الشّعبيّ، في قوله: {ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} قال: قلت للشّعبيّ: ما وسط ذلك؟ قال: كسوتها في بيتها، درعها، وخمارها، وملحفتها، وجلبابها. قال الشّعبيّ: فكان شريحٌ يمتّع بخمسمائةٍ.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ: أنّ شريحًا، كان يمتّع بخمسمائةٍ قلت لعامرٍ: ما وسط ذلك؟ قال: ثيابها في بيتها درعٌ، وخمارٌ، وملحفةٌ، وجلبابٌ.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن داود، عن عامرٍ الشّعبيّ، أنّه قال: وسطٌ من المتعة ثياب المرأة في بيتها درعٌ، وخمارٌ، وملحفةٌ، وجلبابٌ.
- حدّثنا عمران بن موسى، قال: حدّثنا عبد الوارث، قال: حدّثنا داود، عن الشّعبيّ: أنّ شريحًا متّع بخمسمائةٍ وقال الشّعبيّ: وسطٌ من المتعة درعٌ، وخمارٌ، وجلبابٌ، وملحفةٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، في قوله: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضةً ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعًا بالمعروف حقًّا على المحسنين} قال: هو الرّجل يتزوّج المرأة ولا يسمّي لها صداقًا، ثمّ يطلّقها قبل أن يدخل بها، فلها متاعٌ بالمعروف، ولا صداق لها. قال: أدنى ذلك ثلاثة أثوابٍ درعٌ، وخمارٌ، وجلبابٌ، وإزارٌ.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ} حتّى بلغ: {حقًّا على المحسنين} فهذا في الرّجل يتزوّج المرأة ولا يسمّي لها صداقًا، ثمّ يطلّقها قبل أن يدخل بها، فلها متاعٌ بالمعروف، ولا فريضة لها. وكان يقال: إذا كان واجدًا فلا بدّ من مئزرٍ، وجلبابٍ، ودرعٍ، وخمارٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن صالح بن صالح، قال: سئل عامرٌ: بكم يمتّع الرّجل امرأته؟ قال: على قدر ماله.
- حدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعت حميد بن عبد الرّحمن بن عوفٍ يحدّث عن أمّه، قالت: كأنّي أنظر إلى جاريةٍ سوداء حمّمها عبد الرّحمن أمّ أبي سلمة حين طلّقها قيل لشعبة: ما حمّمها؟ قال. متّعها.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن حميد بن عبد الرّحمن بن عوفٍ عن أمّه بنحوه، عن عبد الرّحمن بن عوفٍ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن ابن سيرين، قال: كان يمتّع بالخادم، أو بالنّفقة، أو الكسوة قال: ومتّع الحسن بن عليٍّ؛ أحسبه قال: بعشرة آلافٍ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن سعد بن إبراهيم: أنّ عبد الرّحمن بن عوفٍ، طلّق امرأته، فمتّعها بالخادم.
- حدّثت عن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، عن سعيد بن أبي أيّوب، قال: حدّثني عقيلٌ، عن ابن شهابٍ، أنّه كان يقول: في متعة المطلّقة: أعلاه الخادم، وأدناه الكسوة، والنّفقة، ويرى أنّ ذلك على ما قال اللّه تعالى ذكره: {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره}.
وقال آخرون: مبلغ ذلك إذا اختلف الزّوج والمرأة فيه قدر نصف صداق مثل تلك المرأة المنكوحة بغير صداقٍ مسمًّى في عقده، وذلك قول أبي حنيفة، وأصحابه.
والصّواب من القول في ذلك ما قاله ابن عبّاسٍ، ومن قال بقوله من أنّ الواجب من ذلك للمرأة المطلّقة على الرّجل على قدر عسره، ويسره، كما قال اللّه تعالى ذكره: {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} لا على قدر المرأة. ولو كان ذلك واجبًا للمرأة على قدر صداق مثلها إلى قدر نصفه لم يكن لقيله تعالى ذكره: {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} معنًى مفهومٌ، ولكان الكلام: ومتّعوهنّ على قدرهنّ وقدر نصف صداق أمثالهنّ.
وفي إعلام اللّه تعالى ذكره عباده أنّ ذلك على قدر الرّجل في عسره، ويسره، لا على قدره، وقدر نصف صداق مثلها ما يبين عن صحّة ما قلنا وفساد ما خالفه. وذلك أنّ المرأة قد يكون صداق مثلها المال العظيم، والرّجل في حال طلاقه إيّاها مقترٌ لا يملك شيئًا، فإن قضي عليه بقدر نصف صداق مثلها ألزم ما يعجز عنه بعض من قد وسّع عليه، فكيف المقدور عليه؟ وإذا فعل ذلك به، كان الحاكم بذلك عليه قد تعدّى حكم قول اللّه تعالى ذكره: {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} ولكنّ ذلك على قدر عسر الرّجل، ويسره، لا يجاوز بذلك خادمٌ أو قيمتها، إن كان الزّوج موسعًا، وإن كان مقترًا فأطاق أدنى ما يكون كسوةً لها، وذلك ثلاث أثوابٍ ونحو ذلك، قضي عليه بذلك، وإن كان عاجزًا عن ذلك فعلى قدر طاقته، وذلك على قدر اجتهاد الإمام العادل عند الخصومة إليه فيه.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله. {ومتّعوهنّ} هل هو على الوجوب، أو على النّدب؟ فقال بعضهم: هو على الوجوب يقضى بالمتعة في مال المطلّق، كما يقضى عليه بسائر الدّيون الواجبة عليه لغيره، وقالوا: ذلك واجبٌ عليه لكلّ مطلّقةٍ كائنةً من كانت من نسائه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان الحسن، وأبو العالية، يقولان: لكلّ مطلقةٍ متاعٌ، دخل بها أو لم يدخل بها، وإن كان قد فرض لها.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن يونس، أنّ الحسن، كان يقول: لكلّ مطلقةٍ متاعٌ، وللّتي طلّقها قبل أن يدخل بها ولم يفرض لها.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ، في هذه الآية: {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف حقًّا على المتّقين} قال: كلّ مطلقةٍ متاعٌ بالمعروف حقًّا على المتّقين.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ، يقول. لكلّ مطلقةٍ متاعٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال. كان أبو العالية، يقول: لكلّ مطلقةٍ متعةٌ وكان الحسن، يقول: لكلّ مطلقةٍ متعةٌ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عامرٍ، قال: حدّثنا قرّة، قال: سئل الحسن، عن رجلٍ طلّق امرأته قبل أن يدخل بها وقد فرض لها، هل لها متاعٌ؟ قال الحسن: نعم واللّه. فقيل للسّائل، وهو أبو بكرٍ الهذليّ: أو ما تقرأ هذه الآية: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم} قال: نعم واللّه.
وقال آخرون: المتعة للمطلّقة على زوجها المطلّقها واجبةٌ، ولكنّها واجبةٌ لكلّ مطلّقةٍ سوى المطلّقة المفروض لها الصّداق. فأمّا المطلّقة المفروض لها الصّداق إذا طلّقت قبل الدّخول بها، فإنّها لا متعة لها، وإنّما لها نصف الصّداق المسمّى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن نافعٍ، أنّ ابن عمر، كان يقول: لكلّ مطلّقةٍ متعةٌ، إلاّ الّتي طلّقها ولم يدخل بها وقد فرض لها، فلها نصف الصّداق ولا متعة لها.
- حدّثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا عبد اللّه بن نميرٍ، عن عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر بنحوه.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، وعبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، في الّذي يطلّق امرأته وقد فرض لها، أنّه قال في المتاع: قد كان لها المتاع في الآية الّتي في الأحزاب، فلمّا نزلت الآية الّتي في البقرة، جعل لها النّصف من صداقها إذا سمّى، ولا متاع لها، وإذا لم يسمّ فلها المتاع.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، وعبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن سعيدٍ نحوه.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان سعيد بن المسيّب يقول: إذا لم يدخل بها جعل لها في سورة الأحزاب المتاع، ثمّ أنزلت الآية الّتي في سورة البقرة: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم} فنسخت هذه الآية ما كان قبلها إذا كان لم يدخل بها وكان قد سمّى لها صداقًا، فجعل لها النّصف، ولا متاع لها.
- حدّثنا ابن المثنّى، وابن بشّارٍ، قالا: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، قال: نسخت هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها فمتّعوهنّ} الآية الّتي في البقرة.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وابن المثنّى، قالا: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن حميدٍ، عن مجاهدٍ، قال: لكلّ مطلّقةٍ متعةٌ، إلاّ الّتي فارقها وقد فرض لها من قبل أن يدخل بها.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في الّتي يفارقها زوجها قبل أن يدخل بها وقد فرض لها، قال: ليس لها متعةٌ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا أيّوب، عن نافعٍ، قال: إذا تزوّج الرّجل المرأة وقد فرض لها ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها، فلها نصف الصّداق، ولا متاع لها، وإذا لم يفرض لها فإنّما لها المتاع.
- حدّثنا يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: سئل ابن أبى نجيحٍ وأنا أسمع، عن الرّجل يتزوّج ثمّ يطلّقها قبل أن يدخل بها، وقد فرض لها، هل لها متاعٌ؟ قال: كان عطاءٌ يقول: لا متاع لها.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر في الّتي فرض لها، ولم يدخل بها، قال: إن طلّقت فلها نصف الصّداق، ولا متعة لها.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، أنّ شريحًا، كان يقول: في الرّجل إذا طلّق امرأته قبل أن يدخل بها وقد سمّى لها صداقًا، قال: لها في النّصف متاعٌ.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن شريحٍ، قال: لها في النّصف متاعٌ.
وقال آخرون: المتعة حقٌّ لكلّ مطلّقةٍ، غير أنّ منها ما يقضى به على المطلّق، ومنها ما لا يقضى به عليه، ويلزمه فيما بينه وبين اللّه إعطاؤها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، قال: متعتان: إحداهما يقضي بها السّلطان، والأخرى حقٌّ على المتّقين: من طلّق قبل أن يفرض، ويدخل فإنّه يؤخذ بالمتعة فإنّه لا صداق عليه، ومن طلّق بعد ما يدخل، أو يفرض فالمتعة حقٌّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، عن يونس، عن ابن شهابٍ، قال اللّه: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضةً ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعًا بالمعروف حقًّا على المحسنين} فإذا تزوّج الرّجل المرأة ولم يفرض لها، ثمّ طلّقها من قبل أن يمسّها، وقبل أن يفرض لها، فليس عليه إلاّ متاعٌ بالمعروف يفرض لها السّلطان بقدرٍ، وليس عليها عدّةٌ، وقال اللّه تعالى ذكره: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم} فإذا طلّق الرّجل المرأة وقد فرض لها ولم يمسسها، فلها نصف صداقها، ولا عدّة عليها.
- حدّثني محمّد بن عبد الرّحيم البرقيّ، قال: حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: أخبرنا زهيرٌ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، أنّه قال: متعتان يقضي بإحداهما السّلطان ولا يقضي بالأخرى، فالمتعة الّتي يقضي بها السّلطان حقًّا على المحسنين، والمتعة الّتي لا يقضي بها السّلطان حقًّا على المتّقين.
وقال آخرون: لا يقضي الحاكم ولا السّلطان بشيءٍ من ذلك على المطلّق، وإنّما ذلك من اللّه تعالى ذكره ندبٌ، وإرشادٌ إلى أن تمتّع المطلّقة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم: أنّ رجلاً طلّق امرأته، فخاصمته إلى شريحٍ، فقرأ هذه الآية: {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف حقًّا على المتّقين} قال: إن كنت من المتّقين فعليك المتعة ولم يقض لها قال شعبة: وجدته مكتوبًا عندي عن أبي الضّحى.
- حدّثني يعقوب، قال حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، عن محمّدٍ، قال: كان شريحٌ يقول: في متاع المطلّقة: لا تأب أن تكون من المحسنين، لا تأب أن تكون من المتّقين.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، أنّ شريحًا قال: للّذي قد دخل بها: إن كنت من المتّقين فمتّع.
قال أبو جعفرٍ: وكأنّ قائلي هذا القول ذهبوا في تركهم إيجاب المتعة فرضًا للمطلّقات إلى أنّ قول اللّه تعالى ذكره: {حقًّا على المحسنين} وقوله: {حقًّا على المتّقين} دلالةٌ على أنّها لو كانت واجبةً وجوب الحقوق اللاّزمة الأموال بكلّ حالٍ لم يخصّص المتّقون والمحسنون بأنّها حقٌّ عليهم دون غيرهم، بل كان يكون ذلك معمومًا به كلّ أحدٍ من النّاس.
وأمّا موجبوها على كلّ أحدٍ سوى المطلّقة المفروض لها الصّداق، فإنّهم اعتلّوا بأنّ اللّه تعالى ذكره لمّا قال: {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف حقًّا على المتّقين} كان ذلك دليلاً على أنّ لكلّ مطلّقةٍ متاعًا سوى من استثناه اللّه تعالى ذكره في كتابه أو على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا قال: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم} كان في ذلك دليلٌ عندهم على أنّ حقّها النّصف ممّا فرض لها، لأنّ المتعة جعلها اللّه في الآية الّتي قبلها عندهم لغير المفروض لها، فكان معلومًا عندهم بخصوص اللّه بالمتعة غير المفروض لها أنّ حكمها غير حكم الّتي لم يفرض لها إذا طلّقها قبل المسيس فيما لها على الزّوج من الحقوق.
والّذي هو أولى بالصّواب من القول في ذلك عندي قول من قال: لكلّ مطلّقةٍ متعةٌ؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره قال: {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف حقًّا على المتّقين} فجعل اللّه تعالى ذكره ذلك لكلّ مطلّقةٍ ولم يخصّص منهنّ بعضًا دون بعضٍ، فليس لأحدٍ إحالة ظاهر تنزيل عامٍّ إلى باطنٍ خاصٍّ إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها.
فإن قال قائلٌ: فإنّ اللّه تعالى ذكره قد خصّ المطلّقة قبل المسيس إذا كان مفروضًا لها بقوله: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم} إذ لم يجعل لها غير نصف الفريضة؟
قيل: إنّ اللّه تعالى ذكره إذا دلّ على وجوب شيءٍ في بعض تنزيله، ففي دلالته على وجوبه في الموضع الّذي دلّ عليه الكفاية عن تكريره، حتّى يدلّ على بطول فرضه، وقد دلّ بقوله: {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف} على وجوب المتعة لكلّ مطلّقةٍ، فلا حاجة بالعباد الى تكرير ذلك في كلّ آيةٍ وسورةٍ.
وليس في دلالته على أنّ المطلّقة قبل المسيس المفروض لها الصّداق نصف ما فرض لها دلالةٌ على بطول المتعة عنه، لأنّه غير مستحيلٍ في الكلام لو قيل: وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم والمتعة، فلمّا لم يكن ذلك محالاً في الكلام كان معلومًا أنّ نصف الفريضة إذا وجب لها لم يكن في وجوبه لها نفي عن حقّها من المتعة، ولمّا لم يكن اجتماعهما للمطلّقة محالاً وكان اللّه تعالى ذكره قد دلّ على وجوب ذلك لها، وإن كانت الدّلالة على وجوب أحدهما في آيةٍ غير الآية الّتي فيها الدّلالة على وجوب الأخرى ثبت وصحّ وجوبهما لها.
هذا إذا لم يكن على أنّ المطلّقة المفروض لها الصّداق إذا طلّقت قبل المسيس دلالةٌ غير قول اللّه تعالى ذكره: {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف} فكيف وفي قول اللّه تعالى ذكره: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضةً ومتّعوهنّ} الدّلالة الواضحة على أنّ المفروض لها إذا طلّقت قبل المسيس لها من المتعة مثل الّذي لغير المفروض لها منها؟ وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره لمّا قال: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضةً} كان معلومًا بذلك أنّه قد دلّ به على حكم طلاق صنفين من طلاق النّساء: أحدهما المفروض له، والآخر غير المفروض له؛ وأنّها المطلّقة المفروض لها قبل المسيس، لأنّه قال: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ} ثمّ قال تعالى ذكره: {ومتّعوهنّ} فأوجب المتعة للصّنفين منهنّ جميعًا: المفروض لهنّ، وغير المفروض لهنّ. فمن ادّعى أنّ ذلك لأحد الصّنفين، سئل البرهان على دعواه من أصلٍ أو نظيرٍ، ثمّ عكس عليه القول في ذلك فلن يقول في شيءٍ منه قولاً إلاّ ألزم في الآخر مثله.
وأرى أنّ المتعة للمرأة حقٌّ واجبٌ إذا طلّقت على زوجها المطلّقها على ما بيّنّا آنفًا يؤخذ بها الزّوج كما يؤخذ بصداقها، لا يبرئه منها إلاّ أداؤه إليها، أو إلى من يقوم مقامها في قبضها منه، أو ببراءةٍ تكون منها له. وأرى أنّ سبيلها سبيل صداقها وسائر ديونها قبله يحبس بها إن طلّقها فيها إذا لم يكن له شيءٌ ظاهرٌ يباع عليه إذا امتنع من إعطائها ذلك.
وإنّما قلنا ذلك، لأنّ اللّه تعالى ذكره قال: {ومتّعوهنّ} فأمر الرّجال أن يمتّعوهنّ، وأمره فرضٌ إلاّ أن يبيّن تعالى ذكره أنّه عنى به النّدب والإرشاد لمّا قد بيّنّا في كتابنا المسمّى بلطيف البيان عن أصول الأحكام، لقوله: {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف} ولا خلاف بين جميع أهل التّأويل أنّ معنى ذلك: وللمطلّقات على أزواجهنّ متاعٌ بالمعروف. وإذا كان ذلك كذلك، فلن يبرأ الزّوج ممّا لها عليه إلاّ بما وصفنا قبل من أداء أو إبراءٍ على ما قد بيّنّا.
فإن ظنّ ذو غباءٍ أنّ اللّه تعالى ذكره إذ قال: {حقًّا على المحسنين}، و{حقًّا على المتّقين} أنّها غير واجبةٍ لأنّها لو كانت واجبةً لكانت على المحسن وغير المحسن، والمتّقي وغير المتّقي. فإنّ اللّه تعالى ذكره قد أمر جميع خلقه بأن يكونوا من المحسنين، ومن المتّقين، وما وجب من حقٍّ على أهل الإحسان والتّقى، فهو على غيرهم أوجب، ولهم ألزم.
وبعد، فإنّ في إجماع الحجّة على أنّ المتعة للمطلّقة غير المفروض لها قبل المسيس واجبةٌ بقوله: {ومتّعوهنّ} وجوب نصف الصّداق للمطلّقة المفروض لها قبل المسيس، قال اللّه تعالى ذكره فيما أوجب لها. ذلك الدّليل الواضح أنّ ذلك حقٌّ واجبٌ لكلّ مطلّقةٍ بقوله: {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف} وإن كان قال: {حقًّا على المتّقين}.
ومن أنكر ما قلنا في ذلك، سئل عن المتعة للمطلّقة غير المفروض لها قبل المسيس، فإن أنكر وجوبه خرج من قول جميع الحجّة، ونوظر مناظرتنا المنكرين في عشرين دينارًا زكاةً، والدّافعين زكاة العروض إذا كانت للتّجارة، وما أشبه ذلك. فإن أوجب ذلك لها، سئل الفرق بين وجوب ذلك لها، والوجوب لكلّ مطلّقةٍ، وقد شرط فيما جعل لها من ذلك بأنّه حقٌّ على المحسنين، كما شرط فيما جعل للآخر بأنّه حقٌّ على المتّقين، فلن يقول في أحدهما قولاً إلاّ ألزم في الآخر مثله.
وأجمع الجميع على أنّ المطلّقة غير المفروض لها قبل المسيس، لا شيء لها على زوجها المطلّقها غير المتعة.
ذكر بعض من قال ذلك
من الصّحابة، والتّابعين رضي اللّه عنهم.
- حدّثنا أبو كريبٍ، ويونس بن عبد الأعلى، قالا: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: إذا طلّق الرّجل امرأته قبل أن يفرض لها وقبل أن يدخل بها، فليس لها إلاّ المتاع.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن يونس، قال: قال الحسن: إن طلّق الرّجل امرأته، ولم يدخل بها، ولم يفرض لها، فليس لها إلاّ المتاع.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا أيّوب، عن نافعٍ، قال: إذا تزوّج الرّجل المرأة ثمّ طلّقها ولم يفرض لها، فإنّما لها المتاع.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، عن يونس، عن ابن شهابٍ، قال: إذا تزوّج الرّجل المرأة ولم يفرض لها، ثمّ طلّقها قبل أن يمسّها وقبل أن يفرض لها، فليس لها عليه إلاّ المتاع بالمعروف.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضةً} قال: ليس لها صداقٌ إلاّ متاعٌ بالمعروف.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه، إلاّ أنّه قال: ولا متاع إلاّ بالمعروف.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ} إلى: {ومتّعوهنّ} قال: هذا الرّجل توهب له، فيطلّقها قبل أن يدخل بها، فإنّما عليه المتعة.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال في هذه الآية: هو الرّجل يتزوّج المرأة ولا يسمّي لها صداقًا، ثمّ يطلّقها قبل أن يدخل بها، فلها متاعٌ بالمعروف، ولا فريضة لها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، حدّثنا عبيد بن سليمان، يقول: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضةً} هذا رجلٌ وهبت له امرأته فطلّقها من قبل أن يمسّها، فلها المتعة، ولا فريضة لها، وليست عليها عدّةٌ.
وأمّا الموسع، فهو الّذي قد صار من عيشه إلى سعةٍ، وغنًى، يقال منه. أوسع فلانٌ فهو يوسع إيساعًا وهو موسعٌ وأمّا المقتر: فهو المقلّ من المال، يقال: قد أقتر فهو يقتر إقتارًا، وهو مقترٌ.
واختلف القرّاء في قراءة القدر، فقرأه بعضهم: {(على الموسع قدره وعلى المقتر قدره)} بتحريك الدّالّ إلى الفتح من القدر، توجيهًا منهم ذلك إلى الاسم من التّقدير، الّذي هو من قول القائل: قدر فلانٌ هذا الأمر.
وقرأ آخرون بتسكين الدّالّ منه، توجيهًا منهم ذلك إلى المصدر من ذلك، كما قال الشّاعر.
وما صبّ رجلي في حديد مجاشعٍ = مع القدر إلاّ حاجةٌ لي أريدها
والقول في ذلك عندي أنّهما جميعًا قراءتان قد جاءت بهما الأمّة، ولا يحيل القراءة بإحداهما معنًى في الأخرى، بل هما مًتّفقتا المعنى، فبأيّ القراءتين قرأ القارئ ذلك، فهو للصّواب مصيبٌ. وإنّما يجوز اختيار بعض القراءات على بعضٍ لبينونة المختارة على غيرها بزيادة معنى أوجبت لها الصّحّة دون غيرها؛ وأمّا إذا كانت المعاني في جميعها متّفقةً، فلا وجه للحكم لبعضها بأنّه أولى أن يكون مقروءًا به من غيره.
فتأويل الآية إذًا: لا حرج عليكم أيّها النّاس لأن طلّقتم النّساء، وقد فرضتم لهنّ ما لم تماسّوهنّ، أو أن طلّقتموهنّ ما لم تماسّوهنّ قبل أن تفرضوا لهنّ، ومتّعوهنّ جميعًا على ذي السّعة والغنى منكم من متاعهنّ حينئذٍ بقدر غناه وسعته، وعلى ذي الإقتار، والفاقة منكم منه بقدر طاقته، وإقتاره). [جامع البيان: 4/289-307]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {متاعًا بالمعروف حقًّا على المحسنين}.
يعني تعالى ذكره بذلك: ومتّعوهنّ متاعًا. وقد يجوز أن يكون متاعًا منصوبًا قطعًا من القدر، لأنّ المتاع نكرةٌ، والقدر معرفةٌ.
ويعني بقوله {بالمعروف} بما أمركم اللّه به من إعطائكموهنّ ذلك بغير ظلمٍ، ولا مدافعةٍ منكم لهنّ به.
ويعني بقوله: {حقًّا على المحسنين} متاعًا بالمعروف الحقّ على المحسنين فلمّا دلّ إدخال الألف واللاّم على الحقّ، وهو من نعت المعروف، والمعروف معرفةٌ، والحقّ نكرةٌ؛ نصبٌ على القطع منه، كما يقال: أتاني الرّجل راكبًا. وجائزٌ أن يكون نصبٌ على المصدر من جملة الكلام الّذي قبله، كقول القائل: عبد اللّه عالمٌ حقًّا، فالحقّ منصوبٌ من نيّة كلام المخبر كأنّه قال: أخبركم بذلك حقًّا. والتأويل الأوّل هو وجه الكلام، لأنّ معنى الكلام: فمتّعوهنّ متاعًا بمعروفٍ حقٍّ على كلّ من كان منكم محسنًا.
وقد زعم بعضهم أنّ ذلك منصوبٌ بمعنى أحقّ ذلك حقًّا، والّذي قاله من ذلك بخلاف ما دلّ عليه ظاهر التّلاوة، لأنّ اللّه تعالى ذكره جعل المتاع للمطلّقات حقًّا لهنّ على أزواجهنّ، فزعم قائل هذا القول أنّ معنى ذلك أنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن نفسه أنّه يحقّ أنّ ذلك على المحسنين.
فتأويل الكلام إذًا: إذ كان الأمر كذلك: ومتّعوهنّ على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره، متاعًا بالمعروف الواجب على المحسنين.
ويعني بقوله: {المحسنين} الّذين يحسنون إلى أنفسهم في المسارعة إلى طاعة اللّه فيما ألزمهم به، وأدائهم ما كلّفهم من فرائضه.
فإن قال قائلٌ: إنّك قد ذكرت أنّ الجناح هو الحرج، وقد قال اللّه تعالى ذكره: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ} فهل علينا من جناحٍ لو طلّقناهنّ بعد المسيس، فيوضع عنّا بطلاقناهنّ قبل المسيس؟
قيل: قد روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: إنّ اللّه لا يحبّ الذّوّاقين، ولا الذّوّاقات.
- حدّثنا بذلك ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، وعبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن شهر بن حوشبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وروي عنه، أنّه قال: ما بال أقوامٍ يلعبون بحدود اللّه، يقولون: قد طلّقتك، قد راجعتك، قد طلّقتك.
- حدّثنا بذلك ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
فجائزٌ أن يكون الجناح الّذي وضع عن النّاس في طلاقهم نساءهم قبل المسيس، هو الّذي كان يلحقهم منه بعد ذوقهم إيّاهنّ، كما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقد كان بعضهم يقول: معنى قوله في هذا الموضع: لا جناح: لا سبيل عليكم للنّساء إن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ، ولم تكونوا فرضتم لهنّ فريضةً في إتباعكم بصداقٍ، ولا نفقةٍ. وذلك مذهبٌ لولا ما قد وصفت من أنّ المعنيّ بالطّلاق قبل المسيس في هذه الآية صنفان من النّساء: أحدهما المفروض لها، والآخر غير المفروض لها، فإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لأن يقال: لا سبيل لهنّ عليكم في صداقٍ إذا كان الأمر على ما وصفنا.
وقد يحتمل ذلك أيضًا وجهًا آخر، وهو أن يكون معناه: لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ، في أيّ وقتٍ شئتم طلاقهنّ، لأنّه لا سنّة في طلاقهنّ، فللرجل أن يطلّقهنّ إذا لم يكنّ مسّهنّ حائضًا وطاهرًا في كلّ وقتٍ أحبّ، وليس ذلك كذلك في المدخول بها الّتي قد مسّت؛ لأنّه ليس لزوجها طلاقها إن كانت من أهل الأقراء إلاّ للعدّة طاهرًا في طهرٍ لم يجامع فيه، فيكون الجناح الّذي أسقط عن مطلّق الّتي لم يمسّها في حال حيضها هو الجناح الّذي كان به مأخوذًا المطلّق بعد الدّخول بها في حال حيضها أو في طهرٍ قد جامعها فيه). [جامع البيان: 4/308-310]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضةً ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعًا بالمعروف حقًّا على المحسنين (236)
قوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسوهن
- وبه عن ابن عبّاسٍ، قوله: لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ قال: المسّ: النّكاح. وروي عن إبراهيم وطاوس والحسن، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/442]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: أو تفرضوا لهنّ فريضةً
- وبه عن ابن عبّاسٍ، قوله: أو تفرضوا لهنّ فريضةً والفريضة:
الصّداق.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا حميد بن عبد الرّحمن الرّؤاسيّ عن حسن بن صالحٍ، عن مطرّفٍ، عن الشّعبيّ، في قوله: لا جناح عليكم إن طلّقتم النساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضةً قال: إذا طلّق الرّجل امرأته ولم يفرض لها، ولم يدخل بها، أجبر على المتعة. وروي عن الضّحّاك والرّبيع بن أنسٍ. والزّهريّ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/442]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره فهو الرّجل يتزوّج المرأة ولم يسمّ لها صداقًا، ثمّ يطلّقها قبل أن يدخل بها، فأمره اللّه سبحانه أن يمتّعها على قدر عسره ويسره، فإن كان موسرًا متّعها بخادمٍ أو نحو ذلك، وإن كان معسرًا متّعها بثلاث أثوابٍ أو نحو ذلك.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن إسماعيل بن أميّة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في المتعة قال: أعلاه الخادم، ودون ذلك الورق، ودون ذلك الكسوة.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، عن داود بن أبي هند، عن الشّعبيّ قال: متّع شريحٌ بخمسمائةٍ. قال: قلت: النّاس لا يجدون. قال: فوسطٌ من ثيابها تلبسه في بيتها، الدّرع والخمار والملحفة.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا كثير بن شهابٍ القزوينيّ، ثنا محمّد بن سعيد بن سابقٍ، ثنا عمرٌو يعني: ابن أبي قيسٍ، عن أبي إسحاق، عن الشّعبيّ، قال: ذكروا له المتعة، الحبس فيها؟ فقرأ: على الموسع قدره وعلى المقتر قدره قال الشّعبيّ: ما رأيت أحدًا حبس فيها، واللّه لو كانت واجبةً لحبس فيها القضاة). [تفسير القرآن العظيم: 1/442-443]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: متاعًا بالمعروف
- حدّثنا الحسين بن السّكن البصريّ ثنا أبو زيدٍ النّحويّ، ثنا قيسٌ عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: متاعًا بالمعروف قال: هو حقٌّ مفروضٌ للّتي لم يدخل بها، ولم يفرض لها.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس ومالك بن إسماعيل قالا: ثنا الحسن بن صالحٍ، عن عبد الأعلى عن شريحٍ أنّه قال متاعًا بالمعروف الدّرع والخمار والجلباب والمنطق والإزار.
قال أحمد بن يونس: قال الحسن: الجلباب: الرّداء). [تفسير القرآن العظيم: 1/443]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: حقًّا على المحسنين
- حدّثنا أسيد بن عاصمٍ، ثنا الحسين بن حفصٍ، ثنا سفيان عن هشامٍ عن محمّد بن سيرين، عن شريحٍ، أنّه قال لرجلٍ فارق: لا تأب أن تكون من المتّقين، لا تأب أن تكون من المحسنين). [تفسير القرآن العظيم: 1/443]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" من طريق علي عن ابن عباس في قوله {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} قال: المس النكاح والفريضة الصداق {ومتعوهن} قال: هو على الرجل يتزوج المرأة ولم يسم لها صداقا ثم يطلقها قبل أن يدخل بها فأمره الله أن يمتعها على قدر عسره ويسره فإن موسرا أمتعها بخادم أو نحو ذلك وإن كان معسرا أمتعها بثلاثة أثواب أو نحو ذلك.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: متعة الطلاق أعلاه الخادم ودون ذلك الورق ودون ذلك الكسوة، وأخلاج عبد الرزاق، وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر، أنه أمر موسعا بمتعة فقال: تعطي كذا وتكسو وكذا فحسب فوجد ثلاثين درهم.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن ابن عمر قال: أدنى ما يكون من المتعة ثلاثون درهما.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يفرض لها وقيل أن يدخل بها فليس لها إلا المتعة). [الدر المنثور: 3/26-27]

