تفسير قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكان إمام مسجد الحرام لا يقول {تبت يدا أبي لهب} إلا عند ختم القرآن في شهر رمضان من أجل اللّهبيين). [عيون الأخبار: 3/308]
تفسير قوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) }
تفسير قوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) }
تفسير قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ما يجري من الشتم مجرى التعظيم وما أشبهه
تقول أتاني زيد الفاسق الخبيث لم يرد أن يكرره ولا يعرفك شيئا تنكره ولكنه شتمه بذلك.
وبلغنا أن بعضهم قرأ هذا الحرف نصبا: (وامرأته حمالة الحطب) لم يجعل الحمالة خبرا للمرأة ولكنه كأنه قال أذكر حمالة الحطب شتما لها وإن كان فعلا لا يستعمل إظهاره). [الكتاب: 2/70]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (يدركها القني: هو كقولهم في الحطاب: إنه النمام، لما جرى على ألسنة الناس من قولهم لمن وشى برجل وأغرى به: هو يحطب عليه؛ من قول الله عز وجل: {وامرأته حمالة الحطب} حمالة النميمة). [تعبير الرؤيا: 39]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قوله: " إنا بني نهشل "يعني نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، ومن قال: "إنا بنو نهشل"، فقد خبرك، وجعل" بنو" خبر" إن"، ومن قال: " بتي"، إنما جعل الخبر:
إن تبتدر غاية يومًا لمكرمةٍ = تلق السوابق منا والمصلينا
ونصب"بني" على فعل مضمر للاختصاص، وهذا أمدح، ومثله:
نحن بني ضبة أصحاب الجمل
أراد نحن أصحاب الجمل، ثم أبان من يختص بهذا، فقال: أعني بني ضبة وقرأ عيسى بن عمر: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} أراد وامرأته: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} ثم عرفها بحمالة الحطب، وقوله: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} بعد قوله: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ} إنما هو على هذا، وهو أبلغ في التعريف، وسنشرحه على حقيقة الشرح في موضعه إنشاء الله: وأكثر العرب ينشد:
إنا بني منقرٍ قوم ذوو حسب = فينا سراة بني سعدٍ وناديها
قرأ بعض القراء: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ) ). [الكامل: 1/146-147]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ومن التشبيه المحمود قول الشاعر:
طليق الله لم يمنن عليه = أبو داود وابن أبي كثير
ولا الحجاج عيني بنت ماء = تقلب طرفها حذر الصقور
وهذا غاية في صفة الجبان.
ونصب عيني بنت ماء على الذم، وتأويله: إنه إذا قال: جاءني عبد الله الفاسق الخبيث فليس يقوله إلا وقد عرفه بالفسق والخبث فنصبه أعني وما أشبهه من الأفعال، نحو أذكر، وهذا أبلغ في الذم، أن يقيم الصفة مقام الاسم، وكذلك المدح. وقول الله تبارك وتعالى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} بعد قوله: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ}. إنما هو على هذا. ومن زعم أنه أراد: "ومن المقيمين الصلاة" فمخطئ في قول البصريين، لأنهم لا يعطفون الظاهر على المضمر المخفوض، ومن أجازه من غيرهم فعلى قبح، كالضرورة. والقرآن إنما يحمل على أشرف المذاهب. وقرأ حمزة: (الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ)، وهذا مما لا يجوز عندنا إلا أن يضطر إليه شاعر، كما قال:
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا = فاذهب فما بك والأيام من عجب
وقرأ عيسى بن عمر: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}. أراد: وامرأته في جيدها حبل من مسد، فنصب حمالة على الذم. ومن قال إن امرأته مرتفعة بقوله: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}: فهو يجوز. وليس بالوجه أن يعطف المظهر المرفوع على المضمر حتى يؤكد، نحو: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} [المائدة: 24] و: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}، فأما قوله: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا}. فإنه لما طال الكلام وزيدت فيه لا احتمل الحذف وهذا على قبحه جائز في الكلام، أعني: ذهبت وزيد، وأذهب وعمرو، قال جرير:
ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه = ما لم يكن وأب له لينالا
وقال ابن أبي ربيعة:
قلت إذ أقبلت وزهر تهادى = كنعاج الملا تعسفن رملا
ومما ينصب على الذم قول النابغة الذبياني:
لعمري وما عمري علي بهين = لقد نطقت بطلا علي الأقارع
أقارع عوف لا أحاول غيرها = وجوه قرود تبتغي من تجادع
وقال عروة بن الورد العبسي:
سقوني الخمر ثم تكنفوني = عداة الله من كذب وزور
والعرب تنشد قول حاتم الطائي رفعًا ونصبًا:
إن كنت كارهة معيشتنا = هاتا فحلي في بني بدر
الضربين، لدى أعنتهم = والطاعنين وخيلهم تجري
وإنما خفضوهما على النعت، وربما رفعوهما على القطع والابتداء.
وكذلك قول الخرنق بنت هفان القيسي، من بني قيس بن ثعلب:
لا يبعدن قومي الذين هم = سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك = والطيبين معاقد الأزر
وكل ما كان من هذا فعلى هذا الوجه.
وإن لم يرد مدحًا ولا ذمًا قد استقر له فوجهه النعت. وقرأ بعض القراء: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ).
وأكثر ما تنشد العرب بيت ذي الرمة نصبًا، لأنه لما ذكر ما يحن إليه ويصبو إلى قربه أشاد بذكر ما قد كان يبغي، فقال:
ديار مية إذ مي تساعفنا = ولا يرى مثلها عجم ولا عرب
وفي هذه القصيدة من التشبيه المصيب قوله:
بيضاء في دعج، صفراء في نعج = كأنها فضة قد مسها ذهب
وفيها من التشبيه المصيب قوله:
تشكو الخشاش ومجرى النسعتين كما = أن المريض إلى عاده الوصب).
[الكامل: 2/930-934] (م)
تفسير قوله تعالى: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) }
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (وفي العنق الجيد والوقص والصعر والهنع والغلب والرقب والتلع، فأما الجيد فهو طول الجيد والجيد اسم يقع على طول العنق، قال الشاعر:
حوراءُ جيداء يستضاء بها = كأنها خوط بانةٍ قصف
والهادي مثل الجيد، يقال رجال ونساء جيد ويقال للظبية جيداء). [خلق الإنسان: 200-201]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والمسد: مصدر مسد الحبل يمسده مسدا إذا أجاد فتله ويقال رجل ممسود الخلق إذا كان مجدول الخلق والمسد حبل من جلود الإبل أو من ليف أو من خوص قال الراجز:
(يا مسد الخوص تعوذ مني = إن تك لدنا لينا فإني)
(ما شئت من أشمط مقسئن). [إصلاح المنطق: 50]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش = إذا هي نصته ولا بمعطل
الجيد: العنق.
...
قال أبو حاتم: وجدت في كتاب الأصمعي: الجيد: اسم يقع لجميع العنق. وهو الذي أعرف من قوله). [شرح ديوان امرئ القيس:218- 219]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
ليالي سلمى إذ تريك منصبًا = وجيدا كجيد الرئم ليس بمعطال
...
والجيد: العنق أجمع). [شرح ديوان امرئ القيس: 313]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (الجيد: العنق). [الكامل: 2/950]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( تذري حواشيه جيداء آنسة = في صوتها لسماع الشرب ترتيل
حواشيه أي حواشي الشعر يريد أطرافه، والجيداء: الطويلة الجيد وهو العنق). [شرح المفضليات: 293]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والجيد: العنق). [شرح المفضليات: 331]