تفسير قوله تعالى: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أفمن يعلم أنّما أنزل إليك من ربّك الحقّ كمن هو أعمى إنّما يتذكّر أولو الألباب}.
يقول تعالى ذكره: أهذا الّذي يعلم أنّ الّذي أنزله اللّه عليك يا محمّد حقٌّ، فيؤمن به ويصدّق ويعمل بما فيه، كالّذي هو أعمى فلا يعرف موقع حجّة اللّه عليه به ولا يعلم ما ألزمه اللّه من فرائضه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا هشامٌ، عن عمرٍو، عن سعيدٍ، عن قتادة، في قوله: {أفمن يعلم أنّما أنزل إليك من ربّك الحقّ} قال: هؤلاء قومٌ انتفعوا بما سمعوا من كتاب اللّه وعقلوه ووعوه، قال اللّه: {كمن هو أعمى} قال: عن الخير فلا يبصره.
وقوله: {إنّما يتذكّر أولو الألباب} يقول: إنّما يتّعظ بآيات اللّه، ويعتبر بها ذوو العقول، وهي الألباب، واحدها: لبٌّ). [جامع البيان: 13/506-507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 19
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق} قال: هؤلاء قوم انتفعوا بما سمعوا من كتاب الله وعقلوه ووعوه، {كمن هو أعمى} قال: عن الحق فلا يبصروه ولا يعقله {إنما يتذكر أولوا الألباب} فبين من هم فقال: {الذين يوفون بعهد الله}). [الدر المنثور: 8/424]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير - رضي الله عنه - في قوله {أولوا الألباب} يعني من كان له لب أو عقل). [الدر المنثور: 8/425]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن - رضي الله عنه - قال: إنما عاتب الله تعالى أولي الألباب لأنه يحبهم، ووجدت ذلك في آية من كتاب الله تعالى {إنما يتذكر أولوا الألباب}). [الدر المنثور: 8/425]
تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين يوفون بعهد اللّه ولا ينقضون الميثاق (20) والّذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل ويخشون ربّهم ويخافون سوء الحساب}.
يقول تعالى ذكره: إنّما يتّعظ ويعتبر بآيات اللّه أولو الألباب الّذين يوفون بوصيّة اللّه الّتي أوصاهم بها {ولا ينقضون الميثاق} ولا يخالفون العهد الّذي عاهدوا اللّه عليه إلى خلافه، فيعملوا بغير ما أمرهم به، ويخالفوا إلى ما نهى عنه.
وقد بيّنّا معنى العهد والميثاق فيما مضى بشواهده، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا هشامٌ، عن عمرٍو، عن سعيدٍ، عن قتادة، قال: {إنّما يتذكّر أولو الألباب} فبيّن من هم فقال: {الّذين يوفون بعهد اللّه ولا ينقضون الميثاق} فعليكم بوفاء العهد، ولا تنقضوا هذا الميثاق، فإنّ اللّه تعالى قد نهى وقدّم فيه أشدّ التّقدمة، فذكره في بضعٍ وعشرين موضعًا، نصيحةً لكم وتقدمةً إليكم وحجّةً عليكم، وإنّما تعظم الأمر بما عظّمه اللّه به عند أهل الفهم والعقل، فعظّموا ما عظّم اللّه
- قال قتادة: وذكر لنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول في خطبته: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له). [جامع البيان: 13/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 20 - 21.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله {الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق} فعليكم بالوفاء بالعهد ولا تنقضوا الميثاق فإن الله قد نهى عنه وقدم فيه أشد التقدمة وذكره في بضع وعشرين آية، نصيحة لكم وتقدمة إليكم وحجة عليكم وإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم وأهل العقل وأهل العلم بالله وذكر لنا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له). [الدر المنثور: 8/425]
تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن فرقد عن إبراهيم قال: {ويخافون سوء الحساب}، أن يحاسب بذنبه، ثم لا يغفر له). [الجامع في علوم القرآن: 1/111-112]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن جعفر بن سليمان في قوله تعالى ويخشون ربهم ويخافون قال أخبرني عمرو بن مالك قال سمعت أبا الجوزاء يقول في قوله تعالى ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب قال المناقشة بالأعمال). [تفسير عبد الرزاق: 1/335]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن جعفر بن سليمان، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء {ويخافون سوء الحساب} قال: المناقشة في الأعمال). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 487]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {والّذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل} يقول تعالى ذكره: والّذين يصلون الرّحم الّتي أمرهم اللّه بوصلها فلا يقطعونها، {ويخشون ربّهم} يقول: ويخافون اللّه في قطعها أن يقطعوها، فيعاقبهم على قطعها وعلى خلافهم أمره فيها.