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني مسلمة بن علي عن معاوية عن الحكم بن عتيبة قال: لم يكن شريح يفسر غير ثلاث آيات، قول الله: {وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}، قال: الحكمة: الفهم، وفصل الخطاب: الشهود والبينات، {والذي بيده عقدة النكاح}، الزوج،). [الجامع في علوم القرآن: 1/8-9] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني الحارث، عن أيّوب، عن ابن سيرين أن شريحا قال: {الذي بيده عقدة النكاح}، هو الزوج). [الجامع في علوم القرآن: 1/80]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسمعت ابن جريجٍ يحدّث، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: {إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح}، قال: أقربهما إلى التّقوى الّذي يعفو). [الجامع في علوم القرآن: 1/106-107]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب وأيوب عن ابن سيرين عن شريح وابن أبي نجيح عن مجاهد قالوا الذي بيده عقدة النكاح الزوج
قال معمر وقال الحسن هو الولي). [تفسير عبد الرزاق: 1/96]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر وقال الزهري هو الأب وقوله تعالى إلا أن يعفون يعني المرأة). [تفسير عبد الرزاق: 1/96]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة عن ابن المسيب في قوله تعالى فنصف ما فرضتم قال لها نصف الصداق ولا متعة لها). [تفسير عبد الرزاق: 1/96]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} قال: الزّوج. قال ابن أبي نجيحٍ: كان ابن عبّاسٍ يقول: الوليّ). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 70]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاسٍ {وأن تعفوا أقرب للتّقوى} قال: أيّما عفا كان أقرب إلى الله عز وجل [الآية: 237]). [تفسير الثوري: 70]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم إلّا أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح وأن تعفوا أقرب للتّقوى} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، قال: كان شريح يقول: ((الّذي بيده عقدة النّكاح: الزّوج)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عيسى بن يونس وأبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: ((هو الوليّ)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، قال: هو الوليّ.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن طاوس، وعطاءٍ، وأهل المدينة، أنّهم قالوا: ((الّذي بيده عقدة النّكاح هو الوليّ))، فأخبرتهم بقول سعيد بن جبيرٍ، ((هو الزّوج))، فرجعوا عن قولهم، فلمّا قدم سعيد بن جبيرٍ، قال: ((أرأيتم إن عفا الوليّ، وأبت المرأة، ما يغني عفو الوليّ؟ أو عفت هي، وأبى الوليّ، ما للوليّ من ذلك؟)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة قال: ((أمر اللّه عزّ وجلّ بالعفو، وأذن فيه، فإن عفت جاز عفوها، وإن شحّت، وعفا وليّها، جاز عفوه)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا جريرٌ، عن مغيرة، عن الشّعبي، قال: تزوّج رجلٌ منّا امرأةً فطلّقها زوجها قبل أن يدخل بها، فعفا أخوها عن صداقها، فارتفعوا إلى شريح، فأجاز عفوه، ثمّ قال بعد: ((أنا أعفو عن صداق بني مرّة، فكان يقول بعد: الّذي بيده عقدة النّكاح: الزّوج؛ أن يعفو عن الصّداق كلّه، فيسلّمه لها، أو تعفو هي عن النّصف الّذي فرض الله - عزّ وجلّ - لها، وإن تشاحّا، فلها نصف الصّداق)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا جريرٌ، عن مغيرة، عن الشّعبيّ، قال: ((واللّه ما قضى شريحٌ بقضاءٍ قطّ كان أحمق منه حين ترك قوله الأوّل وأخذ بهذا)) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/883-890]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم إلاّ أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ}.
وهذا الحكم من اللّه تعالى ذكره إبانةٌ عن قوله: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضةً} وتأويل ذلك: لا جناح عليكم أيّها النّاس إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً، فلهنّ عليكم نصف ما كنتم فرضتم لهنّ من قبل طلاقكم إيّاهنّ، يعني بذلك: فلهنّ عليكم نصف ما أصدقتموهنّ.
وإنّما قلنا: إنّ تأويل ذلك كذلك لما قد قدّمنا البيان عنه من أنّ قوله: {أو تفرضوا لهنّ فريضةً} بيانٌ من اللّه تعالى ذكره لعباده حكم غير المفروض لهنّ إذا طلّقهنّ قبل المسيس، فكان معلومًا بذلك أنّ حكم اللّواتي عطف عليهنّ بأو غير حكم المعطوف بهنّ بها.
وإنّما كرّر تعالى ذكره قوله: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً} وقد مضى ذكرهنّ في قوله: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ} ليزول الشّكّ عن سامعيه واللّبس عليهم من أن يظنّوا أنّ الّتي حكمها الحكم الّذي وصفه في هذه الآية هي غير الّتي ابتدأ بذكرها وذكر حكمها في الآية الّتي قبلها.
وأمّا قوله: {إلاّ أن يعفون} فإنّه يعني: إلاّ أن يعفو اللّواتي وجب لهنّ عليكم نصف تلك الفريضة فيتركنّه لكم، ويصفحن لكم عنه، تفضّلاً منهنّ بذلك عليكم، إن كنّ ممّن يجوز حكمه في ماله، وهنّ بوالغ رشيداتٌ، فيجوز عفوهنّ حينئذٍ عمّا عفون عنكم من ذلك، فيسقط عنكم ما كنّ عفون لكم عنه منه. وذلك النّصف الّذي كان وجب لهنّ من الفريضة بعد الطّلاق وقيل العفو إن عفت عنه، أو ما عفت عنه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم} فهذا الرّجل يتزوّج المرأة وقد سمّى لها صداقًا، ثمّ يطلّقها من قبل أن يمسّها، فلها نصف صداقها، ليس لها أكثر من ذلك.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم إلاّ أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} قال: إن طلّق الرّجل امرأته وقد فرض لها فنصف ما فرض، إلاّ أن يعفون.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم} فنسخت هذه الآية ما كان قبلها إذا كان لم يدخل بها وقد كان سمّى لها صداقًا، فجعل لها النّصف، ولا متاع لها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم} قال: هو الرّجل يتزوّج المرأة وقد فرض لها صداقًا، ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها، فلها نصف ما فرض لها، ولها المتاع، ولا عدّة عليها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا اللّيث، عن يونس، عن ابن شهابٍ: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم} قال: إذا طلّق الرّجل المرأة وقد فرض لها ولم يمسّها، فلها نصف صداقها، ولا عدّة عليها.
ذكر من قال في قوله: {إلاّ أن يعفون}
القول الّذي ذكرناه من التّأويل
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حبّان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا يحيى بن بشرٍ، أنّه، سمع عكرمة، يقول: إذا طلّقها قبل أن يمسّها وقد فرض لها، فنصف الفريضة لها عليه، إلاّ أن تعفو عنه فتتركه.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {إلاّ أن يعفون} قال: المرأة تترك الّذي لها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {إلاّ أن يعفون،} هي المرأة الثّيّب، أو البكر يزوّجها غير أبيها، فجعل اللّه العفو إليهنّ إن شئن عفون فتركن، وإن شئن أخذن نصف الصّداق.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إلاّ أن يعفون،} تترك المرأة شطر صداقها، وهو الّذي لها كلّه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {إلاّ أن يعفون،} قال: المرأة تدع لزوجها النّصف.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثني عبد اللّه بن عونٍ، عن محمّد بن سيرين، عن شريحٍ: {إلاّ أن يعفون} قال: إن شاءت المرأة عفت، فتركت الصّداق.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عونٍ، عن محمّد بن سيرين، عن شريحٍ، مثله.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن نافعٍ، قوله: {إلاّ أن يعفون} هي المرأة يطلّقها زوجها قبل أن يدخل بها، فتعفو عن النّصف لزوجها.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إلاّ أن يعفون} أمّا أن يعفون فالثّيّب أن تدع من صداقها أو تدعه كلّه.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، عن يونس، عن ابن شهابٍ: {إلاّ أن يعفون} قال: العفو إليهنّ إذا كانت المرأة ثيّبًا، فهي أولى بذلك، ولا يملك ذلك عليها وليّ؛ لأنّها قد ملكت أمرها، فإن أرادت أن تعفو فتضع له نصفها الّذي عليه من حقّها جاز ذلك، وإن أرادت أخذه فهي أملك بذلك.
- حدّثني المثنّى، قال. حدّثنا حبّان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا معمرٌ، وقال: وحدّثني ابن شهابٍ: {إلاّ أن يعفون،} قال: النّساء.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي صالحٍ: {إلاّ أن يعفون،} قال: الثّيّب تدع صداقها.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة حمّاد بن أسامة بن زيدٍ، قال: حدّثنا إسماعيل، عن الشّعبيّ، عن شريحٍ: {إلاّ أن يعفون} قال: قال: تعفو المرأة عن الّذي لها كلّه.
قال أبو جعفرٍ: ما سمعت أحدًا يقول حمّاد بن زيد بن أسامة، إلاّ أبا هشامٍ.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا عبدة، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، قال: إن شاءت عفت عن صداقها، يعني في قوله: {إلاّ أن يعفون}.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن أبي حصينٍ، عن شريحٍ، قال: تعفو المرأة وتدع نصف الصّداق.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن جريجٍ، قال: قال الزّهريّ: {إلاّ أن يعفون} الثّيّبات.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: {إلاّ أن يعفون} قال: تترك المرأة شطرها.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إلاّ أن يعفون} يعني النّساء.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {إلاّ أن يعفون} إن كانت ثيّبًا عفت.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، قوله: {إلاّ أن يعفون} يعني المرأة.
- حدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا زيدٌ، وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، جميعًا، عن سفيان، {إلاّ أن يعفون} قال: المرأة إذا لم يدخل بها أن تترك له المهر، فلا تأخذ منه شيئًا). [جامع البيان: 4/311-317]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح}.
اختلف أهل التّأويل فيمن عنى اللّه تعالى ذكره بقوله: {الّذي بيده عقدة النّكاح} فقال بعضهم: هو وليّ البكر، وقالوا: ومعنى الآية: أو يترك الّذي يلي على المرأة عقد نكاحها من أوليائها للزّوج النّصف الّذي وجب للمطلّقة عليه قبل مسيسه، فيصفح له عنه إن كانت الجارية ممّن لا يجوز لها أمرٌ في مالها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن جريجٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، قال: قال ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنه: أذن اللّه في العفو وأمر به، فإن عفت فكما عفت، وإن ضنّت، وعفا وليّها جاز وإن أبت.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} وهو أبو الجارية البكر، جعل اللّه سبحانه العفو إليه، ليس لها معه أمرٌ إذا طلّقت ما كانت في حجره.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: {الّذي بيده عقدة النّكاح} الوليّ.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: قال علقمة، هو الوليّ.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، أنّه قال: هو الوليّ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا معتمرٌ، عن حجّاجٍ، عن النّخعيّ، عن علقمة، قال: هو الوليّ.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن شيبانٍ النّحويّ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، وأصحاب عبد اللّه، قالوا: هو الوليّ.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، أنّه قال: هو الوليّ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا معتمرٌ، عن حجّاجٍ، أنّ الأسود بن يزيد قال: هو الوليّ.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ، عن شعبة، عن أبي بشرٍ، قال: قال طاووسٌ، ومجاهدٌ: هو الوليّ، ثمّ رجعا فقالا: هو الزّوج.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا أبو بشرٍ، قال: قال مجاهدٌ، وطاووسٌ: هو الوليّ، ثمّ رجعا، فقالا: هو الزّوج.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: هو الوليّ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن الشّعبيّ، قال: زوّج رجلٌ أخته، فطلّقها زوجها قبل أن يدخل بها، فعفا أخوها عن المهر، فأجازه شريحٌ، ثمّ قال: أنا أعفو عن نساء بني مرّة، فقال عامرٌ: لا واللّه ما قضى قضاءً قطّ أحمقّ منه أن يجيز عفو الأخ في قوله: {إلاّ أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} فقال فيها شريحٌ بعد: هو الزّوج إن عفا عن الصّداق كلّه فسلّمه إليها كلّه، أو عفت هي عن النّصف الّذي سمّي لها، وإن تشاحّا كلاهما أخذت نصف صداقها، قال: وأن تعفوا هو أقرب للتّقوى.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا جرير بن حازمٍ، عن عيسى بن عاصمٍ الأسديّ: أنّ عليًّا، سأل شريحًا، عن الّذي بيده عقدة النّكاح؟ فقال: هو الوليّ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: مغيرة: أخبرنا عن الشّعبيّ، عن شريحٍ، أنّه كان يقول: الّذي بيده عقدة النّكاح: هو الوليّ. ثمّ ترك ذلك، فقال: هو الزّوج.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا سيّارٌ، عن الشّعبيّ: أنّ رجلاً تزوّج امرأةً، فوجدها دميمةً، فطلّقها قبل أن يدخل بها، فعفا وليّها عن نصف الصّداق قال: فخاصمته إلى شريحٍ، فقال لها شريحٌ: قد عفا وليّك. قال: ثمّ إنّه رجع بعد ذلك، فجعل الّذي بيده عقدة النّكاح: الزّوج.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وابن المثنّى، قالا: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن في الّذي بيده عقدة النّكاح، قال: الوليّ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن منصورٍ أو غيره، عن الحسن، قال: هو الوليّ.
- حدّثنا أبو هشامٍ قال: حدّثنا ابن إدريس، عن هشامٍ، عن الحسن، قال: هو الوليّ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، قال: سئل الحسن، عن الّذي بيده عقدة النّكاح؟ قال: هو الوليّ.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، قال: هو الّذي أنكحها.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الّذي بيده عقدة النّكاح، هو الوليّ.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وابن مهديٍّ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، قال: هو الوليّ.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، عن أبي عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم، والشّعبيّ، قالا: هو الوليّ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال: هو الوليّ.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي صالحٍ: {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} قال: وليّ العذراء.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن جريجٍ، قال: قال لي الزّهريّ: {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} وليّ البكر.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} هو الوليّ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: أخبرنا ابن طاووسٍ، عن أبيه، وعن رجلٍ، عن عكرمة، قال معمرٌ، وقاله الحسن، أيضًا، قالوا: الّذي بيده عقدة النّكاح: الوليّ.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، قال: الّذي بيده عقدة النّكاح: الأب.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: هو الوليّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن سالمٍ، عن مجاهدٍ، قال: هو الوليّ.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {الّذي بيده عقدة النّكاح} هو وليّ البكر.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في الّذي بيده عقدة النّكاح: الوالد ذكره ابن زيدٍ، عن أبيه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، عن مالكٍ، عن زيدٍ، وربيعة: {الّذي بيده عقدة النّكاح} الأب في ابنته البكر، والسّيّد في أمته.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال مالكٌ: وذلك إذا طلّقت قبل الدّخول بها، فله أن يعفوعن نصف الصّداق الّذي وجب لها عليه ما لم يقع طلاقٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، عن يونس، عن ابن شهابٍ، قال: {الّذي بيده عقدة النّكاح} هي البكر الّتي يعفو وليّها، فيجوز ذلك، ولا يجوز عفوها هي.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حبّان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا يحيى بن بشرٍ، أنّه سمع عكرمة، يقول: {إلاّ أن يعفون،} أن تعفو المرأة عن نصف الفريضة لها عليه فتتركه، فإن هي شحّت إلاّ أن تأخذه فلها، ولوليّها الّذي أنكحها الرّجل، عمٍّ، أو أخٍ، أو أبٍ، أن يعفو عن النّصف، فإنّه إن شاء فعل وإن كرهت المرأة.
- حدّثنا سعيد بن الرّبيع الرزيّ، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، قال: أذن اللّه في العفو وأمر به، فإن امرأةٌ عفت جاز عفوها، وإن شحّت، وضنّت عفا وليّها، وجاز عفوه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، قال: الّذي بيده عقدة النّكاح: الوليّ.
وقال آخرون: بل الّذي بيده عقدة النّكاح: الزّوج. قالوا: ومعنى ذلك: أو يعفو الّذي بيده نكاح المرأة فيعطيها الصّداق كاملاً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عثمة، قال: حدّثنا شعيبٌ، عن اللّيث، عن قتادة، عن خلاس بن عمرٍو، عن عليٍّ، قال: الّذي بيده عقدة النّكاح: الزّوج.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا جرير بن حازمٍ، عن عيسى بن عاصمٍ الأسديّ، أنّ عليًّا، سأل شريحًا، عن الّذي بيده عقدة النّكاح، فقال: هو الوليّ. فقال عليّ: لا، ولكنّه الزّوج.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا إبراهيم، قال: حدّثنا جرير بن حازمٍ، عن عيسى بن عاصمٍ، قال: سمعت شريحًا، قال: قال لي عليٌّ: من الّذي بيده عقدة النّكاح؟ قلت: وليّ المرأة. قال: لا، بل هو الزّوج.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عمّار بن أبي عمّارٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: هو الزّوج.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: قلت لحمّاد بن سلمة، من الّذي بيده عقدة النّكاح؟ فذكر عن عليّ بن زيدٍ، عن عمّار بن أبي عمّارٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: الزّوج.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، قال: أخبرنا إسرائيل، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: هو الزّوج.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن ابن عبّاسٍ، وشريحٍ، قالا: هو الزّوج.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، عن عبد اللّه بن جعفرٍ، عن واصل بن أبي سعيدٍ، عن محمّد بن جبير بن مطعمٍ أنّ أباه تزوّج امرأةً ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها، فأرسل بالصّداق، وقال: أنا أحقّ بالعفو.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن صالح بن كيسان، أنّ جبير بن مطعمٍ، تزوّج امرأةً، فطلّقها قبل أن يبني بها وأكمل لها الصّداق، وتأوّل {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح}.
- حدّثنا أبو هشامٍ قال: حدّثنا ابن إدريس، عن محمّد بن عمرٍو، عن نافعٍ، بن جبيرٍ: أنّه طلّق امرأته قبل أن يدخل بها، فأتمّ لها الصّداق، وقال: أنا أحقّ بالعفو.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثني عبد اللّه بن عونٍ، عن محمّد بن سيرين، عن شريحٍ: {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} قال: إن شاء الزّوج أعطاها الصّداق كاملاً.
- حدّثنا حميدٌ، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عونٍ، عن محمّد بن سيرين، بنحوه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن شريحٍ، قال: الّذي بيده عقدة النّكاح: الزّوج.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ، أنّ شريحًا قال: الّذي بيده عقدة النّكاح: الزّوج. فردّ ذلك عليه.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن شريحٍ، قال: الّذي بيده عقدة النّكاح: هو الزّوج قال: وقال إبراهيم: وما يدري شريحًا؟.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا معمرٌ قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن الحكم، عن شريحٍ قال: هو الزّوج.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: أخبرنا الأعمش، عن إبراهيم، عن شريحٍ، قال: هو الزّوج.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة حمّاد بن زيد بن أسامة، قال: حدّثنا إسماعيل، عن الشّعبيّ، عن شريحٍ: {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} وهو الزّوج.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن أبي حصينٍ، عن شريحٍ، قال: {الّذي بيده عقدة النّكاح} قال: الزّوج يتمّ لها الصّداق.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن الشّعبيّ، وعن الحجّاج، عن الحكم، عن شريحٍ، وعن الأعمش، عن إبراهيم، عن شريحٍ، قال: هو الزّوج.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا إسماعيل، عن الشّعبيّ، عن شريحٍ، قال: هو الزّوج إن شاء أتمّ لها الصّداق، وإن شاءت عفت عن الّذي لها.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، عن محمّدٍ، قال: قال شريحٌ: الّذي بيده عقدة النّكاح: الزّوج.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن عونٍ، عن ابن سيرين، عن شريحٍ: {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} قال: إن شاء الزّوج عفا فكمّل الصّداق.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، عن شريحٍ، قال: هو الزّوج.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وابن المثنّى، قالا: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن عبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، قال: الّذي بيده عقدة النّكاح: قال: هو الزّوج.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبدة، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب: {أو يعفو الّذي بيده عقدة} النّكاح قال: هو الزّوج.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، عن حمّاد بن سلمة، عن قيس بن سعدٍ، عن مجاهدٍ، قال: هو الزّوج.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: الزّوج.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} زوجها أن يتمّ لها الصّداق كاملاً.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، وعن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وعن أيّوب، وعن ابن سيرين، عن شريحٍ، قالوا: الّذي بيده عقدة النّكاح: الزّوج.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: الّذي بيده عقدة النّكاح: الزّوج، {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} إتمام الزّوج الصّداق كلّه.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن أبي مليكة، قال: قال سعيد بن جبيرٍ: {الّذي بيده عقدة} النّكاح هو الزّوج.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: الّذي بيده عقدة النّكاح: هو الزّوج قال: وقال مجاهدٌ، وطاووسٌ: هو الوليّ قال: قلت لسعيدٍ: فإنّ مجاهدًا، وطاووسًا يقولان: هو الوليّ، قال سعيدٌ: فما تأمرني إذًا؟ قال: أرأيت لو أنّ الوليّ عفا وأبت المرأة أكان يجوز ذلك؟ فرجعت إليهما فحدّثتهما، فرجعا عن قولهما وتابعا سعيدًا.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا حميدٌ، عن الحسن بن صالحٍ، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيدٍ، قال: هو الزّوج.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيدٍ، قال: هو الزّوج وقال طاووسٌ، ومجاهدٌ: هو الوليّ، فكلّمتهما في ذلك حتّى تابعا سعيدًا.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، وطاووسٍ، ومجاهدٍ، بنحوه.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا أبو الحسين يعني زيد بن الحباب، عن أفلح بن سعيدٍ، قال: سمعت محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: هو الزّوج أعطى ما عنده عفوًا.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ، عن زهيرٍ، عن أبي إسحاق، عن الشّعبيّ، قال: هو الزّوج.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن نافعٍ، قال: الّذي بيده عقدة النّكاح: الزّوج {إلاّ أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} قال: أمّا قوله: {إلاّ أن يعفون} فهي المرأة الّتي يطلّقها زوجها قبل أن يدخل بها، فإمّا أن تعفو عن النّصف لزوجها، وأمّا أن يعفو الزّوج فيكمل لها صداقها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {الّذي بيده عقدة النّكاح} الزّوج.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن المسعوديّ، عن القاسم، قال: كان شريحٌ يجاثيهم على الرّكب ويقول: هو الزّوج.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا محمّد بن حربٍ، قال: حدّثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيبٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: الّذي بيده عقدة النّكاح الزّوج، يعفو، أو تعفو.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ الفضل بن خالدٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} قال: الزّوج. وهذا في المرأة يطلّقها زوجها ولم يدخل بها، وقد فرض لها، فلها نصف المهر، فإن شاءت تركت الّذي لها وهو النّصف، وإن شاءت قبضته.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، وحدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا زيدٌ، جميعًا، عن سفيان: {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} الزّوج.
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، قال: الّذي بيده عقدة النّكاح: الزّوج.
- حدّثنا ابن البرقيّ، قال: حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز، قال: سمعت تفسير هذه الآية: {إلاّ أن يعفون} النّساء، فلا يأخذنّ شيئًا {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} الزّوج، فيترك ذلك فلا يطلب شيئًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، قال: قال شريحٌ في قوله: {إلاّ أن يعفون} قال: يعفو النّساء {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} الزّوج.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب، قول من قال: المعنيّ بقوله: {الّذي بيده عقدة النّكاح} الزّوج، وذلك لإجماع الجميع على أنّ وليّ جاريةٍ بكرٍ، أو ثيّبٍ، صبيّةٍ صغيرةً كانت، أو مدركةً كبيرةً، لو أبرأ زوجها من مهرها قبل طلاقه إيّاها، أو وهبه له، أو عفا له عنه، أنّ إبراءه ذلك، وعفوه له عنه باطلٌ، وأنّ صداقها عليه ثابتٌ ثبوته قبل إبرائه إيّاه منه، فكان سبيل ما أبرأه من ذلك بعد طلاقه إيّاها سبيل ما أبرأه منه قبل طلاقه إيّاها.
وأخرى أنّ الجميع مجمعون على أنّ وليّ امرأةٍ محجورٌ عليها أو غير محجورٍ عليها، لو وهب لزوجها المطلّقها بعد بينونتها منه درهمًا من مالها على غير وجه العفو منه عمّا وجب لها من صداقها قبله أنّ هبته ما وهب من ذلك مردودةٌ باطلةٌ، وهم مع ذلك مجمعون على أنّ صداقها مالٌ من مالها، فحكمه حكم سائر أموالها.
وأخرى أنّ الجميع مجمعون على أنّ بني أعمام المرأة البكر، وبني إخوتها من أبيها وأمّها من أوليائها، وأنّ بعضهم لو عفا عن مالها، أو بعد دخوله بها، أنّ عفوه ذلك عمّا عفا له عنه منه باطلٌ، وإنّ حقّ المرأة ثابتٌ عليه بحاله، فكذلك سبيل عفو كلّ وليٍّ لها كائنًا من كان من الأولياء، والدًا كان أو جدًّا أو أخًا؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره لم يخصّص بعض الّذين بأيديهم عقد النّكاح دون بعضٍ في جواز عفوه، إذا كانوا ممّن يجوز حكمه في نفسه وماله.
ويقال لمن أبى ما قلنا ممّن زعم أنّ الّذي بيده عقدة النّكاح وليّ المرأة، هل يخلو القول في ذلك من أحد أمرين، إذ كان الّذي بيده عقدة النّكاح هو الوليّ عندك إمّا أن يكون ذلك كلّ وليٍّ جاز له تزويج وليّته، أو يكون ذلك بعضهم دون بعضٍ؟ فلن يجد إلى الخروج من أحد هذين القسمين سبيلاً.
فإن قال: إنّ ذلك كذلك، قيل له: فأيّ ذلك عني به؟
فإن قال: كلّ وليٍّ جاز له تزويج وليّته. قيل له: أفجائزٌ للمعتق أمةً تزويج مولاته بإذنها بعد عتقه إيّاها؟
فإن قال: نعم، قيل له: أفجائزٌ عفوه إن عفا عن صداقها لزوجها بعد طلاقه إيّاها قبل المسيس.
فإن قال: نعم خرج من قول الجميع.
وإن قال: لا قيل له: ولم وما الّذي حظر ذلك عليه، وهو وليّها الّذي بيده عقدة نكاحها.
ثمّ يعكس القول عليه في ذلك، ويسأل الفرق بينه، وبين عفو سائر الأولياء غيره.
وإن قال لبعضٍ دون بعضٍ، سئل البرهان على خصوص ذلك، وقد عمّه اللّه تعالى ذكره فلم يخصّص بعضًا دون بعضٍ، ويقال له: من المعنيّ به إن كان المراد بذلك بعض الأولياء دون بعضٍ؟
فإن أومأ في ذلك إلى بعضٍ منهم، سئل البرهان عليه، وعكس القول فيه وعورض في قوله ذلك، بخلاف دعواه، ثمّ لن يقول في ذلك قولاً إلاّ ألزم في الآخر مثله.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ المرأة إذا فارقها زوجها، فقد بطل أن يكون بيده عقدة نكاحها، واللّه تعالى ذكره إنّما أجاز عفو الّذي بيده عقدة نكاح المطلّقة فكان معلومًا بذلك أنّ الزّوج غير معنيٍّ به، وأنّ المعنيّ به هو الّذي بيده عقدة نكاح المطلّقة بعد بينونتها من زوجها. وفي بطول ذلك أن يكون حينئذٍ بيد الزّوج، صحّة القول أنّه بيد الوليّ الّذي إليه عقد النّكاح إليها. وإذا كان ذلك كذلك صحّ القول بأنّ الّذي بيده عقدة النّكاح، هو الوليّ، فقد غفل وظنّ خطأً. وذلك أنّ معنى ذلك: أو يعفو الّذي بيده عقدة نكاحه، وإنّما أدخلت الألف واللاّم في النّكاح بدلاً من الإضافة إلى الهاء الّتي كان النّكاح لو لم يكونا فيه مضافًا إليها، كما قال اللّه تعالى ذكره: {فإن الجنّة هي المأوى} بمعنى: فإنّ الجنّة هى مأواه، وكما قال نابغة بني ذبيان:
لهم شيمةٌ لم يعطها اللّه غيرهم = من النّاس فالأحلام غير عوازب
بمعنى: فأحلامهم غير عوازب. والشّواهد على ذلك أكثر من أن تحصى.
فتأويل الكلام: إلاّ أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح، وهو الزّوج الّذي بيده عقدة نكاح نفسه في كلّ حالٍ، قبل الطّلاق وبعده؛ لا أنّ معناه: أو يعفو الّذي بيده عقدة نكاحهنّ. فيكون تأويل الكلام ما ظنّه القائلون أنّه الوليّ: وليّ المرأة، لأنّ وليّ المرأة لا يملك عقدة نكاح المرأة بغير إذنها إلاّ في حال طفولتها، وتلك حالٌ لا يملك العقد عليها إلاّ بعض أوليائها في قول أكثر من رأى أنّ الّذي بيده عقدة النّكاح الوليّ، ولم يخصّص اللّه تعالى ذكره بقوله. {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} بعضًا منهم، فيجوز توجيه التّأويل إلى ما تأوّلوه، لو كان لما قالوا في ذلك وجهٌ.
وبعد، فإنّ اللّه تعالى ذكره إنّما كنّى بقوله: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم إلاّ أن يعفون} عن ذكر النّساء اللاّتي قد جرى ذكرهنّ في الآية قبلها، وذلك قوله: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ} والصّبايا لا يسمّين نساءً، وإنّما يسمّين صبايا، أو جواري، وإنّما النّساء في كلام العرب: جمع اسم المرأة، ولا تقول العرب للطّفلة، والصّبية، والصّغيرة امرأةً، كما لا تقول للصّبيّ الصّغير رجلٌ.
وإذ كان ذلك كذلك، وكان قوله: {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} عند الزّاعمين أنّه الوليّ، إنّما هو: {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} عمّا وجب لوليّته الّتي تستحقّ أن يولّي عليها مالها، إمّا لصغرٍ، وإمّا لسفهٍ، واللّه تعالى ذكره إنّما اختصّ في الآيتين قصص النّساء المطلّقات، لعموم الذّكر دون خصوصه، وجعل لهنّ العفو بقوله: {إلاّ أن يعفون} كان معلومًا بقوله: {إلاّ أن يعفون} أنّ المعنيّات منهنّ بالآيتين اللّتين ذكرهنّ فيهما جميعهنّ دون بعضٍ، إذ كان معلومًا أنّ عفو من يولّى عليه ماله منهنّ باطلٌ.
وإذ كان ذلك كذلك، فبيّن أنّ التّأويل في قوله: أو يعفو الّذي بيده عقدة نكاحهنّ، يوجب أن يكون لأولياء النساء الرّشد البوالغ من العفو عمّا وجب لهنّ من الصّداق بالطّلاق قبل المسيس، مثل الّذي لأولياء الأطفال الصّغار المولّى عليهنّ أموالهنّ السّفّه. وفي إنكار المائلين إنّ الّذي بيده عقدة النّكاح الوليّ، عفو أولياء الثّيّبات الرّشد البوالغ على ما وصفنا، وتفريقهم بين أحكامهم وأحكام أولياء الأخر، ما أبان عن فساد تأويلهم الّذي تأوّلوه في ذلك. ويسأل القائلون بقولهم في ذلك الفرق بين ذلك من أصلٍ أو نظيرٍ، فلن يقولوا في شيءٍ من ذلك قولاً إلاّ ألزموا في خلافه مثله). [جامع البيان: 4/317-336]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأن تعفوا أقرب للتّقوى}.
اختلف أهل التّأويل فيمن خوطب بقوله: {وأن تعفوا أقرب للتّقوى} فقال بعضهم: خوطب بذلك الرّجال والنّساء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت ابن جريجٍ، يحدّث عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وأن تعفوا أقرب للتّقوى} قال: أقربهما للتّقوى الّذي يعفو.
- حدّثنا ابن البرقيّ، قال: حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز، قال: سمعت تفسير، هذه الآية: {وأن تعفوا أقرب للتّقوى} قال: يعفون جميعًا.
فتأويل الآية على هذا القول: وأن تعفوا أيّها النّاس بعضكم عمّا وجب له قبل صاحبه من الصّداق قبل الافتراق عند الطّلاق، أقرب له إلى تقوى اللّه.
وقال آخرون: بل الّذي خوطبوا بذلك أزواج المطلّقات.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن الشّعبيّ، {وأن تعفوا أقرب للتّقوى} وأن يعفو هو أقرب للتّقوى.
فتأويل ذلك على هذا القول: وأن تعفوا أيّها المفارقون أزواجهم، فتتركوا لهنّ ما وجب لكم الرّجوع به عليهنّ من الصّداق الّذي سقتموه إليهنّ، أو إليهنّ، بإعطائكم إيّاهنّ الصّداق الّذي كنتم سمّيتم لهنّ في عقدة النّكاح، إن لم تكونوا سقتموه إليهنّ أقرب لكم إلى تقوى اللّه.
والّذي هو أولى القولين بتأويل الآية عندي في ذلك: ما قاله ابن عبّاسٍ، وهو أنّ معنى ذلك: وأن يعفو بعضكم لبعضٍ أيّها الأزواج والزّوجات بعد فراق بعضكم بعضًا عمّا وجب لبعضكم قبل بعضٍ، فيتركه له إن كان قد بقي له قبله، وإن لم يكن بقي له، فبأن يوفّيه بتمامه أقرب لكم إلى تقوى اللّه.
فإن قال قائلٌ: وما في الصّفح عن ذلك من القرب من تقوى اللّه، فيقال للصّافح العافي عمّا وجب له قبل صاحبه: فعلك ما فعلت أقرب لك إلى تقوى اللّه؟
قيل له: الّذي في ذلك من قربه من تقوى اللّه مسارعته في عفوه ذلك إلى ما ندبه اللّه إليه، ودعاه وحضّه عليه، فكان فعله ذلك إذا فعله ابتغاء مرضاة اللّه، وإيثار ما ندبه إليه على هوى نفسه، معلومًا به، إذ كان مؤثرًا فعل ما ندبه إليه ممّا لم يفرضه عليه على هوى نفسه، أنّه لمّا فرضه عليه وأوجبه أشدّ إيثارًا، ولمّا نهاه أشدّ تجنّبًا، وذلك هو قربه من التّقوى). [جامع البيان: 4/336-338]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تنسوا الفضل بينكم}.
يقول تعالى ذكره: ولا تغفلوا أيّها النّاس الأخذ بالفضل بعضكم على بعضٍ فتتركوه، ولكن ليتفضّل الرّجل المطلّق زوجته قبل مسيسها، فيكمل لها تمام صداقها إن كان لم يعطها جميعه وإن كان قد ساق إليها جميع ما كان فرض لها، فليتفضّل عليها بالعفو عمّا يجب له، ويجوز له الرّجوع به عليها، وذلك نصفه. فإن شحّ الرّجل بذلك، وأبى إلاّ الرّجوع بنصفه عليها، فلتتفضّل المرأة المطلّقة عليه بردّ جميعه عليه إن كانت قد قبضته منه، وإن لم تكن قبضته فتعفو عن جميعه، فإن هما لم يفعلا ذلك وشحا، وتركا ما ندبهما اللّه إليه من أخذ أحدهما على صاحبه بالفضل، فلها نصف ما كان فرض لها في عقد النّكاح، وله نصفه.
وبما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا ابن أبي ذئبٍ، عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعمٍ، عن جده جبيرٍ: أنّه دخل على سعد بن أبي وقّاصٍ، فعرض عليه ابنةً له فتزوّجها، فلمّا خرج طلّقها، وبعث إليها بالصّداق. قال: قيل له: فلم تزوّجتها؟ قال: عرضها عليّ، فكرهت ردّها. قيل: فلم تبعث بالصّداق؟ قال: فأين الفضل؟.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا تنسوا الفضل بينكم} قال: إتمام الزّوج الصّداق، أو ترك المرأة الشّطر.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا تنسوا الفضل بينكم} قال: إتمام الصّداق، أو ترك المرأة شطره.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {ولا تنسوا الفضل بينكم} في هذا وفي غيره.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {ولا تنسوا الفضل بينكم} قال: يقول ليتعاطفا.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال. حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولا تنسوا الفضل بينكم إنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ} يرغّبكم اللّه في المعروف، ويحثّكم على الفضل.
- حدّثنا يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {ولا تنسوا الفضل بينكم} قال: المرأة يطلّقها زوجها وقد فرض لها ولم يدخل بها، فلها نصف الصّداق، فأمر اللّه أن يترك لها نصيبها، وإن شاء أن يتمّ المهر كاملاً؛ وهو الّذي ذكر اللّه: {ولا تنسوا الفضل بينكم}.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تنسوا الفضل بينكم} حضّ كلّ واحدٍ على الصّلة، يعني الزّوج والمرأة على الصّلة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حبّان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا يحيى بن بشرٍ، أنّه سمع عكرمة، يقول في قول اللّه: {ولا تنسوا الفضل بينكم} وذلك الفضل هو النّصف من الصّداق، وأن تعفو عنه المرأة للزّوج، أو يعفو عنه وليّها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا تنسوا الفضل بينكم} قال: يعفى عن نصف الصّداق، أو بعضه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، وحدّثني عليٌّ، قال. حدّثنا زيدٌ، جميعًا، عن سفيان: {ولا تنسوا الفضل بينكم} قال: حثّ بعضهم على بعضٍ في هذا وفي غيره، حتّى في عفو المرأة عن الصّداق، والزّوج بالإتمام.
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك: {ولا تنسوا الفضل بينكم} قال: المعروف.
- حدّثنا ابن البرقيّ، قال: حدّثنا عمرٌو، عن سعيدٍ قال: سمعت تفسير هذه الآية {ولا تنسوا الفضل بينكم} قال: لا تنسوا الإحسان). [جامع البيان: 4/338-341]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: إنّ اللّه بما تعملون أيّها النّاس ممّا ندبكم إليه، وحضّضكم عليه من عفو بعضكم لبعضٍ عمّا وجب له قبله من حقٍّ، بسبب النّكاح الّذي كان بينكم وبين أزواجكم، وتفضّل بعضكم على بعضٍ في ذلك وبغيره ممّا تأتون وتذرون من أموركم في أنفسكم وغيركم، ممّا حثّكم اللّه عليه، وأمركم به أو نهاكم عنه {بصيرٌ} يعني بذلك: ذو بصرٍ لا يخفى عليه منه شيءٌ من ذلك، بل هو يحصيه عليكم، ويحفظه، حتّى يجازي ذا الإحسان منكم على إحسانه، وذا الإساءة منكم على إساءته). [جامع البيان: 4/341]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم إلّا أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ (237)
قوله تعالى: وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسوهن
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 1/444]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، حدّثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم فهو الرّجل يتزوّج المرأة، وقد سمّى لها صداقًا فطلّقها قبل أن يمسّها- والمسّ الجماع- فلها نصف صداقها، ليس لها أكثر من ذلك.
وروي عن سعيد بن المسيّب ومجاهدٍ وإبراهيم ومقاتل بن حيّان: قالوا: لها نصف الصّداق.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا قرّة بن خالدٍ، قال سمعت أبا بكرٍ الهذليّ، سأل الحسن عن رجلٍ طلّق امرأته ولم يدخل بها وقد فرض لها. هل لها من المتاع شيءٌ؟ قال: نعم، واللّه إنّ لها، فقال يا أبا سعيدٍ أو ما نسختها هذه الآية وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم قال: واللّه ما نسختها). [تفسير القرآن العظيم: 1/444]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: إلا أن يعفون
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا مسدّدٌ، ثنا إسماعيل بن عليّة، ثنا ابن جريجٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: رضي اللّه بالعفو وأمر به، فإن عفت، فكما عفت وإن رضيت فعفا وليّها جاز وإن أبت.
حدّثنا محمّد بن عمّارٍ ثنا عبيد اللّه بن موسى، ثنا إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: إلا أن يعفون قال: إلا أن تعفو الثّيّب فتدع حقّها. وروي عن شريحٍ وسعيد بن المسيّب وعكرمة ومجاهدٍ والشّعبيّ والحسن ونافعٍ وقتادة وجابر بن زيدٍ وعطاءٍ الخراسانيّ والضّحّاك والزّهريّ ومقاتل بن حيّان ومحمّد بن سيرين والرّبيع بن أنسٍ والسّدّيّ، نحو ذلك.
وخالفهم محمّد بن كعبٍ فقال:
إلا أن يعفون يعني الرّجال.
وهو قولٌ شاذّ لم يتابع عليه). [تفسير القرآن العظيم: 1/444]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح
[الوجه الأول]
- ذكر عن ابن لهيعة، حدّثني عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ولّيّ عقدة النّكاح: الزّوج.
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا جرير، بن حازمٍ، عن عيسى ابن عاصمٍ، قال: سمعت شريحًا يقول: سألني عليّ بن أبي طالبٍ عن الّذي بيده عقدة النّكاح. فقلت: هو وليّ المرأة. فقال عليٌّ: لا بل هو الزّوج.
وفي إحدى الرّوايات عن ابن عبّاسٍ وجبير بن مطعمٍ وسعيد بن المسيّب وشريحٍ في أحد قوليه وسعيد بن جبيرٍ ومجاهدٍ والشّعبيّ وعكرمة ونافعٍ ومحمّد بن سيرين والضّحّاك ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ وجابر بن زيدٍ وأبي مجلزٍ والرّبيع بن أنسٍ وإياس بن معاوية ومكحولٍ ومقاتل بن حيّان، أنّه الزّوج.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا ابن أبي مريم، ثنا محمّد بن مسلمٍ، حدّثني عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ، في الّذي ذكر اللّه بيده عقدة النّكاح، قال: ذلك أبوها وأخوها، أو من لا تنكح إلا بإذنه.
وروي عن علقمة والحسن وعطاءٍ وطاوسٍ والزّهريّ وربيعة وزيد بن أسلم وإبراهيم النّخعيّ وعكرمة في أحد قوليه. ومحمّد بن سيرين، في أحد قوليه، إنّه الوليّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/445]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وأن تعفوا أقرب للتّقوى
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً قال ابن وهبٍ سمعت ابن جريجٍ يحدّث عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: أقربهما إلى التّقوى الّذي يعفو.
وروي عن عطاء، نحو ذلك.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ أبنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكيرٍ، عن مقاتلٍ وأن تعفوا أقرب للتّقوى يعني بذلك الزّوج والمرأة جميعًا، أمرهما أن يستبقا في العفو وفيه الفضل.
- حدّثنا أبي ثنا حفص بن عمر الدّوريّ، ثنا أبو إسماعيل المؤدّب عن عاصمٍ الأحول، عن أبي العالية زياد بن فيروز، عن طلق بن حبيبٍ، أنّه قال له بكر بن عبد اللّه: ألا تجمع لنا التّقوى في كلامٍ يسيرٍ ترويه؟ فقال طلقٌ: التّقوى: أن تعمل بطاعة اللّه رجاء رحمة اللّه، على نورٍ من اللّه. والتّقوى: أن تترك معصية اللّه مخافة عذاب اللّه، على نورٍ من اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/445-446]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولا تنسوا الفضل بينكم إنّ الله بما تعملون بصير
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، ثنا يزيد بن هارون أبنا هشيمٌ عن صالح بن رستم، عن رجلٍ من بني تميمٍ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه قال: يوشك أن يأتي على النّاس زمانٌ عضوضٌ، يعضّ الموسر فيه، على ما في يده، وينسى الفضل، وقد نهى اللّه عن ذلك، قال اللّه تعالى ولا تنسوا الفضل بينكم
الوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، قوله: ولا تنسوا الفضل بينكم إتمام الرّجل الصّداق وترك المرأة شطرها وروي عن الضّحّاك ومقاتل بن حيّان والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن الزّبرقان، عن أبي وائلٍ في قوله: ولا تنسوا الفضل بينكم قال: هو الرّجل يتزوّج فيعينه أو المكاتب فيعينه وأشباه هذا من العطيّة.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ، فيما كتب إليّ ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان، عن قتادة، قوله: ولا تنسوا الفضل بينكم قال: يحثّهم على الفضل والمعروف ويرغّبهم فيه وروي عن السّدّيّ، نحو ذلك.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محلّمٍ، ثنا عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ، قال: سألت الحسن عن قوله: ولا تنسوا الفضل بينكم قال: الفضل في كلّ شيءٍ أمرهم أن يلقوا بعضهم عن بعضٍ فيأخذوا بالفضل بينهم ويتعاطوه، ويرحم بعضهم على بعضٍ من الفضل كلّه، والعفو والنّفقة، وكلّ شيءٍ يكون بين النّاس.
الوجه الرّابع:
كتب إليّ أحمد بن محمّد بن جبال بن حمّاد بن فرقدٍ البلخيّ القهندزيّ، ثنا عمر بن عبد الغفّار، ثنا سفيان، عن أبي هارون، قال رأيت عون بن عبد اللّه في مجلس القرظيّ، فكان عونٌ يحدّثنا، ولحيته ترشّ من البكاء ويقول: صحبت الأغنياء، فكنت من أكثرهم همًّا حين رأيتهم أحسن ثيابًا وأطيب ريحًا وأحسن مركبًا منّي فجالست الفقراء فاسترحت. وقال: لا تنسوا الفضل بينكم، إذا أتى أحدكم السّائل وليس عنده شيءٌ فليدع له). [تفسير القرآن العظيم: 1/446-447]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن المغيرة عن الشعبي في قوله إلا أن يعفون يعني المرأة والذي بيده عقدة النكاح هو الزوج هذا قول شريح). [تفسير مجاهد: 110]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن المغيرة عن إبراهيم قال والذي بيده عقدة النكاح هو الولي). [تفسير مجاهد: 110]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} [البقرة: 237].
- عن عبد اللّه بن عمرٍو عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «{الّذي بيده عقدة النّكاح} [البقرة: 237]: الزّوج».
رواه الطّبرانيّ في الأوسط، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعفٌ). [مجمع الزوائد: 6/320]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفو أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير.
أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش، أنه قرأ {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} وفي قراءة عبد الله (من قبل أن تجامعوهن).
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} الآية، قال: هو الرجل يتزوج المرأة وقد سمى لها صداقا ثم يطلقها من قبل أن يمسها - والمس الجماع - فلها نصف صداقها وليس لها أكثر من ذلك إلا أن يعفون وهي المرأة الثيب والبكر يزوجها غير أبيها فجعل الله العفو لهن إن شئن عفون بتركهن وإن شئن أخذن نصف الصداق {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} وهو أبو الجارية البكر جعل الله العفو إليه ليس لها معه أمر إذا طلقت ما كانت في حجره.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر والنحاس في ناسخه عن سعيد بن المسيب، أنه قال في التي طلقت قبل الدخول وقد فرض لها: كان لها المتاع في الآية التي في الأحزاب فلما نزلت الآية التي البقرة جعل لها النصف من صداقها ولا متاع لها فنسخت آية الأحزاب.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن، أن أبا بكر الهدلي سأله عن رجل طلق امرأته من قبل أن يدخل بها: ألها متعة قال: نعم، فقال له أبو بكر: أما نسختها {فنصف ما فرضتم} قال الحسن: ما نسخها شيء.
وأخرج الشافعي وسعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس أنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها: ليس لها إلا نصف الصداق لأن الله تعالى يقول {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}.
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: لها نصف الصداق وإن جلس بين رجليها.
وأخرج الطستي عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قول الله {إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} قال: إلا أن تدع المرأة نصف المهر الذي لها أو يعطيها زوجها النصف الباقي فيقول: كانت في ملكي وحبستها عن الأزواج، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت زهير بن أبي سلمى وهو يقول:
حزما وبرا للإله وشيمة * تعفو عن خلق المسيء المفسد.

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والبيهقي بسند حسن عن ابن عمرو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال الذي بيده عقدة النكاح: الزوج.
وأخرج وكيع وسفيان والفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن جرير، وابن أبي حاتم والدارقطني والبيهقي عن علي بن أبي طالب قال {الذي بيده عقدة النكاح} الزوج.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي من طرق عن ابن عباس قال {الذي بيده عقدة النكاح} أبوها أو أخوها أو من لا تنكح إلا بإذنه.
وأخرج الشافعي عن عائشة أنها كانت تخطب إليها المرأة من أهلها فتشهد فإذا بقيت عقدة النكاح قالت لبعض أهلها: زوج فإن المرأة لا تلي عقد النكاح.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك وشريح، وابن المسيب والشعبي ونافع ومحمد بن كعب {الذي بيده عقدة النكاح} الزوج.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي بشر قال: قال طاووس ومجاهد {الذي بيده عقدة النكاح} هو الولي، وقال سعيد بن جبير: هو الزوج فكلماه في ذلك فما برحا حتى تابعا سعيدا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء والحسن وعلقمة والزهري {الذي بيده عقدة النكاح} هو الولي.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال: رضي الله بالعفو وأمر به فإن عفت فكما عفت وإن ضنت فعفا وليها الذي بيده عقدة النكاح جاز وإن أبت
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {إلا أن يعفون} يعني النساء {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} هو الولي.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن المسيب قال: عفو الزوج اتمام الصداق وعفوها أن تضع شطرها.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وأن تعفوا أقرب للتقوى} قال: أقربهما إلى التقوى الذي يعفو.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {وأن تعفوا أقرب للتقوى} يعني بذلك الزوج والمرأة جميعا أمرهما أن يستبقا في العفو وفيه الفضل.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله {وأن تعفوا} قال: يعني الأزواج.
وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد {ولا تنسوا الفضل بينكم} قال: في هذا وفي غيره.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك {ولا تنسوا الفضل بينكم} قال: المعروف
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في الآية قال: يحثهم على الفضل والمعروف بينهم ويرغبهم فيه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي وائل {ولا تنسوا الفضل بينكم} قال: هو الرجل يتزوج فتعينه أو يكاتب فتعينه وأشباه ذلك هذا من العطية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عون بن عبد الله {ولا تنسوا الفضل بينكم} قال: إذا أتى أحدكم السائل وليس عنده شيء فليدع له.
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وأبو داود، وابن أبي حاتم والخرائطي في مساوى ء الأخلاق والبيهقي في "سننه" عن علي بن أبي طالب قال يوشك أن يأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر فيه على ما فيه يديه وينسى الفضل وقد نهى الله عن ذلك قال الله تعالى {ولا تنسوا الفضل بينكم}، وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن علي مرفوعا.
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أنه تزوج امرأة لم يدخل بها حتى طلقها فأرسل إليها بالصداق تاما فقيل له في ذلك، فقال: أنا أولى بالفضل.
وأخرج مالك والشافعي، وابن أبي شيبة والبيهقي عن نافع، أن بنت عبيد الله بن عمرو وأمها بنت زيد بن الخطاب كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر فمات ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقا فابتغت أمها صداقها فقال ابن عمر: ليس لها صداق ولو كان لها صداق لم نمنعكموه ولم نظلمها فأبت أن تقبل ذلك فجعل بينهم زيد بن ثابت فقضى أن لا صداق لها ولها الميراث.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي، وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن علقمة، أن قوما أتوا ابن مسعود فقالوا: إن رجلا منا تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يجمعها إليه حتى مات فقال: ما سئلت عن شيء منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد من هذه فأتوا غيري فاختلفوا إليه فيها شهرا ثم قالوا في آخر ذلك: من نسأل إذا لم نسألك وأنت آخر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في هذا البلد ولا نجد غيرك فقال: سأقول فيها بجهد رأيي فإن كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له وإن كان خطأ فمني والله ورسوله منه بريء: أرى أن أجعل لها صداقا كصداق نسائها لا وكس ولا شطط ولها الميراث وعليها العدة أربعة أشهر وعشر، قال: وذلك بسمع ناس من أشجع فقاموا ومنهم معقل بن سنان فقالوا: نشهد أنك قضيت بمثل الذي قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة منا يقال لها بروع بنت واشق، قال: فما رؤي عبد الله فرح بشيء ما فرح يؤمئذ إلا بإسلامه ثم قال: اللهم إن كان صوابا فمنك وحدك لا شريك لك.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة والبيهقي عن علي بن أبي طالب، أنه قال في المتوفى عنها ولم يفرض لها صداق: لها الميراث وعليها العدة ولا صداق لها وقال: لا نقبل قول الأعرابي من أشجع على كتاب الله.
وأخرج الشافعي والبيهقي عن ابن عباس، أنه سئل عن المرأة يموت عنها زوجها وقد فرض لها صداقا قال: لها الصداق والميراث.
وأخرج مالك والشافعي، وابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن المسيب
أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة يتزوجها الرجل: أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن الأحنف بن قيس، أن عمر وعليا رضي الله عنهما قالا: إذا أرخى سترا وأغلق بابا فلها الصداق كاملا وعليها العدة.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة عن زرارة بن أوفى قال: قضاء الخلفاء الراشدين المهديين أنه من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب الصداق والعدة.
وأخرج مالك والبيهقي عن زيد بن ثابت قال: إذا دخل الرجل بإمرأته فأرخيت عليهما الستر فقد وجب الصداق.
وأخرج البيهقي عن محمد بن ثوبان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كشف امرأة فنظر إلى عورتها فقد وجب الصداق). [الدر المنثور: 3/28-36]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 07:20 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولكن لاّ تواعدوهنّ سرّاً} يقول: لا يصفنّ أحدكم نفسه في عدّتها بالرغبة في النكاح والإكثار منه.
حدّثنا محمد بن الجهم قال حدّثنا الفرّاء قال حدثني حبّان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال:
السرّ في هذا الموضع النكاح.
وأنشد عنه بيت امرئ القيس:

