العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 05:16 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (62) إلى الآية (64) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (62) إلى الآية (64) ]


{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) }



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 08:55 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن أبي الزناد، عن أبيه قال: {الصابئون}،
قومٌ مما يلي العراق وهم بكوثى، وهم يؤمنون بالنبيين كلهم يصومون من كل سنةٍ ثلاثين يوما، ويصلون إلى اليمن كل يومٍ خمس صلواتٍ). [الجامع في علوم القرآن: 1 / 63 - 64]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن ليث عن مجاهد في قوله: {والصابئين} قال: «الصابئون قوم بين اليهود والمجوس ليس لهم دين».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 47]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا} قال: «الصابئون قوم يعبدون الملائكة ويصلون القبلة ويقرؤون الزبور والمجوس يعبدون الشمس والقمر والذين أشركوا يعبدون الأوثان والأديان ستة خمسة للشيطان وواحد للرحمن».). [تفسير عبد الرزاق: 2 / 39]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان [الثوري]: {الصابئين} «بين اليهود والمجوس لا دين لهم».). [تفسير الثوري: 46]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا}.
أمّا الّذين آمنوا فهم المصدّقون رسول اللّه فيما أتاهم به من الحقّ من عند اللّه، وإيمانهم بذلك: تصديقهم به على ما قد بيّنّاه فيما مضى من كتابنا هذا.
وأمّا الّذين هادوا، فهم اليهود، ومعنى هادوا: تابوا، يقال منه: هاد القوم يهودون هودًا وهيادةً. وقيل: إنّما سمّيت اليهود يهود من أجل قولهم: {إنّا هدنا إليك}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: «إنّما سمّيت اليهود من أجل أنّهم قالوا: {إنّا هدنا إليك}».). [جامع البيان: 2 / 32]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والنّصارى}.
والنّصارى جمعٌ، واحدهم نصران، كما واحد سكارى سكران، وواحد النّشاوى نشوان. وكذلك جمع كلّ نعتٍ كان واحده على فعلان، فإنّ جمعه على فعالى؛ إلاّ أنّ المستفيض من كلام العرب في واحد النّصارى نصرانيٌّ. وقد حكي عنهم سماعًا نصران بطرح الياء، ومنه قول الشّاعر:

تراه إذا دار العشيّ محنّفًا ....... ويضحي لديه وهو نصران شامس

وسمع منهم في الأنثى نصرانة، قال الشّاعر:

نصرانة لم تحنّف

وقد سمع في جمعهم أنصارٌ بمعنى النّصارى، قال الشّاعر:

لمّا رأيت نبطًا أنصارًا ....... شمّرت عن ركبتي الإزارا.

كنت لهم من النّصارى جارا
وهذه الأبيات الّتي ذكرتها تدلّ على أنّهم سمّوا نصارى لنصرة بعضهم بعضًا وتناصرهم بينهم. وقد قيل إنّهم سمّوا نصارى من أجل أنّهم نزلوا أرضًا يقال لها ناصرةٌ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: «النّصارى إنّما سمّوا نصارى من أجل أنّهم نزلوا أرضًا يقال لها ناصرةٌ».
ويقول آخرون: لقوله: {من أنصاري إلى اللّه}.
- وقد ذكر عن ابن عبّاسٍ، من طريقٍ غير مرتضى أنّه كان يقول: «إنّما سمّيت النّصارى نصارى، لأنّ قرية عيسى ابن مريم كانت تسمّى ناصرةٌ، وكان أصحابه يسمّون النّاصريّين، وكان يقال لعيسى: النّاصريّ».
حدّثت بذلك، عن هشام بن محمّدٍ، عن أبيه، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: «إنّما سمّوا نصارى لأنّهم كانوا بقريةٍ يقال لها ناصرةٌ ينزلها عيسى ابن مريم، فهو اسمٌ تسمّوا به ولم يؤمروا به».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: في قوله: {الّذين قالوا إنّا نصارى} قال: «تسمّوا بقريةٍ يقال لها ناصرةٌ، كان عيسى ابن مريم ينزلها». ). [جامع البيان: 2 / 32- 34]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والصّابئين}.
والصّابئون جمع صابئٍ، وهو المستحدث سوى دينه دينًا، كالمرتدّ من أهل الإسلام عن دينه وكلّ خارجٍ من دينٍ كان عليه إلى آخر غيره تسمّيه العرب صابئًا، يقال منه: صبأ فلانٌ يصبأ صبأ، ويقال: صبأت النّجوم: إذا طلعت، وصبأ علينا فلانٌ من موضع كذا وكذا، يعني به طلع.
واختلف أهل التّأويل فيمن يلزمه هذا الاسم من أهل الملل. فقال بعضهم: يلزم ذلك كلّ من خرج من دينٍ إلى غير دينٍ. وقالوا: الّذين عنى اللّه بهذا الاسم قومٌ لا دين لهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، جميعًا، عن سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: «الصّابئون ليسوا بيهود ولا نصارى ولا دين لهم».
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن الحجّاج بن أرطأة، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن الحجّاج، عن مجاهدٍ، قال: «الصّابئون بين المجوس واليهود لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن حجّاجٍ، عن قتادة، عن الحسن، مثل ذلك.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ: «الصّابئين بين اليهود والمجوس لا دين لهم».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم؛ قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال مجاهدٌ: «الصّابئين بين المجوس واليهود، لا دين لهم»، قال ابن جريجٍ: قلت لعطاءٍ: الصّابئين زعموا أنّها قبيلةٌ من نحو السّواد ليسوا بمجوس ولا يهود ولا نصارى قال: قد سمعنا ذلك، وقد قال المشركون للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: قد صبأ.
- وحدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {والصّابئين} قال: «الصّابئون: دينٌ من الأديان، كانوا بالجزيرة جزيرة الموصل يقولون: لا إله إلاّ اللّه، وليس لهم عملٌ ولا كتابٌ ولا نبيٌّ إلاّ قول لا إله إلاّ اللّه». قال: «ولم يؤمنوا برسول اللّه، فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه: هؤلاء الصّابئون. يشبّهونهم بهم».
وقال آخرون: هم قومٌ يعبدون الملائكة، ويصلّون القبلة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر، عن أبيه، عن الحسن. قال: «نبىء زيادٌ: أنّ الصّابئين، يصلّون القبلة ويصلّون الخمس فأراد أن يضع عنهم الجزية». قال: «فخبّر بعد أنّهم يعبدون الملائكة».
- وحدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {والصّابئين} قال: «الصّابئون قومٌ يعبدون الملائكة، ويصلّون القبلة، ويقرءون الزّبور».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: «الصّابئون فرقةٌ من أهل الكتاب يقرءون الزّبور». قال أبو جعفرٍ الرّازيّ: وبلغني أيضًا أنّ الصّابئين قومٌ يعبدون الملائكة، ويقرءون الزّبور، ويصلّون القبلة.
وقال آخرون: بل هم طائفةٌ من أهل الكتاب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، قال: سئل السّدّيّ عن الصّابئين، فقال: «هم طائفةٌ من أهل الكتاب».). [جامع البيان: 2 / 34 -37]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحًا فلهم أجرهم عند ربّهم}
يعني بقوله: {من آمن باللّه واليوم الآخر} من صدّق وأقرّ بالبعث بعد الممات يوم القيامة وعمل صالحًا فأطاع اللّه، فلهم أجرهم عند ربّهم،
يعني بقوله: {فلهم أجرهم عند ربّهم} فلهم ثواب عملهم الصّالح عند ربّهم.
فإن قال لنا قائلٌ: فأين تمام قوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين} قيل: تمامه جملة قوله: {من آمن باللّه واليوم الآخر} لأنّ معناه: من آمن منهم باللّه واليوم الآخر فترك ذكر منهم لدلالة الكلام عليه استغناءً بما ذكر عمّا ترك ذكره.
فإن قال: وما معنى هذا الكلام؟
قيل: إنّ معناه: إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من يؤمن منهم باللّه واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربّهم.
فإن قال: وكيف يؤمن المؤمن؟
قيل: ليس المعنى في المؤمن المعنى الّذي ظننته من انتقالٍ من دينٍ إلى دينٍ كانتقال اليهود والنّصرانيّ إلى الإيمان، وإن كان قد قيل إنّ الّذين عنوا بذلك من كان من أهل الكتاب على إيمانه بعيسى، وبما جاء به، حتّى أدرك محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فآمن به وصدّقه، فقيل لأولئك الّذين كانوا مؤمنين بعيسى وبما جاء به إذ أدركوا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم: آمنوا بمحمّدٍ وبما جاء به، ولكن معنى إيمان المؤمن في هذا الموضع ثباته على إيمانه وتركه تبديله.
وأمّا إيمان اليهود والنّصارى والصّابئين، فالتّصديق بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وبما جاء به، فمن يؤمن منهم بمحمّدٍ، وبما جاء به واليوم الآخر، ويعمل صالحًا، فلم يبدّل ولم يغيّر، حتّى توفّي على ذلك كله، فله ثواب عمله وأجره عند ربّه، كما وصف جلّ ثناؤه.
فإن قال قائلٌ: وكيف قال: فلهم أجرهم عند ربّهم، وإنّما لفظه من لفظٍ واحدٍ، والفعل معه موحّدٌ؟
قيل: من وإن كان الّذي يليه من الفعل موحّدًا، فإنّ له معنى الواحد والاثنين والجمع والتّذكير والتّأنيث، لأنّه في كلّ هذه الأحوال على هيئةٍ واحدةٍ وصورةٍ واحدةٍ لا يتغيّر، فالعرب توحّد معه الفعل وإن كان في معنى جمعٍ للفظه، وتجمع أخرى معه الفعل لمعناه، كما قال جلّ ثناؤه: {ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصّمّ ولو كانوا لا يعقلون ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون} فجمع مرّةً مع من الفعل لمعناه، ووحّد أخرى معه الفعل؛ لأنّه في لفظ واحد، كما قال الشّاعر:

ألمّا بسلمى عنكما إن عرضتما ....... وقولا لها عوجي على من تخلّفوا

فقال: تخلّفوا، فجمع وجعل من بمنزلة الّذين. وقال الفرزدق:

تعال فإن عاهدتني لا تخونني ....... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

فثنّى يصطحبان لمعنى من. فكذلك قوله: {من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحًا فلهم أجرهم عند ربّهم} وحّد آمن وعمل صالحًا للفظ من، وجمع ذكرهم في قوله: {فلهم أجرهم} لمعناه، لأنّه في معنى جمعٍ.
وأمّا قوله: {ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} فإنّه يعني به جلّ ذكره: ولا خوفٌ عليهم فيما قدموا عليه من أهوال القيامة، ولا هم يحزنون على ما خلّفوا وراءهم من الدّنيا وعيشها عند معاينتهم ما أعدّ اللّه لهم من الثّواب والنّعيم المقيم عنده.
ذكر من قال عني بقوله: {من آمن باللّه} مؤمنو أهل الكتاب الّذين أدركوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا} الآية، قال: نزلت هذه الآية في أصحاب سلمان الفارسيّ، وكان سلمان من جند يسابور، وكان من أشرافهم، وكان ابن الملك صديقًا له مؤاخيًا، لا يقضي واحدٌ منهم أمرًا دون صاحبه، وكانا يركبان إلى الصّيد جميعًا. فبينما هما في الصّيد إذ رفع لهما بيتٌ من عباءٍ، فأتياه فإذا هما فيه برجلٍ بين يديه مصحفٌ يقرأ فيه وهو يبكي، فسألاه ما هذا، فقال: الّذي يريد أن يعلم هذا لا يقف موقفكما، فإن كنتما تريدان أن تعلما ما فيه فانزلا حتّى أعلّمكما، فنزلا إليه، فقال لهما: هذا كتابٌ جاء من عند اللّه، أمر فيه بطاعته، ونهى فيه عن معصيته، ألا تزني، ولا تسرق، ولا تأخذ أموال النّاس بالباطل. فقصّ عليهما ما فيه، وهو الإنجيل الّذي أنزله اللّه على عيسى. فوقع في قلوبهما وتابعاه فأسلما، وقال لهما: إنّ ذبيحة قومكما عليكما حرامٌ، فلم يزالا معه كذلك يتعلّمان منه، حتّى كان عيدٌ للملك، فجعل طعامًا، ثمّ جمع النّاس والأشراف، وأرسل إلى ابن الملك فدعاه إلى صنيعه ليأكل مع النّاس، فأبى الفتى وقال: إنّي عنك مشغولٌ، فكل أنت وأصحابك، فلمّا أكثر عليه من الرّسل، أخبرهم أنّه لا يأكل من طعامهم، فبعث الملك إلى ابنه، فدعاه وقال: ما أمرك هذا؟ قال: إنّا لا نأكل من ذبائحكم، إنّكم كفّارٌ ليس تحلّ ذبائحكم، فقال له الملك: من أمرك بهذا؟ فأخبره أنّ الرّاهب أمره بذلك، فدعا الرّاهب فقال: ماذا يقول ابني؟ قال: صدق ابنك، قال له: لولا أنّ الدّم فينا عظيمٌ لقتلتك، ولكن اخرج من أرضنا، فأجّله أجلاً. فقال سلمان: فقمنا نبكي عليه، فقال لهما: إن كنتما صادقين، فإنّا في بيعةٍ بالموصل مع ستّين رجلاً نعبد اللّه فيها، فأتونا فيها. فخرج الرّاهب، وبقي سلمان وابن الملك؛ فجعل يقول لابن الملك: انطلق بنا، وابن الملك يقول: نعم، وجعل ابن الملك يبيع متاعه يريد الجهاز.
فلمّا أبطأ على سلمان، خرج سلمان حتّى أتاهم، فنزل على صاحبه وهو ربّ البيعة، وكان أهل تلك البيعة أفضل مرتبه من الرّهبان، فكان سلمان: معه يجتهد في العبادة، ويتعب نفسه، فقال له الشّيخ: إنّك غلامٌ حدثٌ تكلّف من العبادة ما لا تطيق، وأنا خائفٌ أن تفتر وتعجز، فارفق بنفسك وخفّف عنها. فقال له سلمان: أرأيت الّذي تأمرني به أهو أفضل، أو الّذي أصنع؟ قال: لا بل الّذي تصنع؟ قال: فخلّ عنّي. ثمّ إنّ صاحب البيعة دعاه فقال: أتعلم أنّ هذه البيعة لي، وأنا أحقّ النّاس بها، ولو شئت أن أخرج هؤلاء منها لفعلت؟ ولكنّي رجلٌ أضعف عن عبادة هؤلاء، وأنا أريد أن أتحوّل من هذه البيعة إلى بيعةٍ أخرى هم أهون عبادةً من هؤلاء، فإن شئت أن تقيم ههنا فأقم، وإن شئت أن تنطلق معي فانطلق. قال له سلمان: أيّ البيعتين أفضل أهلاً؟ قال: هذه. قال سلمان: فأنا أكون في هذه. فأقام سلمان بها وأوصى صاحب البيعة عالم البيعة بسلمان، فكان سلمان يتعبّد معهم. ثمّ إنّ الشّيخ العالم أراد أن يأتي بيت المقدس، فدعا سلمان فقال: إنى أردت أن تنطلق معي فانطلق، فإن شئت أن تقيم فأقم. فقال له سلمان: أيّهما أفضل أنطلق معك أو أقيم؟ قال: لا بل تنطلق معي.
فانطلق معه فمرّوا بمقعدٍ على ظهر الطّريق ملقًى، فلمّا رآهما نادى: يا سيّد الرّهبان ارحمني رحمك اللّه، فلم يكلّمه، ولم ينظر إليه، وانطلقا حتّى أتيا بيت المقدس، فقال الشّيخ لسلمان: اخرج فاطلب العلم فإنّه يحضر هذا المسجد علماء أهل الأرض. فخرج سلمان يسمع منهم، فرجع يومًا حزينًا، فقال له الشّيخ: ما لك يا سلمان؟ قال: أرى الخير كلّه قد ذهب به من كان قبلنا من الأنبياء وأتباعهم، فقال له الشّيخ: يا سلمان لا تحزن، فإنّه قد بقي نبيٌّ ليس من نبيٍّ بأفضل تبعًا منه وهذا زمانه الّذي يخرج فيه، ولا أراني أدركه، وأمّا أنت فشابٌّ لعلّك أن تدركه، وهو يخرج في أرض العرب، فإن أدركته فآمن به واتّبعه. فقال له سلمان: فأخبرني عن علامته بشيءٍ. قال: نعم، هو مختومٌ في ظهره بخاتم النّبوّة، وهو يأكل الهديّة ولا يأكل الصّدقة. ثمّ رجعا حتّى بلغا مكان المقعد، فناداهما فقال: يا سيّد الرّهبان ارحمني رحمك اللّه، فعطف إليه حماره، فأخذ بيده فرفعه، فضرب به الأرض ودعا له، وقال: قم بإذن اللّه، فقام صحيحًا يشتدّ، فجعل سلمان يتعجّب وهو ينظر إليه يشتدّ. وسار الرّاهب فتغيّب عن سلمان ولا يعلم سلمان. ثمّ إنّ سلمان فزع فطلب الرّاهب، فلقي رجلين من العرب من كلبٍ فسألهما: هل رأيتما الرّاهب؟ فأناخأحدهما راحلته، قال: نعم راعي الصّرمة هذا، فحمله فانطلق به إلى المدينة. قال سلمان: فأصابني من الحزن شيءٌ لم يصبني مثله قطّ. فاشترته امرأةٌ من جهينة فكان يرعى عليها هو وغلامٌ لها يتراوحان الغنم هذا يومًا وهذا يومًا، فكان سلمان يجمع الدّراهم ينتظر خروج محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
فبينا هو يومًا يرعى، إذ أتاه صاحبه الّذي يعقبه، فقال: أشعرت أنّه قدم اليوم المدينة رجلٌ يزعم أنّه نبيٌّ؟ فقال له سلمان: أقم في الغنم حتّى آتيك. فهبط سلمان إلى المدينة، فنظر إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ودار حوله. فلمّا رآه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عرف ما يريد، فأرسل ثوبه. حتّى خرج خاتمه، فلمّا رآه أتاه وكلّمه، ثمّ انطلق، فاشترى بدينارٍ ببعضه شاةً فشواها وببعضه خبزًا، ثمّ أتاه به، فقال: «ما هذا؟» قال سلمان: هذه صدقةٌ قال: «لا حاجة لي بها فأخرجها فيأكلها المسلمون» ثمّ انطلق فاشترى بدينارٍ آخر خبزًا ولحمًا، فأتى به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: «ما هذا؟» قال: هذه هديّةٌ، قال: «فاقعد فكل» فقعد فأكلا جميعًا منها. فبينا هو يحدّثه إذ ذكر أصحابه، فأخبره خبرهم، فقال: كانوا يصومون ويصلّون ويؤمنون بك، ويشهدون أنّك ستبعث نبيًّا؛ فلمّا فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا سلمان هم من أهل النّار» فاشتدّ ذلك على سلمان، وقد كان قال له سلمان: لو أدركوك صدّقوك واتّبعوك، فأنزل اللّه هذه الآية: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر} فكان إيمان اليهود أنّه من تمسّك بالتّوراة وسنّة موسى كان مؤمنا حتّى جاء عيسى، فلمّا جاء عيسى كان من تمسّك بالتّوراة وأخذ بسنّة موسى فلم يدعها ويتّبع عيسى كان هالكًا وإيمان النّصارى أنّه من تمسّك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنًا مقبولاً منه، حتّى جاء محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، فمن لم يتبع محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم منهم ويدع ما كان عليه من سنّة عيسى والإنجيل كان هالكًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثني الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: قوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا} الآية. قال: سأل سلمان الفارسيّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن أولئك النّصارى وما رأى من أعمالهم، قال: «لم يموتوا على الإسلام». قال سلمان: فأظلمت عليّ الأرض. وذكرت اجتهادهم، فنزلت هذه الآية، فدعا سلمان فقال: «نزلت هذه الآية في أصحابك» ثمّ قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ومن مات على دين عيسى ومات على الإسلام قبل أن يسمع بي فهو على خيرٍ ومن سمع بي اليوم ولم يؤمن بي فقد هلك».
- وقال ابن عبّاسٍ بما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين} إلى قوله: {ولا هم يحزنون}. «فأنزل اللّه تعالى بعد هذا: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}».
- حدثنا ابن البرقى قال: حدثنا عمرو بن أبى سلمه، عن سعيد بن عبد العزيز فى قول الله عز وجل: { إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر} قال: «هى منسوخه، نسختها: { ومن يبتغ غير الإسلام دينًا}».
وهذا الخبر يدلّ على أنّ ابن عبّاسٍ كان يرى أنّ اللّه جلّ ثناؤه كان قد وعد من عمل صالحًا من اليهود والنّصارى والصّابئين على عمله في الآخرة الجنّة، ثمّ نسخ ذلك بقوله: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه}.
فتأويل الآية إذًا على ما ذكرنا عن مجاهدٍ والسّدّيّ: إنّ الّذين آمنوا من هذه الأمّة، والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن من اليهود والنّصارى والصّابئين باللّه واليوم الآخر {فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}.
والّذي قلنا من التّأويل الأوّل أشبه بظاهر التّنزيل؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه لم يخصّص بالأجر على العمل الصّالح مع الإيمان بعض خلقه دون بعضٍ منهم، والخبر بقوله: {من آمن باللّه واليوم الآخر} عن جميع من ذكر في أوّل الآية). [جامع البيان: 2 / 37 - 46]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحًا فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (62)}
قوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى}
- حدّثنا أبي، عن ابن أبي عمر العدنيّ ثنا سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قال: قال سلمان: «سألت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- عن أهل دينٍ كنت معهم، فذكر من صلاتهم وعبادتهم، فنزلت: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر}».
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحًا} «فأنزل اللّه بعد ذلك: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين}».
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر} قال: نزلت هذه الآية في أصحاب سلمان الفارسيّ، فبينا هو يحدّث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم فقال: كانوا يصومون ويصلّون ويؤمنون بك، ويشهدون أنّك ستبعث نبيًّا، فلمّا فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبيّ اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم:«يا سلمان هم من أهل النّار».
فاشتدّ ذلك على سلمان، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر} فكان إيمان اليهود أنّه من تمسّك بالتّوراة وسنّة موسى حتّى جاء عيسى، فلمّا جاء عيسى كان من تمسّك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنًا مقبولا منه، حتّى جاء محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم: فمن لم يتّبع محمّدًا- صلّى اللّه عليه وسلّم- منهم ويدع ما كان عليه من سنّة عيسى والإنجيل كان هالكًا». وروي عن سعيد بن جبيرٍ نحو هذا). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 126 - 127]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {والصّابئين}
قال أبو محمّدٍ: اختلفوا في تفسيره على ثمانية أقاويل، فمن ذلك:
[القول الأول]
- ما حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو نعيمٍ ثنا شريكٌ عن سالمٍ عن سعيد بن جبيرٍ قال: «الصابئين: منزلةٌ بين اليهود والنّصارى».
والقول الثّاني:
- ما حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمس ثنا وكيعٌ عن سفيان» عن ليثٍ عن مجاهدٍ قال: «الصابئين قوم بين بين المجوس واليهود والنّصارى، ليس لهم دينٌ».
وروي عن عطاءٍ نحو ذلك.
والقول الثّالث:
- ما حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية قال: «الصائبين فرقةٌ من أهل الكتاب يقرءون الزّبور».
وروي عن الضّحّاك والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ وجابر بن زيد.
والقول الرّابع:
- ما حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الرّحمن العرزميّ ثنا هشيمٌ عن مطرّفٍ قال كنّا عند الحكم فحدّثه رجلٌ من البصرة عن الحسن: «أنّه كان يقول في الصّابئين إنّهم كالمجوس»، قال الحكم: ألم أخبركم بذلك؟
والقول الخامس:
- ما حدّثنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ أخبرني ابن أبي الزّناد عن أبيه قال: «الصابئون قوم مما يلي العراق، وهو بكوش، وهم يؤمنون بالنّبيّين كلّهم، ويصومون من كلّ سنةٍ شهرًا ثلاثين يومًا ويصلّون إلى اليمن كلّ يومٍ خمس صلواتٍ».
والقول السّادس:
- ما حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم قال: قال أبو جعفرٍ الرّازيّ: «بلغني أنّ الصّابئين قوم يعبدون الملائكة ويقرءون الزّبور ويصلّون إلى القبلة».
- حدّثنا أبو زرعة ثنا محمّد بن أبي بكرٍ المقدّميّ ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ عن معاوية بن عبد الكريم قال سمعت الحسن، فذكر الصّابئين فقال: «هم قومٌ يعبدون الملائكة».
والقول السّابع:
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ ثنا إسماعيل بن عبد الكريم ثنا عبد الصّمد بن معقلٍ عن وهب بن منبّهٍ أنّه قيل له: ما الصابئين؟ قال: «الّذي يعرف اللّه وحده وليست له شريعةٌ يعمل بها ولم يحدث كفرًا».
القول الثّامن:
- ما حدّثنا الحجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: قوله: {والصّابئين} قال: «بين المجوس واليهود، لا دين لهم».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 127 - 128]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {من آمن باللّه}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {من آمن باللّه} «يعني من وحّد اللّه».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 128]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {واليوم الآخر}
- به عن ابن عبّاسٍ: «{واليوم الآخر} يعني من آمن باليوم الآخر» ، يقول: «آمن بما أنزل اللّه».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 129]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فلهم أجرهم عند ربّهم}
- حدّثنا أبي ثنا هشام بن خالدٍ ثنا شعيب بن إسحاق ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: «أجرٌ كبيرٌ لحسناتهم، وهي الجنّة».). [تفسير القرآن العظيم: / 129]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل: {والصابئين} قال: «هم قوم بين المجوس واليهود لا دين لهم».). [تفسير مجاهد: 77]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.
- أخرج ابن أبي عمر العدني في سنده، وابن أبي حاتم عن سلمان قال: «سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم فذكر من صلاتهم وعبادتهم فنزلت {إن الذين آمنوا والذين هادوا} الآية».
- وأخرج الواحدي عن مجاهد قال: لما قص سلمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة أصحابه قال: «هم في النار»، قال سلمان: فأظلمت علي الأرض فنزلت {إن الذين آمنوا والذين هادوا} إلى قوله {يحزنون} قال: فكأنما كشف عني جبل.
- وأخرج ابن جرير واللفظ له، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {إن الذين آمنوا والذين هادوا} الآية، قال: نزلت هذه الآية في أصحاب سلمان الفارسي وكان رجلا من جند نيسابور وكان من أشرافهم وكان ابن الملك صديقا له مؤاخيا لا يقضي واحد منهما أمر دون صاحبه وكانا يركبان إلى الصيد جميعا فبينما هما في الصيد إذ رفع لهما بيت من عباءة فأتياه فإذا هما فيه برجل بين يديه مصحف يقرأ فيه وهو يبكي فسألاه ما هذا فقال: الذي يريد أن يعلم هذا لا يقف موقفكما فإن كنتما تريدان أن تعلما ما فيه فانزلا حتى أعلمكما فنزلا إليه فقال لهما: هذا كتاب جاء من عند الله أمر فيه بطاعته ونهى عن معصيته فيه أن لا تسرق ولا تزني ولا تأخذ أموال الناس بالباطل فقص عليهما ما فيه وهو الإنجيل الذي أنزل الله على عيسى فوقع في قلوبهما وتابا فأسلما وقال لهما: إن ذبيحة قومكما عليكما حرام فلم يزالا معه كذلك يتعلمان منه حتى كان عيد للملك فجمع طعاما ثم جمع الناس والأشراف وأرسل إلى ابن الملك رسولا فدعاه إلى ضيعته ليأكل مع الناس فأبى الفتى وقال: إني عنك مشغول فكل أنت وأصحابك فلما أكثر عليه من الرسل أخبرهم أنه لا يأكل من طعامهم فبعث الملك إلى ابنه ودعاه وقال: ما أمرك هذا قال: إنا لا نأكل من ذبائحكم إنكم كفار ليس تحل ذبائحكم، فقال له الملك: من أمرك هذا فأخبره أن الراهب أمره بذلك فدعا الراهب فقال: ماذا يقول ابني قال: صدق ابنك، قال له: لولا الدم فينا عظيم لقتلتك ولكن اخرج من أرضنا فأجله أجلا فقال سلمان: فقمنا نبكي عليه، فقال لهما: إن كنتما صادقين فإنا في بيعة في الموصل ستين رجلا نعبد الله فأتونا فيها فخرج الراهب وبقي سلمان، وابن الملك فجعل سلمان يقول لابن الملك: انطلق بنا،، وابن الملك يقول: نعم، وجعل ابن الملك يبيع متاعه يريد الجهاز فلما أبطأ على سلمان خرج سلمان حتى أتاهم فنزل على صاحبه وهو رب البيعة فكان أهل تلك البيعة أفضل مرتبة من الرهبان فكان سلمان معه يجتهد في العبادة ويتعب نفسه فقال له سلمان: أرأيت الذي تأمرني به هو أفضل أو الذي أصنع قال: بل الذي تصنع، قال: فخل عني، ثم إن صاحب البيعة دعاه فقال أتعلم أن هذه البيعة لي وأنا أحق الناس بها ولو شئت أن أخرج منها هؤلاء لفعلت ولكني رجل أضعف عن عبادة هؤلاء وأنا أريد أن أتحول من هذه البيعة إلى بيعة أخرى هم أهون عبادة من ههنا فإن شئت أن تقيم هنا فاقم وإن شئت أن تنطلق معي فانطلق، فقال له سلمان: أي البيعتين أفضل أهلا قال: هذه، قال سلمان: فأنا اكون في هذه فأقام سلمان بها وأوصى صاحب البيعة بسلمان يتعبد معهم، ثم إن الشيخ أراد أن يأتي بيت المقدس فدعا سلمان فقال: إني أريد أن آتي بيت المقدس فإن شئت أن تنطلق معي فانطلق وإن شئت أن تقيم فأقم، قال له سلمان: أيهما أفضل أنطلق معك أو أقيم قال: لا بل تنطلق، فانطلق معه فمروا بمقعد على ظهر الطريق ملقى فلما رآهما نادى يا سيد الرهبان ارحمني رحمك الله فلم يكلمه ولم ينظر إليه وانطلقا حتى أتيا بيت المقدس وقال الشيخ لسلمان: أخرج فاطلب العلم فإنه يحضر هذا المسجد علماء الأرض، فخرج سلمان يسمع منهم فرجع يوما حزينا فقال له الشيخ مالك يا سلمان قال: إن الخير كله قد ذهب به من كان قبلنا من الأنبياء والأتباع، فقال له الشيخ: لا تحزن فإنه قد بقي نبي ليس من نبي بأفضل تبعا منه وهذا الزمان الذي يخرج فيه ولا أراني أدركه وأما أنت فشاب فلعلك أن تدركه وهو يخرج في أرض العرب فإن أدركته فآمن به واتبعه، قال له سلمان: فأخبرني عن علامته بشيء، قال: نعم وهو مختوم في ظهره بخاتم النبوة وهو يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ثم رجعا حتى بلغا مكان المقعد فناداهما فقال: يا سيد الرهبان ارحمني رحمك الله فعطف إليه حماره فأخذ بيده فرفعه فضرب به الأرض ودعا له وقال: قم بإذن الله، فقام صحيحا يشتد، فجعل سلمان يتعجب وهو ينظر إليه وسار الراهب فغيب عن سلمان ولا يعلم سلمان، ثم إن سلمان فزع بطلب الراهب فلقيه رجلان من العرب من كلب فسألهما هل رأيتما الراهب فأناخ أحدهما راحلته قال: نعم راعي الصرمة هذا فحمله فانطلق به إلى المدينة قال سلمان: فأصابني من الحزن شيء لم يصبني مثله قط فاشترته امرأة من جهينة فكان يرعى عليها هو وغلام لها يتراوحان الغنم هذا يوما وهذا يوما وكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمد صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يوما يرعى إذ أتاه صاحبه بعقبة فقال له: أشعرت أنه قد قدم المدينة اليوم رجل يزعم أنه نبي فقال له سلمان: أقم في الغنم حتى آتيك، فهبط سلمان إلى المدينة فنظر إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ودار حوله فلما رآه النّبيّ صلى الله عليه وسلم عرف ما يريد فأرسل ثوبه حتى خرج خاتمة فلما رآه أتاه وكلمه ثم انطلق فاشترى بدينار ببعضه شاة فشواها وببعضه خبزا ثم أتاه به فقال: «ماهذه؟» قال سلمان: هذه صدقة، قال: «لا حاجة لي بها فأخرجها فليأكلها المسلمون»، ثم انطلق فاشترى بدينار آخر خبزا ولحما ثم أتى به النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا؟»قال: هذه هدية، قال: «فاقعد فكل»، فقعد فأكلا منها جميعا، فبينما هو يحدثه إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم فقال: كانوا ويصومون ويؤمنون بك ويشهدون أنك ستبعث نبيا فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: « يا سلمان هم من أهل النار»، فاشتد ذلك على سلمان وقد كان قال له سلمان: لو أدركوك صدقوك واتبعوك، فأنزل الله هذه الآية {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر}.
- وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال سأل سلمان الفارسي النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن أولئك النصارى وما رأى أعمالهم قال: «لم يموتوا على الإسلام»، قال سلمان: فأظلمت علي الأرض وذكرت اجتهادهم فنزلت هذه الآية {إن الذين آمنوا والذين هادوا} فدعا سلمان فقال: «نزلت هذه الآية في أصحابك» ثم قال: «من مات على دين عيسى قبل أن يسمع بي فهو على خير ومن سمع بي ولم يؤمن فقد هلك».
- وأخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إن الذين آمنوا والذين هادوا} الآية، قال: «فأنزل الله بعد هذا (ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن نجى، عن علي، قال: «إنما سميت اليهود لأنهم قالوا: إنا هدنا إليك».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال: «نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية بكلمة موسى عليه السلام إنا هدنا إليك ولم تسمت النصارى بالنصرانية من كلمة عيسى عليه السلام كونوا أنصار الله».
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود قال: «نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية ولم تسمت النصارى بالنصرانية إنما تسمت اليهود باليهودية بكلمة قالها موسى إنا هدنا إليك فلما مات قالوا هذه الكلمة كانت تعجبه فتسموا اليهود وإنما تسمت النصارى بالنصرانية لكلمة قالها عيسى من أنصاري إلى الله قال الحواريون: نحن أنصار الله فتسموا بالنصرانية».
- وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: «إنما سموا نصارى بقرية يقال لها ناصرة ينزلها عيسى بن مريم فهو اسم تسموا به ولم يؤمروا به».
- وأخرج ابن سعد في طبقاته، وابن جرير عن ابن عباس قال: «إنما سميت النصارى لأن قرية عيسى كانت تسمى ناصرة».
- وأخرج وكيع وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: «الصابئون قوم بين اليهود والمجوس والنصارى ليس لهم دين».
- وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: «الصابئون ليسوا بيهود ولا نصارى هم قوم من المشركين لا كتاب لهم».
- وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد قال: سئل ابن عباس عن الصابئين فقال: «هم قوم بين اليهود والنصارى والمجوس لا تحل ذبائحهم ولا مناكحهم».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: «الصابئون منزله بين النصرانية والمجوسية»، لفظ ابن أبي حاتم: «منزلة بين اليهود والنصارى».
- وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: «ذهبت الصابئون إلى اليهود فقالوا: ما أمركم قالوا: نبينا موسى جاءنا بكذا وكذا ونهانا عن كذا وكذا وهذه التوراة فمن تابعنا دخل الجنة ثم أتوا النصارى فقالوا في عيسى ما قالت اليهود في موسى وقالوا هذا الإنجيل فمن تابعنا دخل الجنة فقالت الصابئون هؤلاء يقولون نحن ومن اتبعنا في الجنة واليهود يقولون نحن ومن اتبعنا في الجنة فنحن به لاندين فسماهم الله الصابئين».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: «الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور».
- وأخرج وكيع عن السدي قال: «الصابئون من أهل الكتاب».
- وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: «الصابئون قوم يعبدون الملائكة ويصلون إلى غير القبلة ويقرؤون الزبور».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: «الصابى ء: الذي يعرف الله وحده وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفرا».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الزناد قال: «الصابئون قال: الصابئون مما يلي العراق وهم بكوثى يؤمنون بالنبيين كلهم».
- وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: «يقولون الصابئون: وما الصابئون الصابئون؟ ويقولون: الخاطئون وما الخاطئون الخاطئون؟».). [الدر المنثور: 1 / 389 -398]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله: {وإذا أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور} قال: «الطور الجبل اقتلعه الله فرفعه فوقهم فقال: {خذوا ما آتيناكم بقوة} والقوة الجد وإلا قذفته عليكم»، قال: «فأقروا بذلك أنهم يأخذون ما أوتوا بقوة».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 47]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم}
الميثاق: المفعال من الوثيقة إمّا بيمينٍ، وإمّا بعهدٍ أو غير ذلك من الوثائق.
ويعني بقوله: {وإذ أخذنا ميثاقكم} الميثاق الّذي أخبر جلّ ثناؤه أنّه أخذ منهم في قوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ اللّه وبالوالدين إحسانًا} الآيات الّذي ذكر معها.
وكان سبب أخذ الميثاق عليهم فيما ذكره ابن زيدٍ ما حدّثني به، يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «لمّا رجع موسى من عند ربّه بالألواح قال لقومه بني إسرائيل: إنّ هذه الألواح فيها كتاب اللّه، وأمره الّذي أمركم به، ونهيه الّذي نهاكم عنه، فقالوا: ومن يأخذه بقولك أنت؟ لا واللّه حتّى نرى اللّه جهرةً حتّى يطلع اللّه إلينا فيقول: هذا كتابي فخذوه. فما له لا يكلّمنا كما كلّمك أنت يا موسى فيقول: هذا كتابي فخذوه؟ قال: فجاءت غضبةٌ من اللّه فجاءتهم صاعقةٌ فصعقتهم، فماتوا أجمعون». قال: «ثمّ أحياهم اللّه بعد موتهم، فقال لهم موسى: خذوا كتاب اللّه. فقالوا: لا، قال: أيّ شيءٍ أصابكم؟ قالوا: متنا ثمّ حيينا، قال: خذوا كتاب اللّه. قالوا: لا. فبعث الله ملائكته فنتقت الجبل فوقهم». وقرأ: { ورفعنا فوقهم الطّور بميثاقهم} قال:«فرفع فوقهم، فقيل لهم: أتعرفون هذا؟ قالوا: نعم، هذا الطّور، قال: خذوا الكتاب وإلاّ طرحناه عليكم. قال: فأخذوه بالميثاق». وقرأ قول اللّه: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ اللّه وبالوالدين إحسانًا} حتّى بلغ: {وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون} قال: «ولو كانوا أخذوه أوّل مرّةٍ لأخذوه بغير ميثاقٍ».). [جامع البيان: 2 / 46 - 47]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ورفعنا فوقكم الطّور}.
وأمّا الطّور فإنّه الجبل في كلام العرب، ومنه قول العجّاج:


دانى جناحيه من الطّور ....... فمرّ تقضّي البازي إذا البازي كسر


وقيل إنّه اسم جبلٍ بعينه. وذكروا أنّه الجبل الّذي ناجى اللّه عليه موسى.
وقيل: إنّه من الجبال ما أنبت دون ما لم ينبت.
ذكر من قال: هو الجبل كائنًا ما كان:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: «أمر موسى قومه أن يدخلوا الباب سجّدًا ويقولوا حطّةٌ وطؤطئ لهم الباب ليسجدوا، فلم يسجدوا ودخلوا على أدبارهم، وقالوا حنطةٌ. فنتق فوقهم الجبل، يقول: أخرج أصل الجبل من الأرض فرفعه فوقهم كالظّلّة، والطّور بالسّريانيّة: الجبل، تخويفًا، فدخلوا سجّدًا على خوفٍ أو حرف -شكّ أبو عاصمٍ- أعينهم إلى الجبل، وهو الجبل الّذي تجلّى له ربّه».
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: «رفع الجبل فوقهم كالظله، كالسّحابة، فقيل لهم: لتؤمننّ أو ليقعنّ عليكم، فآمنوا. والجبل بالسّريانيّة: الطّور».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور} قال: «الطّور جبل، كانوا بأصله فرفع عليهم فوق رءوسهم، فقال: لتأخذنّ أمري أو لأرمينّكم به».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {ورفعنا فوقكم الطّور} قال: «الطّور: الجبل اقتلعه اللّه فرفعه فوقهم، فقال: {خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} فأقرّوا بذلك».
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {ورفعنا فوقكم الطّور} قال: «رفع فوقهم الجبل يخوّفهم به».
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن النّضر، عن عكرمة، قال: «الطّور: الجبل».
- وحدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «لمّا قال اللّه لهم: {وادخلوا الباب سجّدًا وقولوا حطّةٌ} فأبوا أن يسجدوا أمر اللّه الجبل أن يقع عليهم، فنظروا إليه وقد غشيهم، فسقطوا سجّدًا فسجّدًوا على شقٍّ، ونظروا بالشّقّ الآخر.
فرحمهم اللّه، فكشفه عنهم. فقالوا: ما سجدة أحب إلى الله من سجدة كشف بها العذاب عنكم فهم يسجدون لذلك على شك، وذلك قوله: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنّه ظلّةٌ} وقوله: {ورفعنا فوقكم الطّور}».
- وحدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «الجبل بالسّريانيّة: الطّور وهو بالعربية الجبل».
وقال آخرون: الطّور: اسمٌ للجبل الّذي ناجى اللّه موسى عليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: «الطّور: الجبل الّذي أنزلت عليه التّوراة، يعني على موسى، وكانت بنو إسرائيل أسفل منه».
- قال ابن جريجٍ: وقال لي عطاءٌ: «رفع الجبل على بني إسرائيل فقال: لتؤمننّ به أو ليقعنّ عليكم، فذلك قوله: {كأنّه ظلّةٌ}».
وقال آخرون: الطّور من الجبال: ما أنبت خاصّةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن المنجاب، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: في قوله: {الطّور} قال: «الطّور من الجبال: ما أنبت، وما لم ينبت فليس بطورٍ». ). [جامع البيان: 2 / 48 - 51]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ}.
اختلف أهل العربيّة في تأويل ذلك، فقال بعض نحويّي أهل البصرة: هو ممّا استغني بدلالة الظّاهر المذكور عمّا ترك ذكره منه، وذلك أنّ معنى الكلام: ورفعنا فوقكم الطّور وقلنا لكم خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ، وإلاّ قذفناه عليكم.
وقال بعض نحويّي أهل الكوفة: أخذ الميثاق قولٌ فلا حاجة بالكلام إلى إضمار قولٍ فيه، فيكون من كلامين غير أنّه ينبغي لكلّ ما خالف القول من الكلام الّذي هو بمعنى القول أن يكون معه أن كما قال اللّه جلّ ثناؤه: {إنّا أرسلنا نوحًا إلى قومه أن أنذر قومك} قال: ويجوز بحذف أن.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب في ذلك عندنا أنّ كلّ كلامٍ نطق به مفهومٌ به معنى ما أريد منه ففيه الكفاية من غيره.
ويعني بقوله {خذوا ما آتيناكم} ما أمرناكم به في التّوراة، وأصل الإيتاء: الإعطاء.
ويعني بقوله: {بقوّةٍ} بجدٍّ وتأدية ما أمرتم به فيه وافترض عليكم.
- كما حدّثنا عبد الكريم قال: حدّثنا إبراهيم بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، قال: حدّثنا أبوسعد، عن عكرمه، عن ابن عباس: {بقوّةٍ} قال: «بجدٍّ».
- حدثنى محمد بن عمرو، قال حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} قال: «بعمل ما فيه».
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} «أى: بطاعةٍ الله».
- حدّثنا أحمد بن حازم الغفارى، قال: أخبرنا عبيد الله، عن أبى جعفرٍ، عن الربيع: {خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} قال: «بطاعةٍ».
- وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} قال: « القوّة: الجدّ، وإلاّ قذفته عليكم». قال: «فأقرّوا بذلك أنّهم يأخذون ما أوتوا بقوّةٍ».
- وحدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {بقوّةٍ} «يعني بجدٍّ واجتهادٍ».
- وحدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ وسألته عن قول اللّه: {خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} قال: «خذوا الكتاب الّذي جاء به موسى بصدقٍ وبحقٍّ».
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني الحجاج، قال: قال ابن جريج: {خذوا ما آتيناكم} قال: «كتابكم، لتأخذنه أو ليقعن عليكم الطور قالوا: نأخذه وأقروا ثم نقضوا الميثاق بعد ذلك».
فتأويل الآية إذًا: خذوا ما افترضناه عليكم في كتابنا من الفرائض فاقبلوه واعملوا باجتهادٍ منكم في أدائه من غير تقصيرٍ ولا توانٍ. وذلك هو معنى أخذهم إيّاه بقوّةٍ وبجدٍّ). [جامع البيان: 2 / 51 -53]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واذكروا ما فيه لعلّكم تتّقون}.
يعني: واذكروا ما فيما آتيناكم من كتابنا من وعدٍ ووعيدٍ شديدٍ وترغيبٍ وترهيبٍ، فاتلوه واعتبروا به وتدبّروه كي إذا فعلتم ذلك تتّقونى وتخافوا عقابي بإصراركم على ضلالكم فتنتهوا إلى طاعتي وتنزعوا عمّا أنتم عليه من معصيتي.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {لعلّكم تتّقون} قال: « تنزعون عمّا أنتم عليه».
والّذي آتاهم اللّه هو التّوراة.
- كما حدّثني المثنّى، قال حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {واذكروا ما فيه} يقول: «اذكروا ما في التّوراة واعملوا به».
- كما حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: في قوله: {واذكروا ما فيه} يقول: «اقرءوا ما في التّوراة».
- وحدّثني يونس، قال أخبرنا ابن وهبٍ، قال سألت ابن زيدٍ عن قول اللّه: {واذكروا ما فيه} قال: «اعملوا بما فيه طاعةً للّه وصدّق»، قال: «وقال اذكروا ما فيه ولا تنسوه ولا تغفلوه».). [جامع البيان: 2 / 53 - 54]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ واذكروا ما فيه لعلّكم تتّقون (63) }
قوله: {وإذ أخذنا ميثاقكم}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية: قوله: {ميثاقكم} «يقول: أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له ولا يعبدوا غيره».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 129]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ورفعنا فوقكم الطّور}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا يحيى بن يمانٍ عن سفيان عن الأعمش عن مسلمٍ البطين ورفعناه: {ورفعنا فوقكم الطور} قال: «رفعته الملائكة».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 129]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {الطور}
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: {الطّور} قال: «الطّور ما أنبت من الجبال وما لم ينبت فليس بطورٍ». قال: وروي عن ابن عبّاس قولٌ آخر.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي عن إبراهيم بن مهدي المصيص ثنا أبو عبد الصّمد العمّيّ عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: «الطّور جبلٌ». قال: وروي عن مجاهدٍ وعطاءٍ وعكرمة والحسن والضّحّاك والرّبيع بن أنسٍ وأبي صخرٍ نحو ذلك.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا حجّاجٌ قال ابن جريجٍ: قال لي عطاءٌ: رفعنا فوقكم الطّور قال:« رفع فوقهم الجبل على بني إسرائيل فقال: لتؤمننّ به أو ليقعنّ عليكم».
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباط بن نصرٍ عن السّدّيّ قال: «فلمّا أبوا أن يسجدوا أمر اللّه أن يقع عليهم فنظروا إليه وقد غشيهم فسقطوا سجّدًا فسجدوا على شقٍّ ونظروا بالشّقّ الآخر فرحمهم اللّه وكشفه عنهم. فقالوا ما سجدةٌ أحبّ إلى اللّه من سجدةٍ كشف بها العذاب عنهم فهم يسجدون كذلك. وذلك قول اللّه: {ورفعنا فوقكم الطّور}».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 129 - 130]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {خذوا ما آتيناكم}
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن في قوله: {خذوا ما آتيناكم بقوة} «يعني التوراة».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 130]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {بقوة}
[الوجه الأوّل]
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية في قوله: {خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} «أي بطاعةٍ». قال: وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهد : قوله: {بقوة} «بعمل بما فيه».
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّازّق أنبأ معمرٌ عن قتادة: {خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} «والقوّة: الجدّ، وإلا دفنته عليكم». قال: «فأقرّوا بذلك أنّهم يأخذون ما أوتوا بقوّةٍ». قال أبو محمّدٍ: وإلا دفنته عليكم أي دفعته). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 130]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {واذكروا ما فيه}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية في قوله: {واذكروا ما فيه} «يقول أقرّوا ما في التّوراة واعملوا به». وروي عن الربيع نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 130]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لعلكم تتقون}
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 131]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله {بقوة} قال: «يعمل بما فيه».). [تفسير مجاهد: 78]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون * ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين}
- أخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور} فقال: «جبل نزلوا بأصله فرفع فوقهم فقال: لتأخذن أمري أو لأرمينكم».
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: «الطور الذي أنزلت عليه التوراة وكان بنو إسرائيل أسفل منه».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال: «الطور ما أنبت من الجبال وما لم ينبت فليس بطور».
- وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: «الطور الجبل بالسريانية».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: «النبط يسمون الجبل الطور».
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {خذوا ما آتيناكم بقوة} قال: «بجد».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية {واذكروا ما فيه} يقول: «اقرؤوا ما في التوراة واعلموا به».
- وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير عن ابن عباس في قوله {لعلكم تتقون} قال: «لعلكم تنزعون عما أنتم عليه».). [الدر المنثور: 1 / 398- 399]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ تولّيتم من بعد ذلك}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه {ثمّ تولّيتم} ثمّ أعرضتم.
وإنّما هو تفعّلتم من قولهم: ولاّني فلانٌ دبره: إذا استدبر عنه وخلّفه خلف ظهره، ثمّ يستعمل ذلك في كلّ تاركٍ طاعة أمر وهاجر خل، ومعرضٍ بوجهه، يقال: فلان قد تولّى فلانٌ عن طاعة فلانٍ، وتولّى عن مواصلته، ومنه قول اللّه جلّ ثناؤه: {فلمّا آتاهم من فضله بخلوا به وتولّوا وهم معرضون} يعني بذلك: خالفوا ما كانوا وعدوا اللّه من قولهم: {لئن آتانا من فضله لنصّدّقنّ ولنكوننّ من الصّالحين} ونبذوا ذلك وراء ظهورهم.
ومن شأن العرب استعارة الكلمة ووضعها مكان نظيرها، كما قال أبو ذؤيبٍ الهذليّ:

فليس كعهد الدّار يا أمّ مالكٍ ....... ولكن أحاطت بالرّقاب السّلاسل.
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائلٍ ....... سوى العدل شيئًا واستراح العواذل

يعني بقوله: أحاطت بالرّقاب السّلاسل؛ أنّ الإسلام صار في منعه إيّانا ما كنّا نأتيه في الجاهليّة ممّا حرّمه اللّه علينا في الإسلام بمنزلة السّلاسل المحيطة برقابنا الّتي تحول بين من كانت في رقبته مع الغلّ الّذي في يده وبين ما حاول أن يتناوله.
ونظائر ذلك في كلام العرب أكثر من أن تحصى، فكذلك قوله: {ثمّ تولّيتم من بعد ذلك} يعني بذلك أنّكم تركتم العمل بما أخذنا ميثاقكم وعهودكم على العمل به بجدٍّ واجتهادٍ بعد إعطائكم ربّكم المواثيق على العمل به والقيام بما أمركم به في كتابكم فنبذتموه وراء ظهوركم.
وكنّى بقوله جلّ ذكره: ذلك، عن جميع ما قبله في الآية المتقدّمة، أعني قوله: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور}). [جامع البيان: 2 / 54- 56]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلولا فضل اللّه عليكم ورحمته}.
يعني بقوله جلّ ذكره: {فلولا فضل اللّه عليكم} فلولا أنّ اللّه تفضّل عليكم بالتّوبة بعد نكثكم الميثاق الّذي واثقتموه، إذ رفع فوقكم الطّور، بأنّكم تجتهدون في طاعته، وأداء فرائضه، والقيام بما أمركم به، والانتهاء عمّا نهاكم عنه في الكتاب الّذي آتاكم، فأنعم عليكم بالإسلام ورحمته الّتي رحمكم بها، وتجاوز عنكم خطيئتكم الّتي ركبتموها بمراجعتكم طاعة ربّكم؛ لكنتم من الخاسرين.
وهذا وإن كان خطابًا لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أهل الكتاب أيّام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّما هو خبرٌ عن أسلافهم، فأخرج الخبر مخرج المخبر عنهم على نحو ما قد بيّنّا فيما مضى من أنّ القبيلة من العرب تخاطب القبيلة عند الفخار أو غيره بما مضى من فعل أسلاف المخاطب بأسلاف المخاطب، فتضيف فعل أسلاف المخاطب إلى أنفسها، فتقول: فعلنا وفعلنا بكم، وما فعل بأسلاف المخاطب إلى المخاطب لهم بقولهم فعلنا بكم وفعلنا بكم. وقد ذكرنا بعض الشّواهد في ذلك من شعرهم فيما مضى.
وقد زعم بعضهم أنّ الخطاب في هذه الآيات إنّما أخرج بإضافة الفعل إلى المخاطبين به والفعل لغيرهم؛ لأنّ المخاطبين بذلك كانوا يتولّون من كان فعل ذلك من أوائل بني إسرائيل، فصيّرهم اللّه منهم من أجل ولايتهم لهم.
وقال بعضهم: إنّما قيل ذلك كذلك، لأنّ سامعيه كانوا عالمين، وإن كان الخطاب خرج خطابًا للأحياء من بني إسرائيل وأهل الكتاب؛ أن المعنى في ذلك إنّما هو خبرٌ عمّا قد مضى من أنباء أسلافهم، فاستغنى بعلم السّامعين بذلك عن ذكر أسلافهم بأعيانهم. ومثل ذلك قول الشّاعر:

إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمةٌ ....... ولم تجدي من أن تقرّي به بدّا

فقال: إذا ما انتسبنا، وإذا تقتضي من الفعل مستقبلاً. ثمّ قال: لم تلدني لئيمةٌ، فأخبر عن ماضٍ من الفعل. وذلك أنّ الولادة قد مضت وتقدّمت. وإنّما فعل ذلك عند المحتجّ به لأنّ السّامع قد فهم معناه.
فجعل ما ذكرنا من خطاب اللّه أهل الكتاب الّذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أيّام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بإضافة أفعال أسلافهم إليهم نظير ذلك.
والأوّل الّذي قلنا هو المستفيض فى كلام العرب وخطابها.
وكان أبو العالية يقول في قوله: {فلولا فضل اللّه عليكم ورحمته} فيما ذكر لنا نحو القول الّذي قلناه.
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا آدم، قال حدّثنا أبو جعفر، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {فلولا فضل اللّه عليكم ورحمته} قال: «فضل اللّه: الإسلام، ورحمته: القرآن».
- وحدّثت عن عمّارٍ، حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، بمثله). [جامع البيان: 2 / 56 - 58]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لكنتم من الخاسرين}
قال أبو جعفرٍ: {فلولا فضل اللّه عليكم ورحمته} إيّاكم بإنقاذه إيّاكم بالتّوبة عليكم من خطيئتكم وجرمكم، لكنتم الباخسين أنفسكم حظوظها دائمًا، الهالكين بما اجترمتم من نقض ميثاقكم وخلافكم أمره وطاعته.
وقد تقدّم بياننا قبل بالشّواهد عن معنى الخسار بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 2 / 58]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ثمّ تولّيتم من بعد ذلك فلولا فضل اللّه عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين (64) }
قوله: {ثمّ تولّيتم من بعد ذلك}
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة في قوله: {من بعد ذلك} قال: «من بعد ما آتاهم».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 131]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فلولا}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {فلولا} قال: « يعن: هلا».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 131]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فضل الله عليكم}
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو خالدٍ- يعني سليمان بن حيّان الأحمر- عن حجّاجٍ عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ. وحجّاجٌ عن القاسم عن مجاهدٍ، قالا: «فضل اللّه الدّين». وروي عن أبي العالية وهلال بن يسافٍ وقتادة والرّبيع وعكرمة نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا سريج بن يونس ثنا أبو معاوية عن حجّاجٍ عن عطيّة العوفيّ عن أبي سعيدٍ الخدريّ في قوله: {فضل اللّه} قال: «فضل اللّه القرآن». قال أبو محمّدٍ: وروي عن زيد بن أسلم مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 131]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ورحمته لكنتم من الخاسرين}
[الوجه الأوّل]
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع عن أبي العالية في قوله: ورحمته قال القرآن. وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ ومجاهدٍ والحسن والضّحّاك وهلال بن يسافٍ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: {فلولا فضل اللّه عليكم ورحمته} «يعني ورحمته».
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {لكنتم من الخاسرين} قال: «خسروا الدّنيا والآخرة».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 131 - 132]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 08:15 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الذّين هادوا (62)} أي: الذين تابوا ممن تهوّد أي: هدنا إلى ربنا.
{والصّابئين (62)} يقال: صبأت من دينك إلى دين آخر، إذا خرجت، كما تصبأ النجوم تخرج من مطالعها، ويقال: صبأت ثنيةً إذا طلعتها). [مجاز القرآن: 1 / 42 -43]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {والذين هادوا} و{كونوا هودا أو نصارى} فتكون لليهود؛ وبعض العرب يقول: فعله هود من هودهم؛ أي يهود؛ ويهود: يفعل من هاد؛ وكذلك قال ابن عباس {الذين هادوا} اليهود.
وقد يكون الواحد من هود هائد؛ من هاد يهود، أي عاذ به؛ وكان ذلك ذنبًا، فيما بلغنا.
والهائد العائذ، وقال المؤمنون {إنا هدنا إليك} هيادة وهودًا؛ أي تبنا، وهو قول ابن عباس: تبنا؛ وهو يقرب من عذنا.
وقال زهير:
سوى مربع لم تأت فيه مخافة = ولا رهقا من عائذ متهود
[معاني القرآن لقطرب: 315]
ويقال: تهودت بك؛ وكأن الهوادة من ذلك إذا قلت بينهما هوادة.
وأما قوله {والصابئين} فإنهم يقولون: صبأت أصبأ صبوءا؛ إذا صرت صابئًا، وصبأت ثنية الصبي: طلعت؛ وأصبأت أيضًا لغة؛ وكأنه خروج من دين إلى دين، كخروج الثنية.
وأما قول ابن عباس، فكان يقول: الصابئون صنف من النصارى ألين قولاً منهم، وهم الصائمون السائمون، المحلقة أوساط رؤوسهم). [معاني القرآن لقطرب: 316]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الصابئين}: ملة من اليهود والنصارى والمجوس لهم دين. يقال: صبأت من دينك إلى دين آخر، إذا خرجت منه، ومن ذلك: صبأت ثنيته، إذا طلعت). [غريب القرآن وتفسيره: 72]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الّذين هادوا} هم: اليهود. {والصّابئين} قال قتادة: «هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون [إلى] القبلة، ويقرؤون الزّبور».
وأصل الحرف من صبأت: إذا خرجت من شيء إلى شيء ومن دين إلى دين. ولذلك كانت قريش تقول في الرجل إذا أسلم واتبع النبي -صلى اللّه عليه وعلى آله-: قد صبأ فلان -بالهمز-، أي: خرج عن ديننا إلى دينه). [تفسير غريب القرآن:51 -52]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجل: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (62)} لا يجوز أن يكون لأحد منهم إيمان إلا مع إيمانه بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ودليل ذلك قوله عزّ وجلّ: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم * والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وآمنوا بما نزّل على محمّد وهو الحقّ من ربّهم كفّر عنهم سيّئاتهم}، فتأويله: من آمن باللّه واليوم الآخر وآمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فلهم أجرهم.
وجاز أن يقال: {فلهم} لأن من لفظها لفظ الواحد وتقع على الواحد والاثنين والجمع والتأنيث والتذكير، فيحمل الكلام على لفظها فيُوحّد ويذكر، ويحمل على معناها فيثنّى ويجمع ويؤنث.
قال الشاعر:

تعـشّ فـإن عاهدتـنـي لا تخونـنـي ....... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

و"هادوا" أصله في اللغة: تابوا، وكذلك قوله عزّ وجلّ: {إنّا هدنا إليك} أي: تبنا إليك.
وواحد "النصارى" قيل فيه قولان:
قالوا يجوز أن يكون واحدهم "نصران" كما ترى، فيكون: نصران ونصارى، على وزن: ندمان وندامى، قال الشاعر:

فكلتاهما خـرّت وأسجـد رأسهـا ....... كما أسجدت نصرانة لم تحنّف

فـ"نصرانة" تأنيث "نصران".
ويجوز أن يكون النصارى واحدهم "نصرى"، مثل: بعير مهري وإبل مهارى.
ومعنى "الصابئين": الخارجين من دين إلى دين، يقال: صبأ فلان إذا خرج من دينه يصبأ يا هذا، ويقال: صبأت النجوم، إذا ظهرت، وصبأ نابه، إذا خرج.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} القراءة الجيدة: الرفع، وكذلك إدا كررت (لا) في الكلام، قلت: لا رجل عندي ولا زيد، و{لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون (47)}.
وإن قرئ (فلا خوفَ عليهم) فهو جيد بالغ الجودة وقد قرئ به). [معاني القرآن: 1 / 145 -147]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({والصابئين} الخارجون، من: صبأت النجوم، إذا ظهرت وخرجت.
وهم قوم يعبدون الملائكة، ويقرؤون الزبور، ويصلون للقبلة). [تفسير المشكل من غريب القرآن:28 -29]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({هَادُواْ}: تابوا. "الصَّابِئِ": الخارج من دينه). [العمدة في غريب القرآن: 77]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: {خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ...} يقول: بجدٍّ وبتأدية ما افترض عليكم فيه). [معاني القرآن: 1 / 43]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الطّور} جبل كان رفع عليهم حيث قيل لهم: {قولوا حطّة (58)}). [مجاز القرآن: 1 / 43]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ واذكروا ما فيه لعلّكم تتّقون}
قوله: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} فهذا على الكلام الأول. يقول: "اذكروا إذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا" يقول: "فقلنا لكم: خذوا". كما تقول: "أوحيت إليه: قم"، كأنه يقول: "أوحيت إليه فقلت له: قم" وكان في قولك: "أوحيت إليه" دليل على أنّك قد قلت له). [معاني القرآن: 1 / 78]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {الطور} والعلم: فالجبل.
قال الأعشى:
فإني وثوبي راهب الطور والتي = بنتها قريش والمضاض وجرهم). [معاني القرآن لقطرب: 316]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الطور}: جبل). [غريب القرآن وتفسيره: 72]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):{الطّور}: الجبل. ورفعه فوقهم مبين في سورة الأعراف). [تفسير غريب القرآن: 52]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوّة واذكروا ما فيه لعلّكم تتّقون (63)} المعنى: اذكروا إذ أخذنا ميثاقكم. و"الطور" ههنا: الجبل.
ومعنى {أخذنا ميثاقكم}: يجوز أن يكون ما أخذه اللّه عزّ وجلّ حين أخرج الناس كالذر. ودليل هذا قوله: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنّه ظلّة} ثم قال من بعد تمام الآية: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} فهذه الآية كالآية التي في البقرة. وهو أحسن المذاهب فيها.
وقد قيل: أن أخذ الميثاق هو: ما أخذ الله من الميثاق على الرسل ومن اتبعهم. ودليله قوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه} فالأخذ على النبيين -صلى الله عليهم وسلم- الميثاق يدخل فيه من اتبعهم.
{ورفعنا فوقكم الطّور} أي: جئناكم بآية عظيمة، وهي أن الطور -وهو الجبل- رفع فوقهم حتى أظلهم وظنوا أنه واقع بهم، فأخبر اللّه بعظم الآية التي أروها بعد أخذ الميثاق، وأخبر بالشيء الذي لو عذبهم بعده لكان عدلا في ذلك، ولكنه جعل لهم التوبة بعد ذلك وقال: {ثمّ تولّيتم من بعد ذلك} "ذلك" أي: من بعد الآيات العظام.
{فلولا فضل اللّه عليكم ورحمته} أي: لولا أن منّ اللّه عليكم بالتوبة بعد أن كفرتم مع عظيم هذه الآيات {لكنتم من الخاسرين}.
وقوله عزّ وجلّ: {خذوا ما آتيناكم بقوّة} موضع "ما" نصب، و {ما آتيناكم}: الكتاب الذي هو التوراة، ومعنى "خذوه بقوة" أي: خذوه بجد واتركوا الريب والشك لما بان لكم من عظيم الآيات.
وقوله عزّ وجلّ: {واذكروا ما فيه} معناه: ادرسوا ما فيه، وجاز في اللغة أن تقول: "خذ" و"خذا"، وأصله "أوخذ" وكذلك "كل" أصله "أوكل"، ولكن "خذ" و"كل" اجتمع فيهما كثرة الاستعمال والتقاء همزتين وضمة، فحذفت فاء الفعل وهي الهمزة التي كانت في "أَخذ" و"آكل" فحذفت لما وصفنا من كثرة الاستعمال واجتماع ما يستقلون). [معاني القرآن: 1 / 148 -149]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الطُّورَ}: جبل). [العمدة في غريب القرآن: 77]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64)}


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11 جمادى الأولى 1434هـ/22-03-2013م, 02:28 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في سفر ففقدوا الماء فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عليا وفلانا يبغيان الماء فإذا هما بامرأة على بعير لها بين مزادتين أو سطيحتين، فقالا لها: «انطلقي إلى النبي صلى الله عليه وسلم».
فقالت: إلى هذا الذي يقال له الصابئ؟
قالا لها: «هو الذي تعنين».
...
وأما قولها: الصابئ، فإن الصابئ عند العرب الذي قد خرج من دين إلى دين.
يقول: قد صبأت في الدين إذا خرجت منه ودخلت في غيره ولهذا كان المشركون يقولون للرجل إذا أسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: قد صبأ فلان.
ولا أظن الصابئين سموا إلا من هذا، لأنهم فارقوا دين اليهود والنصارى وخرجوا منهما إلى دين ثالث والله أعلم). [غريب الحديث: 1/ 303 -306]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} قال أبو العباس: في قول الخليل معناه الذين تابوا. وقال لفراء: إنما عد أصناف الكفرة، فهم اليهود. قال: وخبر إن في قوله: {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ}، وهو جزاء). [مجالس ثعلب: 249]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (غيره: الباذخ والشامخ والشاهق كله الطويل. والمشمخز مثله. والطود الجبل العظيم. والطور الجبل). [الغريب المصنف: 1 / 376] (م)

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) }
[لا يوجد]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 10:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 10:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 10:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 10:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (62) وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ واذكروا ما فيه لعلّكم تتّقون (63) ثمّ تولّيتم من بعد ذلك فلولا فضل اللّه عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين (64)}
اختلف المتأولون في المراد بـــ {الّذين آمنوا} في هذه الآية، فقال سفيان الثوري: «هم المنافقون في أمة محمد صلى الله عليه وسلم».، كأنه قال: إنّ الّذين آمنوا في ظاهر أمرهم، وقرنهم باليهود والنّصارى والصّابئين، ثم بين حكم من آمن بالله واليوم الآخر من جميعهم، فمعنى قوله: {من آمن} في المؤمنين المذكورين: من حقق وأخلص، وفي سائر الفرق المذكورة: من دخل في الإيمان. وقالت فرقة: الّذين آمنوا هم المؤمنون حقا بمحمد صلى الله عليه وقوله {من آمن باللّه} يكون فيهم بمعنى من ثبت ودام، وفي سائر الفرق بمعنى من دخل فيه. وقال السدي: «هم أهل الحنيفية ممن لم يلحق محمدا صلى الله عليه وسلم، كزيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة، وورقة بن نوفل، والّذين هادوا كذلك ممن لم يلحق محمدا صلى الله عليه وسلم، إلا من كفر بعيسى عليه السلام، والنّصارى كذلك ممن لم يلحق محمدا صلى الله عليه وسلم، والصّابئين كذلك».، قال: إنها نزلت في أصحاب سلمان الفارسي، وذكر له الطبري قصة طويلة، وحكاها أيضا ابن إسحاق، مقتضاها أنه صحب عبادا من النصارى فقال له آخرهم: إن زمان نبي قد أظل، فإن لحقته فآمن به، ورأى منهم عبادة عظيمة، فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم ذكر له خبرهم، وسأله عنهم، فنزلت هذه الآية.
وروي عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في أول الإسلام، وقرر الله بها أن من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ومن بقي على يهوديته ونصرانيته وصابئيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر فله أجره، ثم نسخ ما قرر من ذلك بقوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه} [آل عمران: 85] وردت الشرائع كلها إلى شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
{والّذين هادوا} هم اليهود، وسموا بذلك لقولهم {إنّا هدنا إليك} [الأعراف: 156] أي تبنا، فاسمهم على هذا من هاد يهود، وقال الشاعر:

إني امرؤ من مدحتي هائد

أي تائب، وقيل: نسبوا إلى يهوذا بن يعقوب، فلما عرب الاسم لحقه التغيير كما تغير العرب في بعض ما عربت من لغة غيرها، وحكى الزهراوي أن التهويد النطق في سكون ووقار ولين، وأنشد:

وخود من اللائي تسمعن بالضحى ....... قريض الردافى بالغناء المهود

قال: ومن هذا سميت اليهود، وقرأ أبو السمال «هادوا» بفتح الدال.
والنّصارى لفظة مشتقة من النصر، إما لأن قريتهم تسمى ناصرة، ويقال نصريا ويقال نصرتا، وإما لأنهم تناصروا، وإما لقول عيسى عليه السلام {من أنصاري إلى اللّه} [آل عمران: 152، الصف: 4] قال سيبويه: واحدهم نصران ونصرانة كندمان وندمانة وندامى، وأنشد: [أبو الأخرز الحماني]:

فكلتاهما خرت وأسجد رأسها ....... كما سجدت نصرانة لم تحنّف

وأنشد الطبري:

يظل إذا دار العشيّ محنّفا ....... ويضحي لديها وهو نصران شامس
قال سيبوية: إلا أنه لا يستعمل في الكلام إلّا بياء نسب، قال الخليل: واحد النّصارى نصريّ كمهريّ ومهارى.
والصابئ في اللغة من خرج من دين إلى دين، ولهذا كانت العرب تقول لمن أسلم قد صبا، وقيل إنها سمتهم بذاك لما أنكروا الآلهة تشبيها بالصابئين في الموصل الذين لم يكن لهم بر إلا قولهم لا إله إلا الله، وطائفة همزته وجعلته من صبأت النجوم إذا طلعت، وصبأت ثنية الغلام إذا خرجت، قال أبو علي: يقال صبأت على القوم بمعنى طرأت، فالصابئ التارك لدينه الذي شرع له إلى دين غيره، كما أن الصابئ على القوم تارك لأرضه ومنتقل إلى سواها، وبالهمز قرأ القراء غير نافع فإنه لم يهمزه، ومن لم يهمز جعله من صبا يصبو إذا مال، أو يجعله على قلب الهمزة ياء، وسيبويه لا يجيزه إلا في الشعر.
وأما المشار إليهم في قوله تعالى: {والصّابئين} فقال السدي: «هم فرقة من أهل الكتاب»، وقال مجاهد: «هم قوم لا دين لهم، ليسوا بيهود ولا نصارى»، وقال ابن أبي نجيح: «هم قوم تركب دينهم بين اليهودية والمجوسية، لا تؤكل ذبائحهم»، وقال ابن زيد: «هم قوم يقولون لا إله إلا الله وليس لهم عمل ولا كتاب، كانوا بجزيرة الموصل»، وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة: «هم قوم يعبدون الملائكة ويصلون إلى القبلة ويصلون الخمس ويقرؤون الزبور، رآهم زياد بن أبي سفيان فأراد وضع الجزية عنهم حتى عرف أنهم يعبدون الملائكة».
ومن في قوله {من آمن باللّه} في موضع نصب بدل من الّذين، والفاء في قولهم فلهم داخلة بسبب الإبهام الذي في من و «لهم أجرهم» ابتداء وخبر في موضع خبر إنّ، ويحتمل ويحسن أن تكون من في موضع رفع بالابتداء، ومعناها الشرط، والفاء في قوله فلهم موطئة أن تكون الجملة جوابها، و «لهم أجرهم» خبر من، والجملة كلها خبر إنّ، والعائد على الّذين محذوف لا بد من تقديره، وتقديره «من آمن منهم بالله».
وفي الإيمان باليوم الآخر اندرج الإيمان بالرسل والكتب، ومنه يتفهم، لأن البعث لم يعلم إلا بإخبار رسل الله عنه تبارك وتعالى، وجمع الضمير في قوله تعالى «لهم أجرهم» بعد أن وحد في آمن لأن من تقع على الواحد والتثنية والجمع، فجائز أن يخرج ما بعدها مفردا على لفظها، أو مثنى أو مجموعا على معناها، كما قال عز وجل: {ومنهم من يستمعون إليك} [يونس: 42] فجمع على المعنى، وكقوله: {ومن يطع اللّه ورسوله يدخله جنّاتٍ} [النساء: 13] ثم قال: {خالدين فيها} [النساء: 13] فجمع على المعنى، وقال الفرزدق:

تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني ....... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

فثنى على المعنى، وإذا جرى ما بعد من على اللفظ فجائز أن يخالف به بعد على المعنى، وإذا جرى ما بعدها على المعنى فلم يستعمل أن يخالف به بعد على اللفظ، لأن الإلباس يدخل في الكلام.
وقرأ الحسن «ولا خوف»، نصب على التبرية، وأما الرفع فعلى الابتداء، وقد تقدم القول في مثل هذه الآية). [المحرر الوجيز: 1 / 234 -238]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم}، إذ معطوفة على التي قبلها، والميثاق مفعال من وثق يثق، مثل ميزان من وزن يزن، والطّور اسم الجبل الذي نوجي موسى عليه، قاله ابن عباس، وقال مجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم: «الطّور اسم لكل جبل»، ويستدل على ذلك بقول العجاج:

دانى جناحيه من الطور فمر ....... تقضّي البازي إذا البازي كسر

وقال ابن عباس أيضا: «الطّور كل جبل ينبت، وكل جبل لا ينبت فليس بطور»، قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا كله على أن اللفظة عربية، وقال أبو العالية ومجاهد: «هي سريانية اسم لكل جبل».
وقصص هذه الآية أن موسى عليه السلام لما جاء إلى بني إسرائيل من عند الله تعالى بالألواح فيها التوراة، قال لهم: خذوها والتزموها، فقالوا: لا إلا أن يكلّمنا الله بها كما كلمك، فصعقوا، ثم أحيوا، فقال لهم: خذوها، فقالوا: لا، فأمر الله تعالى الملائكة فاقتلعت جبلا من جبال فلسطين، طوله فرسخ في مثله، وكذلك كان عسكرهم، فجعل عليهم مثل الظلة، وأخرج الله تعالى البحر من ورائهم، وأضرم نارا بين أيديهم، فأحاط بهم غضبه، وقيل لهم خذوها وعليكم الميثاق ألا تضيعوها، وإلا سقط عليكم الجبل، وغرقكم البحر وأحرقتكم النار، فسجدوا توبة لله، وأخذوا التوراة بالميثاق، وقال الطبري رحمه الله عن بعض العلماء: لو أخذوها أول مرة لم يكن عليهم ميثاق، وكانت سجدتهم على شق، لأنهم كانوا يرقبون الجبل خوفا، فلما رحمهم الله قالوا لا سجدة أفضل من سجدة تقبلها الله ورحم بها، فأمروا سجودهم على شق واحد.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله: والذي لا يصح سواه أن الله تعالى اخترع وقت سجودهم الإيمان في قلوبهم، لأنهم آمنوا كرها وقلوبهم غير مطمئنة، وقد اختصرت ما سرد في قصص هذه الآية، وقصدت أصحه الذي تقتضيه ألفاظ الآية، وخلط بعض الناس صعقة هذه القصة بصعقة السبعين.
وقوله تعالى: {خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} في الكلام حذف تقديره: وقلنا خذوا، وآتيناكم معناه أعطيناكم، وبقوّةٍ: قال ابن عباس: «معناه بجد واجتهاد»، وقيل: بكثرة درس، وقال ابن زيد: «معناه بتصديق وتحقيق»، وقال الربيع: «معناه بطاعة الله».
واذكروا ما فيه أي تدبروه واحفظوا أوامره ووعيده، ولا تنسوه وتضيعوه، والضمير عائد على ما آتيناكم ويعني التوراة، وتقدير صلة ما: واذكروا ما استقر فيه، ولعلّكم تتّقون ترج في حق البشر). [المحرر الوجيز: 1 / 238 -240]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ثمّ تولّيتم من بعد ذلك} الآية. تولّى تفعّل، وأصله الإعراض والإدبار عن الشيء بالجسم، ثم استعمل في الإعراض عن الأمور والأديان والمعتقدات اتساعا ومجازا، وفضل اللّه رفع بالابتداء، والخبر مضمر عند سيبويه لا يجوز إظهاره للاستغناء عنه، تقديره فلولا فضل الله عليكم تدارككم، ورحمته عطف على فضل، قال قتادة: «فضل الله الإسلام، ورحمته القرآن». قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا على أن المخاطب بقوله: عليكم لفظا ومعنى من كان في مدة محمد صلى الله عليه وسلم، والجمهور على أن المراد بالمعنى من سلف، ولكنتم جواب «لولا»، ومن الخاسرين خبر «كان». والخسران النقصان، وتوليهم من بعد ذلك: إما بالمعاصي، فكان فضل الله بالتوبة والإمهال إليها، وإما أن يكون توليهم بالكفر فكان فضل الله بأن لم يعاجلهم بالإهلاك ليكون من ذريتهم من يؤمن، أو يكون المراد من لحق محمدا صلى الله عليه وسلم، وقد قال ذلك قوم، وعليه يتجه قول قتادة: إن الفضل الإسلام، والرحمة القرآن، ويتجه أيضا أن يراد بالفضل والرحمة إدراكهم مدة محمد صلى الله عليه وسلم). [المحرر الوجيز: 1 / 240 -241]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 10:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 10:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحًا فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (62)}
لمّا بيّن [اللّه] تعالى حال من خالف أوامره وارتكب زواجره، وتعدّى في فعل ما لا إذن فيه وانتهك المحارم، وما أحلّ بهم من النّكال، نبّه تعالى على أنّ من أحسن من الأمم السّالفة وأطاع، فإنّ له جزاء الحسنى، وكذلك الأمر إلى قيام السّاعة؛ كلّ من اتّبع الرّسول النّبيّ الأمّيّ فله السّعادة الأبديّة، ولا خوفٌ عليهم فيما يستقبلونه، ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلّفونه، كما قال تعالى: {ألا إنّ أولياء اللّه لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} [يونس: 62] وكما تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار في قوله: {إنّ الّذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة الّتي كنتم توعدون} [فصّلت: 30].
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا ابن أبي عمر العدني، حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، قال: قال سلمان: «سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن أهل دينٍ كنت معهم، فذكرت من صلاتهم وعبادتهم، فنزلت: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر} إلى آخر الآية».
وقال السّدّيّ: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحًا} الآية: نزلت في أصحاب سلمان الفارسيّ، بينا هو يحدّث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذ ذكر أصحابه، فأخبره خبرهم، فقال: كانوا يصومون ويصلّون ويؤمنون بك، ويشهدون أنّك ستبعث نبيًّا، فلّما فرغ سلمان من ثنائه عليهم، قال له نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا سلمان، هم من أهل النّار». فاشتدّ ذلك على سلمان، فأنزل اللّه هذه الآية، فكان إيمان اليهود: أنّه من تمسّك بالتّوراة وسنّة موسى، عليه السّلام؛ حتّى جاء عيسى. فلمّا جاء عيسى كان من تمسّك بالتّوراة وأخذ بسنّة موسى، فلم يدعها ولم يتبع عيسى، كان هالكًا. وإيمان النّصارى أنّ من تمسّك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنًا مقبولًا منه حتّى جاء محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، فمن لم يتبع محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم منهم ويدع ما كان عليه من سنّة عيسى والإنجيل -كان هالكًا.
وقال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن جبير نحو هذا.
قلت: وهذا لا ينافي ما روى عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «{إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر} الآية فأنزل اللّه بعد ذلك: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران: 85]».
فإنّ هذا الّذي قاله [ابن عبّاسٍ] إخبارٌ عن أنّه لا يقبل من أحدٍ طريقةً ولا عملًا إلّا ما كان موافقًا لشريعة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بعد أن بعثه [اللّه] بما بعثه به، فأمّا قبل ذلك فكلّ من اتّبع الرّسول في زمانه فهو على هدًى وسبيلٍ ونجاةٍ، فاليهود أتباع موسى، عليه السّلام، الّذين كانوا يتحاكمون إلى التّوراة في زمانهم.
واليهود من الهوادة وهي المودّة أو التّهوّد وهي التّوبة؛ كقول موسى، عليه السّلام: {إنّا هدنا إليك} [الأعراف: 156] أي: تبنا، فكأنّهم سمّوا بذلك في الأصل لتوبتهم ومودّتهم في بعضهم لبعضٍ.
[وقيل: لنسبتهم إلى يهوذا أكبر أولاد يعقوب عليه السّلام، وقال أبو عمرو بن العلاء: لأنّهم يتهوّدون، أي: يتحرّكون عند قراءة التّوراة].
فلمّا بعث عيسى صلّى اللّه عليه وسلّم وجب على بني إسرائيل اتّباعه والانقياد له، فأصحابه وأهل دينه هم النّصارى، وسمّوا بذلك لتناصرهم فيما بينهم، وقد يقال لهم: أنصارٌ أيضًا، كما قال عيسى، عليه السّلام: {من أنصاري إلى اللّه قال الحواريّون نحن أنصار اللّه} [آل عمران: 52] وقيل: إنّهم إنّما سمّوا بذلك من أجل أنّهم نزلوا أرضًا يقال لها ناصرةٌ، قاله قتادة وابن جريج، وروي عن ابن عبّاسٍ أيضًا، واللّه أعلم.
والنّصارى: جمع نصران كنشاوى جمع نشوان، وسكارى جمع سكران، ويقال للمرأة: نصرانةٌ، قال الشّاعر:

نصرانةٌ لم تحنّف

فلمّا بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم خاتمًا للنّبيّين، ورسولًا إلى بني آدم على الإطلاق، وجب عليهم تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانكفاف عمّا عنه زجر. وهؤلاء هم المؤمنون [حقًّا]. وسمّيت أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم مؤمنين لكثرة إيمانهم وشدّة إيقانهم، ولأنّهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية. وأمّا الصّابئون فقد اختلف فيهم؛ فقال سفيان الثّوريّ، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ، قال: «الصّابئون قومٌ بين المجوس واليهود والنّصارى، ليس لهم دينٌ». وكذا رواه ابن أبي نجيحٍ، عنه وروي عن عطاءٍ وسعيد بن جبيرٍ نحو ذلك.
وقال أبو العالية والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ، وأبو الشّعثاء جابر بن زيدٍ، والضّحّاك [وإسحاق بن راهويه] «الصّابئون فرقةٌ من أهل الكتاب يقرؤون الزّبور».
[ولهذا قال أبو حنيفة وإسحاق: لا بأس بذبائحهم ومناكحتهم].
وقال هشيمٌ عن مطرّفٍ: كنّا عند الحكم بن عتيبة فحدّثه رجلٌ من أهل البصرة عن الحسن أنّه كان يقول في الصّابئين: «إنّهم كالمجوس»، فقال الحكم: ألم أخبركم بذلك.
وقال عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن معاوية بن عبد الكريم: سمعت الحسن ذكر الصّابئين، فقال: «هم قومٌ يعبدون الملائكة».
[وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، حدّثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه، عن الحسن قال: «أخبر زيادٌ أنّ الصّابئين يصلّون إلى القبلة ويصلّون الخمس». قال: «فأراد أن يضع عنهم الجزية». قال: «فخبّر بعد أنّهم يعبدون الملائكة».].
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ: «بلغني أنّ الصّابئين قومٌ يعبدون الملائكة، ويقرؤون الزّبور، ويصلّون إلى القبلة».
وكذا قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني ابن أبي الزّناد، عن أبيه، قال: «الصّابئون قومٌ ممّا يلي العراق، وهم بكوثى، وهم يؤمنون بالنّبيّين كلّهم، ويصومون من كلّ سنةٍ ثلاثين يومًا ويصلّون إلى اليمن كلّ يومٍ خمس صلواتٍ».
وسئل وهب بن منبّهٍ عن الصّابئين، فقال: «الّذي يعرف اللّه وحده، وليست له شريعةٌ يعمل بها ولم يحدث كفرًا».
وقال عبد اللّه بن وهبٍ: قال عبد الرّحمن بن زيدٍ: «الصّابئون أهل دينٍ من الأديان، كانوا بجزيرة الموصل يقولون: لا إله إلّا اللّه، وليس لهم عملٌ ولا كتابٌ ولا نبيٌّ إلّا قول: لا إله إلّا اللّه»، قال: «ولم يؤمنوا برسولٍ، فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه: هؤلاء الصّابئون، يشبّهونهم بهم، يعني في قول: لا إله إلّا اللّه».
وقال الخليل هم قومٌ يشبه دينهم دين النّصارى، إلّا أنّ قبلتهم نحو مهب الجنوب، يزعمون أنّهم على دين نوحٍ، عليه السّلام. وحكى القرطبيّ عن مجاهدٍ والحسن وابن أبي نجيحٍ: «أنّهم قومٌ تركّب دينهم بين اليهود والمجوس، ولا تؤكل ذبائحهم»، قال ابن عبّاسٍ: «ولا تنكح نساؤهم». قال القرطبيّ: والّذي تحصّل من مذهبهم فيما ذكره بعض العلماء أنّهم موحّدون ويعتقدون تأثير النجوم، وأنهم فاعلةٌ؛ ولهذا أفتى أبو سعيدٍ الإصطخريّ بكفرهم للقادر باللّه حين سأله عنهم، واختار فخر الدّين الرّازيّ أنّ الصّابئين قومٌ يعبدون الكواكب؛ بمعنى أنّ اللّه جعلها قبلةً للعبادة والدّعاء، أو بمعنى أنّ اللّه فوّض تدبير أمر هذا العالم إليها، قال: وهذا القول هو المنسوب إلى الكشرانيّين الّذين جاءهم إبراهيم الخليل، عليه السّلام، رادًّا عليهم ومبطلًا لقولهم.
وأظهر الأقوال، واللّه أعلم، قول مجاهدٍ ومتابعيه، ووهب بن منبّهٍ: أنّهم قومٌ ليسوا على دين اليهود ولا النّصارى ولا المجوس ولا المشركين، وإنّما هم قومٌ باقون على فطرتهم ولا دينٌ مقرّرٌ لهم يتبعونه ويقتفونه؛ ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصّابئيّ، أي: أنّه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك.
وقال بعض العلماء: الصّابئون الّذين لم تبلغهم دعوة نبيٍّ، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 1 / 284 -287]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ واذكروا ما فيه لعلّكم تتّقون (63) ثمّ تولّيتم من بعد ذلك فلولا فضل اللّه عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين (64)}
يقول تعالى مذكّرًا بني إسرائيل ما أخذ عليهم من العهود والمواثيق بالإيمان به وحده لا شريك له واتّباع رسله، وأخبر تعالى أنّه لمّا أخذ عليهم الميثاق رفع الجبل على رؤوسهم ليقرّوا بما عوهدوا عليه، ويأخذوه بقوّةٍ وحزمٍ وهمّةٍ وامتثالٍ كما قال تعالى: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنّه ظلّةٌ وظنّوا أنّه واقعٌ بهم خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ واذكروا ما فيه لعلّكم تتّقون} [الأعراف: 171] الطّور هو الجبل، كما فسّره بآية الأعراف، ونصّ على ذلك ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعطاءٌ وعكرمة والحسن والضّحّاك والرّبيع بن أنسٍ، وغير واحدٍ، وهذا ظاهرٌ.
وفي روايةٍ عن ابن عبّاسٍ: «الطّور ما أنبت من الجبال، وما لم ينبت فليس بطورٍ».
وفي حديث الفتون: عن ابن عبّاسٍ: «أنّهم لمّا امتنعوا عن الطّاعة رفع عليهم الجبل ليسمعوا [فسجدوا]».
وقال السّدّيّ: «فلمّا أبوا أن يسجدوا أمر اللّه الجبل أن يقع عليهم، فنظروا إليه وقد غشيهم، فسقطوا سجّدًا [فسجدوا] على شقٍّ، ونظروا بالشّقّ الآخر، فرحمهم اللّه فكشفه عنهم، فقالوا واللّه ما سجدةٌ أحبّ إلى اللّه من سجدةٍ كشف بها العذاب عنهم، فهم يسجدون كذلك، وذلك قوله تعالى: {ورفعنا فوقكم الطّور}».
وقال الحسن في قوله: {خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} «يعني التّوراة».
وقال أبو العالية، والرّبيع بن أنسٍ: «{بقوّةٍ} أي بطاعةٍ». وقال مجاهدٌ: «بقوّةٍ: بعملٍ بما فيه». وقال قتادة: «{خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} القوّة: الجدّ وإلّا قذفته عليكم».
قال: فأقرّوا بذلك: أنّهم يأخذون ما أوتوا بقوّةٍ. ومعنى قوله: وإلّا قذفته عليكم، أي أسقطه عليكم، يعني الجبل.
وقال أبو العالية والرّبيع: «{واذكروا ما فيه} يقول: اقرؤوا ما في التّوراة واعملوا به».). [تفسير ابن كثير: 1 / 287 -288]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {ثمّ تولّيتم من بعد ذلك} يقول تعالى: ثمّ بعد هذا الميثاق المؤكّد العظيم تولّيتم عنه وانثنيتم ونقضتموه {فلولا فضل اللّه عليكم ورحمته} أي: توبته عليكم وإرساله النّبيّين والمرسلين إليكم {لكنتم من الخاسرين} بنقضكم ذلك الميثاق في الدّنيا والآخرة). [تفسير ابن كثير: 1 / 288]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة