تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) }
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وللّذين كفروا بربّهم عذاب جهنّم وبئس المصير (6) إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقًا وهي تفور}.
يقول تعالى ذكره: وللّذين كفروا بربّهم الّذي خلقهم في الدّنيا {عذاب جهنّم} في الآخرة {وبئس المصير}. يقول: وبئس المصير عذاب جهنّم). [جامع البيان: 23 / 123]
تفسير قوله تعالى: {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) }
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إذا ألقوا فيها}. يعني: إذا ألقي الكافرون في جهنّم {سمعوا لها} يعني لجهنّم {شهيقًا} يعني بالشّهيق: الصّوت الّذي يخرج من الجوف بشدّةٍ كصوت الحمار، كما قال رؤبة في صفة حمارٍ:
حشرج في الجوف سحيلاً أو شهق.......حتّى يقال ناهقٌ وما نهق.
وقوله: {وهي تفور} يقول: وهي تغلي.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهدٍ، {سمعوا لها شهيقًا وهي تفور}. يقول: «تغلي كما يغلي القدر»). [جامع البيان: 23 / 123-124]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (تميز: فقطّع
أشار به إلى قوله تعالى: {تكاد تميز من الغيظ} [تبارك: 8] وفسره بقوله: (تقطع) وكذا فسره الفراء، والضّمير فيه يرجع إلى الكفّار الّذين أخبر الله عنهم بقوله: (إذا ألقوا فيها) أي: في النّار (سمعوا لها شهيقا) أي: صوتا كصوت حمار. {وهي تفور} [تبارك: 7] تزفر وتغلي بهم كما تغلي القدور). [عمدة القاري: 19 / 254] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) :
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {سمعوا لها شهيقا} قال: صياحا.
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى قال: إن الرجل ليجر إلى النار فتنزوي وينقبض بعضها إلى بعض فيقول لها الرحمن: مالك قالت: إنه كان يستحي مني فيقول: أرسلوا عبدي قال: وإن العبد ليجر إلى النار فيقول يا رب ما كان هذا الظن بك قال: فما كان ظنك قال: كان ظني أن تسعني رحمتك فيقول: أرسلوا
عبدي قال: وإن الرجل ليخر إلى النار فتشهق إليه شهيق البغلة إلى الشعير ثم تزفر زفرة لايبقى أحد إلا خاف.
وأخرج هناد بن حميد عن مجاهد في قوله: {وهي تفور} قال: تفور بهم كما يفور الحب القليل في الماء الكثير). [الدر المنثور: 14 / 607-608]
تفسير قوله تعالى: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) }
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({تميّز} : تقطّع). [صحيح البخاري: 6 / 158]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تميّز تقطّع هو قول الفرّاء قال في قوله تكاد تميز من الغيظ أي تقطّع عليهم غيظًا). [فتح الباري: 8 / 660]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (تميز: فقطّع
أشار به إلى قوله تعالى: {تكاد تميز من الغيظ} [تبارك: 8] وفسره بقوله: (تقطع) وكذا فسره الفراء، والضّمير فيه يرجع إلى الكفّار الّذين أخبر الله عنهم بقوله: (إذا ألقوا فيها) أي: في النّار (سمعوا لها شهيقا) أي: صوتا كصوت حمار. {وهي تفور} [تبارك: 5] تزفر وتغلي بهم كما تغلي القدور). [عمدة القاري: 19 / 254]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({تميز}) أي (تقطع) من الغيظ قال في الأنوار وهو تمثيل لشدة اشتعالها بهم ويجوز أن يراد غيظ الزبانية). [إرشاد الساري: 7 / 397-398]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {تكاد تميّز من الغيظ كلّما ألقي فيها فوجٌ سألهم خزنتها ألم يأتكم نذيرٌ (8) قالوا بلى قد جاءنا نذيرٌ فكذّبنا وقلنا ما نزّل الله من شيءٍ إن أنتم إلاّ في ضلالٍ كبيرٍ}.
يقول تعالى ذكره: تكاد جهنّم {تميّز} يقول: تتفرّق وتتقطّع من الغيظ على أهلها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {تكاد تميّز من الغيظ}. يقول: «تتفرّق».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {تكاد تميّز من الغيظ}: «تكاد يفارق بعضها بعضًا وتنفطر».
- حدّثت، عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {تكاد تميّز من الغيظ}. يقول: «تفرّق».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {تكاد تميّز من الغيظ}. قال: «التّميّز»: التّفرّق {من الغيظ} على أهل معاصي اللّه غضبًا للّه، وانتقامًا له.
وقوله: {كلّما ألقي فيها فوجٌ سألهم}. يقول جلّ ثناؤه: كلّما ألقي في جهنّم جماعةٌ سألهم خزنتها {ألم يأتكم نذيرٌ}. يقول: سأل الفوج خزنة جهنّم، فقالوا لهم: ألم يأتكم في الدّنيا نذيرٌ ينذركم هذا العذاب الّذي أنتم فيه؟ فأجابهم المساكين فقالوا {بلى قد جاءنا نذيرٌ} ينذرنا هذا {فكذّبناه وقلنا}. له: {ما نزّل اللّه من شيءٍ إن أنتم إلاّ في ضلالٍ كبيرٍ}. يقول: في ذهابٍ عن الحقّ بعيدٍ). [جامع البيان: 23 / 124-125]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر في قوله: {تكاد تميز} قال: «تتفرق».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {تكاد تميز} قال: «يفارق بعضها بعضا»). [الدر المنثور: 14 / 608]
تفسير قوله تعالى: {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) }
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({بلى قد جاءنا نذيرٌ} ينذرنا هذا {فكذّبناه وقلنا}. له: {ما نزّل اللّه من شيءٍ إن أنتم إلاّ في ضلالٍ كبيرٍ}. يقول: في ذهابٍ عن الحقّ بعيدٍ). [جامع البيان: 23 / 125] (م)
تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقالوا لو كنّا نسمع أو نعقل ما كنّا في أصحاب السّعير (10) فاعترفوا بذنبهم فسحقًا لأصحاب السّعير}.
يقول تعالى ذكره: وقال الفوج الّذي ألقي في النّار للخزنة: لو كنّا في الدّنيا نسمع أو نعقل من النّذر ما جاءونا به من النّصيحة، أو نعقل عنهم ما كانوا يدعوننا إليه ما كنّا اليوم {في أصحاب السّعير} يعني أهل النّار). [جامع البيان: 23 / 125]
تفسير قوله تعالى: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) }
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا ابن يمانٍ، عن سفيان، عن سلمة، عن سعيد بن جبيرٍ {فسحقًا لأصحاب السّعير} قال: وادٍ في جهنّم). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 406]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {فاعترفوا بذنبهم}. يقول: فأقرّوا بذنبهم؛ ووحّد الذّنب، وقد أضيف إلى الجمع لأنّ فيه معنى فعل، فأدّى الواحد عن الجمع، كما يقال: خرج عطاء النّاس، وأعطية النّاس. {فسحقًا لأصحاب السّعير}. يقول: فبعدًا لأهل النّار.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فسحقًا لأصحاب السّعير}. يقول: «بعدًا».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيلٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، {فسحقًا لأصحاب السّعير}. قال:« (سحقًا): وادٍ في جهنّم».
والقرأة على تخفيف الحاء من السّحق، وهو الصّواب عندنا لأنّ الفصيح من كلام العرب ذلك، ومن العرب من يحرّكها بالضّمّ). [جامع البيان: 23 / 125-126]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {فسحقا} قال: «بعدا».
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {فسحقا} قال: بعدا قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول حسان: «ألا من مبلغ عني أبيا * فقد ألقيت في سحق السعير».
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {فسحقا لأصحاب السعير} قال: «سحق واد في جهنم»). [الدر المنثور: 14 / 609]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) }
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين يخشون ربّهم بالغيب لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبيرٌ (12) وأسرّوا قولكم أو اجهروا به إنّه عليمٌ بذات الصّدور}.
يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين يخافون ربّهم بالغيب: يقول: وهم لم يروه {لهم مغفرةٌ} يقول: لهم عفوٌ من اللّه عن ذنوبهم {وأجرٌ كبيرٌ}. يقول: وثوابٌ من اللّه لهم على خشيتهم إيّاه بالغيب جزيلٌ). [جامع البيان: 23 / 126]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {إن الذين يخشون ربهم بالغيب} الآية.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {إن الذين يخشون ربهم بالغيب} قال: أبو بكر وعمر وعلي وأبو عبيدة بن الجراح.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {لهم مغفرة وأجر كبير} قال: «الجنة»). [الدر المنثور: 14 / 609]