التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى:{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون .أم أنا خير مّن هذا الّذي هو مهينٌ} مجازها: بل أنا خير من هذا). [مجاز القرآن: 2/204]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون}
" مصر " ههنا: يعنى بها مدينة مصر المعروفة، فمصر مذكر سمّي به مؤنث لأن المدينة الغالب عليها التأنيث، وقد يجوز ملك مصر، يذهب به إلى أن مصر اسم لبلد، وهذا فيه بعد من قبل أن أكثر ما يستعمل البلد لما يضم مدنا كبيرة نحو: بلاد الرّوم, وبلاد الشام, وبلد خراسان.
ويجوز أن تصرف مصرا إذا جعلته اسما لبلد عند جميع النحويين من البصريين). [معاني القرآن: 4/414-415]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون}
قال الأخفش: في الكلام حذف, والمعنى : أفلا تبصرون أم تبصرون, كما قال:
فيـا ظبيـة الوعسـاء بيـن جلاجـل = وبين النقا هل أنت أم أم سالم؟
أي: أنت أحسن أم أم سالم؟.
قال أبو زيد: العرب تزيد, والمعنى: أنا خير, وقيل المعنى: أبل.
قال أبو جعفر: وأحسن ما قيل في هذه الآية قول الخليل, وسيبويه: أن المعنى: أفلا تبصرون أم أنتم بصراء, ويكون أم أنا خير بمعنى أم أنتم خير؛ لأنهم لو قالوا له أنت خير, كانوا عنده بصراء). [معاني القرآن: 6/370]
تفسير قوله تعالى: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أم أنا خيرٌ مّن هذا الّذي هو مهينٌ...}.
من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله، وإن شئت رددته على قوله: {أليس لي ملك مصر...}...
- وقد أخبرني بعض المشيخة, أظنه الكسائي: أنه بلغه أن بعض القراء قرأ: {أما أنا خير}, وقال لي الشيخ: لو حفظت الأثر فيه لقرأت به، وهو جيد في المعنى). [معاني القرآن: 3/35]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أم أنا خيرٌ من هذا الّذي هو مهينٌ}, قال أبو عبيدة: أراد: بل أنا خير.
وقال الفراء: أخبرني بعض المشيخة: أنه بلغه القراء قرأ: {أما أنا خير}, وقال لي هذا الشيخ: لو حفظت الأثر لقرأت به، وهو جيد في المعنى). [تفسير غريب القرآن: 399]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أفلا تبصرون * أم أنا خير من هذا الّذي هو مهين ولا يكاد يبين}
قال سيبويه, والخليل: عطف " أنا" بـ (أم) على قوله: {أفلا تبصرون}؛ لأن معنى {أم أنا خير}, معناه أم تبصرون كأنّه قال: " أفلا تبصرون أم تبصرون،"
قال: لأنهم إذا قالوا أنت خير منه , فقد صاروا عنده بصراء، فكأنّه قال: أفلا تبصرون أم أنتم بصراء.
ومعنى {مهين}: قليل, يقال شيء مهين, أي قليل، وهو فعيل من المهانة.
وقوله {ولا يكاد يبين}: قال ذلك لأنه كانت في لسان موسى عليه السلام لثغة، والأنبياء -صلوات اللّه عليهم- أجمعون مبيّنون بلغاء). [معاني القرآن: 4/415]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين}
والمهين : القليل من المهانة .
روى سعيد عن قتادة: {ولا يكاد يبين}, قال: عيي, وقيل: إنما هذا للثغة التي كانت به). [معاني القرآن: 6/370-371 ]
تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فلولا ألقي عليه أسورةٌ مّن ذهبٍ...}.
يريد: فهلا ألقى عليه أساورة من ذهب، قرأها يحيى بن وثاب {أساورة من ذهب}, وأهل المدينة، وذكر عن الحسن: {أسورة} ,وكل صواب.
ومن قرأ: {أساورة}: جعل واحدها إسوارا، ومن قرأ: {أسورة}, فواحدها سوار، وقد تكون الأساورة جمع اسورة, كما يقول في جمع: الأسقية: أساقي، وفي جمع الأكرع: أكارع). [معاني القرآن: 3/35]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فلولا ألقي عليه أسورةٌ مّن ذهبٍ أو جاء معه الملائكة مقترنين}
وقال: {فلولا ألقي عليه أسورةٌ مّن ذهبٍ} لأنه جمع "أساور" و"أسورة", وقال بعضهم: (أساورة) فجعله جمعا للأسورة فأراد: "أساوير" - والله أعلم - فجعل الهاء عوضا من الياء, كما قال "زنادقة", فجعل الهاء عوضا من الياء التي في "زناديق"). [معاني القرآن: 4/14]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: { فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين}
كانه لما وصف نفسه بالملك والرياسة قال: هلّا جاء موسى بشيء يلقى عليه, فيكون ذلك أسورة من ذهب تدل على أنها من عند إلهه الذي يدعوكم إلى توحيده، أو هلّا جاء معه الملائكة مقترنين أي يمشون معه فيدلّون على صحة نبوته، وقد أتى موسى عليه السلام من الآيات بما فيه دلالة على تثبيت النبوة، وليس للذين يرسل إليهم الأنبياء أن يقترحوا من الآيات ما يريدون هم.
وتقرأ: (أساورة من ذهب), ويصلح أن يكون جمع الجمع تقول أسورة وأساورة، كما تقول: أقوال وأقاويل ويجوز أن يكون جمع إسوار وأساورة.
وإنما صرفت أساورة لأنك ضممت الهاء إلى أساور, فصار اسما واحدا, وصار الاسم له مثال في الواحد مثل: علانية وعباقية). [معاني القرآن: 4/415-416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: (فلولا ألقي عليه أساورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين)
أي: فهلا ألقي عليه اساورة من عند الله تدل على أنه رسول
و (أساورة) جمع إسوار, وفي قراءه أبي وعبد الله:{ لولا القي عليه أساوير}, وهو بمعنى الأول.
{أو جاء معه الملائكة مقترنين}, قال قتادة: أي متتابعين, وقال مجاهد: أي يمشون معه معاً.
قال أبو جعفر: فاقترحوا هذا بعدما جاءهم ما يدل على نبوته). [معاني القرآن: 6/372]
تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فاستخفّ قومه...} يريد: استفزهم). [معاني القرآن: 3/35]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين} أي: استفزهم). [معاني القرآن: 6/372]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({فاستخف قومه} أي: فاستجهل قومه, {فأطاعوه}). [ياقوتة الصراط: 460]
تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فلمّا آسفونا...}: يريد: أغضبونا). [معاني القرآن: 3/35]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فلمّا آسفونا}: أغضبونا, ويقال: قد أسفت: غضبت). [مجاز القرآن: 2/205]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فلمّا آسفونا} أي: أغضبونا, و«الأسف»: الغضب: يقال: أسفت, آسف, أسفا، أي: غضبت). [تفسير غريب القرآن: 399]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (فإذا رأيت للمّا جوابا فهي لأمر يقع بوقوع غيره، بمعنى «حين»، كقوله تعالى: {فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} أي: حين آسفونا، و{لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} أي: حين جاء أمر ربك). [تأويل مشكل القرآن: 542](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فلمّا آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين}
معنى {آسفونا}: أغضبونا). [معاني القرآن: 4/416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين}, قال مجاهد وقتادة: أي: أغضبونا). [معاني القرآن: 6/372]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({فلما آسفونا} أي: أغضبونا). [ياقوتة الصراط: 461]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({آسَفُونَا} أي: أغضبونا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 222]
تفسير قوله تعالى:{فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ (56)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فجعلناهم سلفاً} ...
- حدثني القاسم بن معن, عن الأعمش, عن يحيى بن وثاب أنه قرأها: {سلفا} مضمومة مثقلة، وزعم القاسم بن معن أنه سمع: واحدها سليف، والعوام بعد يقرءون: {سلفاً} ...
- حدثنا سفيان بن عيينة: أن الأعرج قرأها: (فجعلناهم سُلُفا), كأن واحدته سُلفة من الناس أي: قطعة من الناس مثل أمّة). [معاني القرآن: 3/36]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فجعلناهم سلفاً}: قوما تقدموا، {ومثلًا}: عبرة.
وقرأها الأعرج: سلفا، كأن واحدته: «سلفة» أي: عصبة, وفرقة متقدمة من الناس، مثل القطعة, تقول: تقدمت سلفة من الناس.
وقرئت: (سُلُفاً)، كما قيل: خشب وخشب، وثمر وثمر. ويقال: هو جمع: «سليف», وكله من التقدم). [تفسير غريب القرآن: 399]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والمثل: العبرة، كقوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ} أي: عبرة لمن بعدهم.
وقوله: {وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}أي عبرة). [تأويل مشكل القرآن: 496]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين}
جعلناهم سلفا: متقدّمين , ليتعظ بهم الآخرون.
ويقرأ {سلفا} بضم السين واللام، ويقرأ {سلفا} بضم السين وفتح اللام؛ فمن قال: {سلفا} بضمتين, وهو جمع سليف، أي جميع قد مضى.
ومن قرأ {سلفا}: فهو جمع سلف, أي: فرقة قد مضت). [معاني القرآن: 4/416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين}
قال لاحق بن حميد: أي: {جعلناهم سلفا لمن عمل بعملهم, ومثلا لمن لم يعمل بعملهم}
وقال مجاهد: هم قوم فرعون, سلف لكفار أمة محمد, قال: {ومثلا}: أي: عبرة.
وقال قتادة: {سلفا}: إلى النار, {ومثلا} أي: عظة.
قرئ على أبي قاسم -قريب احمد بن منيع -, عن أبي كامل الجحدري, عن عبد الواحد, عن عاصم, عن أبي مجلز: {فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين }, قال: {سلفا}: لمن عمل بمثل عملهم, {ومثلا}: لمن لم يعمل بمثل عملهم.
قال أبو جعفر: هذه الأقوال متقاربة , وأصل السلف في اللغة ما تقدم, ومنه تسلفت من فلان, وأبينها قول قتادة: أي جعلناهم متقدمين في الهلاك, وعظة لمن يأتي بعدهم.
ويقرأ: {سلفا}: جمع سليف.
وقرأ حميد الأعرج: فيما روي عنه: {سلفا}: جمع سلفة, أي: فرقة متقدمة.
وأبينها, وأكثرها فتح السين واللام, كما يقال فلان: يحب السلف). [معاني القرآن: 6/373-374]