وقوله: {ويخافون سوء الحساب} يقول: ويحذرون مناقشة اللّه إيّاهم في الحساب، ثمّ لا يصفح لهم عن ذنبٍ، فهم لرهبتهم ذلك جادّون في طاعته، محافظون على حدوده، كما؛
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عفّان، قال: حدّثنا جعفر بن سليمان، عن عمرو بن مالكٍ، عن أبي الجوزاء، في قوله: {يخشون ربّهم ويخافون سوء الحساب} قال: المناقشة بالأعمال
- قال: حدّثنا عفّان، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن فرقدٍ، عن إبراهيم، قال: سوء الحساب أن يحاسب من لا يغفر له.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ويخافون سوء الحساب} قال: فقال: وما سوء الحساب؟ قال: الّذي لا جواز فيه
- حدّثني ابن سنانٍ القزّاز، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن الحجّاج، عن فرقدٍ، قال: قال لي إبراهيم: تدري ما سوء الحساب؟ قلت: لا أدري، قال: يحاسب العبد بذنبه كلّه، لا يغفر له منه شيءٌ). [جامع البيان: 13/508-509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الخطيب، وابن عساكر عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن البر والصبر ليخففان سوء العذاب يوم القيامة ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} ). [الدر المنثور: 8/425]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير - رضي الله عنه – في قوله {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} يعني من إيمان بالنبيين وبالكتب كلها {ويخشون ربهم} يعني يخافون في قطعية ما أمر الله به أن يوصل {ويخافون سوء الحساب} يعني شدة الحساب). [الدر المنثور: 8/426]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اتقوا الله وصلوا الأرحام فإنه أبقى لكم في الدنيا وخير لكم في الآخرة وذكر لنا أن رجلا من خثعم أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فقال: أنت الذي تزعم أنك رسول الله قال: نعم، قال: فأي الأعمال أحب إلى الله قال: الإيمان بالله، قال: ثم ماذا قال: صلة الرحم وكان عبد الله بن عمرو يقول: إن الحليم ليس من ظلم ثم حلم حتى إذا هيجه قوم اهتاج ولكن الحليم من قدر ثم عفا وإن الوصول ليس من وصل ثم وصل فتلك مجازاة ولكن الوصول من قطع ثم وصل وعطف على من لا يصله). [الدر المنثور: 8/426]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) قال: بلغنا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إذا لم تمش إلى ذي رحمك برجلك ولم تعطه من مالك فقد قطعته). [الدر المنثور: 8/426]
تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({يدرءون}: " يدفعون، درأته عنّي: دفعته "). [صحيح البخاري: 6/78]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله يدرءون يدفعون درأته عنّي دفعته هو قول أبي عبيدة أيضًا). [فتح الباري: 8/373]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (يدرؤن يدفعون درأته عنّي دفعته
أشار به إلى قوله تعالى: {ويدرؤن بالحسنة السّيئة أولئك لهم عقبي الدّار} (الرّعد: 22) وفسّر قوله: (يدرؤن) بقوله (يدفعون) يقال: درأت فلانا إذا دفعته من الدّار موهو الدّفع). [عمدة القاري: 18/311]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (يدرؤون) في قوله: ({ويدرؤون}) [الرعد: 22] أي (يدفعون) السيئة بمقابلتها بالحسنة وهذا وصف سيدنا رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- في التوراة فيندرج تحته الدفع بالحسن من الكلام والوصل في مقابلة قطع الأرحام وغيرهما من أخلاق الكرام وتغيير منكرات أفعال اللئام (درأته عني) أي (دفعته) وسقط لغير أبي ذر عني). [إرشاد الساري: 7/184-185]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين صبروا ابتغاء وجه ربّهم، وأقاموا الصّلاة، وأنفقوا ممّا رزقناهم سرًّا وعلانيةً، ويدرءون بالحسنة السّيّئة، أولئك لهم عقبى الدّار}.
يقول تعالى ذكره: {والّذين صبروا} على الوفاء بعهد اللّه وترك نقض الميثاق وصلة الرّحم، {ابتغاء وجه ربّهم} ويعني بقوله: {ابتغاء وجه ربّهم} طلب تعظيم اللّه، وتنزيهًا له أن يخالف في أمره، أو يأتي أمرًا كره إتيانه فيعصيه به، {وأقاموا الصّلاة} يقول: وأدّوا الصّلاة المفروضة بحدودها في أوقاتها {وأنفقوا ممّا رزقناهم سرًّا وعلانيةً} يقول: وأدّوا من أموالهم زكاتها المفروضة، وأنفقوا منها في السّبل الّتي أمرهم اللّه بالنّفقة فيها، سرًّا في خفاءٍ، وعلانيةً في الظّاهر، كما؛
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وأقاموا الصّلاة} يعني الصّلوات الخمس، {وأنفقوا ممّا رزقناهم سرًّا وعلانيةً} يقول الزّكاة
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: الصّبر: الإقامة، قال: وقال الصّبر في هاتين، فصبرٌ للّه على ما أحبّ وإن ثقل على الأنفس والأبدان، وصبرٌ عمّا يكره وإن نازعت إليه الأهواء، فمن كان هكذا فهو من الصّابرين، وقرأ: {سلامٌ عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدّار}
وقوله: {ويدرءون بالحسنة السّيّئة} يقول: ويدفعون إساءة من أساء إليهم من النّاس، بالإحسان إليهم، كما؛
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ويدرءون بالحسنة السّيّئة} قال: يدفعون الشّرّ بالخير، لا يكافئون الشّرّ بالشّرّ، ولكن يدفعونه بالخير
وقوله: {أولئك لهم عقبى الدّار} يقول تعالى ذكره: هؤلاء الّذين وصفنا صفتهم هم الّذين لهم عقبى الدّار، يقول: هم الّذين أعقبهم اللّه دار الجنان من دارهم الّتي لو لم يكونوا مؤمنين كانت لهم في النّار، فأعقبهم اللّه من تلك هذه. وقد قيل: معنى ذلك: أولئك الّذين لهم عقيب طاعتهم ربّهم في الدّنيا دار الجنان). [جامع البيان: 13/509-510]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 22 - 24
أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير - رضي الله عنه - في قوله {والذين صبروا} يعني على أمر الله {ابتغاء وجه ربهم} يعني ابتغاء رضا ربهم {وأقاموا الصلاة} يعني وأتموها {وأنفقوا من ما رزقناهم} يعني من الأموال {سرا وعلانية} يعني في حق الله وطاعته {ويدرؤون} يعني يدفعون {بالحسنة السيئة} يعني يردون معروفا على من يسيء إليهم {أولئك لهم عقبى الدار} يعني دار الجنة). [الدر المنثور: 8/426-427]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك - رضي الله عنه - {ويدرؤون بالحسنة السيئة} قال: يدفعون بالحسنة السيئة). [الدر المنثور: 8/427]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن زيد - رضي الله عنه - في قوله {ويدرؤون بالحسنة السيئة} قال: يدفعون الشر بالخير لا يكافئون الشر بالشر ولكن يدفعونه بالخير). [الدر المنثور: 8/427]
تفسير قوله تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن عيينة عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال جنات عدن بطنان الجنة يعني بطنها). [تفسير عبد الرزاق: 1/335]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {جنات عدنٍ يدخلونها ومن صلح من آبائهم} قال: من أسلم من آبائهم [الآية: 23]). [تفسير الثوري: 153]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت: 227هـ): ( [الآية (23) : قوله تعالى: {جنّات عدنٍ يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّيّاتهم... } الآية]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عون بن موسى، قال: سمعت الحسن بن أبي الحسن، يقول: {جنّات عدنٍ}، وما يدريك ما جنّات عدنٍ؟ قصرٌ من ذهبٍ لا يدخله إلّا نبيٌّ أو صدّيقٌ أو شهيدٌ أو حكمٌ عدل). سنن سعيد بن منصور: 5/434]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {جنّات عدنٍ يدخلونها ومن صلح من آبائهم، وأزواجهم، وذرّيّاتهم، والملائكة يدخلون عليهم من كلّ بابٍ (23) سلامٌ عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدّار}.
يقول تعالى ذكره {جنّات عدنٍ} ترجمةٌ عن عقبى الدّار، كما يقال: نعم الرّجل عبد اللّه، فعبد اللّه هو الرّجل المقول له: نعم الرّجل، وتأويل الكلام: أولئك لهم عقيب طاعتهم ربّهم الدّار الّتي هي جنّات عدنٍ.
وقد بيّنّا معنى قوله: عدنٍ، وأنّه بمعنى الإقامة الّتي لا ظعن معها
وقوله: {ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّيّاتهم} يقول تعالى ذكره: جنّات عدنٍ يدخلها هؤلاء الّذين وصفت صفتهم، وهم الّذين يوفون بعهد اللّه، والّذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل ويخشون ربّهم، والّذين صبروا ابتغاء وجه ربّهم، وأقاموا الصّلاة، وفعلوا الأفعال الّتي ذكرها جلّ ثناؤه في هذه الآيات الثّلاث {ومن صلح من آبائهم، وأزواجهم} وهي نساؤهم، وأهلوهم، وذرّيّاتهم.
وصلاحهم إيمانهم باللّه واتّباعهم أمره وأمر رسوله عليه الصّلاة والسّلام، كما؛
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا شبابة، قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ومن صلح من آبائهم} قال: من آمن في الدّنيا.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ.
- وحدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ومن صلح من آبائهم} قال: من آمن من آبائهم، وأزواجهم، وذرّيّاتهم
وقوله: {والملائكة يدخلون عليهم من كلّ بابٍ (23) سلامٌ عليكم بما صبرتم} يقول: تعالى ذكره: وتدخل الملائكة على هؤلاء الّذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم في هذه الآيات الثّلاث في جنّات عدنٍ، من كلّ بابٍ منها، يقولون لهم: {سلامٌ عليكم بما صبرتم} على طاعة ربّكم في الدّنيا، {فنعم عقبى الدّار}.
وذكر أنّ لجنّات عدنٍ خمسة آلاف بابٍ
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عليّ بن جريرٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن يعلى بن عطاءٍ، عن نافع بن عاصمٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: إنّ في الجنّة قصرًا يقال له عدنٌ، حوله البروج والمروج، فيه خمسة آلاف بابٍ، على كلّ بابٍ خمسة آلاف حبرةٍ، لا يدخله إلاّ نبيٌّ، أو صدّيقٌ، أو شهيدٌ
- قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مغراء، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {جنّات عدنٍ} قال: مدينة الجنّة، فيها الرّسل، والأنبياء، والشّهداء، وأئمّة الهدى، والنّاس حولهم بعد والجنّات حولها.
وحذف من قوله: {والملائكة يدخلون عليهم من كلّ بابٍ (23) سلامٌ عليكم} يقولون اكتفاءً بدلالة الكلام عليه، كما حذف ذلك من قوله: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربّهم، ربّنا أبصرنا}
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن بقيّة بن الوليد، قال: حدّثني أرطاة بن المنذر قال: سمعت رجلاً من مشيخة الجند يقال له أبو الحجّاج يقول: جلست إلى أبي أمامة، فقال: إنّ المؤمن ليكون متّكئًا على أريكته إذا دخل الجنّة، وعنده سماطان من خدمٍ، وعند طرف السّماطين باب مبوب، فيقبل الملك يستأذن، فيقول أقصى الخدم للذي يليه: ملكٌ يستأذن، ويقول الّذي يليه: ملكٌ يستأذن، ويقول الّذي يليه للّذي يليه: ملكٌ يستأذن، حتّى يبلغ المؤمن فيقول: ائذنوا فيقول: أقربهم إلى المؤمن ائذنوا، ويقول الّذي يليه للّذي يليه: ائذنوا، فكذلك حتّى يبلغ أقصاهم الّذي عند الباب، فيفتح له، فيدخل فيسلّم ثمّ ينصرف
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن إبراهيم بن محمّدٍ، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن محمّد بن إبراهيم، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يأتي قبور الشّهداء على رأس كلّ حولٍ فيقول: السّلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدّار، وأبو بكرٍ، وعمر، وعثمان). [جامع البيان: 13/510-513]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {جنات عدن}
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في الجنة قصرا يقال له عدن حوله البروج والمروج له خمسة آلاف باب عند كل باب خمسة آلاف حيرة لا يدخله أو لا يسكنه إلا نبي أو صديق أو شهيد أو إمام عادل). [الدر المنثور: 8/427-428]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد - رضي الله عنه - قال: قرأ عمر - رضي الله عنه - على المنبر {جنات عدن} فقال: يا أيها الناس هل تدرون ما جنات عدن قصر في الجنة له عشرة آلاف باب على كل باب خمسة وعشرون ألفا من الحور العين لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد). [الدر المنثور: 8/428]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق والفريابي، وابن أبي شيبة وهناد، وعبد بن حميد، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن مسعود - رضي الله عنه - في قوله {جنات عدن} قال: بطنان الجنة يعني وسطها). [الدر المنثور: 8/428]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن الحسن - رضي الله عنه - قال: {جنات عدن} وما يدريك ما جنات عدن،، قال: قصر من ذهب لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل). [الدر المنثور: 8/428]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الضحاك - رضي الله عنه - في قوله {جنات عدن} قال: مدينة وسط الجنة فيها الرسل الأنبياء والشهداء وأئمة الهدى والناس حولهم بعد والجنات حولها). [الدر المنثور: 8/428]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن - رضي الله عنه - أن عمر قال لكعب: ما عدن قال: هو قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل). [الدر المنثور: 8/429]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جنة عدن قضيب غرسه الله بيده ثم قال: كن فكان). [الدر المنثور: 8/429]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {يدخلونها ومن صلح من آبائهم} الآية.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير - رضي الله عنه - قال: يدخل الرجل الجنة فيقول: أين أمي أين ولدي أين زوجتي، فيقال: لم يعملوا مثل عملك، فيقول: كنت أعمل لي ولهم ثم قرأ {جنات عدن يدخلونها ومن صلح} يعني من آمن بالتوحيد بعد هؤلاء {من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم} يدخلون معهم {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} قال: يدخلون عليهم على مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات معهم التحف من الله ما ليس لهم في جنات عدن يقولون لهم: {سلام عليكم بما صبرتم} يعني على أمر الله تعالى {فنعم عقبى الدار} يعني دار الجنة). [الدر المنثور: 8/429]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد - رضي الله عنه - {ومن صلح من آبائهم} قال: من آمن في الدنيا). [الدر المنثور: 8/429]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مجلز - رضي الله عنه - في الآية قال: علم الله تعالى أن المؤمن يحب أن يجمع الله تعالى له أهله وشمله في الدنيا فأحب أن يجمعهم له في الآخرة). [الدر المنثور: 8/429-430]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قرأ {جنات عدن يدخلونها ومن صلح} حتى ختم الآية قال: إنه لفي خيمة من درة مجوفة ليس فيها صدع ولا وصل طولها في الهواء ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ومال، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب يقوم على كل باب منها سبعون ألفا من الملائكة مع كل ملك هدية من الرحمن ليس مع صاحبه مثلها لا يصلون إليه إلا بإذن بينه وبينهم حجاب). [الدر المنثور: 8/430]
تفسير قوله تعالى: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن جعفر عن أبي عمران الجوزي قال تلا هذه الآية سلام عليكم بما صبرتم على دينكم فنعم عقبى الدار الجنة). [تفسير عبد الرزاق: 1/335]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({سلامٌ عليكم} [الرعد: 24] : «أي يقولون سلامٌ عليكم»). [صحيح البخاري: 6/78]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله سلامٌ عليكم أي يقولون سلامٌ عليكم قال أبو عبيدة في قوله والملائكة يدخلون عليهم من كلّ بابٍ سلامٌ قال مجازه مجاز المختصر الّذي فيه ضميرٌ تقديره يقولون سلامٌ عليكم وقال الطّبريّ حذفت يقولون لدلالة الكلام كما حذفت في قوله ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا والأولى أنّ المحذوف حالٌ من فاعل يدخلون أي يدخلون قائلين وقوله بما صبرتم يتعلّق بما يتعلّق به عليكم وما مصدريّةٌ أي بسبب صبركم). [فتح الباري: 8/373]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (سلامٌ عليكم أي يقولون سلامٌ عليكم
أشار به إلى قوله تعالى: {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار} (الرّعد: 24) وقد رهنا محذوفا، وهو: يقولون، وفي التّفسير: تدخل الملائكة على أهل الجنّة فيسلمون عليهم بما صبروا على الفقر في الدّنيا، وقيل: على الجهاد، وقيل: على ملازمة الطّاعة ومفارقة المعصية، وقيل: على تركهم الشّهوات). [عمدة القاري: 18/311]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({سلام عليكم}) يريد قوله تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم} [الرعد: 23] (أي يقولون سلام عليكم) فأضمر القول ها هنا لأن في الكلام دليلاً عليه والقول المضمر حال من فاعل يدخلون أي يدخلون قائلين سلام عليكم بشارة بدوام السلامة). [إرشاد الساري: 7/185]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {والملائكة يدخلون عليهم من كلّ بابٍ (23) سلامٌ عليكم بما صبرتم} يقول: تعالى ذكره: وتدخل الملائكة على هؤلاء الّذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم في هذه الآيات الثّلاث في جنّات عدنٍ، من كلّ بابٍ منها، يقولون لهم: {سلامٌ عليكم بما صبرتم} على طاعة ربّكم في الدّنيا، {فنعم عقبى الدّار}.
وذكر أنّ لجنّات عدنٍ خمسة آلاف بابٍ
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عليّ بن جريرٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن يعلى بن عطاءٍ، عن نافع بن عاصمٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: إنّ في الجنّة قصرًا يقال له عدنٌ، حوله البروج والمروج، فيه خمسة آلاف بابٍ، على كلّ بابٍ خمسة آلاف حبرةٍ، لا يدخله إلاّ نبيٌّ، أو صدّيقٌ، أو شهيدٌ
- قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مغراء، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {جنّات عدنٍ} قال: مدينة الجنّة، فيها الرّسل، والأنبياء، والشّهداء، وأئمّة الهدى، والنّاس حولهم بعد والجنّات حولها.
وحذف من قوله: {والملائكة يدخلون عليهم من كلّ بابٍ (23) سلامٌ عليكم} يقولون اكتفاءً بدلالة الكلام عليه، كما حذف ذلك من قوله: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربّهم، ربّنا أبصرنا}
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن بقيّة بن الوليد، قال: حدّثني أرطاة بن المنذر قال: سمعت رجلاً من مشيخة الجند يقال له أبو الحجّاج يقول: جلست إلى أبي أمامة، فقال: إنّ المؤمن ليكون متّكئًا على أريكته إذا دخل الجنّة، وعنده سماطان من خدمٍ، وعند طرف السّماطين باب مبوب، فيقبل الملك يستأذن، فيقول أقصى الخدم للذي يليه: ملكٌ يستأذن، ويقول الّذي يليه: ملكٌ يستأذن، ويقول الّذي يليه للّذي يليه: ملكٌ يستأذن، حتّى يبلغ المؤمن فيقول: ائذنوا فيقول: أقربهم إلى المؤمن ائذنوا، ويقول الّذي يليه للّذي يليه: ائذنوا، فكذلك حتّى يبلغ أقصاهم الّذي عند الباب، فيفتح له، فيدخل فيسلّم ثمّ ينصرف
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن إبراهيم بن محمّدٍ، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن محمّد بن إبراهيم، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يأتي قبور الشّهداء على رأس كلّ حولٍ فيقول: السّلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدّار، وأبو بكرٍ، وعمر، وعثمان). [جامع البيان: 13/511-513] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وأمّا قوله: {سلامٌ عليكم بما صبرتم} فإنّ أهل التّأويل قالوا في ذلك نحو قولنا فيه
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجونيّ، أنّه تلا هذه الآية: {سلامٌ عليكم بما صبرتم} قال: على دينكم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {سلامٌ عليكم بما صبرتم} قال: حين صبروا للّه بما يحبّه اللّه فقدّموه، وقرأ: {وجزاهم بما صبروا جنّةً وحريرًا} حتّى بلغ: {وكان سعيكم مشكورًا} وصبروا عمّا كره اللّه وحرّم عليهم، وصبروا على ما ثقل عليهم وأحبّه اللّه، فسلّم عليهم بذلك، وقرأ: {والملائكة يدخلون عليهم من كلّ بابٍ. سلامٌ عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدّار}.
وأمّا قوله: {فنعم عقبى الدّار} فإنّ معناه إن شاء اللّه كما؛
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال حدّثنا عبد الرّزّاق، عن جعفرٍ، عن أبي عمران الجونيّ، في قولهم {فنعم عقبى الدّار} قال: الجنّة من النّار). [جامع البيان: 13/513-514]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {يدخلونها ومن صلح من آبائهم} الآية.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير - رضي الله عنه - قال: يدخل الرجل الجنة فيقول: أين أمي أين ولدي أين زوجتي، فيقال: لم يعملوا مثل عملك، فيقول: كنت أعمل لي ولهم ثم قرأ {جنات عدن يدخلونها ومن صلح} يعني من آمن بالتوحيد بعد هؤلاء {من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم} يدخلون معهم {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} قال: يدخلون عليهم على مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات معهم التحف من الله ما ليس لهم في جنات عدن يقولون لهم: {سلام عليكم بما صبرتم} يعني على أمر الله تعالى {فنعم عقبى الدار} يعني دار الجنة). [الدر المنثور: 8/429] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أخس أهل الجنة منزلا يوم القيامة له قصر من درة جوفاء فيها سبعة آلاف غرفة لكل غرفة سبعون ألف باب يدخل عليه من كل باب سبعون ألفا من الملائكة بالتحية والسلام). [الدر المنثور: 8/430]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي عمران الجوني - رضي الله عنه - في قوله {سلام عليكم بما صبرتم} قال: على دينكم {فنعم عقبى الدار} قال: فنعم ما أعقبكم الله تعالى من الدنيا الجنة). [الدر المنثور: 8/430-431]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن - رضي الله عنه - في قوله {سلام عليكم بما صبرتم} قال: صبروا على فضول الدنيا). [الدر المنثور: 8/431]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن نصر الحارثي - رضي الله عنه - {سلام عليكم بما صبرتم} قال: على الفقر في الدنيا). [الدر المنثور: 8/431]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول من يدخل الجنة من خلق الله تعالى فقراء المهاجرين الذين تسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء فيقول الله تعالى لمن يشاء من الملائكة: ائتوهم فحيوهم، فتقول الملائكة: ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم، قال الله تعالى: إن هؤلاء عبادي كانوا يعبدونني في الدنيا ولا يشركون بي شيئا وتسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار}). [الدر المنثور: 8/431-432]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: إن المؤمن ليكون متكئا على أريكته إذا دخل الجنة وعنده سماطان من خدم وعند طرف السماطين باب مبوب فيقبل الملك فيستأذن فيقول أقصى الخدم للذي يليه: ملك يستأذن ويقول الذي يليه للذي يليه: ملك يستأذن حتى يبلغ المؤمن فيقول: ائذنوا له، فيقول أقربهم إلى المؤمن: ائذنوا، ويقول الذي يليه للذي يليه: ائذنوا حتى تبلغ أقصاهم الذي عند الباب فيفتح له فيدخل فيسلم عليه ثم ينصرف). [الدر المنثور: 8/432]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه عن أنس - رضي الله عنه -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي أحدا كل عام فإذا تفوه الشعب سلم على قبور الشهداء فقال {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار}). [الدر المنثور: 8/432]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن محمد بن إبراهيم - رضي الله عنه - قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} وأبو بكر وعمر وعثمان). [الدر المنثور: 8/432]