العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:50 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (134) إلى الآية (137) ]

{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)}

قوله تعالى: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وأجمعوا على كسر الراء من: (الرّجز... (134)
واختلفوا في الرّجز والرّجز في الدثر. وقد بئن في موضعه اختلافهم. والرّجز: العذاب المقلقل). [معاني القراءات وعللها: 1/420]

قوله تعالى: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135)}

قوله تعالى: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)}

قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما كانوا يعرشون (137).
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم (يعرشون) بضم الراء، وفي النحل مثله.
وكسر الباقون في السورتين.
قال أبو منصور: هما لغتان معروفتان.
ومثله (يعكفون) و(يعكفون)، قرأ حمزة والكسائي (يعكفون) بكسر الكاف، وكذلك روى عبد الوارث عن أبي عمرو، وقرأ الباقون (يعكفون).
يقال: عكف على الشيء، إذا أقام عليه). [معاني القراءات وعللها: 1/421]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (30- وقوله تعالى: {وما كانوا يعرشون} [137].
قرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر {يعرشون}. بالضم، ومعناه: يبنون
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/203]
وقرأ الباقون بالكسر {يعرشون} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/204]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضمّ الراء وكسرها من قوله تعالى:
[الحجة للقراء السبعة: 4/73]
يعرشون [الأعراف/ 137]-[النحل/ 68].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم يعرشون بكسر الراء، وفي النحل مثله.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر بضم الراء فيهما). [الحجة للقراء السبعة: 4/74]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما كانوا يعرشون}
قرأ ابن عامر وأبو بكر {يعرشون} بضم الرّاء وقرأ الباقون بكسر الرّاء). [حجة القراءات: 294]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (30- {يَعْرِشُونَ} [آية/ 137] بضم الراء:
قرأها ابن عامر وعاصم في رواية- ياش-، وكذلك في النحل.
وقرأ الباقون بكسر الراء في الحرفين). [الموضح: 551]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:52 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (138) إلى الآية (141) ]

{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)}

قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (31- فأما قوله: {يعكفون على أصنام لهم} [138].
فإن حمزة والكسائي قرآه بكسر الكاف.
والباقون بالضم، وهما لغتان، يعكف ويعكف. ويعرش ويعرش. ومعنى يعكفون: يواظبون عليه ويقيمون عليه، وكل من لزم شيئًا فقد عكف عليه ومنه الاعتكاف في المساجد.
فأقل الاعتكاف عند الشافعي ساعة، وعند غيره يوم وليلة. ولا يجيزون الاعتكاف، أعني هؤلاء إلا مع الصوم.
وحجة الشافعي رضي الله عنه أن عمر قال: «يا رسول الله: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك» فلو كان الصوم واجبًا ما جاز الاعتكاف ليلاً؛ لأن الصوم بالليل محال.
واعلم أن كل فعل كان ماضيه مفتوح العين فإن مستقبله يجوز كسره وضمه. أما ما كان ماضيه مكسورًا فالمضارع منه مفتوح، وما كان ماضيه مضمومًا فالمستقبل بالضم أيضًا. نحو ظرف يظرف. فهذا جملة من باب. وقد يشذ منه الأحرف وقد بينتها في غير هذا الموضع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/204]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضم الكاف وكسرها من قوله عز وجل: يعكفون [الأعراف/ 138] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر يعكفون بضم الكاف.
وروى عبد الوارث عن أبي عمرو يعكفون بكسر الكاف.
وقرأ حمزة والكسائي: يعكفون.
[قال أبو علي]: كل واحد من الضمّ والكسر؛ في عيني الكلمتين لغة، ومثل: يعكف، ويعكف، ويعرش، ويعرش، قولهم: يحشر ويحشر، ويفسق، ويفسق.
قال أبو عبيدة: يعرشون* أي يبنون، والعرش في هذا الموضع: البناء، ويقال: عرش مكة أي: بناؤه.
[الحجة للقراء السبعة: 4/74]
وقال أبو الحسن: يعرشون ويعرشون لغتان، وكذلك يبطش ويبطش، ويحشر ويحشر، ويعكف ويعكف، وينفر وينفر). [الحجة للقراء السبعة: 4/75]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم}
قرأ حمزة والكسائيّ {يعكفون} بكسر الكاف وقرأ الباقون بالضّمّ وهما لغتان تقول عكف يعكف ويعكف وكذلك عرش يعرش ويعرش). [حجة القراءات: 294]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (36- قوله: {يعكفون} و{يعرشون} قرأ حمزة والكسائي بكسر الكاف، وضمها الباقون، وقرأ ابن عامر وأبو بكر «يعرشون» هنا وفي النحل بضم الراء، وكسرها الباقون، وهما لغتان مشهورتان في الكلمتين، يقال: عكف يعكف ويعكُف بمعنى: أقام على الشيء، وعَروش يعِرش ويعُرش بمعنى: بنى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/475]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (31- {يَعْكِفُونَ} [آية/ 138] بكسر الكاف:
قرأها حمزة والكسائي.
وقرأ الباقون {يَعْكُفُونَ} بضم الكاف.
والوجه أن {يَعْرُشُونَ} و{يَعْرِشُونَ} بضم الراء وكسرها لغتان، وكذلك {يَعْكُفُونَ} و{يَعْكِفُونَ} ). [الموضح: 551]

قوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139)}

قوله تعالى: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)}

قوله تعالى: {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإذ أنجيناكم من آل فرعون... (141).
قرأ ابن عامر وحده (أنجاكم) ليس بين الجيم والألف ياء ونون.
ومعنى أنحيناكم وأنجاكم واحد؛ لأن الإنجاء لله جلّ وعزّ). [معاني القراءات وعللها: 1/422]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (28- وقوله تعالى: {سنقتل أبناءهم} [127] {ويقتلون أبناءكم} [141].
قرأهما نافع بالتخفيف.
وقرأهما الباقون بالتشديد جعلوه من التقتيل مرة بعد مرة. غير أن ابن كثير كان يخفف {سنقتل} ويثقل: {ويقتلون} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/203] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (32- وقوله تعالى: {وإذ أنجيناكم من آل فرعون} [141].
قرأ ابن عامر وحده: {وإذا نجاكم} وكذلك هي في مصاحفهم.
والباقون: {أنجيناكم}.
وإذ متعلقة بفعل، التقدير: واذكروا إذ أنجيناكم. ومعنى أنجيناكم: أنجينا أباكم
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/204]
[وأحييناكم] فوعظهم الله تعالى لئلا ينزل بهم نقمته إذا خالفوا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/205]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم}
قرأ ابن عامر (وإذ أنجاكم من آل فرعون) بغير ياء ولا نون وكذا في مصاحفهم والمعنى وإذ أنجاكم الله
وقرأ الباقون {وإذ أنجيناكم} بالياء والنّون أخبر جلّ وعز عن نفسه بلفظ الملوك
قرأ نافع {يقتلون أبناءكم} بالتّخفيف وقرأ الباقون بالتّشديد). [حجة القراءات: 294]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (37- قوله: {وإذ أنجيناكم} قرأه ابن عامر بلفظ الواحد، رده على قوله: {قال أغير الله أبغيكم} «140» وقرأه الباقون «أنجيناكم» على لفظ الجماعة، إخبارًا عن الله، عن طريق التعظيم لله والإكبار له، فهو أعظم العظماء، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه، وله نظائر كثيرة في القرآن). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/475]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (32- {وإذْ أَنجَاكُم} [آية/ 141] بغير ياء ونون:
قرأها ابن عامر وحده.
[الموضح: 551]
وقرأ الباقون {أَنجَيْنَاكُم} بالياء والنون.
والوجه فيهما أن الإنجاء من الله تعالى في القراءتين، سواء أسند الفعل إلى لفظ الله تعالى أو إلى جماعة المخبرين، فقوله {أَنجَاكُم} الفعل مسند إلى اسم الله، كأنه قال أنجاكم الله، وقوله {أَنجَيْنَاكُم} لفظ يتضمن التعظيم؛ لأنه جرت عادة الملوك أن يسندوا أفعالهم إلى ضمير الجماعة فيقولوا فعلنا وصنعنا إيذانًا بأن أتباعهم يفعلون كفعلهم، فخاطب الله تعالى عباده بالمتعارف بينهم). [الموضح: 552]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:53 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (142) إلى الآية (143) ]

{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)}

قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (33- {ووَعَدْنَا مُوسَى} [آية/ 142] بغير ألف:
قرأها أبو عمرو ويعقوب.
وقرأ الباقون {ووَاعَدْنَا} بالأف.
وقد مضى الكلام في هذا في سورة البقرة). [الموضح: 552]

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (جعله دكًّا وخرّ موسى صعقًا... (143)
قرأ حمزة والكسائي (دكاء) ممدودة، وفي الكهف مثله.
وقرأ عاصم هنا (دكًّا) منونة، وفي الكهف بغير تنوين، وقرأ الباقون (دكًّا) منونة في الموضعين.
قال أبو منصور: من قرأ (دكًّا) منونة أراد: أنها دكت دكا، على المصدر، ومن قرأ (دكاء) فالمعنى جعلها أرضًا دكاء، على (فعلاء)، وهي المستوية، وجمعها دكاوات). [معاني القراءات وعللها: 1/422]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (33- وقوله تعالى: {جعله دكا} [143].
قرأ حمزة والكسائي: {دكاء} ممدودًا، جعله صفة، والتقدير: فجعل الجبل أرضًا ملساء دكاء كقول العرب ناقة دكاء: لاسنام لها، فأقيمت الصفة مقام الموصوف.
وقرأ الباقون: {دكا} جعلوه مصدرًا كقوله: {دكت الأرض دكا} غير أن هذا قد ذكر الفعل الذي صدر عن مصدره لفظًا، وقوله: {فجعله} ليس من لفظ دكا. غير أنه بمعناه فكأن التقدير: فلما تجلي ربه للجبل دكه دكا.
إلا عاصمًا فإنه كان يمد الذي في (الكهف) ويقصر هاهنا كأنه جمع بين اللغتين لينبئ أن هذه جائزة وهذه جائزة، فمن مد جمعها دكاوات، ومن قصر لم يثن ولم يجمع؛ لأنه مصدر، وحكي لي عن بعض القراء أنه قرا {دكا} بالضم فيكون مصدرًا وجمعًا، والاختيار أن الدك الأرض الذليلة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/205]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في المدّ والقصر [في قوله جلّ وعزّ]: دكا [الأعراف/ 143].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وابن عامر: جعله دكا منونة مقصورة هاهنا وفي الكهف [98] مثله.
وقرأ عاصم في الأعراف: دكا منونة مقصورة، [وقرأ في] الكهف [98]: دكاء ممدودة غير منونة.
وقرأ حمزة والكسائي: دكاء في الموضعين ممدودة غير منوّنة.
قال أبو زيد: دككت على الميّت التراب أدكّه دكّا: إذا دفنته، وهلت عليه التراب أهيله هيلا، وهما واحد، ودككت الرّكيّة دكا: إذا دفنتها، ودكّ الرجل فهو مدكوك: إذا مرض.
قال أبو عبيدة: جعله دكا أي: مندكا، والدّكّ والدكّة مصدر، وناقة دكّاء ذاهبة السّنام، والدك: المستوي، وأنشد للأغلب:
[الحجة للقراء السبعة: 4/75]
هل غير غار دكّ غارا فانهدم قال أبو الحسن: جعله دكا لأنّه لمّا قال: جعله كأنّه قال: دكّه، أو أراد جعله ذا دكّ، ويقال: دكّاء: جعلوها كالناقة الدكّاء التي لا سنام لها؛ فكأنّه بقي أكثره، قال: والأوّل أكثر القراءتين.
[قال أبو علي]: والمضاف محذوف على قول أبي الحسن.
وفي التنزيل: وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة [الحاقة/ 14]، وفيه: كلا إذا دكت الأرض دكا دكا [الفجر/ 21] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/76]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فلمّا تجلى ربه للجبل جعله دكا}
[حجة القراءات: 294]
قرأ حمزة الكسائي {جعله دكاء} بالمدّ والهمز قال الأخفش قول تعالى {دكاء} أي جعله مثل دكاء ثمّ حذف المضاف وأقم المضاف إليه مقامه كما قال (وسل القرية الّتي) والعرب تقول ناقة دكاء أي لا سقام لها وقال قطرب قوله {دكاء} صفة التّقدير جعله أرضًا دكاء أي ملساء فأقيمت الصّفة مقام الموصوف وحذف الموصوف ودلّ عليه الصّفة كما قال سبحانه {وقولوا للنّاس حسنا} أي قولا حسنا
وقرأ الباقون {دكا} منونا جعلوا دكا مصدرا من دككت الشّيء إذا كسرته وفتته فتأويله جعلته مفتتا كالتراب وحجتهم قوله تعالى {كلا إذا دكت الأرض دكا دكا} المعنى فلمّا تجلى ربه للجبل جعل مدكوكا فكأنّه دكه فيجعل قوله {دكا} مصدرا صدر عن معنى الفعل لا عن لفظه). [حجة القراءات: 295]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (38- قوله: {جعله دكًا} قرأه حمزة والكسائي بالمد، وفتح الهمزة، غير منون، وقرأ الباقون بالتنوين، من غير مد ولا همز.
وحجة من مده أنه أخذه من قول العرب: «هذه ناقة دكاء» للتي لا سنام لها، فهي مستوية الظهر، فكأنه في التقدير: جعل الجبل مثل ناقة دكاء، أي جعله، إذ تجلى عليه مستويًا لا ارتفاع فيه، انحط الجبل من علوه وارتفاعه تعظيمًا لله وخضوعًا له، إذ تجلى بعظمته إليه، فلما حدث في الجبل على عظمته وصلابته وقوته هذا الحادث فكيف لابن آدم الضعيف طاقة على رؤية البارئ في الدنيا، هذا ما لا يكون، فلما أظهر الله لموسى أمرًا في الجبل استيقن موسى برؤيته أنه تعالى لا يرى في الدنيا.
39- وحجة من لم يمده أنه جعله مصدر دككت الأرض
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/475]
دكا، أي: جعلتها مستوية لا ارتفاع فيها ولا انخفاض، قال الأخفش كأنه لما قال: جعله، قال: دكه دكا، فجعله في موضع دكه، ويقوي هذه القراءة قوله: {فدكتا دكة واحدة} «الحاقة 14» وقوله: {دكت الأرض دكا دكا} «الفجر 21» قال أبو عبيدة: جعله دكا أي مندكا، والاختيار ترك المد لما بيناه من العلة، ولأن عليه أكثر القراء، ولما روى أنس بن مالك عن النبي عليه السلام أنه قرأ: «دكا» بالتنوين من غير مد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/476]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (34- {جَعَلَهُ دَكًاء} [آية/ 143] ممدود مهموز:
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في سورة الكهف، وقرأ عاصم في الأعراف {دَكًا} مقصورة منونة، وفي الكهف {دَكًاء} مثل حمزة.
[الموضح: 552]
ووجه القراءة بالمد والهمز أن {دَكًاء} صفة موصوف محذوف، والتقدير: جعله أرضًا دكاءً، وهي المستوية، مثل ناقة دكاء وهي التي افترض سنامها فصار مستويًا على ظهرها.
وقرأ الباقون {دَكًا} مقصوراً منوِّنًا في السورتين.
والوجه أنه مصدر دك يدك، يقال: دككت التراب على الميت إذا دفنته فيه فسويته بالأرض، فقوله {جَعَلَهُ دَكًا} أي ذا دكٍ، فحذف المضاف). [الموضح: 553]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:55 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (144) إلى الآية (147) ]

{ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}

قوله تعالى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّي اصطفيتك... (144).
فتح الياء ابن كثير وأبو عمرو، وأسكنها نافع وغيره.
ولم يسكن نافع ياء إضافة يليها ألف وصلٍ إلا في ثلاثة مواضع: (إنّي اصطفيتك)، وفي طه (أخي اشدد)، وفي الفرقان "يا ليتني اتّخذت) ). [معاني القراءات وعللها: 1/424]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (35- وقوله تعالى: {برسالاتي وبكلامي} [144].
قرأ ابن كثير ونافع بالتوحيد؛ لأن الرسالة الواحدة قد يكون معها كلمات.
وقرأ الباقون بالجمع ليكون أشكل بالكلمات ويجوز أن يكون أرسله مرارًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/207]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله تعالى: برسالاتي [الأعراف/ 144].
[الحجة للقراء السبعة: 4/76]
فقرأ ابن كثير ونافع برسالتي واحدة، وقرأ الباقون برسالاتي جماعة.
الرسالة تجري مجرى المصدر، فتفرد في موضع الجمع، وإن لم يكن المصدر من «أرسل» يدلّك على أنّه جار مجراه قول الأعشى.
غزاتك بالخيل أرض العدوّ* وجذعانها كلفيظ العجم فإعماله إيّاه إعمال المصدر، يدلّك على ذلك أنّه يجري مجراه، والمصدر قد يقع لفظ الواحد منه، والمراد به الكثرة.
قال:
فقتلا بتقتيل وضربا بضربكم* جزاء العطاس لا ينام من اتّأر
[فكان المعنى على الجميع] لأنّه مرسل بضروب من الرسالة، والمصادر قد تجمع مثل الحلوم والألباب.
وقال عزّ وجل: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير
[الحجة للقراء السبعة: 4/77]
[لقمان/ 19]، فجمع الأصوات لمّا أريد بها أجناس مختلفة صوت الحمار بعضها، وأفرد صوت الحمار، وإن كان المراد به الكثرة؛ لأنّه ضرب واحد). [الحجة للقراء السبعة: 4/78]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس برسالاتي وبكلامي}
قرأ نافع وابن كثير (إنّي اصطفيتك على النّاس برسالتي) على التّوحيد وحجته ما بعده {وبكلامي}
وقرأ الباقون {برسالاتي} على الجمع أرسله مرارًا). [حجة القراءات: 295]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (40- قوله: {برسالاتي} قرأ الحرميان بالتوحيد، وقرأ الباقون بالجمع.
وحجة من وحَّده أن «رسالة» تجري مجرى المصدر، وتعمل عمله، وإن كانت الهاء فيها، فالمصدر موحد، أبدًا إذ يدل على القليل والكثير من جنسه، وأيضًا فإن بعده «وبكلامي» وهو مصدر موحد، يُراد به أيضًا الكثرة، فجرت الرسالة، في توحيد لفظها، على مثل توحيد الكلام.
41- وحجة من جمع أنه لما كان موسى صلى الله عليه وسلم أرسل بضروب من الرسالات، فاختلفت أنواعها، فجمع المصدر، لاختلاف أنواعه، كما قال: {إن أنكر الأصوات} «لقمان 19» والأصوات جمع صوت، وصوت مصدر، فجمع لاختلاف أجناس الأصوات، واختلاف المصوتين، ووحّد في قوله: {لصوت} لما أراد به جنسًا واحدًا من الأصوات). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/476]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (35- {بِرِسَالتِي} [آية/ 144] على الواحد:
قرأها ابن كثير ونافع ويعقوب- ح-.
والوجه أنه اسم يجري مجرى المصدر، والمصدر يُفرد في موضع الجمع؛ لن المصادر لا تثنى ولا تجمع لكونها جنسًا، فلما كانت الرسالة تجري مجرى المصدر عوملت معاملة المصدر، كما قال الأعشى:
38- غزاتك بالخيل أرض العدو = وجذعانها كلفيظ العجم
[الموضح: 553]
فأعمل غزاة عمل المصدر فنصب: أرض العدو.
وقرأ الباقون {بِرِسَالاتِي} على الجمع.
والوجه أن المصدر قد يجمع إذا اختلفت أنواعه، والرسول يرسل بأنواع من الرسالات، فلهذا جمع، وهذا كما جمعت الحلوم والعلوم، وقال الله تعالى {إنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ} فجمع الصوت وهو مصدر لما اختلفت أنواعه.
ويجوز أن يكون جمعت الرسالة؛ لأنها ليست بمصدر محضٍ، بل هي اسم فجمعت كما تُجمع الأسماء). [الموضح: 554]

قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن أيضًا: [سَأُورِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ].
قال أبو الفتح: ظاهر هذه القراءة مردود؛ لأنه سأُفْعِلُكم من رأيتُ، وأصله: سَأُرْئِيكُم، ثم خففت الهمزة بحذفها وإلقاء حركتها على الراء، فصارت سأُريكم. قالوا: وإذن لا وجه لها، ونحو من هذا قراءته أيضًا: [ولا أَدْرَأْتُكُم به]، إلا أن له وجهًا ما، هو أن يكون أراد: [سأُرِيكم] ثم أشبع ضمة الهمزة فأنشأ عنها واوًا، فصارت [سَأُورِيكم].
وقد جاء من هذا الإشباع الذي تنشأ عنه الحروف شيء صالح نثرًا ونظمًا، فمن المنثور قولهم: بينا زيد قائم جاء عمرو، إنما يراد بين أوقات زيد قائم جاء فلان، فأشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفًا. ومثله قول عنترة:
يَنْبَاع من ذِفْرَى غَضوب جسرة
أراد: ينبع، فأشبع فتحة الباء فنشأت عنها ألف كما ترى، على هذا حمله لنا أبو علي سنة إحدى وأربعين، وقد قال الأصمعي مع ذلك يقال: انباع الشجاع ينباع انبياعًا إذا انخرط ماضيًا من الصف.
وأخبرنا أبو علي عن أحمد بن يحيى أنه قال: يقال: جِيء به من حيثُ ولَيْسا.
ورَوى الفراءُ عن بعضهم أنه سمعه يقول: أكلت لحما شاة، وهو يريد: لحم شاة، فأشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفًا، وهو اعتراض بين المضاف والمضاف إليه علي ضيق الوقت وقصره بينهما. ومنه المسموع عنهم في الصياريف والدراهيم، وأنشدنا أبو علي:
[المحتسب: 1/258]
وأنني حيثما يسري الهوى بصري ... من حَوْثُما سلكوا أثنى فأَنظور
يريد: فأنظره، فأشبع الضمة فأنشأ عنها واوًا، هكذا رواه أبو علي يسري من سريت، ورواه ابن الأعرابي: يشري -بالشين معجمة- أي: يُقلق ويحرك الهوى بصري، وما أحسن هذه الرواية وأطرفها! وأنشد غيرهما:
عَيْطاء جَمَّاء العِظَام عُطْبولْ ... كأَن في أنيابها القَرَنْفولْ
يريد: القَرَنْفُل، فإذا جاز هذا ونحوه نظمًا ونثرًا ساغ أيضًا أن يُتأول لقراءة الحسن: [سأُورِيكُمْ]، أراد: سأُرِيكم وأشبع ضمة الهمزة فأنشأ عنها واوًا، وهو أبو سعيد، والمأثور من فصاحته ومتعالَم قوة إعرابه وعربيته! فهذا مع ما فيه من نظائره أمثل من أن يُتلقي بالرد صِرفًا غير منظور له ولا مسعيٍّ في إقامته. وزاد في احتمال الواو في هذا الموضع أنه موضع وعيد وإغلاظ، فمُكن الصوت فيه وزاد إشباعه واعتماده، فأُلحقت الواو فيه لما ذكرنا). [المحتسب: 1/259]

قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإن يروا سبيل الرّشد... (146).
قرأ حمزة والكسائي (الرّشد) بفتح الراء والشين، وقرأ الباقون (الرّشد) بضم الراء خفيفًا.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب في الكهف (ممّا علّمت رشدًا (66). بفتح الراء والشين.
[معاني القراءات وعللها: 1/422]
وروى أحمد بن يوسف التغلبي عن ابن ذكوان بإسناده عن ابن عامر (ممّا علّمت رشدًا) بضم الراء والشين.
قال: وقرأت على ابن أخرم (رشدًا)) ساكنة الشين مثل الباقين.
قال أبو منصور: هي لغات معروفة، والرُّشْد والرَّشَد والرُّشُد معناها واحد). [معاني القراءات وعللها: 1/423]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (سأصرف عن آياتي الّذين يتكبّرون في الأرض... (146).
أسكنها ابن عامر وحمزة، وحركها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/424]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {وإن يروا سبيل الرشد} [146].
قرأ حمزة والكسائي: {الرشد} بفتح الراء والشين.
وقرأ الباقون بضم الراء وجزم الشين {سبيل الرشد}.
فقال قوم: هما لغتان مثل السقم والحزن والحزن، وقال
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/205]
أبو عمرو: الرشد: الصلاح. والرشد: في الدين فلذلك كان يقرأ التي في الكهف {رشدا}.
وقال أبو عبيد: الاختيار: الرشد بالضم والإسكان لأن القراء أجمعوا على قوله: {فإن ءانستم منهم رشدًا} فهذا مثله.
قال أبو عبيد: الاختيار: الرشد بالضم والإسكان لأن القراء أجمعوا على قوله: {فإن ءانستم منهم رشدا} فهذا مثله.
قال أبو عبد الله رضي الله عنه: وكذلك: {قد تبين الرشد من الغي} والغي: هاهنا الضلال يقال غوي الرجل يغوي: إذا صار من أهل الغي. والغواية: الضلالة. وأما غوى بكسر الواو يغوي غوى فشيئان:
يقال في السخلة إذا بشمت من كثرة الشرب للبن، وإذا هزلت من قلة الشرب، وينشد:
معطفة الأثناء ليس فصيلها = برازئها درا ولاميت غوى
الدر: اللبن، ومن ذلك قولهم: لله درك، أي: لله صالح عملك، وذلك أن العرب كانت تفتض الكرش لشرب مائه وتفصد العرق لتشرب الدم فكان أفضل ما يشربون اللبن وهو الدرة فأما قوله: {لا يتخذوه سبيلا} [146] فإن أبيا قرأ {لا يتخذوها} فالهاء في كلا القراءتين تعود على السبيل؛ لأن العرب تذكر السبيل وتؤنثه، قال الله تعالى: {قل هذه سبيلي} وقال في موضع آخر: {قصد السبيل ومنها جائر} فأما ابن
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/206]
عامر فإنه قرأ في الكهف {رشدا} بضمتين أتبع الضم الضم كما قرأ أيضًا: {وأقرب رحما} وكما قرأ عيسى بن عمر: {أليس الصبح بقريب} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/207]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله [جلّ وعزّ]: وإن يروا سبيل الرشد [الأعراف/ 146].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر سبيل الرشد بضم الراء خفيفة.
وقرأ حمزة والكسائيّ: سبيل الرشد مثقّلة بفتح الراء والشين.
وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائيّ في الكهف: مما علمت رشدا [الآية/ 66] مضمومة الراء خفيفة.
وقرأ أبو عمرو رشدا* مفتوحة الراء خفيفة.
وقرأ ابن عامر رشدا* مضمومة الراء والشين ثقيلة.
هكذا في كتابي عن ابن ذكوان رشدا* بضم الراء والشين.
ورأيت في رواية غيره رشدا* خفيفة الشين موقوفة أخبرني بذلك أحمد بن يوسف [التغلبي] عن عبد الله بن ذكوان عن أيوب بن تميم عن يحيى بن الحارث عنه.
وروى هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر رشدا بضم الراء موقوفة الشين خفيفة.
[الحجة للقراء السبعة: 4/78]
قال أبو علي: الرشد، والرّشد؛ حكي أنّ أبا عمرو فرّق بينهما، فقال الرّشد: الصلاح، والرّشد: الدين، مثل قوله مما علمت رشدا [الكهف/ 66].
قال [أبو علي]: وقد جاء: فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا [الجن/ 14]، فهذا في الدين وكذلك: هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا [الكهف/ 66]، وهيئ لنا من أمرنا رشدا [الكهف/ 10]؛ فهذا كله في الدين، وهذه التي في الأعراف يجوز أن يكون يعني به الدين. كأنّ المعنى: وإن يروا سبيل الخير زاغوا عنه، وعدلوا فلم يتخذوه سبيلا، أي لم يأخذوا به. وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا، ألا تراه يقول: ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا، ومقابلته بالغيّ يدلّ على الضلالة والزيغ عن طريق الدين والهدى.
وقال: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين [الحجر/ 42]، والتي في سورة النساء في قوله: فإن آنستم منهم رشدا، فادفعوا إليهم أموالهم [الآية/ 6] فمن إصلاح المال والحفظ له، وقد جاء الرّشد في غير الدين. قال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/79]
حنّت إلى نعم الدّهنا فقلت لها... أمّي هلالا على التوفيق
والرّشد ويدلّ على تقوية قول أبي عمرو في فصله بين الرّشد والرّشد، وأنّه ليس بلغتين على حدّ العجم والعجم، والعرب والعرب، ونحو ذلك: أن سيبويه قال: بعضهم يقول: البخل كالفقر، والبخل كالفقر، وبعضهم يقول: البخل كالكرم، فلم يحمل البخل والبخل على مثال: العجم والعجم والثّكل والثّكل، وكذلك الرّشد والرّشد). [الحجة للقراء السبعة: 4/80]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا}
قرأ حمزة والكسائيّ {الرشد} بفتح الرّاء والشين وقرأ الباقون بضم الرّاء وسكون الشين وهما لغتان مثل السقم والسقم والحزن
[حجة القراءات: 295]
والحزن قال أبو عمرو سبيل الرشد أي الصّلاح وتصديقها قوله {فإن آنستم منهم رشدا} والرشد في الدّين فلذلك قرأ في الكهف {ممّا علمت رشدا} ). [حجة القراءات: 296]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (42- قوله: {الرشد} قرأه حمزة والكسائي بفتح الراء والشين، وقرأ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/476]
الباقون بضم الراء وإسكان الشين، وقرأ أبو عمرو في الكهف «رشدا» بفتح الراء والشين، وقرأ الباقون بضم الراء وإسكان الشين، وهما لغتان في الصلاح والدين، وقد قيل: إن من فتح الراء والشين أراد به الدين لأن قبله ذكر الغي، والدين ضد الغي، وقد أجمعوا على الفتح في قوله: {تحرَّوا رشدا} «الجن 14» أي: دينا، ومثله: {وهيئ لنا من أمرنا رشدا} «الكهف 10»، أي: دينًا، ومن ضم الراء أراد الصلاح، كذا حكى أبو عمرو في الفتح والضم، والمعنيان متقاربان، لأن الدين الصلاح، والصلاح هو الدين). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/477]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (36- {سَبِيلَ الرُّشْدِ} [آية/ 146] مفتوحة الراء والشين:
قرأها حمزة والكسائي، وقرأ أبو عمرو ويعقوب في سورة الكهف {رَشَدًا} بفتح الراء والشين، وقرأ الباقون {رُشَدًا} بضم الراء وإسكان الشين في السورتين.
والوجه أنهما لغتان رشد ورشد، كما تقول بخل وبخل وشغل وشغل، وقال أبو عمرو: الرشد بضم الراء وإسكان الشين: الدين، والرشد بفتحتين: الصلاح). [الموضح: 554]

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:57 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (148) إلى الآية (154) ]

{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}

قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من حليّهم عجلًا جسدًا... (148).
قرأ حمزة والكسائي (من حليّهم) بكسر الحاء والتشديد، وقرأ الحضرمي (من حليهم) بفتح الحاء وسكون اللام خفيفة، وقرأ الباقون (من حليّهم) بضم الحاء، مشددًا.
قال أبو منصور: من قرأ (من حليهم) فهو واحد، ويجمع: حليًّا وحليّا، والأصل فيهما الضم، لأنه جمع على (فعول).
ومن كسر الحاء فلإتباعه الكسرة التي في اللام والياء). [معاني القراءات وعللها: 1/423]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (36- وقوله [تعالى]: {من حليهم عجلا جسدا} [148].
قرأ حمزة والكسائي بكسر الحاء واللام.
والباقون بالضم على اصل الكلمة وذلك أن الحُلي جمع حُلْي مثل حُقوٍ وحقي ووزن حُليً: فعول والأصل: حلوى فلما اجتمعت واو وياء والسابق ساكن قلبوا من الواو ياء وأدغموا كما تقول: شويت اللحم شيا، وكويته كيا، وهذه عشري لا عشروك، وهؤلاء زيدي، فذهبت النون للإضافة، وقلبوا من الواو ياء وأدغموا.
وأما من كسر فقال {حليهم} فإنه استثقل الضمة مع الياء كما تستثقل مع الكسرة فكسر الحاء لمجاورة اللام، وثمله {عتيا} {وجثيا} {وبكيا}.
وقرأ يعقوب الحضرمي: {من حليهم عجلا جسدا} بفتح الحاء وجزم
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/207]
اللام، جعله واحدًا. والجسد: الذي لا يتكلم إلا تسمع قوله: {ألا يرجع إليهم قولا} وذلك أن بني إسرائيل قالوا لموسى {اجعل لنا إلها} أي: صنمًا نعبده كما أن لقوم فرعون أصنامًا عمد السامري فكان مطاعا في قومه إلى حلي عنده وعندهم فجعله عجلاً وفوهه فكان يصوت إذا خرقته الريح فذلك قوله: {[له] خوار}.
وقال آخرون: بل تناول من أثر حافر فرس جبريل صلى الله عليه وسلم ترابًا فلما اتخذ العجل ألقاه في جوفه فكان ينخره.
وقال آخرون: بل تناول من أثر حافر فرس جبريل صلى الله عليه وسلم ترابًا فلما اتخذ العجل ألقاه في جوفه فكان ينخره.
وقال آخرون: إنما خار مرة واحدة ثم لم يعد.
واسم فرس جبريل عليه السلام: حيزوم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/208]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضمّ الحاء وكسرها من قوله تعالى: من حليهم [الأعراف/ 148].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم من حليهم بضم الحاء.
وقرأ حمزة والكسائي: من حليهم بكسر الحاء، وكلّهم شدّد الياء.
الواحد من الحليّ: حلي، وجمعه: حليّ، ومثله: ثدي وثديّ، ومن الواو: حقو وحقيّ قال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/80]
يسهّد من نوم العشيّ سليمها... لحلي النّساء في يديه قعاقع
قال: لحلي النساء على أحد أمرين: إمّا على حدّ قوله:
كلوا في بعض بطنكم تعفّوا وقوله: قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس أو يكون على حدّ قوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [إبراهيم/ 34 - النحل/ 18] فيريد به الكثرة، [أمّا فعول فإنّه يكون مفردا، ويكون جمعا. فإذا كان مفردا. جاء على ضربين: أحدهما أن يكون مصدرا وهو العام الكثير، مثل:
القعود والدخول والمضيّ.
وقد جاء اسما في قولهم: الأتيّ والسّدوس.
[الحجة للقراء السبعة: 4/81]
وإذا كان جمعا كان على ضربين: أحدهما أن يكون جمعا للثلاثة مثل: كعب وكعوب، والآخر أن يكون لما زاد على الثلاثة نحو: شاهد وشهود، وحاضر وحضور؛ فإذا كان جمعا للثلاثة، فالثلاثة المجموع بها على ضربين: صحيح ومعتل، ومن المعتل: المجموع على فعول ما كان لامه حرف علة وذلك نحو: ثدي وثدي، وحقو وحقيّ، مما كان من الياء نحو قولهم: حليّ في جمع حلي، فواو فعول قلبت ياء لوقوعها قبل الياء التي هي لام، كما أبدلت واو مفعول من مرميّ لذلك، وأبدلت من ضمة عين فعول كسرة، كما أبدلت ضمّة عين مفعول في: مرميّ، وإن كانت اللام واوا أبدلت منها الياء وذلك نحو: حقو وحقيّ]، وقال الشاعر:
بريحانة من بطن حلية نوّرت... لها أرج ما حولها غير مسنت
فإن كان هذا المكان سمّي بواحد حلي، كتمرة، وتمر، كان حلي جمعا، ويكون قوله: لحلي النساء جمعا قد أضيف إلى جمع.
[الحجة للقراء السبعة: 4/82]
وقال: أو من ينشأ في الحلية [الزخرف/ 18]، وقال:
وتستخرجون حلية تلبسونها [فاطر/ 12]، فيجوز أن تكون الحلية إنّما كسرت مع علامة التأنيث، وفتح بلا هاء فقال:
حلي، كما قالوا: البرك للصدر، والبركة قال:
ولوح ذراعين في بركة وقالوا: كان زياد أشعر بركا. فأمّا وجه قول من ضمّ من حليهم؛ فإنّ حليا لا يخلو من أن يكون جمعا على حدّ نخل وتمر، أو مفردا فيكون: حلي وحليّ، كقولهم: كعب وكعوب وفلس وفلوس، إلّا أنّه لما جمع أبدل من الواو الياء؛ لإدغامها في الياء وأبدل من الضمة كسرة كما أبدلت في مرميّ ومخشيّ، ونحو ذلك. فأمّا الحاء التي هي فاء في الحلي، فإنّها بقيت مضمومة كما كانت مضمومة في: كعوب وفلوس، ويجوز أن يكون جمعا كتمر، وجمع على فعول كما جمع صفا على صفيّ في نحو:
مواقع الطّير على الصّفيّ
[الحجة للقراء السبعة: 4/83]
وممّا يحتمل أن تكون الضمة أبدلت فيه كسرة قولهم:
بكيت، والمحتزن البكيّ فالبكيّ يجوز أن يكون فعيلا، ويكون باك وبكيّ، كعالم وعليم، وشاهد وشهيد، فالكسرة من العين على هذا كسرة فعيل، ويجوز أن يكون فعولا، أبدلت الواو منها ياء، وأبدلت من ضمّتها الكسرة كقولهم: أدحيّ النّعام، وآريّ الدابة هما فاعول، إلّا أنّ اللام من أدحيّ واو قلبت ياء، ومن آريّ ياء والكسرة في البناء مبدلة ضمة.
ووجه قول حمزة والكسائي في كسرهما الحاء من حليهم، هو أنّ المكسر من المجموع قد غيّر عمّا كان الواحد عليه في اللفظ والمعنى، كما أن الاسم المضاف إليه كذلك، ألا ترى أنّ الاسم المكسر في الجمع يدلّ بالتكسير
[الحجة للقراء السبعة: 4/84]
على الكثرة، وأن الفاء قد غيّر في التكسير كما أن الاسم المضاف إليه كذلك؟ وذلك أنّه بالنّسب صار صفة، وكان قبل اسما، وقد تغيّر في اللفظ بما لحقه من الزيادة؛ فلمّا تغيّر الاسم تغييرين وهو: إبدال الواو ياء وإبدال الضمة كسرة كما غيّر في الإضافة تغييرين، قوي هذا التغيير على تغيير الفاء، كما قوي النسب للتغييرين على حذف الياء من نحو: حنفي، وجدلي في النسب إلى حنيفة، وجديلة، وكذلك حليّ وعصيّ.
فإن قلت: فهلّا لزم هذا التغيير في الجمع هاهنا، كما لزم في النسب؟.
قيل: إنّ النسب قد جاء منه ما لم يغيّر، وترك على أصله، وذلك قولهم في الإضافة إلى سليقة: سليقي، وإلى عميرة كلب: عميري، فجاء غير مغيّر مع التغييرين اللاحقين للاسم في النسب؛ فكذلك جاء حليّ على الأصل مع هذين التغييرين اللاحقين للاسم.
وأما نحو: عصيّ وقنيّ فقد لحقه مع هذين التغييرين اللذين ذكرنا تغيير ثالث، وهو إبدال الواو ياء، وكذلك ما كان
[الحجة للقراء السبعة: 4/85]
من ذلك جمعا، الآخر منه واو، فإنّه يلزم بدل الواو منه ياء نحو عصيّ وحقي ودليّ؛ فهذا مستمر، إلّا أن يشذّ منه شيء، فيجيء على الأصل نحو ما حكاه من قولهم: إنّكم لتنظرون في نحو كثير، ونحو ما أنشده أحمد بن يحيى:
وأصبحت من أدنى حموّتها حما فجاءت الواو في الحموّة مصححة، وكان القياس أن تنقلب ياء من حيث كان جمعا. فأمّا إلحاق تاء التأنيث له فعلى حدّ عمومة وخيوطة، وليس لحاق هذه التاء ممّا يمنع القلب، ألا ترى أن الذي يوجب القلب فيه هو أنّه جمع، وما كان من هذا النحو واحدا كالمضيّ والصّلي، مصدر صلي فإنّ الفاء منه، لا تكسر كما كسر في الجموع، لأنّ الواحد لم يتغيّر فيه المعنى كما تغيّر في الجمع.
وحكى أبو عمر عن أبي زيد آوى إليه إويّا، وممّا يؤكد
[الحجة للقراء السبعة: 4/86]
كسر الفاء في هذا النحو من الجمع قولهم: قسيّ في جمع قوس، ألا ترى أنّا لا نعلم أحدا يسكن إلى روايته حكى فيه غير الكسر في الفاء؛ فهذا ممّا يدل على تمكن الكسرة في هذا الباب الذي هو الجمع، وربما أبدلت اللّامات إذا كانت واوات من الأسماء، وليس ذلك على حدّ الإبدال في عصيّ وحقيّ، لو كان على هذا الحدّ للزم هذا الضرب من الآحاد كما لزم الجموع، وإنّما ألزمت الآحاد التغيير، كما لزمت أدل وأحق وأجر، وذلك أنّه لما قرب من الطّرف أبدلت كما أبدل هذا الضرب، وعلى هذا قالوا: مسنيّة، ومعدي، ومن ذلك قولهم: العتوّ قال تعالى: وعتوا عتوا كبيرا [الفرقان/ 21]؛ فصحّحت، وأبدلت في قوله: أيهم أشد على الرحمن عتيا [مريم/ 69]، وقد بلغت من الكبر عتيا [مريم/ 8]؛ فهذا مصدر، ولو كان اسما على حد: شاهد، وشهود، للزم فيه البدل كقولهم: الجثيّ في جمع جاث لأنّه من يجثو، ولكنّه أبدل على حدّ مسني ومعديّ، وقالوا: أنا أجوؤك وأنبؤك، وهو منحدر من الجبل، فأتبعوا الحركة الحركة، فإن لم يكن في الكلمة تغييران، فهذا التغيير في الجمع على ما قرأه حمزة والكسائي أقوى.
[الحجة للقراء السبعة: 4/87]
وأمّا قولهم في جمع: الفتى فتوّ؛ فهو على قول أبي الحسن من باب نحوّ وحموّة، لأنّه يرى أنّه من الواو وفي قول غيره أذهب في باب الشذوذ.
ألا ترى أنّه إذا قلب ما كان من الواو إلى الياء نحو:
حقي وعصي، فالذي من الياء أجدر أن يترك على ما هو عليه، فإذا أبدل منها الواو في الجمع مع أنّها من الياء كان على خلاف ما جاء عليه الجمهور والكثرة). [الحجة للقراء السبعة: 4/88]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا}
قرأ حمزة والكسائيّ {من حليهم} بكسر الحاء
وقرأ الباقون بالضّمّ وحجتهم أن الضّم هو الأصل وفيه علم الجمع وذلك أن الحليّ جمع حلي مثل حقو وحقي والأصل حلوي مثل قلب وقلوب فلمّا سبقت الواو الياء قلب الواو ياء فأدغمت في الياء فصارت حلي بضم الحاء واللام فاجتمعت ضمتان وبعدهما ياء مشدّدة فكان ذلك أشد ثقلا فكسرت اللّام لمجيء الياء فصارت حلي بضم الحاء وكسر اللّام
وحجّة من كسر الحاء هي أنه استثقل ضمة الحاء بعد كسر اللّام وبعدها ياء فكسر الحاء لمجاورة كسرة اللّام وأخرى أنهم قد أجمعوا على قوله من عصيهم فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه). [حجة القراءات: 296]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (44- قوله: {من حليهم} قرأ حمزة والكسائي بكسر الحاء، وقرأ الباقون بالضم.
وحجة من ضم الحاء أنه جمع «حليا» على «فعول»، ككعب وكعوب وأصله «حلوي» فأرادوا إدغام الواو في الياء للتخفيف فأبدلوا من ضمة اللام
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/477]
كسرة، ليصح انقلاب الواو إلى الياء، وليصح الإدغام، كما فعلوا في «مرمى» وبابه، فبقيت الحاء مضمومة على أصلها، فصار «حلي» كما ترى.
45- وحجة من كسر الحاء أنه لما كسر اللام، وأتى بعدها ياء مشددة، أتبع الحاء ما بعدها من الكسرة والياء، فكسرها، ليعمل اللسان عملًا واحدً في الكسرتين، والياء بعدها، والضم هو الاختيار؛ لأنه الأصل، ولأن عليه أكثر القراء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/478]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {مِنْ حُلِيِّهِمْ} [آية/ 148] بفتح الحاء وسكون اللام وتخفيف الياء:
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أنه واحد الحُلي، يقال حلي وحلي، كما يقال فلس وفلوس وكعب وكعوب ودهر ودهور، والحلي وإن كان واحداً فالمراد به الجمع؛ لأنه مضاف إلى الجمع، كما قال تعالى {وَعَلَى سَمْعِهِمْ} أراد أسماعهم، قال الشاعر:
39- في حلقكم عظم وقد شجينا
أراد حلوقكم.
وقرأ حمزة والكسائي {حِلِيِّهِمْ} مكسورة الحاء واللام، مشددة الياء.
والوجه أنه جمع حلي على حلي بضم الحاء، كما قيل كعب وكعوب، والأصل: حلوى على فعول، فاجتمع الواو والياء وسبق أحدهما بالسكون، فأبدلت ضمة ما قبل الواو كسرة، فانقلبت الواو ياء، فأدغمت الياء في الياء، فبقي حلي، ثم إنهم لما جمعوا عليه هذين التغييرين المذكورين من إبدال الضمة كسرة وقلب الواو ياء، اجترئ عليه فغير أيضًا تغييراً آخر، وهو إبدال
[الموضح: 555]
ضمة الأول من الكلمة وهو الحاء كسرة إتباعًا لكسرة ما بعده وهو اللام من حلي، فبقي حلي بكسر الحاء.
وقرأ الباقون {حُلِيِّهِمْ} بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء.
والوجه أنه هو الأصل في جمع حلي على ما تقدم؛ لأنه فعول بضم الفاء، فأصله أن يكون حليًا بالضم ككعوب وفلوس على ما بينا). [الموضح: 556]

قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لئن لم يرحمنا ربّنا ويغفر لنا... (149).
قرأ حمزة والكسائي (لئن لم ترحمنا ربّنا وتغفر لنا) بالتاء فيهما جميعًا، و(ربّنا) نصبًا، وقرأ الباقون بالياء، و(ربّنا) رفعًا.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فللمخاطبة، ونصبه (ربّنا)
[معاني القراءات وعللها: 1/423]
على الدعاء، يا ربّنا، ومن قرأ بالياء فهو على الخبر، و(ربّنا) فاعل، على أن يقع بفعلها يرحمنا). [معاني القراءات وعللها: 1/424]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (37- وقوله تعالى: {لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا} [149].
قرأ حمزة والكسائي {ترحمنا} بالتاء خطاب لله تعالى. {ربنا} بالنصب على النداء المضاف، تقديره: يا ربنا، واحتجا بحرف أبي {ربنا لئن لم ترحمنا}.
وقرأ الباقون: {لئن لم يرحمنا} بالياء و{ربنا} بالرفع على الخبر. والله تعالى هو الفاعل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/208]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله جلّ وعزّ: لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا [الأعراف/ 149]، وفي الرفع والنصب من قوله تعالى: ربنا*.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم: لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا بالياء والرفع، وقرأ حمزة والكسائي لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا بالتاء ونصب ربنا.
القول في ذلك أنّ من قرأ: لئن لم يرحمنا ربنا جعل الفعل للغيبة، وارتفع ربنا به، وكذلك: ويغفر لنا فيه ضمير ربنا وهو مثل يرحمنا في الإسناد إلى الغيبة.
ومن قرأ: لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا جعل تغفر لنا
[الحجة للقراء السبعة: 4/88]
للخطاب، وفيه ضمير الخطاب وربنا* نداء. والذي كان في قراءة من قدمنا قوله فاعلا، وحذف حرف التنبيه معه لأنّ عامة ما في التنزيل من ذلك، يحذف حرف التنبيه منه، كقوله:
ربنا انك آتيت فرعون وملأه زينة.. ربنا ليضلوا.. ربنا اطمس [يونس/ 88]، ربنا إني أسكنت من ذريتي [إبراهيم/ 37]، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك [آل عمران/ 194] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/89]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين}
قرأ حمزة والكسائيّ (لئن لم ترحمنا) بالتّاء على الخطاب {ربنا} بالنّصب على النداء أي يا ربنا (وتغفر لنا) بالتّاء وحجتهما أن في حرف أبي قالوا (ربنا لئن لم ترحمنا وتغفر لنا)
[حجة القراءات: 296]
وقرأ الباقون {لئن لم يرحمنا} بالياء {ربنا} بالرّفع على الخبر {ويغفر} بالياء أيضا وحجتهم هي أنه لما تبين لهم الضلال بعبادتهم العجل قال بعضهم لبعض لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا ما جنيناه على أنفسنا لنكونن من الخاسرين فجرى الكلام على لفظ الخبر من بعضهم لبعض). [حجة القراءات: 297]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (43- قوله: {لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا} قرأ ذلك حمزة والكسائي بالتاء في الفعلين، على الخطاب لله جل ذكره، وفيه معنى الاستغاثة والتضرع والابتهال في السؤال والدعاء، وبنصب «ربنا» على النداء، وهو أيضًا أبلغ في الدعاء بالعبودية، وقرأوا «ربنا» بالرفع، لأنه الفاعل، ولولا أن الجماعة على الياء والرفع لاخترت القراءة بالتاء والنصب، لما ذكرت من صحة معناه في الاستكانة والتضرع). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/477]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (38- {لَئِن لَّمْ تَرْحَمْنَا رَبَّنَا وتَغْفِرْ} [آية/ 149] بالتاء من {تَرْحَمْنَا} و{تَغْفِرْ}، ونصب {رَبَّنَا}:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أن الفعل للمخاطبة، والمخاطب به هو الله تعالى، و{رَبَّنَا} منادى، وحذف يا من {رَبَّنَا} كما حذفت منه في كثير من المواضع في التنزيل، كقوله {رَبَّنَا إنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ... رَبَّنَا لِيُضِلُّوا...رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ {رَبَّنَا إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ {رَبَّنَا إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وحذف حرف النداء من المنادى المضاف جائز، كما جاز من الأسماء الأعلام.
وقرأ الباقون {يَرْحَمْنَا رَبُّنَا ويَغْفِرْ} بالياء فيهما، والرف في {رَبُّنَا}.
[الموضح: 556]
والوجه أن الفعل مسند إلى الرب تعالى، و{رَبُّنَا} مرتفع به، والكلام محمول على الغيبة لا على (المخاطبة)، وفي {يَغْفِرْ} ضمير يعود إلى {ربّنا} ). [الموضح: 557]

قوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (من بعدي أعجلتم... (150).
فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو.
وقال أبو منصور: قد مر الجواب في جواز هذه الياءات محركة ومسكنة بما يغني عن إعادة القول فيه). [معاني القراءات وعللها: 1/424]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قال ابن أمّ... (150)
ها هنا وفي طه.
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص ويعقوب (قال ابن أمّ) نصبا، وقرأ الباقون (ابن أمّ) خفضًا.
قال أبو منصور: من فتح (ابن أمّ) فلأنها اسمان، جعلا اسمًا واحدًا، مثل: لفيته كفة كفة، وخمسة عشر.
ومن قال: (ابن أمّ) أضاف (ابن) إلى (أمّ)، وحذف ياء الإضافة؛ لأن كسرة الميم دلت على حذفها). [معاني القراءات وعللها: 1/425]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (38- وقوله تعالى: {قال ابن أم} [150].
قرأ أهل الكوفة إلا حفصًا، وابن عامر {أم} بكسر الميم على الإضافة من غير ياء.
والاختيار كسر الميم وإن تثبت الياء لأن الياء إنما تسقط من المنادي نحو يا قوم ويا عباد ويا رب، لا من المضاف إليه. فالصواب يا ابن أخي
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/208]
ويا ابن أمي، قال الشاعر:
يا ابن أمي ويا شقيق نفسي = أنت خليتني لدهر كنود
وقرأ الباقون: {يا ابن أم} بفتح الميم فلهم حجتان: إحداهما: أنهم جعلوا الاسمين اسمًا واحدًا فبنيا على الفتح كما تقول: هو جاري بيت بيت، ولقيته كفة كفة، وعندي خمسة عشر، وإنما فعلوا ذلك لكثرة الاستعمال، وكذلك يا ابن عم ولا يستعملون ذلك في غيرها.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/209]
والحجة الثانية: أنهم أرادوا الندبة يا بن أماه ويا بن عماه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/210]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر الميم وفتحها من قوله جلّ وعزّ: قال ابن أم [الأعراف/ 150].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم قال ابن أم نصبا، وفي طه [94] مثلها.
وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ: قال ابن أم بكسر الميم، فأما الهمزة فمضمومة.
[قال أبو علي] من قال: يا ابن أمّ؛ فقال سيبويه: قالوا: يا ابن أمّ، ويا ابن عمّ؛ فجعلوا ذلك بمنزلة اسم واحد لأن هذا أكثر في كلامهم من يا ابن أبي، ويا غلام غلامي.
قال أبو علي: جعلوهما بمنزلة اسم واحد، ولم يرفضوا
[الحجة للقراء السبعة: 4/89]
الأصل الذي هو إضافة الأول إلى الثاني كما رفضوا الأصل في خطايا، والتصحيح للعين، في: قال، وباع وخاف. ونحو ذلك مما يرفض فيه الأصل؛ فلا يستعمل، ألا ترى قول أبي زبيد:
يا ابن أمّي ويا شقيّق نفسي... أنت خلّيتني لأمر شديد
فهذا بمنزلة القصوى الذي استعمل فيه الأصل الذي رفض في غيره، فكذلك قولهم: يا ابن أمي.
ومن قال: يا ابن أمّ، فبنى الاسمين على الفتح، والفتحة في: ابن، ليست النصبة التي كانت تكون في الاسم المضاف المنادى، ولكن بني على الحركة التي كانت تكون للإعراب، كما أنّ قولهم: لا رجل كذلك، وكما أن:
مكانك، إذا أردت به الأمر لا تكون الفتحة فيه الفتحة التي كانت فيه وهو ظرف، ولكنّه على حدّ الفتحة التي كانت في رويدك.
[الحجة للقراء السبعة: 4/90]
فإن قلت: لم لا نقول: إنها نصبة؟، فالمراد يا ابن أمّا، فحذف الألف كما حذفت ياء الإضافة في غلامي [في النداء].
قيل: ليس مثله، ألا ترى أنّ من حذف الياء من: يا غلام، أثبتها في يا غلام غلامي؟ فلو كانت الألف مقدرة في:
يا ابن أمّ، لم يكن يحذف، كما لم يحذف في قوله:
يا بنت عمّا لا تلومي واهجعي فالألف لا تحذف حيث تحذف الياء، ألا ترى أن من قال ذلك ما كنا نبغ [الكهف/ 64]، والليل إذا يسر [الفجر/ 4]، فحذف الياء من الفواصل، وما أشبه الفواصل من الكلام التام، لم يكن عنده في نحو قوله: والليل إذا
[الحجة للقراء السبعة: 4/91]
يغشى والنهار إذا تجلى [الليل/ 1]، إلّا الإثبات.
فإن قلت: فقد حذفت الألف في نحو:
رهط مرجوم، ورهط ابن المعلّ وهو يريد المعلّى، وقد أنشد أبو الحسن:
فلست بمدرك ما فات مني... بلهف ولا بليت ولا لو أنّي
يريد بلهفى فحذف الألف.
فالقول: إن ذلك في الشعر ولا يجوز في الاختيار وحال السّعة؛ فلا ينبغي أن يحمل قوله: يابن أم على هذا.
وقياس من أجاز ذلك أن تكون فتحة الابن نصبة، والفتحة في أمّ ليست كالتي في عشر من خمسة عشر، ولكن مثل الفتحة التي في الميم من: يا بنت عمّا.
وحجة من قال: يا بن أم لا تأخذ أن سيبويه قال: وقد
[الحجة للقراء السبعة: 4/92]
قالوا أيضا: يا بن أمّ ويا بن عمّ، كأنهم جعلوا الأول والآخر اسما واحدا ثم أضافوه كقولك: يا أحد عشر أقبلوا. قال وإن شئت قلت: حذفوا هذه الياء لكثرة هذا في كلامهم وعلى ذا قال الشاعر:
يا بنت عمّا لا تلومي واهجعي). [الحجة للقراء السبعة: 4/93]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة مجاهد: [فَلا تَشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ]، وقرأ أيضًا: [فَلا يَشْمَتْ بِيَ الْأَعْدَاءُ].
قال أبو الفتح: الذي رويناه عن قطرب في هذا أن قراءة مجاهد: [فَلا تَشْمَتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ] رفع -كما ترى- بفعلهم، فالظاهر أن انصرافه إلى الأعداء، ومحصوله: يا رب، با تُشْمِتْ أنت بي الأعداء، كقراءة الجماعة.
فأما مع النصب فإنه كأنه قال: لا تَشْمَتْ بي أنت يا رب، وجاز هذا كما قال سبحانه: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} ونحوه مما يجري هذا المجرى، ثم عاد إلى المراد فأضمر فعلًا نصب به الأعداء، فكأنه قال: لا تُشْمِتْ بي الأعداء، كقراءة الجماعة). [المحتسب: 1/259]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال ابن أم إن القوم استضعفوني}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص {قال ابن أم} بفتح الميم جعلوا الاسمين اسما واحدًا نحو خمسة عشر ففتحوا ابن أم وابن عم لكثرة استعمالهم هذا الاسم
واعلم أن النداء كلام محتمل الحذف فجعلوا ابن وأم شيئا واحدًا وقال آخرون إنّهم أرادوا الندبة ب ابن أمّاه قالوا والعرب تقول يا بن عماه والأصل يا بن أمّي ثمّ قلبت الياء ألفا فصارت يا بن أما ثمّ حذفت الألف لأن الفتحة تنوب عنها
وقرأ أهل الشّام والكوفة {قال ابن أم} بالكسر وكذلك في طه والأصل يا بن أمّي بإثبات الياء ثمّ حذفوا الياء لأن الكسرة نابت عن الياء وحجتهم قوله {يا قوم لا أسألكم} فإن قيل لم حذفت الياء من قولك يا بن أم والمنادى ها هنا الابن لا الأم وهو مثل قولك يا غلام غلامي وها هنا لم تجوز حذف الياء وإنّما سقطت الياء من المنادى من نحو يا قوم ويا عباد
[حجة القراءات: 297]
الجواب عنه إنّما جاز حذف الياء من الأم تشبيها بياء الإضافة في قول القائل يا غلام وذلك أنا جعلنا الاسمين اسما واحدًا فتنزلا منزلة اسم واحد كأنّك تنادي واحدًا لأنّك إذا قلت يا بن أم كأنّك قلت يا أخ فهو بمنزلة قولك يا غلام ويا قوم). [حجة القراءات: 298]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (46- قوله: {ابن أم} وفي طه: {يا ابن أم} «94» قرأهما ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي بكسر الميم، وقرأ الباقون بالفتح.
وحجة من فتح أنه جعل الاسمين اسمًا واحدًا لكثرة الاستعمال بمنزلة خمسة عشر، وبناه على الفتح، فالفتحة في «ابن أم» كفتحة التاء في خمسة عشر، وقد قيل: إن من فتح أراد، يا ابن أمي، ثم أبدل من كسرة الميم فتحة، فانقلبت الياء ألفًا، ثم حذفت استخفافًا لكثرة الاستعمال، ولأن الفتحة تدل على الألف، وفيه بعد؛ لأن ياء الإضافة لا تحذف في غير المنادى، ولا يحذف ما هو عوض منها إلا في النداء، وليس «أم» بمنادى، فإنما يجوز هذا على قول من قال: مررت بغلام يا هذا، يريد: بغلامي، ثم حذف الياء لدلالة الكسرة عليها، وهذا قليل جائز، والإثبات أكثر، وقد أجازوا: مررت بالقاض، وجاءني القاض، من غير ياء؛ لأن الياء قد كانت محذوفة للتنوين قبل دخول الألف واللام، فلما دخلتا حذف التنوين وبقيت الياء على حذفها، فليس قولك: جاءني غلام، ومررت بغلام، مثل ما فيه الألف واللام في جواز حذف الياء، وقد حذفت الياء، وهي لام الفعل في نحو: {يوم يأت} «هود 105» و{نبغ} «الكهف 64» وحذفت، وهي للإضافة في نحو: {ألا تتبعن} «طه 93» {إن ترن}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/478]
«الكهف 39»، وقرأ بذلك القراء، فحذف الياء من غير المنادى مترجح في القوة والضعف، لا سيما وقد دخل «يا بن أم» تغيير بعد تغيير، ثم حذف، فلذلك أبعدوا في جوازه.
47- وحجة من كسر أنه لما لم يدخل الكلام تغيير، قبل حذف الياء، استخف حذف الياء، لدلالة الكسرة عليها، ولكثرة الاستعمال، فهو نداء مضاف بمنزلة قولك: يا غلام غلام، فالفتح هو الاختيار، على تأويل الوجه الأول من البناء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/479]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (39- {قَالَ ابْنَ أُمَّ} [آية/ 150] بفتح الميم:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم- ص- ويعقوب، وكذلك في طه.
والوجه أنهما اسمان جعلا اسمًا واحداً، وبنيا على الفتح كبناء خمسة عشر؛ لكثرته في كلامهم، وكما قالوا: لقيته كفة كفة، وهو جاري بيت بيت، والفتحة في {ابْنَ} فتحة بناء، وليست بنصب، كما في الاسم المضاف إذا نودي، قال سيبويه:
إنما بني هذا؛ لأنه أكثر في كلامهم من يا ابن أبي ويا غلام غلامي.
أشار إلى أن كثرة استعمالهم له دعتهم إلى أن طلبوا في الخفة، فجعلوا الاسمي اسمًا واحداً.
ويجوز أن يكون أصله يا ابن أُما بالألف المبدلة عن الياء، فحذفوا اللف، والابن على هذا مضاف، وفتحته نصب بحرف النداء.
[الموضح: 557]
وقرأ الباقون {يَا بْنَ أُمّ} بكسر الميم.
والوجه أن {ابْنَ} منصوب على أنه منادى مضاف، و{أُمَّ} أصله أمي، بالإضافة إلى ياء المتكلم، فحذفوا هذه الياء لكثرته في كلامهم، ويجوز أن تكون فتحة {ابْنَ} فتحة بناء كالوجه الأول، و{ابْنَ} مع {أُمَّ} كالشيء الواحد، إلا أنهم أضافوه إلى الياء ثم حذفوا الياء). [الموضح: 558]

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)}

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)}

قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:58 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (155) إلى الآية (157) ]

{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}

قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)}

قوله تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي وَجْزَة السعدي: [هِدْنا إليك].
قال أبو الفتح: أما {هُدْنا} بضم الهاء مع الجماعة فتُبْنَا، والْهُود: جمع هائد؛ أي: تائب.
وأما [هِدْنا] بكسر الهاء في هذه القراءة فمعناه انجذبنا وتحركنا، يقال: هادَني يهيدُني هيْدًا؛ أي: جذبني وحركني، فكأنه قال: إنا هِدْنا أنفسنا إليك، وحركناها نحو طاعتك.
قال:
أَلِمَّا عليها فانعَيانِيَ وانظرا ... أينصتها أم لا يُهيِّدُها ذِكْري
أي: أم لا يهيجها ويهزها ذكري، ومنه قولهم في زجر الإبل: هِيد؛ أي: أسرعي. قال ذو الرمة:
إذا حداهن بهيدٍ هِيدِ ... صفحْن للأزرار بالخدود). [المحتسب: 1/260]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وعمرو الأسواري: [أُصيبُ به مَن أَسَاءَ].
قال أبو الفتح: هذه القراءة أشد إفصاحًا بالعدل من القراءة الفاشية التي هي: {مَن أشاء}؛ لأن العذاب في القراءة الشاذة مذكور علة الاستحقاق له، وهو الإساءة، والقراءة الفاشية لا يُتناول من ظاهرها علة أصابة العذاب له، وأن ذلك لشيء يرجع إلى الإنسان، وإن كنا قد أحطنا علمًا بأن الله تعالى لا يظلم عباده، وأنه لا يعذب أحدًا منهم إلا بما جناه واجترمه على نفسه، إلا أنا لم نعلم ذلك من هذه الآية؛ بل من أماكن غيرها. وظاهر قوله تعالى: {مَنْ أَشَاء} بالشين معجمة ربما أوهم من يضعف نظره من المخالفين أنه يعذب من يشاء من عباده، أساء أو لم يسئ، نعوذ بالله من اعتقاد ما هذه سبيله، وهو حسبنا وولينا). [المحتسب: 1/261]

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويضع عنهم إصرهم... (157).
قرأ ابن عامر وحده (ويضع عنهم آصارهم) ممدودة الألف، وقرأ الباقون (إصرهم) واحدًا.
قال أبو منصور: الإصر: واحد، وجمعه آصارٌ.
ومعني الإصر: ما شدد عليهم من العقوبات، وأصل الإصر: العهد والميثاق.
[معاني القراءات وعللها: 1/425]
ويقال للعقوبة التي عوقب بها ناكث الميثاق: إصر؛ لأنه عوقب بها لنكثه العهد، مثل إصر وآصار: إرب وآراب للأعضاء). [معاني القراءات وعللها: 1/426]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (39- وقوله تعالى: {ويضع عنهم إصرهم} [157].
قرأ ابن عامر: {آصراهم} بالجمع، أي: أثقالهم.
وقرأ الباقون: {إصرهم} بالتوحيد، فالهمزة في الواحد أصلية، وهي فاء الفعل، وإصر مثل جذع.
وفي قراءة ابن عامر همزتان، الأولى ألف الجمع، والثانية أصلية، فلما اجتمع همزتان لينوا الثانية، والأصل أأصار، فلينت الثانية، ووزنه أفعال مثل أجذاع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/210]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر الألف وفتحها من قوله تعالى: إصرهم [الأعراف/ 157].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي إصرهم بكسر الألف.
وقرأ ابن عامر: آصارهم ممدودة الألف على الجمع.
[قال أبو علي] الإصر: مصدر يقع على الكثرة مع إفراد لفظه، يدلك على ذلك قوله: ويضع عنهم إصرهم [الأعراف/ 157]، فأضيف وهو مفرد إلى الكثرة، ولم يجمع، وقال: ربنا ولا تحمل علينا إصرا [البقرة/ 286]، ولو شاء
[الحجة للقراء السبعة: 4/93]
الله لذهب بسمعهم وأبصارهم [البقرة/ 20]، وقال: لا يرتد إليهم طرفهم [إبراهيم/ 43]، وقال: ينظرون من طرف خفي [الشورى/ 45].
فالوجه الإفراد كما أفرد في غير هذا الموضع.
وجمع ابن عامر كأنّه أراد ضروبا من المآثم مختلفة، فجمع لاختلافها، والمصادر قد تجمع إذا اختلفت ضروبها كما تجمع سائر الأجناس، وإذا كانوا قد جمعوا ما يكون ضربا واحدا كقوله:
هل من حلوم لأقوام فتنذرهم... ما جرّب النّاس من عضّي وتضريسي
فأن يجمع ما يختلف من المآثم أجدر.
فجعل إصرا وآصارا، بمنزلة عدل، وأعدال، ويقوي ذلك قوله: وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [العنكبوت/ 13] والثقل مصدر كالشّبع والصّغر والكبر). [الحجة للقراء السبعة: 4/93]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قال ابن رومي: حدثني أحمد بن موسى، وحدثني الثقة عنه أنه قرأ: [النَّبِيَّ الْأَمِّيَّ] بفتح الهمزة، يقول: يأْتم به مَنْ قبله.
قال أبو الفتح: هذا منسوب إلى مصدر أَمَمت الشيء أَمًّا، كقولك: قصدته قصدًا، ثم أضيف إليه عليه السلام، هذا على هذا التفسير الذي سبق ذكره.
وقد يجوز مع هذا أن يكون أراد الأُمي بضم الهمزة كقراءة الجماعة، ثم لحقه تغيير النسب، كقولهم في الإضافة إلى أُميَّة: أَموى، بفتح الهمزة، وكقولهم في الدهر: دُهْرِي، وفي الأمس: إِمْسِي، وفي الأفق: أَفَقِي بفتح الهمزة، وهو باب كبير واسع عنهم). [المحتسب: 1/260]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الجحدري وسليمان التيمي وقتادة: [وعَزَرُوه] خفيفة الزاي.
قال أبو الفتح: مشهور اللغة في ذلك: عزَّرت الرجل: أي عظمته، وهو مشدد، وقد قالوا: عَزَرتُ الرجل عن الشيء بتخفيف الزاي إذا منعته عن الشيء، ومنه سمي الرجل: عَزْرة؛ فقد يجوز أن يكون [وعزَرُوه] على هذه القراءة؛ أي: منعوه وحجزوا ذكره عن السوء، كقوله: سبحان الله، ألا ترى أن أبا الخطاب فسره فقال: براءة الله من السوء؟ فبرَّأْته من الشيء وحجزته عنه بمعنى واحد). [المحتسب: 1/261]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم}
قرأ ابن عامر (ويضع عنهم آصارهم) على الجمع أي أثقالهم تقول إصر وآصار مثل جذع وأجذاع وفي قراءته همزتان الأولى ألف الجمع والثّانية أصلية فلمّا اجتمعت همزتان لينوا الثّانية والأصل أأصارهم وحجته أنه لم يختلف في جمع الأغلال وهي نسق على الإصر وكذلك آصارهم لقوله {والأغلال الّتي كانت عليهم} قيل إن الآصار هي العهود
وقرأ الباقون {إصرهم} وحجتهم قوله تعالى {ربنا ولا تحمل علينا إصرا} وقوله {وأخذتم على ذلكم إصري} فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
عن سعيد بن جبير {ويضع عنهم إصرهم} قال شدّة العبادة). [حجة القراءات: 298]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (48- قوله: {ويضع عنهم إصرهم} قرأه ابن عامر بالجمع مثل «أعمالهم» وهو جمع إصر والإصر الثقل من الإثم وغيره، وهو مصدر لكن جُمع لاختلاف ضروب المآثم، وهو في المعنى والجمع بمنزلة قوله: {وليحملن أثقالهم مع أثقالهم} «العنكبوت 13» فجمع لاختلاف أنواع الآثام، وهو جمع ثقل، وهو مصدر، وقرأ الباقون «إصرهم» بالتوحيد مثل «إثمهم» فاكتفوا بالواحد؛ لأنه مصدر يدل على القليل والكثير من جنسه، مع إفراد لفظه، فهو بابه وأصله، وقد أجمعوا على التوحيد في قوله: {ولا تحمل علينا إصرًا} «البقرة 286» وعلى التوحيد في قوله: {وعلى سمعهم} «البقرة 7» وقوله: {لا يرتد إليهم طرفهم} «إبراهيم 43» و{من طرفٍ خفي} «الشورى 45» وكله بمعنى الجمع، لكن إضافته إلى جمع تدل على أن المراد به الجمع، لأنه لكل واحد من المضاف إليهم طرف وسمع وإصْر، فحسن التوحيد، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه، ولأنه أخف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/479]
وأكثر في الاستعمال). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/480]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (40- {ويَضَعُ عَنْهُمْ آصْارَهُمْ} [آية/ 157] بالجمع:
قرأها ابن عامر وحده.
والوجه أنه جمع إصر، والإصر مصدر إلا أنه جمع لاختلاف ضروبه؛ لأنه أراد ضروبًا مختلفة من الأثقال، فآصار كأثقال، فكما أن الثقل يجمع على الأثقال لاختلاف ضوربه، فكذلك الإصر يجمع على الآصار.
وقرأ الباقون {إصْرَهُمْ} بكسر الألف على الواحد.
والوجه أن إصراً مصدرٌ، فهو يقع بلفظه على الكثرة، ولهذا أضافه وهو مفرد إلى الجمع، فقال {إصْرَهُمْ كما قال تعالى {وَلَوْ شَاءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وقال {لا يَرْتَدُّ إلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ فالوجه الإفراد لكونه مصدراً،
[الموضح: 558]
(وقد) جاء في التنزيل مفرداً قال تعالى {ولا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا} ). [الموضح: 559]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:59 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (158) إلى الآية (160) ]

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)}

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)}

قوله تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)}

قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى والأعمش وطلحة بن سليمان: [عَشِرة]، وقرأ [عشَرة] بفتح الشين بخلاف.
قال أبو الفتح: أما [عشِرة] بكسر الشين فتميمية، وأما إسكانها فحجازية.
واعلم أن هذا موضع طريف؛ وذلك أن المشهور عن الحجازيين تحريك الثاني من الثلاثي إذا كان مضمومًا أو مكسورًا، نحو: الرسُل والطنُب والكبِد والفخِذ، ونحو: ظرُف وشرُف وعلِم وقدِم. وأما بنو تميم فيسكنون الثاني من هذا ونحوه، فيقولون: رُسْل وكُتْب وكَبْد وفَخْذ، وقد ظَرْف وقد عَلْم، لكن القبيلتين جميعًا فارقتا في هذا الموضع من العدد معتاد لغتهما، وأخذت كل
[المحتسب: 1/261]
واحدة منهما لغة صاحبتها وتركت مألوف اللغة السائرة عنها، فقال أهل الحجاز: اثنتا عشْرة بالإسكان، والتميميون عشِرة بالكسرة.
وسبب ذلك ما أذكره؛ وذلك أن العدد موضع يَحْدث معه ترك الأصول، وتُضم فيه الكلم بعضه إلى بعض، وذلك من أحد عشر إلى تسعة عشرة، فلما فارقوا أصول الكلام من الإفراد وصاروا إلى الضم فارقوا أيضًا أصول أوضاعهم ومألوف لغاتهم، فأسكن من كان يحرك، وحرك من كان يسكن، كما أنهم لما حذفوا هاء حنيفة للإضافة حذفوا معها الياء، فقالوا: حنفي، ولما لم يكن في حنيف هاء تحذف فتحذف لها الياء قالوا فيه: حنيفي، كقولهم: الجاه، وأصله عندنا الوجه، فقلبوه فقدموا العين على الفاء، وكان قياسه أن يقولوا: جَوْه، إلا أنهم لما قلبوا شجُعوا عليه فغيروا بناءه. فأصاروه من جَوْه إلى جَوَه، فانقلبت الواو التي هي فاء في موضع العين ألفًا لانفتاح ما قبلها وحركتها، فصارت جاه كما ترى.
وحسَّن ذلك لهم أيضًا ما أذكره؛ وهو أنهم قد علموا أنهم إذا حركوا الواو وقبلها فتحة انقلبت ألفًا وهي ساكنة كما تعلم أبدًا، فصار عودهم إلى سكون الحرف مسوغًا لهم تحريكه المؤدي إلى سكونه، حتى كأنهم لم يحدثوا في الحروف حدثًا.
فإن قيل: فهلا أقروا الواو على سكونها، واستغنوا بذلك عن تحريكها المؤدي إلى سكون الحرف المنقلب عنها وهو الألف.
قيل: الذي فعلوه أصنع؛ وذلك أنهم إذا قلبوه ألفًا صار بمنزلة وجود الحركة فيه؛ لأن الألف في نحو هذا لا تنقلب إلا عن حركة وهي مع هذا ساكنة، فاجتمع لهم في الألف أمران:
أحدهما: تحريك الساكن لما عَرَض لهم هناك في القلب على عادتهم في إلحاق التحريف بعضه ببعض.
والآخر: سكون الألف لفظًا مع ما قدمناه من اعتقاد تحريكها معنى.
وإذا أدى الحرف الساكن مع خفته تأدية المحرَّك على ثقله، فتلك صنعة مأْنوس بها مُعْتَمَدٌ مثلها، وما لحقه تغيير ما فدعا ذاك إلى إلحاقه تغييرًا ثانيًا كثير في اللغة جدًّا، ألا ترى إلى أحد قولي سيبويه في أَينُق: إن الياء فيها بدل من الواو التي هي عين في أصل الكلمة؛ وذلك أن أصلها أَنْوُق، وقد حكاها الفراء فيما رويناه عنه، فقدمت العين على الفاء فصار تقديرها أونق، فلما تقدمت العين على الفاء فتوهنت بذلك قلبوها ياء فقالها: أينق، وكذلك لما أَعلُّوا
[المحتسب: 1/262]
فاء الفعل من اتقى بأن أبدلوها تاء وأدغموها في تاء افتعل أعلُّوها أيضًا بالحذف، فقالوا: تَقَى يَتْقِي. ومثله ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
قَصَرْتُ له القبيلة إذا تَجهْنا ... وما ضافت بشدته ذراعي
فيمن رواه بفتح الجيم، ألا ترى أن وزنه افتعلنا من الوجه اوتَجَهْنا، فلما أُبدلت الواو تاء وأدغمت في تاء افتعل فصارت اتجه، شجُعوا على أن حذفوها أيضًا فقالوا: تَجَه؟ فوزن تَجَه الآن على لفظه تَعَل، ومضارعه يتَجِه، ومثاله يتَعِل، وكذلك تَقَى فَعَل، والجاه وزنه على اللفظ بسكون الألف عَفْل، وهو قبل القلب عَفَل؛ لأنه صار من جَوْه إلى جَوَه، وأصله الأول فعْل لأنه وَجْه، ولولا إشفاقي من الإطالة لبسطت هذا ونحوه بسطًا يونِقُ عارفيه وأهله، وفيما ذكرنا دليل على ما أُغفل.
وأما [اثنتا عشَرة] بفتح الشين فعلى وجه طريف؛ وذلك أن قوله: {اثنتي} يختص بالتأنيث، و[عشَرة] بفتح الشين تختص بالتذكير، وكل واحد من هذين يدفع صاحبه. وأقرب ما تُصرف هذه القراءة إليه أن يكون شبَّه اثنتي عَشَرة بالعقود ما بين العشرة إلى المائة، ألا تراك تقول: عشرون وثلاثون، فتجد فيه لفظ التذكير ولفظ التأنيث؟ أما التذكير فالواو والنون، وأما التأنيث فقولك: ثلاث من ثلاثون؛ ولذلك صلحت ثلاثون إلى التسعين للمذكر والمونث فقلت: ثلاثون رجلًا وثلاثون امرأة، وتسعون غلامًا وتسعون جارية، فكذلك أيضًا هذا الموضع.
ألا تراه قال تعالى: {اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا}؟ فـ[أَسْبَاطًا] يؤذن بالتذكير، و"أمم" يؤذن بالتأنيث، وهذا واضح.
وحَسُن تشبيه اثنتي عشرة برءوس العقود دون المائة من حيث كان إعراب كل واحد منهما بالحرف لا بالحركة، وذلك اثنتا عشْرة واثنتي عشْرة، فهذا نحو من قولهم: عشرون وعشرين، وخمسون وخمسين، وتسعون وتسعين، فافهمه.
ومما يدلك على أن ضم أسماء العدد بعضها إلى بعض يدعو إلى تحريفها عن عادة استعمالها قولهم: أحد عشر رجلًا وإحدى عشرة امرأة، وكان قياس أربع وأربعة وخمس وخمسة أن يكون
[المحتسب: 1/263]
هذا أَحد وأَحَدة، أفلا ترى إلى إحدى -وهي فِعْلَى وأصلها وِحْدى- كيف عاقبت في المذكر فعلًا، وهو أحد وأصله وَحَد؟
فأما إحدى وعشرون إلى التسعين فإنه لما سبق التحريف إليها في إحدى عشرة ثبت فيها فيما بعد). [المحتسب: 1/264]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 09:01 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (161) إلى الآية (162) ]

{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)}

قوله تعالى: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (نغفر لكم خطيئاتكم... (161).
قرأ أبو عمرو (نغفر لكم) بالنون، (خطاياكم) بوزن (قضاياكم)، وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي (نغفر لكم) بالنون، (خطيئاتكم) بالهمز والجمع، وقرأ نافع ويعقوب (تغفر لكم) بالتاء (خطيئاتكم) بالهمز وضم التاء على الجمع، وكذلك روى محبوب عن أبي عمرو (تغفر لكم) برفع التاء من (تغف) ومن (خطيئاتكم) على الجمع، على ما لم يسم فاعله.
وقرأ ابن عامر (تغفر لكم) بالتاء (خطيئتكم) موحدة مرفوعة التاء مهموزة.
قال أبو منصور: من قرأ (نغفر لكم خطاياكم) فالله يقول (نغفر) كما يقوله الملك، ويقول: فعلنا.
و (خطاياكم) في موضع النصب على هذه القراءة، ولا يبين فيها الإعراب.
ومن قرأ (تغفر لكم خطيئاتكم) فخطيئاتكم مرفوعة؛ لأنها لم يسم فاعلها.
وكذلك من قرأ (خطيئتكم) واحدة.
[معاني القراءات وعللها: 1/426]
والخطيئة والخطا: الذئب والإثم). [معاني القراءات وعللها: 1/427]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (40- وقوله تعالى: {نغفر لكم خطيئاتكم} [161].
قرأ نافع وحده {تغفر} بالتاء والضم {خطيئاتكم} بالجمع وبضم التاء جعلها اسم ما لم يسم فاعله.
وقرأ ابن عامر بالتاء ايضًا إلا أنه وحد فقرأ: {خطيتكم}.
وقرأ أبو عمرو: {نغفر} بالنون {خطياكم} بالجمع، جمع للتكسير.
وقرأ نافع بجمع السلامة كما تقول: رزية ورزايا ورزايات وقد بينت علة ذلك في سورة (البقرة) فأغنى عن الإعادة هاهنا.
وقرأ الباقون مثل أبي عمرو غير أنهم قرأوا {خطيئاتكم بكسر التاء في موضع نصب، وإنما كسرت لأنها غير أصلية، كما تقول: رأيت سماوات ودخلت حمامات). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/210]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله [جلّ وعزّ]: نغفر لكم خطاياكم [الأعراف/ 161].
فقرأ ابن كثير وعاصم، وحمزة، والكسائيّ: نغفر لكم
[الحجة للقراء السبعة: 4/94]
خطيئاتكم بالتاء مهموزة على الجمع.
وقرأ أبو عمرو: نغفر لكم بالنون، خطاياكم* من غير همز، مثل: قضاياكم، ولا تاء فيها.
وقرأ نافع: تغفر لكم* بالتاء مضمومة، خطيئاتكم بالهمز، وضم التاء على الجمع، وكذلك روى محبوب عن أبي عمرو: تغفر لكم* [بالتاء مضمومة] خطيئاتكم بالهمز، وضم التاء، وتابعه ابن عامر على التاء من تغفر لكم وضمّها، وقرأ: خطيئتكم واحدة مهموزة مرفوعة.
من قرأ: نغفر لكم، فهو على: وإذ قيل لهم... ادخلوا... نغفر لكم. والتي في البقرة: نغفر والنون هناك أحسن لقوله: وإذ قلنا [البقرة/ 58]. وفي الأعراف: وإذ قيل لهم [الآية/ 161]، والمعنى فيمن قرأ في الأعراف:
نغفر لكم، كأنّه قيل لهم: ادخلوا نغفر. أي: إن دخلتم غفرنا، فأمّا خطيئاتكم فجمع خطيئة، صححها في الجمع، كما كسّرت على خطايا، وكلا الأمرين شائع وحسن، فخطايا في اللفظ مثل قضايا إلّا أنّ الألف في قضايا منقلبة عن ياء هي لام الفعل، والألف في خطايا منقلبة عن ياء منقلبة عن همزة وهي لام الفعل.
[الحجة للقراء السبعة: 4/95]
فإن قلت: فهلّا رددت الهمزة في خطايا، لأنّك إنّما كنت قلبتها ياء لاجتماع الهمزتين وقد زال اجتماعهما، فهلّا قلت:
خطايأكم*؟.
فإن ذلك لا يستقيم لأنّ الياء في خطايا منقلبة عن همزة فعيلة، فحكمها حكم ما انقلب عنها، ألا ترى أنّ حكم الهمزة في حمراء حكم ما انقلب عنها من الألف، وحكم هرق، حكم أرق؟ فلو سمّيت بها لم تصرف كما لا تصرف أرق، وكذلك حكم الهمزة في علباء، حكم الياء في درحاية، فكذلك حكم الياء في خطايا، حكم الهمزة التي انقلبت عنها، وإذا كان كذلك، فاجتماع الهمزتين في الحكم قائم، وإن لم يكن اللفظ عليه.
فأمّا قراءة نافع: تغفر بالتاء مضمومة فلأنّه أسند إليها خطيئاتكم، وهو مؤنث، فأنّث وبنى الفعل للمفعول فقال:
تغفر*، ولم يقل نغفر لأنّ بناءه للمفعول أشبه بما قبله، ألا ترى أنّ قبله: وإذ قيل لهم وليس هذا مثل ما في البقرة، لأنّ
[الحجة للقراء السبعة: 4/96]
في البقرة: وإذ قلنا، ف نغفر لكم في البقرة، إنّما هو على: قلنا.
وممّا يقوي قراءة من قرأ: نغفر بالنون ما بعده من قوله: وسنزيد المحسنين). [الحجة للقراء السبعة: 4/97]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه قتادة عن الحسن: [وقولوا حِطَّةً] بالنصب.
قال أبو الفتح: هذا منصوب عندنا على المصدر بفعل مقدر؛ أي: احْطُطْ عنا ذنوبنا حِطَّةً.
قال:
واحطُط إلهي بفضلٍ منك أوزاري
ولا يكون "حطة" منصوبًا بنفس قولوا؛ لأن قلت وبابها لا ينصب المفرد إلا أن يكون ترجمة الجملة، وذلك كأن يقول إنسان:" لا إله إلا الله، فتقول أنت قلت: حقًّا؛ لأن قوله: لا إله إلا الله حق، ولا تقول: قلت زيدًا ولا عمرًا، ولا قلت قيامًا ولا قعودًا، على أن تنصب هذين المصدرين بنفس قلت لما ذكرته). [المحتسب: 1/264]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين}
قرأ نافع (تغفر لكم) بالتّاء مضمومة {خطيئاتكم} على الجمع
[حجة القراءات: 298]
وضم التّاء على ما لم يسم فاعله وهي جمع سلامة كما تقول صحيفة وصحائف وحجته أن أول الآية {وإذ قيل لهم} على ما لم يسم فاعله فكذلك {تغفر} على ما لم يسم فاعله والتّاء في قوله {تغفر} فعل جماعة تقدم
وقرأ ابن عامر {تغفر} بالتّاء أيضا إلّا أنه وحد فقرأ (خطيئتكم) وحجته أن الواحدة تؤدّي عن الجمع قال الله تعالى {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخّر}
وقرأ أبو عمرو {نغفر لكم} بالنّون الله أخبر عن نفسه وحجته قوله {سنزيد المحسنين} {خطاياكم} بالجمع جمع تكسير كما تقول رعية ورعايا وبرية وبرايا وضحية وضحايا
قال سيبويهٍ الأصل في خطايا خطائي مثل خطائع فيجب أن يبدل من هذه الياء همزة فيصير خطائئي مثل خطايع وإنّما همز ليكون فرقا بين الأصليّة وغير الأصليّة مثل معيشة فتجتمع همزتان فنقلب الثّانية ياء فتصير خطائي مثل خطاعي ثمّ يجب أن تقلب الياء والكسرة إلى الفتحة والألف فتصير خطاءا مثل خطاءا فيجب أن تبدل الهمزة ياء لوقوعها بين ألفين فتصير خطايا وإنّما أبدلت الهمزة حين وقعت بين ألفين لأن الهمزة مجانسة للألفات فاجتمعت ثلاثة أحرف من جنس واحد
وقرأ ابن كثير وأهل الكوفة {نغفر} بالنّون أيضا {خطيئاتكم}
[حجة القراءات: 299]
بالتّاء مهموزة على الجمع جمع السّلامة نحو سفينة وسفينات وصحيفة وصحيفات وخطيئة وخطيئات على وزن فعيلات وهي في موضع نصب وإنّما كسرت التّاء لأنّها غير أصليّة). [حجة القراءات: 300]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (49- قوله: {نغفر لكم خطيئاتكم} قرأه نافع وابن عامر بالتاء مضمومة، على تأنيث الجمع الذي بعده، وعلى تأنيث الخطيئة، وقرأ الباقون بالنون على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه بالغفران، وردوه على معنى ما قبله؛ لأن قوله: {وإذ قيل لهم} بمعنى: وإذ قلنا، كما قال في البقرة: {وإذ قلنا} «134» فالنون الاختيار؛ لأن الجماعة على ذلك، وقرأ أبو عمرو «خطاياكم» بألف من غير تاء، على الجمع المكسر لخطيئة، مثل الذي في البقرة، فآثر ذلك لكثرة الخطايا منهم، ولأن الجمع المكسر أدل على الكثرة من الجمع المسلم ومن الواحد؛ إذ لا يقع لكثير في هذا، وقرأ ابن عامر «خطيئتكم» بالتوحيد؛ لأن الواحد يدل على الجمع، وقد أضيف إلى الجمع، فذلك أقوى في الدلالة على الجمع؛ لأن لكل واحد خطايا، وقرأ بضم التاء، لأنه مفعول لم يسم فاعله، ومثله نافع، غير أنه قرأ بالجمع، جمع السلامة بألف والتاء مضمومة أيضًا، لأنه مفعول لم يسم فاعله فهو جمع خطية، فآثر الجمع لكثرة الخطايا من القوم المضاف إليهم الخطايا، والجمع المسلم بالألف والتاء يقع للكثير والقليل، وقرأ الباقون مثل نافع، غير أنهم كسروا التاء؛ لأنهم يقرؤون بالنون في «نغفر»، فعدوا الفعل إلى «خطيئاتكم» فهو منصوب، والتاء مكسورة في حال النصب، لأنها جمع مسلم، فهو على الأصول، وهو الاختيار، لأنا قد اخترنا النون في «نغفر» ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/480]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (41- {تَغْفِرُ لَكُمْ} التاء مضمومة {خَطِيئَاتِكُمْ} مهموزة مجموعة [آية/ 161]:
قرأهما نافع ويعقوب، وقرأ ابن عامر {تَغْفِرُ لَكُمْ} بالتاء والضم {خَطِيئَتِكُمْ} على الوحدة.
والوجه أن الفعل مبني للمفعول به ومسند إلى مؤنث، فلهذا كان الفعل بالتاء، وهو أشد موافقة لما قبله؛ إذ كان مبنيًا للمفعول به أيضًا وهو قوله {وإذْ قِيلَ}.
وأما {خَطِيئَاتِكُمْ} فهو جمع خطيئة جمع السلامة، وهو رفع بإسناد الفعل الذي لم يسم فاعله إليه، وقراءة ابن عامر {خَطِيئَتِكُمْ} على الوحدة، فإن الخطيئة تجري مجرى المصدر، فتكون موحدة في موضع الجمع كسائر المصادر.
وقرأ أبو عمرو {نَّغْفِرْ لَكُمْ} بالنون {خَطَايَاكُمْ} غير مهموز في وزن عطاياكم، وقرأ ابن كثير والكوفيون {نَّغْفِرْ لَكُمْ} بالنون {خَطِيئَاتِكُمْ} مهموزة مجموعة مكسورة التاء.
ووجه النون من {نَّغْفِرْ} أن الغافر هو الله تعالى، وهو يقول {نَّغْفِرْ}
[الموضح: 559]
بالنون، كما يقول الملك فعلنا، وقد سبق مثله.
و {خَطَايَاكُمْ} في موضع النصب بوقوع الفعل عليه، ولا يتبين فيها الإعراب، وهي جمع خطيئة جمع التكسير، ومن قرأ {خَطِيئَاتِكُمْ} بكسر التاء، فإنها نصب بنغفر على ما ذكرنا في {خَطَايَاكُمْ والتاء فيها لجمع المؤنث، وهو جر في موضع النصب). [الموضح: 560]

قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 09:02 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (163) إلى الآية (167) ]

{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)}

قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة شهر بن حوشب وأبي نهيك: [يَعَدُّونَ فِي السَّبْت].
قال أبو الفتح: أراد يعتدون، فأسكن التاء ليدغمها في الدال، ونقل فتحتها إلى العين، فصار يعَدُّون، وقد مضى مثله في يَخَصِّف). [المحتسب: 1/264]

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) }
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قالوا معذرةً إلى ربّكم... (164).
قرأ عاصم في رواية حفص (معذرةً) نصبًا، وكذلك روى حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم.
وقرأ الباقون (معذرةٌ) رفعًا.
قال أبو منصور: من قرأ (معذرةً) نصبًا فعلى المصدر، المعنى: نعتذر معذرةً، ومن قرأ (معذرةٌ) فعلى إضمار (هي معذرةٌ)، أو على معنى: موعظتنا إياهم (معذرةٌ) ). [معاني القراءات وعللها: 1/427]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (41- وقوله تعالى: {قالوا معذرة إلى ربكم} [164]
روى حفص عن عاصم {معذرة} بالنصب على المصدر كقولك: اعتذرت اعتذارًا ومعذرة بمعنى. وحجته: أن الكلام جواب كأنهم قيل لهم: لم
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/210]
تعظون قومًا الله مهلكهم؟ فأجابوا فقالوا: نعظهم اعتذارًا إلى ربهم، كما يقول القائل: لم وبخت فلانًا؟ فتقول: طلبًا لتقويمه.
وقرأ الباقون: {معذرة} بالرفع، فلهم حجتان:
إحداهما: ما قال سيبويه رحمه الله إن معناه: موعظتنا إياهم معذرة جعلها خبر ابتداء.
والثانية: أن تقديرها عند أبي عبيد: هذه معذرة.
فأما قوله تعالى: {ولو ألقى معاذيره} فقيل: معناه: ولو أسبل ستوره: وقال الأخفش: واحد المعاذير معذار). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/211]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الرفع والنصب من قوله تعالى: معذرة إلى ربكم [الأعراف/ 164].
فقرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي معذرة رفعا.
واختلف عن عاصم؛ فروى أبو بكر في رواية يحيى بن آدم عنه، وغيره معذرة رفعا مثل حمزة وروى الحسين بن علي الجعفي عن أبي بكر وحفص عن عاصم معذرة نصبا.
قال أبو زيد: عذرته. أعذره عذرا، ومعذرة وعذرى.
فعلى. حجة من رفع: أن سيبويه قال: ومثله [في
[الحجة للقراء السبعة: 4/97]
قراءته] على الابتداء ويريد مثل حنان في قوله:
فقالت: حنان ما أتى بك هاهنا ومثله في أنّه على الابتداء، وليس على فعل قوله:
قالوا: معذرة إلى ربكم [الأعراف/ 164] لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا من أمر ليموا عليه، ولكنّهم قيل لهم:
لم تعظون قوما؟ فقالوا: معذرة. أي: موعظتنا معذرة إلى ربكم.
وحجة من نصب معذرة: أن سيبويه قال: لو قال رجل لرجل معذرة إلى الله، وإليك من كذا وكذا لنصب). [الحجة للقراء السبعة: 4/98]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتّقون}
قرأ حفص عن عاصم {قالوا معذرة} بالنّصب على المصدر وحجته أن الكلام جواب كأنّه قيل لهم لم تعظون قوما الله مهلكهم فأجابوا فقالوا نعظهم اعتذارا ومعذرة إلى ربهم
وقرأ الباقون {معذرة} بالرّفع قال سيبويهٍ معناه موعظتنا إيّاهم معذرة فالمعنى أنهم قالوا الأمر بالمعروف واجب علينا فعلينا موعظة هؤلاء لعلّهم يتّقون). [حجة القراءات: 300]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (50- قوله: {معذرة} قرأ حفص بالنصب على المصدر، كأنهم لما قيل لهم: {لم تعظون} قالوا: نعتذر من فعلهم اعتذارًا إلى ربكم، فكأنه خبر مستأنف وقوعه منهم، ويجوز أن يكون قد وقع ذلك منهم على معنى: اعتذرنا اعتذارًا، وقرأ الباقون بالرفع على إضمار مبتدأ دل عليه الكلام، كأنهم لما قيل لهم: لم تعظون قومًا قالوا موعظتنا معذرة لهم، فهو أمر قد مضى منهم فعله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/481]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (42- {قَالُوا مَعْذِرَةً} [آية/ 164] بالنصب:
قرأها عاصم وحده- ص-.
والوجه أنه مصدر، وانتصابه لذلك، والتقدير نعتذر معذرة، فأضمر الفعل، ويجوز أن يكون مفعولا له، والتقدير نعظهم معذرة أي للمعذرة.
وقرأ الباقون {مَعْذِرَةٌ} بالرفع.
والوجه أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: موعظتنا معذرة). [الموضح: 560]

قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بعذابٍ بئيسٍ بما كانوا يفسقون (165)
قرأ نافع (بعذابٍ بيسٍ) بكسر الباء بغير همز، وروى خارجه عن نافع (بيسٍ) بفتح الباء وسكون الياء بغير همز، وروى أبو قرة عن نافع (بئيسٍ) مفتوحة الباء مكسورة الهمزة، وقرأ ابن عامر (بئسٍ) بكسر الباء وهمزة ساكنة، وقرأ عاصم في رواية الأعشى عن أبي بكر (بيأسٍ) بفتح الباء وسكون الياء وهمزة مفتوحة، بوزن (فيعل)، وليس عند يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم في هذا شيء.
[معاني القراءات وعللها: 1/427]
ورويت عن الأعمش هكذا، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم (بئيسٍ) على (فعيل) بفتح الباء وكسر الهمزة.
قال أبو منصور: من قرأ (بيسٍ) على (فعلٍ) فالأصل (بئس) فخففت همزتها، ومن قرأ (بئسٍ) على (فعل) فهو من بئس يبأس فهو بئس، ومن قرأ (بيأسٍ) فهو من (فيعل) من بئس يبأس، كما يقال: عطل، من عطل يعطل، ومن قرأ (بئيسٍ) فهو على (فعيل) ومعناه: الشديد، يقال: بؤس يبؤس فهو بئيس، إذا اشتد وشجع.
وبئس يبأس، إذا افتقر، فهو بئيسٍ وبيسٍ أيضًا). [معاني القراءات وعللها: 1/428]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (42- وقوله تعالى: {بعذاب بئيس} [165].
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي {بئيس} على فعيل، قال الشاعر:
حنقًا علي وما ترى = لي فيهم أثرًا بئيسا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/211]
وقرأ نافع {بعذاب بيس} بكسر الباء بغير همز، وينشد:
لم ترو حتى بلت الدبيسا = ولقى الذي أداه أمرًا بيسا
وقرأ ابن عامر مثل نافع إلا أنه يهمز {بيس} بهمزة ساكنة، وروى خارجة عن نافع {بعذاب بيسْ بفتح الباء مثل بيت، وروى أبو عبيدة عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: {بعذاب بئيس} كسر الباء مثل نافع، إلا أنه يمده.
وروى حفص عن عاصم: {بعذاب بئيس} على فعيل بكسر العين.
وروى أبو بكر عنه: {بيئس} على فيعل بفتح الهمزة وهو الاختيار مثل صيرف وصيقل. فهذه سبع قراءات عن السبعة في هذه الحروف.
وفيها ثلاث قراءات عن غير السبعة:
قرأ الحسن: {بعذاب بئسْ كما تقول: بئس ما صنعت.
وقرأ طلحة بن مصف: {بعذاب بئس} مثل فخذ.
وقرأ نصر بن عاصم: {بعذاب بيس} بفتح الباء والياء مثل حمل فتلك عشر قراءات فعيل وفيعل وفعل وفعل ومهموز وفعل غير مهموز وفعل بفتح السين وفعيل مثل شعير وبعير، وفعل وفعل وفعل.
فأما تفسير هذه الآية فإن أبا بكر محمد بن القاسم الأنباري رحمه الله حدثني قال: حدثني عبد الله بن محمد، قال: حدثنا يوسف بن موسى، قال: حدثنا يحيى بن سليمان الطائفي عن ابن جريج عن عكرمة قال: دخلت على ابن عباس وهو ينظر في المصحف قبل أن يذهب بصره ويبكى فقلت:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/212]
ما يبكيك يا أبا العباس جعلني الله فداك؟ فقال لي: هل تعرف أيلة؟ قلت: وما أيلة؟ قال: هي قرية كان فيها ناس من اليهود، وكان الله تعالى قد حرم عليهم صيد الحيتان في يوم السبت فكانت تأتيهم حيتانهم يوم سببتهم شرعًا سمانا فتربض بأقبيتهم وابنيتهم، فإذا طلبوها في غير السبت لم يدركوها إلا [بمؤنة} شديدة فقال بعضهم لبعض، أو من قال ذلك منهم: لعلنا لو أخذناها فأكلناها في غير يوم السبت، ففعل ذلك أهل بيت منهم فاصطادوا وشووا، فلما شم جيرانهم رائحة الشواء قالوا: ألا ترون أن بني فلان لم يعاقبوا؟ وفشا فيهم ذلك الفعل حتى افترقوا فرقًا ثلاثًا: فرقة أكلت، وفرقة نهت، وفرقة قالوا: {لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا}.
فأما الفرقة التي نهت فإنهم قالوا: يا قوم إنا نحذركم غضب الله وعقابه وأن يصيبكم بمسخ أو قذف أو خسف، أو ببعض ما عنده من العذاب، والله لانبايتكم في موضع، ثم خرجوا عنهم، وغدوا عليهم فقرعوا عليهم الباب باب القرية فلم يكلمهم أحد، فجاءوا بسلم وأسندوه إلى السور، ورقى منهم راقٍ عليه فلما أشرف قال: يا عباد الله فإذا هي قردة لها أذناب تعاوى يقولها ثلاثًا، ثم نزل ففتح الباب فدخلوا عليهم، فعرفت القردة أنسابها من الإنس، ولم يعرف الإنس أنسابها من القردة، فكان القردة تأتي نسيبها وقريبها من الإنس فتحرك به وتشير إليه. فيقول: أنت فلان فيشير برأسه، أي: نعم ويبكي، وكانت القردة تأتي نسيبيها وقريبها من الإنس فتفعل مثل ذلك، فقالوا لهم: أما إنا فقد حذرناكم غضب الله وعقابه أن يصيبكم الله بمسخ أو قذف أو خسف، أو ببعض ما عنده من العذاب.
قال ابن عباس: فاسمع الله يقول: {أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} [165].
ولا أدري ما فعلت الفرقة الثالثة، فقكم قد رأينا منكرًا لم نغيره؟!
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/213]
قال عكرمة: فقلت: يا ابا العباس جعلني الله فداك ألا ترى أنهم قد أنكروا حين قالوا: {لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا} قال: فأعجبه ذلك من قوله وأمر له ببردين غليظين كساه بهما.
قال أبو عبد الله رضي الله عنه -: فعلى هذا التفسير الاختيار أن يقف على قوله: {ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك} [163] ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/214]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله جل وعز: بعذاب بئس [الأعراف/ 165].
فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي:
بئيس على وزن فعيل، الهمزة بين الباء والياء منون.
وقرأ نافع بعذاب بيس بما بكسر الباء من غير همز وينوّن.
[الحجة للقراء السبعة: 4/98]
وروى أبو قرّة عن نافع بئيس على وزن فعيل مثل حمزة.
وروى خارجة عن نافع بيس* بفتح الباء من غير همز منون على وزن فعل.
وقرأ ابن عامر: بعذاب بئس بما على وزن فعل مثل نافع غير أنه مهموز؛ فكذلك ما روي عن نافع من قوله: بعذاب بئس.
وروى حفص عن عاصم [بئيس] مثل حمزة.
وروى حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم بيأس على وزن فيعل بفتح الهمزة، أخبرني موسى بن إسحاق عن هارون بن حاتم عنه. وحدثني أبو البختريّ عن يحيى بن آدم عن أبي بكر قال: كان حفظي عن عاصم بيأس بما على وزن فيعل ثم دخلني منها شك، فتركت روايتها عن عاصم وأخذتها عن الأعمش بئيس بما مثل حمزة.
حدثني محمد بن الجهم قال: حدثني ابن أبي أمية عن أبي بكر قال: كان حفظي عن عاصم بيئس على وزن فيعل
[الحجة للقراء السبعة: 4/99]
ثم دخلني منها شك فتركت روايتها عن عاصم، وأخذتها عن الأعمش بعذاب بئيس [على وزن فعيل] قال أبو زيد: قد بؤس الرجل يبؤس بأسا، إذا كان شديد البأس، وقال في البؤس: قد بئس يبأس بؤسا وبيسا وبأسا، والبأساء الاسم.
[قال أبو علي]: يحتمل قول من قال: بئيس أمرين:
أحدهما أن يكون فعيلا من بؤس يبؤس، إذا كان شديد البأس مثل: من عذاب شديد [إبراهيم/ 2]، والآخر أن يكون من عذاب بئيس، فوصف بالمصدر، والمصدر على فعيل وقد جاء كثيرا كالنذير، والنكير، والشحيح. وعذير الحي، والتقدير: من عذاب ذي بئيس، أي عذاب ذي بؤس.
وأما ما روي عن نافع من قوله: بعذاب بيس، فإنه جعل بيس الذي هو فعل اسما فوصف به، ومثل ذلك
قوله: «إنّ الله ينهى عن قيل وقال» و «عن قيل وقال»
وقال:
أصبح الدهر وقد ألوى بهم... غير تقوالك من قيل وقال
[الحجة للقراء السبعة: 4/100]
ومثل ذلك: «من شبّ إلى دبّ»، و «من شبّ إلى دبّ»، فكما استعملت هذه الألفاظ أسماء وأفعالا، كذلك بئس* جعله اسما بعد أن كان فعلا فصار وصفا. ونظيره من الصفة: نقض، ونضو، وهرط.
وما روي عن نافع من قوله: بعذاب بيس بفتح الباء من غير همز، فهو أيضا فعل في الأصل، وصف، كما أن بيس كذلك.
وأمّا إبداله من الهمزة الياء، فإنّ سيبويه حكى أنّه سمع بعض العرب يقول: بيس* فلا يحقّق الهمزة، ويدع الحرف على الأصل، يريد على الأصل الذي هو فعل، كأنّه يسكن العين، كما يسكن في علم، ويقلب الهمزة ياء، لأنّه لمّا أسكنها لم يجز فيها أن تجعل بين بين، فأخلصها ياء.
وقراءة ابن عامر: بعذاب بئس بالهمز، فهي قراءة
[الحجة للقراء السبعة: 4/101]
نافع بعذاب بيس إلّا أنّ ابن عامر حقّق الهمزة. وما رواه أبو بكر عن عاصم بعذاب بيأس فإنه يكون وصفا مثل ضيغم، وحيدر، وهو بناء كثير في الصفة، ولا يجوز كسر العين في بيأس، لأنّ فيعل بناء اختصّ به ما كان عينه ياء، أو واوا، مثل: سيد وميت وطيب ولين، ولم يجيء مثل ضيغم، وقد جاء في المعتل فيعل، حكى سيبويه عيّن، وأنشد لرؤبة:
ما بال عيني كالشّعيب العيّن فينبغي أن يحمل بيأس على الوهم ممّن رواه عن عاصم والأعمش). [الحجة للقراء السبعة: 4/102]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي جعفر وشيبة وأبي عبد الرحمن والحسن واختلف عن نافع: [بعَذابٍ بِيسٍ] فعل بلا همز، و[بِئْسٍ] وهي قراء السلمي بخلاف، ويحيى وعاصم بخلاف،
[المحتسب: 1/264]
والأعمش بخلاف، وعيسى الهمداني.
[بَيْئِسٍ] مثل فَيْعِل ابن عباس وعاصم بخلاف.
[بَيْئَس] طلحة بن مصرف.
وقرأ أبو رجاء: [بائس]، و[بَيَسٍّ] وزن فَعَلٍّ.
وقراءة نصر بن عاصم وجُؤيَّة بن عائذ: و[بَأْس] ورُوي عن مالك بن دينار أيضًا.
و[بَيِّسٍ] وزن فَعِّلٍ، يروى عن نصر بن عاصم أيضًا.
و[بئِس] وزن فعِل قراءة زيد بن ثابت و[بِئْس].
ومما رويت عن الحسن و[بَيْس]، ورويت عن نافع أيضًا.
قال أبو الفتح: أما [بِيس] بغير همز على وزن فِعْل فيحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون أراد مثال فِعْل، فيكون كما جاء من الأوصاف على فِعْل، نحو: نِضْو ونِقْض وحِلْف، وأصله الهمز كقراءة مَن قرأ [بِئْسٍ] بالهمز، إلا أنه خفف فأبدل ياء فصارت [بيس] كبِير وذيبٍ، فيمن خفف.
والآخر: أن يكون أراد فَعِلًا، فأصله بَئِس كمَطِر وحَذِر، ثم أسكن ونقل الحركة من العين إلى الفاء كالعبرة فيما كان على فَعِل وثانيه حرف الحلق كفخِذ ونغِر وجئِز، فصار إلى بِئس، ثم خفف فقال: بِيس، على ما مضى.
وأما [بَئِس] على فَعِل فجاء على قولهم: قد بَئِس الرجل بآسةً: إذا شَجُعَ، فكأنه عذاب مُقدِم عليهم وغير متأخر عنهم.
وقد يجوز أيضًا أن يكون [بَئِس] مقصورًا من بئيس كالقراءة الفاشية، كما قالوا في لبيق: لَبق، وفي سيمج سَمج.
وأما [بَيْئِس] على فَيْعِل ففيه النظر؛ وذلك أن هذا البناء مما يختص به ما كان معتل العين كسيِّد وهين ودين ولين، ولم يجئ في الصحيح، وكأنه إنما جاء في الهمزة لمشابهتها حرفي العلة، والشبه بينها وبينهما من وجوه كثيرة.
[المحتسب: 1/265]
وأما [بَيْسٍ] في وزن جَيْشٍ فطريق صنعته أنه أراد بَئِس، فخفف الهمزة فصارت بين بين؛ أي: بين الهمزة والياء، فلما قاربت الياء ثقلت فيها الكسرة فأسكنها طلبًا للاستخفاف، فصارت في اللفظ ياء، كما خففوا نحو صَيِدَ البعير، فقالوا: صيْدَ وإن كنت العين في صيِد ياء محضة وكانت في بَئِس همزة مخففة، إلا أنه شبهها بياء صَيِد لما ذكرنا من مقاربتها في اللفظ الياء، ونحو من ذلك قول ابن ميادة:
فكان يوْميْذٍ لها حكمُها
أراد: يومئذ، فخفف فصارت الهمزة بين بين وأشبهت الياء فأسكنها، فقال: [يَوْمَيْذٍ]، فهذا كبَيْسٍ على ما ترى.
وقد يجوز أن يكون أراد تخفيف بَيْئِس، فصارت بَيِس ثم أسكن تخفيفًا، كقولهم في عَلِمَ: عَلْم، وفي كلمة: كَلْمة، وفي فَخِذ: فَخْذ، ومثال بيْس على هذا فَيْل.
فأما [بائس] فاسم الفاعل من بئِس على ما قدمنا ذكره.
وأما [بَيَس] فطريف، وظاهر أمره أن يكون جاء على ماضٍ مثالُه فَيْعَل كهَيْنَم، ثم خففت الهمزة فيه وأُلقيت حركتها على الياء فصار بَيَس، وجاز اعتقاد هذا الفعل وإن لم يظهر كأشياء تثبت تقديرًا ولا تبرز استعمالًا.
وأما [بَيِّس] بتشديد الياء وكسرها، فليس على فَعِّل كما ظن ابن مجاهد؛ بل هو على فَيْعِل تخفيف بيئِس على قول من قال من تخفيف سوءَة: سَوَّة، وفي تخفيف شيء: شيّ، فأبدل الهمزة على لفظ ما قبلها، وعليه قول الشاعر:
يعجل ذا القباضة الوحِيَّا ... أن يرفع المئزر عنه شَيَّا
فصار بَيِّس كما ترى.
وأما [بأْسٍ] فتخفيف بَئِس، كقولك في سَئِم: سأْم، وفي علِم عَلْم.
وأما [بَيْس] فالعمل فيه من تخفيف الهمزة ثم إسكانها فيما بعد كالعمل في [بَيْسٍ] وهو يريد الاسم، وقد مضى ذلك.
[المحتسب: 1/266]
وأما [بِئِس] فعلى الإتباع مثل: فِخِذ وشِهِد. قال أبو حاتم في قراءة بعضهم: [بِئيَس]، فهذا في الصفة بمنزلة حِذْيم فِعْيَل، وكذا مثَّله أبو حاتم أيضًا.
وحكى أبو حاتم أيضًا [بِئِيس] كشِعِير وبِعِير، فكسر أوله لكسر الهمزة بعده.
وحكى أيضًا فيها [بَئِّس] فَعِّل، وأنكرها فردها ألبتة، وأنكر قراءة الحسن: [بِئْس] وقال: لو كان كذا لما كان بُدٌّ معها من "ما" بئِسما كنعم ما). [المحتسب: 1/267]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وأخذنا الّذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون}
قرأ ابن عامر (بعذاب بئس) بكسر الباء وبهمزة ساكنة خرج الهمزة على الأصل ولم يلف في الهمزة ها هنا ثقل لخفة الحرف وقلة حروفه
وقرأ نافع (بعذاب بيس) بغير همز فعل من البؤس ترك همزه فأبدلت الياء من الهمزة لثقل الهمز لأن الياء أخف منه
وقرأ أبو بكر عن عاصم (بيأس) على فيعل مثل رجل صيرف إذا كان يتصرّف في الأمور
وقرأ الباقون {بعذاب بئيس} على فعيل من البؤس وتفسيره الشّديد). [حجة القراءات: 300]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (51- قوله: {بعذاب بئيس} قرأه نافع بغير همزة، وكسر الباء، وقرأ ابن عامر بهمزة ساكنة، بهمزة ساكنة، وكسر الباء، وقرأ الباقون بهمزة مكسورة، وفتح الباء، وبعد الهمزة ياء، وروي عن أبي بكر عن عاصم أنه قرأ بهمزة مفتوحة على وزن «فيعل» وروي عنه بهمزة مكسورة على وزن «فعيل».
وحجة من قرأ بكسر الباء أنه كسرها لحرف الحلق بعدها، وهو الهمزة وأصلها الفتح في قولك: بئس الرجل ثم يقولون: يبئس الرجل، كما قالوا في شَهِد شِهِد.
52- وحجة من فتح الباء أنه أتى بها على الأصل، كما قال: شَهِد بفتح الشين.
53- وحجة من قرأ بغير همز أن أصله فعل ماض نُقل إلى التسمية، فوصف به العذاب، فأصله أن يكون بهمزة مكسورة؛ لأنه منقول من «ييس» لكن أسكنت الهمزة استخفافًا، كما قالوا: في عَلِم عَلْمَ، وكانت الهمزة أولى بالإسكان لثقلها وصعوبة النطق بها، مع كسرها وكسر ما قبلها، فلما سكنت خففت بالبدل بياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/481]
54- وحجة من همز همزة ساكنة أنه أتى بها على الأصل، بعد نقلها من الكسر، فكأنه كره أن يغيرها بالتخفيف والبدل، وقد غُيرت عن الحركة إلى السكون.
55- وحجة من قرأ بهمزة مكسورة وفتح الباء، وياء بعد الهمزة، أنه جعله مصدرا وصف به العذاب من «بيئس» حكى أبو زيد: بئس الرجل بئيسًا، والمصدر على «فعيل» كثير، نحو: النذير والنفير، والتقدير: بعذاب ذي بئيس أي ذي بؤس؛ لأن بؤسًا أيضًا مصدر لبئس، وقيل: إن بئيسًا اسم فاعل من بَؤسُ الرجل، إذا كان شديد البأس، فيكون بئيس اسم فاعل من بَؤس ويكون معناه: بعذاب شديد فأما من قرأه على «فَيْعَل» فإنه جعله ملحقًا بـ «جعفر» كضيغم وهو صفة للعذاب أيضًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/482]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (43- {بِعَذَابٍ بَيسٍ} [آية/ 165] مكسورة الباء غير مهموزة:
قرأها نافع وحده.
والوجه أن أصله بئس الذي هو فعل، فجعله اسمًا فوصف به، كما ورد في
[الموضح: 560]
الحديث أنه نهي عن قيل وقال، وأصله قيل وقال، فجعلا اسمين، فاستعملا استعمال الأسماء، فكذلك بئس جعله اسمًا بعد أن كان فعلاً، فصيره وصفًا للعذاب.
وروي عن نافع أيضًا {بَيسٍ} بفتح الباء وإسكان الياء من غير همز.
والوجه أن أصله بئس أيضًا على فعل، فأسكنت الهمزة منه، كما قالوا علم بسكون الأوسط من علم، ثم قلبت الهمزة ياء؛ لأنه لم يصح أن يجعل بين بين بالإسكان، وهو أيضًا فعل جعل اسمًا كما تقدم.
وقرأ ابن عامر {بِيئَسٍ} مكسورة الباء مهموزة.
والوجه فيه كالوجه في قراءة نافع، إلا أن الهمزة في هذه محققة، وفي تلك مخففة.
وقرأ عاصم- ياش- {بَيئَسٍ} بفتح الباء وبياء ساكنة، بعدها همزة مفتوحة على وزن بيعسٍ.
والوجه أنه وصف على فيعل من البؤس كضيغم وشيهم، وهو صحيح، فلا يأتي فيه إلا فتح العين؛ لأن فيعلاً بكسر العين لا يأتي في الصحيح بل في المعتل كسيد وميت.
[الموضح: 561]
وروى- ص- عن عاصم {بَئِيسٍ} بفتح الباء وهمزة مكسورة، بعدها ياء، على وزن بعيس.
وكذلك قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب.
والوجه أنه فعيل من البؤس، فيجوز أن يكون اسم فاعل من بؤس يبؤس فهو بئيس كعظم يعظم فهو عظيم، فقوله {عَذَابٍ بَئِيسٍ} كعذاب شديد، ويجوز أن يكون مصدراً وصف به، يقال بؤس بؤسًا وبئيسًا، والمعنى بعذاب ذي بئيس). [الموضح: 562]

قوله تعالى: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)}

قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:16 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة