العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:08 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة التوبة [ الآيتين (28) ، (29) ]

تفسير سورة التوبة
[ الآيتين (28) ، (29) ]


بسم الله الرحمن الرحيم

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) }



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:08 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر في قوله تعالى إنما المشركون نجس قال لا أعلم قتادة إلا قال النجس الجنابة.
قال معمر وبلغني أن حذيفة لقي النبي فأخذ النبي بيده فقال حذيفة يا رسول الله إني جنب فقال النبي إن المؤمن لا ينجس). [تفسير عبد الرزاق: 1/271]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا قال إلا صاحب الجزية أو عبد لرجل من المسلمين). [تفسير عبد الرزاق: 1/271]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في قوله تعالى إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام قال لا إلا أن يكون عبدا أو أحد من أهل الذمة.
عن معمر عن الزهري أن النبي صالح عبدة الأوثان على الجزية إلا من كان من العرب منهم وقبل النبي الجزية من أهل البحرين وكانوا مجوسا). [تفسير عبد الرزاق: 1/271-272]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله قال أغناهم الله بالجزية الجارية شهرا فشهرا وعاما فعاما). [تفسير عبد الرزاق: 1/272]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {لا يمسه إلا المطهرون} قال لا يمسه في الآخرة إلا المطهرون فأما في الدنيا فقد مسه الكافر النجس والمنافق الرجس). [تفسير عبد الرزاق: 1/272]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن واقدٍ عن سعيد بن جبيرٍ قال: لمّا نزلت {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} اشتدّ ذلك على المسلمين وقالوا: ما يأتينا بطعامنا فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم اللّه من فضله} [الآية: 28]). [تفسير الثوري: 124]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (28) : قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إنّ الله عليمٌ حكيمٌ} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، قال: نا سماك بن حرب، عن عكرمة - في قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إنّ الله عليمٌ حكيمٌ} -، قال: كان المشركون يجيئون إلى البيت ويجيئون معهم بالطّعام، فأنزل اللّه عزّ وجلّ {وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء}، فأنزل اللّه عليهم المطر، فكثر خيرهم حتّى ذهب المشركون عنهم). [سنن سعيد بن منصور: 5/244]

قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء إنّ الله عليمٌ حكيمٌ}.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله وأقرّوا بوحدانيّته: ما المشركون إلاّ نجسٌ.
واختلف أهل التّأويل في معنى النّجس وما السّبب الّذي من أجله سمّاهم بذلك، فقال بعضهم: سمّاهم بذلك لأنّهم يجنبون فلا يغتسلون، فقال: هم نجسٌ، ولا يقربوا المسجد الحرام؛ لأنّ الجنب لا ينبغي له أن يدخل المسجد.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، في قوله: {إنّما المشركون نجسٌ} لا أعلم قتادة إلاّ قال: النّجس: الجنابة.
- وبه عن معمرٍ، قال: وبلغني أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لقي حذيفة وأخذ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بيده، فقال حذيفة: يا رسول اللّه إنّي جنبٌ، فقال: إنّ المؤمن لا ينجس.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ} أي أجنابٌ.
وقال آخرون: معنى ذلك: ما المشركون إلاّ رجس خنزيرٍ أو كلبٍ.
وهذا قولٌ روي عن ابن عبّاسٍ من وجهٍ غير حميدٍ، فكرهنا ذكره.
وقوله: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} يقول للمؤمنين: فلا تدعوهم أن يقربوا المسجد الحرام بدخولهم الحرم. وإنّما عنى بذلك منعهم من دخول الحرم؛ لأنّهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا المسجد الحرام.
وقد اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم فيه نحو الّذي قلناه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، وابن المثنّى، قالا: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال عطاءٌ: الحرم كلّه قبلةٌ ومسجدٌ، قال: {فلا يقربوا المسجد الحرام} لم يعن المسجد وحده، إنّما عنى مكّة والحرم. قال ذلك غير مرّةٍ.
وذكر عن عمر بن عبد العزيز في ذلك ما:
- حدّثنا عبد الكريم بن أبي عميرٍ، قال: حدّثني الوليد بن مسلمٍ، قال: حدّثنا أبو عمرٍو، أنّ عمر بن عبد العزيز كتب: أن امنعوا اليهود، والنّصارى من دخول مساجد المسلمين، وأتبع في نهيه قول اللّه: {إنّما المشركون نجسٌ}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن أشعث، عن الحسن: {إنّما المشركون نجسٌ} قال: لا تصافحوهم، فمن صافحهم فليتوضّأ.
وأمّا قوله: {بعد عامهم هذا} فإنّه يعني: بعد العام الّذي نادى فيه عليّ رحمة اللّه عليه ببراءة، وذلك عام حجّ بالنّاس أبو بكرٍ، وهي سنة تسعٍ من الهجرة.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} وهو العام الّذي حجّ فيه أبو بكرٍ، ونادى عليّ رحمة اللّه عليهما بالأذان، وذلك لتسع سنين مضين من هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وحجّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من العام المقبل حجّة الوداع لم يحجّ قبلها ولا بعدها.
وقوله: {وإن خفتم عيلةً} يقول للمؤمنين: وإن خفتم فاقةً وفقرًا، بمنع المشركين من أن يقربوا المسجد الحرام. {فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء} يقال منه: عال يعيل عيلةً وعيولاً، ومنه قول الشّاعر:
وما يدري الفقير متى غناه = وما يدري الغنيّ متى يعيل
وقد حكي عن بعضهم أنّ من العرب من يقول في الفاقة: عال يعول بالواو. وذكر عن عمر بن فائدٍ أنّه كان تأوّل قوله: {وإن خفتم عيلةً} بمعنى: وإذ خفتم، ويقول: كان القوم قد خافوا وذلك نحو قول القائل لأبيه: إن كنت أبي فأكرمني، بمعنى: إذ كنت أبي، وإنّما قيل ذلك لهم؛ لأنّ المؤمنين خافوا بانقطاع المشركين عن دخول الحرم انقطاع تجاراتهم ودخول ضررٍ عليهم بانقطاع ذلك، وأمّنهم اللّه من العيلة وعوّضهم ممّا كانوا يكرهون انقطاعه عنهم ما هو خيرٌ لهم منه، وهو الجزية، فقال لهم: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله} إلى: {صاغرون} وقال قومٌ بإدرار المطر عليهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: ثنى معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} قال: لمّا نفى اللّه المشركين عن المسجد الحرام ألقى الشّيطان في قلوب المؤمنين الحزن، قال: من أين تأكلون وقد نفي المشركون وانقطعت عنكم العير؟ فقال اللّه: {وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء} فأمرهم بقتال أهل الكتاب، وأغناهم من فضله.
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ. قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} قال: كان المشركون يجيئون إلى البيت، ويجيئون معهم بالطّعام ويتّجرون فيه، فلمّا نهوا أن يأتوا البيت قال المسلمون: من أين لنا طعامٌ؟ فأنزل اللّه: {وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء} فأنزل عليهم المطر، وكثر خيرهم حين ذهب عنهم المشركون.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حميد بن عبد الرّحمن، عن عليّ بن صالحٍ، عن سماكٍ، عن عكرمة: {إنّما المشركون نجسٌ} الآية، ثمّ ذكر نحو حديث هنّادٍ، عن أبي الأحوص.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن واقدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: لمّا نزلت: {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} شقّ ذلك على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقالوا: من يأتينا بطعامنا، ومن يأتينا بالمتاع؟ فنزلت: {وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن واقدٍ، مولى زيد بن خلدة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: كان المشركون يقدمون عليهم بالتّجارة، فنزلت هذه الآية: {إنّما المشركون نجسٌ} إلى قوله: {عيلةً} قال: الفقر. {فسوف يغنيكم اللّه من فضله}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطيّة العوفيّ، قال: قال المسلمون: قد كنّا نصيب من تجارتهم وبياعاتهم، فنزلت: {إنّما المشركون نجسٌ} إلى قوله: {من فضله}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي أحسبه، قال: أنبأنا أبو جعفرٍ، عن عطيّة، قال: لمّا قيل: ولا يحجّ بعد العام مشركٌ، قالوا: قد كنّا نصيب من بياعاتهم في الموسم. قال: فنزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم اللّه من فضله} يعني: بما فاتهم من بياعاتهم.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا ابن يمانٍ، عن أبي سنان، عن ثابتٍ، عن الضّحّاك: {وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم اللّه من فضله} قال: بالجزية.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، وأبو معاوية، عن أبي سنان، عن ثابتٍ، عن الضّحّاك، قال: أخرج المشركون من مكّة، فشقّ ذلك على المسلمين، وقالوا: كنّا نصيب منهم التّجارة والميرة. فأنزل اللّه: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر}.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم اللّه من فضله} كان ناسٌ من المسلمين يتألّفون العير، فلمّا نزلت براءة بقتال المشركين حيثما ثقفوا، وأن يقعدوا لهم كلّ مرصدٍ، قذف الشّيطان في قلوب المؤمنين: فمن أين تعيشون وقد أمرتم بقتال أهل العير؟ فعلم اللّه من ذلك ما علم، فقال: أطيعوني، وامضوا لأمري، وأطيعوا رسولي، فإنّي سوف أغنيكم من فضلي، فتوكّل لهم اللّه بذلك.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {إنّما المشركون نجسٌ} إلى قوله: {فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء} قال: قال المؤمنون: كنّا نصيب من متاجر المشركين. فوعدهم اللّه أن يغنيهم من فضله عوضًا لهم بأن لا يقرّبوهم المسجد الحرام. فهذه الآية من أوّل براءة في القراءة، ومن آخرها في التّأويل: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} إلى قوله: {عن يدٍ وهم صاغرون} حين أمر محمّدٌ وأصحابه بغزوة تبوك.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه..
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: لمّا نفى اللّه المشركين عن المسجد الحرام، شقّ ذلك على المسلمين، وكانوا يأتون ببياعاتٍ ينتفع بذلك المسلمون، فأنزل اللّه تعالى ذكره: {وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم اللّه من فضله} فأغناهم بهذا الخراج الجزية الجارية عليهم يأخذونها شهرًا شهرًا، عامًا عامًا. فليس لأحدٍ من المشركين أن يقرب المسجد الحرام بعد عامهم بحالٍ إلاّ صاحب الجزية، أو عبد رجلٍ من المسلمين.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: أخبرنا أبو الزّبير، أنّه سمع جابر بن عبد اللّه، يقول في قوله: {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} إلاّ أن يكون عبدًا أو أحدًا من أهل الذّمّة.
- قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} قال: إلاّ صاحب جزيةٍ، أو عبدًا لرجلٍ من المسلمين.
- حدّثنا زكريّا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريجٍ، قال: أخبرني أبو الزّبيرٍ أنّه سمع جابر بن عبد اللّه يقول في هذه الآية: {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام} إلاّ أن يكون عبدًا أو أحدًا من أهل الجزية.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم اللّه من فضله} قال: أغناهم اللّه بالجزية الجارية شهرًا فشهرًا وعامًا فعامًا.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن الحجّاج، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ: {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} قال: لا يقرب المسجد الحرام بعد عامه هذا مشركٌ ولا ذمّي.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلةً} وذلك أنّ النّاس قالوا: لتقطعنّ عنّا الأسواق ولتهلكنّ التّجارة وليذهبنّ ما كنّا نصيب فيها من المرافق، فنزل: {وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم اللّه من فضله} من وجهٍ غير ذلك {إن شاء} إلى قوله: {وهم صاغرون} ففي هذا عوضٌ ممّا تخوّفتم من قطع تلك الأسواق. فعوّضهم اللّه بما قطع عنهم من أمر الشّرك ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب من الجزية.
وأمّا قوله: {إنّ اللّه عليمٌ حكيمٌ} فإنّ معناه: إنّ اللّه عليمٌ بما حدّثتكم به أنفسكم أيّها المؤمنون من خوف العيلة عليها بمنع المشركين من أن يقربوا المسجد الحرام، وغير ذلك من مصالح عباده، حكيمٌ في تدبيره إيّاهم وتدبير جميع خلقه). [جامع البيان: 11/396-405]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء إنّ اللّه عليمٌ حكيمٌ (28)
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا
تقدّم تفسيره
قوله تعالى: إنّما المشركون نجسٌ
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: إنّما المشركون نجس قال: النجس: الكلب والخنزير.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة قوله: إنّما المشركون نجسٌ أي أجنابٌ.
قوله تعالى: فلا يقربوا المسجد الحرام
- حدّثنا أبي ثنا أبو نعيمٍ الفضل بن دكينٍ ثنا شريكٌ عن أشعث عن الحسن عن جابرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يدخل المسجد الحرام بعد عامي هذا أبدًا، إلا أهل العهد وخدمكم»
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ ابن جريجٍ أنبأ أبو الزّبير أنّه سمع جابر بن عبد اللّه يقول في قوله: إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا إلا أن يكون عبدًا، أو أحدًا من أهل الذمة.
- ذكر عن أبي عاصمٍ عن ابن جريجٍ تلا هذه الآية فلا يقربوا المسجد الحرام قال عمرو بن دينارٍ: لا تدخلوا المسجد الحرام.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا اللّيث ثنا يونس بن يزيد عن ابن شهابٍ حدّثني ابن المسيّب قال: قال اللّه تعالى: إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام قال: كان أبو سفيان يدخل مسجد المدينة وهو كافرٌ، غير أنّ ذلك لا يحلّ في المسجد الحرام.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا اللّيث ثنا عقيلٌ عن ابن شهابٍ وسئل عن المشركين فقال: ليس للمشرك أن يقرب المسجد الحرام بعد عامهم هذا، فكان ولاة الأمر لا يرخّصون للمشركين في دخول مكّة.
قوله تعالى: المسجد الحرام
- حدّثنا يحيى بن عبد اللّه القزوينيّ ثنا خالد بن عبد الرّحمن المخزوميّ ثنا سفيان عن الرّكين عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ قال: الحرم كلّه المسجد الحرام.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو خالدٍ يعني سليمان بن حيّان الأحمر قال: سمعت عبد اللّه بن مسلمٍ يعني ابن هرمزٍ قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ يقول: الحرم كلّه مسجدٌ. وروي عن مجاهدٍ. مثله.
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ الأنصاريّ ثنا أبو عاصمٍ قال ابن جريجٍ أخبرناه قال: قال عطاءٌ: لا يدخل الحرم كلّه مشركٌ، وتلا بعد عامهم هذا
قوله تعالى: بعد عامهم هذا
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: بعد عامهم هذا وهو العام الّذي حجّ فيه أبو بكرٍ رضي اللّه عنه، ونادى عليٌّ فيه بالأذان وذلك لتسعٍ مضين من هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وحجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من العام المقبل حجّة الوداع، لم يحجّ قبلها ولا بعدها منذ هاجر.
قوله تعالى: وإن خفتم عيلة
- حدّثنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر العدنيّ ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله: وإن خفتم عيلةً قال: يعني بالعيلة: الفاقة. وروي عن سعيد بن جبيرٍ والضّحّاك. نحو ذلك.
قوله تعالى: فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا عبد اللّه بن صالح بن مسلمٍ العجليّ ثنا أبو الأحوص عن سماكٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قوله: يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا قال: كان المشركون يجيئون إلى البيت ويجيئون معهم بالطّعام يتّجرون به، فلمّا نهوا عن أن يأتوا البيت قال المسلمون: فيمن أين لنا الطّعام؟ قال: فأنزل اللّه عزّ وجلّ وإن خفتم عيلةٍ فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء قال: فأنزل اللّه عليهم المطر وكثر خيرهم حين ذهب المشركون عنهم
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء قال: المؤمنون: كنّا نصيب من متاجر المشركين فوعدهم اللّه أن يغنيهم من فضله عوضًا لهم بأن لا يقرّبوهم المسجد الحرام، فهذه الآية في أوّل براءة في القراءة مع آخرها في التّأويل.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة قوله: فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء فأغناهم اللّه بهذا الخراج الجزية الجارية عليهم يأخذونها شهرًا شهرًا وعامًا عامًا، فليس لأحدٍ من المشركين أن يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم ذلك، إلا صاحب جزيةٍ، أو عبد رجلٍ من المسلمين.
- حدّثنا أبي ثنا عمرو النّاقد ثنا أبو سعيدٍ الحدّاد.
- حدّثنا يحيى بن يمانٍ عن أشعث عن جعفرٍ عن سعيد بن جبيرٍ فسوف يغنيكم اللّه من فضله قال: بالجزية. وروي عن الضحاك. مثله). [تفسير القرآن العظيم: 6/1775-1777]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله قال: قال المسلمون كنا نصيب من متاجر المشركين فوعدهم أن يغنيهم من فضله عوضا لهم بأن لا يقرب المشركون المسجد الحرام بعد عامهم هذا فهذه الآية مع أول براءة في القراءة ومع آخرها في التأويل). [تفسير مجاهد: 276]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م د س) أبو هريرة - رضي الله عنه -: أنّ أبا بكرٍ بعثه في الحجّة التي أمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل حجّة الوداع، في رهطٍ يؤذّنون في النّاس يوم النّحر: أن لا يحجّ بعد العام مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عريانٌ.
وفي رواية: ثم أردف النبيّ صلى الله عليه وسلم بعليّ بن أبي طالب، فأمره أن يؤذّن بـ «براءة»، فقال أبو هريرة: فأذّن معنا في أهل منى ببراءة: أن لا يحجّ بعد العام مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عريانٌ.
وفي رواية: ويوم الحجّ الأكبر: يوم النّحر، والحجّ الأكبر: الحجّ، وإنما قيل: الحجّ الأكبر، من أجل قول النّاس: العمرة: الحجّ الأصغر، قال: فنبذ أبو بكرٍ إلى الناس في ذلك العام، فلم يحجّ في العام القابل الذي حجّ فيه النبي صلى الله عليه وسلم حجّة الوداع مشركٌ.
وأنزل الله تعالى في العام الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله... } الآية [التوبة: 28] وكان المشركون يوافون بالتجارة، فينتفع بها المسلمون، فلما حرّم الله على المشركين أن يقربوا المسجد الحرام، وجد المسلمون في أنفسهم مما قطع عليهم من التجارة التي كان المشركون يوافون بها، فقال الله تعالى: {وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء} ثم أحلّ في الآية التي تتبعها الجزية، ولم [تكن] تؤخذ قبل ذلك، فجعلها عوضاً ممّا منعهم من موافاة المشركين بتجاراتهم، فقال عز وجل: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون} [التوبة: 29] فلما أحلّ الله عز وجل ذلك للمسلمين: عرفوا أنّه قد عاضهم أفضل مما خافوا ووجدوا عليه، مما كان المشركون يوافون به من التجارة. هذه رواية البخاري ومسلم.
وفي رواية أبي داود، قال: بعثني أبو بكرٍ فيمن يؤذّن يوم النّحر بمنى: أن لا يحجّ بعد العام مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عريانٌ، ويوم الحجّ الأكبر: يوم النحر، والحجّ الأكبر: الحجّ.
وفي رواية النسائي مثل رواية أبي داود، إلى قوله: «عريانٌ».
وله في رواية أخرى، قال أبو هريرة: جئت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ببراءة، قيل: ما كنتم تنادون؟ قال: كنّا ننادي: إنه لا يدخل الجنة إلا نفسٌ مؤمنة، ولا يطوفنّ بالبيت عريانٌ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدٌ، فأجله - أو أمده - إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر، فإنّ الله بريءٌ من المشركين ورسوله، ولا يحجّ بعد العام مشركٌ، فكنت أنادي حتى صحل صوتي.
[شرح الغريب]
(رهط) الرهط: الجماعة من الرجال: ما بين الثلاثة إلى التسع، ولا تكون فيهم امرأة.
(يؤذن) الإيذان: الإعلام.
(نبذ) الشيء إذا ألقاه، ونبذت إليه العهد، أي: تحّللت من عهده.
(عيلة) العيلة: الفقر والفاقة.
(الجزية) : هي المقدار من المال الذي تعقد للكتابي عليه الذمة.
(وجد المسلمون) وجد الرجل يجد: إذا حزن.
(عاضهم) عضت فلاناً كذا: إذا أعطيته بدل ما ذهب منه.
(صحل) الصحل في الصوت: البحة). [جامع الأصول: 2/152-155] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 28.
وأخرج أحمد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل المسجد الحرام مشرك بعد عامي هذا أبدا إلا أهل العهد وخدمكم.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه، عن جابر رضي الله عنه في قوله {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} إلا أن يكون عبدا أو أحدا من أهل الذمة.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {إنما المشركون نجس} أي أخباث {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} وهو العام الذي حج فيه أبو بكر رضي الله عنه، نادى علي رضي الله عنه بالأذان وذلك لتسع سنين من الهجرة وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام المقبل حجة الوداع لم يحج قبلها ولا بعدها منذ هاجر فلما نفى الله تعالى المشركين عن المسجد الحرام شق ذلك على المسلمين فأنزل الله {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله} فأغناهم الله تعالى بهذا الخراج: الجزية الجارية عليهم يأخذونها شهرا شهرا وعاما عاما فليس لأحد من المشركين أن يقرب المسجد الحرام بعد عامهم ذلك إلا صاحب الجزية أو عبد رجل من المسلمين.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المشركون يجيئون إلى البيت ويجيئون معهم بالطعام يتجرون فيه فلما نهوا عن أن يأتوا البيت قال المسلمون: فمن أين لنا الطعام فأنزل الله {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء} قال: فأنزل الله عليهم المطر وكثر خيرهم حين ذهب المشركون عنهم.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: لما نزلت {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} شق على أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: من يأتينا بطعامنا وبالمتاع فنزلت {وإن خفتم عيلة} الآية.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نفى الله تعالى إلى المشركين عن المسجد الحرام ألقى الشيطان في قلوب المؤمنين فقال: من أين تأكلون وقد نفى المشركون وانقطعت عنكم العير قال الله تعالى {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء} فأمرهم بقتال أهل الكفر وأغناهم من فضله.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال: قال المؤمنون: قد كنا نصيب من متاجر المشركين، فوعدهم الله تعالى أن يغنيهم من فضله عوضا لهم بأن لا يقربوا المسجد الحرام فهذه الآية من أول براءة في القراءة وفي آخرها التأويل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه قال: لا يدخل الحرم كله مشرك وتلا هذه الآية.
وأخرج عبد الرزاق والنحاس في ناسخه عن عطاء عن عطاء رضي الله عنه في قوله {فلا يقربوا المسجد الحرام} قال: يريد الحرم كله، وفي لفظ: لا يدخل الحرم كله مشرك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {وإن خفتم عيلة} قال: الفاقة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله {فسوف يغنيكم الله من فضله} قال: أغناهم الله تعالى بالجزية الجارية.
وأخرج أبو الشيخ عن الأوزاعي رضي الله عنه قال: كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أن يمنع أن يدخل اليهود والنصارى المساجد واتبع نهيه {إنما المشركون نجس}.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه {إنما المشركون نجس} فمن صافحهم فليتوضأ.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صافح مشركا فليتوضأ أو ليغسل كفيه.
وأخرج ابن مردويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده قال استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فناوله يده فأبى أن يتناولها فقال: يا جبريل ما منعك أن تأخذ بيدي فقال: إنك أخذت بيد يهودي فكرهت أن تمس يدي يدا قد مستها يد كافر فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ فناوله يده فتناولها.
وأخرج ابن مردويه وسمويه في فوائده عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ولا يطوف بالبيت عريان ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامهم هذا ومن كان بينه وبين رسول صلى الله عليه وسلم الله أجل فأجله مدته.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح: لا يدخل المسجد الحرام مشرك ولا يؤدي مسلم جزية.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عمر بن العزيز قال: آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقى بأرض العرب دينان.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج رضي الله عنه قال بلغني أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أوصى عند موته بأن لا يترك يهودي ولا نصراني بأرض الحجاز وأن يمضي جيش أسامة إلى الشام وأوصى بالقبط خيرا فإن لهم قرابة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: إن آخر كلام تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال أخرجوا اليهود من أرض الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بقيت لأخرجن المشركين من جزيرة العرب فلما ولي عمر رضي الله عنه أخرجهم). [الدر المنثور: 7/306-311]

تفسير قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (قال نافع: وحدثني يعقوب بن عمرو، عن أبيه في الحديث: ومن أقر بالجزية فقد أقر بالصغار). [الجامع في علوم القرآن: 1/118]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): ({والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعضٍ والّذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيءٍ حتّى يهاجروا}؛ فكان الأعرابي لا يرث المهاجري، وقال: {وإن جنحوا للسلم فأجنح لها}؛
فنسختها الآية التي في براءة: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون}). [الجامع في علوم القرآن: 3/73-74] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أنزلت في ضبيعة بين شرحبيل، فنسختها: {واقتلوهم حيث وجدتموهم}، {فاعف عنهم واصفح}؛
فنسختها: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر}، {أو أعرض عنهم}؛
نسختها: {فاحكم بينهم بما أنزل الله}). [الجامع في علوم القرآن: 3/85-86] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون}. يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم: {قاتلوا} أيّها المؤمنون القوم {الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} يقول: ولا يصدّقون بجنّةٍ ولا نارٍ. {ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ} يقول: ولا يطيعون اللّه طاعة الحقّ. يعني: أنّهم لا يطيعون طاعة أهل الإسلام. {من الّذين أوتوا الكتاب} وهم اليهود والنّصارى.
وكلّ مطيعٍ ملكًا أو ذا سلطانٍ، فهو دائنٌ له، يقال منه: دان فلانٌ لفلانٍ فهو يدين له دينًا، قال زهيرٌ:
لئن حللت بجوٍّ في بني أسدٍ = في دين عمرٍو وحالت بيننا فدك
وقوله: {من الّذين أوتوا الكتاب} يعني: الّذين أعطوا كتاب اللّه، وهم أهل التّوراة والإنجيل. {حتّى يعطوا الجزية}.
والجزية: الفعلة من جزى فلانٌ فلانًا ما عليه: إذا قضاه، يجزيه. والجزية مثل القعدة والجلسة.
ومعنى الكلام: حتّى يعطوا الخراج عن رقابهم الّذي يبذلونه للمسلمين دفعًا عنها.
وأمّا قوله: {عن يدٍ} فإنّه يعني: من يده إلى يد من يدفعه إليه.
وكذلك تقول العرب لكلّ معطٍ قاهرًا له شيئًا طائعًا له أو كارهًا: أعطاه عن يده وعن يدٍ، وذلك نظير قولهم: كلّمته فمًا لفمٍ ولقيته كفّةً لكفّةٍ، وكذلك أعطيته عن يدٍ ليدٍ.
وأمّا قوله: {وهم صاغرون} فإنّ معناه: وهم أذلاّء مقهورون، يقال للذّليل الحقير: صاغرٌ.
وذكر أنّ هذه الآية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أمره بحرب الرّوم، فغزا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد نزولها غزوة تبوك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عروة، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون} حين أمر محمّدٌ وأصحابه بغزوة تبوك.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ نحوه.
واختلف أهل التّأويل في معنى الصّغار الّذي عناه اللّه في هذا الموضع، فقال بعضهم: أن يعطيها وهو قائمٌ والآخذ جالسٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبد الرّحمن بن بشرٍ النّيسابوريّ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن سعدٍ، عن عكرمة: {حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون} قال: أي تأخذها وأنت جالسٌ وهو قائمٌ.
وقال آخرون: معنى قوله: {حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون} عن أنفسهم بأيديهم يمشون بها وهم كارهون، وذلك قولٌ روي عن ابن عبّاسٍ من وجهٍ فيه نظرٌ.
وقال آخرون: إعطاؤهم إيّاها هو الصّغار). [جامع البيان: 11/405-408]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون (29)
قوله تعالى: قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر حين أمر محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه بغزوة تبوك.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ- فيما كتب إليّ- ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: قال اللّه تعالى: قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر قال: فلمّا فرغ رسول اللّه. صلّى اللّه عليه وسلّم- من قتال من يليه من العرب أمره بجهاد أهل الكتاب قال: وجاهدهم أفضل الجهاد.
قوله تعالى: لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه ابن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه يعني الّذين لا يصدّقون بتوحيد اللّه.
قوله تعالى: ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله يعني: الخمر والخنزير.
قوله تعالى: ولا يدينون دين الحقّ
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه ولا يدينون دين الحقّ يعني: دين الإسلام، لأن كلّ دينٍ غير الإسلام باطلٌ.
وروي عن عمر بن عبد العزيز أنّه قال: دين الحقّ الإسلام.
قوله تعالى: من الّذين أوتوا الكتاب
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى ثنا عبد اللّه ثنا عطاءٌ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه من الّذين أوتوا الكتاب يعني: من اليهود والنّصارى، أوتوا الكتاب من قبل المسلمين أمّة محمّدٍ صلّى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ
- حدّثنا أبي ثنا أبو اليمان أنبأ شعيب عن الزّهريّ ثنا حميد بن عبد الرّحمن عن أبي هريرة قال: بعثني أبو بكرٍ فيمن يؤذّن يوم النّحر بمنًى، قال: ثمّ أنزل في الآية الّتي تتبعها الجزية ولم تكن تؤخذ قبل ذلك، فجعلها عوضًا ممّا منعهم من موافاة المشركين بتجاراتهم فقال قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر إلى قوله: صاغرون فلمّا أحقّ اللّه ذلك للمسلمين عرفوا أنّه قد عاضهم أفضل ممّا كانوا وجدوا عليه ممّا كان المشركون يوافون به من التّجارة.
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع ثنا أبو إسحاق الفزاريّ عن سفيان بن الحسين عن الحكم عن مقسمٍ عن ابن عبّاسٍ قال: من نساء أهل الكتاب من تحلّ لنا ومنهم من لا تحلّ لنا ثمّ تلا هذه الآية قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر الآية. فمن أعطى الجزية حلّ لنا نساؤهم ومن لم يعط الجزية لم تحلّ لنا نساؤهم قال الحكم: فذكرت ذلك لإبراهيم فأعجبه.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، أنبأ ابن وهبٍ قال: قال مالكٌ في قول اللّه تعالى قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون قال مالكٌ: فإنّما يعطي أهل الكتاب الجزية من ثمن الخمر والخنزير، فذلك حلالٌ للمسلمين أن يأخذوه من أهل الكتاب في الجزية ولا يحلّ لهم أن يأخذوا في جزيتهم الخنزير ولا الخمر بعينها.
قوله تعالى: الجزية
- حدّثنا جعفر بن أحمد بن عوسجة ثنا عوسجة بن زيادٍ ثنا عبد الصّمد بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاسٍ ثنا أبي عليٍّ عن جدّي عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الجزية عن يدٍ، قال: جزية الأرض والرّقبة، جزية الأرض والرّقبة قال جعفر: أحسبه قال ثلاثًا.
قوله تعالى: عن يد
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا عبيد اللّه بن حمزة بن إسماعيل قال: سمعت أبي ثنا أبو سنانٍ في قوله: حتّى يعطوا الجزية عن يد قال: عن قدرةٍ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن قتادة حتّى يعطوا الجزية عن يد قال: عن قهرٍ.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا إسحاق بن موسى الأنصاريّ قال: سألت سفيان بن عيينة عن قول اللّه حتّى يعطوا الجزية عن يد قال: من يده ولا يبعث به مع غيره
قوله تعالى: وهم صاغرون
[الوجه الأول]
- حدثنا أبي ثنا أبو الحسام المقري ثنا بقيّة بن الوليد عن الرّعينيّ عن أبي صالحٍ عن ابن عبّاسٍ قوله: حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون قال: ويلكزون
- حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن الهرويّ ثنا عليّ بن عاصمٍ عن عطاء بن السّائب عن أبي البختريّ عن سلمان حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون قال: وهم غير محمودين.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون يعني: مذلّون.
- حدّثنا أبي ثنا عبد الرّحمن بن إبراهيم دحيمٌ ثنا مروان ابن معاوية عن أبي أسماء العدويّ عن مروان بن عمرٍو عن أبي صالحٍ في قوله: حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون قال: لا يمشون بها، هم يتلتلون فيها.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا العبّاس بن يزيد العبديّ ثنا سفيان عن أبي سعدٍ قال: بعث المغيرة إلى رستم فقال له رستم: إلام تدعو؟ فقال له: أدعوك إلى الإسلام، فإن أسلمت فلك ما لنا وعليك ما علينا، قال: فإن أبيت؟ قال: فتعطي الجزية عن يد وأنت صاغرٌ، فقال لترجمانه: قل له أمّا إعطاء الجزية فقد عرفتها، فما قولك وأنت صاغرٌ؟
قال: تعطيها وأنت قائمٌ وأنا جالسٌ، وقال غير أبي سعدٍ: والسّوط على رأسك). [تفسير القرآن العظيم: 6/1778-1781]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر إلى قوله حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون قال نزل هذا حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بغزوة تبوك). [تفسير مجاهد: 276]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 29.
أخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أنزل الله تعالى في العام الذي نبذ فيه أبو بكر رضي الله عنه إلى المشركين {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس} فكان المشركون يوافون بالتجارة فينتفع بها المسلمون فلما حرم الله تعالى على المشركين أن يقربوا المسجد الحرام وجد المسلمون في أنفسهم مما قطع عنهم من التجارة التي كان المشركون يوافون بها فأنزل الله تعالى {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء} فأجل في الآية الأخرى التي تتبعها الجزية ولم تكن تؤخذ قبل ذلك فجعلها عوضا مما منعهم من موافاة المشركين بتجاراتهم فقال {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} إلى قوله {صاغرون} فلما أحق ذلك للمسلمين عرفوا أنه قد عوضهم أفضل ما كانوا وجدوا عليه مما كان المشركين يوافون به من التجارة.
وأخرج ابن عساكر عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القتال قتالان: قتال المشركين حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وقتال الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله فإذا فاءت أعطيت العدل.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في "سننه" عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} الآية، قال: نزلت هذه حين أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بغزوة تبوك.
وأخرج ابن المنذر عن ابن شهاب رضي الله عنه قال: أنزلت في كفار قريش والعرب (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) (البقرة الآية 193) وأنزلت في أهل الكتاب {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} إلى قوله {حتى يعطوا الجزية} فكان أول من أعطى الجزية أهل نجران.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجزية عن يد قال جزية الأرض والرقبة جزية الأرض والرقبة.
وأخرج النحاس في ناسخه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} قال: نسخ بهذا العفو عن المشركين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي اله عنه في الآية قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال من يليه من العرب أمره بجهاد أهل الكتاب.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} يعني الذين لا يصدقون بتوحيد الله {ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله} يعني الخمر والخنزير {ولا يدينون دين الحق} يعني دين الإسلام {من الذين أوتوا الكتاب} يعني من اليهود والنصارى أوتوا الكتاب من قبل المسلمين أمة محمد صلى الله عليه وسلم {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} يعني يذلون.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {عن يد} قال: عن قهر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة رضي الله عنه في قوله {عن يد} قال: من يده ولا يبعث بها مع غيره.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي سنان رضي الله عنه في قوله {عن يد} قال: عن قدرة.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {عن يد وهم صاغرون} قال: ولا يلكزون.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سلمان رضي الله عنه في قوله: {وهم صاغرون} قال: غير محمودين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن المغيرة رضي الله عنه، أنه بعث إلى رستم فقال له رستم: إلام تدعو فقال له: أدعوك إلى الإسلام فإن أسلمت فلك ما لنا وعليك ما علينا، قال: فإن أبيت قال: فتعطي الجزية عن يد وأنت صاغر، فقال: لترجمانه: قل له أما إعطاء الجزية فقد عرفتها فما قولك وأنت صاغر قال: تعطيها وأنت قائم وأنا جالس والسوط على رأسك.
وأخرج أبو الشيخ عن سلمان رضي الله عنه أنه قال لأهل حصن حاصرهم الإسلام: أو الجزية وأنتم صاغرون قالوا: وما الجزية قال: نأخذ منكم الدراهم والتراب على رؤوسكم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن سلمان رضي الله عنه، أنه انتهى إلى حصن
فقال: إن أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا وإن أنتم أبيتم فأدوا الجزية وأنتم صاغرون فإن أبيتم فأنبذناكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين.
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: أحب لأهل الذمة أن يتعبوا في أداء الجزية لقول الله تعالى {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مسروق رضي الله عنه قال لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من مجوس أهل هجر ومن يهود اليمن ونصاراهم من كل حالم دينار.
وأخرج ابن أبي شيبة عن بجالة قال: لم يأخذ عمر رضي الله عنه الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن بن محمد بن علي رضي الله عنهم قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فمن أسلم قبل منه ومن أبى ضربت عليهم الجزية حتى أن لا تؤكل لهم ذبيحة ولا ينكح منهم امرأة.
وأخرج مالك والشافعي وأبو عبيد في كتاب الأموال، وابن أبي شيبة عن جعفر عن أبيه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار الناس في المجوس في الجزية فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب.
وأخرج ابن المنذر عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: لولا أني رأيت أصحابي أخذوا من المجوس ما أخذت منهم وتلا {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} الآية.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه سئل عن أخذ الجزية من المجوس فقال: والله ما على الأرض أحد أعلم بذلك مني إن المجوس كانوا أهل كتاب يعرفونه وعلم يدرسونه فشرب أميرهم الخمر فسكر فوقع على أخته فرآه نفر من المسلمين فلما أصبح قالت أخته: إنك قد صنعت بي كذا وكذا وقد رآك نفر لا يسترون عليك، فدعا أهل الطمع فأعطاهم ثم قال لهم: قد
علمتم أن آدم عليه السلام قد أنكح بنيه بناته فجاء أولئك الذين رأوه فقالوا: ويل للأبعد إن في ظهرك حد الله فقتلهم أولئك الذين كانوا عنده ثم جاءة امرأة فقالت له: بلى قد رأيتك، فقال لها: ويحا لبغي بني فلان، قالت: أجل والله لقد كانت بغية ثم تابت فقتلها ثم أسرى على ما في قلوبهم وعلى كتبهم فلم يصبح عندهم شيء.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذه الجزيرة من العرب على الإسلام لم يقبل منهم غيره وكان أفضل الجهاد وكان بعد جهاد آخر على هذه الأمة في شأن أهل الكتاب {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في "سننه" عن مجاهد رضي الله قال: يقاتل أهل الأوثان على الإسلام ويقاتل أهل الكتاب على الجزية.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من نساء أهل الكتاب من يحل لنا ومنهم من لا يحل لنا وتلا {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} فمن أعطى الجزية حل لنا نساؤه ومن لم يعط الجزية لم يحل لنا نساؤوه ولفظ ابن مردويه: لا يحل نكاح أهل الكتاب إذا كانوا حربا ثم تلا هذه الآية.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال له: آخذ الأرض فأتقبلها أرضا خربة فأعمرها وأؤدي خراجها فنهاه ثم قال: لا تعمدوا إلى ما ولاه الله هذا الكافر فتخلعه من عنقه وتجعله في عنقك ثم تلا {قاتلوا الذين لا يؤمنون} إلى {صاغرون}). [الدر المنثور: 7/311-318]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:10 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما المشركون نجسٌ...}
لا تكاد العرب تقول: نجس إلا وقبلها رجس. فإذا أفردوها قالوا: نجس لا غير؛ ولا يجمع ولا يؤنث. وهو مثل دنف. ولو أنّث هو ومثله كان صوابا؛ كما قالوا: هي ضيفته وضيفه، وهي أخته سوغه وسوغته، وزوجه وزوجته.
وقوله: {إذ أعجبتكم كثرتكم}. قال يومئذ رجل من المسلمين: والله لا نغلب، وكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المسلمون يؤمئذ عشرة آلاف، وقال بعض الناس: اثني عشر ألفا، فهزموا هزيمة شديدة.
وهو قوله: {وضاقت عليكم الأرض بما رحبت} والباء هاهنا بمنزلة في؛ كما تقول: ضاقت عليكم الأرض في رحبها وبرحبها. ... وحدثني المفضل عن أبي إسحاق قال قلت للبراء بن عازب: يا أبا عمارة أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ قال: نعم والله حتى ما بقي معه منا إلا رجلان: أبو سفيان بن الحرث آخذا بلجامه، والعباس بن عبد المطلب عند ركابه آخذا بثفره، قال فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم كما قال لهم يوم بدر: شاهت الوجوه،
أنا النبي لا كذب = أنا ابن عبد المطلب
قال: فمنحنا الله أكتافهم). [معاني القرآن: 1/430]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإن خفتم عيلةً...}
يعني فقرا. وذلك لمّا نزلت: {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} خاف أهل مكة أن تنقطع عنهم الميرة والتجارة. فأنزل الله عز وجل: {وإن خفتم عيلةً}. فذكروا أن تبالة وجرش أخصبتا، فأغناهم الله بهما وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف). [معاني القرآن: 1/430]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّما المشركون نجسٌ} متحرك الحروف بالفتحة، ومجازه: قذر، وكل نتنٍ وطفسٍ نجسٌ.
{وإن خفتم عيلةٌ} وهي مصدر عال فلانٌ أي افتقر فهو يعيل، وقال:
وما يدري الفقير متى غناه... وما يدري الغنىّ متى يعيل). [مجاز القرآن: 1/255]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إنّ اللّه عليمٌ حكيمٌ}
وقال: {وإن خفتم عيلةً} وهو "الفقر" تقول: "عال" "يعيل" "عيلةً" أي: "افتقر". و"أعال" "إعالةً": إذا صار صاحب عيال. و"عال عياله" و"هو يعولهم" "عولاً" و"عيالةً". وقال "{ذلك أدنى ألاّ تعولوا} أي: ألاّ تعولوا العيال. و"أعال الرجل" "يعيل" إذا صار ذا عيال). [معاني القرآن: 2/30]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {إنما المشركون نجس} وكذلك الواحد والمؤنث والفعل والمصدر: نجس نجاسة ونجوسة، ونجس ينجس؛ وقالوا أيضًا: رجلان نجسان، فثنوا؛ وكان أبو عمرو يقول: "رجس نجس" لا يتكلم بالأول إلا مع الآخر، ولا بالآخر إلا مع الأول.
وقوله {وإن خفتم عيلة} فالفعل: عال يعيل عيلة وعيولاً، وعال أيضًا يعول بالواو لغة.
وقال الشاعر:
وما يدري الفقير متى غناه = وما يدري الغني متى يعيل
وقالوا: عال في الأرض يعيل؛ أي ذهب يمينًا وشمالاً.
وقوله {وإن خفتم عيلة} فحكاها أهل التفسير الثقة أن المعنى: وغذ خفتم علة؛ أي قد مضى خوفهم، وكانوا خافوا؛ وقول ابن عباس يقول ذلك في قوله {إن
[معاني القرآن لقطرب: 639]
كنتم مؤمنين} قال: يريد غذ كنتم في خوفه إن كنتم مؤمنين، ومثل ذلك قول الشاعر:
أتجزع إن أطلال حنث وشاقها = تفرقنا يوم الخبيت على ظهر
قال: أراد: إذ أطلال حنت، أثبت حنينها كالآية.
وعلى هذا يوجه هذا البيت:
أتغضب إن أذنا قتيبة حزنا = جهارا ولم تغضب لقتل ابن حازم
أي إذ حزتا؛ ومثله: أن كنت أبي فأحسن إلي؛ المعنى إذ كنت أبي؛ لأنه ليس هاهنا شك، ولا استقبال لأبوة في ما يستقبل). [معاني القرآن لقطرب: 640]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وإن خفتم عيلة}: العيلة الفقر والحاجة، يقال قد عال الرجل يعيل عيلة. ومنه {ووجدك عائلا فأغنى}). [غريب القرآن وتفسيره: 162]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إنّما المشركون نجسٌ} أي قذر.
{وإن خفتم عيلةً} أي فقرا بتركهم الحمل إليكم التجارات.
{فسوف يغنيكم اللّه من فضله}). [تفسير غريب القرآن: 184]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء إنّ اللّه عليم حكيم}
يقال لكل مستقذر نجس، فإذا ذكرت الرجس قلت: هو رجس نجس.
وهذا وقع في سنة تسع من الهجرة، أمر المسلمون بمنع المشركين من الحج وبقتلهم حيث ثقفوهم.
{وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء}.
كان لأهل مكة مكسبة، ورفق ممن كان يحج من المشركين.
فأعلمهم اللّه أنه يعوضهم من ذلك.
والعيلة: الفقر.
قال الشاعر:
وما يدري الفقير متى غناه..=. وما يدري الغني متى يعيل
). [معاني القرآن: 2/441]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس}
يقال لكل مستقذر نجس فإذا قلت رجس نجس كسرت الراء والنون وأسكنت الجيم
وقوله جل وعز: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [آية: 28]
روى ابن جريج عن عطاء قال يريد بالمسجد الحرام الحرم كله
وروى ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام إلا أن يكون عبد أو أحد من أهل الجزية
وهذا مذهب الكوفيين أن المشركين في الآية يراد بهم من ليس له عهد وأن ذلك في سائر المساجد
ومذهب المدنيين أن الآية عامة لجميع الكفار وانه يحال بينهم وبين جميع المساجد
ومذهب الشافعي أن المشركين ههنا عام أيضا كقول مالك إلا أنه قال إنما ذلك في المسجد الحرام خاصة
ومذهب المدنين في هذا أحسن لقول الله جل وعز: {في بيوت أذن الله أن ترفع} أي تصان فيجب على هذا أن ترفع عن دخولهم لأنهم لا يعظمونها في دخولهم
وقوله جل وعز: {وإن خفتم عيلة}
والعيلة الفقر يقال عال يعيل عيلة ومنه ووجدك عائلا فأغنى
وقال علقمة في مصحف عبد الله بن مسعود وإن خفتم عائلة ومعناه خصلة شاقة يقال عالني الأمر يعولني أي شق علي واشتد). [معاني القرآن: 3/195-196]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} أي قذر.
{عَيْلَةً} أي فقرا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {العَيْلَةً}: الفقر). [العمدة في غريب القرآن: 147]

تفسير قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا يدينون دين الحقّ} مجازه: لا يطيعون الله طاعة الحق، وكل من أطاع مليكا فقد دان له، ومن كان في طاعة سلطان فهو في دينه، قال زهير:

لئن حللت بجّوٍ في بني أسدٍ..=. في دين عمرو وحالت بيننا فدك
[مجاز القرآن: 1/255]
وقال طرفة بن العبد:
لعمرك ما كانت حمولة معبدٍ=على جدّها حرباً لديبك من مضر
أي لطاعتك، جدّها مياهها.
{حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرين} كل من انطاع لقاهر بشئ أعطاه من غير طيب نفس به وقهر له من يد في يد فقد أعطاه عن يد ومجاز الصاغر الذليل الحقير، يقال: طعت له وهو يطاع له، وانطعت له، وأطعته، ولم يحفظ طعت له). [مجاز القرآن: 1/256]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} فيقال: الجزع أيضًا للجزية.
قال أبو علي: وسنذكر ذلك بما فيه في سورة الكهف إن شاء الله.
وقالوا: كل من انطاع لقاهر بشيء عن طيب نفس، وقهر له، من يد في يد، فقد أعطاه عن يد وهو صاغر؛ فذلك المعنى). [معاني القرآن لقطرب: 640]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ} يقال: أعطاه عن يد وعن ظهر يد: إذا أعطاه مبتدئا غير مكافيء). [تفسير غريب القرآن: 184]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الدّين
الدّين: الجزاء. ومنه قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} أي يوم الجزاء والقصاص. ومنه يقال: دنته بما صنع. أي جزيته بما صنع. وكما تدين تدان.
والدّين: الملك والسّلطان. ومنه قول الشاعر:
لئن حللت بخوّفي بني أسد في دين عمرو وحالت دوننا فدك
أي في سلطانه. ويقال من هذا: دنت القوم أدينهم، أي قهرتهم وأذللتهم، فدانوا أي ذلّوا وخضعوا.
والدّين لله إنما هو من هذا. ومنه قول القطاميّ:
كانت نوار تدينك الأديانا
أي تذلّك. ومنه قول الله تعالى: {وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} [التوبة: 29]، أي لا يطيعونه.
والدّين: الحساب، من قوله تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التوبة: 36]. ومنه قوله عز وجل: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} [النور: 25]، أي حسابهم). [تأويل مشكل القرآن: 453-454] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - جلّ وعزّ -: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}
معناه: الذين لا يؤمنون باللّه إيمان الموحّدين، لأنهم أقروا بأن اللّه خالقهم، وأنه له ولد.
وأشرك المشركون معه الأصنام، فأعلم الله عزّ وجلّ أن هذا غير إيمان باللّه، وأن إيمانهم بالبعث ليس على جهة إيماننا لأنهم لا يقرون بأن أهل الجنة يأكلون ويشربون وليس يقرون باليوم الآخر كما أعلم اللّه جلّ وعزّ وليس يدينون بدين الحق، فأمر الله بقتل الكافرين كافة إلا أن يعطوا الجزية عن يد، وفرض قبول الجزية من أهل الكتاب وهم النّصارى واليهود.
وسن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - في المجوس والصابئين أن يجروا مجرى أهل الكتاب في قبول الجزية.
فأمّا عبدة الأوثان من العرب فليس فيهم إلا القتل.
وكذلك من غيرهم.
وقوله: {حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
قيل معنى {عن يد} عن ذلّ، وقيل عن يد عن قهر وذلّ، كما تقول اليد في هذا لفلان. أي الأمر النافذ. لفلان.
وقيل (عن يد) أي عن إنعام عليهم بذلك، لأن قبول الجزية منهم وترك أنفسهم نعمة عليهم، ويد من المعروف جزيلة). [معاني القرآن: 2/441-442]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر}
المعنى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله إيمان الموحدين لأن أهل الكتاب يؤمنون بالله ويقولون له ولد تعالى عن ذلك
ويؤمنون بالآخرة ويقولون لا أكل فيها ولا شراب فهذا خلاف على ما أمر الله له جل وعز
ثم قال جل وعز: {ولا يدينون دين الحق}
قال أبو عبيدة مجازه ولا يطيعون طاعة الحق
قال أبو جعفر أي طاعة أهل الإسلام وكل مطيع ملكا فهو دائن له يقال دان فلان لفلان
قال زهير:

لئن حللت بجو في بني أسد = في دين عمرو وحالت دوننا
ثم قال جل وعز: {من الذين أوتوا الكتاب}
وهم اليهود والنصارى وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجوس أن يجروا مجراهم
ثم قال جل وعز: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}
روى أبو صالح عن ابن عباس في قوله جل وعز: {وهم صاغرون} قال يمشون بها ملبين
وروى عطاء عن أبي البختري عن سلمان قال مذمومين
وروى محمد بن ثور عن معمر عن قتادة عن يد قال عن مهر
وقيل معنى يد عن إنعام يد أي عن إنعام منكم
[معاني القرآن: 3/198]
عليهم لأنهم إذا أخذت منهم الجزية فقد أنعم عليهم بذلك
وقيل وهو أصحها يؤدونها بأيديهم ولا يوجهون بها كما يفعل الجبارون
وقال سعيد بن جبير يدفعها وهو قائم والذي يأخذها منه جالس
وأكثر أهل اللغة على أن المعنى عن قهر وذلة كما تقول اليد في هذا لفلان
ومذهب الشافعي في هذا أن تؤخذ الجزية منهم وأحكام المسلمين جارية عليهم
ثم قال وهم صاغرون
قال أبو عبيدة الصاغر الذليل الحقير
وقال غيره الذي يتلتل ويعنف به). [معاني القرآن: 3/196-200]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَنْ يَدٍ} أي مبتدأ منهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:12 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث صلة بن أشيم: طلبت الدنيا مظان حلالها فجعلت لا أصيب منها إلا قوتا، أما أنا فلا أعيل فيها، وأما هي فلا تجاوزني، فلما رأيت ذلك قلت: أي نفس جعل رزقك كفافا فاربعي، فربعت ولم تكد.
حدثناه ابن علية عن يونس عن الحسن عن أبي الصهباء صلة بن أشيم.
...
وأما قوله: فلا أعيل فيها: لا أفتقر.
وقال الكسائي: يقال: قد عال الرجل يعيل عيلة: إذا احتاج وافتقر وقال الله تبارك وتعالى: {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله} قال: وإذا أراد أنه كثر عياله قيل: أعال يعيل، وهو رجل معيل.
وأما قوله عز وجل: {ذلك أدنى أن لا تعولوا} فليس من الأول ولا الثاني، يقال: معناه لا تميلوا ولا تجوروا.
حدثنيه يحيى بن سعيد عن يونس بن أبي إسحاق عن
مجاهد.
والعول أيضا: عول الفريضة، وهو أن تزيد سهامها فيدخل النقصان على أهل الفرائض.
وأظنه مأخوذا من الميل، وذلك أن الفريضة إذا عالت فهي تميل على أهل الفريضة جميعا فتنقصهم). [غريب الحديث: 5/424-426]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

جهراء لا تألو إذا هي أظهرت = بصرا ولا من عيلة تغنيني
...
و(العيلة) الفقر). [شرح أشعار الهذليين: 1/415]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
وعالا وعاما حين باعا بأعنز = وكلبين لعبانية كالجلامد
علا افتقرا يقال عال الرجل يعيل إذا افتقر قال الشاعر:
لما يدري الفقير متى غناه = وما يدري الغني متى يعيل
أي متى يفتقر، {ووجدك عائلاً فأغنى}: يقال عال يعيل إذا افتقر وعال يعيل تبختر في مشيته، وأعال كثر عياله، وعال عياله يعولهم أي قام بأمورهم وأنفق عليهم، وعال يعول جار ومال، ومنه قول الله عز وجل: {أدنى ألا تعولوا}، أي لا تجوروا ولا تميلوا، والعيلة الفقر، ومنه قوله عز وجل: {وإن خفتم عيلة} ). [شرح المفضليات: 130] (م)

تفسير قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) }
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (
رويدكم مسح الصليب إذا دنا = هلال الجزى واستعجلوا بالدراهم
قوله الجزى يعني الجزية يريد خراج رؤوسهم يقول يؤدونه وهم صاغرون لقول الله تعالى: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} ). [نقائض جرير والفرزدق: 402]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:13 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:13 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:32 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:32 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء إنّ اللّه عليمٌ حكيمٌ (28)
قال قتادة ومعمر بن راشد وغيرهما: صفة المشرك بالنجس إنما كانت لأنه جنب إذ غسله من الجنابة ليس بغسل، وقال ابن عباس وغيره: بل معنى الشرك هو الذي كنجاسة الخمر، قال الحسن البصري: من صافح مشركا فليتوضأ.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فمن قال بسبب الجنابة أوجب الغسل على من يسلم من المشركين، ومن قال بالقول الآخر لم يوجب الغسل، والمذهب كله على القول بإيجاب الغسل إلا ابن عبد الحكم فإنه قال:
ليس بواجب، وقرأ أبو حيوة «نجس» بكسر النون وسكون الجيم،
ونص الله تعالى في هذه الآية على المشركين وعلى المسجد الحرام، فقاس مالك رحمه الله غيره جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم على المشركين، وقاس سائر المساجد على المسجد الحرام، ومنع من دخول الجميع في جميع المساجد وكذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله ونزع في كتابه بهذه الآية، ويؤيد ذلك قوله تعالى: في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع [النور: 36]، وقال الشافعي هي عامة في الكفار خاصة في المسجد الحرام، فأباح دخول اليهود والنصارى والوثنيين في سائر المساجد، ومن حجته حديث ربط ثمامة بن أثال، وقال أبو حنيفة هي خاصة في عبدة الأوثان وفي المسجد الحرام، فأباح دخول اليهود والنصارى في المسجد الحرام وغيره، ودخول عبدة الأوثان في سائر المساجد، وقال عطاء: وصف المسجد بالحرام ومنع القرب يقتضي منعهم من جميع الحرم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقوة قوله فلا يقربوا يقتضي أمر المسلمين بمنعهم، وقال جابر بن عبد الله وقتادة: لا يقرب المسجد الحرام مشرك إلا أن يكون صاحب جزية أو عبدا لمسلم، وعبدة الأوثان مشركون بإجماع، واختلف في أهل الكتاب، فمذهب عبد الله بن عمر وغيره أنهم مشركون، وقال جمهور أهل العلم ليسوا بمشركين، وفائدة هذا الخلاف تتبين في فقه مناكحهم وذبائحهم وغير ذلك، وقوله بعد عامهم هذا يريد بعد عام تسع من الهجرة وهو عام حج أبو بكر بالناس وأذن علي بسورة براءة، وأما قوله وإن خفتم عيلةً قال عمرو بن فائد: المعنى وإذ خفتم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه عجمة والمعنى بارع بإن، وكان المسلمون لما منع المشركون من الموسم وهم كانوا يجلبون الأطعمة والتجارات قذف الشيطان في نفوسهم الخوف من الفقر وقالوا من أين نعيش؟
فوعدهم الله بأن يغنيهم من فضله، قال الضحاك: ففتح عليهم باب أخذ الجزية من أهل الذمة، بقوله قاتلوا الّذين لا يؤمنون [التوبة: 29] إلى قوله وهم صاغرون [التوبة: 29]، وقال عكرمة: أغناهم بإدرار المطر عليهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأسلمت العرب فتمادى حجهم وتجرهم وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأمم، و «العيلة» الفقر، يقال: عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر، قال الشاعر: [أحيحة]
وما يدري الفقير متى غناه = وما يدري الغني متى يعيل
وقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود، «عايلة» وهو مصدر كالقايلة من قال يقيل، وكالعاقبة والعافية، ويحتمل أن تكون نعتا لمحذوف تقديره حالا عائلة، وحكى الطبري أنه يقال عال يعول إذا افتقر).[المحرر الوجيز: 4/ 286-288]

تفسير قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون (29)
هذه الأشياء تضمنت قتال أهل الكتاب من اليهود والنصارى حتى يقتلوا أو يؤدوا الجزية، قال مجاهد: وعند نزول هذه الآية أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزو الروم ومشى نحو تبوك، ومن جعل أهل الكتاب مشركين فهذه الآية عنده ناسخة بما فيها من أخذ الجزية لقوله تعالى: فاقتلوا المشركين [التوبة: 5] ونفى عنهم الإيمان بالله واليوم الآخر من حيث تركوا شرع الإسلام الذي يجب عليهم الدخول فيه، فصار جميع ما لهم في البعث وفي الله عز وجل من تخيلات واعتقادات لا معنى لها، إذ تلقوها من غير طريقها، وأيضا فلم تكن اعتقاداتهم مستقيمة لأنهم تشعبوا وقالوا: عزير ابن الله والله ثالث ثلاثة وغير ذلك، ولهم أيضا في البعث آراء كشراء منازل الجنة من الرهبان، وقول اليهود في النار نكون فيها أياما بعد ونحو ذلك، وأما قوله لا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله فبين، ونص على مخالفتهم لمحمد
صلى الله عليه وسلم، وأما قوله ولا يدينون فمعناه ولا يطيعون ويمتثلون، ومنه قول عائشة: ما عقلت أبوي إلا وهما يدينان الدين، والدين في اللغة لفظة مشتركة وهي هاهنا الشريعة، وهي مثل قوله تعالى: إنّ الدّين عند اللّه الإسلام [آل عمران: 19]، وأما قوله من الّذين أوتوا الكتاب فنص في بني إسرائيل وفي الروم وأجمع الناس في ذلك، وأما المجوس فقال ابن المنذر: لا أعلم خلافا في أن الجزية تؤخذ منهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب، فقال كثير من العلماء معنى ذلك في أخذ الجزية منهم، وليسوا أهل الكتاب، فعلى هذا لم يتعد التشبيه إلى ذبائحهم ومناكحهم، وهذا هو الذي ذكره ابن حبيب في الواضحة، وقال بعض العلماء: معناه سنوا بهم سنة أهل الكتاب إذ هم أهل كتاب، فعلى هذا يتجه التشبيه في ذبائحهم وغيرها، والأول هو قول مالك وجمهور أصحابه، وروي أنه قد كان بعث في المجوس نبي اسمه زرادشت، وأما مجوس العرب فقال ابن وهب: لا تقبل منهم جزية ولا بد من القتال أو الإسلام، وقال سحنون وابن القاسم وأشهب: تؤخذ الجزية من مجوس العرب والأمم كلها، وأما عبدة الأوثان من العرب فلم يستثن الله فيهم جزية ولا بقي منهم على الأرض بشر، قال ابن حبيب وإنما لهم القتال أو الإسلام وهو قول ابن حنيفة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويوجد لابن القاسم أن الجزية تؤخذ منهم، وذلك أيضا في التفريع لابن الجلاب وهو احتمال لا نص، وأما أهل الكتاب من العرب فذهب مالك رحمه الله إلى أن الجزية تؤخذ منهم، وأشار إلى المنع من ذلك أبو حنيفة، وأما السامرة والصابئون فالجمهور على أنهم من اليهود والنصارى تؤخذ منهم الجزية وتؤكل ذبائحهم، وقالت فرقة لا تؤكل ذبائحهم، وعلى هذا لا تؤخذ الجزية منهم، ومنع بعضهم الذبيحة مع إباحة أخذ الجزية منهم، وأما عبدة الأوثان والنيران وغير ذلك فجمهور العلماء على قبول الجزية منهم، وهو قول مالك في المدونة، وقال الشافعي وأبو ثور: لا تؤخذ الجزية إلا من اليهود والنصارى والمجوس فقط ومذهب مالك رحمه الله أن الجزية لا تؤخذ إلا من الرجال البالغين الأحرار العقلاء، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة، ولا تضرب على الصبيان والنساء والمجانين ولا تضرب على رهبان الديارات والصوامع المنقطعين، قال مالك في الواضحة: وأما إن كانت قد ضربت عليهم ثم انقطعوا بعد ذلك فلا تسقط عنهم، وأما رهبان الكنائس فتضرب عليهم، واختلف في الشيخ الفاني، ومن راعى أن علتها الإذلال أمضاها في الجميع وقال النقاش: العقوبات الشرعية تكون في الأموال والأبدان فالجزية من عقوبات الأموال، وأما قدرها فذهب رحمه الله وكثير من أهل العلم على ما فرضه عمر رضي الله عنه وذلك أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الفضة، وفرض = رضي الله عنه ضيافة وأرزاقا وكسوة، قال مالك في الواضحة ويحط ذلك عنهم اليوم لما عليهم من اللوازم، فهذا أحد ما ذكر عن عمر وبه أخذ مالك، قال سفيان الثوري رويت عن = ... عمر ضرائب مختلفة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأظن ذلك بحسب اجتهاده رضي الله عنه في يسرهم وعسرهم، وقال الشافعي وغيره: قدر الجزية دينار على الرأس، ودليل ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا بذلك وأخذه جزية اليمن كذلك أو قيمته معافر وهي ثياب، وقال كثير من أهل العلم ليس لذلك في الشرع حد محدود وإنما ذلك إلى اجتهاد الإمام في كل وقت وبحسب قوم قوم، وهذا كله في العنوة، وأما الصلح فهو ما صولحوا عليه من قليل أو كثير، واختلف في المذهب في العبد الذي يعتقه الذمي أو المسلم هل يلزمه جزية أم لا؟ وقال ابن القاسم لا ينقص أحد من أربعة دنانير كان فقيرا أو غنيا، وقال أصبغ: يحط الفقير بقدر ما يرى من حاله، وقال ابن الماجشون: لا يؤخذ من الفقير شيء والجزية وزنها فعلة من جزى يجزي إذا كافى عن ما أسدي إليه، فكأنهم أعطوها جزاء ما منحوا من الأمن، وهي كالقعدة والجلسة. ومن هذا المعنى قول الشاعر: [الكامل]
يجزيك أو يثني عليك وإن من = أثنى عليك بما فعلت كمن جزى
وقوله تعالى: عن يدٍ يحتمل تأويلات، منها أن يريد سوق الذمي لها بيده لا مع رسول ليكون في ذلك إذلال له، ومنها أن يريد عن نعمة منكم قبلهم في قبولها منهم وتمينهم، واليد في اللغة النعمة والصنع الجميل، ومنها أن يريد عن قوة منكم عليهم وقهر لا تبقى لهم معه راية ولا معقل، و «اليد» في كلام العرب القوة، يقال: فلان ذو يد ويقال ليس لي بكذا وكذا يد أي قوة، ومنها أن يريد أن ينقدوها ولا يؤخروا بها كما تقول بعته يدا بيد، ومنها أن يريد عن استسلام منهم وانقياد على نحو قولهم ألقى فلان بيده إذا عجز واستسلم، وقوله وهم صاغرون لفظ يعم وجوها لا تنحصر لكثرتها ذكر منها عن عكرمة أن يكون قابضها جالسا والدافع من أهل الذمة قائم، وهذا ونحوه داع إلى صغارهم). [المحرر الوجيز: 4/ 288-292]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:32 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:33 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء إنّ اللّه عليمٌ حكيمٌ (28) قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون (29)}
أمر تعالى عباده المؤمنين الطّاهرين دينًا وذاتًا بنفي المشركين، الّذين هم نجس دينًا، عن المسجد الحرام، وألّا يقربوه بعد نزول هذه الآية. وكان نزولها في سنة تسعٍ؛ ولهذا بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليًّا صحبة أبي بكرٍ، رضي اللّه عنهما، عامئذٍ، وأمره أن ينادي في المشركين: ألّا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. فأتمّ اللّه ذلك، وحكم به شرعًا وقدرًا.
وقال عبد الرازق: أخبرنا ابن جريج، أخبرني أبو الزّبير، أنّه سمع جابر بن عبد اللّه يقول في قوله تعالى: {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} إلّا أن يكون عبدًا، أو أحدًا من أهل الذّمّة
وقد روي مرفوعًا من وجهٍ آخر، فقال الإمام أحمد: حدّثنا حسين حدّثنا شريكٌ، عن الأشعث -يعني: ابن سوّار -عن الحسن، عن جابرٍ قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا يدخل مسجدنا بعد عامنا هذا مشركٌ، إلّا أهل العهد وخدمهم "
تفرّد به أحمد مرفوعًا، والموقوف أصحّ إسنادًا.
وقال الإمام أبو عمرٍو الأوزاعيّ: كتب عمر بن عبد العزيز، رضي اللّه عنه: أن امنعوا اليهود والنّصارى من دخول مساجد المسلمين، وأتبع نهيه قول اللّه: {إنّما المشركون نجسٌ}
وقال عطاءٌ: الحرم كلّه مسجدٌ، لقوله تعالى: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا}.
ودلّت هذه الآية الكريمة على نجاسة المشرك كما دلّت [على طهارة المؤمن، ولما] ورد في [الحديث] الصّحيح: "المؤمن لا ينجس" وأمّا نجاسة بدنه فالجمهور على أنّه ليس بنجس البدن والذّات؛ لأنّ اللّه تعالى أحلّ طعام أهل الكتاب، وذهب بعض الظّاهريّة إلى نجاسة أبدانهم.
وقال أشعث، عن الحسن: من صافحهم فليتوضّأ. رواه ابن جريرٍ.
وقوله: {وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم اللّه من فضله} قال ابن إسحاق: وذلك أنّ النّاس قالوا: لتنقطعنّ عنّا الأسواق، ولتهلكنّ التّجارة وليذهبنّ ما كنّا نصيب فيها من المرافق، فنزلت {وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم اللّه من فضله} من وجهٍ غير ذلك - {إن شاء} إلى قوله: {وهم صاغرون} أي: إنّ هذا عوض ما تخوّفتم من قطع تلك الأسواق، فعوّضهم اللّه بما قطع عنهم من أمر الشّرك، ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب، من الجزية.
وهكذا روي عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وقتادة والضّحّاك، وغيرهم.
{إنّ اللّه عليمٌ} أي: بما يصلحكم، {حكيم} أي: فيما يأمر به وينهى عنه؛ لأنّه الكامل في أفعاله وأقواله، العادل في خلقه وأمره، تبارك وتعالى؛ ولهذا عوّضهم عن تلك المكاسب بأموال الجزية الّتي يأخذونها من أهل الذّمّة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 130-132]

تفسير قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ولهذا عوّضهم عن تلك المكاسب بأموال الجزية الّتي يأخذونها من أهل الذّمّة، فقال: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون} فهم في نفس الأمر لمّا كفروا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم لم يبق لهم إيمانٌ صحيحٌ بأحدٍ من الرّسل، ولا بما جاءوا به، وإنّما يتّبعون آراءهم وأهواءهم وآباءهم فيما هم فيه، لا لأنّه شرع اللّه ودينه؛ لأنّهم لو كانوا مؤمنين بما بأيديهم إيمانًا صحيحًا لقادهم ذلك إلى الإيمان بمحمّدٍ، صلوات اللّه عليه، لأنّ جميع الأنبياء [الأقدمين] بشّروا به، وأمروا باتّباعه، فلمّا جاء وكفروا به، وهو أشرف الرّسل، علم أنّهم ليسوا متمسّكين بشرع الأنبياء الأقدمين لأنّه من عند اللّه، بل لحظوظهم وأهوائهم، فلهذا لا ينفعهم إيمانهم ببقيّة الأنبياء، وقد كفروا بسيّدهم وأفضلهم وخاتمهم وأكملهم؛ ولهذا قال: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب} وهذه الآية الكريمة [نزلت] أوّل الأمر بقتال أهل الكتاب، بعد ما تمهّدت أمور المشركين ودخل النّاس في دين اللّه أفواجًا، فلمّا استقامت جزيرة العرب أمر اللّه ورسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنّصارى، وكان ذلك في سنة تسعٍ؛ ولهذا تجهّز رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لقتال الرّوم ودعا النّاس إلى ذلك، وأظهره لهم، وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة فندبهم، فأوعبوا معه، واجتمع من المقاتلة نحوٌ [من] ثلاثين ألفًا، وتخلّف بعض النّاس من أهل المدينة ومن حولها من المنافقين وغيرهم، وكان ذلك في عام جدب، ووقت قيظ وحرٍّ، وخرج، عليه السّلام، يريد الشّام لقتال الرّوم، فبلغ تبوك، فنزل بها وأقام على مائها قريبًا من عشرين يومًا، ثمّ استخار اللّه في الرّجوع، فرجع عامه ذلك لضيق الحال وضعف النّاس، كما سيأتي بيانه بعد إن شاء اللّه.
وقد استدلّ بهذه الآية الكريمة من يرى أنّه لا تؤخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب، أو من أشباههم كالمجوس، لما صحّ فيهم الحديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخذها من مجوس هجر وهذا مذهب الشّافعيّ، وأحمد -في المشهور عنه -وقال أبو حنيفة، رحمه اللّه: بل تؤخذ من جميع الأعاجم، سواءٌ كانوا من أهل الكتاب أو من المشركين، ولا تؤخذ من العرب إلّا من أهل الكتاب.
وقال الإمام مالكٌ: بل يجوز أن تضرب الجزية على جميع الكفّار من كتابيٍّ، ومجوسي، ووثني، وغير ذلك، ولمأخذ هذه المذاهب وذكر أدلّتها مكانٌ غير هذا، واللّه أعلم.
وقوله: {حتّى يعطوا الجزية} أي: إن لم يسلموا، {عن يدٍ} أي: عن قهرٍ لهم وغلبةٍ، {وهم صاغرون} أي: ذليلون حقيرون مهانون. فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذّمّة ولا رفعهم على المسلمين، بل هم أذلّاء صغرة أشقياء، كما جاء في صحيح مسلمٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا تبدءوا اليهود والنّصارى بالسّلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريقٍ فاضطرّوه إلى أضيقه"
ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، تلك الشّروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم، وذلك ممّا رواه الأئمّة الحفّاظ، من رواية عبد الرّحمن بن غنم الأشعريّ قال: كتبت لعمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، حين صالح نصارى من أهل الشّام:

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، هذا كتابٌ لعبد اللّه عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا، إنّكم لمّا قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملّتنا وشرطنا لكم على أنفسنا ألّا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرًا ولا كنيسةً، ولا قلاية ولا صومعة راهبٍ، ولا نجدّد ما خرب منها، ولا نحيي منها ما كان خطط المسلمين، وألّا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحدٌ من المسلمين في ليلٍ ولا نهارٍ، وأن نوسّع أبوابها للمارّة وابن السّبيل، وأن ينزل من مرّ بنا من المسلمين ثلاثة أيّامٍ نطعمهم، ولا نأوي في كنائسنا ولا منازلنا جاسوسًا، ولا نكتم غشًّا للمسلمين، ولا نعلّم أولادنا القرآن، ولا نظهر شركًا، ولا ندعو إليه أحدًا؛ ولا نمنع أحدًا من ذوي قرابتنا الدّخول في الإسلام إن أرادوه، وأن نوقّر المسلمين، وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس، ولا نتشبّه بهم في شيءٍ من ملابسهم، في قلنسوةٍ، ولا عمامةٍ، ولا نعلين، ولا فرق شعرٍ، ولا نتكلّم بكلامهم، ولا نكتني بكناهم، ولا نركب السّروج، ولا نتقلّد السّيوف، ولا نتّخذ شيئًا من السّلاح، ولا نحمله معنا، ولا ننقش خواتيمنا بالعربيّة، ولا نبيع الخمور، وأن نجزّ مقاديم رءوسنا، وأن نلزم زينا حيثما كنّا، وأن نشدّ الزّنانير على أوساطنا، وألّا نظهر الصّليب على كنائسنا، وألّا نظهر صلبنا ولا كتبنا في شيءٍ من طرق المسلمين ولا أسواقهم، ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا إلّا ضربًا خفيًّا، وألّا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيءٍ من حضرة المسلمين، ولا نخرج شعانين ولا باعوثًا، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النّيران معهم في شيءٍ من طرق المسلمين ولا أسواقهم، ولا نجاورهم بموتانا، ولا نتّخذ من الرّقيق ما جرى عليه سهام المسلمين، وأن نرشد المسلمين، ولا نطّلع عليهم في منازلهم.
قال: فلمّا أتيت عمر بالكتاب، زاد فيه: ولا نضرب أحدًا من المسلمين، شرطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل ملّتنا، وقبلنا عليه الأمان، فإن نحن خالفنا في شيءٍ ممّا شرطناه لكم ووظفنا على أنفسنا، فلا ذمّة لنا، وقد حلّ لكم منّا ما يحلّ من أهل المعاندة والشّقاق). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 132-134]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:52 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة