قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (النوع الثالث: من هذا الباب المشترك بين الحروف والأفعال، ولم يوجد منه سوى كلمتين «"عدا" و"خلا"» اختلفوا فيهما، فالجمهور على أنهما فعلان وما بعدهما منصوب بهما، وفاعلهما ضمير مستكن لا يجوز إبرازه مفرد أبدًا؛ لأنه يعود على بعض، وهو أبدًا، كذلك تقول: جاءني العلماء "عدا" زيد، أي: "عدا" بعضهم زيدًا، ومنه قوله:
يا من دحا الأرض ومن طحاها ..... أنزل بهم صاعقة أراها
تحرق الأحشاء من لظاها ..... عدا سليمى وعدا أباها
وأقبل الفضلاء "خلا" عمرا، أي: "خلا" بعضهم عمرًا، فحمل "خلا"، وإن كان لازمًا في الأصل على "عدا" لما فيه من معنى المجاوزة تقديرهما جاوز بعضهم عمرًا أو لا يتعدى زيدًا، والنصب بهما على الاستثناء، وجوز الأخفش الجر بهما على أنهما حرفي جر، ووافقه سيبويه في "خلا" لوروده مجرورًا في قوله:
خلا الله لا أرجوا سواك وإنما ..... أعد عيالي شيعة من عيالكا
وبعضهم زعم أنها مصدرين مضافين إلى المفعول، وهو ضعيف لعدم انتهاض دليل عليه، هذا إذا لم يقترنا "بما"، أما إذا اقترنا بها فالنصب ليس إلا تقول: جاءني القوم "ما" "عدا" زيدًا، وقدم الحاج "ما خلا" بكرًا، قال:
تمل الندا في ما عداني فإنني ..... بكل الذي يهوى نديمي مولع
وقال لبيد: ألا كل شيء "ما خلا" الله باطل.
وإنما تعين النصب لاختصاصهما حينئذٍ بالفعل بدخول "ما" المصدرية؛ إذ تقديره خلو بعضهم زيدًا بنصب خلو لوقوعه موقع الحال، ويؤيد فعليتهما دخول "نون" الوقاية، وإنما حكم بأن "ما" مصدرية لامتناع كونها موصولة لأن الموصولة تقع موقع الصفة والموصوف معًا، ولهذا لا يصح: اشتريت الكتاب "ما" عرفت، لوجوب استتار ضمير يعود عليها في الفعل حينئذٍ، ولأن الموصولة يصح قيام من مقامها، وهنا يمتنع، قال أبو البقاء: وأجاز أبو علي رحمه الله في كتاب الشعر: أن تكون "ما" زائدة، وما بعدها مجرور بهما، وتابعه الربعي وجماعة على ذلك، ونقله بعضهم عن الأخفش، قلت: فعلى هذا في إطلاق الزمخشري وابن الحاجب، وقول ابن القواص لإطباقهم على أن ما بعدهما منصوب تساهل، والله تعالى أعلم، وهذا آخر الباب الثالث). [جواهر الأدب: 189 - 190]