سورة لقمان
[ من الآية (25) إلى الآية (32) ]
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)}
قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25)}
قوله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)}
قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (والبحر يمدّه (27)
قرأ أبو عمرو ويعقوب (والبحر يمدّه) نصبًا.
وقرأ الباقون: (والبحر يمدّه) رفعًا.
قال أبو خليفة: قال محمد بن سلام: قال لي معاوية بن أبي عمرو وكان يقرأ (والبحر يمدّه).
قال أبو منصور: من نصب (البحر) عطفه على (ما) المعنى: ولو أن ما في الأرض... ولو أن البحر -
ومن رفع - فقرأ (والبحر) جعل الواو واو الحال، كأنه قال: والبحر هذه حاله، فيكون ابتداء، وخبره: (يمدّه من بعده سبعة أبحرٍ)
وهذا وجه حسن). [معاني القراءات وعللها: 2/272]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في رفع الراء ونصبها من قوله جلّ وعزّ: والبحر يمده [لقمان/ 27].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: والبحر رفعا. وقرأ أبو عمرو وحده (والبحر) نصبا.
[الحجة للقراء السبعة: 5/457]
قال أبو زيد أمددت القوم بمال ورجال إمدادا، وأمددت القائد بجند، ونهر كذا يمدّ نهر كذا. قال تعالى: والبحر يمده من بعده سبعة أبحر [لقمان/ 27]. وقلّ ماء ركيّتنا فمدّتها ركيّة أخرى تمدّها.
وقال أبو عبيدة: هذا مختصر سبيله كسبيل لو كتب كتاب الله بهذه الأقلام والبحر ما نفد كلام الله.
قال أبو عليّ: المراد بذلك والله أعلم: ما في المقدّر دون ما خرج منه إلى الوجود، وقال قتادة: يقول: لو كان شجر الأرض أقلاما، ومع البحر سبعة أبحر، إذا لانكسرت الأقلام، ونفد ماء البحر قبل أن تنفد عجائب الله وحكمته وخلقه وعلمه. فأمّا انتصاب البحر من قوله سبحانه: (والبحر يمده من بعده) فلأنّه معطوف على اسم إنّ وهو ما في الأرض ف (ما) اسم إن وأقلام خبرها التقدير: لو أن شجر الأرض أقلام، والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر، إذا عطفت البحر على اسم إنّ فنصبته كان خبره يمدّه، والراجع إلى البحر الضمير المنصوب [المتصل بيمدّه]. ومن رفع فقال: والبحر يمده استأنف كأنّه قال: والبحر هذه حاله فيما قال سيبويه، وإذا نصبت البحر أو رفعته فالمعنى: فكتب ما في تقدير الله لنفد ذلك قبل نفاد
[الحجة للقراء السبعة: 5/458]
المقدور، ونحو هذا من الجمل قد تحذف لدلالة الكلام عليها، كقوله تعالى: وأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق [الشعراء/ 63] والمعنى: فضرب فانفلق، ومثله: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية [البقرة/ 196]، والمعنى: فحلق فعليه فدية، ومثله: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم [النمل/ 28].
قالت يا أيها الملأ [النمل/ 29] والمعنى: فذهب فألقى الكتاب فقرأته المرأة أو قرئ عليها فقالت: يا أيّها الملأ، ومثل ذلك فيما يحذف لدلالة الفحوى عليه في غير موضع. وقال بعض أهل النظر:
ليس هذا على الكلام ولكنّ المراد أنّ وجه الحكمة وتأمّل عجيب الصّنعة وإتقانها لا ينفد، وليس المراد الكلام). [الحجة للقراء السبعة: 5/459]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن مسعود: [وَبَحْرٌ يُمِدُّهُ]، وهي قراءة طلحة بن مصرف.
وقرأ جعفر بن محمد: [والبَحْرُ مِدَادُه].
وقرأ الأعرج الحسن: [والبَحْرُ يُمِدُّه]، برفع الياء.
قال أبو الفتح: في إعراب هذه الآية نظر؛ وذلك أن هناك حذفا، فتقديره: فكتب بذلك كلمات الله ما نفدت، فحذف ذلك للدلالة عليه، كما أن قوله {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ}، أي: فحلق فعليه فدية، فاكتفي بالمسبب، وهو الفدية من السبب، وهو الحلق، ونظائره كثيرة في القرآن وفصيح الكلام.
وأما رفع "بحر" فالابتداء، وخبره محذوف، أي: وهناك بحر يمده من بعده سبعة أبحر. ولا يجوز أن يكون "وبحر" معطوفا على "أقلام"؛ لأن البحر وما فيه من الماء ليس من حديث الشجر والأقلام، وإنما هو من حديث المداد، كما قرأ جعفر بن محمد: [والبَحرُ مِدَادُه].
فأما رفع "البحر" فإن شئت كان معطوفا على موضع "أن" واسمها وإن كانت مفتوحة، كما عطف على موضعها في قوله سبحانه: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}، وقد ذكرنا ما في ذلك وكيف يسقط اعتراض من تعقب فيه فيما مضى. ويدل على صحة العطف هنا، وأن الواو ليست بواو حال قراءة أبي عمرو وغيره: [وَالْبَحْرَ يَمُدُّه]، بالنصب، فهذا عطف على "ما" لا محالة. ويشهد بجواز كون الواو حالا هنا قراءة طلحة بن مصرف: [وَبَحْرٌ يُمِدُّه]، أي: وهناك بحر يمده من بعده سبعة أبحر، فهذه واو حال لا محالة.
[المحتسب: 2/169]
وأما [وَالْبَحْرُ يُمِدُّه]، بضم الياء فتشبيه بإمداد الجيش، يقال: مد النهر، ومده نهر آخر، وأمددت الجيش بمدد. قال الله تعالى: {مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ}،
قال العجاج:
ما قري مدة قري
فأما قول الآخر:
نظرت إليها والنجوم كأنها ... قناديل مرس أوقدت بمداد
فليس من المداد الذي يكتب به، وإنما أراد هنا ما يمدها من الدهن، كذا فسروه، وليس بقوي أن تكون قراءة جعفر بن محمد: [والبَحرُ مِدَاده]، أي: زائدة فيه؛ لأن ماء البحر لا يعتد زائدا في الشجر والأقلام؛ لأن ليس من جنسه، فالمداد هناك إنما هو هذا المكتوب به بإذن الله). [المحتسب: 2/170]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} 27
قرأ أبو عمرو {والبحر يمده} بفتح الرّاء وقرأ الباقون بالرّفع
فأما النصب فعطف على {ما} والمعنى ولو أن ما في الأرض ولو أن البحر فإن سأل سائل إن من اختيار أبي عمرو أن يرفع المعطوف بعد الخبر كقوله {إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها} فالجواب في ذلك أن الكلام في {إن وعد الله حق} تمام ثمّ يستأنف {والساعة لا ريب فيها} والكلام عند قوله {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام}
[حجة القراءات: 566]
غير تامّ فأشبه المعطوف قبل الخبر وهذا من حذق أبي عمرو إنّما لم يتم الكلام لأن {لو} يحتاج إلى جواب
والرّفع على وجهين أحدهما على الاستئناف فجعل الواو واو الحال كأنّه قال والبحر هذه حاله ويجوز أن يكون معطوفًا على موضع {إن} مع ما بعدها). [حجة القراءات: 567]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {والبحر يمده} قرأه أبو عمرو بالنصب، ورفعه الباقون.
وحجة من نصب أنه عطفه على اسم «أن»، وهو «ما»، والخبر «أقلام».
10- وحجة من رفع أنه استأنف «البحر» فرفعه على الابتداء، و«يمده» الخبر، والجملة خبر «أن» ويدل على الرفع أن في حرف أبي: «وبحر يمده» بغير ألف ولا لا، وكذلك هو في مصحفه، فهو يدل على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/189]
الرفع، وقد ذكرنا {وأن ما يدعون} في الحج). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/190]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {وَالْبَحْرَ يَمُدُّهُ} [آية/ 27] بالنصب:
قرأها أبو عمرو ويعقوب.
والوجه أنه معطوف على اسم {أَنَّ} وهو {مَا} مع صلته من قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ} و{أَقْلَامٌ} خبر أن، و{وَالْبَحْرَ} معطوف على {مَا}، فهو منصوب، كما أن {مَا} منصوب الموضع، و{يَمُدُّهُ} معطوف على الخبر مرفوع الموضع، فقد عُطف اسمٌ وخبرٌ على
[الموضح: 1016]
اسم وخبر، كما تقول: إن زيدًا في الدار وعمرًا يدخلها، والهاء في {يَمُدُّهُ} راجعة إلى البحر؛ لأنه خبر عنه، وهو جملة، والخبر إذا كان الجملة لم يكن بدٌّ من ذكرٍ يعود منه إلى ما هو خبر له.
وقرأ الباقون {وَالْبَحْرُ} بالرفع.
والوجه أنه مرفوع بالابتداء، و{يَمُدُّهُ} خبره، والكلام مستأنف، كأنه قال: والبحر هذه حاله). [الموضح: 1017]
قوله تعالى: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)}
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وأنّ اللّه بما تعملون خبيرٌ (29)
روى عباس عن أبي عمرو (بما يعملون) بالياء، لم يروه غيره.
قال أبو منصور: والقراءة بالتاء؛ لاجتماع القراء عليها). [معاني القراءات وعللها: 2/272]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (عبّاس عن أبي عمرو (كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما يعملون خبير) [لقمان/ 29] بالياء لم يأت بها غيره.
[قال أبو علي]: الأبين في هذا: التاء وأن الله بما تعملون خبير، فيجازي محسنكم بإحسانه، ومسيئكم بإساءاته). [الحجة للقراء السبعة: 5/459]
قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)} قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل}
قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو بكر (وأن ما تدعون) بالتّاء أي يا معشر العرب من الشّركاء
وقرأ الباقون بالياء والقراءة في مثل هذا الحرف بالياء لأنّه لم يعم النّاس بأنّهم كلهم كانوا يدعون من دون الله ولكن على الخواص). [حجة القراءات: 567]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ} [آية/ 30] بالياء:
قرأها أبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم –ص- ويعقوب.
والوجه أن التقدير: وأن ما يدعونه الكفار، أي يعبدونه من دون الله هو الباطل.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر و-ياش- عن عاصم {تَدْعُونَ} بالتاء.
والوجه أنه على الخطاب موافقة لما قبله، وهو قوله تعالى {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ}، ولما بعده، وهو قوله {لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ} ). [الموضح: 1017]
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة موسى بن الزبير: [الْفُلُك]، بضم اللام.
قال أبو الفتح: حكى أبو الحسن عن عيسى بن عمران، قال: ما سمع، أو ما سمعنا: فعل إلا وقد سمعنا فيه: فعل؛ فقد يكون هذا منه أيضا، وقد ذكرناه قبل). [المحتسب: 2/170]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك: [بنِعْمَاتِ الله]، ساكنة العين، قرأها جماعة منهم الأعرج.
[المحتسب: 2/170]
قال أبو الفتح: ما كان على فعلة ففي جمعه بالتاء ثلاث لغات: فعلات، وفعلات، وفعلات: كسدرة وسدرات، وسدرات، وسدرات. وكذلك فعلة فيها الثلاث أيضا: الإتباع. والعدول عن ضمة العين إلى فتحها. والسكون هربا من اجتماع الضمتين: كغرفة وغرفات وغرفات، وغرفات.
قال أبو علي: ما يدل على أن الألف والتاء في هذا النحو في تقدير الاتصال، وأنهما ليستا كناء التأنيث في نحو: سدرة، وبسرة - اطراد الكسر في نحو: سدرات، وكسرات، وعذرات، مع عزة فعل في الواحد، يريد إبلا، وما لحق به مما لم يذكره صاحب الكتاب. ذكر ذلك عند تفسيره قول سيبويه: إنك لو سميت رجلا بذيت لقلت فيه: ذيات، بتخفيف الياء فيمن رواه هكذا. وذكر هناك أيضا صحة الواو في نحو: خطوات، ورشوات مع ضمة ما قبلها، قال: ولو كانت الألف والتاء في تقدير الانفصال لما صحت الواو في نحو: خطوات، كما لا يصح في فعلة من غزوت إذا بنيتها على التذكير فقلت: غزية؟
وأنا من بعد أرى أن تسكين عين فعلات، كنعمات وسدرات -أمثل من تسكين عين فعلات، كغرفات؛ وذلك أن صدر سدرات قليل النظير، إنما هو إبل، وإطل، وأمرأة بلز للضخمة، ومالا بال به. وصدر فعلات كثيرن كبرد، ودرج، وقرط.
ومن قال: كسرات، فأثبت كسرة السين لم يقل كذلك في رشوات؛ لأنه إن كسر الشين انقلبت الواو ياء. وكذلك مديات لا تضم ثانيها؛ لئلا تنقلب الياء واوا، فيقال: مدوات كما كان يجب في رشوات رشيات، لكنهم جنحوا فيهما إلى الإسكان الذي كان مستعملا في الصحيح العين، نحو: ظلمات، وكسرات. فأما الفتح فجائز حسن نحو: رشوات، ومديات؛ لأن حرفي العلة تصحان هنا بعد الفتحةن نحو: قنوات، وحصيات.
وأنا أرى أن إسكان عين فعلات مما جاء في الشعر من الأسماء نحو قول ذو الرمة:
أبت ذكر عدون أحشاء قلبه ... خفوقا ورفضات الهوى في المفاصل
ليس العذر فيه كالعذر في قولهم: ظبية وظبيات، وغلوة وغلوات؛ وذلك أنه
[المحتسب: 2/171]
إذا فتح العين، وأجراها على الواجب في ذلك من نحو: جفنات، وثمرات، وسفرات –لم يلزمه ما يحوج إلى الاعتذار من تصحيح اللام- وهي حرف على محرك وقبله فتحة –كما يحتاج إلى الاعتذار من ذلك في نحو: النزوان، والكروان، والنفيان، والصميان. وحكى أبو زيد في هذا الشرح: شرية وشريات، فجاءت في النثر لا على الضرورة، وهذا مما ذكرت لك فاعرفه). [المحتسب: 2/172]
قوله تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)}