ألا زعمت بسباسة اليوم أنني * كبرت وألاّ يشهد السرّ أمثالي
قال الفرّاء: ويرى أنه مما كنى الله عنه قال: "أو جاء احد منكم من الغائط"). [معاني القرآن: 1/153]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} أي: في عدّتهن أن تقول: إني أريد أن أتزوجك وإن قضى شيء كان.
{لا تواعدوهنّ سرّاً} السّر: الإفضاء بالنكاح، قال الحطيئة:
ويحرم سرّ جارتهم عليهم... ويأكل جارهم أنف القصاع
أي: ما استأنفت؛ وقال رؤبة بن العجّاج:
فعفّ عن إسرارها بعد العسق
يعني: غشيانها، أراد الجماع. قال امرؤ القيس بن حجر الكنديّ:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنّني... كبرت وألاّ يحسن السرّ أمثالي). [مجاز القرآن: 1/75-76]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء أو أكننتم في أنفسكم علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ ولكن لاّ تواعدوهنّ سرّاً إلاّ أن تقولوا قولاً مّعروفاً ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أنّ اللّه غفورٌ حليمٌ}
قال: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} فـ"الخطبة" الذكر، و"الخطبة": التشهّد.
وقال: {ولكن لاّ تواعدوهنّ سرّاً} لأنه لما قال: {لا جناح عليكم} كأنه قال: "تذكرون {ولكن لاّ تواعدوهنّ سرّاً إلاّ أن تقولوا} استثناء خارج على "ولكن"). [معاني القرآن: 1/144-145]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {أو أكننتم في أنفسكم} فالفعل: أكننت الشيء إكنانًا، وكننته أيضًا كنا وكنونا.
و{بيض مكنون} على كننته؛ وقالوا: الكن الاسم.
وقال لبيد:
وذي بهجة كن المقانب = صوبه وزينه أزواج نور مشرب
فقال: "كن" بغير ألف.
وقال ابن العريض اليهودي:
كنها الله في مكان خفي = وخفي مكانها لو خفيت
وقال بعض قيس: كننت الحديث، وأكننت الجوهر؛ والكنة من هذا اللفظ.
[معاني القرآن لقطرب: 368]
وأما قوله عز وجل {ولكن لا تواعدوهن سرا} فالسر عند العرب فيما زعم يونس: الزنا خاصة؛ وكذلك السفاح، والسر أيضًا: النكاح؛ والسر أيضًا: ذكر الرجل؛ وكان قتادة يقول في قوله {ولكن لا تواعدوهن سرا} قال: النكاح العلانية، والسر الزنا.
قال وأنشدنا يونس:
موانع للأسرار إلا من أهلها = ويخلفن ما ظن الغيور المشفشف
وقال عدي بن زيد:
لهوت بهن بين سر ورشدة = ولم يك عهدي للأحبة خادعا
وقال عبيد:
وبيت يفوح المسك في حجراته = تسديته من بين سر ومخطوب
فالسر: الزنا.
ومن هذا اللفظ: السر، والسرار من ذلك؛ ويقال أيضًا: هو في سر قومه؛ أي في شرفهم؛ والسرار: الليلة التي يستسر القمر فيها.
ومن هذا اللفظ: السرة، مقطع أسرار الصبي، وسرر الصبي، وسرره وسره وسرره، كله في معنى السرة، ويقال: سررت الصبي أسره سرًا؛ إذا قطعت سراره.
والأسرار: الخطوط التي في الكف.
وأما قوله عز وجل {ولا تعزموا عقدة النكاح} يقال: عزم، وهو يعزمه إذا أحكمه وعقده؛ ويجوز أن يكون المعنى {ولا تعزموا عقدة النكاح} على معنى: لا تعزموا على عقدة النكاح، فحذف "على" وقد فسرنا ذلك مع {أن تسترضعوا أولادكم}
[معاني القرآن لقطرب: 369]
؛ وقالوا: عزموا عزما وعزمانًا؛ وقال الله عز وجل {فإن ذلك من عزم الأمور} بالفتح، المصدر: عزم عزمانًا.
وقال لبيد:
فكأنما صادفنه بمضيعة = سلما لهن بواجب معزوم). [معاني القرآن لقطرب: 370]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لا تواعدهن سرا}: ذكر الفقهاء أنه كناية عن الفجور). [غريب القرآن وتفسيره: 94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} وهو: أن يعرّض للمرأة في عدتها بتزويجه لها، من غير تصريح بذلك. فيقول لها: واللّه إنك لجميلة، وإنك لشابّة. وإن النساء لمن حاجتي، ولعل اللّه أن يسوق إليك خيرا. هذا وما أشبهه.
{ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا}أي: نكاحا.
يقول: لا تواعدوهن بالتزويج - وهن في العدة - تصريحا بذلك.
{إلّا أن تقولوا قولًا معروفاً}: لا تذكرون فيه نكاحا ولا رفثا.

{ولا تعزموا عقدة النّكاح} أي: لا تواقعوا عقدة النكاح {حتّى يبلغ الكتاب أجله}، يريد: حتى تنقضي العدة التي كتب على المرأة أن تعتدّها. أي فرض عليها.
{واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه} أي: يعلم ما تحتالون به في ذلك على مخالفة ما أراد، فاحذروه). [تفسير غريب القرآن: 89-90]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ : {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء أو أكننتم في أنفسكم علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ ولكن لا تواعدوهنّ سرّا إلّا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أنّ اللّه غفور حليم}المعنى: أنه لا جناح على الرجل أن يعرّض للمرأة التي هي في عدّة بالتزويج. والتعريض أن يقول إني فيك لراغب.
وإن قضى الله أمرا كان، وما أشبه هذا من القول.
ولا يجوز أن: يقطع أمر التزويج والمرأة لم تخرج من عدتها، ومعنى خطبة كمعنى خطب، أما خطبة فهو ماله أول وآخر نحو الرسالة، وحكي عن بعض العرب " اللهم ارفع عنا هذه الضغطة " فالضغطة ضغط له أول وآخر متصل.
ومعنى{أو أكننتم في أنفسكم}: يقال في كل شيء تستره أكننته وكننته، وأكننته فيما يستره أكثر، وما صنته تقول فيه كننته فهو مكنون.
قال اللّه عزّ وجلّ: {كأنّهنّ بيض مكنون}أي: مصون، وكل واحدة منهما قريبة من الأخرى.
وقوله عزّ وجلّ: {ولكن لا تواعدوهنّ سرّا}.
قال أبو عبيدة: السّر الإفصاح بالنكاح وأنشد:
ويحرم سرّ جارتهم عليهم... ويأكل جارهم أنف القصاع
وقال غيره: كأن السّر كناية عن الجماع - كما أن الغائط كناية عن الموضع وهذا القول عندي صحيح.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تعزموا عقدة النّكاح} معناه: لا تعزموا على عقد النكاح، وحذف " على " استخفافا كما تقول: ضرب زيد الظهر والبطن، معناه على الظهر والبطن،
وقال سيبويه: إن الحذف في هذه الأشياء لا يقاس.

وقوله عزّ وجلّ: {حتّى يبلغ الكتاب أجله} فعناه: حتى يبلغ فرض الكتاب أجله،
ويجوز أن يكون: الكتاب نفسه في معنى الفرض، فيكون المعنى حتى يبلغ الفرض أجله - كما قال: عزّ وجلّ:
(كتب عليكم الصّيام)أي: فرض عليكم، وإنّما جاز أن يقع {كتب} في معنى فرض، لأن ما يكتب يقع في النفوس أنه ثبت، ومعنى هذا الفرض الذي يبلغ أجله أيام عدة المطلقة والمتوفي عنها زوجها).
[معاني القرآن: 1/317-318]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء}
روى مجاهد عن ابن عباس قال: هو أن يقول أريد أن أتزوج وكره أن يقول لا تسبقيني بنفسك في العدة.
وقال القاسم بن محمد: هو أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها: إنك علي لكريمة وإني فيك لراغب وإن الله لسائق إليك خيرا ورزقا ونحو هذا من القول.
وقالت: سكينة بنت حنظلة وكانت تحت ابن عم لها فتوفي فدخل علي أبو جعفر محمد بن علي وأنا في عدتي فسلم ثم قال: كيف أصبحت فقلت: بخير جعلك الله بخير فقال: أنا من قد علمت قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته من علي وحقي في الإسلام وشرفي في العرب قالت: فقلت له غفر الله لك يا أبا جعفر أنت رجل يؤخذ منك ويروى عنك تخطبني في عدتي قال: ما فعلت إنما أخبرتك بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة
المخزومية وتأيمت من أبي سلمة بن عبد الأسد وهو ابن عمها فلم يزل يذكر منزلته من الله حتى أثر الحصير في يده من شدة ما يعتمد عليه بيده فما كانت تلك خطبة.
ثم قال تعالى: {أو أكننتم في أنفسكم} قيل: من أمر النكاح.
ثم قال تعالى: {علم الله أنكم ستذكرونهن}
قال الحسن: أي في الخطبة.
وقال مجاهد: أي في نفسه.
ثم قال تعالى: {ولكن لا تواعدوهن سرا}
قال سعيد بن جبير: السر أن يعاقدها على أن لا تتزوج غيره.
وقال مجاهد: هو أن يقول لا تفوتيني بنفسك.
وقال أبو مجلز وإبراهيم والحسن هو الزنا
وقال أبو عبيدة هو الإفصاح في النكاح
قال محمد بن يزيد: قوم يجعلون السر زنا وقوم يجعلونه الغشيان وكلا القولين خطأ إنما هو الغشيان من غير وجهه قال الله تعالى: {ولكن لا تواعدوهن سرا} فليس هذا موضع الزنا
قال أبو جعفر: الذي قال محمد بن يزيد من أن السر الغشيان من غير وجهه عند أهل اللغة كما قال إلا أن الأشبه في الآية ما قال سعيد بن جبير أن المعنى لا تواعدوهن نكاحا فسمي النكاح سرا لأن الغشيان يكون فيه وزعم محمد بن جرير أن أولى الأقوال بالصواب أن السر الزنا ولا يصح قول من قال السر أن يقول لها لا تسبقيني بنفسك لأنه قول علانية فإن أراد أن يقال سرا قيل له فهو إذا مطلق علانية وهذا لا يقوله أحد ولا يكون السر النكاح الصحيح لأنه لا يكون إلا بولي وشاهدين وهذا علانية
ومعنى{ستذكرونهن}: ستذكرون خطبتهن ولكن لا تواعدوهن سرا يقال لها قد ذكرتك في نفسي وقد صرت زوجتي فيغرها بذلك حتى يصل إلى جماعها زنا.
ثم قال تعالى: {إلا أن تقولوا قولا معروفا}
قال مجاهد: هو التعريض.
وقال سعيد بن جبير: أن يقول لها إني لأرجو أن نجتمع وإني إليك لمائل.
وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} حتى تنقضي العدة.
والتقدير في اللغة: حتى يبلغ فرض الكتاب ويجوز أن يكون الكتاب بمعنى الفرض تمثيلا.
ثم قال تعالى: {واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه}أي: يعلم ما تحتالون به). [معاني القرآن: 1/224-230]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لا تواعدهن سرا} نكاحا في العدة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({سِــــرّاً}: الزنـا النكــاح). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (قوله: {ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره...}
بالرفع. ولو نصب كان صوابا على تكرير الفعل على النيّة، أي: ليعط الموسع قدره، والمقتر قدره.
وهو مثل قول العرب: أخذت صدقاتهم، لكل أربعين شاةً شاة؛ ولو نصبت الشاة الآخرة كان صوابا.

وقوله: {متاعاً بالمعروف} منصوب خارجا من القدر؛ لأنه نكرة والقدر معرفة. وإن شئت كان خارجا من قوله "ومتّعوهنّ" متاعاً ومتعة.
فأمّا {حقّاً} فإنه نصب من نيّة الخبر لا أنه من نعت المتاع.
وهو كقولك في الكلام: عبد الله في الدار حقاً.
إنما نصب الحق من نيّة كلام المخبر؛ كأنه قال: أخبركم خبرا حقا، وبذلك حقا؛ وقبيح أن تجعله تابعا للمعرفات أو للنكرات؛ لأن الحق والباطل لا يكونان في أنفس الأسماء؛ إنما يأتي بالأخبار.
من ذلك أن تقول: لي عليك المال حقّا، وقبيح أن تقول: لي عليك المال الحق، أو: لي عليك مال حقّ، إلا أن تذهب به إلى أنه حقّ لي عليك، فتخرجه مخرج المال لا على مذهب الخبر.

وكل ما كان في القرآن مما فيه من نكرات الحق أو معرفته أو ما كان في معنى الحق فوجه الكلام فيه النصب؛ مثل قوله "وعد الحق" و"وعد الصدق" ومثل قوله: {إليه مرجعكم جميعا وعد اللّه حقاً} هذا على تفسير الأوّل.
وأمّا قوله:
{هنالك الولاية للّه الحقّ} فالنصب في الحقّ جائز؛ يريد حقّا، أي أخبركم أن ذلك حقّ.
وإن شئت خفضت الحقّ، تجعله من صفة الله تبارك وتعالى.
وإن شئت رفعته فتجعله من صفة الولاية.
وكذلك قوله:
{وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ} تجعله من صفة الله عز وجلّ. ولو نصبت كان صوابا، ولو رفع على نيّة الاستئناف كان صوابا؛ كما قال {الحقّ من ربّك
فلا تكوننّ من الممترين} وأنت قائل إذا سمعت رجلا يحدث: [حقّا أي] قلت حقا، والحقّ، أي ذلك الحقّ.
وأمّا قوله في ص
{قال فالحقّ والحقّ أقول} فإن الفرّاء قد رفعت الأوّل ونصبته.
وروي عن مجاهد وابن عباس أنهما رفعا الأوّل وقالا تفسيره:
الحقّ مني، وأقول الحق؛ فينصبان الثاني بـ "أقول". ونصبهما جميعا كثير منهم؛ فجعلوا الأوّل على معنى: والحقّ "لأملأنّ جهنّم" وينصب الثاني بوقوع القول عليه. وقوله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحقّ} رفعه حمزة والكسائيّ، وجعلا الحق هو الله تبارك وتعالى، لأنها في حرف عبد الله " ذلك عيسى بن مريم قال اللّه" كقولك: كلمة الله، فيجعلون (قال) بمنزلة القول؛ كما قالوا: العاب والعيب. وقد نصبه قوم يريدون: ذلك عيسى ابن مريم قولا حقّا).
[معاني القرآن: 1/153-155]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {المقتر} يقال: قد أقتر فلان، إذا كان كان مقّلاً، قال الشاعر:
ولا من ربيع المقترين رزئته... بذي علقٍ فاقنى حياءك واصبري). [مجاز القرآن: 1/76]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة أبي جعفر وشيبة {ما لم تمسوهن}.
الأعمش {تمآسوهن} و{من قبل أن تمآسوهن} وقالوا: مسست الشيء مسا ومسيسًا ومسيسي يا هذا.
[قال أبو الحسن: مسيساء يا هذا] ). [معاني القرآن لقطرب: 271] (م)
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة الأعمش وأبي جعفر {على الموسع قدره}.
نافع وشيبة {قدره} ). [معاني القرآن لقطرب: 272]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {على الموسع قدره} فيقال: أوسع الرجل وأترب؛ إذا استغنى.
وقوله {وعلى المقتر قدره} فإن الفعل فيه: أقتر يقتر، وهو مقتر، وقتر يقتر، ويقتر قترًا، وهو قاتر وهو الاسم.
قال أبو علي: وسنذكر هذا اللفظ في سورته مع قول الله عز وجل {قتر ولا ذلة} ). [معاني القرآن لقطرب: 370]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وعلى المقتر قدره}: المقتر المقل).[غريب القرآن وتفسيره: 94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أو تفرضوا لهنّ فريضةً}يعني: المهر.
{ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} أي: أعطوهن متعة الطلاق على قدر الغنى والفقر). [تفسير غريب القرآن: 90]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقّا على المحسنين}
فقد أعلم الله في هذه الآية أن عقد التزويج بغير مهر جائز، وأنه لا إثم على من طلق من تزوج بها من غير مهر كما أنه لا إثم على من طلق من تزوج بمهر، وأمر بأن تمتع المتزوج بها بغير مهر إذا طلقت ولم يدخل بها فقال الله عزّ وجلّ: {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره}.
و{قدره}، يقرآن جميعا، فقالوا إن التمتّع يكون بأشياء بأن تخدم المرأة وبأن تكسى، وبأن تعطى ما تنفقه، أيّ ذلك فعل يمتع، فذلك جائز له على قدر إمكانه.
وقوله عزّ وجلّ: {متاعا بالمعروف}أي: بما تعرفون أنه القصد وقدر الإمكان، ويجوز أن يكون نصب {متاعا بالمعروف}، على قوله: ومتعوهن متاعا، يجوز أن يكون: منصوبا على الخروج من قوله: على الموسع قدره متاعا أي ممتّعا متاعا.
وقوله عزّ وجلّ: {حقا على المحسنين}.
منصوب على حق ذلك عليهم حقا، كما يقال حققت عليه القضاء وأحققته، أي أوجبته). [معاني القرآن: 1/318-319]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن}
قال ابن عباس: الجماع.
{أو تفرضوا لهن فريضة} الفريضة ههنا المهر
قال أبو جعفر: وأصل الفرض الواجب كما قال كانت فريضة ما تقول قطيعتي ومنه فرض السلطان لفلان.
ثم قال تعالى: {ومتعوهن على الموسع قدره} وهو الغني {وعلى المقتر قدره} وهو الفقير.
قال سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك: وهذا معنى قولهم في المطلقة قبل الدخول بها ولم يفرض لها صداق لها المتعة واجبة.
وقال شريح: لا يقضى عليه لأنه قال {حقا على المحسنين}). [معاني القرآن: 1/230-231]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْمُقْتـــِرِ}: المقــل). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ...}
تماسّوهن وتمسّوهن واحد، وهو الجماع؛ المماسّة والمسّ.
وإنما قال {إلاّ أن يعفون} بالنون لأنه فعل النسوة، وفعل النسوة بالنون في كل حال.
يقال: هنّ يضربن، ولم يضربن، ولن يضربن؛ لأنك لو أسقطت النون منهن للنصب أو الجزم لم يستبن لهنّ تأنيث. وإنّما قالت العرب "لن يعفوا" للقوم، و"لن يعفوا" للرجلين لأنهم زادوا للاثنين في الفعل ألفا ونونا، فإذا أسقطوا نون الاثنين للجزم أو للنصب دلّت الألف على الاثنين. وكذلك واو يفعلون تدلّ على الجمع إذا أسقطت النون جزما أو نصبا.
{أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} وهو الزوج).
[معاني القرآن: 1/155]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ أن يعفون}هن: يتركن، يهبن، عفوت لك عن كذا وكذا: تركته لك). [مجاز القرآن: 1/76]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم إلاّ أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ}
قال: {فنصف ما فرضتم}أي: فعليكم نصف ما فرضتم {إلاّ أن يعفون} وإن شئت نصبت {نصف ما فرضتم} على الأمر.
وقال: {وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم}
وقال بعضهم (ولا تناسوا)، وكلٌّ صوابٌ.
وقال بعضهم
{ولا تنسوا الفضل} فكسر الواو لاجتماع الساكنين كما قال: {اشتروا الضّلالة}).
[معاني القرآن: 1/145]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة أبي جعفر وشيبة {ما لم تمسوهن}.
الأعمش {تمآسوهن} و{من قبل أن تمآسوهن} وقالوا: مسست الشيء مسا ومسيسًا ومسيسي يا هذا.
[قال أبو الحسن: مسيساء يا هذا] ). [معاني القرآن لقطرب: 271] (م)
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة الحسن {ولا تنسوا الفضل} برفع الواو.
قراءة أبي عمرو {ولا تنسوا الفضل}.
قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه "ولا تناسوا الفضل" ). [معاني القرآن لقطرب: 271]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {فنصف ما فرضتم} وأهل الحجاز يقولون: نصف بالكسر؛ وتميم وأسد يقولون: نصفه؛ وبعض العرب يقول: نصف ونصيف؛ والعامة على نصف، بكسر النون). [معاني القرآن لقطرب: 370]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فنصف ما فرضتم}: من المهر، أي: فلهن نصف ذلك {إلّا أن يعفون}أي: يهبن، {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} يعني: الزوج.
وهذا في المرأة تطلّق من قبل أن يدخل بها، وقد فرض لها المهر فلها نصف ما فرض لها، إلّا أن تهبه، أو يتمم لها الزوج الصداق كاملا.
وقد قيل: إن الذي بيده عقدة النكاح: الأب. يراد: إلّا أن يعفو النساء عما يجب لهن من نصف المهر، أو يعفو الأب عن ذلك، فيكون عفوه جائزا عن ابنته.
{وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم} حضّهم اللّه على العفو). [تفسير غريب القرآن:90-91]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم إلّا أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إنّ اللّه بما تعملون بصير}أي: فعليكم نصف ما فرضتم، ويجوز النصب - {فنصف ما فرضتم}.
المعنى: فأدّوا نصف ما فرضتم، ولا أعلم أحدا قرأ بها فإن لم تثبت بها رواية فلا تقرأنّ بها.
وقوله عزّ وجلّ: {إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النّكاح}المعنى: إلا أن يعفو النساء أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح، وهو الزوج أو الولي إذا كان أبا.
ومعنى عفو المرأة: - أن تعفو عن النصف المواجب لها من المهر فتتركه للزوج، أو يعفو الزوج عن النصف فيعطيها الكل.
وموضع {أن يعفون} نصب بأن، إلا أن جماعة المؤنث في الفعل المضارع تستوي في الرفع والنصب، والجزم، وقد بيّنّا ذلك فيما سلف من الكتاب.
وقوله عزّ وجلّ: {وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم}.
ظاهر هذا الخطاب للرجال خاصة دون النساء، وهو محتمل أن يكون للفريقين لأن الخطاب إذا وقع على مذكرين ومؤنثين غلب التذكير لأن الأول أمكن.
والأجود في قوله: {ولا تنسوا الفضل بينكم} الضم.
ويجوز {ولا تنسوا الفضل بينكم} - وقد شرحنا العلة فيه). [معاني القرآن: 1/319-320]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}
فقال قوم لها المتعة مع ذلك كما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن وسعيد بن جبير:لكل مطلقة متعة.
وقال آخرون: لا متعة لها.
روي ذلك عن عبد الله بن عمرو وسعيد بن المسيب وعطاء والشعبي.
ثم قال تعالى: {إلا أن يعفون} قال الزهري والضحاك: المرأة إذا طلقت تدع النصف الذي جعل لها.
ثم قال تعالى: {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح}
حدثنا محمد بن إدريس بن أسود قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد قال حدثنا جرير وهو ابن حازم قال حدثنا عيسى بن عاصم عن شريح قال: سألني علي بن أبي طالب عن الذي بيده عقدة النكاح، قال: قلت هو الولي قال لا بل الزوج
وكذلك قال جبير بن مطعم وسعيد بن جبير ورواه قتادة عن سعيد بن المسيب.
وقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم: هو الولي يعنون الأب خاصة.
قال أبو جعفر: حديث علي إنما رواه عن شريح عيسى بن عاصم ورواه الجلة عن شريح من قوله منهم الشعبي وابن سيرين والنخعي.
وأصح ما روي فيه عن صحابي قول ابن عباس.
قرئ على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر أحمد بن الأزهر قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار قال: سمعت عكرمة يقول: قال ابن عباس إن الله رضي العفو وأمر به فإن عفت فذلك وإن عفا وليها الذي بيده عقدة النكاح وضنت جاز وإن أبت.
قال أبو جعفر: والذي يدل عليه سياق الكلام واللغة أنه الولي وهو الذي يجوز أن يعقد النكاح على المرأة بغير أمرها كما قال {ولا تعزموا عقدة النكاح} وإنما بيد الزوج أن يطلق
فإن قيل بيده عقدة نكاح نفسه فذا لا يناسب الكلام الأول وقد جرى ذكر الزوج في قوله: {وقد فرضتم لهن فريضة} فلو كان للزوج لقيل أو تعفو وهذا أشبه بسياق الكلام وإن كان يجوز تحويل المخاطبة إلى الإخبار عن غائب
فأما اللغة فتوجب: إذا أعطي الصداق كاملا أن لا يقال له عاف ولكن يقال له واهب لأن العفو إنما هو ترك الشيء وإذهابه ومنه عفت الديار والعافية دروس البلاء وذهابه ومنه عفا الله عنك.
ثم قال جل وعز: {وأن تعفو أقرب للتقوى}قيل يعنى به:الأزواج وقيل يعني به الذي بيده عقدة النكاح والنساء جميعا
هذا قول ابن عباس وهو حسن لأنه يقل وأن
تعفون فيكون للنساء وأن يعفو فيكون للذي بيده عقدة النكاح). [معاني القرآن: 1/231-237]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 جمادى الآخرة 1434هـ/12-04-2013م, 11:46 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) }
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (



مــــوانـــــع الأســـــــــرار إلا لأهـــلـــهــــاويخلفن ما ظن الغيور المشفشف

...
قال الأسرار واحدها سر وهو النكاح من قوله تعالى: {لا تواعدهن سرا} يعني نكاحا والله أعلم). [نقائض جرير والفرزدق: 550]
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (



كانت إذا هجر الحليل فراشهاخزن الحديـث وعفـت الأسـرار

...
يقول وإن هجرها حليلها وهو زوجها لم تظهر له سرا وإن غضبت على زوجها عند هجرانه فراشها قال والسر هو النكاح بعينه وهو من قول الله عز وجل: {ولكن لا تواعدوهن سرا} يعني نكاحا). [نقائض جرير والفرزدق: 851]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (ثم النكاح

يقال: ناك الرجل نيكا، ونكح ينكح نكاحا وهما سواء. وباضع مباضعة، وبضاعا.
وجامع مجامعة.
ولامس لماسا.
وغشى غشيانا). [كتاب الفَرْق: 83]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (والسر النكاح. قال الأعشى:



ولا تـقــربــن جـــــارة إن ســرهـــاعليك حرام فانكحن أو تأبدا

رجل مئر إذا كان كثير النكاح). [الغريب المصنف: 1/256]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (كننت الشيء في الكن وأكننته؛ وفي النفس مثلهما جميعًا. الكسائي: كننت الشيء فهو مكنون وأكننت في نفسي). [الغريب المصنف: 2/568]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والسر النكاح قال الله جل وعز: {ولكن لا تواعدوهن سرا} وقال رؤبة بن العجاج:

فعف عن أسرارها بعد العسق
والعسق اللزوم قال الأعشى



(ولا تـقــربــن جـــــارة إن ســرهـــاعليك حرام فانكحن أو تأبدا)

وقال امرؤ القيس:
وأن لا يحسن السر أمثالي
والسر واحد الأسرار وهي خطوط الكف قال



(فـانـظـر إلـــى كـــف وأسـرارهــاهل أنت إن أوعدتني ضائري)

ويقال فلان في سر قومه إذا كان في أفضلهم وسر الودى أفضل موضع فيه وهي السرارة أيضا والسر من الأسرار التي تكتم). [إصلاح المنطق: 21]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (ويقال قد
أكننت الشيء إذا سترته قال الله عز وجل: {أو أكننتم في أنفسكم} وقد كننته إذا صنته قال الله عز وجل: {كأنهن بيض مكنون} وقال الشماخ:



(ولو أني أشاء كننت جسميإلـــى بـيـضـاء بـهـكـنـة شــمــوع)

). [إصلاح المنطق: 233-234]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (



ألا زعـمــت بسـبـاسـة الـيــوم أنــنــيكبرت وأن لا يشهد اللهو أمثالي

...
وروى أبو عبيدة: «وأن لا يحسن السِّر».
والسِّر: النكاح هاهنا من قوله عز وجل: {لا تواعدوهن سرا} ). [شرح ديوان امرئ القيس: 314]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (


وكأنهن وقد صدرن لواغباٌبيـض بأفنيـة المـقـام مـركـم

اللاغب المعيي، قال الله عز وجل: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} والمركم: الذي بعضه على بعض، والمرأة تشبه ببيضة النعامة كما تشبه بالدرة، قال الله عز وجل: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} والمكنون: المصون، والمكن: المستور، يقال: أكننت السر، قال الله عز وجل: {أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} وقال أبو دهبل، وأكثر الناس يرويه لعبد الرحمن بن حسان:



وهـي زهـراء مـثـل لـؤلـؤة الـغـواص ميزت من جوهر مكنون

وقال ابن الرقيات:



واضحٌ لونها كبيضة أدحيلها في النساء خلقٌ عميـم

العميم: التام، والأدحي: موضع بيض النعامة خاصة، وشعر عبد الرحمن هذا شعر مأثور مشهور عنه). [الكامل: 1/386-387] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال أبو العباس في المثل السائر: قيل لرجل: ما خفي? قال: ما لم يكن.
وفي تفسير هذه الآية: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}. قال: ما حدَّثت به نفسك. كما قال: {أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ}، تقديره في العربية: وأخفى منه). [الكامل: 2/876] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ويقال للنكاح: السرُّ؛ على غير وجه وهذا ليس من الباب الذي كنا فيه، ولكني ذكر الشيء بالشيء، وهذا حرف يغلط فيه، لأن قومًا يجعلون السرَّ الزنا، وقومٌ يجعلونه الغشيانَ، وكلا القولين خطأَ، إنما هو الغشيانُ من غير وجهه. قال الله جلَّ وعزّ: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا}، فليس هذا موضع الزنا.
وقال الحطيئة:



ويحـرم سـرُّ جارتهـم عليهـمويأكل جارهم أنف القصاعِ

وقال الأعشى لسلامة ذي فائشٍ الحميري:



وقومك إن يضمنوا جارةًوكانـوا بمـوضِـعِ أنضـادهـا
فلن يطلبـوا سرهـا للغنـىولـن يسلمـوهـا لإزهـادهـا

). [الكامل: 2/886-887]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال الله عز وجل: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ}، وقال تبارك وتعالى: {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ}.
والمكنون: المصون، يقال: كننت الشيء إذا صنته. وأكننته، إذا أخفيته، فهذا المعروف، قال الله تبارك وتعالى: {أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 235] وقد يقال: كننته، أخفيته). [الكامل: 2/951] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وقال يعقوب: كننت صنت وأكننت سترت). [شرح المفضليات: 835]

تفسير قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) }

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ما يضم من السواكن إذا حذفت بعد ألف الوصل
وذلك الحرف الواو التي هي علامة الإضمار إذا كان ما قبلها مفتوحاً وذلك قوله عز وجل: {ولا تنسوا الفضل بينكم} ورموا ابنك واخشوا الله فزعم الخليل أنهم جعلوا حركة الواو منها ليفصل بينها وبين الواو التي من نفس الحرف نحو واو لو وأو.
وقد قال قوم: {ولا تنسوا الفضل بينكم} جعلوها بمنزلة ما كسروا من السواكن وهي قليلة وقد قال قوم: (لوُ استطعنا) شبهوها بواو اخشوا الرجل ونحوها حيث كانت ساكنة مفتوحا ما قبلها وهي في القلة بمنزلة: {ولا تنسوا الفضل بينكم}.
وأما الياء التي هي علامة الإضمار وقبلها حرف مفتوح فهي مكسورة في ألف الوصل وذلك اخشي الرجل للمرأة لأنهم لما جعلوا حركة الواو من الواو جعلوا حركة الياء من الياء فصارت تجرى ههنا كما
تجرى الواو ثم وإن أجريتها مجرى: {ولا تنسوا الفضل بينكم} كسرت فهي على كل حال مكسورة.
ومثل هذه الواو واو مصطفون لأنها واوٌ زائدة لحقت للجمع كما لحقت واو أخشوا لعلامة الجمع وحذفت من الاسم ما حذفت واو أخشوا فهذه في الاسم كتلك في الفعل والياء في مصطفين مثلها في اخشي وذلك مصطفو الله ومن مصطفي الله). [الكتاب: 4/155]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والضمة مستثقلة في الواو، لأنها من مخرجها، وهما جميعا من أقل المخارج حروفا. ونبين هذا في بابه إن شاء الله .
فمتى انضمت الواو من غير علة فهمزها جائز. وذلك قولك في وجوع: أجوه، وفي وعد: أعد.
ومن ذلك قوله {وإذا الرسل أقتت} إنما هي فُعِّلت من الوقت، وكان أصلها وقتت.
وأما قولنا: إذا انضمت لغير علة، فإن العلة أن يحدث فيها حادث إعراب وذلك قولك: هذا غزوٌ وعدو.
ويكون لالتقاء الساكنين كقولك: اخشوا الرجل {لترون الجحيم} {ولا تنسوا الفضل بينكم}.
وإنما وجب في الأول ما لم يجب في هذا، لأن الضمة هناك لازمة). [المقتضب: 1/230-231] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 01:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 01:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 01:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 01:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء أو أكننتم في أنفسكم علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا إلاّ أن تقولوا قولاً معروفاً}
المخاطبة بهذه الآية لجميع الناس، والمباشر لحكمها هو الرجل الذي في نفسه تزويج معتدة، والتعريض هو الكلام الذي لا تصريح فيه كأنه يعرض لفكر المتكلم به، وأجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو نص في تزويجها وتنبيه عليه لا يجوز، وكذلك أجمعت على أن الكلام معها بما هو رفث وذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز. وجوز ما عدا ذلك، ومن أعظمه قربا إلى التصريح قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: «كوني عند أم شريك ولا تسبقيني بنفسك». ومن المجوز قول الرجل: إنك لإلى خير، وإنك لمرغوب فيك، وإني لأرجو أن أتزوجك، وإن يقدر أمر يكن، هذا هو تمثيل مالك وابن شهاب وكثير من أهل العلم في هذا، وجائز أن يمدح نفسه ويذكر مآثره على جهة التعريض بالزواج، وقد فعله أبو جعفر محمد بن علي بن حسين، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله مع أم سلمة، والهدية إلى المعتدة جائزة، وهي من التعريض، قاله سحنون وكثير من العلماء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وقد كره مجاهد أن يقول لا تسبقيني بنفسك، ورآه من المواعدة سرا»، وهذا عندي على أن يتأول قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس إنه على جهة الرأي لها فيمن يتزوجها لا أنه أرادها لنفسه، وإلا فهو خلاف لقوله صلى الله عليه وسلم، والخطبة بكسر الخاء فعل الخاطب من كلام وقصد واستلطاف بفعل أو قول، يقال خطبها يخطبها خطبا وخطبة ورجل خطّاب كثير التصرف في الخطبة، ومنه قول الشاعر:
برح بالعينين خطّاب الكثب ....... يقول إني خاطب وقد كذب
وإنما يخطب عسا من حلب والخطبة «فعلة» كجلسة «وقعدة»، والخطبة بضم الخاء هي الكلام الذي يقال في النكاح وغيره، أو أكننتم معناه سترتم وأخفيتم، تقول العرب: كننت الشيء من الأجرام، إذا سترته في بيت أو ثوب أو أرض ونحوه، وأكننت الأمر في نفسي، ولم يسمع من العرب كننته في نفسي، وتقول أكن البيت الإنسان ونحو هذا، فرفع الله الجناح عمن أراد تزوج المعتدة مع التعريض ومع الإكنان، ونهى عن المواعدة التي هي تصريح بالتزويج وبناء عليه واتفاق على وعد، فرخص لعلمه تعالى بغلبة النفوس وطمحانها وضعف البشر عن ملكها، وقوله تعالى: {ستذكرونهنّ}، قال الحسن: «معناه ستخطبونهن».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «كأنه قال إن لم تنهوا»، وقال غير الحسن: «معناه علم الله أنكم ستذكرون النساء المعتدات في نفوسكم وبألسنتكم لمن يخف عندكم فنهى عن أن يوصل إلى التواعد معها لما في ذلك من هتك حرمة العدة»، وقوله تعالى: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} ذهب ابن عباس وابن جبير ومالك وأصحابه والشعبي ومجاهد وعكرمة والسدي وجمهور أهل العلم إلى أن المعنى لا توافقوهن بالمواعدة والتوثق وأخذ العهود في استسرار منكم وخفية، ف سرًّا على هذا التأويل نصب على الحال أي مستسرين. وقال جابر بن زيد وأبو مجلز لاحق بن حميد والحسن بن أبي الحسن والضحاك وإبراهيم النخعي: «السر في هذه الآية الزنا أي لا تواعدوهن زنى».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «هكذا جاءت عبارة هؤلاء في تفسير السر وفي ذلك عندي نظر، وذلك أن السر في اللغة يقع على الوطء حلاله وحرامه، لكن معنى الكلام وقرينته ترد إلى أحد الوجهين»، فمن الشواهد قول الحطيئة:
ويحرم سرّ جارتهم عليهم ....... ويأكل جارهم أنف القصاع
فقرينة هذا البيت تعطي أن السر أراد به الوطء حراما، وإلا فلو تزوجت الجارة كما يحسن لم يكن في ذلك عار، ومن الشواهد قول الآخر:
أخالتنا سرّ النّساء محرّم ....... عليّ، وتشهاد النّدامى مع الخمر
لئن لم أصبّح داهنا ولفيفها ....... وناعبها يوما براغية البكر
فقرينة هذا الشعر تعطي أنه أراد تحريم جماع النساء عموما في حرام وحلال حتى ينال ثأره، والآية تعطي النهي عن أن يواعد الرجل المعتدة أن يطأها بعد العدة بوجه التزويج، وأما المواعدة في الزنى فمحرم على المسلم مع معتدة وغيرها، وحكى مكي عن ابن جبير أنه قال: «سرا: نكاحا»، وهذه عبارة مخلصة، وقال ابن زيد: «معنى قوله: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} أي لا تنكحوهن وتكتمون ذلك فإذا حلت أظهرتموه ودخلتم بهن».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «فابن زيد في معنى السر مع القول الأول أي خفية»، وإنما شذ في أن سمى العقد مواعدة، وذلك قلق لأن العقد متى وقع وإن تكتم به فإنما هو في عزم العقدة، وحكى مكي عنه أنه قال: «الآية منسوخة بقوله: {ولا تعزموا عقدة النّكاح}» وأجمعت الأمة على كراهية المواعدة في العدة للمرأة في نفسها، وللأب في ابنته البكر، وللسيد في أمته، قال ابن المواز: «فأما الولي الذي لا يملك الجبر فأكرهه، وإن نزل لم أفسخه»، وقال مالك رحمه الله فيمن يواعد في العدة ثم يتزوج بعدها: «فراقها أحب إليّ دخل بها أو لم يدخل وتكون تطليقة واحدة، فإذا حلت خطبها مع الخطاب»، هذه رواية ابن وهب، وروى أشهب عن مالك أنه يفرق بينهما إيجابا، وقاله ابن القاسم، وحكى ابن حارث مثله عن ابن الماجشون، وزاد ما يقتضي أن التحريم يتأبد، وقوله تعالى: {إلّا أن تقولوا قولًا معروفاً} استثناء منقطع، والقول المعروف هو ما أبيح من التعريض، وقد ذكر الضحاك: «أن من القول المعروف أن يقول الرجل للمعتدة احبسي عليّ نفسك فإن لي بك رغبة، فتقول هي وأنا مثل ذلك».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذه عندي مواعدة، وإنما التعريض قول الرجل: إنكم لأكفاء كرام، وما قدر كان، وإنك لمعجبة، ونحو هذا».
قوله عز وجل: {ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أنّ اللّه غفورٌ حليمٌ (235)}
عزم العقدة عقدها بالإشهاد والولي، وحينئذ تسمى عقدة، وقوله تعالى: {حتّى يبلغ الكتاب أجله} يريد تمام العدة، والكتاب هنا هو الحد الذي جعل والقدر الذي رسم من المدة، سماه كتابا إذ قد حده وفرضه كتاب الله، كما قال: {كتاب اللّه عليكم} [النساء: 24]، وكما قال: {إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} [النساء: 103]، ولا يحتاج عندي في الكلام إلى حذف مضاف، وقد قدر أبو إسحاق في ذلك حذف مضاف أي فرض الكتاب، وهذا على أن جعل الكتاب القرآن، واختلف أهل العلم إن خالف أحد هذا النهي وعزم العقدة قبل بلوغ الأجل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وأنا أفصل المسألة إن شاء الله تعالى، أما إن عقد في العدة وعثر عليه ففسخ الحاكم نكاحه وذلك قبل الدخول: فقول عمر بن الخطاب وجماعة من العلماء إن ذلك لا يؤبد تحريما»، وقاله مالك وابن القاسم في المدونة في آخر الباب الذي يليه ضرب أجل امرأة المفقود، وقال الجميع: يكون خاطبا من الخطّاب، وحكى ابن الجلاب عن مالك رواية أن التحريم يتأبد في العقد في العدة وإن فسخ قبل الدخول، وأما إن عقد في العدة ودخل بعد انقضائها فقال قوم من أهل العلم: ذلك كالدخول في العدة يتأبد التحريم بينهما، وقال قوم من أهل العلم: لا يتأبد بذلك تحريم، وقال مالك مرة: «يتأبد التحريم»، وقال مرة: «وما التحريم بذلك بالبين»، والقولان له في المدونة في طلاق السنة، وأما إن دخل في العدة فقول عمر بن الخطاب ومالك وجماعة من أصحابه والأوزاعي والليث وغيرهم من أهل العلم: «إن التحريم يتأبد»، وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن مسعود وإبراهيم وأبي حنيفة والشافعي وجماعة من العلماء وعبد العزيز بن أبي سلمة: «إن التحريم لا يتأبد وإن وطئ في العدة، بل يفسخ بينهما ثم تعتد منه ثم يكون خاطبا من الخطاب»، قال أبو حنيفة والشافعي: «تعتد من الأول فإذا انقضت العدة فلا بأس أن يتزوجها الآخر»، وحكى ابن الجلاب رواية في المذهب: «أن التحريم لا يتأبد مع الدخول في العدة»، ذكرها في العالم بالتحريم المجترئ لأنه زان، وأما الجاهل فلا أعرف فيها خلافا في المذهب.
حدثني أبو علي الحسين بن محمد الغساني مناولة، قال نا أبو عمر بن عبد البر، نا عبد الوارث بن سفيان، نا قاسم بن أصبغ، عن محمد بن إسماعيل، عن نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، عن أشعث، عن الشعبي، عن مسروق، قال: «بلغ عمر بن الخطاب أن امرأة من قريش تزوجها رجل من ثقيف في عدتها، فأرسل إليهما ففرق بينهما وعاقبهما، وقال: لا تنكحها أبدا. وجعل صداقها في بيت المال، وفشا ذلك في الناس، فبلغ عليا فقال: «يرحم الله أمير المؤمنين، ما بال الصداق وبيت المال؟ إنما جهلا فينبغي للإمام أن يردهما إلى السنة»، قيل: فما تقول أنت فيها؟، قال: لها الصداق بما استحل من فرجها، ويفرق بينهما، ولا حد عليهما، وتكمل عدتها من الأول، ثم تعتد من الثاني عدة كاملة ثلاثة أقراء، ثم يخطبها إن شاء، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فخطب الناس فقال: «يا أيها الناس ردوا الجهالات إلى السنة»، وهذا قول الشافعي والليث في العدة من اثنين، وقال مالك وأصحاب الرأي والأوزاعي والثوري: «عدة واحدة تكفيهما جميعا سواء كانت بالحمل أو بالإقراء أو بالأشهر»، وروى المدنيون عن مالك مثل قول علي بن أبي طالب والشافعي في إكمال العدتين، واختلف قول مالك رحمه الله في الذي يدخل في العدة عالما بالتحريم مجترما، فمرة قال: «العالم والجاهل فيه سواء لا حد عليه، والصداق له لازم، والولد لاحق، ويعاقبان ولا يتناكحان أبدا»، ومرة قال: «العالم بالتحريم كالزاني يحد، ولا يلحق به الولد، وينكحها بعد الاستبراء»، والقول الأول أشهر عن مالك رحمه الله.
وقوله تعالى: {واعلموا} إلى آخر الآية: تحذير من الوقوع فيما نهى عنه، وتوقيف على غفره وحلمه في هذه الأحكام التي بيّن ووسّع فيها من إباحة التعريض ونحوه). [المحرر الوجيز: 1/ 580-588]

تفسير قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضةً ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقًّا على المحسنين (236)}
هذا ابتداء إخبار برفع الجناح عن المطلق قبل البناء والجماع، فرض مهرا أو لم يفرض، ولما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزوج لمعنى الذوق وقضاء الشهوة وأمر بالتزوج طلبا للعصمة والتماس ثواب الله وقصد دوام الصحبة وقع في نفوس المؤمنين أن من طلق قبل البناء قد واقع جزءا من هذا المكروه، فنزلت الآية رافعة للجناح في ذلك إذا كان أصل النكاح على المقصد الحسن، وقال قوم: لا جناح عليكم معناه لا طلب بجميع المهر بل عليكم نصف المفروض لمن فرض لها والمتعة لمن لم يفرض لها، وقال قوم: لا جناح عليكم معناه في أن ترسلوا الطلاق في وقت حيض بخلاف المدخول بها، وقال مكي: «المعنى لا جناح عليكم في الطلاق قبل البناء لأنه قد يقع الجناح على المطلق بعد أن كان قاصدا للذوق، وذلك مأمون قبل المسيس»، والخطاب بالآية لجميع الناس، وقرأ أبو عمرو وابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر «تمسوهن» بغير ألف، وقرأ الكسائي وحمزة «تماسوهن» بألف وضم التاء، وهذه القراءة الأخيرة تعطي المس من الزوجين، والقراءة الأولى تقتضي ذلك بالمعنى المفهوم من المس، ورجحها أبو علي لأن أفعال هذا المعنى جاءت ثلاثية على هذا الوزن: نكح وسفد وقرع وذقط وضرب الفحل، والقراءتان حسنتان، وتفرضوا عطف على «تمسوا»، وفرض المهر إثباته وتحديده، وهذه الآية تعطي جواز العقد على التفويض لأنه نكاح مقرر في الآية مبين حكم الطلاق فيه، قاله مالك في المدونة، والفريضة الصداق، وقوله تعالى: «ومتّعوهنّ معناه أعطوهن شيئا يكون متاعا لهن»، وحمله ابن عمر وعلي بن أبي طالب والحسن بن أبي الحسن وسعيد بن جبير وأبو قلابة والزهري وقتادة والضحاك بن مزاحم على الوجوب، وحمله أبو عبيد ومالك بن أنس وأصحابه وشريح وغيرهم على الندب، ثم اختلفوا في الضمير المتصل ب «متعوا» من المراد به من النساء؟، فقال ابن عباس وابن عمر وعطاء وجابر بن زيد والحسن والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي: المتعة واجبة للمطلقة قبل البناء والفرض، ومندوبة في غيرها، وقال مالك وأصحابه: «المتعة مندوب إليها في كل مطلقة وإن دخل بها إلا في التي لم يدخل بها وقد فرض لها، فحسبها ما فرض لها، ولا متعة لها»، وقال أبو ثور: «لها المتعة ولكل مطلقة»، وأجمع أهل العلم على أن التي لم يفرض لها ولم يدخل بها لا شيء لها غير المتعة، فقال الزهري: «يقضي لها بها القاضي»، وقال جمهور الناس: «لا يقضي بها»، قاله شريح، ويقال للزوج: إن كنت من المتقين والمحسنين فمتع ولم يقض عليه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا مع إطلاق لفظ الوجوب عند بعضهم»، وأما ربط مذهب مالك فقال ابن شعبان: «المتعة بإزاء غم الطلاق ولذلك ليس للمختلعة والمبارئة والملاعنة متعة»، وقال الترمذي وعطاء والنخعي: «للمختلعة متعة»، وقال أصحاب الرأي: للملاعنة متعة، قال ابن القاسم: «ولا متعة في نكاح مفسوخ»، قال ابن المواز: «ولا فيما يدخله الفسخ بعد صحة العقد مثل ملك أحد الزوجين صاحبه»، وروى ابن وهب عن مالك أن المخيرة لها المتعة بخلاف الأمة تعتق تحت العبد فتختار، فهذه لا متعة لها، وأما الحرة تخير أو تملك أو يتزوج عليها أمة فتختار هي نفسها في ذاك كله فلها المتعة، لأن الزوج سبب الفراق، وعليها هي غضاضة في أن لا تختار نفسها.
واختلف الناس في مقدار المتعة، فقال ابن عمر: «أدنى ما يجزىء في المتعة ثلاثون درهما أو شبهها»، وروي أن ابن حجيرة كان يقضي على صاحب الديوان بثلاثة دنانير، وقال ابن عباس: «أرفع المتعة خادم ثم كسوة ثم نفقة»، وقال عطاء: «من أوسط ذلك درع وخمار وملحفة»، وقال الحسن: «يمتع كل على قدره: هذا بخادم، وهذا بأثواب، وهذا بثوب وهذا بنفقة»، وكذلك يقول مالك بن أنس، ومتع الحسن بن علي بعشرين ألفا وزقاق من عسل، ومتع شريح بخمسمائة درهم، وقالت أم حميد بن عبد الرحمن بن عوف: «كأني أنظر إلى خادم سوداء متع بها عبد الرحمن بن عوف زوجه أم أبي سلمة»، وقال أصحاب الرأي وغيرهم: متعة التي تطلق قبل الدخول والفرض نصف مهر مثلها لا غير، وقوله تعالى: {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره}: دليل على رفض التحديد، وقرأ الجمهور «على الموسع» بسكون الواو وكسر السين بمعنى الذي أوسع أي اتسعت حاله، وقرأ أو حيوة: «الموسّع» بفتح الواو وشد السين وفتحها، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر «قدره» بسكون الدال في الموضعين، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص «قدره» بفتح الدال فيهما، قال أبو الحسن الأخفش وغيره: «هما بمعنى لغتان فصيحتان»، وكذلك حكى أبو زيد، تقول: «خذ قدر كذا وقدر كذا بمعنى، ويقرأ في كتاب الله {فسالت أوديةٌ بقدرها} [الرعد: 17] وقدرها، وقال: {وما قدروا اللّه حقّ قدره} [الأنعام: 91]»، ولو حركت الدال لكان جائزا، والمقتر: المقل القليل المال، ومتاعاً نصب على المصدر وقوله تعالى: {بالمعروف}: أي لا حمل فيه ولا تكلف على أحد الجانبين، فهو تأكيد لمعنى قوله على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، ثم أكد تعالى الندب بقوله حقًّا على المحسنين أي في هذه النازلة من التمتيع هم محسنون، ومن قال بأن المتعة واجبة قال: هذا تأكيد الوجوب، أي على المحسنين بالإيمان والإسلام، فليس لأحد أن يقول لست بمحسن على هذا التأويل، وحقًّا صفة لقوله متاعاً، أو نصب على المصدر وذلك أدخل في التأكيد للأمر). [المحرر الوجيز: 1/ 589-593]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم إلاّ أن يعفون أو يعفوا الّذي بيده عقدة النّكاح وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ (237)}
اختلف الناس في هذه الآية، فقالت فرقة فيها مالك وغيره: «إنها مخرجة المطلقة بعد الفرض من حكم التمتيع، إذ يتناولها قوله تعالى: {ومتّعوهنّ}»، وقال ابن المسيب: «نسخت هذه الآية الآية التي في الأحزاب، لأن تلك تضمنت تمتيع كل من لم يدخل بها». وقال قتادة: «نسخت هذه الآية الآية التي قبلها».
وقال ابن القاسم في المدونة: «كان المتاع لكل مطلقة بقوله تعالى: {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف} [البقرة: 241] ولغير المدخول بها بالآية التي في سورة الأحزاب، الآية: 49 فاستثنى الله المفروض لها قبل الدخول بهذه الآية، وأثبت للمفروض لها نصف ما فرض فقط»، وزعم زيد بن أسلم أنها منسوخة بهذه الآية، حكى ذلك في المدونة عن زيد بن أسلم زعما، وقال ابن القاسم: «إنه استثناء»، والتحرير برد ذلك إلى النسخ الذي قال زيد، لأن ابن القاسم قال: «إن قوله تعالى: {وللمطلّقات متاعٌ} [البقرة: 241] عم الجميع، ثم استثنى الله منه هذه التي فرض لها قبل المسيس»، وقال فريق من العلماء منهم أبو ثور: «المتعة لكل مطلقة عموما»، وهذه الآية إنما بينت أن المفروض لها تأخذ نصف ما فرض، ولم تعن الآية لإسقاط متعتها بل لها المتعة ونصف المفروض، وقرأ الجمهور «فنصف» بالرفع، والمعنى فالواجب نصف ما فرضتم، وقرأت فرقة «فنصف» بنصب الفاء، المعنى فادفعوا نصف، وقرأ علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت «فنصف» بضم النون في جميع القرآن، وهي لغة، وكذلك روى الأصمعي قراءة عن أبي عمرو بن العلاء، وقوله تعالى: {إلّا أن يعفون} استثناء منقطع لأن عفوهن عن النصف ليس من جنس أخذهن، ويعفون معناه يتركن ويصفحن، وزنه يفعلن، والمعنى إلا أن يتركن النصف الذي وجب لهن عند الزوج، والعافيات في هذه الآية كل امرأة تملك أمر نفسها. وقال ابن عباس وجماعة من الفقهاء والتابعين: «ويجوز عفو البكر التي لا ولي لها»، وحكاه سحنون في المدونة عن غير ابن القاسم بعد أن ذكر لابن القاسم أن وضعها نصف الصداق لا يجوز، وأما التي في حجر أب وصي فلا يجوز وضعها لنصف صداقها قولا واحدا فيما أحفظ.
واختلف الناس في المراد بقوله تعالى: {أو يعفوا الّذي بيده عقدة النّكاح} فقال ابن عباس وعلقمة وطاوس ومجاهد وشريح والحسن وإبراهيم والشعبي وأبو صالح وعكرمة والزهري ومالك وغيرهم: «هو الولي الذي المرأة في حجره، فهو الأب في ابنته التي لم تملك أمرها، والسيد في أمته»، وأما شريح فإنه جوز عفو الأخ عن نصف المهر، وقال: «وأنا أعفو عن مهور بني مرة وإن كرهن»، وكذلك قال عكرمة: «يجوز عفو الذي عقد عقدة النكاح بينهما، كان عما أو أخا أو أبا وإن كرهت»، وقالت فرقة من العلماء: «الذي بيده عقدة النكاح الزوج»، قاله علي بن أبي طالب وقاله ابن عباس أيضا، وشريح أيضا رجع إليه، وقاله سعيد ابن جبير وكثير من فقهاء الأمصار، فعلى القول الأول: الندب لهما هو في النصف الذي يجب للمرأة فإما أن تعفو هي وإما أن يعفو وليها، وعلى القول الثاني: فالندب في الجهتين إما أن تعفو هي عن نصفها فلا تأخذ من الزوج شيئا، وإما أن يعفو الزوج عن النصف الذي يحط فيؤدي جميع المهر، وهذا هو الفضل منهما، وبحسب حال الزوجين يحسن التحمل والتجمل، ويروى أن: «جبير بن مطعم دخل على سعد بن أبي وقاص فعرض عليه ابنة له فتزوجها، فلما خرج طلقها وبعث إليه بالصداق، فقيل له: لم تزوجتها؟، فقال: عرضها علي فكرهت رده، قيل: فلم تبعث بالصداق؟ قال: فأين الفضل؟»
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ويحتج القائلون بأن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، بأن هذا الولي لا يجوز له ترك شيء من صداقها قبل الطلاق فلا فرق بعد الطلاق. وأيضا فإنه لا يجوز له ترك شيء من مالها الذي ليس من الصداق فماله يترك نصف الصداق؟ وأيضا فإنه إذا قيل إنه الولي فما الذي يخصص بعض الأولياء دون بعض وكلهم بيده عقدة النكاح وإن كان كافلا أو وصيا أو الحاكم أو الرجل من العشيرة؟»، ويحتج من يقول إنه الولي الحاجر بعبارة الآية، لأن قوله الّذي بيده عقدة النّكاح عبارة متمكنة في الولي، وهي في الزوج قلقة بعض القلق، وليس الأمر في ذلك كما قال الطبري ومكي من أن المطلق لا عقدة بيده بل نسبة العقدة إليه باقية من حيث كان عقدها قبل، وأيضا فإن قوله: {إلّا أن يعفون}: لا تدخل فيه من لا تملك أمرها لأنها لا عفو لها فكذلك لا يغبن النساء بعفو من يملك أمر التي لا تملك أمرها، وأيضا فإن الآية إنما هي ندب إلى ترك شيء قد وجب في مال الزوج، يعطي ذلك لفظ العفو الذي هو الترك والاطراح وإعطاء الزوج المهر كاملا لا يقال فيه عفو، إنما هو انتداب إلى فضل، اللهم إلا أن تقدر المرأة قد قبضته، وهذا طار لا يعتد به، قال مكي: «وأيضا فقد ذكر الله الأزواج في قوله فنصف ما فرضتم ثم ذكر الزوجات بقوله يعفون، فكيف يعبر عن الأزواج بعد بالذي بيده عقدة النكاح بل هي درجة ثالثة لم يبق لها إلا الولي».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وفي هذا نظر»، وقرأ الجمهور «أو يعفو» بفتح الواو لأن الفعل منصوب، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «أو يعفو الذي» بواو ساكنة، قال المهدوي: «ذلك على التشبيه بالألف»، ومنه قول عامر بن الطفيل:
فما سوّدتني عامر عن وراثة ....... أبى الله أن أسمو بأمّ ولا أب
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والذي عندي أنه استثقل الفتحة على واو متطرفة قبلها متحرك لقلة مجيئها في كلام العرب»، وقد قال الخليل رحمه الله: «لم يجىء في الكلام واو مفتوحة متطرفة قبلها فتحة إلا في قولهم عفوة وهو جمع عفو وهو ولد الحمار، وكذلك الحركة ما كانت قبل الواو المفتوحة فإنها ثقيلة»، ثم خاطب تعالى الجميع نادبا بقوله: {وأن تعفوا أقرب للتّقوى} أي يا جميع الناس، وهذه قراءة الجمهور بالتاء باثنتين من فوق، وقرأ أبو نهيك والشعبي «وأن يعفو» بالياء، وذلك راجع إلى الذي بيده عقدة النكاح، وقرأ الجمهور «ولا تنسوا الفضل»، وقرأ علي بن أبي طالب ومجاهد وأبو حيوة وابن أبي عبلة «ولا تناسوا الفضل»، وهي قراءة متمكنة المعنى لأنه موضع تناس لا نسيان إلا على التشبيه، وقوله تعالى ولا تنسوا الفضل ندب إلى المجاملة، قال مجاهد: الفضل إتمام الزوج الصداق كله أو ترك المرأة النصف الذي لها، وقوله إنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ خبر في ضمنه الوعد للمحسن والحرمان لغير المحسن). [المحرر الوجيز: 1/ 593-597]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 01:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 01:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء أو أكننتم في أنفسكم علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا إلا أن تقولوا قولا معروفًا ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أنّ اللّه غفورٌ حليمٌ (235)}
يقول تعالى: {ولا جناح عليكم} أن تعرّضوا بخطبة النّساء في عدّتهنّ من وفاة أزواجهنّ من غير تصريحٍ. قال الثّوريّ وشعبة وجريرٌ وغيرهم، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} قال: «التّعريض أن تقول: إنّي أريد التّزويج، وإنّي أحبّ امرأةً من أمرها ومن أمرها -يعرّض لها بالقول بالمعروف -»وفي روايةٍ: «وددت أنّ اللّه رزقني امرأةً ونحو هذا. ولا ينصب للخطبة». وفي روايةٍ: «إنّي لا أريد أن أتزوّج غيرك إن شاء اللّه، ولوددت أنّي وجدت امرأةً صالحٍةً، ولا ينصب لها ما دامت في عدّتها». ورواه البخاريّ تعليقًا، فقال: قال لي طلق بن غنّام، عن زائدة، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} هو أن يقول: «إنّي أريد التّزويج، وإنّ النّساء لمن حاجتي، ولوددت أنّه تيسّر لي امرأةٌ صالحٍةٌ».
وهكذا قال مجاهدٌ، وطاوسٌ، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، والشّعبيّ، والحسن، وقتادة، والزّهريّ، ويزيد بن قسيط، ومقاتل بن حيّان، والقاسم بن محمّدٍ، وغير واحدٍ من السّلف والأئمّة في التّعريض: «أنّه يجوز للمتوفّى عنها زوجها من غير تصريحٍ لها بالخطبة». وهكذا حكم المطلقة المبتوتة يجوز التّعريض لها، كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لفاطمة بنت قيسٍ، حين طلّقها زوجها أبو عمرو بن حفص: آخر ثلاث تطليقاتٍ. فأمرها أن تعتدّ في بيت ابن أمّ مكتومٍ، وقال لها: «فإذا حللت فآذنيني». فلمّا حلّت خطب عليها أسامة بن زيدٍ مولاه، فزوّجها إيّاه.
فأمّا المطلّقة الرّجعيّة: فلا خلاف في أنّه لا يجوز لغير زوجها التّصريح بخطبتها ولا التّعريض لها، واللّه أعلم.
وقوله: {أو أكننتم في أنفسكم} أي: أضمرتم في أنفسكم خطبتهنّ وهذا كقوله تعالى: {وربّك يعلم ما تكنّ صدورهم وما يعلنون} [القصص:69] وكقوله: {وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم} [المتحنة:1] ولهذا قال: {علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ} أي: في أنفسكم، فرفع الحرج عنكم في ذلك، ثمّ قال: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} قال أبو مجلز، وأبو الشّعثاء -جابر بن زيدٍ -والحسن البصريّ، وإبراهيم النّخعيّ وقتادة، والضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ، وسليمان التّيميّ، ومقاتل بن حيّان، والسّدّيّ: «يعني الزّنا». وهو معنى رواية العوفي عن ابن عباس، واختاره ابن جرير.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} لا تقل لها: «إنّي عاشقٌ، وعاهديني ألّا تتزوّجي غيري، ونحو هذا». وكذا روي عن سعيد بن جبير، والشّعبيّ، وعكرمة، وأبي الضّحى، والضّحّاك، والزّهريّ، ومجاهدٍ، والثّوريّ: «هو أن يأخذ ميثاقها ألّا تتزوّج غيره»، وعن مجاهدٍ: «هو قول الرّجل للمرأة: لا تفوتيني بنفسك، فإنّي ناكحك».
وقال قتادة: «هو أن يأخذ عهد المرأة، وهي في عدّتها ألّا تنكح غيره، فنهى اللّه عن ذلك وقدّم فيه، وأحلّ الخطبة والقول بالمعروف». وقال ابن زيدٍ: «{ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} هو أن يتزوّجها في العدّة سرًّا، فإذا حلّت أظهر ذلك».
وقد يحتمل أن تكون الآية عامّةً في جميع ذلك؛ ولهذا قال: {إلا أن تقولوا قولا معروفًا} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ وسعيد بن جبيرٍ، والسّدّيّ، والثّوريّ، وابن زيدٍ: «يعني به: ما تقدّم من إباحة التّعريض. كقوله: إنّي فيك لراغبٌ. ونحو ذلك».
وقال محمّد بن سيرين: «قلت لعبيدة: ما معنى قوله: {إلا أن تقولوا قولا معروفًا}؟ قال: يقول لوليّها: لا تسبقني بها، يعني: لا تزوّجها حتّى تعلمني». رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقوله: {ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله} يعني: ولا تعقدوا العقد بالنّكاح حتّى تنقضي العدّة. قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، والشّعبيّ، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ، وأبو مالكٍ، وزيد بن أسلم، ومقاتل بن حيّان، والزّهريّ، وعطاءٌ الخراسانيّ، والسّدّيّ، والثّوريّ، والضّحّاك: «{حتّى يبلغ الكتاب أجله} يعني: حتّى تنقضي العدّة».
وقد أجمع العلماء على أنّه لا يصحّ العقد في مدّة العدّة. واختلفوا فيمن تزوّج امرأةً في عدّتها فدخل بها، فإنّه يفرّق بينهما، وهل تحرم عليه أبدًا؟ على قولين: الجمهور على أنّها لا تحرم عليه، بل له أن يخطبها إذا انقضت عدّتها. وذهب الإمام مالكٌ إلى أنّها تحرم عليه على التّأبيد. واحتجّ في ذلك بما رواه عن ابن شهابٍ، وسليمان بن يسارٍ: أنّ عمر، رضي اللّه عنه، قال: «أيّما امرأةٍ نكحت في عدّتها، فإنّ زوجها الّذي تزوّجها لم يدخل بها، فرّق بينهما، ثمّ اعتدّت بقيّة عدّتها من زوجها الأوّل، ثمّ كان الآخر خاطبًا من الخطّاب، وإن كان دخل بها فرّق بينهما، ثمّ اعتدّت بقيّة عدّتها من الأوّل ثمّ اعتدّت من الآخر، ثمّ لم ينكحها أبدًا».
قالوا: ومأخذ هذا: أنّ الزّوج لمّا استعجل ما أجّل اللّه، عوقب بنقيض قصده، فحرمت عليه على التّأبيد، كالقاتل يحرم الميراث. وقد روى الشّافعيّ هذا الأثر عن مالكٍ. قال البيهقيّ: «وذهب إليه في القديم ورجع عنه في الجديد، لقول عليٍّ: إنّها تحلّ له».
قلت: ثمّ هو منقطعٌ عن عمر. وقد روى الثّوريّ، عن أشعث، عن الشعبي، عن مسروق: «أنّ عمر رجع عن ذلك وجعل لها مهرها، وجعلهما يجتمعان».
وقوله: {واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه} توعّدهم على ما يقع في ضمائرهم من أمور النّساء، وأرشدهم إلى إضمار الخير دون الشّرّ، ثمّ لم يؤيسهم من رحمته، ولم يقنطهم من عائدته، فقال: {واعلموا أنّ اللّه غفورٌ حليمٌ}). [تفسير ابن كثير: 1/ 638-641]

تفسير قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضةً ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعًا بالمعروف حقًّا على المحسنين (236)}
أباح تبارك وتعالى طلاق المرأة بعد العقد عليها وقبل الدّخول بها. قال ابن عبّاسٍ، وطاوسٌ، وإبراهيم، والحسن البصريّ: «المسّ: النّكاح. بل ويجوز أن يطلّقها قبل الدّخول بها، والفرض لها إن كانت مفوّضةً، وإن كان في هذا انكسارٌ لقلبها؛ ولهذا أمر تعالى بإمتاعها، وهو تعويضها عمّا فاتها بشيءٍ تعطاه من زوجها بحسب حاله، على الموسع قدره وعلى المقتر قدره».
وقال سفيان الثّوريّ، عن إسماعيل بن أمّيّة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: «متعة الطّلاق أعلاه الخادم، ودون ذلك الورق، ودون ذلك الكسوة».
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «إن كان موسرًا متّعها بخادمٍ، أو شبه ذلك، وإن كان معسرًا أمتعها بثلاثة أثوابٍ».
وقال الشّعبيّ: «أوسط ذلك: درعٌ وخمارٌ وملحفةٌ وجلبابٌ». قال: «وكان شريحٌ يمتّع بخمسمائةٍ». وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن أيّوب، عن ابن سيرين قال: «كان يمتع بالخادم، أو بالنّفقة، أو بالكسوة»، قال: «ومتّع الحسن بن عليٍّ بعشرة آلافٍ» ويروى أنّ المرأة قالت: متاعٌ قليلٌ من حبيبٍ مفارق.
وذهب أبو حنيفة، رحمه اللّه، «إلى أنّه متى تنازع الزّوجان في مقدار المتعة وجب لها عليه نصف مهر مثلها». وقال الشّافعيّ في الجديد: «لا يجبر الزّوج على قدرٍ معلومٍ، إلّا على أقلّ ما يقع عليه اسم المتعة، وأحبّ ذلك إليّ أن يكون أقلّه ما تجزئ فيه الصّلاة». وقال في القديم: «لا أعرف في المتعة قدرًا إلّا أنّي أستحسن ثلاثين درهمًا؛ لما روي عن ابن عمر، رضي اللّه عنهما».
وقد اختلف العلماء أيضًا: هل تجب المتعة لكلّ مطلّقةٍ، أو إنّما تجب المتعة لغير المدخول بها الّتي لم يفرض لها؟ على أقوالٍ:
أحدها: أنّه تجب المتعة لكلّ مطلّقةٍ، لعموم قوله تعالى: {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف حقًّا على المتّقين} [البقرة:241] ولقوله تعالى: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها فتعالين أمتّعكنّ وأسرّحكنّ سراحًا جميلا} [الأحزاب:28] وقد كن مفروضا لهن ومدخولا بهن، وهذا قول سعيد بن جبير، وأبي العالية، والحسن البصريّ. وهو أحد قولي الشّافعيّ، ومنهم من جعله الجديد الصّحيح، فاللّه أعلم.
والقول الثّاني: أنّها تجب للمطلّقة إذا طلّقت قبل المسيس، وإن كانت مفروضًا لها لقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها فمتّعوهنّ وسرّحوهنّ سراحًا جميلا} [الأحزاب:49] قال شعبة وغيره، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب قال: «نسخت هذه الآية الّتي في الأحزاب الآية الّتي في البقرة».
وقد روى البخاريّ في صحيحه، عن سهل بن سعدٍ، وأبي أسيد أنّهما قالا: «تزوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أميمة بنت شراحيل، فلمّا أدخلت عليه بسط يده إليها فكأنّما كرهت ذلك، فأمر أبا أسيدٍ أن يجهّزها ويكسوها ثوبين رازقيّين» .
والقول الثّالث: أنّ المتعة إنّما تجب للمطلّقة إذا لم يدخل بها، ولم يفرض لها، فإن كان قد دخل بها وجب لها مهر مثلها إذا كانت مفوّضةً، وإن كان قد فرض لها وطلّقها قبل الدّخول، وجب لها عليه شطره، فإن دخل بها استقرّ الجميع، وكان ذلك عوضًا لها عن المتعة، وإنّما المصابة الّتي لم يفرض لها ولم يدخل بها فهذه الّتي دلّت هذه الآية الكريمة على وجوب متعتها. وهذا قول ابن عمر، ومجاهدٍ. ومن العلماء: من استحبّها لكلّ مطلّقةٍ ممّن عدا المفوّضة المفارقة قبل الدّخول: وهذا ليس بمنكورٍ وعليه تحمل آية التّخيير في الأحزاب؛ ولهذا قال تعالى: {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف حقًّا على المتّقين} [البقرة:241].
ومن العلماء من يقول: إنّها مستحبّةٌ مطلقًا. قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا كثير بن شهابٍ القزوينيّ، حدّثنا محمّد بن سعيد بن سابقٍ، حدّثنا عمرو -يعني ابن أبي قيسٍ -عن أبي إسحاق، عن الشّعبيّ قال: «ذكروا له المتعة، أيحبس فيها؟ فقرأ: {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره}» قال الشّعبيّ: «واللّه ما رأيت أحدًا حبس فيها، واللّه لو كانت واجبةً لحبس فيها القضاة» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 641-642]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ (237)}
وهذه الآية الكريمة ممّا يدلّ على اختصاص المتعة بما دلّت عليه الآية الأولى حيث إنّما أوجب في هذه الآية نصف المهر المفروض، وإذا طلّق الزّوج قبل الدّخول، فإنّه لو كان ثمّ واجبٌ آخر من متعةٍ لبيّنها لا سيّما وقد قرنها بما قبلها من اختصاص المتعة بتلك الحالة واللّه أعلم.
وتشطير الصّداق -والحالة هذه -أمرٌ مجمعٌ عليه بين العلماء، لا خلاف بينهم في ذلك، فإنّه متى كان قد سمّى لها صداقًا ثمّ فارقها قبل دخوله بها، فإنّه يجب لها نصف ما سمّى من الصّداق، إلّا أنّ عند الثّلاثة أنّه يجب جميع الصّداق إذا خلا بها الزّوج، وإن لم يدخل بها، وهو مذهب الشّافعيّ في القديم، وبه حكم الخلفاء الرّاشدون، لكن قال الشّافعيّ: أخبرنا مسلم بن خالدٍ، أخبرنا ابن جريجٍ، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال-في الرّجل يتزوّج المرأة فيخلو بها ولا يمسّها ثمّ يطلّقها -: «ليس لها إلّا نصف الصّداق؛ لأنّ اللّه يقول:{وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم}» قال الشّافعيّ: «هذا أقوى وهو ظاهر الكتاب».
قال البيهقيّ وليث بن أبي سليمٍ وإن كان غير محتجٍّ به، فقد روّيناه من حديث ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ فهو يقوله.
وقوله: {إلا أن يعفون} أي: النّساء عمّا وجب لها على زوجها من النّصف، فلا يجب لها عليه شيءٌ.
قال السّدّيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {إلا أن يعفون} قال: «إلّا أن تعفو الثّيّب فتدع حقّها». قال الإمام أبو محمّد بن أبي حاتمٍ، رحمه اللّه: وروي عن شريحٍ، وسعيد بن المسيّب، وعكرمة، ومجاهدٍ، والشّعبيّ، والحسن، ونافعٍ، وقتادة، وجابر بن زيدٍ، وعطاءٍ الخراسانيّ، والضّحّاك، والزّهريّ، ومقاتل بن حيّان، وابن سيرين، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ، نحو ذلك. قال: «وخالفهم محمّد بن كعبٍ القرظيّ فقال: {إلا أن يعفون} يعني: الرّجال، وهو قولٌ شاذٌّ لم يتابع عليه». انتهى كلامه.
وقوله: {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} قال ابن أبي حاتمٍ: ذكر عن ابن لهيعة، حدّثني عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «وليّ عقدة النّكاح الزّوج».
وهكذا أسنده ابن مردويه من حديث عبد اللّه بن لهيعة، به. وقد أسنده ابن جريرٍ، عن ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيبٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكره ولم يقل: عن أبيه، عن جدّه فاللّه أعلم.
ثمّ قال ابن أبي حاتمٍ، رحمه اللّه: وحدّثنا يونس بن حبيبٍ، حدّثنا أبو داود، حدّثنا جريرٌ، يعني ابن حازمٍ، عن عيسى -يعني ابن عاصمٍ -قال: سمعت شريحًا يقول: «سألني عليّ بن طالب عن الّذي بيده عقدة النّكاح. فقلت له: هو وليّ المرأة. فقال عليٌّ: لا بل هو الزّوج». ثمّ قال: وفي إحدى الرّوايات عن ابن عبّاسٍ، وجبير بن مطعمٍ، وسعيد بن المسيّب، وشريحٍ -في أحد قوليه -وسعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٍ، والشّعبيّ، وعكرمة، ونافعٍ، ومحمّد بن سيرين، والضّحّاك، ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ، وجابر بن زيدٍ، وأبي مجلز، والرّبيع بن أنسٍ، وإياس بن معاوية، ومكحولٍ، ومقاتل بن حيّان: «أنّه الزّوج».
قلت: وهذا هو الجديد من قولي الشّافعيّ، ومذهب أبي حنيفة. وأصحابه، والثّوريّ، وابن شبرمة، والأوزاعيّ، واختاره ابن جريرٍ. ومأخذ هذا القول: أنّ الّذي بيده عقدة النّكاح حقيقةً الزّوج، فإنّ بيده عقدها وإبرامها ونقضها وانهدامها، وكما أنّه لا يجوز للوليّ أن يهب شيئًا من مال المولية للغير، فكذلك في الصّداق.
قال والوجه الثّاني: حدّثنا أبي، حدّثنا ابن أبي مريم، حدّثنا محمّد بن مسلمٍ، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ -في الّذي ذكر اللّه بيده عقدة النّكاح -قال: «ذلك أبوها أو أخوها، أو من لا تنكح إلّا بإذنه»، وروي عن علقمة، والحسن، وعطاءٍ، وطاوسٍ، والزّهريّ، وربيعة، وزيد بن أسلم، وإبراهيم النّخعيّ، وعكرمة في أحد قوليه، ومحمّد بن سيرين -في أحد قوليه: «أنّه الوليّ». وهذا مذهب مالكٍ، وقول الشّافعيّ في القديم؛ ومأخذه أنّ الوليّ هو الّذي أكسبها إيّاه، فله التّصرّف فيه بخلاف سائر مالها.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا سعيد بن الرّبيع الرّازيّ، حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة قال: «أذن اللّه في العفو وأمر به، فأيّ امرأةٍ عفت جاز عفوها، فإن شحّت وضنّت عفا وليّها وجاز عفوه».
وهذا يقتضي صحّة عفو الوليّ، وإن كانت رشيدةً، وهو مرويٌّ عن شريحٍ. لكن أنكر عليه الشّعبيّ، فرجع عن ذلك، وصار إلى أنّه الزّوج وكان يباهل عليه.
وقوله: {وأن تعفوا أقرب للتّقوى} قال ابن جريرٍ: «قال بعضهم: خوطب به الرّجال، والنّساء». حدّثني يونس، أخبرنا ابن وهبٍ، سمعت ابن جريجٍ يحدّث عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وأن تعفوا أقرب للتّقوى} قال: «أقربهما للتّقوى الّذي يعفو».
وكذا روي عن الشّعبيّ وغيره، وقال مجاهدٌ، والضّحّاك، ومقاتل بن حيّان، والرّبيع بن أنسٍ، والثّوريّ: «الفضل هاهنا أن تعفو المرأة عن شطرها، أو إتمام الرّجل الصّداق لها. ولهذا قال: {ولا تنسوا الفضل بينكم} أي: الإحسان»، قاله سعيدٌ. وقال الضّحّاك، وقتادة، والسّدّيّ، وأبو وائلٍ: المعروف، يعني: لا تهملوه بل استعملوه بينكم.
وقد قال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، حدّثنا موسى بن إسحاق، حدّثنا عقبة بن مكرمٍ، حدّثنا يونس بن بكيرٍ، حدّثنا عبيد اللّه بن الوليد الوصّافيّ، عن عبد اللّه بن عبيدٍ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ليأتينّ على النّاس زمانٌ عضوض، يعضّ المؤمن على ما في يديه وينسى الفضل»، وقد قال اللّه تعالى: {ولا تنسوا الفضل بينكم} شرارٌ يبايعون كلّ مضطرٍّ، وقد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن بيع المضطرّ، وعن بيع الغرر، فإن كان عندك خيرٌ فعد به على أخيك، ولا تزده هلاكًا إلى هلاكه، فإنّ المسلم أخو المسلم لا يحزنه ولا يحرمه".
وقال سفيان، عن أبي هارون قال: رأيت عون بن عبد اللّه في مجلس القرظيّ، فكان عونٌ يحدّثنا ولحيته ترش من البكاء ويقول: «صحبت الأغنياء فكنت من أكثرهم همًّا، حين رأيتهم أحسن ثيابًا، وأطيب ريحًا، وأحسن مركبًا منّي. وجالست الفقراء فاسترحت بهم»، وقال: {ولا تنسوا الفضل بينكم} إذا أتاه السّائل وليس عنده شيءٌ فليدع له: رواه ابن أبي حاتمٍ.
{إنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ} أي: لا يخفى عليه شيءٌ من أموركم وأحوالكم، وسيجزي كل عامل بعمله). [تفسير ابن كثير: 1/ 642-645]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة