قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("ذا"
لفظ له أربعة أقسام:
الأول: أن يكون اسم إشارة. فتقول "ذا" للقريب، و"ذاك" للمتوسط، و"ذلك" للبعيد. ومن لم ير التوسط جعل ذاك للبعيد أيضاً. وتدخل "ها" التنبيه على المجرد كثيراً، وعلى المقرون "بالكاف" وحدها قليلاً. ولا تدخل على المقرون "باللام".
واختلف النحاة في "ذا" الذي هو اسم إشارة. فقال قوم، منهم السيرافي: هو ثنائي الوضع، و"ألفه" أصل، غير منقلبة عن شيء ك "ما". وقال الكوفيون: "ألفه" زائدة. ووافقهم السهيلي. وقال البصريون: هو ثلاثي الوضع، و"ألفه" منقلبه عن أصل. ثم اختلفوا؛ فقيل: عن "ياء"، والمحذوف "ياء"، "فالعين" و"اللام" "ياءان". وقيل: عن "واو"، والمحذوف "ياء"، فهو من باب: طويت. واختلفوا في المحذوف؛ فقيل: "اللام"، وهو الأظهر، لأنها طرف. وقيل: "العين".
واختلفوا في وزنه؛ فقيل: فعل بالتحريك، وهو الأظهر. وقيل: فعل بالإسكان.
واستدل البصريون، على أنه ثلاثي الوضع، برد المحذوف منه، في التصغير، حيث قالوا "ذيا" والأصل "ذيياً". ولبسط الكلام على اسم الإشارة موضع غير هذا.
الثاني: أن يكون موصولاً بمعنى "الذي" وفروعه. ولا يكون كذلك إلا بشرطين:
أحدهما أن يكون بعد "ما" أو "من" الاستفهاميتين. وقيل: لا تكون موصولة بعد "من".
والآخر أن يكون غير ملغى. وسيأتي بيان معنى الإلغاء. ومن ورود "ذا" موصولة قول لبيد: ألا تسألان المرء: ماذا يحاول ... أنحب فيقضى، أم ضلال وباطل؟
أي: "ما الذي" يحاول؟ ف "ما" مبتدأ، و"ذا" مع صلته خبره، ونحب بدل من "ما".
الثالث: أن يكون ملغى. ومعنى الإلغاء هنا أن تركب "ذا" مع "ما"، فيصير المجموع اسماً واحداً. وله حينئذ معنيان:
أحدهما، وهو الأشهر، أن يكون اسم استفهام. والدليل على أنهما تركبا قولهم: "عما" "ذا" تسأل؟ بإثبات "الألف"، لتوسطها. ويتعين ذلك، في قول جرير:
يا خزر تغلب، ماذا بال تسوتكم ... لا يستفقن، إلى الديرين، تحنانا
وقول الآخر:
وأبلغ أبا سعد، إذا ما لقيته ... نذيراً، وماذا ينفعن نذير؟
ولا يجوز أن تكون"ذا" موصولة، في البيتين، لأن العرب لا تقول: "ما" "الذي" بالك. ولا يؤكد الفعل الواقع صلة، "بالنون". وتترجح دعوى التركيب، في {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً}.
وثانيهما أن يكون المجموع اسماً واحداً موصولاً، أو نكرة موصوفة. وعليه بيت الكتاب:
دعي ماذا علمت، سأتقيه ... ولكن، بالمغيب، نبئيني
ومنع الفارسي كونها في البيت موصولة. قال: لأنا لم نجد في الموصولات ما هو مركب، ووجدنا في الأجناس ما هو مركب.
تنبيه
قد اتضح، بما تقدم أن "ماذا" تحتمل أربعة أوجه:
أحدهما أن تكون "ما" استفهامية و"ذا" اسم إشارة.
وثانيها أن تكون "ما" استفهامية و"ذا" اسم موصول.
وثالثها أن يكون المجموع اسماً واحداً للاستفهام.
ورابعها أن يكون المجموع اسماً واحداً خبرياً. ويعرب في كل موضع على ما يليق به.
الرابع: أن يكون "ذا" بمعنى: صاحب. وإنما يكون كذلك حالة النصب، نحو: رأيت "ذا" مال. وبعض طيئ يعرب "ذو" الطائية إعراب التي بمعنى صاحب. فيقول: جاء "ذو" قام، ورأيت "ذا" قام، ومررت "بذي" قام.
واعلم أن أقسام "ذا" المذكورة كلها أسماء باتفاق، إلا الملغى، فإن صاحب رصف المباني ذهب إلى أنه حرف. قال: وإنما حكمنا بأن "ذا" حرف، لأنها قد توجد "ما" الاستفهامية وحدها دونها، ومعناها الاستفهام، وتوجد معها أيضاً، وهي معها بذلك المعنى. فحكمنا أنها وصلة لها. ولأجل هذا الخلاف ذكرت "ذا" ههنا). [الجنى الداني:238 - 242]