العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:36 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأعراف [ من الآية (35) إلى الآية (39) ]

{ يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:23 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي فمن اتّقى وأصلح فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}.
يقول تعالى ذكره معرّفًا خلقه ما أعدّ لحزبه وأهل طاعته والإيمان به وبرسوله، وما أعدّ لحزب الشّيطان وأوليائه والكافرين به وبرسله: {يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسلٌ منكم} يقول: إن يجئكم رسلي الّذين أرسلهم إليكم بدعائكم إلى طاعته والانتهاء إلى أمري ونهيي، {منكم} يعني: من أنفسكم، ومن عشائركم وقبائلكم. {يقصّون عليكم آياتي}؛ يقول: يتلون عليكم آيات كتابي، ويعرّفونكم أدلّتي وأعلامي على صدق ما جاءوكم به من عندي، وحقيقة ما دعوكم إليه من توحيدي.
{فمن اتّقى وأصلح}؛ يقول: فمن آمن منكم بما أتاه به رسلي ممّا قصّ عليه من آياتي وصدّق واتّقى اللّه، فخافه بالعمل بما أمره به والانتهاء عمّا نهاه عنه، على لسان رسوله. {وأصلح}؛ يقول: وأصلح أعماله الّتي كان لها مفسدًا قبل ذلك من معاصي اللّه بالتّحوّب منها. {فلا خوفٌ عليهم}؛ يقول: فلا خوفٌ عليهم يوم القيامة من عقاب اللّه إذا وردوا عليه. {ولا هم يحزنون}؛ على ما فاتهم من دنياهم الّتي تركوها، وشهواتهم الّتي تجنّبوها، اتّباعًا منهم لنهي اللّه عنها إذا عاينوا من كرامة اللّه ما عاينوا هنالك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا هشامٌ أبو عبد اللّه، قال: حدّثنا هيّاجٌ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن أبي سيّارٍ السّلميّ، قال: إنّ اللّه جعل آدم وذرّيّته في كفّه، فقال: {يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي فمن اتّقى وأصلح فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}، ثمّ نظر إلى الرّسل فقال: {يا أيّها الرّسل كلوا من الطّيّبات واعملوا صالحًا إنّي بما تعملون عليمٌ. وإنّ هذه أمّتكم أمّةً واحدةً وأنا ربّكم فاتّقون}، ثمّ بثّهم.
فإن قال قائلٌ: ما جواب قوله: {إمّا يأتينّكم رسلٌ منكم}؟
قيل: قد اختلف أهل العربيّة في ذلك، فقال بعضهم في ذلك: الجواب مضمرٌ، يدلّ عليه ما ظهر من الكلام، وذلك قوله: {فمن اتّقى وأصلح}، وذلك لأنّه حين قال: {فمن اتّقى وأصلح} كأنّه قال: فأطيعوهم.
وقال آخرون منهم: الجواب: {فمن اتّقى}، لأنّ معناه: فمن اتّقى منكم وأصلح، قال: ويدلّ على أنّ ذلك كذلك تبعيضه الكلام، فكان في التّبعيض اكتفاءٌ من ذكر (منكم) ). [جامع البيان: 10/ 165-166]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي فمن اتّقى وأصلح فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (35)}
قوله تعالى: {يا بني آدم}
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد اللّه بن خالدٍ العبسيّ عن عبد الرّحمن بن مفضّلٍ قال: ذكر الجدّ عند ابن عبّاسٍ: فقال: أيّ أبٍ لك أكبر؟ فقال: {آدم}. فقال: إنّ اللّه يقول: يا بني آدم.
قوله تعالى: {إمّا يأتينّكم رسل منكم ... الآية}
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن أبي عمر العدنيّ، ثنا سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: قوله: {يأتينّكم رسلٌ منكم}؛ قال: ليس في الجنّ رسلٌ وإنّما في الإنس، والنذارة في الجنّ.
قوله تعالى: {فمن اتّقى}
- حدّثنا عليّ بن الحسين قال: قرأت على مصعبٍ ثنا حاتم بن عيسى بن ماهان عن الرّبيع، في قوله: {فمن اتّقى}؛ قال: ذهب اثمه كلّه أن اتّقى فيما بقي.
قوله تعالى: {وأصلح}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: وأصلح يعني العمل.
قوله تعالى: {فلا خوفٌ عليهم}
- وبه عن سعيدٍ فلا خوفٌ عليهم يعني في الآخرة. وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك.
قوله تعالى: {ولا هم يحزنون}
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ: قوله: {ولا هم يحزنون}؛ يعني لا يحزنون للموت). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1472]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير عن أبي سيار السلمي فقال: إن الله [تبارك وتعالى] جعل آدم وذريته في كفه فقال: {يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} ثم نظر إلى الرسل فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم} [المؤمنون: 51] {وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} [المؤمنون: 53] ثم بثهم). [الدر المنثور: 6/ 381]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}.
يقول جلّ ثناؤه: وأمّا من كذّب بأنباء رسلي الّتي أرسلتها إليه، وجحد توحيدي، وكفر بما جاء به رسلي، واستكبر عن تصديق حججي وأدلّتي، {فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}، يقول: هم في نار جهنّم ماكثون، لا يخرجون منها أبدًا). [جامع البيان: 10/ 167]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({والّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (36)}
قوله تعالى: {والّذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قال: هم الكفّار الّذين خلقهم اللّه للنّار وخلق النّار لهم، فزالت عنهم الدّنيا وحرّمت عليهم الجنّة.
قوله تعالى: {أولئك أصحاب النّار}
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ عن السّدّيّ: عن أبي مالكٍ: قوله: {أولئك أصحاب النّار}؛ فهم أصحاب النّار يعذّبون فيها.
قوله تعالى: {هم فيها خالدون}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: {هم فيها خالدون}؛ أي خالدًا أبدًا لا انقطاع له.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ: قول اللّه: هم فيها خالدون يعني لا يموتون). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1472-1473]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ قال ينالهم نصيبهم في الآخرة بأعمالهم التي عملوا وسلفوا في الدنيا). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 228]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}.
يقول تعالى ذكره: فمن أخطأ فعلاً، وأجهل قولاً، وأبعد ذهابًا عن الحقّ والصّواب {ممّن افترى على اللّه كذبًا} يقول: ممّن اختلق على اللّه زورًا من القول، فقال إذا فعل فاحشةً: إنّ اللّه أمرنا بها. {أو كذّب بآياته} يقول: أو كذّب بأدلّته وأعلامه الدّالّة على وحدانيّته ونبوّة أنبيائه، فجحد حقيقتها ودافع صحّتها. {أولئك}، يقول: من فعل ذلك فافترى على اللّه الكذب وكذّب بآياته، {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، يقول: يصل إليهم حظّهم ممّا كتب اللّه لهم في اللّوح المحفوظ.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في صفة ذلك النّصيب الّذي لهم في الكتاب وما هو، فقال بعضهم: هو عذاب اللّه الّذي أعدّه لأهل الكفر به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا مروانٌ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ، قوله: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}: أي من العذاب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو أسامة، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ، مثله.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، يقول: ما كتب لهم من العذاب.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن كثير بن زيادٍ، عن الحسن، في قوله: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، قال: من العذاب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو معاوية، عن جويبرٍ، عن أبي سهلٍ، عن الحسن قال: من العذاب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن رجلٍ، عن الحسن قال: من العذاب.
وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم ممّا سبق لهم من الشّقاء والسّعادة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن سعيدٍ: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ قال: من الشّقوة والسّعادة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}: كشقيٍّ وسعيدٍ.
- حدّثنا واصل بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، عن الحسن بن عمرٍو الفقيميّ، عن الحكم، قال: سمعت مجاهدًا، يقول: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، قال: هو ما سبق.
- حدّثنا المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}: ما كتب لهم من الشّقاوة والسّعادة.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا سويدٌ قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شبلٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ينالهم نصيبهم من الكتاب}: ما كتب عليهم من الشّقاوة والسّعادة، كشقيٍّ وسعيدٍ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شريكٍ، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}: من الشّقاوة والسّعادة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا ابن نميرٍ وابن إدريس، عن الحسن بن عمرٍو، عن الحكم، عن مجاهدٍ: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، قال: ما قد سبق من الكتاب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حميد بن عبد الرّحمن، عن فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، قال: ما سبق لهم في الكتاب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا سويد بن عمرٍو ويحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ: {أولئك ينالهم نصيبهم}، قال: من الشّقاوة والسّعادة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: ما قضي أو قدّر عليهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {ينالهم نصيبهم من الكتاب}: ينالهم الّذي كتب عليهم من الأعمال.
- حدّثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: حدّثنا مروان بن معاوية، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن بكرٍ الطّويل، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، قال: قومٌ يعملون أعمالاً لا بدّ لهم أن يعملوها.
- حدّثنا عمرو بن عبد الحميد قال: حدّثنا مروان بن معاوية، عن الحسن بن عمرٍو، عن الحكم، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ قال: ينالهم ما سبق لهم في الكتاب.
وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من كتابهم الّذي كتب لهم أو عليهم بأعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا من خيرٍ وشرٍّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، يقول: نصيبهم من الأعمال، من عمل خيرًا جزي به، ومن عمل شرًّا جزي به.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، قال: من أحكام الكتاب على قدر أعمالهم.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، قال: ينالهم نصيبهم في الآخرة من أعمالهم الّتي عملوا وأسلفوا.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة، قوله: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}: أي أعمالهم، أعمال السّوء الّتي عملوها وأسلفوها.
- حدّثني أحمد بن المقدام قال: حدّثنا المعتمر قال: قال أبي: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب} زعم قتادة: من أعمالهم الّتي عملوا.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك، قوله: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، يقول: ينالهم نصيبهم من العمل، يقول: إن عمل من ذلك نصيب خيرٍ جزي خيرًا، وإن عمل شرًّا جزي مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك: ينالهم نصيبهم ممّا وعدوا في الكتاب من خيرٍ أو شرٍّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا زيد بن أبي الزّرقاء، عن سفيان، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، في هذه الآية: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ قال: من الخير والشّرّ.
- حدّثنا عليّ، قال: حدّثنا زيدٌ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، قال: ما وعدوا.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، قال: ما وعدوا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ قال: ما وعدوا فيه من خيرٍ أو شرٍّ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، قال: ما وعدوا فيه من خيرٍ أو شرٍّ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو نعيمٍ قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، قال: ما وعدوا فيه.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، قال: ما وعدوا من خيرٍ أو شرٍّ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: ما وعدوا فيه من خيرٍ أو شرٍّ.
وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب الّذي كتبه اللّه على ما افترى عليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، يقول: ينالهم ما كتب عليهم، يقول: قد كتب لمن يفتري على اللّه أنّ وجهه مسودٌّ.
وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم ممّا كتب لهم من الرّزق والعمر والعمل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}: ممّا كتب لهم من الرّزق.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا محمّد بن حربٍ، عن ابن لهيعة، عن أبي صخرٍ، عن القرظيّ: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، قال: عمله ورزقه وعمره.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، قال: من الأعمال والأرزاق والأعمال، فإذا فني هذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم وقد فرغوا من هذه الأشياء كلّها.
وأولى هذه الأقوال عندي بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ممّا كتب لهم من خيرٍ وشرٍّ في الدّنيا ورزقٍ وعملٍ وأجلٍ. وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه أتبع ذلك قوله: {حتّى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون اللّه}، فأبان بإتباعه ذلك قوله: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، أنّ الّذي ينالهم من ذلك إنّما هو ما كان مقضيًّا عليهم في الدّنيا أن ينالهم، لأنّه قد أخبر أنّ ذلك ينالهم إلى وقت مجيئهم رسله لتقبض أرواحهم. ولو كان ذلك نصيبهم من الكتاب أو ممّا قد أعدّ لهم في الآخرة، لم يكن محدودًا بأنّه ينالهم إلى مجيء رسل اللّه لو فاتهم، لأنّ رسل اللّه لا تجيئهم للوفاة في الآخرة، وأنّ عذابهم في الآخرة لا آخر له ولا انقضاء فإنّ اللّه قد قضى عليهم بالخلود فيه، فبيّن بذلك أنّ معناه ما اخترنا من القول فيه.
القول في تأويل قوله تعالى: {حتّى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون اللّه قالوا ضلّوا عنّا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {حتّى إذا جاءتهم رسلنا}: إلى أن جاءتهم رسلنا، يقول جلّ ثناؤه: وهؤلاء الّذين افتروا على اللّه الكذب أو كذّبوا بآيات ربّهم، ينالهم حظوظهم الّتي كتب اللّه لهم وسبق في علمه لهم من رزقٍ وعملٍ وأجلٍ وخيرٍ وشرٍّ في الدّنيا، إلى أن تأتيهم رسلنا لقبض أرواحهم. ف {إذا جاءتهم رسلنا}: يعني ملك الموت وجنده. {يتوفّونهم}؛ يقول: يستوفون عددهم من الدّنيا إلى الآخرة. {قالوا أين ما كنتم تدعون من دون اللّه}، يقول: قالت الرّسل: أين الّذين كنتم تدعونهم أولياء من دون اللّه وتعبدونهم، لا يدفعون عنكم ما قد جاءكم من أمر اللّه الّذي هو خالقكم وخالقهم وما قد نزل بساحتكم من عظيم البلاء، وهلاّ يغيثونكم من كرب ما أنتم فيه فينقذونكم منه، فأجابهم الأشقياء، فقالوا: ضلّ عنّا أولياؤنا الّذين كنّا ندعو من دون اللّه، يعني بقوله: {ضلّوا}: جاروا وأخذوا غير طريقنا وتركونا عند حاجتنا إليهم فلم ينفعونا. يقول اللّه جلّ ثناؤه: وشهد القوم حينئذٍ على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين باللّه جاحدين وحدانيّته). [جامع البيان: 10/ 167-176]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتّى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون اللّه قالوا ضلّوا عنّا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين (37) }
قوله تعالى: {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا}
- حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر العدنيّ، ثنا الحكم ابن أبان، عن عكرمة قال: قال النّضر وهو من بني عبد الدّار: إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات، فأنزل اللّه تعالى: {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا}؛ أو كذّب بآياته.
قوله تعالى: {أولئك ينالهم نصيبهم}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا ابن نميرٍ ثنا الحسن بن عمرٍو الفقيميّ عن الحكم عن مجاهدٍ: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ قال: ما سبق من الكتاب.
قوله تعالى: {من الكتاب}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ يقول: نصيبهم من الأعمال، من عمل خيرًا جزي به، ومن عمل شرًّا جزي به.
- وحدّثنا أبي ثنا سهل بن عثمان، ثنا المحاربيّ ثنا إسماعيل بن سميعٍ عن بكير الطّويل أنّ مجاهدًا حدّثه أنّه سمع ابن عبّاسٍ، يقول: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، قال: قوم يعملون أعمالا لا بد لهم أن يعملوها.
- حدّثنا حميد بن عيّاشٍ الرّمليّ، ثنا المؤمّل بن إسماعيل ثنا سفيان عن جابرٍ عن مجاهدٍ: عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، قال: ما قدّر لهم من خير وشرٍّ.
وروي عن سعيد بن جبيرٍ والحسن قالا: ما كتب عليهم من الشّقاء والسّعادة.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن عن سفيان، عن منصورٍ عن مجاهدٍ: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ قال: ما وعدوا.
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا أبو عامرٍ، ثنا حاتم بن إسماعيل عن حميدٍ الخرّاط، يعني أبا صخرٍ، عن محمّد بن كعبٍ: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}، قال: رزقه وأجله وعمله.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو نعيمٍ عن أبي إسرائيل الملائيّ عن عطيّة: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ قال: كتاب الصّادق. وقال غير أبي سعيدٍ: الكتاب السّابق.
- حدّثنا أبو سعيدٍ ثنا أبو أسامة، عن إسماعيل عن أبي صالحٍ:
{أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ قال: من العذاب.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنا معمرٌ، عن قتادة:
{أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: ينالهم نصيبهم في الآخرة من أعمالهم الّتي عملوا وأسلفوا في الدّنيا.
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ ينالهم نصيبهم ممّا كتب لهم من الرّزق.
قوله تعالى: {حتّى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم}
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ عن سفيان عن منصورٍ عن إبراهيم قال: الرّسل تتوفّى الأنفس، ثمّ يذهب بها ملك الموت). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1473-1474]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: {وينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ قال: من الشقاء والسعادة مثل قوله فمنهم شقي وسعيد). [تفسير مجاهد: 235-236]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج الفريابي، وابن جرير وأبو الشيخ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ قال: ما قدر لهم من خير وشر.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ قال: من الأعمال من عمل خيرا جزى به ومن عمل شرا جزى به.
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {ونصيبهم من الكتاب}؛ قال: ما كتب عليهم من الشقاء والسعادة
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ قال: قوم يعملون أعمالا لا بد لهم أن يعملوها.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ قال: ما سبق من الكتاب.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {نصيبهم من الكتاب}؛ قال: ما وعدوا فيه من خير أو شر.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ قال: رزقه وأجله وعمله.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي صالح في قوله: {نصيبهم من الكتاب}؛ قال: من العذاب.
- وأخرج عبد بن حميد عن الحسن، مثله
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله: {ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ قال: مما كتب لهم من الرزق). [الدر المنثور: 6/ 381-383]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38)}

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {ادّاركوا}: اجتمعوا). [صحيح البخاري: 6/ 58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {ادّاركوا}؛ اجتمعوا هو كلام أبي عبيدة وزاد ويقال تدارك لي عليه شيءٌ أي اجتمع والتّاء مدغمةٌ في الدّال انتهى وهي قراءة الجمهور والأصل تداركوا وقد قرأ بها الأعمش ورويت عن أبي عمرو بن العلاء أيضًا). [فتح الباري: 8/ 299]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({ادّاركوا}؛ اجتمعوا
أشار به إلى قوله تعالى: {كلما دخلت أمة لعنت أختها حتّى إذا داركوا فيها جميعًا} وفسّر لفظ أداركوا بقوله: اجتمعوا وقال مقاتل: كلما دخل أهل ملّة النّار لعنوا أهل ملتهم فيلعن اليهود اليهود والنّصارى النّصارى والمجوس المجوس، والمراد بالأخت أخوة الدّين والملّة لا أخوة النّسب. قوله: {حتّى إذا أداركوا فيها}، أي: حتّى إذا اتداركوا فيها وتلاحقوا به واجتمعوا فيها. أي: في النّار. قلت: أصل اداركوا اتداركوا فقلبت التّاء دالا وأدغمت الدّال في الدّال وقرأ الأعمش حتّى إذا تداركوا روي عن أبي عمرو بن العلاء كذلك). [عمدة القاري: 18/ 233-234]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله تعالى: حتى إذا {ادّاركوا} أي (اجتمعوا) فيها جميعًا). [إرشاد الساري: 7/ 125]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال ادخلوا في أممٍ قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس في النّار كلّما دخلت أمّةٌ لعنت أختها}.
وهذا خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن قيله لهؤلاء المفترين عليه المكذّبين آياته يوم القيامة، يقول تعالى ذكره: قال لهم حين وردوا عليه يوم القيامة: ادخلوا أيّها المفترون على ربّكم المكذّبون رسله في جماعاتٍ من ضربائكم، {قد خلت من قبلكم}؛ يقول: قد سلفت من قبلكم من الجنّ والإنس في النّار.
ومعنى ذلك: ادخلوا في أممٍ هي في النّار قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس. وإنّما يعني بالأمم: الأحزاب وأهل الملل الكافرة. {كلّما دخلت أمّةٌ لعنت أختها}؛ يقول جلّ ثناؤه: كلّما دخلت النّار جماعةٌ من أهل ملّةٍ لعنت أختها، يقول: شتمت الجماعة الأخرى من أهل ملّتها تبرّيًا منها.
وإنّما عنى بالأخت: الأخوة في الدّين والملّة، وقيل (أختها) ولم يقل (أخاها)، لأنّه عنى بها أمّةً وجماعةً أخرى، كأنّه قيل: كلّما دخلت أمّةٌ لعنت أمّةً أخرى من أهل ملّتها ودينها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {كلّما دخلت أمّةٌ لعنت أختها}؛ يقول: كلّما دخلت أهل ملّةٍ لعنوا أصحابهم على ذلك الدّين، يلعن المشركون المشركين، واليهود اليهود، والنّصارى النّصارى، والصّابئون الصّابئين، والمجوس المجوس، تلعن الآخرة الأولى.
القول في تأويل قوله تعالى: {حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعًا}.
يقول تعالى ذكره: حتّى إذا تداركت الأمم في النّار جميعًا، يعني: اجتمعت فيها، يقال: قد ادّاركوا وتداركوا: إذا اجتمعوا.
يقول: اجتمع فيها الأوّلون من أهل الملل الكافرة والآخرون منهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {قالت أخراهم لأولاهم ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النّار قال لكلٍّ ضعفٌ ولكن لاّ تعلمون}.
وهذا خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن محاورة الأحزاب من أهل الملل الكافرة في النّار يوم القيامة، يقول اللّه تعالى ذكره: فإذا اجتمع أهل الملل الكافرة في النّار فادّاركوا، قالت أخرى أهل كلّ ملّةٍ دخلت النّار الّذين كانوا في الدّنيا بعد أولى منهم تقدّمتها وكانت لها سلفًا وإمامًا في الضّلالة والكفر لأولاها الّذين كانوا قبلهم في الدّنيا: ربّنا هؤلاء أضلّونا عن سبيلك ودعونا إلى عبادة غيرك وزيّنوا لنا طاعة الشّيطان، فآتهم اليوم من عذابك الضّعف على عذابنا.
- كما حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قالت أخراهم الّذين كانوا في آخر الزّمان لأولاهم الّذين شرعوا لهم ذلك الدّين: {ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النّار}.
وأمّا قوله: {قال لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون}، فإنّه خبرٌ من اللّه عن جوابه لهم يقول: قال اللّه للّذين يدعونه فيقولون: ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النّار: لكلّكم، أوّلكم وآخركم، وتابعوكم ومتّبعوكم ضعفٌ، يقول: مكرّرٌ عليه العذاب.
وضعف الشّيء: مثله مرّةً.
وكان مجاهدٌ يقول في ذلك ما:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {عذابًا ضعفًا من النّار قال لكلٍّ ضعفٌ}.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال اللّه: {لكلٍّ ضعفٌ}: للأولى وللآخرة ضعفٌ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثني غير واحدٍ، عن السّدّيّ، عن مرّة، عن عبد اللّه: {ضعفًا من النّار}؛ قال: أفاعي.
- حدّثني الحرث قال: حدّثنا عبد العزيز قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، عن مرّة، عن عبد اللّه: {فآتهم عذابًا ضعفًا من النّار}؛ قال: حيّاتٌ وأفاعي.
وقيل: إنّ الضّعف في كلام العرب ما كان ضعفين، والمضاعف ما كان أكثر من ذلك.
وقوله: {ولكن لا تعلمون}؛ يقول: ولكنّكم يا معشر أهل النّار لا تعلمون ما قدر ما أعدّ اللّه لكم من العذاب، فلذلك تسأل الضّعف منه الأمّة الكافرة الأخرى لأختها الأولى). [جامع البيان: 10/ 176-179]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قال ادخلوا في أممٍ قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس في النّار كلّما دخلت أمّةٌ لعنت أختها حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعًا قالت أخراهم لأولاهم ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النّار قال لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون (38)}
قوله تعالى: {قال ادخلوا في أممٍ قد خلت من قبلكم}
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباط بن نصرٍ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ: قوله: {قد خلت}؛ يعني قد مضت.
قوله تعالى: {كلّما دخلت أمّةٌ}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله: {كلّما دخلت أمّةٌ}؛ قال: كلّما دخلت أهل ملّةٍ.
قوله تعالى: {لعنت أختها}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله: {لعنت أختها}؛ يقول: كلّما دخلت أهل ملّةٍ لعنوا أصحابهم على ذلك الدّين يلعن المشركون المشركين، واليهود اليهود، والنّصارى النّصارى، والصّابئون الصّابئين، والمجوس المجوس، تلعن الآخرة الأولى.
قوله: {حتّى إذا ادّاركوا ... الآية}
- وبه عن السّدّيّ: قوله: {حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعًا}؛ قالت: أخراهم الّذين كانوا في آخر الزّمان لأولاهم الّذين شرعوا لهم ذلك الدّين: ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النّار.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن بشّارٍ ومحمّد بن المثنّى قالا: ثنا عبد الملك المسمعيّ، ثنا عمران بن حديرٍ عن أبي مجلزٍ في هذه الآية: قالت أخراهم لأولاهم ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النّار وقالت أولاهم لأخراهم قد بيّن لكم ما صنع بنا وحذّرتم فما فضّلكم علينا.
قوله تعالى: {عذابًا ضعفًا من النّار}
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ، أنبأ حجّاجٌ عن ابن جريجٍ عن مجاهدٍ: {عذابًا ضعفًا}؛ قال: مضاعفا.
قوله تعالى: {قال لكلٍّ ضعفٌ}
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: {لكل ضعفٌ مضاعفٌ}.
- أخبرنا أحمد بن عثمان فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله:{ ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النّار} قال اللّه تعالى: لكلٍّ ضعفٌ للأولى والآخرة ضعفٌ). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1475-1476]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لكل ضعف يعني مضاعفا من العذاب). [تفسير مجاهد: 236]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {قد خلت} قال: قد مضت، {كلما دخلت أمة لعنت أختها} قال: كلما دخلت أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك الدين يلعن المشركون المشركين واليهود اليهود والنصارى النصارى والصابئون الصابئين والمجوس المجوس تلعن الآخرة الأولى، {حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم} الذين كانوا في آخر الزمان، {لأولاهم} الذين شرعوا لهم ذلك الدين، {ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا} للأولى والآخرة، {وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل} وقد ضللتم كما ضللنا.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {عذابا ضعفا}؛ قال: مضاعفا، {قال لكل ضعف} قال: مضاعف وفي قوله: {فما كان لكم علينا من فضل} قال: تخفيف من العذاب). [الدر المنثور: 6/ 383]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: قال الحسن: الجن لا يموتون، فقلت له: ألم يقل الله: {في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس} وإنما يكون ما خلا ما قد ذهب، والله تعالى أعلم). [الدر المنثور: 6/ 384]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضلٍ فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون}.
يقول جلّ ثناؤه: وقالت أولى كلّ أمّةٍ وملّةٍ سبقت في الدّنيا لأخراها الّذين جاءوا من بعدهم وحدثوا بعد زمانهم فيها، فسلكوا سبيلهم واستنّوا سنّتهم: {فما كان لكم علينا من فضلٍ} وقد علمتم ما حلّ بنا من عقوبة اللّه بمعصيتنا إيّاه وكفرنا به، وجاءتنا وجاءتكم بذلك الرّسل والنّذر، هل انتهيتم إلى طاعة اللّه، وارتدعتم عن غوايتكم وضلالتكم؟ فانقضت حجّة القوم وخصموا ولم يطيقوا جوابًا بأن يقولوا فضلنا عليكم أنّا اعتبرنا بكم فآمنّا باللّه وصدّقنا رسله، قال اللّه لجميعهم: فذوقوا جميعكم أيّها الكفرة عذاب جهنّم بما كنتم في الدّنيا تكسبون من الآثام والمعاصي، وتجترحون من الذّنوب والأجرام.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر، قال: سمعت عمران، عن أبي مجلزٍ: {وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضلٍ فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون}، قال: يقول: فما فضلكم علينا، وقد بيّن لكم ما صنع بنا، وحذّرتم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضلٍ} فقد ضللتم كما ضللنا.
وكان مجاهدٌ يقول في هذا بما:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فما كان لكم علينا من فضلٍ} قال: من التّخفيف من العذاب.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فما كان لكم علينا من فضلٍ} قال: من تخفيفٍ.
وهذا القول الّذي ذكرناه عن مجاهدٍ قولٌ لا معنى له، لأنّ قول القائلين: {فما كان لكم علينا من فضلٍ}، لمن قالوا ذلك، إنّما هو توبيخٌ منهم على ما سلف منهم قبل تلك الحال، يدلّ على ذلك دخول كان في الكلام، ولو كان ذلك منهم توبيخًا لهم على قيلهم الّذي قالوا لربّهم: {فآتهم عذابًا ضعفًا من النّار}، لكان التّوبيخ أن يقال: فما لكم علينا من فضلٍ في تخفيف العذاب عنكم وقد نالكم من العذاب ما قد نالنا، ولم يقل: {فما كان لكم علينا من فضلٍ}). [جامع البيان: 10/ 180-181]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضلٍ فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون (39)}
قوله تعالى: {وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضلٍ}
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن: أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: {فما كان لكم علينا من فضلٍ}؛ تخفيف العذاب.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله:{ وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضلٍ}، وقد ضللتم كما ضللنا.
قوله تعالى: {فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون}
- ذكره أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى الصّنعانيّ، ثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت عمران بن حديرٍ عن أبي مجلزٍ في هذه الآية: فما كان لكم علينا من فضلٍ فذوقوا العذاب قال: يقول: فما فضّلكم علينا وقد تبيّن لكم ما صنع بنا وحذّرتم). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1476]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، في قوله: {ما كان لكم علينا من فضل}؛ يعني من تخفيف العذاب).[تفسير مجاهد: 236]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مجلز في قوله: {وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل} يقول: قد بين لكم ما صنع بنا من العذاب حين عصينا وحذرتم فما فضلكم علينا). [الدر المنثور: 6/ 384]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 12:08 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{ يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)}


تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)}

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسلٌ مّنكم يقصّون عليكم آياتي فمن اتّقى وأصلح فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}
وقال: {يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسلٌ مّنكم يقصّون عليكم آياتي فمن اتّقى وأصلح فلا خوفٌ عليهم} كان كأنّه قال فأطيعوهم). [معاني القرآن: 2/ 5]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسل منكم يقصّون عليكم آياتي فمن اتّقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (35)}
آدم لا ينصرف لأنه على قدر أفعل وهو معرفة، وهو مشتق من أدمة الأرض، وهو وجهها، فسمي بما خلق منه،، اللّه عزّ وجلّ أعلم.
وقوله: {إمّا يأتينّكم رسل منكم}؛
هذه " إن " التي للجزاء، ضمّت إليها ما.
والأصل في اللفظ " إن ما " مفصولة، ولكنها مدغمة، وكتبت على الإدغام، فإذا ضمّت إن إلى ما، لزم الفعل النون الثقيلة أو الخفيفة، وجواب الجزاء في الفاء أي" في قوله: {فمن اتقى وأصلح}.
فإنما تلزم " ما " النون لأن ما تدخل مؤكدة فتلزمها النون كما تلزم اللام النون في القسم إذا قلت: واللّه لتفعلنّ، فما توكيد، كما أن اللام توكيد.
فلزمت النون كما لزمت لام القسم). [معاني القرآن: 2/ 334]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)}

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أولئك ينالهم نصيبهم مّن الكتاب...}
يقال: ينالهم ما قضى الله عليهم في الكتاب من سواد الوجوه وزرقة الأعين. وهو قوله: {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة} ويقال هو ما ينالهم في الدنيا من العذاب دون عذاب الآخرة، فيكون من قوله: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر} ). [معاني القرآن: 1/ 379]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب} أي حظهم مما كتب عليهم من العقوبة). [تفسير غريب القرآن: 167]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبا أو كذّب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتّى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون اللّه قالوا ضلّوا عنّا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين (37)}
؛أيّ ظلم أشنع من الكذب على الله؟؟!!!
وقوله: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛
أي ما أخبر الله جلّ ثناؤه عن جزائهم نحو قوله: {فأنذرتكم نارا تلظّى (14)}.
ونحو قوله: {يسلكه عذابا صعدا}
ونحو قوله: {إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار}.
ونحو: {إذ الأغلال في أعناقهم والسّلاسل يسحبون (71) في الحميم} ، فهذه أنصبتهم من الكتاب على قدر ذنوبهم في كفرهم.
{حتّى إذا جاءتهم رسلنا}.
زعم سيبويه - والخليل - أن " حتّى " و " إمّا " و " إلّا " لا تجوز فيهن الإمالة. لا يجيز: {حتى إذا جاءتهم} ولا يجيز " أمّا "، ولا " لا إله إلّا اللّه "، هذا لحن كله، وزعم أن هذه ألفات الفتح لأنّها أواخر حروف جاءت لمعنى، ففصل بينها وبين أواخر الأسماء التي فيها الألف نحو حبلى وهدى، إلا أن حتى كتبت بالياء، لأنها على أربعة أحرف، فأشبهت سكرى.
و " إمّا " التي للتخيير شبهت بأن التي ضمت إليها " ما " مثل قوله: {إمّا أن تعذّب وإمّا أن تتّخذ فيهم حسنا}.
كتبت بالألف لما وصفنا، و " إلا " أيضا كتبت بالألف أنها لو كتبت بالياء لأشبهت إلى.
وقوله: {حتّى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم}.
فيه - واللّه أعلم - وجهان:
يكون: حتى إذا جاءتهم ملائكة الموت يتوفونهم سألوهم عند المعاينة.
فيعرفون عند موتهم أنهم كانوا كافرين، لأنهم {قالوا أين ما كنتم تدعون من دون اللّه قالوا ضلّوا عنّا}؛ أي بطلوا وذهبوا.
ويجوز - واللّه أعلم - أن يكون: - حتى إذا جاءتهم رسلنا ملائكة العذاب يتوفونهم، فيكون {يتوفونهم} في هذا الموضع على ضربين:
- أحدهما يتوفونهم عذابا، وهذا كما تقول: قد قتلت فلانا بالعذاب وإن لم يمت.
ودليل هذا القول قوله عز وجلّ: {ويأتيه الموت من كلّ مكان وما هو بميّت}.
وجائز وهو أضعف الوجهين أنهم يتوفون عدّتهم واللّه أعلم). [معاني القرآن: 2/ 334-336]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله عز وجل: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته}
المعنى: أي ظلم أشنع من الافتراء على الله والتكذيب بآياته
ثم قال جل وعز: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}
- روى جابر عن مجاهد عن ابن عباس قال ما قدر لهم من خير وشر .
- وروى شريك عن سالم عن سعيد بن جبير أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال من الشقوة والسعادة .
- وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال ما وعدوا فيه من خير وشر.
ومعنى هذا القول: أنهم ينالهم نصيبهم من العذاب على قدر .
كفرهم نحو قوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به}.
و إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار .
وقال جل وعز: {يسلكه عذابا صعدا}
وكذلك قال الضحاك معناه ينالهم نصيبهم من العذاب.
ثم قال جل وعز: {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم}
قيل أعوان ملك الموت لما جاءوهم أقروا أنهم كانوا كافرين.
وقيل ملائكة العذاب.
ومعنى يتوفونهم على هذا يتوفونهم عذابا كما تقول قتلته بالعذاب.
ويجوز أن يكون من استيفاء العدد). [معاني القرآن: 3/ 30-32]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( { يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الْكِتَابِ} أي حظهم مما كتب الله عليهم من العقوبة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 84]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كلّما دخلت أمّةٌ لّعنت أختها...}
يقول: التي سبقتها، وهي أختها في دينها لا في النسب. وما كان من قوله: {وإلى مدين أخاهم شعيبا} فليس بأخيهم في دينهم ولكنه منهم). [معاني القرآن: 1/ 379]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعاً} أي اجتمعوا فيها، ويقال تدارك لي عليه شئ أي اجتمع لي عنده شئ، وهو مدغم التاء في الدال فثقّلت الدال.
{عذاباً ضعفاً} أي عذابين مضعف فصار شيئين). [مجاز القرآن: 1/ 214]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة العامة {حتى إذا اداركوا فيها} تذهب الألف إذا التقى ساكنان.
وقراءة أبي عمرو بن العلاء "حتى إذآ اداركوا" يثبت ألف "إذا"؛ وقوله عز وجل {قالوا اطيرنا} يثبت واو "قالوا"؛ وذلك ليس بالسهل في اللغة؛ لأنه يجمع بين ساكنين من حرفين منفصلين، وإن كان أحدهما مثقلاً، فليس كدابة وشابة؛ لأن المثقل هاهنا في كلمة واحدة؛ و{حتى إذا اداركوا} كلمتان منفصلتان.
وقد حكي عن بعضهم: "هذان عبدا الله"؛ فأثبت الألف على مثل قراءة أبي عمرو؛ وحكي أيضًا: "له ثلثآ المال" بإثبات الألف؛ وهذا أشد؛ لأنه غير مثقل؛ و{حتى إذا اداركوا} مثقل.
وقولهم أيضًا: "يآ لله" بحذف الألف من الاسم، وإثبات ألف "يا"؛ فجمع بين ساكنين؛ وقد قالوا أيضًا: "يآ ألله" بإثبات الألف والهمزة جميعًا؛ وقالوا أيضًا: "يالله" بحذفهما جميعًا؛ وهو القياس الذي عليه الكلام.
وأما {اداركوا} فقالوا: تدارك لي شيء تداركًا؛ أي اجتمع؛ فيصير معنى: "اداركوا" فقالوا فيها: أدرك بعضهم بعضًا، فاجتمعوا فيها). [معاني القرآن لقطرب: 563]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {حتى إذا اداركوا}: اجتمعوا يقال تدارك لي عليه شيء إذا اجتمع). [غريب القرآن وتفسيره: 145]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ادخلوا في أممٍ قد خلت من قبلكم} أي ادخلوا مع أمم.
{حتّى إذا ادّاركوا فيها} تداركوا. أدغمت التاء في الدال. وأدخلت الألف ليسلم السكون لما بعدها. يريد: تتابعوا فيها واجتمعوا). [تفسير غريب القرآن: 167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل: 65، 66].
أصل ادّارك: تدارك، فأدغمت التاء في الدال، وأدخلت ألف الوصل ليسلم للدّال الأولى السكون، ومثله: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا} [الأعراف: 38] و{اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} [التوبة: 38]، و{قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ} [النمل: 47]، إنما هو: تداركوا، وتثاقلتم، وتطيّرنا.
ومعنى تدارك: تتابع، وعلمهم: حكمهم على الآخرة، وحدسهم الظّنون.
وأراد وما يشعرون متى يبعثون إلّا بتتابع الظّنون في علم الآخرة، فهم يقولون تارة: إنها تكون، وتارة: إنها لا تكون، وإلى كذا تكون، وما يعلم غيب ذلك إلّا الله تعالى.
ثم قال: بل هم في شكٍّ منها بل هم من علمها عمون.
وكان ابن عباس يقرؤها بلى أدارك علمهم.
[تأويل مشكل القرآن: 354]
وهذه القراءة أشدّ إيضاحا للمعنى، لأنه قال: وما يشعرون متى يبعثون، ثم قال: بل تداركت ظنونهم في علم الآخرة، فهم يحدسون ولا يدرون). [تأويل مشكل القرآن:354- 355] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس في النّار كلّما دخلت أمّة لعنت أختها حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابا ضعفا من النّار قال لكلّ ضعف ولكن لا تعلمون (38)}
{كلّما دخلت أمّة لعنت أختها}؛
لأنهم ضل بعضهم باتباع بعض.
{حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعا}؛
أي تداركوا، وأدغمت التاء في الدال، فإذا وقفت على قوله " حتى إذا " لم تبتدئ حتى تأتي بألف الوصل، فتقول: ادّاركوا فتأتي بألف الوصل لسكون الدال فيها.

ومعنى تداركوا؛ اجتمعوا.
وقوله " (جميعا) منصوب على الحال، المعنى حتى إذا تداركوا فيها مجتمعين.
{قالت أخراهم لأولاهم ربّنا هؤلاء أضلّونا}؛
أي قالت أخراهم: دعتهم أولاهم فاتبع الآخر - الأول. فأعلم التابعون أن المتبوعين أضلّوهم بأن دعوهم إلى الضلال، والمعنى قالت أخراهم يا ربنا هؤلاء أضلونا، لأولاهم، تعني أولاهم.
وقوله: {فآتهم عذابا ضعفا من النّار}
أي عذابا مضاعفا لأن الضعف في كلام العرب على ضربين أحدهما المثل، والآخر أن يكون في معنى تضعيف الشيء.
{قال لكلّ ضعف}؛
أي للتابع والمتبوع لأنهم قد دخلوا في الكفر جميعا، أي لكل عذاب مضاعف، فمن قرأ: (ولكن لا تعلمون) بالتاء.
أي ولكن لا تعلمون أيها المخاطبون ما لكل فريق منكم من العذاب.
ومن قرأ (ولكن لا يعلمون) - بالياء، أي ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر.
ويجوز - واللّه أعلم - ولكن لا تعلمون يا أهل الدنيا مقدار ذلك). [معاني القرآن: 2/ 336-337]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم}
قيل معنى في معنى مع وهذا لا يمتنع لأن قولك زيد في القوم معناه مع القوم وتجوز أن تكون في على بابها
وقال الأصمعي في قول امرئ القيس:
هل ينعمن من كان آخر عهده ....... ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
معنى في معنى مع
وقوله جل وعز: {حتى إذا اداركوا فيها}.
أي تتابعوا واجتمعوا
{قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا}؛
المعنى قالت أخراهم يا ربنا هؤلاء أضلونا لأولاهم أي يعني أولاهم.
وقوله جل وعز: {قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون}؛
يجوز أن يكون المعنى ولكن لا تعلمون يا أهل الدنيا مقدار ما هم فيه من العذاب.
ويجوز أن يكون المعنى لا تعلمون أيها المخاطبون.
ومن قرأ ولكن لا يعلمون فمعناه عنده ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر). [معاني القرآن: 3/ 32-33]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( و{ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} أي مع الأمم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 84]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ادَّارَكُوا}: اجتمعوا). [العمدة في غريب القرآن: 134]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)}

قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {وقالت أولاهم لأخراهم}؛ أي لآخرهم، وجئت في أخرى القوم؛ أي آخرهم). [معاني القرآن لقطرب: 586]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل}
قال مجاهد: أي من تخفيف العذاب.
وقال السدي: قد ضللتم كما ضللنا.
وقوله جل وعز: {لا تفتح لهم أبواب السماء}
قيل يعني أبواب الجنة لأن الجنة في السماء.
وأحسن ما قيل في هذا ما رواه سفيان عن منصور عن مجاهد قال لا تفتح أبواب السماء لكلامهم ولا لعملهم ويدل على صحة هذا القول قوله جل وعز: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}
وفي هذا حديث مسند رواه المنهال عن زاذان عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم إن العبد الكافر أو المنافق إذا خرجت نفسه أخذتها الملائكة حتى تنتهي إلى سماء الدنيا يفوح منها كأنتن ريح جيفة كانت على وجه الأرض فيستفتح له فلا يفتح ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفتح لهم أبواب السماء فيقول الله اجعلوا كتابه في سجين وأعيدوه إلى الأرض فتطرح طرحا ثم قرأ عليه السلام: ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء). [معاني القرآن: 3/ 34-35]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 11:47 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) }

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) }

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) }

تفسير قوله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) }

قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ودرأه يريد خلافه ومدافعته وقد تدارأ القوم في الأمر تدافعوا واختلفوا. ومنه قول الله عز وجل: {فادارأتم} بمعنى: تدارأتم فأدغم ومثله قوله جل وعلا: {حتى إذا اداركوا فيها جميعًا}. من دارأته: فهذا من المهموز ومن المداراة غير مهموز تقول داريته). [شرح المفضليات: 732] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 11:24 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 11:24 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 11:24 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 11:24 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري


تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يا بني آدم ... الآية}، الخطاب في هذه الآية لجميع العالم. و «إن» الشرطية دخلت عليها «ما» مؤكدة. ولذلك جاز دخول النون الثقيلة على الفعل، وإذا لم تكن «ما» لم يجز دخول النون الثقيلة. وقرأ أبي بن كعب والأعرج «تأتينكم» على لفظ الرسل. «وجاء يقصون» على المعنى. وكأنه هذا الخطاب لجميع الأمم قديمها وحديثها هو متمكن لهم ومتحصل منه لحاضري محمد عليه السلام أن هذا حكم الله في العالم منذ أنشأه. ويأتينّكم مستقبل وضع موضع ماض ليفهم أن الإتيان باق وقت الخطاب لتقوى الإشارة بصحة النبوة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا على مراعاة وقت نزول الآية.
وأسند الطبري إلى أبي سيار السلمي، قال: إن الله تعالى جعل آدم وذريته في كفه، فقال: يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسلٌ منكم الآية، قال: ثم نظر إلى الرسل، فقال: {يا أيّها الرّسل كلوا من الطّيّبات واعملوا صالحاً إنّي بما تعملون عليمٌ وإنّ هذه أمّتكم أمّةً واحدةً وأنا ربّكم فاتّقون} [المؤمنون: 52] ثم بثهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا محالة أن هذه المخاطبة في الأزل وقيل المراد بالرسل محمد عليه السلام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: من حيث لا نبي بعده، فكأن المخاطبين هم المراد ببني آدم لا غير، إذ غيرهم لم ينله الخطاب، ذكره النقاش. ويقصّون معناه يسردون ويوردون. و «الآيات» لفظ جامع لآيات الكتب المنزلة وللعلامات التي تقترن بالأنبياء، وقوله: فمن اتّقى وأصلح يصح أن تكون «من» شرطية وجوابه فلا خوفٌ عليهم وهذه الجملة هي في جواب الشرط الأول الذي هو إمّا يأتينّكم. ويصح أن تكون «من» في قوله: فمن اتّقى موصولة، وكأنه قصد بالكلام تقسيم الناس فجعل القسم الأول: فمن اتّقى. والقسم الثاني: والّذين كذّبوا بآياتنا. وجاء هذا التقسيم بجملته جوابا للشرط في قوله إمّا يأتينّكم. فكأنه قال: إن أتتكم رسل فالمتقون لا خوف عليهم، والمكذبون أصحاب النار، أي هذا هو الثمرة وفائدة الرسالة: {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذباً} [الأنعام: 144، الأعراف: 37، يونس: 17، الكهف: 15] أي ليس ثم نفع للمفتري ولا غرض دنياوي. فالآية تبرية للنبي [صلى الله عليه وسلم]، من الافتراء، وتوبيخ للمفترين من الكفار. ولا في قوله: فلا خوفٌ بمعنى ليس، وقرأ ابن محيصن «لا خوف» دون تنوين، ووجهه إما أن يحذف التنوين لكثرة الاستعمال وإما حملا على حذفه مع «لا». وهي تبرية ناصبة تشبه حالة الرفع في البناء بحالة النصب، وقيل: إن المراد فلا الخوف، ثم حذفت الألف واللام وبقيت الفاء على حالها لتدل على المحذوف، ونفي الخوف والحزن يعم جميع أنواع مكاره النفس وأنكادها، ويشبه أن يكون الخوف لما يستقبل من الأمور والحزن لما مضى منها). [المحرر الوجيز: 3/ 556-557]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ({والّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا}؛ هذه حالتان تعم جميع من يصد عن رسالة الرسول إما أن يكذب بحسب اعتقاده وإما أن يستكبر فكذب وإن كان غير مصمم في اعتقاده على التكذيب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا نحو الكفر عنادا). [المحرر الوجيز: 3/ 557]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذباً أو كذّب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتّى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون اللّه قالوا ضلّوا عنّا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين (37)}
هذه آية وعيد واستفهام على جهة التقرير، أي لا أحد أظلم منه، وافترى معناه اختلق، وهذه وإن كانت متصلة بما قبلها أي كيف يجعلون الرسل مفترين ولا أحد أظلم ممن افترى ولا حظ للرسل إلا أن يرحم من اهتدى ويعذب من كفر، فهي أيضا مشيرة بالمعنى إلى كل مفترق إلى من تقدم ذكره من الذين قالوا واللّه أمرنا بها وقوله: أو كذّب بآياته إشارة إلى جميع الكفرة، وقوله: من الكتاب قال الحسن والسدي وأبو صالح معناه من المقرر في اللوح المحفوظ، فالكتاب عبارة عن اللوح المحفوظ، وقد تقرر في الشرع أن حظهم فيه العذاب والسخط، وقال ابن عباس وابن جبير ومجاهد: قوله: من الكتاب يريد من الشقاء والسعادة التي كتبت له وعليه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويؤيد هذا القول الحديث المشهور الذي يتضمن أن الملك يأتي إذا خلق الجنين في الرحم فيكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد، وقال ابن عباس أيضا ومجاهد وقتادة والضحاك، الكتاب يراد به الذي تكتبه الملائكة من أعمال الخليقة من خير وشر فينال هؤلاء نصيبهم من ذلك وهو الكفر والمعاصي، وقال ابن عباس أيضا ومجاهد والضحاك من الكتاب يراد به من القرآن، وحظهم فيه أن وجوههم تسود يوم القيامة، وقال الربيع بن أنس ومحمد بن كعب وابن زيد المعنى بالنصيب ما سبق لهم في أم الكتاب من رزق وعمر وخير وشر في الدنيا، ورجح الطبري هذا واحتج له بقوله بعد ذلك حتّى إذا جاءتهم رسلنا أي عند انقضاء ذلك فكان معنى الآية على هذا التأويل أولئك يتمتعون ويتصرفون من الدنيا بقدر ما كتب لهم حتى إذا جاءتهم رسلنا لموتهم، وهذا تأويل جماعة في مجيء الرسل للتوفي، وعلى هذا يترتب ترجيح الطبري الذي تقدم، وقالت فرقة رسلنا يريد بهم ملائكة العذاب يوم القيامة، ويتوفّونهم معناه يستوفونهم عددا في السوق إلى جهنم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويترتب هذا التأويل مع التأويلات المتقدمة في قوله: نصيبهم من الكتاب لأن «النصيب» على تلك التأويلات إنما ينالهم في الآخرة، وقد قضى مجيء رسل الموت، وقوله حكاية عن الرسل أين ما كنتم تدعون استفهام تقرير وتوبيخ وتوقيف على خزي وهو إشارة إلى الأصنام والأوثان وكل ما عبد من دون الله. وتدعون معناه تعبدون وتؤملون، وقولهم ضلّوا معناه هلكوا وتلفوا وفقدوا. ثم ابتدأ الخبر عن المشركين بقوله: وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين وهذه الآية وما شاكلها تعارض في الظاهر، قوله تعالى: {حكاية عنهم واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} [الأنعام: 23] واجتماعهما إما أن يكون في طوائف مختلفة أو في أوقات مختلفة يقولون في حال كذا وحال كذا). [المحرر الوجيز: 3/ 557-559]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قال ادخلوا في أممٍ قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس في النّار كلّما دخلت أمّةٌ لعنت أختها حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النّار قال لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون (38) وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضلٍ فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون (39)}
هذه حكاية ما يقول الله لهم يوم القيامة بوساطة ملائكة العذاب وعبر عن يقول. ب قال لتحقق وقوع ذلك وصدق القصة، وهذا كثير، وقوله: {في أممٍ} متعلق ب {ادخلوا}، ويحتمل أن يتعلق بمحذوف تقديره كائنين أو ثابتين في أمم، فيكون في موضع الحال من الضمير في ادخلوا وقيل في بمعنى مع. وقيل هي على بابها وهو أصوب، وقوله قد خلت صفة ل أممٍ. وقوله: في النّار يصح تعلقه ب ادخلوا ويصح أن يتعلق ب أممٍ أي في أمم ثابتة أو مستقرة، ويصح تعلقه بالذكر الذي في خلت. ومعنى قد خلت على هذا التعلق أي قد تقدمت ومضى عليها الزمن وعرفها فيما تطاول من الآباد، وقد تستعمل وإن لم يطل الوقت إذ أصلها فيمن مات من الناس أي صاروا إلى خلاء من الأرض، وعلى التعليقين الأولين لقوله في النّار فإنما خلت حكاية عن حال الدنيا أي ادخلوا في النار في جملة الأمم السالفة لكم في الدنيا الكافرة، وقدم ذكر الجن لأنهم أعرق في الكفر، وإبليس أصل الضلال والإغواء، وهذه الآية نص في أن كفرة الجن في النار، والذي يقتضيه النظر أن مؤمنيهم في الجنة لأنهم عقلاء مكلفون مبعوث إليهم آمنوا وصدقوا، وقد بوب البخاري رحمه الله- باب في ذكر الجن وثوابهم وعقابهم- وذكر عبد الجليل أن مؤمني الجن يكونون ترابا كالبهائم، وذكر في ذلك حديثا مجهولا وما أراه يصح، والله أعلم.
والأخوة في هذه الآية أخوة الملة والشريعة. قال السدي: يتلاعن آخرها وأولها، وادّاركوا معناه تلاحقوا ووزنه تفاعلوا أصله تداركوا أدغم فجلبت ألف الوصل، وقرأ أبو عمرو «اداركوا» بقطع ألف الوصل، قال أبو الفتح: هذا مشكل ولا يسوغ أن يقطعها ارتجالا فذلك إنما يجيء شاذا في ضرورة الشعر في الاسم أيضا لكنه وقف مثل وقفة المستذكر ثم ابتدأ فقطع، وقرأ مجاهد بقطع الألف وسكون الدال «أدركوا» بفتح الراء وبحذف الألف بعد الدال بمعنى أدرك بعضهم بعضا، وقرأ حميد «أدركوا» بضم الهمزة وكسر الراء أي أدخلوا في إدراكها. وقال مكي في قراءة مجاهد إنها «ادّاركوا» بشد الدال المفتوحة وفتح الراء، قال: وأصله إذ تركوا وزنها افتعلوا، وقرأ ابن مسعود والأعمش «تداركوا» ورويت عن أبي عمرو، وقرأ الجمهور «حتى إذ اداركوا» بحذف ألف «إذا» لالتقاء الساكنين.
وقوله تعالى: {قالت أخراهم لأولاهم}؛ معناه قالت الأمة الأخيرة التي وجدت ضلالات مقررة وسننا كاذبة مستعملة للأولى التي شرعت ذلك وافترت على الله وسلكت سبيل الضلال ابتداء، ربنا هؤلاء طرقوا طرق الضلال وسببوا ضلالنا فآتهم عذابا مضاعفا أي ثانيا زائدا على عذابنا إذ هم كافرون ومسببون كفرنا، وتقول ضاعفت كذا إذا جعلته مثل الأول، واللام في قوله لأولاهم كأنها لام سبب إذ القول إنما هو للرب، ثم قال عز وجل مخبرا لهم لكلٍّ ضعفٌ أي العذاب مشدد على الأول والآخر ولكن لا تعلمون أي المقادير وصور التضعيف، وهذا رد لكلام هؤلاء، إذ ليس لهم كرامة فيظهر إسعافهم.
وأما المعنى الذي دعوا فيه فظاهر حديث النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه حاصل وأن كل من سن كفرا أو معصية فعليه كفل من جهة كل من عمل بذلك بعده، ومنه حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ما من داع دعا إلى ضلالة إلا كان عليه وزره ووزر من اتبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا» الحديث، ذكره الليث بن سعد من آخر الجزء الرابع من حديثه، وذكره مالك في الموطأ غير مسند موصل، ومنه قوله «ما تقتل نسمة ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها»، أما أن هؤلاء عينوا في دعائهم الضعف وقد يكون الكفل أقل أو أكثر، وعن ابن مسعود أن «الضعف» هاهنا الأفاعي والحيات، وقرأ جميع السبعة غير عاصم في رواية أبي بكر «ولكن لا تعلمون» بالتاء ويحتمل ذلك أن يكون مخاطبة لهذه الأمة الأخيرة متصلة بقوله لهم لكلٍّ ضعفٌ ويحتمل أن يكون مخاطبة لمحمد.
وأمته، وقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر «ولكن لا يعلمون»، وروى حفص عن عاصم مثل قراءة الجماعة، وهذه مخاطبة لأمة محمد وإخبار عن الأمة الأخيرة التي طلبت أن يشدد العذاب على أولاها، ويحتمل أن يكون خبرا عن الطائفتين حملا على لفظة «كل»، أي لا يعلم أحد منهم قدر ما أعد لهم من عذاب الله). [المحرر الوجيز: 3/ 559-562]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله عز وجل: {وقالت أولاهم لأخراهم ... الآية}، المعنى وقالت الأمة الأولى المبتدعة للأمة الأخيرة المتبعة أنتم لا فضل لكم علينا ولم تزدجروا حين جاءتكم النذر والرسل، بل دمتم في كفركم وتركتم النظر واستوت حالنا وحالكم فذوقوا العذاب باجترامكم، هذا قول السدي وأبي مجلز وغيرهما، فقوله: {فذوقوا} على هذا من كلام الأمة المتقدمة للأمة المتأخرة، وقيل قوله: {فذوقوا} هو من كلام الله عز وجل لجميعهم، وقال مجاهد: ومعنى قوله من فضلٍ أي «من» التخفيف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: معناه أنه لما قال الله لكلٍّ ضعفٌ قال الأولون للآخرين لم تبلغوا أملا في أن يكون عذابكم أخف من عذابنا ولا فضلتم بالإسعاف والنص عليه). [المحرر الوجيز: 3/ 562]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 11:24 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 11:24 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري


تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أنذر تعالى بني آدم بأنّه سيبعث إليهم رسلًا يقصّون عليهم آياته، وبشر وحذّر فقال: {فمن اتّقى وأصلح}؛ أي: ترك المحرّمات وفعل الطّاعات، {فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 409]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها}؛ أي: كذّبت بها قلوبهم، واستكبروا عن العمل بها {أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} أي: ماكثون فيها مكثًا مخلّدًا). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 409]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتّى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون اللّه قالوا ضلّوا عنّا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين (37)}
يقول تعالى: {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته} أي: لا أحد أظلم ممّن افترى الكذب على اللّه، أو كذّب بآيات اللّه المنزّلة.
{أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب} اختلف المفسّرون في معناه، فقال العوفي عن ابن عبّاسٍ: ينالهم ما كتب عليهم، وكتب لمن يفتري على اللّه أنّ وجهه مسودٌّ.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس يقول: نصيبهم من الأعمال، من عمل خيرًا جزي به، ومن عمل شرًّا جزي به.
وقال مجاهدٌ: ما وعدوا فيه من خيرٍ وشرٍّ.
وكذا قال قتادة، والضّحّاك، وغير واحدٍ. واختاره ابن جريرٍ.
وقال محمّد بن كعبٍ القرظيّ: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}؛ قال: عمله ورزقه وعمره.
وكذا قال الرّبيع بن أنسٍ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم. وهذا القول قويٌّ في المعنى، والسّياق يدلّ عليه، وهو قوله: {حتّى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم}، ويصير المعنى في هذه الآية كما في قوله [تعالى]: {إنّ الّذين يفترون على اللّه الكذب لا يفلحون* متاعٌ في الدّنيا ثمّ إلينا مرجعهم ثمّ نذيقهم العذاب الشّديد بما كانوا يكفرون} [يونس: 69، 70]، وقوله: {ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبّئهم بما عملوا إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور * نمتّعهم قليلا ثمّ نضطرّهم إلى عذابٍ غليظٍ} [لقمان: 23، 24].
وقوله [تعالى]: {حتّى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون اللّه} الآية: يخبر تعالى أنّ الملائكة إذا توفّت المشركين تفزعهم عند الموت وقبض أرواحهم إلى النّار، يقولون لهم أين الّذين كنتم تشركون بهم في الحياة الدّنيا وتدعونهم وتعبدونهم من دون اللّه؟ ادعوهم يخلّصوكم ممّا أنتم فيه. قالوا: {ضلّوا عنّا} أي: ذهبوا عنّا فلا نرجو نفعهم، ولا خيرهم. {وشهدوا على أنفسهم} أي: أقرّوا واعترفوا على أنفسهم {أنّهم كانوا كافرين}). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 409-410]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال ادخلوا في أممٍ قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس في النّار كلّما دخلت أمّةٌ لعنت أختها حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعًا قالت أخراهم لأولاهم ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النّار قال لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون (38) وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضلٍ فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون (39)}
يقول تعالى مخبرًا عمّا يقوله لهؤلاء المشركين به، المفترين عليه المكذّبين بآياته: {ادخلوا في أممٍ} أي: من أشكالكم وعلى صفاتكم، {قد خلت من قبلكم}؛ أي: من الأمم السّالفة الكافرة، {من الجنّ والإنس في النّار} يحتمل أن يكون بدلًا من قوله: {في أممٍ} ويحتمل أن يكون {في أممٍ} أي: مع أممٍ.
وقوله: {كلّما دخلت أمّةٌ لعنت أختها} كما قال الخليل، عليه السلام: {ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعضٍ ويلعن بعضكم بعضًا} الآية [العنكبوت:25]. وقوله تعالى: {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب * وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار} [البقرة: 166، 167].
وقوله [تعالى]: {حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعًا}؛ أي: اجتمعوا فيها كلّهم، {قالت أخراهم لأولاهم}؛ أي: أخراهم دخولًا -وهم الأتباع -لأولاهم -وهم المتبوعون -لأنّهم أشدّ جرمًا من أتباعهم، فدخلوا قبلهم، فيشكوهم الأتباع إلى اللّه يوم القيامة؛ لأنّهم هم الّذين أضلّوهم عن سواء السّبيل، فيقولون: {ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النّار}؛ أي: أضعف عليهم العقوبة، كما قال تعالى: {يوم تقلّب وجوههم في النّار يقولون يا ليتنا أطعنا اللّه وأطعنا الرّسولا * وقالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا * ربّنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا} [الأحزاب: 66-68]
وقوله: {قال لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون} أي: قد فعلنا ذلك وجازينا كلًّا بحسبه، كما قال تعالى: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابًا فوق العذاب بما كانوا يفسدون} [النّحل: 88] وقال تعالى: {وليحملنّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألنّ يوم القيامة عمّا كانوا يفترون} [العنكبوت: 13]، وقال: {ومن أوزار الّذين يضلّونهم بغير علمٍ ألا ساء ما يزرون} [النّحل:25] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 410-411]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقالت أولاهم لأخراهم} أي: قال المتبوعون للأتباع: {فما كان لكم علينا من فضلٍ}، قال السّدّيّ: فقد ضللتم كما ضللنا.
{فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون} وهذا الحال كما أخبر اللّه تعالى عنهم في حال محشرهم، في قوله تعالى: {ولو ترى إذ الظّالمون موقوفون عند ربّهم يرجع بعضهم إلى بعضٍ القول يقول الّذين استضعفوا للّذين استكبروا لولا أنتم لكنّا مؤمنين * قال الّذين استكبروا للّذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين * وقال الّذين استضعفوا للّذين استكبروا بل مكر اللّيل والنّهار إذ تأمروننا أن نكفر باللّه ونجعل له أندادًا وأسرّوا النّدامة لمّا رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الّذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون} [سبأٍ:31-33] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 411]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة