تفسير سورة التوبة
[من الآية (11) إلى الآية (15)]
{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)}
قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)}
قوله تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قول الله جلّ وعزّ: (أئمّة الكفر... (12).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (أيمة) بهمزة واحدة مقصورة، بعدها ياء ساكنة.
وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي (أئمّة) بهمزتين.
قال أبو منصور: من قرأ (أيمة) بهمزة واحدة وياء بعدها فإنه كره الجمع بين همزتين، فجعل الأخيرة ياء، و(أيمة) كان في الأصل (أأممة) مثل: أعممة، فاستثقلوا الجمع بين الميمين متحركتين، فأسكنوا الميم الأولى، وأدغموها في الأخرى، فصارت ميمًا شديدة، وعوض الذين همزوا همزتين من الميم المدغمة همزة، فصارت ياء شديدة، وعوض الآخرون إحدى الهمزتين ياء). [معاني القراءات وعللها: 1/447]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا أيمان لهم... (12).
[معاني القراءات وعللها: 1/447]
قرأ ابن عامر وحده (لا إيمان لهم) بكسر الألف، وقرأ الباقون (لا أيمان لهم) بفتح.
قال أبو منصور: من قرأ (لا إيمان لهم) بالكسر فمعناه: لا تصديق لهم.
وقيل: معناه: لا إجارة لهم، من آمنه إيمانًا، إذ أجاره، ومن قرأ (لا أيمان لهم) فهي جمع يمين، المعنى: لا عهد لهم إذا أقسموا وحلفوا؛ لأنهم لا يدينون دين الحق). [معاني القراءات وعللها: 1/448]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {أئمة الكفر} [12].
قرأ أهل الكوفة وابن عامر. بهمزتين، الأولى ألف الجمع، والثانية أصلية؛ لأنه جمع إمام مثل حمار وأحمرة ورداء وأردية، ووزنه: أفعله، والأصل: أأممه، فنقلوا كسرة الميم إلى الهمزة وأدغموا الميم في الميم.
والباقون كرهوا الجمع بين همزتين فلينوا الثانية فصارت لفظة كياء {أيمة الكفر} والياء ساكنة، وبعدها الميم المدغمة ساكنة. ولا بأس بالجمع بين الساكنين إذا كان أحدهما حرف لين نحو قولك في تصغير أصم: أصيم فاعلم، إلا المسيبي عن نافع فإنه قرأ {آئمة الكفر} ممدودة، كأنه أدخل بين الهمزتين ألفًا ولين الثانية). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/235]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {إنهم لا أيمان لهم} [12] قرأ ابن عامر وحده: {إنهم لا إيمان لهم} بكسر الهمزة جعله مصدرًا من آمن إيمانًا، وله حجتان:
إحداهما: أن يكون أراد: لا دين لهم.
والثانية: أن يكون أراد: لا [أمان] لهم.
وقرأ الباقون: {لا أيمان لهم} بالفتح جمع يمين، وهو الاختيار؛ لأنه في التفسير: لا عهد لهم ولا ميثاق). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/235]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الهمزتين، وإسقاط إحداهما من قوله [جلّ وعزّ]: أئمة [التوبة/ 12].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: أيمة* بهمز الألف، وبعدها ياء ساكنة، على أنّ نافعا يختلف عنه في ذلك، فروى المسيّبي، وأبو بكر بن أبي أويس: آيمة ممدودة الهمزة، وياء بعدها كالساكنة، وقال أحمد بن صالح عن أبي بكر بن أبي أويس: أحفظ عن نافع: أئمة بهمزتين. وقال أبو عمارة عن يعقوب بن جعفر وإسحاق المسيّبي عن أهل المدينة: أيمة* همزوا الألف بفتحة شبه الاستفهام، أخبرني بذلك إسماعيل بن أحمد عن أبي عمر الدّوري، عن أبي عمارة عن يعقوب.
وقال القاضي إسماعيل، عن قالون بهمزة واحدة.
[الحجة للقراء السبعة: 4/167]
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أئمة بهمزتين.
قال أبو علي: المثلان إذا اجتمعا في كلمة، ولم يكن الثاني منهما للإلحاق، ولم يكن على فعل نحو: طلل وشرر؛ فحركة الأوّل منهما مرفوضة غير مستعملة، إلّا فيما لا اعتداد به من حرف شاذّ نحو: ألبب، ولححت عينه. وما يجيء في الشعر من نحو ذلك، فهو من الأصول المرفوضة التي لا تستعمل في حال السّعة والاختيار. وإذا كان كذلك، فالحركة المقدّرة في أول المثلين من مودّ لم تخرج إلى اللفظ في هذا البناء، وإذا لم تخرج إليه كان ساكنا، وإذا سكن كانت الواو في مودّ في تقدير الحركة من غير أن تنقل إليه، كما أن الحركة في زوج وزوجة وعود وعودة كذلك. وإذا كانت الحركة في حكم الثبات في الواو، لم يكن سبيل إلى قلبها، كما لم يكن لها إلى ذلك سبيل في زوجة، ولواذ، وعوض وحول، ونحو ذلك، ولو كان الأمر فيه على غير هذا المسلك، لكان ميدّ لأنّ الحركة لو كانت مقدرة على العين لنقلتها إلى الياء، وقد قلبتها الكسرة، ومثل هذا قولهم: إوزّ، ألا ترى أنه
[الحجة للقراء السبعة: 4/168]
افعل، فصحّحوا الواو، ولم تقلبها الكسرة كما قلبت نحو:
ميزان، أنشد أبو عثمان:
كأنّ خزّا تحته وقزّا* أو فرشا محشوّة إوزّا وقال آخر:
يلقى الإوزّون في أكناف دارتها وأما قولهم: أيمة*، فهو في الأصل أفعلة، وواحدها إمام، فإذا جمعته على أفعلة ففيه همزة، هي فاء الفعل، وتزيد عليها همزة أفعلة الزائدة، فتجتمع همزتان، واجتماع الهمزتين في كلمة لا يستعمل تحقيقهما، ولا تخلو الهمزة التي هي فاء الفعل في أيمة* من أن تكون الحركة نقلت إليها بعد أن كانت ساكنة، أو وقعت في أول حالها متحركة من غير تقدير سكون فيها، ونقل الحركة إليها بعد، فلو ثبتت ساكنة، ونقلت إليها الحركة بعد لوجب أن تبدل ألفا كما أبدلت في آنية،
[الحجة للقراء السبعة: 4/169]
وآزرة، ونحو ذلك، ولو أبدلت ألفا لجاز وقوع المدغم بعدها، ولم يحتج مع وقوع المدغم بعدها إلى القلب فيها، فلما لم تقلب ألفا ووقعت متحرّكة، ولم تحركها على أن الفتحة في الهمزة، صادفت الهمزة التي هي فاء متحركة بالكسر، ولو صادفتها ساكنة لقلبتها ألفا، فالحركة في أيمة* كالحركة في مودّ، ودلّ على هذا قولهم: إوزّ فلمّا لم تنقل الحركة إلى الفاء من العين، صارت الفاء كأنّها لم تزل مكسورة، فانقلبت ياء، لأنّ الهمزتين لمّا لم تجتمعا في كلمة واحدة لزم الثانية منهما البدل.
وإذا لزم الثانية البدل كان بمنزلة ما لم يزل حرف لين، يدلّك على ذلك قولهم: أوادم، ونحو ذلك: جاء، في قول عامة النحويّين. وعلى هذا قاس النحويون، فقالوا: لو بنيت من جاء مثل: فعلل، لقلت: جيئا، وقد علمت أن الحركات تنزّل منزلة الحروف، فكما تعتلّ بعض الحروف لمجاورة بعضها للتقريب نحو: حتى يصدر الرعاء [القصص/ 23] اعتلّت الصاد لمجاورة الدال، ونحو: اصطبر اعتلّت التاء لمجاورة المطبق، كذلك انقلبت الهمزة من أيمة* ياء لمجاورة الكسرة التي بعدها، كما انقلبت ياء لمجاورة الحركة التي قبلها في
[الحجة للقراء السبعة: 4/170]
ذيب. وأيضا فإن الهمزة تشبه الألف لأنها من مخرجها وتقاربها، لأن كلّ واحدة منهما تنقلب إلى صاحبتها في نحو: هو يضربها، وحبلأ، في وقف بعضهم، كما قلبت ألفا في الوقف عند أهل التخفيف في: لم يقرأ، وكما قلبت هي أيضا إليها في آدم، ورأس، والألف تعتلّ وتغيّر لما قبلها ولما بعدها في نحو: كتاب وعالم، كذلك قلبت الهمزة للحركة التي قبلها والتي بعدها في نحو: ذيب وأيمّة.
وكذلك الواو تعلّ للياء التي بعدها في نحو طوي طيّا، وللياء التي قبلها في مثل. ديّار وقيّام ونحوه، ولو كسّرت قولهم: أيمة* أو حقّرته، كما قلت: أسقية وأساق، لزم أن تقول: أويمة فتقلبها واوا لتحرّكها أيضا بالفتح، كما قلبتها واوا في أوادم وآخر وأواخر.
فإن كسّرت قلت: أوامّ، ولا تقول: أييمة، فتقرر الياء في التحقير على ما كانت عليه في التكبير، لزوال الكسرة الموجبة لانقلاب الهمزة إلى الياء، كما لا يجوز أن تقرّر الياء في ميزان ونحوه، إذا كسّرت أو حقّرت لزوال المعنى الموجب للياء وهو الكسر الذي في الميم، وكذلك الياء المنقلبة عن الهمزة في أيمة* ولا يجوز تقريرها في التحقير والتكسير، لزوال
[الحجة للقراء السبعة: 4/171]
الكسرة، كما لا يجوز أن تقرّر الياء إذا خفّفت ذئبا وبئرا في التحقير والتكسير، لزوال الكسرة الموجبة لقلبها، وكذلك في:
هذا أفعل من هذا من: أممت، تقول: هذا أومّ من هذا لتحركها بالفتح، وهذا قول أبي الحسن.
وقول أحمد بن موسى: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو:
أيمة* بهمز الألف وبعدها ياء ساكنة، غير أن نافعا يختلف عنه إلى آخر الفصل.
فالقول فيه: أن هذه التراجم مضطربة، وفي هذه الكلمة همزتان: الأولى منهما همزة أفعلة، والثانية: فاء الفعل، فمن لم ير الجمع بينهما من النحويين، وهو أبو عمرو والخليل وسيبويه وأصحابهم، قال: أيمة* فأبدل من الهمزة التي هي فاء، الياء لانكسارها، فلم يجتمع همزتان، ومن لم ير الجمع بين الهمزتين لم يجعل الثانية بين بين، لأنّها إذا كانت كذلك كانت في حكم الهمزة، ألا ترى أن العرب قالوا في فاعل من جاء وشاء وناء، جاء، وشاء وناء؟ فقلبوا الثانية ياء محضة لانكسار ما قبلها، ولم يخفّفوا، ولو خفّفوها لزم أن
[الحجة للقراء السبعة: 4/172]
تكون بين الياء والهمزة في قول الخليل وسيبويه، وقول أبي عمرو والعرب فيما ذكر سيبويه، أو تقلب ياء في قول أبي الحسن؛ فإذا كان كذلك فما ذكره من أن نافعا وابن كثير وأبا عمرو قرءوا بهمز الألف، وبعدها ياء ساكنة غير مستقيم، لأن الياء التي بعد ألف أفعلة متحركة بالكسر، فكيف تكون ساكنة، ولا يجوز أن يكون المراد بقوله: بعدها ياء ساكنة. أنها همزة بين بين، لأنها لو كانت كذلك كانت في حكم أئمة المحقّقة، يدلّك على ذلك أنّ أبا عمرو إذا فصل بين الهمزتين بالألف في نحو:
أأنت أم أمّ سالم جعل الثانية بين بين، فلو لم يكن في حكم الهمزة في هذه الحال، لم يفصل بينهما بالألف، كما يفصل بينهما من يفصل، إذا حقّق الهمزتين، وشيء آخر يدلّك على أنّ المخففة في حكم المتحركة، وهو أنها لو كانت إذا خفّفت
[الحجة للقراء السبعة: 4/173]
ساكنة لم يستقم قوله:
أأن رأت رجلا أعشى إذا خففت الثانية، كما لم يستقم الشعر إذا أسكن، وكذلك قول الشاعر:
كلّ غرّاء إذا ما برزت لو كان إذا خفف الثانية كانت ساكنة لم يستقم، كما لم يستقم البيت الآخر.
فإذا لم يخل قوله: بعدها ياء ساكنة، من أن يريد به:
السكون الذي هو خلاف الحركة، أو يعني به: الهمزة التي تجعل بين بين، أو يعني به: إخفاء الحركة، ولم يجز واحد من الوجهين الأولين؛ ثبت أنه إخفاء الحركة، والإخفاء تضعيف الصوت بالحركة، فهو يضارع السكون من جهة الإخفاء، وإن كان المخفيّ في وزن المتحرك.
وأما ما ذكره من قوله أن نافعا يختلف عنه في ذلك، فروى المسيّبي وأبو بكر بن أبي أويس: آئمة ممدودة الهمزة مختل، ألا ترى أنه لا مدّ في هذه الهمزة، كما لا مدّ في همزة أبد، وأجل، وأمد؟
[الحجة للقراء السبعة: 4/174]
وقوله: وياء بعدها كالساكنة، يحتمل وجهين: أحدهما:
تخفيف الهمزة، والآخر إخفاء الحركة، وذلك أن الهمزة إذا خففت، صارت مضارعة للساكن، وإن كانت في الوزن متحركة، ولذلك لم تخفف مبتدأة، فهذا إن أريد كان صحيحا في العبارة، إلّا أنه يفسد في هذا الموضع لخروجه عن المذهبين، ألا ترى أن خلافهم فيها على ضربين، أحدهما:
إبدال الياء من الهمزة الثانية من أئمة، والآخر: تحقيقهما، وهو قراءة حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر، فيفسد لخروجه عن المذهبين، وإن كان قد يستقيم في اللفظ؛ فإذا لم يجز ذلك لخروجه عن المذهبين، فينبغي أن يحمل ذلك على إخفاء حركة الياء المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء الفعل.
وما حكاه من قوله: قال أبو عمارة عن يعقوب بن جعفر وإسحاق المسيبي، عن أهل المدينة: همزوا الألف بفتحة شبه الاستفهام، فإنه يفهم منه أنهم أثبتوا في أيمة* همزة مفتوحة كفتحة همزة الاستفهام، ولم يذكر في الذي بعد الهمزة شيئا، وكذلك قال القاضي إسماعيل عن قالون بهمزة واحدة، فهذا مستقيم لا اختلاف فيه، إلا أنه لا يفهم من ذلك حكم الثانية.
قال: وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أئمة بهمزتين، فالقول فيه أن تحقيق الهمزتين فيها ليس بالوجه، ومما يضعّف الهمزتين أنه لا نعلم أحدا حكى التحقيق فيهما
[الحجة للقراء السبعة: 4/175]
في آدم، وآدر، وآخر، ونحو هذا، فكذلك ينبغي في القياس أن يكون أيمة*. فإن قلت: إن الثانية التي في آدم ساكنة، والثانية في أئمة متحركة، والمتحرك أقوى من الساكن. قيل:
المتحرك في هذا ليس بأقوى من الساكن، لأنك قد رأيت الكسرة توجب فيها الاعتلال والقلب، مع أنها متحركة في:
مئر، وذئب، فلم تكن الحركة لها مانعة من الاعتلال، كما كان جؤن، وتؤدة كذلك.
وحجتهم في الجمع بين الهمزتين في أإمة أن سيبويه زعم أن ابن أبي إسحاق كان يحقّق الهمزتين وناس معه.
قال سيبويه: وقد يتكلّم ببعضه العرب، وهو رديء، وقد تقدم القول في أوائل هذا الكتاب.
والدلالة على ضعف اجتماع الهمزتين، ووجهه من القياس، أن يقول: الهمزة حرف من حروف الحلق، كالعين وغيرها، وقد جمع بينهما في نحو: لعاعة، وكعّ، وكعّة، والفهّة، وكذلك في غير هذه الحروف، فكما جاء أن اجتماع العينين كذلك، يجوز اجتماع الهمزتين). [الحجة للقراء السبعة: 4/176]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله جلّ وعز: إنهم لا أيمان لهم [التوبة/ 12].
[الحجة للقراء السبعة: 4/176]
فقرأ ابن عامر وحده: لا إيمان لهم بكسر الألف.
وقرأ الباقون: لا أيمان لهم بفتح الألف.
قال أبو علي: حجة من قال: لا أيمان لهم، ففتح أن يقول: قد قال: إلا الذين عاهدتم [التوبة/ 4] والمعاهدة يقع فيها أيمان* فإذا كان كذلك ففتح الهمزة أشبه بالموضع وأليق وأيضا، فقد قال: ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم [التوبة/ 13]، ويقوي ذلك أن المتقدم ذكره، إنما هو أيمان نكثوها. ومما يقوي أيمان* بفتح الهمزة أن قوله: فقاتلوا أيمة الكفر يعلم منه أنه لا إيمان لهم؛ فإذا كان كذلك فالفتح في قوله جل وعزّ: لا أيمان لهم أولى، لأنه لا يكون تكريرا، ولم يقع عليه دلالة من الكلام الذي تقدمه.
فإن قلت: فكيف قال: إنهم لا أيمان لهم فنفى أيمانهم؟، ثم قال: ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم [التوبة/ 13] فأوجبها، فإنّما ذلك لأنّ المعنى لا أيمان لهم يفون بها، ولا أيمان لهم صادقة، كما أن قوله: وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا [مريم/ 9] معناه: شيئا مذكورا، ويبيّن ذلك في الأخرى بقوله: لم يكن شيئا مذكورا [الإنسان/ 1] وقد قالوا:
إنّك ولا شيئا سواء، فلو كان الكلام يراد به النفي، كان محالا، لأنّ لا شيء لا يساوي شيئا، وإنما جاز لما يراد بهذا الكلام من النقص المراد بهذا الكلام، فكذلك قوله: لا أيمان لهم على هذا الحد.
[الحجة للقراء السبعة: 4/177]
ووجه قول ابن عامر أنّه ذكر أن الكسر قراءة الحسن، ووجه: لا إيمان لهم أن يجعله مصدرا من آمنته إيمانا، يريد به خلاف التخويف، ولا يريد به مصدر آمن الذي هو صدّق، أي: ليس لأئمة الكفر من المشركين إيمان، كما يكون الإيمان الذي هو مصدر آمنته لذوي الذمّة من أهل الكتاب، لأنّ المشركين لا يقرّون، ولا يؤمنون إلّا أن يسلموا، فإن لم يسلموا فالسيف، ولا يؤمنون بتقرير بقبول جزية، كما يقرّ أهل الكتاب، ولا يكون على هذا الإيمان الذي هو خلاف الكفر، فيكون تكريرا لدلالة ما تقدم من قوله تعالى: فقاتلوا أيمة الكفر على أن أهل الكفر لا إيمان لهم، لأن الإيمان على هذا إنما هو مصدر. آمنت المنقول من أمن الذي هو خلاف خوّفت). [الحجة للقراء السبعة: 4/178]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فقاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون}
قرأ ابن عامر وأهل الكوفة {فقاتلوا أئمّة الكفر} بهمزتين الهمزة الأولى ألف الجمع والثّانية أصليّة لأنّها جمع إمام والأصل أأممة أفعله مثل حمار وأحمرة ولكن الميمين لما اجتمعا نقلوا كسرة الميم إلى الهمزة فأدغموا الميم في الميم فصارت أئمّة بهمزتين
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو (أيمة) بغير مد بهمزة واحدة كأنّهم كرهوا الجمع بين همزتين في بنية واحدة ولا اعتبار بكون الأولى زائدة كما لم يكن بها اعتبار في آدم
قرأ ابن عامر {إنّهم لا أيمان لهم} بكسر الألف أي لا إسلام ولا دين لهم وقال آخرون معناه لا أمان لهم مصدر آمنته أومنه إيمانًا المعنى إذ كنتم أنتم آمنتموهم فنقضوا هم عهدهم فقد بطل الأمان الّذي أعطيتموهم
وقرأ الباقون {لا أيمان لهم} بالفتح جمع يمين وحجتهم قوله {اتّخذوا أيمانهم جنّة} وهو الاختيار لأنّه في التّفسير لا عهود لهم ولا ميثاق ولا حلف فقد وصفهم بالنكث في العهود). [حجة القراءات: 315]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {أئمة} حيث وقع، قرأ الكوفيون وابن عامر بهمزتين محققتين، وقرأ الباقون بهمزة وبعدها ياء مكسورة كسرة خفيفة.
وحجة من حقق الهمزتين أنه شبهها بهمزة الاستفهام الداخلة على همزة أخرى في قولك: «أئذا، أئفكا» فالهمزة المفتوحة الزائدة، التي للاستفهام، دخلت على همزة «إذا» وعلى همزة «إفك» التي هي فاء الفعل، كذلك الهمزة المفتوحة الزائدة في «أئمة»، دخلت على همزة «إمام» التي هي فاء الفعل، فلما اشتبها في الزيادة حققا، وكان الأصل في «أئمة» ألا يحقق همزته الثانية، لأن أصلها السكون؛ لأنه جمع «إمام» على «أفعله»، كحمار أحمرة ومن شأن العرب ألا يجتمع مثلان متحركان إلا ويدغمون الأول في الثاني، إلا أن يكون الثاني للإلحاق، فلا يدغم، أو يكون الاسم على «فعل» فلا يدغم، فالذي هو للإلحاق نحو: مهدد ومردد، فهذا لا يُدغم، لئلا ينقص عما هو ملحق به؛ لأنه ملحق بـ «جعفر»، ولا إدغام في «جعفر»، وكذلك يجب أن يكون ما ألحق به، والذي هو على «فعل» نحو: شرر وطلل، فأصل «أئمة» أأممة، ثم وجب الإدغام في المثلين، وهما الميمان، فألقيت كسرة الميم الأولى على الهمزة الساكنة التي هي فاء الفعل، وهي في الأصل همزة «إمام»، إلا أنها تغيرت في الجمع إلى السكون؛ لأن فاء الفعل في الجمع ساكنة، كالحاء من «أحمرة» فلما ألقيت الكسرة على الهمزة الساكنة انكسرت، فصار لفظها كلفظ «أئذا» فحملت في التحقيق محمل «أئذا» وليست مثلها، لأن كسرة الهمزة الثانية في «أئذا» أصلية، وكسرة الهمزة الثانية من «أئمة» عارضة،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/498]
إذ أصلها السكون، ومن الأصول، في كلام العرب على ما قدمنا، أنه لا يجمع بين همزتين في التحقيق، إذا كانت الثانية ساكنة، وقد فعل ذلك في «أئمة» لأن الثانية، وإن انكسرت، فأصلها السكون، فقد جمع بين تحقيق الهمزتين، والثانية أصلها السكون، فهو خارج عن الأصول، محمول على شبه لفظه بلفظ «أئذا وأئفكا» ولهذه العلة وجب أن تكون الهمزة المكسورة، في قراءة من خفف، ياء خفيفة الكسرة، ولأن باب الساكنة في التخفيف البدل، فجرت على أصلها في البدل بخلاف «أئذا وأئفكا»؛ لأن كسرة الهمزة، في ذلك، أصلية، فجرت في التخفيف على أصل تخفيف المكسورة، التي قبلها متحرك بين بين، وقد تقدم ذكر هذه الأصول فالقراءة بالتحقيق في «أئمة» فيه من الضعف ما ذكرته لك.
2- وحجة من أبدل من الهمزة المكسورة ياء خفيفة الكسرة، ولم يحقق الهمزتين، أنه لما كان يستبعد التحقيق في الهمزتين اللتين أصلهما الحركة، ويخفف الثانية استثقالًا لتحقيقهما، فإذا وقعت همزتان محققتان لا أصل للثانية في الحركة، كان ذلك عنده أبعد من التحقيق، إذ لا يوجد في كلام العرب همزتان محققتان، والثانية ساكنة، هذا أمر قد ترك استعماله العرب والقراء، وعلة ذلك أن الهمزتين في «أئمة» كلمة لا يُقدر فيها أن الثانية من الهمزتين، دخلت عليها الأولى، فصارت ككلمتين مثل ما يقدر في «أئذا وأأنذرتهم» لأن الأولى دخلت على الثانية، فصارت الهمزتان كأنهما من كلمتين، فحسن التحقيق فيهما كما يحسن في الهمزتين من كلمتين، وقد مضى ذكر هذا في علل تحقيق الهمز وتخفيفه، فوجب أن لا يحقق الثانية في «أئمة» لأن أصلها السكون، ولما وجب تخفيفها خففت على ما يجب للساكنة من التخفيف وهو البدل، فأبدل منها ياء مكسورة، لأنها مكسورة، كما يبدل منها ألف لو كانت ساكنة، وعلى ذلك
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/499]
جرى: أأدم وأأتى وأأمن، وشبهه، وقد مضى الكلام على هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/500]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {لا أيمان لهم} قرأه ابن عامر بكسر الهمزة، جعله مصدر «أمنته» من الأمان، أي: لا يؤمنون في أنفسهم، وقيل معناه: لا يوفون لأحد بأمان يعقدونه له، ويبعد في المعنى أن يكون من الإيمان الذي هو التصديق، لأنه قد وصفهم بالكفر قبله، فتبعد صفتهم بنفي الإيمان عنهم؛ لأنه معنى قد ذكر إذ أضاف الكفر إليهم، فاستعماله بمعنى آخر أولى، ليفيد الكلام فائدتين، ودل على أنه من الأمان قوله عنهم: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلا ولا ذمة} «10» أي: لا يفون لأحد بعهد، ولا يحفظون ذمام أحد، وقرأ الباقون بفتح الهمزة، جعلوه جمع «يمين»، ودل على ذلك قوله قبل ذلك: {إلا الذين عاهدتم} «7» والمعاهدة بالأيمان تكون، ودل على ذلك قوله: {ألا تقاتلون قومًا نكثوا أيمانهم} «13» والفتح الاختيار؛ لأن المعنى عليه، ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/500]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {أَيمَّةَ} [آية/ 12] بهمزة واحدة مقصورة وبعدها همزة ملينة:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب- يس-.
والوجه أن أصله أأممة على أفعلة؛ لأنه جمع إمام، فنقلت كسرة الميم الأولى إلى الهمزة الثانية، فأدغمت الميم في الميم لاجتماع الميمين، فبقي أإمة بهمزتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة كسرة منقولة من الميم، ثم قلبت هذه الهمزة المكسورة ياء لأجل الكسرة الحاصلة فيها، وإن كانت كسرة ما بعدها لا كسرة لها، فبقي أئمة، ثم أخفيت هذه الحركة التي هي كسرة، فصارت الياء في صورة الهمزة الملينة، ويجوز أن تكون الهمزة الثانية من أإمة جعلوها بين بين، فصارت بين الهمزة والياء الساكنة، وهذا ضعيف؛ لأن الهمزة المخففة في زنة المحققة، فتجتمع الهمزتان.
وقرأ الباقون {أَئِمَّةَ} بهمزتين، وكذلك –ح – عن يعقوب.
والوجه أنه الأصل في هذه الكلمة، إلا أن الجمع بين الهمزتين فيها ضعيف، ووجهه أن الهمزة حرف من حروف الحلق كالعين ونحوه، وقد جُمع
[الموضح: 587]
بين العينين في نحو كع كعه ولعاعة البقل، وكذلك الهاء في نحو الفهة، فإذا جاز الجمع بين العينين والهاءين، فكذلك يجوز الجمع بين الهمزتين). [الموضح: 588]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {لا إِيْمَانَ لَهُمْ} [آية/ 12] بكسر الهمزة:
قرأها ابن عامر وحده.
والوجه أنه مصدر من آمنته إيمانًا ضد خوفته، والمعنى ليس لهم أن يؤمنوا ويجاروا إلى أن يسلموا، فليس من الإيمان الذي هو التصديق.
وجوز الزجاج أن يكون المعنى لا إسلام لهم، أي أنهم لا يؤمنون.
وقرأ الباقون {لا أَيْمَانَ لَهُمْ} بفتح الهمزة.
والوجه أن المراد جمع يمين، فهو أليق بالموضع لقوله تعالى {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} فقال {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ إنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} أي لا عهود لهم، يعني أنهم نكثوا العهود فجازت مقاتلتهم). [الموضح: 588]
قوله تعالى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)}
قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14)}
قوله تعالى: {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج وابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي وعمرو
[المحتسب: 1/284]
ابن عبيد، ورُويت عن أبي عمرو: [ويتوبَ اللهُ] بالنصب.
قال أبو الفتح: إذا نَصب فالتوبة داخلة في جواب الشرط معنى، وإذا رفع كقراءة الجماعة فقال: {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} فهو استئناف؛ وذلك أن قوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} فهو كقولك: إن تزرني أُحسن إليك وأُعطيَ زيدًا درهمًا، فتنصبه على إضمار أن؛ أي: إن تزرني أجمع بين الإحسان إليك والإعطاء لزيد.
والوجه قراءة الجماعة على الاستئناف؛ لأنه تم الكلام على قوله تعالى: {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}، ثم استأنف فقال: {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ}، فالتوبة منه سبحانه على من يشاء ليست مسببة عن قتالهم، هذا هو الظاهر؛ لأن هذه حال موجودة من الله تعالى قاتَلوهم أو لم يقاتلوهم، فلا وجه لتعليقها بقاتِلوهم، فإن ذهبتَ تعلِّق هذه التوبة بقتالهم إياهم كان فيه ضرب من التعسف بالمعنى). [المحتسب: 1/285]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين