تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الكلبي في قوله تعالى ائذن لي ولا تفتني قال إن رجلا قال للنبي ائذن لي ولا تفتني فإني أخاف على نفسي الفتنة إن بنات الأصفر صباح الوجوه وإني أخشى الفتنة على نفسي فقال الله تعالى ألا في الفتنة سقطوا قال معمر بلغني أنه الجد بن قيس). [تفسير عبد الرزاق: 1/277]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({ولا تفتنّي} [التوبة: 49] : «لا توبّخني»). [صحيح البخاري: 6/63]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله ولا تفتنّي لا توبّخني كذا للأكثر بالموحّدة والخاء المعجمة من التّوبيخ وللمستمليّ والجرجانيّ توهّنّي بالهاء وتشديد النّون من الوهن وهو الضّعف ولابن السّكن تؤثّمني بمثلّثةٍ ثقيلةٍ وميمٍ ساكنةٍ من الإثم قال عياضٌ وهو الصّواب وهي الثّابتة في كلام أبي عبيدة الّذي يكثر المصنّف النّقل عنه وأخرجه الطّبريّ من طريق سعيدٍ عن قتادة في قوله ولا تفتنّي قال لا تؤثمني ألا في الفتنة سقطوا ألا في الإثم سقطوا). [فتح الباري: 8/314]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (ولا تفتنّي لا توبّخني
أشار به إلى قوله تعالى: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} (التّوبة: 47) وفسّر قوله: لا توبخني، من التوبيخ بالباء الموحدة والخاء المعجمة، وفي وراية المستملي والجرجاني: لا توهني، بالهاء وتشديد النّون من الوهن وهو الضعف وفي رواية ابن السكن: لا تؤتمني بالتّاء المثلّثة الثّقيلة وسكون الميم من الإثم قال عياض: وهو الصّواب، وكذا وقع في كلام أبي عبيدة، والآية نزلت في جد ابن قيس المنافق قال له صلى الله عليه وسلم: هل لك في جلاد بني الأصفر يعني الرّوم تتّخذ منهم سراري ووصفاء؟ فقال: ائذن لي في القعود عنك ولا تفتني بذكر النّساء فقد علم قومي أنّي مغرم بهن وأنّي أخشى أن لا أصبر عنهن، وقال ابن عبّاس: اعتل جد ابن قيس بقوله: ولا تفتني، ولم يكن له علّة إلاّ النّفاق. قال تعالى: {إلّا في الفتنة سقطوا} يعني: إلاّ في الإثم سقطوا). [عمدة القاري: 18/254]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله تعالى: ({ولا تفتني}) أي (لا توبخني) من التوبيخ ولأبي ذر عن المستملي لا توهني بالهاء وتشديد النون من الوهن وهو الضعف ولابن السكن ولا تؤثمني بمثلثة مشددة وميم ساكنة من الإثم وصوبه القاضي عياض). [إرشاد الساري: 7/139]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي ألا في الفتنة سقطوا وإنّ جهنّم لمحيطةٌ بالكافرين}.
وذكر أنّ هذه الآية نزلت في الجدّ بن قيسٍ.
ويعني جلّ ثناؤه بقوله: {ومنهم} ومن المنافقين {من يقول ائذن لي} أقم فلا أشخص معك {ولا تفتنّي} يقول: ولا تبتلني برؤية نساء بني الأصفر وبناتهم، فإنّي بالنّساء مغرمٌ، فأخرج وآثم بذلك.
وبذلك من التّأويل تظاهرت الأخبار عن أهل التّأويل.
ذكر الرّواية بذلك عمّن قاله:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ائذن لي ولا تفتنّي} قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اغزوا تبوك تغنموا بنات الأصفر ونساء الرّوم فقال الجدّ: ائذن لنا، ولا تفتنّا بالنّساء.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قالوا: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اغزوا تغنموا بنات الأصفر يعني: نساء الرّوم، ثمّ ذكر مثله.
- قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، قوله: {ائذن لي ولا تفتنّي} قال: هو الجدّ بن قيسٍ، قال: قد علمت الأنصار أنّي إذا رأيت النّساء لم أصبر حتّى أفتتن، ولكن أعينك بمالي.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ، ويزيد بن رومان، وعبد اللّه بن أبي بكرٍ، وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات يومٍ وهو في جهازه للجدّ بن قيسٍ أخي بني سلمة: هل لك يا جدّ العام في جلاد بني الأصفر؟ فقال: يا رسول اللّه، أو تأذن لي ولا تفتنّي؟ فواللّه لقد عرف قومي ما رجلٌ أشدّ عجبًا بالنّساء منّي، وإنّي أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر عنهنّ، فأعرض عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال: أذنت لك، ففي الجدّ بن قيسٍ نزلت هذه الآية {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي} الآية، أي إن كان إنّما يخشى الفتنة من نساء بني الأصفر، وليس ذلك به، فما سقط فيه من الفتنة بتخلّفه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والرّغبة بنفسه عن نفسه أعظم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي} قال: هو رجلٌ من المنافقين يقال له: جدّ بن قيسٍ، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم العام نغزو بني الأصفر ونتّخذ منهم سراريّ ووصفانًا. فقال: أي رسول اللّه، ائذن لي ولا تفتنّي، إن لم تأذن لي افتتنت ووقعت، فغضب، فقال اللّه: {ألا في الفتنة سقطوا وإنّ جهنّم لمحيطةٌ بالكافرين} وكان من بني سلمة، فقال لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: من سيّدكم يا بني سلمة؟ فقالوا: جدّ بن قيسٍ، غير أنّه بخيلٌ جبانٌ. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: وأيّ داءٍ أدوى من البخل، ولكن سيّدكم الفتى الأبيض الجعد الشّعر البراء بن معرورٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي} يقول: ائذن لي ولا تحرجني. {ألا في الفتنة سقطوا} يعني: في الحرج سقطوا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي} ولا تؤثّمني ألا في الإثم سقطوا.
وقوله: {وإنّ جهنّم لمحيطةٌ بالكافرين} يقول: وإنّ النّار لمطيفةٌ بمن كفر باللّه وجحد آياته وكذّب رسله، محدقةٌ بهم جامعةٌ لهم جميعًا يوم القيامة. يقول: فكفى للجدّ بن قيس وأشكاله من المنافقين بصليّها خزيًا). [جامع البيان: 11/491-494]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي ألا في الفتنة سقطوا وإنّ جهنّم لمحيطةٌ بالكافرين (49)
قوله تعالى: ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني.
- حدّثنا أبي ثنا دحيم بن إبراهيم الدّمشقيّ، ثنا عبد الرّحمن بن بشيرٍ عن محمّد بن إسحاق ثنا سعيد بن عبد الرّحمن بن حسّان بن ثابتٍ عن جابر بن عبد اللّه قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول لجدّ بن قيسٍ: «يا جدّ» ، هل لك في جلاد بني الأصفر؟ قال جد: أو تأذن لي يا رسول اللّه؟ فإنّي رجلٌ أحبّ النّساء وإنّي أخشى إن أنا رأيت نساء بني الأصفر أن أفتتن، فقال رسول اللّه- وهو معرضٌ عنه-: قد أذنت لك، فعند ذلك أنزل اللّه: ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي ألا في الفتنة سقطوا.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ في قوله: ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني يقول: ائذن لي ولا تحرجني.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد قراءةً، أخبرني محمّد بن شعيبٍ، ثنا عثمان بن عطاءٍ عن أبيه عطاء بن أبي مسلمٍ الخراسانيّ ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني فيقال: ائذن لي ولا تؤثّمنّي، ولا تكفّرنّي.
قوله تعالى: ألا في الفتنة سقطوا.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: ألا في الفتنة سقطوا يعني: في الحرج سقطوا.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة قوله: ألا في الفتنة سقطوا يقول: ألا في الإثم سقطوا.
قوله تعالى: وإنّ جهنّم لمحيطةٌ بالكافرين
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا حفص بن عمر المهرقانيّ ثنا مسلم بن قتيبة عن شعبة عن سماكٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ وإنّ جهنّم لمحيطةٌ بالكافرين قال: البحر- وروي عن عكرمة: نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 6/1809-1810]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغزوا معي تبوكا تغنموا بنات الأصفر نساء الروم قالوا ائذن لنا ولا تفتنا بالنساء يقول الله ألا في الفتنة سقطوا). [تفسير مجاهد: 281]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي} [التوبة: 49].
- عن ابن عبّاسٍ قال: «لمّا أراد النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - أن يخرج إلى غزوة تبوك قال للجدّ بن قيسٍ: " ما تقول في مجاهدة بني الأصفر؟ ". قال: يا رسول اللّه، إنّي امرؤٌ صاحب نساءٍ، ومتى أرى نساء بني الأصفر أفتتن، أفتأذن لي في الجلوس ولا تفتنّي؟ فأنزل اللّه: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي ألا في الفتنة سقطوا} [التوبة: 49]».
رواه الطّبرانيّ في الكبير والأوسط، وفيه يحيى الحمّانيّ، وهو ضعيفٌ.
- وعن ابن عبّاسٍ أنّ النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: «اغزوا تغنموا بنات بني الأصفر ". فقال رجلٌ من المنافقين: إنّه ليفتنكم بالنّساء، فأنزل اللّه - عزّ وجلّ -: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي} [التوبة: 49]».
رواه الطّبرانيّ، وفيه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان، وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/30]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 49.
أخرج ابن المنذر والطبراني، وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما أراد النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يخرج إلى غزوة تبوك قال لجد بن قيس: ما تقول في مجاهدة بني الأصفر فقال: إني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن أفتن فائذن لي ولا تفتني فأنزل الله {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} الآية
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لجد بن قيس: يا جد هل لك في جلاد بني الأصفر قال جد: أتأذن لي يا رسول الله فإني رجل أحب النساء وإني أخشى إن أنا رأيت نساء بني الأصفر أن أفتتن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض عنه: قد أذنت لك، فأنزل الله {ومنهم من يقول ائذن لي} الآية.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: اغزوا تغنموا بنات بني الأصفر، فقال ناس من المنافقين: إنه ليفتنكم بالنساء، فأنزل الله {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني}.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} قال: نزلت في الجد بن قيس قال: يا محمد ائذن لي ولا تفتني بنساء بني الأصفر.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغزوا تبوك تغنموا بنات الأصفر نساء الروم، فقالوا: ائذن لنا ولا تفتنا بالنساء.
وأخرج ابن إسحاق، وابن المنذر والبيهقي في الدلائل من طريقه عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما كان يخرج في وجه من مغازيه إلا أظهر أنه يريد غيره غير أنه في غزوة تبوك قال: أيها الناس إني أريد الروم فأعلمهم وذلك في زمان البأس وشدة من الحر وجدب البلاد وحين
طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص عنها فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في جهازه إذ قال للجد بن قيس: يا جد هل لك في بنات بني الأصفر قال: يا رسول الله لقد علم قومي أنه ليس أحد أشد عجبا بالنساء مني وإني أخاف إن رأيت نساء بني الأصفر أن يفتنني فأذن لي يا رسول الله، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد أذنت، فأنزل الله {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا} يقول: ما وقع فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبته بنفسه عن نفسه أعظم مما يخاف من فتنة نساء بني الأصفر {وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} يقول: من ورائه، وقال رجل من المنافقين (لا تنفروا في الحر) فأنزل الله (قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون) (التوبة الآية 81) قال: ثم إن رسول الله جد في سفره وأمر الناس بالجهاز وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا وأنفق عثمان رضي عنه في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد أعظم منها وحمل على مائتي بعير.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة وموسى بن عقبة قالا ثم إن رسول الله تجهز غازيا يريد الشام فأذن في الناس بالخروج وأمرهم به وكان ذلك في حر شديد ليالي الخريف والناس في نخيلهم خارفون فأبطأ عنه ناس كثير وقالوا: الروم لا طاقة بهم، فخرج أهل الحسب وتخلف المنافقون وحدثوا أنفسهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرجع إليهم أبدا فاعتلوا وثبطوا من أطاعهم وتخلف عنه رجال من المسلمين بأمر كان لهم فيه عذر منهم السقيم والمعسر وجاء ستة نفر كلهم معسر يستحملونه لا يحبون التخلف عنه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أجد ما أحملكم عليه، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون منهم من بني سلمة عمر بن غنمة ومن بني مازن ابن النجار أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب ومن بني حارث علية بن زيد ومن بني عمرو بن عوف بن سالم بن عمير وهرم بن عبد الله وهم يدعون بني البكاء وعبد الله بن عمر ورجل من بني مزينة فهؤلاء الذين بكوا واطلع الله عز وجل أنهم يحبون الجهاد وأنه الجد من أنفسهم فعذرهم في القرآن فقال (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله) (التوبة الآية 91) الآية والآيتين بعدها.
وأتاه الجد بن قيس السلمي وهو في المسجد معه نفر فقال: يا رسول الله ائذن لي في القعود فإني ذو ضيعة وعلة فيها عذر لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تجهز فإنك موسر لعلك أن تحقب بعض بنات بني الأصفر، فقال: يا رسول الله ائذن لي ولا تفتني، فنزلت {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} وخمس آيات معها يتبع بعضها بعضا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه كان فيمن تخلف عنه غنمة بن وديعة من بني عمرو بن عوف فقيل: ما خلفك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مسلم فقال: الخوض واللعب، فأنزل الله عز وجل فيه وفيمن تخلف من المنافقين (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) (التوبة الآية 65) ثلاث آيات متتابعات.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزو تبوك قال نغزو الروم إن شاء الله ونصيب بنات بني الأصفر - كان يذكر من حسنهن ليرغب المسلمون في الجهاد - فقام رجل من المنافقين فقال: يا رسول الله قد علمت حبي للنساء فائذن لي ولا تخرجني فنزلت الآية.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا تفتني} قال: لا تخرجني {ألا في الفتنة سقطوا} يعني في الحرج.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {ولا تفتني} قال: لا تؤثمني {ألا في الفتنة} قال: ألا في الإثم سقطوا). [الدر المنثور: 7/394-399]
تفسير قوله تعالى: (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إن تصبك حسنةٌ تسؤهم وإن تصبك مصيبةٌ يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولّوا وهم فرحون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد إنّ يصبك سرورٌ بفتح اللّه عليك أرض الرّوم في غزاتك هذه يسؤ الجدّ بن قيسٍ ونظراءه وأشياعه من المنافقين، وإن تصبك مصيبةٌ بفلول جيشك فيها يقول الجدّ ونظراؤه: {قد أخذنا أمرنا من قبل} أي قد أخذنا حذرنا بتخلّفنا عن محمّدٍ وترك اتّباعه إلى عدوّه. {من قبل} يقول: من قبل أن تصيبه هذه المصيبة. {ويتولّوا وهم فرحون} يقول: ويرتدّوا عن محمّدٍ، وهم فرحون بما أصاب محمّدًا وأصحابه من المصيبة بفلول أصحابه وانهزامهم عنه وقتل من قتل منهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ قال: قال ابن عبّاسٍ: {إن تصبك حسنةٌ تسؤهم}، يقول: إن تصبك في سفرك هذا لغزوة تبوك حسنةٌ تسؤهم، قال: الجدّ وأصحابه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {قد أخذنا أمرنا من قبل} حذرنا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {إلاّ إحدى الحسنيين} قال: القتل في سبيل اللّه والظّهور على أعدائه.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {{إن تصبك حسنةٌ تسؤهم}، إن كان فتح للمسلمين كبر ذلك عليهم وساءهم). [جامع البيان: 11/494-495]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إن تصبك حسنةٌ تسؤهم وإن تصبك مصيبةٌ يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولّوا وهم فرحون (50)
قوله تعالى: إن تصبك حسنةٌ.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عبد الجبّار بن سعيدٍ المساحقي ثنا يحيى بن محمّدٍ عن محمّد بن إسحاق عن الحسن بن عطيّة العوفيّ عن أبيه عن جابر بن عبد اللّه قال: جعل المنافقون الّذين تخلّفوا بالمدينة يخبرون عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- أخبار السّوء، يقولون إنّ محمّدًا وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا، فبلغهم تكذيب حديثهم، وعافية النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- وأصحابه فساءهم ذلك فأنزل- اللّه تعالى- في ذلك من أمرهم إن تصبك حسنةٌ تسؤهم وإن تصبك مصيبةٌ يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولّوا وهم فرحون.
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: أمّا قوله: إن تصبك حسنةٌ تسؤهم فالحسنة: العافية، والرّخاء، والغنيمة.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: إن تصبك حسنةٌ تسؤهم أمّا الحسنة: فإن أظفرك اللّه وردّك سالمًا ساءهم ذلك.
قوله تعالى: تسؤهم.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة قوله: إن تصبك حسنةٌ تسؤهم: إن كان فتحٌ للمسلمين كبر ذلك عليهم وساءهم.
قوله تعالى: وإن تصبك مصيبةٌ.
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: وإن تصبك مصيبةٌ قال: البلاء والشّدّة.
قوله تعالى: يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: قد أخذنا أمرنا من قبل حذرنا.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات حدّثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قد أخذنا أمرنا من قبل قد أخذنا أمرنا في القعود من قبل أن تصيبهم.
قوله تعالى: ويتولّوا وهم فرحون.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان زنيجٌ ثنا سلمة بن الفضل قال: قال محمّد بن إسحاق: قوله: يتولوا قال: على كفرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 6/1810-1811]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قد أخذنا أمرنا من قبل يعني حذرنا). [تفسير مجاهد: 281]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 50.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن جابر بن عبد الله قال: جعل المنافقون الذين تخلفوا بالمدينة يخبرون عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أخبار السوء يقولون: إن محمدا وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا فبلغهم تكذيب حديثهم وعافية النبي وأصحابه فساءهم ذلك فأنزل الله تعالى {إن تصبك حسنة تسؤهم} الآية.
وأخرج سنيد، وابن جرير عن ابن عباس {إن تصبك حسنة تسؤهم} يقول: إن تصبك في سفرك هذا لغزوة تبوك {حسنة تسؤهم} قال: الجد وأصحابه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {إن تصبك حسنة تسؤهم} قال: العافية والرخاء والغنيمة {وإن تصبك مصيبة} قال: البلاء والشدة {يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل} قد حذرنا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله {إن تصبك حسنة تسؤهم} قال: إن أظفرك الله وردك سالما ساءهم ذلك {وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا} في القعود من قبل أن تصيبهم.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {إن تصبك حسنة تسؤهم} قال: إن كان فتح للمسلمين كبر ذلك عليهم وساءهم). [الدر المنثور: 7/399-401]
تفسير قوله تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب اللّه لنا هو مولانا وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون}.
يقول تعالى ذكره مؤدّبًا نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء المنافقين الّذين تخلّفوا عنك: {لن يصيبنا} أيّها المرتابون في دينهم {إلاّ ما كتب اللّه لنا} في اللّوح المحفوظ وقضاه علينا. {هو مولانا} يقول: هو ناصرنا على أعدائه. {وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} يقول: وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون، فإنّهم إن يتوكّلوا عليه ولم يرجوا النّصر من عند غيره ولم يخافوا شيئًا غيره، يكفهم أمورهم وينصرهم على من بغاهم وكادهم). [جامع البيان: 11/495]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل لن يصيبنا إلّا ما كتب اللّه لنا هو مولانا وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون (51)
قوله تعالى: قل لن يصيبنا إلا ما كتب اللّه لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون.
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: يقول اللّه لنبيّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-: قل لن يصيبنا إلا ما كتب اللّه لنا.
- ذكر عن محمّد بن المثنّى، ثنا عبد الصّمد ثنا همّامٌ عن قتادة عن مسلم بن يسارٍ قال: الكلام في القدر واديان عريضان، يهلك الناس، لا يدرك غورهما فاعمل عمل رجلٍ يعلم أنّه لا ينجّيه إلا عمله، وتوكّل توكّل رجلٍ يعلم أنّه لا يصيبه إلا ما كتب اللّه له.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة قال: قال ابن إسحاق: وعلى اللّه لا على النّاس فليتوكّل المؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1811-1812]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 51.
أخرج أبو الشيخ عن السدي {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} قال: إلا ما قضى الله لنا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مسلم بن يسار رضي الله عنه قال: الكلام في القدر واديان عريضان يهلك الناس فيهما لا يدرك عرضهما فاعمل عمل رجل يعلم أنه لا ينجيه إلا عمله وتوكل توكل رجل يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له.
وأخرج أبو الشيخ عن مطرف رضي الله عنه قال: ليس لأحد أن يصعد فوق بيت فيلقي نفسه ثم يقول: قدر لي، ولكن نتقي ونحذر فإن أصابنا شيء علمنا أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
وأخرج أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه). [الدر المنثور: 7/401]
تفسير قوله تعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل هل تربّصون بنا إلاّ إحدى الحسنيين ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم اللّه بعذابٍ من عنده أو بأيدينا فتربّصوا إنّا معكم مّتربّصون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء المنافقين الّذين وصفت لك صفتهم وبيّنت لك أمرهم: هل تنتظرون بنا إلاّ إحدى الخلّتين اللّتين هما أحسن من غيرهما، إمّا ظفرًا بالعدوّ وفتحًا لنا بغلبتناهم، ففيها الأجر والغنيمة والسّلامة، وإمّا قتلاً من عدوّنا لنا، ففيه الشّهادة والفوز بالجنّة والنّجاة من النّار، وكلتاهما ممّا يحبّ، ولا يكره، ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم اللّه بعذابٍ من عنده. يقول: ونحن ننتظر بكم أن يصيبكم اللّه بعقوبةٍ من عنده عاجلةً تهلككم، أو بأيدينا فنقتلكم. {فتربّصوا إنّا معكم متربّصون} يقول: فانتظروا إنّا معكم منتظرون ما اللّه فاعلٌ بنا، وما إليه صائرٌ أمر كلّ فريقٍ منّا ومنكم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {هل تربّصون بنا إلاّ إحدى الحسنيين} يقول: فتحٌ أو شهادةٌ. وقال مرّةً أخرى: يقول القتل، فهي الشّهادة والحياة والرّزق. وإمّا يخزيكم بأيدينا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {هل تربّصون بنا إلاّ إحدى الحسنيين} يقول: قتلٌ فيه الحياة والرّزق، وإمّا أن يغلب فيؤتيه اللّه أجرًا عظيمًا، وهو مثل قوله: {ومن يقاتل في سبيل اللّه} إلى {فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {إلاّ إحدى الحسنيين} قال: القتل في سبيل اللّه والظّهور على أعدائه.
- قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، عن ابن جريجٍ، قال: بلغني عن مجاهدٍ، قال: القتل في سبيل اللّه، والظّهور.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إحدى الحسنيين}: القتل في سبيل اللّه، والظّهور على أعداء الله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه.
قال ابن جريجٍ: قال ابن عبّاسٍ: {بعذابٍ من عنده} بالموت {أو بأيدينا}، قال: القتل.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {هل تربّصون بنا إلاّ إحدى الحسنيين} إلاّ فتحًا أو قتلاً في سبيل اللّه. {ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم اللّه بعذابٍ من عنده أو بأيدينا} أي قتلٍ). [جامع البيان: 11/496-497]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل هل تربّصون بنا إلّا إحدى الحسنيين ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم اللّه بعذابٍ من عنده أو بأيدينا فتربّصوا إنّا معكم متربّصون (52)
قوله تعالى: قل هل تربّصون بنا إلا إحدى الحسنيين
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: قل هل تربّصون بنا إلا إحدى الحسنيين يعني: القتال فهي الشّهادة والحياة والرّزق، قال: وإحدى الحسنيين: فتحٌ أو شهادةٌ.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: إحدى الحسنيين القتل في سبيل اللّه، والظّهور على أعداء اللّه.
قوله تعالى: ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم اللّه بعذابٍ من عنده أو بأيدينا الآية.
- حدّثنا أبي ثنا عبد اللّه بن صالح ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم اللّه بعذابٍ من عنده أو بأيدينا فتربّصوا إنّا معكم متربّصون أمّا يخزيكم اللّه بأيدينا.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم اللّه بعذابٍ من عنده أو بأيدينا أي: قتلٌ). [تفسير القرآن العظيم: 6/1812]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إلا إحدى الحسنيين يعني القتل في سبيل الله أو الظهور على أعداء الله). [تفسير مجاهد: 281]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 52
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} قال: فتح أو شهادة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {إلا إحدى الحسنيين} قال: إلا فتحا أو قتلا في سبيل الله.
وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي من طريق سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده بينما النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالروحاء إذ هبط عليه أعرابي من سرب فقال: من القوم وأين تريدون قال: قوم بدوا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: ما لي أراكم بذة هيئتكم قليلا سلاحكم قال: ننتظر إحدى الحسنيين إما أن نقتل فالجنة وإما أن نغلب فيجمعهما الله تعالى لنا الظفر والجنة، قال: أين نبيكم قالوا: ها هو ذا، فقال له: يا نبي الله ليست لي مصلحة آخذ مصلحي ثم ألحق قال اذهب إلى أهلك فخذ مصلحتك فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وخرج الرجل إلى أهله حتى فرغ من حاجته ثم لحق بهم ببدر فدخل في الصف معهم فاقتتل الناس فكان فيمن استشهد فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن انتصر فمر بين ظهراني الشهداء ومعه عمر رضي الله عنه فقال: ها يا عمر إنك تحب الحديث وإن للشهداء سادة وأشرافا وملوكا وإن هذا يا عمر منهم.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا} قال: القتل بالسيوف). [الدر المنثور: 7/401-403]