تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتّقوا اللّه إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور}
يعني جلّ ثناؤه بذلك: {واذكروا نعمة اللّه عليكم} أيّها المؤمنون بالعقود الّتي عقدتموها للّه على أنفسكم، واذكروا نعمته عليكم في ذلكم، بأن هداكم من العقود لما فيه الرّضا، ووفّقكم لما فيه نجاتكم من الضّلالة والرّدى في نعمٍ غيرها جمّةٍ. كما:.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {واذكروا نعمة اللّه عليكم} قال: النّعم: آلاء اللّه.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وأمّا قوله: {وميثاقه الّذي واثقكم به} فإنّه يعني: واذكروا أيضًا أيّها المؤمنون في نعم اللّه الّتي أنعم عليكم ميثاقه الّذي واثقكم به، وهو عهده الّذي عاهدكم به.
واختلف أهل التّأويل في الميثاق الّذي ذكر اللّه في هذه الآية، أيّ مواثيقه عنى؟ فقال بعضهم: عنى به ميثاق اللّه الّذي واثق به المؤمنين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حين بايعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على السّمع والطّاعة له فيما أحبّوا وكرهوا، والعمل بكلّ ما أمرهم اللّه به ورسوله.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا} الآية، يعني: حيث بعث اللّه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنزل عليه الكتاب، فقالوا: آمنّا بالنّبيّ وبالكتاب، وأقررنا بما في التّوراة. فذكّرهم اللّه ميثاقه الّذي أقرّوا به على أنفسهم، وأمرهم بالوفاء به.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا} فإنّه أخذ ميثاقنا، فقلنا سمعنا وأطعنا على الإيمان والإقرار به وبرسوله.
وقال آخرون: بل عنى به جلّ ثناؤه: ميثاقه الّذي أخذ على عباده حين أخرجهم من صلب آدم صلّى اللّه عليه وسلّم، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربّكم؟ فقالوا: بلى شهدنا.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وميثاقه الّذي واثقكم به} قال: الّذي واثق به بني آدم في ظهر آدم
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
وأولى الأقوال بالصّواب في تأويل ذلك: قول ابن عبّاسٍ، وهو أنّ معناه: واذكروا أيّها المؤمنون نعمة اللّه عليكم الّتي أنعمها عليكم بهدايته إيّاكم للإسلام وميثاقه الّذي واثقكم به، يعني: وعهده الّذي عاهدكم به حين بايعتم رسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم على السّمع والطّاعة له في المنشط والمكره، والعسر واليسر، إذ قلتم سمعنا ما قلت لنا، وأخذت علينا من المواثيق وأطعناك فيما أمرتنا به ونهيتنا عنه، وأنعم عليكم أيضًا بتوفيقكم لقبول ذلك منه بقولكم له سمعنا وأطعنا، يقول: ففوا للّه أيّها المؤمنون بميثاقه الّذي واثقكم به، ونعمته الّتي أنعم عليكم في ذلك بإقراركم على أنفسكم بالسّمع له والطّاعة فيما أمركم به، وفيما نهاكم عنه، يف لكم بما ضمن لكم الوفاء به إذا أنتم وفّيتم له بميثاقه من إتمام نعمته عليكم، وبإدخالكم جنّته وبإنعامكم بالخلود في دار كرامته، وإنقاذكم من عقابه وأليم عذابه.
وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب من قول من قال: عنى به الميثاق الّذي أخذ عليهم في صلب آدم صلوات اللّه عليه، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه ذكر بعقب تذكرة المؤمنين ميثاقه الّذي واثقهم به أهل التّوراة بعد ما أنزل كتابه على نبيّه موسى صلّى اللّه عليه وسلّم فيما أمرهم به ونهاهم فيها، فقال: {ولقد أخذ اللّه ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا} الآيات بعدها، منبّهًا بذلك أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم محمّدٍ على مواضع حظوظهم من الوفاء للّه بما عاهدهم عليه، ومعرّفهم سوء عاقبة أهل الكتاب في تضييعهم ما ضيّعوا من ميثاقه الّذي واثقهم به في أمره ونهيه، وتعزير أنبيائه ورسله، زاجرًا لهم عن نكث عهودهم، فيحلّ بهم ما أحلّ بالنّاكثين عهوده من أهل الكتاب قبلهم.
فكان إذا كان الّذي ذكّرهم فوعظهم به، ونهاهم عن أن يركبوا من الفعل مثله ميثاق قومٍ أخذ ميثاقهم بعد إرسال الرّسول إليهم، وإنزال الكتاب عليهم واجبًا، أن يكون الحال الّتي أخذ فيها الميثاق والموعوظين نظير حال الّذين وعظوا بهم. وإذا كان ذلك كذلك، كان بيّنًا صحّة ما قلنا في ذلك وفساد خلافه.
وأمّا قوله: {واتّقوا اللّه إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور} فإنّه وعيدٌ من اللّه جلّ اسمه للمؤمنين كانوا برسوله صلّى اللّه عليه وسلّم من أصحابه، وتهديدًا لهم أن ينقضوا ميثاق اللّه الّذي واثقهم به في رسله وعهدهم الّذي عاهدوه فيه، بأن يضمروا له خلاف ما أبدوا له بألسنتهم.
يقول لهم جلّ ثناؤه: واتّقوا اللّه أيّها المؤمنون، فخافوه أن تبدّلوا عهده وتنقضوا ميثاقه الّذي واثقكم به، أو تخالفوا ما ضمنتم له بقولكم: سمعنا وأطعنا، بأن تضمروا له غير الوفاء بذلك في أنفسكم، فإنّ اللّه مطّلعٌ على ضمائر صدوركم، وعالمٌ بما تخفيه نفوسكم لا يخفى عليه شيءٌ من ذلك، فيحلّ بكم من عقوبته ما لا قبل لكم به، كالّذي حلّ بمن قبلكم من اليهود من المسخ وصنوف النّقم، وتصيروا في معادكم إلى سخط اللّه وأليم عقابه). [جامع البيان: 8/219-222]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وميثاقه الذي واثقكم به يعني الذي واثق به بني آدم في ظهر آدم
). [تفسير مجاهد: 187]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه} [المائدة: 7]
- عن ابن عبّاسٍ - رضي اللّه عنهما - في قوله: {واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتّقوا اللّه إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور} [المائدة: 7] يعني حين بعث النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - وأنزل عليه الكتاب قالوا: آمنّا بالنّبيّ وبالكتاب وأقررنا بما في التّوراة، فذكّرهم اللّه ميثاقه الّذي أقرّوا به على أنفسهم بالوفاء به.
رواه الطّبرانيّ، وعليّ بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عبّاسٍ).
[مجمع الزوائد: 7/14]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور}.
أخرج ابن جرير والطبراني عن ابن عباس في قوله {واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا} حتى ختم بعث الله النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الكتاب قالوا: آمنا بالنبي والكتاب واقررنا بما في التوراة فأذكرهم الله ميثاقه الذي أقروا به على أنفسهم وأمرهم بالوفاء به
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {واذكروا نعمة الله عليكم} قال: النعم، آلاء الله وميثاقه الذي واثقكم به، قال: الذي واثق به بني آدم في ظهر آدم عليه السلام).
[الدر المنثور: 5/218-219]
تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين للّه شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتّقوى واتّقوا اللّه إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: يا أيّها الّذين آمنوا باللّه وبرسوله محمّدٍ، ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام للّه، شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم، ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم، فتجاوزوا ما حدّدت لكم في أعدائكم لعداوتهم لكم، ولا تقصروا فيما حدّدت لكم من أحكامي وحدودي في أوليائكم لولايتهم، ولكن انتهوا في جميعهم إلى حدّي، واعملوا فيه بأمري.
وأمّا قوله: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على ألاّ تعدلوا} فإنّه يقول: ولا يحملنّكم عداوة قومٍ على ألا تعدلوا في حكمكم فيهم وسيرتكم بينهم، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة.
وقد ذكرنا الرّواية عن أهل التّأويل في معنى قوله: {كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه} وفي قوله: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ} واختلاف المختلفين في قراءة ذلك والّذي هو أولى بالصّواب من القول فيه والقراءة بالأدلّة الدّالّة على صحّته بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع
وقد قيل: إنّ هذه الآية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين همّت اليهود بقتله.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ: {يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين للّه شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتّقوى} نزلت في يهود حين، أرادوا قتل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال ابن جريجٍ: قال عبد اللّه بن كثيرٍ: ذهب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى يهود يستعينهم في ديةٍ، فهمّوا أن يقتلوه، فذلك قوله: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا} الآية).
[جامع البيان: 8/222-223]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اعدلوا هو أقرب للتّقوى واتّقوا اللّه إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {اعدلوا} أيّها المؤمنون على كلّ أحدٍ من النّاس وليًّا لكم كان أو عدوًّا، فاحملوهم على ما أمرتم أن تحملوهم عليه من أحكامي، ولا تجوروا بأحدٍ منهم عنه.
وأمّا قوله: {هو أقرب للتّقوى} فإنّه يعني بقوله: هو العدل عليهم أقرب لكم أيّها المؤمنون إلى التّقوى، يعني: إلى أن تكونوا عند اللّه باستعمالكم إيّاه من أهل التّقوى، وهم أهل الخوف والحذر من اللّه أن يخالفوه في شيءٍ من أمره، أو يأتوا شيئًا من معاصيه.
وإنّما وصف جلّ ثناؤه العدل بما وصف به من أنّه أقرب للتّقوى من الجور، لأنّ من كان عادلاً كان للّه بعدله مطيعًا، ومن كان للّه مطيعًا كان لا شكّ من أهل التّقوى، ومن كان جائرًا كان للّه عاصيًا، ومن كان للّه عاصيًا كان بعيدًا من تقواه.
وإنّما كنّى بقوله: {هو أقرب} عن الفعل، والعرب تكني عن الأفعال إذا كنت عنها بهو وبذلك، كما قال جلّ ثناؤه {فهو خيرٌ لكم} {ذلكم أزكى لكم} ولو لم يكن في الكلام هو لكان أقرب نصبًا، ولقيل: اعدلوا أقرب للتّقوى، كما قيل: {انتهوا خيرًا لكم}.
وأمّا قوله: {واتّقوا اللّه إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون} فإنّه يعني: واحذروا أيّها المؤمنون أن تجوروا في عباده، فتجاوزوا فيهم حكمه وقضاءه الّذين بيّن لكم، فيحلّ بكم عقوبته، وتستوجبوا منه أليم نكاله {إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون} يقول: إنّ اللّه ذو خبرةٍ وعلمٍ بما تعملون أيّها المؤمنون فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه من عملٍ به أو خلافٍ له، محصٍ ذلكم عليكم كلّه، حتّى يجازيكم به جزاءكم المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته، فاتّقوا أن تسيئوا).
[جامع البيان: 8/224-225]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم}.
أخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن عبد الله بن كثير في قوله {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط} الآية نزلت في يهود خيبر ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعينهم في دية فهموا ليقتلوه فذلك قوله {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا} الآية، والله أعلم).
[الدر المنثور: 5/219]
تفسير قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} وعد اللّه أيّها النّاس الّذين صدقوا اللّه ورسوله، وأقرّوا بما جاءهم به من عند ربّهم، وعملوا بما واثقهم اللّه به، وأوفوا بالعقود الّتي عاقدهم عليها بقولهم: لنسمعنّ ولنطيعنّ اللّه ورسوله. فسمعوا أمر اللّه ونهيه، وأطاعوه فعملوا بما أمرهم اللّه به، وانتهوا عمّا نهاهم عنه.
ويعني بقوله: {لهم مغفرةٌ} لهؤلاء الّذين وفوا بالعقود والميثاق الّذي واثقهم به ربّهم مغفرةٌ وهي ستر ذنوبهم السّالفة منهم عليهم، وتغطيتها بعفوه لهم عنها، وتركه عقوبتهم عليها وفضيحتهم بها {وأجرٌ عظيمٌ} يقول: ولهم مع عفوه لهم عن ذنوبهم السّالفة منهم جزاءٌ على أعمالهم الّتي عملوها ووفائهم بالعقود الّتي عاقدوا ربّهم عليها أجرٌ عظيمٌ، والعظيم من خيرٍ غير محدودٍ مبلغه ولا يعرف منتهاه غيره تعالى ذكره.
فإن قال قائلٌ: إنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر في هذه الآية أنّه وعد الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات، ولم يخبر بما وعدهم، فأين الخبر عن الموعود؟
قيل: بلى، إنّه قد أخبر عن الموعود، والموعود هو قوله: {لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ}
فإن قال فان: فإنّ قوله: {لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ} خبر مبتدأٍ، ولو كان هو الموعود لقيل: وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات مغفرةً وأجرًا عظيمًا، ولم يدخل في ذلك لهم، وفي دخول ذلك فيه دلالةٌ على ابتداء الكلام، وانقضاء الخبر عن الوعد؟
قيل: إنّ ذلك وإن كان ظاهره ما ذكرت فإنّه ممّا اكتفى بدلالة ما ظهر من الكلام على ما بطن من معناه من ذكر بعضٍ قد ترك ذكره فيه، وذلك أنّ معنى الكلام: وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أن يغفر لهم، ويأجرهم أجرًا عظيمًا؛ لأنّ من شأن العرب أن يصحبوا الوعد أن يعملوه فيها، فتركت أن إذ كان الوعد قولاً، ومن شأن القول أن يكون ما بعده من جمل الأخبار مبتدأً وذكر بعده جملة الخبر اجتزاءً بدلالة ظاهر الكلام على معناه وصرفًا للوعد الموافق للقول في معناه وإن كان للفظه مخالفًا إلى معناه، فكأنّه قيل: قال اللّه للّذين آمنوا وعملوا الصّالحات مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ.
وكان بعض نحويّي البصرة يقول: إنّما قيل: {وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ} في الوعد الّذي وعدوا، فكان معنى الكلام على تأويل قائل هذا القول: وعد اللّه الّذي آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ).
[جامع البيان: 8/225-226]
تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {والّذين كفروا} والّذين جحدوا وحدانيّة اللّه، ونقضوا ميثاقه وعقوده الّتي عاقدوها إيّاه {وكذّبوا بآياتنا} يقول: وكذّبوا بأدلّة اللّه وحججه الدّالّة على وحدانيّته الّتي جاءت بها الرّسل وغيرها {أولئك أصحاب الجحيم} يقول: هؤلاء الّذين هذه صفتهم أهل الجحيم، يعني: أهل النّار الّذين يخلّدون فيها ولا يخرجون منها أبدًا).
[جامع البيان: 8/227]
تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن الزهري عن أبي سليمة عن جابر بن عبد الله أن النبي نزل منزلا وتفرق الناس في العضاة يستظلون تحتها فعلق النبي سلاحه بشجرة فجاء أعرابي إلى سيفه فأخذه فسله ثم أقبل على النبي فقال من يمنعك مني قال الله قال الأعرابي مرتين أو ثلاثا من يمنعك مني والنبي يقول الله فشام الأعرابي السيف ودعا النبي أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه قال معمر وكان قتادة يذكر نحو هذا ويذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا بالنبي فأرسلوا هذا الأعرابي ويتأول واذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم الآية).
[تفسير عبد الرزاق: 1/185]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم واتّقوا اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: {يا أيّها الّذين آمنوا} أقرّوا بتوحيد اللّه ورسالة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وما جاءهم به من عند ربّهم {اذكروا نعمة اللّه عليكم} اذكروا النّعمة الّتي أنعم اللّه بها عليكم، فاشكروه عليها بالوفاء له بميثاقه الّذي واثقكم به، والعقود الّتي عاقدتم نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم عليها. ثمّ وصف نعمته الّتي أمرهم جلّ ثناؤه بالشّكر عليها مع سائر نعمه، فقال: هي كفّه عنكم أيدي القوم الّذين همّوا بالبطش بكم، فصرفهم عنكم، وحال بينهم وبين ما أرادوه بكم.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في صفة هذه النّعمة الّتي ذكّر اللّه جلّ ثناؤه أصحاب نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بها وأمرهم بالشّكر له عليها. فقال بعضهم: هو استنقاذ اللّه نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه ممّا كانت اليهود من بني النّضير همّوا به يوم أتوهم يستحملونهم دية العامريّين اللّذين قتلهما عمرو بن أميّة الضّمريّ.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد اللّه بن أبي بكرٍ، قالا: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بني النّضير ليستعينهم على دية العامريّين اللّذين قتلهما عمرو بن أميّة الضّمريّ؛ فلمّا جاءهم خلا بعضهم ببعضٍ، فقالوا: إنّكم لن تجدوا محمّدًا أقرب منه الآن، فمروا رجلا يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرةً فيريحنا منه. فقال عمرو بن جحّاش بن كعبٍ.انا فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الخبر، وانصرف عنهم، فأنزل اللّه عزّ ذكره فيهم وفيما أراد هو وقومه: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم} الآية.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم} قال اليهود: دخل عليهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حائطًا لهم، وأصحابه من وراء جداره، فاستعانهم في مغرم ديةٍ غرمها، ثمّ قام من عندهم، فائتمروا بينهم بقتله، فخرج يمشي القهقرى ينظر إليهم، ثمّ دعا أصحابه رجلاً رجلاً حتّى تتامّوا إليه.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم} يهود حين دخل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حائطًا لهم، وأصحابه من وراء جدارٍ لهم، فاستعانهم في مغرمٍ في ديةٍ غرمها، ثمّ قام من عندهم، فائتمروا بينهم بقتله، فخرج يمشي معترضًا ينظر إليهم خيفتهم، ثمّ دعا أصحابه رجلاً رجلاً حتّى تتامّوا إليه. قال اللّه جلّ وعزّ: {فكفّ أيديهم عنكم واتّقوا اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون}.
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثني أبو معشرٍ، عن يزيد بن أبي زيادٍ، قال: جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بني النّضير يستعينهم في عقلٍ أصابه ومعه أبو بكرٍ وعمر وعليّ فقال: أعينوني في عقلٍ أصابني فقالوا: نعم يا أبا القاسم، قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجةً، اجلس حتّى نطعمك ونعطيك الّذي تسألنا. فجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه ينتظرونه، وجاء حييّ بن أخطب وهو رأس القوم، وهو الّذي قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما قال، فقال حييٌّ لأصحابه: لا ترونه أقرب منه الآن، اطرحوا عليه حجارةً فاقتلوه ولا ترون شرًّا أبدًا. فجاءوا إلى رحًى لهم عظيمةٍ ليطرحوهًا عليه، فأمسك اللّه عنها أيديهم، حتّى جاءه جبريل صلّى اللّه عليه وسلّم فأقامه من ثمّ، فأنزل اللّه جلّ وعزّ: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم واتّقوا اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} فأخبر اللّه عزّ ذكره نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما أرادوا به.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم} الآية، قال: يهود دخل عليهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حائطًا، فاستعانهم في مغرمٍ غرمه، فائتمروا بينهم بقتله، فقام من عندهم، فخرج معترضًا ينظر إليهم خيفتهم، ثمّ دعا أصحابه رجلاً رجلاً حتّى تتامّوا إليه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المنذر بن عمرٍو الأنصاريّ أحد بني النّجّار وهو أحد النّقباء ليلة العقبة، فبعثه في ثلاثين راكبًا من المهاجرين والأنصار. فخرجوا، فلقوا عامر بن الطّفيل بن مالك بن جعفرٍ على بئر معونة، وهي من مياه بني عامرٍ، فاقتتلوا، فقتل المنذر وأصحابه إلاّ ثلاثة نفرٍ كانوا في طلب ضالّةٍ لهم، فلم يرعهم إلاّ والطّير تحوم في السّماء، يسقط من بين خراطيمها علق الدّم، فقال أحد النّفر: قتل أصحابنا والرّحمن. ثمّ تولّى يشتدّ حتّى لقي رجلاً، فاختلفا ضربتين، فلمّا خالطته الضّربة، رفع رأسه إلى السّماء ففتح عينيه، ثمّ قال: اللّه أكبر، الجنّة وربّ العالمين. فكان يدعى: أعنق ليموت. ورجع صاحباه، فلقيا رجلين من بني سليمٍ، وبين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وبين قومهما موادعةٌ، فانتسبا لهما إلى بني عامرٍ، فقتلاهما. وقدم قومهما إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يطلبون الدّية، فخرج ومعه أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعليٌّ وطلحة وعبد الرّحمن بن عوفٍ، حتّى دخلوا على كعب بن الأشرف ويهود بني النّضير، فاستعانهم في عقلهما. قال: فاجتمعت اليهود لقتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، واعتلّوا بصنيعه الطّعام، فأتاه جبريل صلّى اللّه عليه وسلّم بالّذي اجتمعت عليه يهود من الغدر، فخرج ثمّ دعا عليًّا، فقال: لا تبرح مقامك، فمن خرج عليك من أصحابي فسألك عنّي فقل وجّه إلى المدينة فأدركوه قال: فجعلوا يمرّون على عليٍّ، فيأمرهم بالّذي أمره حتّى أتى عليه آخرهم، ثمّ تبعهم؛ فذلك قوله: {ولا تزال تطّلع على خائنةٍ منهم}.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم} قال: نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه، حين أرادوا أن يغدروا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال آخرون: بل النّعمة الّتي ذكرها اللّه في هذه الآية، فأمر المؤمنين من أصحاب رسول اللّه بالشّكر له عليها، أنّ اليهود كانت همّت بقتل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في طعامٍ دعوه إليه، فأعلم اللّه عزّ وجلّ نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما همّوا به، فانتهى هو وأصحابه عن إجابتهم إليه.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم} [الأحزاب] إلى قوله: {فكفّ أيديهم عنكم} وذلك أنّ قومًا من اليهود صنعوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه طعامًا ليقتلوه إذا أتى الطّعام، فأوحى اللّه إليه بشأنهم، فلم يأت الطّعام وأمر أصحابه فأتوه.
وقال آخرون: عنى اللّه جلّ ثناؤه بذلك النّعمة الّتي أنعمها على المؤمنين باطّلاع نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على ما همّ به عدوّه وعدوّهم من المشركين يوم بطن نخلٍ من اغترارهم إيّاهم، والإيقاع بهم إذا هم اشتغلوا عنهم بصلاتهم، فسجدوا فيها، وتعريفه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحذار من عدوّه في صلاته بتعليمه إيّاه صلاة الخوف.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم} الآية، ذكر لنا أنّها نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو ببطن نخلٍ في الغزوة السّابعة، فأراد بنو ثعلبة وبنو محاربٍ أن يفتكوا به، فأطلعه اللّه على ذلك ذكر لنا أنّ رجلاً انتدب لقتله، فأتى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسيفه موضوعٌ، فقال: آخذه يا نبيّ اللّه؟ قال: خذه قال: أستلّه؟ قال: نعم فسلّه، فقال: من يمنعك منّي؟ قال: اللّه يمنعني منك فهدّده أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأغلظوا له القول، فشام السّيف، وأمر نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أصحابه بالرّحيل، فأنزلت عليه صلاة الخوف عند ذلك.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، ذكره عن ابن أبي سلمة، عن جابرٍ: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نزل منزلاً، وتفرّق النّاس في العضاه يستظلّون تحتها، فعلّق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سلاحه بشجرةٍ، فجاء أعرابيٌّ إلى سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأخذه فسلّه، ثمّ أقبل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: من يمنعك منّي؟ والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: اللّه فشام الأعرابيّ السّيف، فدعا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أصحابه، فأخبرهم خبر الأعرابيّ وهو جالسٌ إلى جنبه لم يعاقبه.
قال معمرٌ: وكان قتادة يذكر نحو هذا، وذكر أنّ قومًا من العرب أرادوا أن يفتكوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأرسلوا هذا الأعرابيّ. وتأوّل: {اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم} الآية
وأولى الأقوال بالصّحّة في تأويل ذلك، قول من قال: عنى اللّه بالنّعمة الّتي ذكر في هذه الآية نعمته على المؤمنين به وبرسوله، الّتي أنعم بها عليهم في استنقاذه نبيّهم محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، ممّا كانت يهود بني النّضير همّت به من قتله وقتل من معه يوم سار إليهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الدّية الّتي كان تحمّلها عن قتيلي عمرو بن أميّة
وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّحّة في تأويل ذلك، لأنّ اللّه عقب ذكر ذلك برمي اليهود بصنائعها وقبيح أفعالها وخيانتها ربّها وأنبياءها. ثمّ أمر نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالعفو عنهم والصّفح عن عظيم جهلهم، فكان معلومًا بذلك أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يؤمر بالعفو عنهم والصّفح عقيب قوله: {إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم} ومن غيرهم كان يبسط الأيدي إليهم، لأنّه لو كان الّذين همّوا ببسط الأيدي إليهم غيرهم لكان حريًّا أن يكون الأمر بالعفو والصّفح عنهم لا عمّن لم يجر لهم بذلك ذكرٌ، ولكان الوصف بالخيانة في وصفهم في هذا الموضع لا في وصف من لم يجر لخيانته ذكرٌ، ففي ذلك ما ينبئ عن صحّة ما قضينا له بالصّحّة من التّأويلات في ذلك دون ما خالفه). [جامع البيان: 8/227-233]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واتّقوا اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون}
يعني جلّ ثناؤه: واحذروا اللّه أيّها المؤمنون أن تخالفوه فيما أمركم ونهاكم أن تنقضوا الميثاق الّذي واثقكم به فتستوجبوا منه العقاب الّذي لا قبل لكم به {وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} يقول: وإلى اللّه فليلق أزمّة أمورهم، ويستسلم لقضائه، ويثق بنصرته وعونه، المقرون بوحدانيّة اللّه ورسالة رسوله، العاملون بأمره ونهيه، فإنّ ذلك من كمال دينهم وتمام إيمانهم، وأنّهم إذا فعلوا ذلك كلأهم ورعاهم وحفظهم ممّن أرادهم بسوءٍ، كما حفظكم ودافع عنكم أيّها المؤمنون اليهود الّذين همّوا بما همّوا به من بسط أيديهم إليكم، كلاءةً منه لكم، إذ كنتم من أهل الإيمان به وبرسوله دون غيره، فإنّ غيره لا يطيق دفع سوءٍ أراد بكم ربّكم ولا اجتلاب نفعٍ لكم لم يقضه لكم). [جامع البيان: 8/234]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم قال النعم الآلاء يقول اذكروا آلاء الله
). [تفسير مجاهد: 187]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم قال هم يهود وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليهم حائطا لهم وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء الجدار فاستعانهم في مغرم في دية غرمها ثم قام من عندهم فأتمروا بينهم بقتله فأطلع الله عز وجل على ذلك نبيه صلى الله عليه وسلم فخرج يمشي القهقرى معترضا وهو ينظر إليهم خيفتهم ثم دعا أصحابه رجلا رجلا حتى انتهوا إليه فذلك نعمة الله عليهم وذلك آلاء الله عز وجل
). [تفسير مجاهد: 187-188]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في الدلائل، عن جابر بن عبد الله أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نزل منزلا فتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها فعلق النّبيّ صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة فجاء أعرابي إلى سيفه فأخذه فسله ثم أقبل على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك مني قال: الله، قال الأعرابي: مرتين أو ثلاثة من يمنعك مني والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الله، فشام الأعرابي السيف فدعا النّبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم بصنيع الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه، قال معمر: وكان قتادة يذكر نحو هذا ويذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فأرسلوا هذا الأعرابي ويتألوا {اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم} الآية.
وأخرج الحاكم وصححه، عن جابر قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفة بنخل فرأوا من المسلمين غرة فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: من يمنعك قال: الله فوقع السيف من يده فأخذه النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقال: من يمنعك قال: كن خيرا آخذ، قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قال: أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله فجاء إلى قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس فلما حضرت الصلاة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فكان الناس طائفتين: طائفة بإزاء العدو وطائفة تصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرفوا فكانوا موضع الذين بازاء عدوهم وجاء أولئك فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين فكان للناس ركعتين ركعتين وللنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات.
وأخرج ابن إسحاق وأبو نعيم في الدلائل من طريق الحسن، أن رجلا من محارب يقال له غورث بن الحارث قال لقومه: أقتل لكم محمدا قالوا له: كيف تقتله فقال: أفتك به فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حجره فقال: يا محمد انظر إلى سيفك هذا قال: نعم فأخذه فاستله وجعل يهزه ويهم فيكبته الله فقال: يا محمد ما تخافني وفي يدي السيف ورده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم} الآية.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس قال أن عمرو بن أمية الضمري حين انصرف من بئر معونة لقي رجلين كلابيين معهما أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلهما ولم يعلم أم معهما أمانا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير ومعه أبو بكر وعمر وعلي فتلقاه بنو النضير فقالوا: مرحبا، يا أبا القاسم لماذا جئت قال: رجل من أصحابي قتل رجلين من بني كلاب معهما أمان مني طلب مني ديتهما فأريد أن تعينوني، قالوا: نعم أقعد حتى نجمع لك، فقعد تحت الحصن وأبو بكر وعمر وعلي وقد تآمر بنو النضير أن يطرحوا عليه حجرا فجاء جبريل فاخبره بما هموا به فقام بمن معه وأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم} الآية
وأخرج أبو نعيم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، نحوه.
وأخرج أيضا عن عروة وزاد بعد نزول الآية وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باجلائهم لما أرادوا فأمرهم أن يخرجوا من ديارهم، قالوا: إلى أين قال: إلى الحشر.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم على دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري فلما جاءهم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا محمدا أقرب منه الآن فمروا رجلا يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه، فقال عمر بن جحاش بن كعب: أنا فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم الخبر فانصرف فأنزل الله فيهم وفيما أراد هو وقومه {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم} قال: هم يهود، دخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حائطا لهم وأصحابه من وراء جداره فاستعانهم في مغرم في دية غرمها ثم قام من عندهم فائتمروا بينهم بقتله فخرج يمشي القهقرى معترضا ينظر إليهم ثم دعا أصحابه رجلا رجلا حتى تقاوموا إليه.
وأخرج ابن جرير عن يزيد بن زياد قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير يستعينهم في عقل أصابه ومعه أبو بكر وعمر وعلي فقال أعينوني في عقل أصابني، فقالوا: نعم يا أبا القاسم قد آن لك تأتينا وتسألنا حاجة اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ينتظرونه وجاء حيي بن أخطب فقال حيي لأصحابه: لا ترونه أقرب منه الآن اطرحوا عليه حجارة فاقتلوه ولا ترون شرا أبدا فجاؤوا إلى رحى لهم عظيمة ليطرحوها عليه فامسك الله عنها أيديهم حتى جاءه جبريل فأقامه من بينهم فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم} الآية، فأخبر الله نبيه ما أرادوا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير من طريق السدي عن أبي مالك في الآية قال: نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه حين أرادوا أن يغروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة قال بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو أحد النقباء ليلة العقبة في ثلاثين راكبا من المهاجرين والأنصار إلى غطفان فالتقوا على ماء من مياه عامر فاقتتلوا فقتل المنذر ابن عمرو وأصحابه إلا ثلاثة نفر كانوا في طلب ضالة لهم فلم يرعهم إلا والطير تجول في جو السماء يسقط من خراطيمها علق الدم فقالوا قتل أصحابنا والرحمن، فانطلق رجل منهم فلقي رجلا فاختلفا ضربتين فلما خالطه الضربة رفع طرفه إلى السماء ثم رفع عينيه فقال: الله أكبر، الجنة ورب العالمين وكان يرعى أعنق ليموت فانطلق صاحباه فلقيا رجلين من بني سليم فانتسبا لهما إلى بني عامر فقتلاهما وكان بينهما وبين النّبيّ صلى الله عليه وسلم موادعة فقدم قومهما على النّبيّ صلى الله عليه وسلم يطلبون عقلهما فانطلق النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف حتى دخلوا على بني النضير يستعينونهم في عقلهما فقالوا: نعم فاجتمعت يهود على أن يقتلوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه فاعتلوا له بصنعة الطعام فلما أتاه جبريل بالذي أجمع له يهود من الغدر خرج ثم أعاد عليا فقال: لا تبرح من مكانك هذا فمن مر بك من أصحابي فسألك عني فقل: وجه إلى المدينة فأدركوه فجعلوا يمرون على علي فيقول لهم الذي أمره النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتى أتى عليه آخرهم ثم تبعهم ففي ذلك أنزلت {إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم} حتى {ولا تزال تطلع على خائنة منهم}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة من طريق العوفي عن ابن عباس في هذه الآية قال أن قوما من اليهود صنعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه طعاما ليقتلوه فأوحى الله إليه بشأنهم فلم يأت الطعام وأمر أصحابه فلم يأتوه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في الآية قال ذكر لنا أنها أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببطن نخل في الغزوة الثانية فأراد بنو ثعلبة وبنو محارب أن يفتكوا به فأطلعه الله على ذلك ذكر لنا أن رجلا انتدب لقتله فأتى نبي الله صلى الله عليه وسلم وسيفه موضوع فقال: آخذه يا رسول الله قال: خذه، قال: استله قال: نعم، فاستله فقال: من يمنعك مني قال: الله يمنعني منك فهدده أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأغلظوا له القول فشام السيف فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه بالرحيل فأنزلت عليه صلاة الخوف عند ذلك).
[الدر المنثور: 5/219-227]