التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {شهد اللّه أنّه لا اله إلاّ هو...}, قد فتحت القرّاء الألف من (أنه), ومن قوله {أنّ الدّين عند اللّه الإسلام},
وإن شئت جعلت (أنه) على الشرط , وجعلت الشهادة واقعة على قوله: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام}, وتكون (أنّ) الأولى يصلح فيها الخفض؛ كقولك: شهد الله بتوحيده أن الدين عنده الإسلام.
وإن شئت استأنفت{إن الدين}بكسرتها، وأوقعت الشهادة على {أنّه لا اله إلاّ هو}. وكذلك قرأها حمزة, وهو أحبّ الوجهين إليّ, وهي في قراءة عبد الله:{إن الدين عند الله الإسلام}, وكان الكسائيّ يفتحهما كلتيهما.
وقرأ ابن عباس بكسر الأوّل , وفتح {أن الدين عند الله الإسلام}, وهو وجه جيد؛ جعل {أنّه لا اله إلاّ هو} مستأنفة معترضة -كأنّ الفاء تراد فيها - , وأوقع الشهادة على "أن الدين عند الله", ومثله في الكلام : قولك للرجل: أشهد - إني أعلم الناس بهذا - أنّك عالم، كأنك قلت: أشهد - إني أعلم بهذا من غيري - أنك عالم. وإذا جئت بأنّ قد وقع عليها العلم, أو الشهادة, أو الظن , وما أشبه ذلك كسرت إحداهما, ونصبت التي يقع عليها الظنّ , أو العلم, وما أشبه ذلك؛ نقول للرجل: لا تحسبن أنك عاقل؛ إنك جاهل؛ لأنك تريد : فإنك جاهل، وإن صلحت الفاء في إن السابقة كسرتها , وفتحت الثانية, يقاس على هذه ما ورد.
وقوله: {وأولوا العلم قائماً بالقسط} منصوب على القطع؛ لأنه نكرة نعت به معرفة, وهو في قراءة عبد الله:{القائم بالقسط} رفع؛ لأنه معرفة نعت لمعرفة). [معاني القرآن: 1/200]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({شهد الله}: قضى الله{أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة}, شهودٌ على ذلك.
{بالقسط}:أقسط: مصدر المقسط, وهو العادل؛ والقاسط: الجائر). [مجاز القرآن: 1/90]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({شهد اللّه أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم}
قال: {شهد اللّه أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط}, إنما هو "شهدوا أنّه لا إله إلاّ هو قائماً بالقسط", نصب {قائماً} على الحال). [معاني القرآن: 1/166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({قائما بالقسط}: بالعدل والمقسط العادل والقاسط الجائر).[غريب القرآن وتفسيره: 103]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({قائماً} بالقسط, أي: بالعدل). [تفسير غريب القرآن: 103]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عز وجل: {شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلّا هو العزيز الحكيم}
قال أبو عبيدة معنى {شهد الله}: قضى اللّه، وحقيقته أنه علم , وبين اللّه؛ لأن الشاهد هو العالم الذي يبين ما علمه، فاللّه عزّ وجلّ - قد دل على توحيده بجميع ما خلق فبيّن أنّه لا يقدر أحد أن ينشئ شيئا واحدا مما أنشأ، وشهدت الملائكة لما علمت من قدرته, وشهد أولو العلم بما ثبت عندهم, وتبين من خلقه الذي لا يقدر عليه غيره.
وأكثر القراءة {أنّه لا إله إلّا هو} بفتح الألف في (أنه),
وقد رويت بالكسر عن ابن عباس، وروى {أنّ الدّين عند اللّه الإسلام} بفتح الألف " والأكثر فتح (أنّه) , وكسر (إنّ الدّين).
ومن قرأ (إنه) بالكسر, فالمعنى: شهد اللّه أن الدين عند اللّه الإسلام, وأنّه لا إله إلا هو, والأجود الفتح كما وصفنا في الأول؛ لأن الكلام, والتوحيد, والنداء بالأذان:{أشهد أن لا إله إلا الله}, وأكثر ما وقع أشهد على ذكر التوحيد,
وجائز أن يفتح أن الأولى,
وأن الثانية, فيكون فتح الثانية على جهتين على شهد اللّه أن لا إله إلا هو , وشهد أن الدين عنده الإسلام). [معاني القرآن: 1/385-386]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم}
قال أبو عبيدة: شهد معناه: قضى, أي: أعلم .
قال أبو جعفر: قال أبو إسحاق: وحقيقة هذا أن الشاهد هو الذي يعلم الشيء, ويبنيه, فقد دلنا الله عز وجل بما خلق, وبين على وحدانيته .
وقرأ الكسائي بفتح أن في قوله: {أنه لا إله إلا هو}, وفي قوله سبحانه: {إن الدين عند الله الإسلام}
قال أبو العباس محمد بن يزيد: التقدير على هذه القراءة {إن الدين عند الله الإسلام} , بإنه لا إله إلا هو, ثم حذفت الباء , وأنشد سيبويه:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به = فقد تركتك ذا مال وذا نشب
المعنى أي: أمرتك بالخير .
قال الكسائي: انصبهما جميعاً بمعنى شهد الله أنه كذا, وأن الدين عند الله الإسلام, ويكون أيضاً بمعنى: شهد الله أنه لا إله إلا هو ؛ إن الدين عند الله الإسلام
قال ابن كيسان: أن الثانية بدل من الأولى ؛ لأن الإسلام تفسيره المعنى الذي هو التوحيد .
وقرأ ابن عباس فيما حكى الكسائي {شهد الله أنه لا إله إلا هو}
وقرأ {إن الدين عند الله الإسلام}, والتقدير على هذه القراءة : شهد الله إن الدين الإسلام, ثم ابتدأ فقال: إنه لا إله إلا هو.
وروي, عن محارب بن دثار, عن عمه أبي المهلب أنه قرأ , وكان قارئاً:{شهداء لله}.
وقوله تعالى: {قائماً بالقسط}, يعني: بالعدل). [معاني القرآن: 1/369-371]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ({شهد الله}, أي: قال الله، و{شهد الله} أي: كتب الله، و{شهد الله} أي: علم الله, و{القسط}:العدل). [ياقوتة الصراط: 186]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({قائما بالقسط} أي: بالعدل, {والمقسط}: العادل, والقاسط: الجائر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 48]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْقِسْطِ}: العدل). [العمدة في غريب القرآن: 97]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الذين أتوا الكتاب}: الأمم الذين أتتهم الكتب والأنبياء). [مجاز القرآن: 1/90]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ الدّين عند اللّه الإسلام وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب}
قال: {إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم}, يقول: {وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب} , {بغيا بينهم}, {إلاّ من بعد ما جاءهم العلم}). [معاني القرآن: 1/166]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلّا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب}
لك في {جاءهم} الفتح والتفخيم، ولك الإمالة نحو الكسر , فأما الفتح فلغة أهل الحجاز، وهي اللغة العليا القدمى,
وأما جاءهم بالكسر فلغة تميم, وكثير من العرب, وهي جيدة فصيحة أيضاً.
فالذي يميل إلى الكسر يدل على أن الفعل من ذوات الياء,
والذي يفتح, فلأن الياء قد انقلبت صورتها إلى الألف, وفي الألف حظها من الفتح, وكل مصيب.
ونصب {بغيا} بقوله: {اختلفوا}, والمعنى: اختلفوا بغياً, أي: للبغي، لم يختلفوا ؛ لأنهم رأوا البصيرة والبرهان.
قال الأخفش المعنى : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم ، والذي هو الأجود أن يكون بغياً منصوباً بما دل عليه, {وما اختلفوا}, فيكون المعنى: اختلفوا بغياً بينهم.
{ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب} أي: سريع الحساب له.
والجزم هو الوجه في {ومن يكفر}, وهي القراءة, ولو قرئت بالرفع, لكان له وجه من القياس, ولكن الجزم أجود وأفصح في المعنى.
ومعنى {سريع الحساب}, أي: سريع المجازاة له كما قال: {وما أمر السّاعة إلّا كلمح البصر أو هو أقرب},
وقالوا: جائز أن يكون {سريع الحساب}: سريع التعريف للعامل عمله -؛ لأنه جل ثناؤه عالم بجميع ما عملوا لا يحتاج إلى إثبات شيء, وتذاكر شيء.
ونصب {قائما بالقسط} حال مؤكدة ؛ لأن الحال المؤكدة تقع مع الأسماء في غير الإشارة، تقول إنه زيد معروفاً, وهو الحق مصدقاً, ولا إله إلا هو قائماً بالقسط.
والقسط في اللغة: العدل قال اللّه {وأقيموا الوزن بالقسط} أي: بالعدل، ويقال أقسط الرجل إذا عدل, وقسط إذا جار, والعادل مقسط, والجائر قاسط,
قال اللّه {وأقسطوا إنّ اللّه يحبّ المقسطين} أي: اعدلوا إن اللّه يحب العادلين, وقال: {وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطباً}, فإن قال قائل: فمن أين جاء من لفظ القسط , ما معناه الجور وأصله العدل؟
فإنما ذلك كقولك : عدل الرجل على القوم, يعدل عدلاً, ومعدلة.
ومعدلة، إذا هو أنصفهم، وعدل عن الحق عدلاً إذا جار، فكذلك جاء من لفظ القسط ما معناه الجور , كما جاء ما معناه العدل). [معاني القرآن: 1/387-388]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن الدين عند الله الإسلام} الإسلام في اللغة: الخضوع, والانقياد, ومنه استسلم الرجل, فمعنى أسلم: خضع, وقبل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .
وروى ابن عمرو, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله, وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة , وحج البيت , وصوم شهر رمضان)).
وقوله عز وجل: {ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب}في الآية قولان:
أحدهما: أن المعنى إن الحساب قريب كما قال تعالى: {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب}
والقول الآخر: أن محاسبته سريعة ؛ لأنه عالم بما عمل عباده لا يحتاج أن يفكر في شيء منه). [معاني القرآن: 1/371-372]
تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي للّه ومن اتّبعن...}
{ومن اتّبعن} للعرب في الياءات التي في أواخر الحروف مثل: اتبعن، وأكرمن، وأهانن، ومثل قوله {دعوة الدّاع إذا دعان }, وقد هدان, أن يحذفوا الياء مرة, ويثبتوها مرة, فمن حذفها اكتفى بالكسرة التي قبلها دليلاً عليها, وذلك أنها كالصلة؛ إذ سكنت , وهي في آخر الحروف, واستثقلت, فحذفت, ومن أتمهّا فهو البناء, والأصل., ويفعلون ذلك في الياء, وإن لم يكن قبلها نون؛ فيقولون هذا غلامي قد جاء، وغلام قد جاء؛ قال الله تبارك وتعالى: {فبشّر عباد الّذين} في غير نداء بحذف الياء, وأكثر ما تحذف بالإضافة في النداء؛ لأن النداء مستعمل كثير في الكلام, فحذف في غير نداء, وقال إبراهيم {ربّنا وتقبّل دعاء} بغير ياء، وقال في سورة الملك {كيف كان نكير}, و"نذير" , وذلك أنهن رءوس الآيات، لم يكن في الآيات قبلهن ياء ثانية, فأجرين على ما قبلهن؛ إذ كان ذلك من كلام العرب, ويفعلون ذلك في الياء الأصلية؛ فيقولون: هذا قاض, ورام , وداع بغير ياء، لا يثبتون الياء في شيء من فاعل, فإذا أدخلوا فيه الألف, واللام قالوا بالوجهين؛ فأثبتوا الياء وحذفوها, وقال الله {من يهد الله فهو المهتد}, في كل القرآن بغير ياء, وقال في الأعراف:{فهو المهتدي}, وكذلك قال: {يوم ينادي المناد}, و{أجيب دعوة الدّاع}, وأحبّ ذلك إليّ أن أثبت الياء في الألف واللام؛ لأن طرحها في قاض ومفترٍ وما أشبهه بما أتاها من مقارنة نون الإعراب, وهي ساكنة, والياء ساكنة، فلم يستقم جمع بين ساكنين، فحذفت الياء لسكونها, فإذا أدخلت الألف واللام لم يجز إدخال النون، فلذلك أحببت إثبات الياء, ومن حذفها فهو يرى هذه العلّة: قال: وجدت الحرف بغير ياء قبل أن تكون فيه الألف واللام، فكرهت إذ دخلت أن أزيد فيه ما لم يكن, وكلّ صواب.
وقوله: {وقل لّلّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم}, وهو استفهام, ومعناه أمر, ومثله قول الله: {فهل أنتم منتهون} استفهام, وتأويله: انتهوا, وكذلك قوله: {هل يستطيع ربّك}, وهل تستطيع ربّك إنما هو مسألة., أو لا ترى أنك تقول للرجل: هل أنت كافّ عنا؟ , معناه: اكفف، تقول للرجل: أين أين؟, أقم , ولا تبرح, فلذلك جوزي في الاستفهام كما جوزي في الأمر, وفي قراءة عبد الله :{هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليمٍ. آمنوا}, ففسّر {هل أدلكم} بالأمر,وفي قراءتنا على الخبر, فالمجازاة في قراءتنا على قوله: {هل أدلكم}, والمجازاة في قراءة عبد الله على الأمر؛ لأنه هو التفسير). [معاني القرآن: 1/202]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({والأمّيّين}: الذين لم يأتهم الأنبياء بالكتب؛ والنبيّ الأميّ: الذي لا يكتب). [مجاز القرآن: 1/90]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({الأميون}: الذين لم تأتهم الكتب والأمي الذي لا يكتب). [غريب القرآن وتفسيره: 103]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقوله: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [آل عمران: 20] أي: انقدت لله بلساني وعقدي، والوجه زيادة. كما قال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، يريد: إلا هو. وقوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان: 9]، أي: لله. قال زيد بن عمرو بن نفيل في الجاهلية:
أسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا
أي: انقادت له المزن). [تأويل مشكل القرآن: 480]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي للّه ومن اتّبعن وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ واللّه بصير بالعباد}
إن شئت أسكنت الياء (من وجهي),
وإن شئت فتحتها , فقلت: أسلمت وجهي للّه، وقد فسّرنا أمر هذه الياء فيما سلف، والمعنى: أن اللّه عزّ وجلّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتج على أهل الكتاب, والمشركين, بأنه اتبع أمر اللّه الذي هم أجمعون مقرون بأنه خالقهم، فدعاهم إلى ما أقروا به، وأراهم الدلالات والآيات التي قد شرحنا ذكرها, بأنه رسوله صلى الله عليه وسلم
ومعنى {أسلمت وجهي للّه}أي: قصدت بعبادتي إلى اللّه جل ثناؤه , وأقررت أنه لا إله غيره، وكذلك {من اتّبعن}, ويجوز في اللغة: أسلمت وجهي, أي: أسلمت نفسي, قال اللّه عزّ وجلّ: {كلّ شيء هالك إلّا وجهه}
وقال: {ويبقى وجه ربّك} المعنى: ويبقى ربك, والمعنى: كل شيء هالك إلا اللّه عزّ وجلّ.
{ومن اتبعن}: لك حذف الياء, وإثباتها، والأحبّ إليّ في هذا اتباع المصحف؛ لأن اتباعه سنة, ومخالفته بدعة، وما حذف من هذه الياءات نحو {ومن اتبعن}, {لئن أخرتن إلى يوم القيامة}, ونحو فيقول: {ربي أكرمن}, فيقول: {ربي أهانن}, فهو على ضربين مع النون، فإذا كان رأس آية, فأهل اللغة يسمون أواخر الآي الفواصل, فيجيزون حذف الياءات، كما يجيزونه في قوافي الشعر، كما قال الأعشى:
ومن شانئ كاسف وجهه.= إذا ما انتسبت له أنكرن
وهل يمنعني ارتيادي البلاد= من حذر الموت أن يأتين
المعنى: أن يأتيني وأنكرني، فإذا لم يكن آخر قافية , أو آخر آية, فالأكثر إثبات الياء، وحذفها جيّد بالغ أيضاً بخاصة مع النونات، إلا أن أصل اتبعني " اتبعي " , ولكن النون زيدت, لتسلم فتحة العين، فالكسرة مع النون تنوب عن الياء، فإذا لم تكن النون نحو غلامي , وصاحبي, فالأجود إثباتها، وحذفها مع غير النون أقل منه مع النون إلا أنه جائز، نقول هذا غلام قد جاء , والأجود هذا غلامي قد جاء، وغلامي قد جاء، بفتح الياء, وإسكانها, وحذفها جائز؛ لأنّ الكسرة دالة عليها.
وقوله تبارك اسمه: {وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم}, الذين أوتوا الكتاب ": اليهود والنصارى، والأميون مشركو العرب ؛ لأنهم إنما نسبوا إلى ما عليه الأمة في الخلقة ؛ لأن الإنسان يخلق غير كاتب، فهذا معنى: الأمّيين،
وقال بعض النحويين معنى : أأسلمتم الأمر، معناه عندهم: أسلموا, وحقيقة هذا الكلام أنه لفظ استفهام، معناه: التوقيف والتهديد، كما تقول للرجل بعد أن تأمره, وتؤكد عليه " أقبلت.. وإلا فأنت أعلم ", فأنت إنما تسأله متوعداً في مسألتك، لعمري هذا دليل: أنك تأمره بأن يفعل.
ومعنى {وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ} أي: ليس عليك هداهم , إنما عليك إقامة البرهان لهم , فإذا بلغت, فقد أدّيت ما عليك.
وقوله جلّ وعزّ: {واللّه بصير بالعباد} أي: بصير بما يقطع عذرهم فيما دلهم به على وحدانيته , وتثبيت رسله.
وقال في إثر هذه الآية: {إنّ الّذين يكفرون بآيات اللّه ويقتلون النّبيّين بغير حقّ ويقتلون الّذين يأمرون بالقسط من النّاس فبشّرهم بعذاب أليم}). [معاني القرآن: 1/388-390]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن} أمره الله أن يحتج عليهم بأنه متبع أمر من هم مقرون به؛لأنهم مقرون بأن الله عز وجل خالقهم فأمروا أن يعبدوا من خلقهم وحده
ومعنى{أسلمت وجهي لله}: أسلمت نفسي لله كما قال تعالى: {ويبقى وجه ربك} أي: ويبقى ربك). [معاني القرآن: 1/373]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين}, الذين أوتوا الكتاب: اليهود, والنصارى, والأميون: مشركو العرب, كأنهم نسبوا إلى الأم ؛ لأنهم بمنزلة المولود في أنهم لا يكتبون
وقيل: هم منسبون إلى أم القرى, وهي مكة.
وقوله عز وجل: {أأسلمتم} قيل معناه: أسلموا, وحقيقته: أنه على التهديد, كما تقول للرجل: أأفلت مني؟.
ثم قال تعالى: {فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ}, ونسخ هذا بالأمر بالقتال
ثم قال تعالى: {والله بصير بالعباد} أي: بصير بما يقطع عذرهم). [معاني القرآن: 1/374-375]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الأُمِّيِّينَ}: الذين يكتبون). [العمدة في غريب القرآن: 97]