تفسير قوله تعالى: {كهيعص (1) }
تفسير قوله تعالى: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) }
تفسير قوله تعالى: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) }
تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) }
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (وإذا أرى البياض فهو أشيب وأشمط، فإذا ظهر به الشيب واستبانت فيه السن فهو شيخ، فإذا جاوز ذلك فهو مسن). [خلق الإنسان: 161]
تفسير قوله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) }
المفضَّل بن محمَّد بن يحيى الضَّبِّيُّ (ت:168هـ) : (قال الحارث بن ظالم:
قفا فاسمعا اخبركما إذ سألتما = محارب مولاه وثكلان نادم
مولاه: ابن عمه). [أمثال العرب: 114]
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): ( وقائلة والدمع يحدر كحلها = أبعد جرير تكرمون المواليا
المواليا: بنو العم). [نقائض جرير والفرزدق: 177]
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): ( ومولى تميم حين يأوي إليهم = وإن كان فيهم ثروة العز منصف
قوله مولى تميم: يريد ابن عمهم وهو من قوله تعالى: {وإني خفت الموالي من ورائي} وهم بنو العم). [نقائض جرير والفرزدق: 580]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : ( *مولى* والمولى المنعم والمولى المنعم عليه، قال أبو عبيدة وللمولى سبعة مواضع: المولى ذو النعمة من فوق، والمولى المنعم عليه من أسفل، وفي كتاب الله تبارك وتعالى: {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} والمولى في الدين من الموالاة وهو الولي، ومنه قول الله جل ثناؤه: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم}، وقال الله عز وجل: {فإن الله هو مولاه} وجاء في الحديث: ((من كنت مولاه فإن عليا مولاه)) وقل النبي صلى الله عليه وسلم: ((مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله)) قال العجاج (الرجز):
موالي الحق إن المولي شكر
أي أولياء الحق، وقال لبيد:
فغدت كلا الفرجين تحب أنه = مولى المخافة خلفها وأمامها
والمولى ابن العم، وفي كتاب الله تبارك وتعالى: {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا} أي: ابن العم عن ابن العم، ومنه قوله تعالى: {وإني خفت الموالي من ورائي} أي بني عمي، وقال مخارق بن شهاب المازني (الطويل):
وإني لمولاك الذي لك نصره = إذا برطمت تحت السبال العنافق).
[كتاب الأضداد: 24-25] (م)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((اللهم إني أسألك غناي وغنى مولاي)).
قال: حدثنيه يحيى بن سعيد ويزيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان يرفعه.
قوله: ((غنى مولاي))، المولى عند كثير من الناس هو ابن العم خاصة. وليس هو هكذا، ولكنه الولي فكل ولي للإنسان فهو مولاه،
مثل الأب والأخ وابن الأخ والعم وابن العم وما وراء ذلك من العصبة كلهم.
ومنه قوله عز وجل: {وإني خفت الموالي من ورائي}. ومما يبين ذلك: أن المولى كل ولي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل)).
أراد بالمولى الولي.
وقال الله تبارك وتعالى: {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا}.
أفتراه إنما عنى ابن العم خاصة دون سائر أهل بيته؟
وقد يقال للحليف أيضا: مولى قال النابغة الجعدي:
موالي حلف لا موالي قرابة = ولكن قطينا يسألون الأتاويا
والأتاوي جمع إتاوة وهي الخراج). [غريب الحديث: 2/590-594]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
فردوا لي الموالي ثم حلوا = مرابعكم إذا مطر الوتير
(الموالي) بنو العم.
...
أبو عمرو: (الموالي) الحلفاء). [شرح أشعار الهذليين: 2/726]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وكان أحد من هرب من الحجاج سوّار بن المضرّب ففي ذلك يقول:
أقاتلي الحجاج إن لم أزر له = دراب وأترك عند هند فؤاديا
فإن كان لا يرضيك حتى تردني = إلى قطري ما إخالك راضيا
إذا جاوزت درب المجيزين ناقتي = فباست أبي الحجاج لما ثنانيا
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي = وقومي تميم والفلاة ورائيا
وورائي هنا بمعنى: أمامي، قال الله عز وجل: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي}. وقال جل ثناؤه: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}). [الكامل: 2/628]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والمولى في قولها: إذا مولاك خاف ظلامة يحتمل ضروبًا، فالمولى ابن العم، وقوله عز وجل: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي}؛ يريد بني العم؛ قال الفضل بن العباس:
مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا = لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا
ويكون المولى المعتق؛ ويكون المولى من قوله جل ثناؤه: {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} ويكون المولى الذي هو أحق وأولى منه قوله: {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ}، أي أولى بكم. والمولى: المالك). [الكامل: 3/1410]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( والمولى من الأضداد؛ فالمولى المنعم المعتِق، والمولى: المنعم عليه المعتَق.
وله أيضا معان ستة سوى هذين: فالمولى الأولى بالشيء، قال الله عز وجل: {النار هي مولاكم}، فمعناه هي أولى بكم، قال لبيد:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه = مولى المخافة خلفها وأمامها
معناه أولى بالمخافة خلفها وأمامها.
ويكون المولى الولي، جاء في الحديث: ((مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله))، فمعناه أولياء الله. ويروى في الحديث أيضا: ((أيما امرأة تزوجت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل))، معناه بغير إذن وليها، وقال العجاج:
فالحمد لله الذي أعطى الخير = موالي الحث إن المولى شكر
معناه أولياء الحق، وقال الأخطل لبني أمية:
أعطاكم الله جدا تنصرون به = لا جد إلا صغير بعد محتقر
لم يأشروا فيه إذ كانوا مواليه = ولو يكون لقوم غيرهم أشروا
أراد أولياءه.
وقال الأخطل أيضا لبعض خلفاء بني أمية:
فأصبحت مولاها من الناس بعده = فأحرى قريش أن يهاب ويحمدا
أراد فأصبحت ولي الخلافة. وقال الآخر:
كانوا موالي حق يطلبون به = فأدركوه وما ملوا وما لغبوا
معناه أولياء حق؟
والمولى ابن العم، والموالي بنو العم، قال الله عز ذكره: {وإني خفت الموالي من ورائي}، أراد بني العم، وقال تبارك وتعالى: {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا}، فمعناه لا يغني ابن عم عن ابن عمه، وقوله جل وعز: {لبئس المولى ولبئس العشير}، معناه لبئس الولي ولبئس المعاشر. وقال الزبرقان بن بدر:
ومن الموالي موليان فمنهما = معطي الجزيل وباذل النصر
ومن الموالي ضب جندلة = لحز المروءة ظاهر الغمر
وقال الآخر:
فأبقوا لا أبا لكم عليهم = فإن ملامة المولى شقاء
أراد ابن العم.
وأنشدنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي للفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب يخاطب بني أمية:
مهلا بني عمنا مهلا موالينا = لا تنبشوا بييننا ما كان مدفونا
لا تجعلوا أن تهينونا ونكرمكم = وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا
الله يعلم أنا لا نحبكم = ولا نلومكم ألا تحبونا
قال أبو بكر: قال لنا أبو العباس: (إذ لا تحبونا)
كل يداجي على البغضاء صاحبه = بنعمة الله نقليكم وتقلونا
وقال مخارق بن شهاب المازني لابن عم له مازني:
وإني لمولاك الذي لك نصره = إذا برطمت تحت السبال العنافق
وقال الآخر:
ذو نيرب من موالي الحي ذو حشد = يزجي لي القول بالبغضاء والكلم
أراد من بني عم الحي.
والمولى الحليف، قال الشاعر:
موالي حلف لا موالي قرابة = ولكن قطينا يأخذون الأتاويا
وقال الحصين بن الحمام المري:
يا أخوينا من أبينا وأمنا = مرا موليينا من قضاعة يذهبا
أراد بأحد الموليين بني سلامان بن سعد وبالمولى الآخر ابن خميس بن عامر، وعنى بالموليين الحليفين. وقال الآخر:
أتشتم قوما أثلوك بدارم = ولولاهم كنتم كعكل مواليا
أراد خلفاء. وقال الراعي:
جزى الله مولانا غنيا ملامة = شرار موالي عامر في العزائم
أراد أولياءنا.
والمولى الجار، قال مربع بن وعوعة الكلابي – وجاور كليب بن يربوع فأحمد جوارهم:
جزى الله خيرا والجزاء بكفه = كليب بن يربوع وزادهم حمدا
هم خلطونا بالنفوس وألجموا = إلى نصر مولاهم مسومة جردا
أراد نصر جارهم.
والمولى: الصهر، أنشد ابن السكيت وغيره لأبي المختار الكلابي:
ولا يفلتن النافعان كلاهما = وذاك الذي بالسوق مولى بني بدر
معناه صهر بني بدر). [كتاب الأضداد: 46-50] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( ومولى على ضنك المقام نصرته = إذا النكس أكبى زنده فتذبذبا
...
والمولى: ابن العم والمولى: الولي والمولى: المعتق والمولى: المعتق والمولى: الحليف). [شرح المفضليات: 733] (م)
تفسير قوله تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) }
تفسير قوله تعالى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (واعلم أن الهمزتين إذا التقتا وكانت كل واحدةٍ منهما من كلمة فإن
أهل التحقيق يخففون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما لما ذكرت لك كما استثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة فليس من كلام العرب أن تلتقي همزتان فتحققا ومن كلام العرب تخفيف الأولى وتحقيق الآخرة وهو قول أبي عمرو وذلك قولك: (فقد جا أشراطها)، و{يا زكريا إنا نبشرك} ومنهم من يحقق الأولى ويخفف الآخرة سمعنا ذلك من العرب وهو قولك فقد جاء اشراطها ويا زكرياء انا وقال:
كلّ غرّاء إذا ما برزت = ترهب العين عليها والحسد
سمعنا من يوثق به من العرب ينشده هكذا.
وكان الخليل يستحب هذا القول فقلت له لمه فقال إني رأيتهم حين أرادوا أن يبلدوا إحدى الهمزتين اللتين تلتقيان في كلمة واحدة أبدلوا الآخرة وذلك جائٍ وآدم ورأيت أبا عمروٍ أخذ بهن في قوله عز وجل: (يا ويلتا أالد وأنا عجوز) وحقق الأولى وكل عربي وقياس من خفف الأولى أن يقول يا ويلتا األد). [الكتاب: 3/548-549] (م)
تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) }
تفسير قوله تعالى: {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) }
تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) }
تفسير قوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت: 206هـ): (وقال بعضهم في صفة أوّل النهار: قال الله تعالى: {بكرةً وعشيّا} و{بالغداة والعشيّ}.
وقالوا: لقيته غدوةً غدوةً وبكرةً بكرةً.
وحكي عن الخليل: رأيته غديّة وبكيرة يا هذا، معرفةٌ غير مصروفةٍ.
وقالوا: بكرت بكوراً، وأبكرت وبكّرت. وغدوت غدوًّا. فهذا من أوّل النهار.
ويقال: أضحينا في الغدوّ، إذا أخّروه.
ثمّ الضّحى بعد الغدوّ. ثمّ الضّحاء بعد ذلك بالمدّ). [الأزمنة: 57]
تفسير قوله تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (ويقال للغلام: صبي، وللجارية: صبية، بينة الصبى –مقصور بكسر الصاد- ويقولونه بفتح الصاد والمد: صبية بينة الصباء.
وقالوا أيضا: صبيء، وللجارية: صبيئة، وهي لغة يمانية فيما يحكى لنا). [الفرق في اللغة: 94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (بلغني عن أبي الحارث الليث بن سعد عن أبيه عن ابن لَهِيعَة عن أبي قَبِيلٍ عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: دخل يحيى بن زكريّا بيتَ المقدس وهو ابن ثَمانِي حجج، فنظر إلى عبادِ بيت المقدس قد لبِسُوا مدارعَ الشعرَ، وبَرانسَ الصوف، ونظر إلى متهجِّديهم، أو قال مجتهديهم، قد خرقوا التراقيَ، وسلكوا فيها السلاسلَ، وشدّوها إلى حنايا بيت المقدس، فهاله ذلك؛ فرجع إلى أبوبه فمر بصِبيانٍ يلعبون فقالوا: يا يحيى هلمَّ فلنلعبْ قال: إني لم أخلق للَّعب، فذلك قول الله تعالى: {وآتيناه الحكمَ صبيّا} فأتى أبويه فسألهما أن يُدَرِّعاه الشعر ففعلا، ثم رجع إلى بيت المقدس فكان يخدُمه نهارًا ويَصيحُ فيه ليلاً، حتى أتت له خمسَ عشرة سنة، وأتاه الخوفُ فساح ولزم أطرافَ الأرض وغِيرَانَ الشَعاب، وخرج أبواه في طَلبه فوجداه حين نزلا من جبال التِّيهِ على بُحيرة الأردنّ وقد قعد على شَفِير البُحَيرة وأنقعَ قدميه في الماء وقد كاد العطشُ يذبحهُ وهو يقول: وعزتِك لا أفوقُ باردَ الشراب حتى أعلَم أين مكاني منك فسأله أبواه أن يأكلَ قُرصًا كان معهما من شَعير، ويشربَ من الماء ففعلَ وكفَر عن يمينه فمدحُ بالبِرّ، قال اللّه عز وجل: {وَبَرًا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبارًا عَصِيًا} ورده أبواه إلى بيت المقدس فكان إذا قام في صلاته بكى، ويبكي زكريا لبكائه حتى يُغمَى عليه، فلم يزل كذلك حتى خر دموعُه لحمَ خَدّيه، وبدَتْ أضراسُه، فقالت له أمه: يا يحيى " لو أذنتَ لي لاتخذتُ لك لبدًا لِيواريَ أضراسكَ عن الناظرين ". قال: أنتِ وذاكِ، فعَمَدَتْ إلى قِطْعَتيْ لًبودٍ فألصقتهما على خدّيه، فكان إذا بكى استنقعتْ دموعُه في القطعتين فتقومُ إليه أمُّهُ فتعصِرهُما بيديها، فكان إذا نطر إلى دموعه تجري على ذراعَيْ أمَهِ قال: اللهَم هذه دموعي وهذه أمَي وأنا عبدُك وأنت أرحمُ الراحمين). [عيون الأخبار: 6/294-295]
تفسير قوله تعالى: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث عروة بن الزبير أنه كان يقول في تلبيته: «لبيك ربنا وحنانيك».
حدثناه أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه.
قوله: حنانيك، يريد: رحمتك والعرب تقول: حنانك يا رب، وحنانيك يا رب بمعنى واحد قال امرؤ القيس:
ويمنحها بنو شمجى بن جرم = معيزهم حنانك ذا الحنان
يريد: رحمتك يا رب وقال طرفة:
حنانيك بعض الشر أهون من بعض
وروي عن عكرمة أنه قال في قوله عز وجل: {وحنانا من لدنا} قال: الرحمة). [غريب الحديث: 5/444-445]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما حنانٌ فمنفرد؛ لأنه من حننت، مثل قولك: ذهبت ذهاباً، ويتصرف في الكلام في غير الدعاء (وحناناً من لدنا) وتقول: تحنن علي. فهذا وجه ما جاء على فعله، وما لم يأت عليه فعل). [المقتضب: 3/226]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله "حوالكا" يقال: هو يطوف واله وحوله وحواليه. ومن قال: حواليه بالكسر: فقد أخطأ، وفي القرآن {نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} وحواليه: تثنية حوال، كما تقول: حنانية، الواحد حنان، قال الشاعر:
فقالت حنان ما أتى بك ههنا = أذو نسب أم أنت بالحي عارف?
والحنان: الرحمة، قال الله عز وجل: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا}. وقال الشاعر: وهو الحطيئة لعمر بن الخطاب رحمه الله:
تحنن علي هداك المليك = فإن لكل مقام مقالا
وقال طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا = حنانيك بعض الشر أهون من بعض).
[الكامل: 2/732-733]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} أي: رحمة). [مجالس ثعلب: 12]
تفسير قوله تعالى: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (بلغني عن أبي الحارث الليث بن سعد عن أبيه عن ابن لَهِيعَة عن أبي قَبِيلٍ عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: دخل يحيى بن زكريّا بيتَ المقدس وهو ابن ثَمانِي حجج، فنظر إلى عبادِ بيت المقدس قد لبِسُوا مدارعَ الشعرَ، وبَرانسَ الصوف، ونظر إلى متهجِّديهم، أو قال مجتهديهم، قد خرقوا التراقيَ، وسلكوا فيها السلاسلَ، وشدّوها إلى حنايا بيت المقدس، فهاله ذلك؛ فرجع إلى أبوبه فمر بصِبيانٍ يلعبون فقالوا: يا يحيى هلمَّ فلنلعبْ قال: إني لم أخلق للَّعب، فذلك قول الله تعالى: {وآتيناه الحكمَ صبيّا} فأتى أبويه فسألهما أن يُدَرِّعاه الشعر ففعلا، ثم رجع إلى بيت المقدس فكان يخدُمه نهارًا ويَصيحُ فيه ليلاً، حتى أتت له خمسَ عشرة سنة، وأتاه الخوفُ فساح ولزم أطرافَ الأرض وغِيرَانَ الشَعاب، وخرج أبواه في طَلبه فوجداه حين نزلا من جبال التِّيهِ على بُحيرة الأردنّ وقد قعد على شَفِير البُحَيرة وأنقعَ قدميه في الماء وقد كاد العطشُ يذبحهُ وهو يقول: وعزتِك لا أفوقُ باردَ الشراب حتى أعلَم أين مكاني منك فسأله أبواه أن يأكلَ قُرصًا كان معهما من شَعير، ويشربَ من الماء ففعلَ وكفَر عن يمينه فمدحُ بالبِرّ، قال اللّه عز وجل: {وَبَرًا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبارًا عَصِيًا} ورده أبواه إلى بيت المقدس فكان إذا قام في صلاته بكى، ويبكي زكريا لبكائه حتى يُغمَى عليه، فلم يزل كذلك حتى خر دموعُه لحمَ خَدّيه، وبدَتْ أضراسُه، فقالت له أمه: يا يحيى " لو أذنتَ لي لاتخذتُ لك لبدًا لِيواريَ أضراسكَ عن الناظرين ". قال: أنتِ وذاكِ، فعَمَدَتْ إلى قِطْعَتيْ لًبودٍ فألصقتهما على خدّيه، فكان إذا بكى استنقعتْ دموعُه في القطعتين فتقومُ إليه أمُّهُ فتعصِرهُما بيديها، فكان إذا نطر إلى دموعه تجري على ذراعَيْ أمَهِ قال: اللهَم هذه دموعي وهذه أمَي وأنا عبدُك وأنت أرحمُ الراحمين). [عيون الأخبار: 6/294-295] (م)
تفسير قوله تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) }