ما اختلف في قراءته جمعاً وإفرادا من التاءات
قال زكريّا بن محمد بن أحمد السُّنيكي الأنصاري (ت:926هـ): ((100)"وكلُّ ما اخْتُلِفَ جمعًا وفردًا في بالتَّاءِ عُرِفَ" أي رُسِمَ بِهَا. وذلك في قولِهِ تعالى: {آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف: 7]. قرأهَا ابنُ كثيرٍ بالتَّوحيدِ، والباقون بالجمعِ.
وفي قولهِ تعالَى فيها أيضًا: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} [يوسف: 10]، {أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ}[يوسف: 15] قرأَهُما نافِعٌ بالجمعِ، والباقونَ بالتَّوحيدِ.
وفي قولِهِ تعالَى: { لَوْلاَ أُْنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ } [العنكبوت: 50]. قرأهَا ابنُ كثيرٍ، وشُعبةُ، وحمزةُ، والكسائيُّ، بالتَّوحيدِ والباقون بالجمعِ.
وفي قولِهِ تعالى: { وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ ءَامِنُونَ }[سبأ: 37]. قرأَها حمزةُ بالتَّوحيدِ، والباقون بالجمعِ.
وفي قولِهِ تعالَى: {فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ}[فاطر: 40]. قرأها نافعٌ، وابنُ عامرٍ، وشُعبةُ، والكِسائيُّ بالجمعِ، والباقون بالتَّوْحيدِ.
وفي قولِهِ: {جِمَالَةٌ صُفْرٌ}[المرسلات: 33]. قرأَهَا حفصٌ، وحمزةُ والكسائيُّ بالتَّوحيدِ، والباقون بالجمعِ.
وفي قولِهِ: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} [الأنعام: 115]. قرأَها عاصمٌ وحمزةُ، والكسائيُّ بالتَّوحيدِ، والباقونَ بالجمعِ.
وفي قولِهِ: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} [يونس: 33]. قرأها نافعٌ، وابنُ عامرٍ بالجمع. والباقون بالتَّوحيد. واخْتَلَفَت المصاحِفُ في ثاني "يونُسَ": {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُون}[يونس: 96].
وفي قولِهِ في "الطَّوْل": { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} [غافر: 6]. والقياسُ فيهما بالتَّاءِ. قرأَهما نافعٌ، وابنُ عامرٍ بالجمعِ، والباقون بالتَّوحيدِ).[الدقائق المحكمة : 1/43]
قال المُلاّ عليُّ بنُ سلطان محمّد القاري الهرويُّ (ت:1014هـ ): (فهذه قاعدةٌ كُلِّيَّةٌ تحتَها أفرادٌ جزئيَّةٌ، وهي كُلُّ ما اخْتَلَفَ القُرَّاءُ في إفرادِه وجمعِه قراءةً فإنَّهُ يكونُ في رسمِ القرآنِ بالتاءِ كتابةً، والمرادُ أنَّ مفردَه أيضًا بالتاءِ، إذ لاخلافَ في أنَّ الجمعَ المؤنثَ السالمَ يكونُ بالتاءِ، سواءٌ فيه الرسومُ القرآنيَّةُ وقواعدُ كتابةِ العربيَّةِ؛ ولذا أجمعَ القُرَّاءُ في الوقفِ عليها بالتاءِ، واختلفُوا في مفردِها ومجموعِها اثنا عشرَ موضعًا، وذلكَ قولُه تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتْ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} في الأنعامِ، قَرَأَهَا بالتوحيدِ عاصمٌ وحمزةُ والكِسَائِيُّ، { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ على الذينَ فَسَقُوا} أَوَّلَ يونسَ، قَرَأَهُما بالإفرادِ غيرُ نافعٍ وابنِ عامرٍ، واخْتَلَفَت المصاحفُ في ثاني يونُسَ: {إِنَّ الَّذينَ حَقَّتْ عَلَيْهِم كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَيُؤْمِنُونَ} و {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ على الَّذينَ كَفَرُوا} في الطولِ، والقياسُ فيهما التاءُ، إذْ قرأَهما غيرُ نافعٍ وابنِ عامرٍ بالتوحيدِ، و {آياتٌ للسائِلِينَ} في سورةِ يوسفَ، قرأَها ابنُ كثيرٍ بالإفرادِ، و {أَلْقُوه في غَيَابَتِ الجُبِّ} {وأنْ يَجْعَلُوه في غَيَابَتِ} كِلاَهما في يوسفَ أيضًا، قرأَهما غيرُ نافعٍ بالتوحيدِ، و {لَوْلاَ أُنْزِلَ عليه آياتٌ مِن رَبِّهِ} في العَنْكَبوتِ، قرأَها بالإفرادِ ابنُ كثيرٍ وأبو بكرٍ وحمزةُ والكِسَائِيُّ، و {هُمْ فِي الغُرُفَاتِ آمِنُونَ} في سبأٍ، قرأَها بالتوحيدِ حمزةُ، {فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مَنْهُ} في فاطرٍ، قرأَها بالإفرادِ ابنُ كثيرٍ وأبو عمرٍو وحفصٌ وحمزةُ، {ومَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِن أَكْمَامِهَا} في فُصِّلَتْ، قرأَها بالتوحيدِ ابنُ كثيرٍ وأبو عمرٍو وأبو بكرٍ وحمزةُ والكِسَائِيُّ، و {جَمَالَتٌ صُفْرٌ} قرأَها بالإفرادِ أي: صورةً وإلا فهي جمعٌ حقيقةً حفصٌ وحمزةُ والكِسَائِيُّ). [المنح الفكرية:1/76]قال عبد الرَّازق بنُ عليِّ بنِ إبراهيمَ موسى (ت:1429هـ): (وأما معرفةُ من يقرأُ فيها من القرَّاءِ بالجمْعِ ومن قرأَ بالإفرادِ.
فقد تَركْنا ذِكرَه مراعاةً للاختصارِ وهو في كُتبِ الخلافِ، وأما معرفةُ الوقْفِ عليها فمن قرأَ بالجمْعِ، وَقفَ عليها بالتاءِ كسائرِ الجموعِ، ولو كان مذهبُه الوقفَ بالهاءِ في الإفرادِ. ومن قرأَ بالإفرادِ وكان مذهبُه الوقفَ بالتاءِ وَقفَ بها، ومن كان مذهبُه الوقفَ بالهاءِ وَقفَ بها أيضاً، وبالنسبةِ لحفصٍ عن عاصمٍ فقد قرأَ بالجمْعِ في ثلاثِ كلماتٍ في السبعِ، ووَقفَ عليها بالتاءِ كما هو مقرَّرٌ، وهي كلمةُ "ءايت" في موضعَيْها بيوسفَ والعنكبوتِ، و "الغُرُفُات" في سبأٍ، و "ثَمَرَات" في فصِّلَتْ.
وأما الكلماتُ الأربعُ المتبقِّيَةُ فهي كلمةُ "غَيَابَت" في الموضعين بيوسفَ وكلمةُ "بَيِّنَت" بفاطرٍ، وكلِمةُ "جَمَلت" بالمرسلاتِ، ولفظُ "كَلِمَت" في كلٍّ من الأنعامِ وغافرٍ، وموضِعَي يونسَ فقرَأَهُنَّ حفصٌ عن عاصمٍ بالإفرادِ ووَقفَ عليهن بالتاءِ المفتوحةِ، كما هو مذهبُه غيرَ أنَّ لفظَ "كلمة" في موضعِ غافرٍ اختلَفَ كُتَّابُ المصاحفِ فيه فرَسَمَها بعضُهم بالتاءِ المفتوحةِ، وبعضُهم بالهاءِ المربوطةِ، وكذلك اختُلِفَ في "كَلِمَت" في الموضعِ الثاني من يونسَ فرُسِمَتْ في المصاحفِ العراقيَّةِ بالهاءِ وفي الشاميَّةِ والمدنيَّة بالتاءِ، والأَوْلى والقياسُ رسْمُ موضعِ غافرٍ والثاني من يونسَ بالتاءِ كما قال به الجمهورُ وإليه أشارَ الإمامُ الشاطبيُّ رحِمَهُ اللهُ تعالى في العَقيلةِ بعدَ ما أَوردَ الخلافَ في الموضعين بقولِه "وفيهما التاءُ أَوْلى قالَ في نهاية القولِ المفيدِ وقَطَعَ ابنُ الجَزْرِيِّ وغيرُه بأنهما بالتاءِ وعلى ذلك شرَّاحُ الجزْرِيَّةِ، وعلى هذا يتحصَّلُ لحفْصٍ عن عاصمٍ حالةُ الوقفِ عليهما وجهان صحيحان: الأوَّلُ: الوقْفُ عليهما بالتاء المفتوحةِ، وهذا هو المشهورُ عندَ الجمهورِ لما تقدَّمَ.
الثاني: الوقْفُ عليهما بالهاءِ المربوطةِ ولا بأسَ به). [الفوائد التجويدية: ؟؟ ]
قال عبدُ الباسطِ بنُ حامدِ بنِ محمد هاشم:(ومعنى قوله (وكل ما اختلف جمعاً وفرداً) يعني كلمات سبعة اختلف فيها القراء جمعاً وإفراداً ويقف عليها حفص بالتاء المفتوحة وإليك بيانها:
أولاً: (كلمات) بسورة الانعام ويونس والطول أي غافر ففي سورة الأنعام {وتمت كلمت ربك صدقاً وعدلا} تقول:{وتمت كلمت}
الوجه الثاني
وحكمها عارض للسكون غير ممدود مرفوع فيه السكون والروم والإشمام وفي يونس: {كذلك حقت كلمت ربك} تقرأ هكذا: {كذلك حقت كلمت}، وحكمها كالتي قبلها، وربما جهرت بالهمس ليظهر التسجيل جيداً، وفي غافر: {وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا} وهي كالسابقتين نطقاً وحكماً. قرأ الثلاثة الكوفيون بالإفراد، وباقي القراء بالجمع، وما سوى ذلك يوقف عليه بالهاء فيكون من قبيل هاء التأنيث غير المدودة العارضة كما تقدم.
ثانياً: {غيابت الجبب} بسورة يوسف، في الموضعين، يوقف عليها هكذا: {يجعلوه في غيابت} {وألقوه في غيابت}، وحكمهما عارض للسكون غير ممدود مجرور، فيه السكون والروم. وقرأهما نافع بالجمع والباقي بالإفراد.
ثالثاً: {كأنه جمالت صفر} بالمرسلات، تقرأ هكذا {كأنه جمالت}، وحكمها عارض للسكون غير ممدود مرفوع, فيه الثلاثة: السكون والروم والإشمام. وقرأ بتوحيدها حمزة والكسائي وخلف وحفص والباقي بجمعها {جمالات}.
رابعاً: في سورة العنكبوت {وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه} يوقف عليها هكذا {آيات} وهي مد عارض للسكون مرفوع، فيه القصر والتوسط والمد بالسكون، والقصر والتوسط والمد بالإشمام، والقصر بالروم. سبعة أوجه. وقرأ بتوحيده حمزة والكسائي وخلف وشعبة، والباقي بالجمع.
خامساً: {وهم في الغرفات آمنون} بسورة سبأ، يوقف عليها هكذا: {وهم في الغرفات}، وحكمه مد عارض للسكون مجرور، فيه الثلاثة: القصر والتوسط المد والقصر بالروم، أربعة أوجه، وقرأ بتوحيده حمزة وخلف هكذا: {وهم في الغرفه}.
سادساً: قوله: {وما تخرج من ثمرات} بسورة فصلت، وَقف عليها حفص هكذا: {وما تخرج من ثمرات}، وهي في الحكم كالتي قبلها، وجمعها نافع وابن عامر و أبو جعفر وحفص، وقرأ الباقون بالإفراد: {وهم في الغرفة}.
سابعاً: قوله: {فهم على بينت منه} بسورة فاطر، وتقرأ هكذا: {فهم على بينت}، وحكمها عارض للسكون غير ممدود مجرور، فيه السكون والروم، قرأها نافع والكسائي وشعبة وأبو جعفر بالجمع، والباقون بالتوحيد.
فهذه هي الكلمات السبع التي اختلف فيها القراء جمعاً وفرداً، وهي معنى قوله رضي الله عنه:
وكل ما اختلف = جمعاً وفرداً فيه بالتاء عرف
أي عرف عن حفص وقفه على هذه المواضع بالتاء المفتوحة. وقد تم هذا المبحث بحمد الله وتوفيقه).[شرح المقدمة الجزرية (مفرغ)]