ما روي عن الإمام أحمد في شأن اللفظية
قال صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيبانيّ (ت: 265هـ) : (قال أبو الفضل: قلت لأبي من قال لفظي بالقرآن مخلوق يكلم _
قال هذا لا يكلم ولا يصلى خلفه وإن صلى رجل أعاد
قال أبو الفضل سأل يعقوب بن إبراهيم الدروقي أبي عن من قال لفظه بالقرآن مخلوق كيف يقول في هؤلاء؟
قال: لا يكلم هؤلاء ولا يكلم في هذا القرآن كلام الله غير مخلوق على كل جهة وعلى كل وجه وعلى أي حال.). [سيرة الإمام أحمد: 70]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أحمدِ بنُ محمدِ بنِ حَنْبَلٍ الشَّيبانيُّ (ت: 290هـ): ( سئل عمن قال لفظي بالقرآن مخلوق
- سألت أبي رحمه الله قلت: ما تقول في رجل قال التلاوة مخلوقة وألفاظنا بالقرآن مخلوقة، والقرآن كلام الله عز وجل وليس بمخلوق، وما ترى في مجانبته وهل يسمى مبتدعا.
فقال: هذا يجانب وهو قول المبتدع وهذا كلام الجهمية ليس القرآن بمخلوق، قالت عائشة رضي الله عنها: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب} فالقرآن ليس بمخلوق.
- حدثني ابن شبويه سمعت أبي يقول: من قال شيء من الله عز وجل مخلوق علمه أو كلامه فهو زنديق كافر لا يصلى عليه ولا يصلي خلفه ويجعل ماله كمال المرتد، ويذهب في مال المرتد إلى مذهب أهل المدينة إنه في بيت المال.
- أ سألت أبي رحمه الله قلت: إن قوما يقولون لفظنا بالقرآن مخلوق.
فقال: هم جهمية وهم أشر ممن يقف هذا قول جهم وعظم الأمر عنده في هذا، وقال: هذا كلام جهم.
- ب وسألته عمن قال لفظي بالقرآن مخلوق فقال: قال الله عز وجل: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((حتى أبلغ كلام ربي)) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس)).
- سمعت أبي رحمه الله يقول: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي.
- سمعت أبي رحمه الله وسئل عن اللفظية فقال: هم جهمية وهو قول جهم، ثم قال: لا تجالسوه
- سمعت أبي رحمه الله يقول: كل من يقصد إلى القرآن بلفظ أو غير ذلك يريد به مخلوق فهو جهمي.
- سئل أبي وأنا أسمع عن اللفظية والواقفة فقال: من كان منهم جاهلا فليسأل وليتعلم.
- سئل أبي رحمه الله وأنا أسمع عن اللفظية والواقفة فقال: من كان منهم يحسن الكلام فهو جهمي، وقال مرة: هم شر من الجهمية، وقال مرة أخرى: هم جهمية.
- سمعت أبي يقول: من قال لفظي بالقرآن مخلوق هذا كلام سوء رديء وهو كلام الجهمية، قال له أن الكرابيسي يقول هذا، فقال: كذب هتكه الله الخبيث، وقال: قد خلف هذا بشرا المريسي، وكان أبي رحمه الله يكره أن يتكلم في اللفظ بشيء أو
يقال مخلوق أو غير مخلوق.
قال: سألته عن الكرابيسي حسين هل رأيته يطلب الحديث،
فقال: ما أعرفه وما رأيته يطلب الحديث.
قلت: فرأيته عند الشافعي ببغداد.
فقال: ما رأيته ولا أعرفه.
فقلت: إنه يزعم أنه كان يلزم يعقوب بن إبراهيم بن سعد.
فقال: ما رأيته عند يعقوب بن إبراهيم ولا غيره وما أعرفه. ).[السنة: 1/ 163-166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أحمدِ بنُ محمدِ بنِ حَنْبَلٍ الشَّيبانيُّ (ت: 290هـ): ( - سئل أبي رحمه الله وأنا أسمع عن اللفظية والواقفة فقال: من كان منهم جاهلا ليس بعالم فليسأل وليتعلم .
- سمعت أبي رحمه الله مرة أخرى وسئل عن اللفظية والواقفة فقال: من كان منهم يحسن الكلام فهو جهمي.
وقال مرة أخرى: هم شر من الجهمية .). [السنة: 1/179] (م)
قال أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري (ت: 329هـ) : ( واعلم أن من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ومن سكت فلم يقل مخلوق ولا غير مخلوق فهو جهمي، هكذا قال أحمد بن حنبل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين وعضوا عليها بالنواجذ)).). [شرح السنة للبربهاري: 100] (م)
قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجُرِّيُّ (360هـ): ( باب ذكر اللفظية، ...
قال محمد بن الحسين: احذروا رحمكم الله هؤلاء الذين يقولون: إن لفظه بالقرآن مخلوق، وهذا عند أحمد بن حنبل، ومن كان على طريقته منكر عظيم، وقائل هذا مبتدع، خبيث ولا يكلم، ولا يجالس، ويحذر منه الناس، لا يعرف العلماء غير ما تقدم ذكرنا له، وهو أن القرآن كلام الله غير مخلوق،
ومن قال مخلوق، فقد كفر،
ومن قال: القرآن كلام الله ووقف فهو جهمي،
ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي أيضا، كذا قال أحمد بن حنبل، وغلظ فيه القول جدا .). [الشريعة للآجري: ؟؟] (م)
قال أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي (ت: 387هـ): ( - وحدّثنا أبو حفصٍ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن داود قال: حدّثنا إسحاق بن داود، قال: سمعت جعفر بن أحمد، يقول: سمعت أحمد بن حنبلٍ، يقول: «اللّفظيّة، والواقفة زنادقةٌ عتقٌ».
- وحدّثنا أبو حفصٍ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن داود قال: قال عبّاسٌ الدّوريّ: كان أحمد بن حنبلٍ يقول: «الواقفة، واللّفظيّة جهميّةٌ» .). [الإبانة الكبرى: 5/296] (م)
قال أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي (ت: 387هـ): (- حدّثنا أبو عمر حمزة بن القاسم قال: حدّثنا حنبل بن إسحاق، قال: سمعت أبا عبد اللّه، يقول: " الجهميّة على ثلاث ضروبٍ: فرقةٌ قالت: القرآن مخلوقٌ، وفرقةٌ قالوا: كلام اللّه ونقف، وفرقةٌ قالوا: ألفاظنا بالقرآن مخلوقةٌ، فهم عندي في المقالة واحدٌ " .). [الإبانة الكبرى: 5/ 306-307]
قال أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي (ت: 387هـ): ( - حدّثني أبي رحمه اللّه، وأبو القاسم عمر بن يحيى العسكريّ قالا: حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن الحسن بن بدينا قال: سألت أبا عبد اللّه أحمد بن محمّد بن حنبلٍ فقلت: يا أبا عبد اللّه، أنا رجلٌ من أهل الموصل، الغالب على أهل بلدنا الجهميّة، وفيهم أهل سنّةٍ نفرٌ يسيرٌ محبوكٌ، وقد وقعت مسألة الكرابيسيّ فأفتنتهم، قول الكرابيسيّ: لفظي بالقرآن مخلوقٌ، فقال لي أبو عبد اللّه: «إيّاك إيّاك إيّاك إيّاك، وهذا الكرابيسيّ، لا تكلّمه، ولا تكلّم من يكلّمه، أربع مرارٍ أو خمسًا»، إنّ في كتابي أربعًا، قلت: يا أبا عبد اللّه فهذا القول عندك ما يتشعّب منه يرجع إلى قول جهمٍ؟ قال: «هذا كلّه قول جهمٍ».
- حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن بكرٍ قال: حدّثنا أبو داود، قال: كتبت رقعةً فأرسلت بها إلى أبي عبد اللّه، وهو يومئذٍ متوارٍ، فأخرج إليّ جوابه مكتوبًا فيه: قلت: رجلٌ يقول: التّلاوة مخلوقةٌ، وألفاظنا بالقرآن مخلوقةٌ، والقرآن ليس بمخلوقٍ، وما ترى في مجانبته؟ وهل يسمّى مبتدعًا؟ وعلى ما يكون عقد القلب في التّلاوة والألفاظ؟ وكيف الجواب فيه؟
قال: " هذا يجانب، وهو قول المبتدع، وما أراه إلّا جهميًّا، وهذا كلام الجهميّة، القرآن ليس بمخلوقٍ، قالت عائشة: تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ} [آل عمران: 7] الآية،
قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا رأيتم الّذين يتّبعون ما تشابه منه فاحذروهم، فإنّهم هم الّذين عنى اللّه عزّ وجلّ، فالقرآن ليس بمخلوقٍ».
- قال أبو داود: وسمعت أحمد يتكلّم في اللّفظيّة، وينكر عليهم كلامهم، وقال له هارون: يا أبا عبد اللّه هم جهميّةٌ؟
فجعل يقول: هم، هم، ولم يصرّح بشيءٍ، ولم ينكر عليه قوله: هم جهميّةٌ.
- وحدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم الدّورقيّ، أنّ أحمد بن محمّد بن حنبلٍ قال له: «إنّ اللّفظيّة إنّما يدورون على كلام جهمٍ، يزعمون أنّ جبريل إنّما جاء بشيءٍ مخلوقٍ إلى مخلوقٍ»، يعني: جبريل مخلوقٌ، جاء به إلى محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- وحدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن بكرٍ قال: حدّثنا أبو داود، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم، قال: سألت أحمد بن حنبلٍ قلت: هؤلاء الّذين يقولون: ألفاظنا بالقرآن مخلوقٌ.
قال: «هم شرٌّ من قول الجهميّة، ومن زعم هذا فقد زعم أنّ جبريل جاء بمخلوقٍ، وأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تكلّم بمخلوقٍ».
- وحدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: حدّثنا أبو داود، قال: سمعت أحمد بن صالحٍ، ذكر اللّفظيّة، فقال: «هؤلاء أصحاب بدعةٍ، ويكثر عليهم أكثر من البدعة».
- قال: وسمعت إسحاق بن إبراهيم، سئل عن اللّفظيّة، فبدّعهم.
- وحدّثني أبو صالحٍ محمّد بن أحمد قال: حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن داود قال: حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن إسحاق قال: حدّثنا يعقوب الدّورقيّ، قال: قلت لأحمد بن حنبلٍ: هؤلاء الّذين يقولون: لفظنا بالقرآن مخلوقٌ؟
فقال: " القرآن على أيّ جهةٍ ما كان لا يكون مخلوقًا أبدًا، قال اللّه تعالى: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه} [التوبة: 6]، ولم يقل: حتّى يسمع كلامك يا محمّد "،
فقلت له: إنّما يدور هؤلاء على الإبطال والتّعطيل،
قال: «نعم»، وقال أحمد بن حنبلٍ: «عليهم لعنة اللّه».
- وحدّثني أبو صالحٍ، قال: حدّثنا محمّد بن داود، قال: حدّثنا أبو بكر بن زنجويه، قال: جاءني إبراهيم الكرمانيّ فأخبرني، عن صالحٍ، قال: جاء عبّاسٌ فقال: يا أبا عبد اللّه إنّ قومًا عندنا يقولون: لفظنا بالقرآن مخلوقٌ، فيقولون: ليس بمخلوقٍ، قال: «لا، ما سمعت أحدًا يقول هذا».
- وحدّثني أبو صالحٍ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، قال: حدّثني الحارث الصّائغ، قال: وسمعته، يعني أبا عبد اللّه، يسأل عن قول حسينٍ الكرابيسيّ، قيل له: إنّه يقول: لفظي بالقرآن مخلوقٌ، فقال: " هذا قول جهمٍ قال اللّه عزّ وجلّ: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه} [التوبة: 6]، فمن يسمع كلام اللّه؟ أهلكهم وضع الكتب، تركوا آثار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأقبلوا على الكلام "
فقلت له: إذا قال: لفظي بالقرآن، فهو جهميٌّ؟
قال: " فأيّ شيءٍ بقي إذا قال: لفظي بالقرآن مخلوقٌ؟ "
- وحدّثني أبو صالحٍ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن داود قال: حدّثني أبو الحارث، قال: ذهبت أنا وأبو موسى إلى أبي عبد اللّه، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد اللّه هذا الأمر الّذي قد أحدثوه تشمئزّ منه القلوب، والنّاس يسألوننا عنه، يقولون: لفظنا بالقرآن مخلوقٌ؟
قال أبو عبد اللّه بالانتهار منه: «هذا كلام سوءٍ رديءٌ خبيثٌ، لا خير فيه»،
قال له أبو موسى: أليس تقول: القرآن كلام اللّه ليس مخلوقًا على كلّ حالٍ، وبجميع الجهات والمعاني؟
قال: «نعم، وكلّما تشعّب من هذا، فهو رديءٌ خبيثٌ».
- حدّثنا أبو جعفرٍ عمر بن محمّد بن رجاءٍ قال: حدّثنا أبو نصرٍ عصمة بن أبي عصمة قال: حدّثنا الفضل بن زيادٍ، قال: حدّثنا أبو طالبٍ أحمد بن حميدٍ قال: قلت لأبي عبد اللّه: أخبرني ساكني، أنّ رجلًا، بالرّميلة كان يقول بقول الكرابيسيّ لفظه بالقرآن مخلوقٌ، فمنعوه يصلّي بهم، فجاء فسألك عن الرّجل يقول: لفظي بالقرآن مخلوقٌ، يصلّى خلفه؟ فقلت له: لا، فرجع إليهم فأخبرهم بقولك، وقال: إنّي تائبٌ، وأستغفر اللّه ممّا قلت، فقالوا له: صلّ بنا فصلّى بهم، قال: هو كان نفسه، سألني رجلٌ طويل اللّحية بعدما صلّيت الظّهر، فقلت له: لم تكلّمون فيما قد نهيتم عنه، لا يصلّى خلفه ولا يجالس ".
- حدّثنا أبو حفصٍ، قال: حدّثنا أبو نصرٍ، قال: حدّثنا الفضل، قال: حدّثنا أبو طالبٍ، قال: قلت: يا أبا عبد اللّه، إنّي قد احتججت عليهم بالقرآن والحديث، وأحبّ أن أعرضه عليك، قال اللّه تعالى: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه} [التوبة: 6]، أليس من محمّدٍ يسمع كلام اللّه؟ قال اللّه عزّ وجلّ: {وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} [البقرة: 75] وقال اللّه عزّ وجلّ: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم} [النحل: 98] وقال: {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك} [الإسراء: 45] وقال: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له} [الأعراف: 204] وقال: {اتل ما أوحي إليك من كتاب ربّك لا مبدّل لكلماته} [الكهف: 27] وقال: {وأن أتلو القرآن فمن اهتدى} [النمل: 92]، أليس يتلو القرآن؟ . وقال عزّ وجلّ: {فاقرءوا ما تيسّر من القرآن}، فعلى كلّ حالٍ، فهو قرآنٌ.
وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في حديث جابرٍ: «إنّ قريشًا منعوني أن أبلّغ كلام ربّي» . وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمعاوية بن الحكم: «إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام النّاس إلّا القرآن»، فالقرآن غير كلام النّاس.
وقال أبو بكرٍ رضي اللّه عنه: لا واللّه، ولكنّه كلام اللّه.
فقال لي: ما أحسن ما احتججت به، جبريل جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بمخلوقٍ، والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم جاء إلى النّاس بمخلوقٍ؟!.
- حدّثنا أبو حفصٍ، قال: حدّثنا أبو أيّوب، قال: حدّثنا عبد اللّه بن سويدٍ، قال: سمعت أبا إسحاق الهاشميّ، يقول: سألت أبا عبد اللّه أحمد بن حنبلٍ، فقلت: إذا قالوا لنا: القرآن بألفاظنا مخلوقٌ، نقول لهم: ليس هو بمخلوقٍ بألفاظنا أو نسكت؟
فقال: " اسمع ما أقول لك: القرآن في جميع الوجوه ليس بمخلوقٍ " ثمّ قال أبو عبد اللّه: «جبريل حين قاله للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان منه مخلوقًا؟ والنّبيّ حين قاله كان منه مخلوقًا؟ هذا من أخبث قولٍ وأشرّه» ثمّ قال أبو عبد اللّه: «بلغني عن جهمٍ أنّه قال بهذا في بدء أمره».
- حدّثنا أبو حفصٍ، قال: حدّثنا أبو نصرٍ، قال: حدّثنا الفضل، قال: حدّثنا أبو طالبٍ، عن أبي عبد اللّه، قال: قلت له: كتب إليّ من طرسوس أنّ الشّرّاك يزعم أنّ القرآن كلام اللّه، فإذا تلوته فتلاوته مخلوقةٌ،
قال: «قاتله اللّه، هذا كلام جهمٍ بعينه»،
قلت: رجلٌ قال في القرآن: كلام اللّه ليس بمخلوقٍ، ولكنّ لفظي هذا به مخلوقٌ؟
قال: «هذا كلام سوءٍ، من قال هذا فقد جاء بالأمر كلّه»
قلت: الحجّة فيه حديث أبي بكرٍ: لمّا قرأ: {الم غلبت الرّوم} [الروم: 2] فقالوا: هذا جاء به صاحبك؟ قال: لا، ولكنّه كلام اللّه،
قال: «نعم، هذا وغيره إنّما هو كلام اللّه، إن لم يرجع عن هذا فاجتنبه، ولا تكلّمه، هذا مثل ما قال الشّرّاك» .
قلت: كذا بلغني.
قال: «أخزاه اللّه، تدري من كان خاله؟»
قلت: لا،
قال: «كان خاله عبدك الصّوفيّ، وكان صاحب كلامٍ ورأي سوءٍ، وكلّ من كان صاحب كلامٍ، فليس ينزع إلى خيرٍ»، واستعظم ذلك واسترجع، وقال: «إلى ما صار أمر النّاس؟».
- حدّثنا أبو الفضل جعفر بن محمّدٍ القافلائيّ قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن هانئٍ النّيسابوريّ، قال: وسمعت أبا عبد اللّه، يقول: «من زعم أنّ لفظي بالقرآن مخلوقٌ، فهو جهميٌّ» وقال: «أرأيت جبريل جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فتلا عليه تلاوة جبريل للنّبيّ القرآن، كان مخلوقًا؟ ما هو بمخلوقٍ».
- حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن مخلد بن حفص بن جعفرٍ العطّار قال: حدّثنا أبو يوسف محمّد بن المثنّى الدّينوريّ قال: حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن عمران بن موسى الدّينوريّ قال: حدّثنا أبو أحمد الأسديّ، قال: دخلت على أبي عبد اللّه أحمد بن محمّد بن حنبلٍ رضي اللّه عنه وسألته فقلت: يا أبا عبد اللّه، لفظي بالقرآن مخلوقٌ أو غير مخلوقٍ؟ فما أجابني بشيءٍ، ثمّ أعدت عليه المسألة، فما أجابني فيها بشيءٍ، قال: ثمّ خرجت في سفري إلى مكّة، فصارت البادية في طريقي على شبه الحبس من شدّة الفكرة في أمره، قال: فدخلت إلى مكّة، فقطع بي الطّواف، فخرجت إلى بئر زمزم، وقبّة الشّراب، فصلّيت فيها ركعتين، ثمّ نعست فرأيت ربّ العزّة تبارك وتعالى في منامي، فكان آخر ما قلت له: إلهي، قراءتي بكلامك غير مخلوقٍ؟
قال: نعم.
قال: فقوي عزمي، فلمّا قضيت حجّي وسفري، دخلت بغداد وقد تغيّر أبو عبد اللّه تغيّرًا شديدًا، فقلت له: يا أبا عبد اللّه لفظي بالقرآن مخلوقٌ؟ أو غير مخلوقٍ؟ فانبسط إليّ وقال: " ما حالك، توجّه القرآن على خمس جهاتٍ: حفظٌ بالقلب، وتلاوةٌ باللّسان، وسمعٌ بالأذن، وبصرٌ بعينٍ، وخطٌّ بيدٍ؟ " فأشكل عليّ قوله، وبقيت فيه متحيّرًا، فقال لي: «ما حالك، القلب مخلوقٌ، والمحفوظ به غير مخلوقٍ، واللّسان مخلوقٌ، والمتلوّ به غير مخلوقٍ، والأذن مخلوقٌ، والمسموع إليه غير مخلوقٍ، والعين مخلوقٌ، والمنظور إليه منه غير مخلوقٍ»، قال: فقلت: يا أبا عبد اللّه العين تنظر إلى السّواد في الورق؟
فقال لي: " مه، أصحّ شيءٍ في هذا خبر نافعٍ، عن ابن عمر، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدوّ»، ولم يذكر حبرًا ولا ورقًا "
قال: ثمّ رجع معي إلى باب الدّار وهو يكلّمني بهذا، إذ أتته امرأةٌ معها رجلٌ، فقال: يا أبا عبد اللّه قد ذهبت إلى عبد الوهّاب، فما أجابها في المسألة، وتحبّ أن تسألك.
فقال لها: وما مسألتك؟،
قالت: مسألتي أنّ زوجي حلف بالطّلاق أنّه لا يكلّم جارًا له سنةً، فمرّ به بعد أيّامٍ وهو يقرأ فلحن، فردّ عليه، قال: فحرّمت من هذا إلى غيره؟
قال: " لا، قال: فاذهب فإنّك لم تحنث، إنّك كلّمته كلام الخالق دون المخلوقين "
- حدّثنا أبو بكرٍ أحمد بن سليمان النّجّاد قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: سألت أبي فقلت: إنّ قومًا يقولون: ألفاظنا بالقرآن مخلوقةٌ؟
قال: «هم جهميّةٌ، وهم شرٌّ ممّن يقف» . وقال: " هذا هو قول جهمٍ، وعظّم الأمر عنده في هذا، وقال: قال اللّه عزّ وجلّ: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه} [التوبة: 6]، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «حتّى أبلّغ كلام ربّي»، وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام النّاس» فمن قال: لفظي بالقرآن مخلوقٌ، فهو جهميٌّ "
- قال: فقلت لأبي: إنّ الكرابيسيّ يقول: لفظي بالقرآن مخلوقٌ.
فقال: «هذا كلام سوءٍ رديءٌ، وهو كلام الجهميّة، كذب الكرابيسيّ، هتكه اللّه، الخبيث» وقال: «قد خلف هذا بشرًا المرّيسيّ»
- قال عبد اللّه: وكان أبي يكره أن يتكلّم في اللّفظ بشيءٍ، وأن يقال: لفظي به مخلوقٌ أو غير مخلوقٍ.
- حدّثنا أبو محمّدٍ عبد اللّه بن سليمان الورّاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: سألت أبي: ما تقول في رجلٍ قال: التّلاوة مخلوقةٌ، وألفاظنا بالقرآن مخلوقةٌ، والقرآن كلام اللّه ليس بمخلوقٍ؟
قال: «هذا كافرٌ، وهو فوق المبتدع، وهذا كلام الجهميّة» .
قلت: ما ترى في مجانبته؟ وهل يسمّى مبتدعًا؟
فقال: " هذا يجانب، وهو فوق المبتدع، وهذا كلام الجهميّة، ليس القرآن بمخلوقٍ، قالت عائشة: تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ} [آل عمران: 7]، والقرآن ليس بمخلوقٍ ".
- حدّثنا أبو حفصٍ عمر بن محمّدٍ قال: حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن داود، قال: حدّثنا أبو بكرٍ المرّوذيّ، قال: سمعت أبا عبد اللّه، يقول: " افترقت الجهميّة على ثلاث فرقٍ: الّذين قالوا: مخلوقٌ، والّذين شكّوا، والّذين قالوا: ألفاظنا بالقرآن مخلوقٌ ".
- قال المرّوذيّ: قلت لأبي عبد اللّه: إنّ رجلًا من أصحابنا زوّج أخته من رجلٍ، فإذا هو من هؤلاء اللّفظيّة، يقول: لفظي بالقرآن مخلوقٌ، وقد كتب الحديث،
فقال أبو عبد اللّه: «هذا شرٌّ من جهميٍّ» .
قلت: فتفرّق بينهما؟
قال: نعم،
قلت: فإنّ أخاها يفرّق بينهما؟
قال: «قد أحسن»، وقال: «أظهروا الجهميّة، هذا كلامٌ ينقض آخره أوّله» .
قلت لأبي عبد اللّه: إنّ الكرابيسيّ يقول: من لم يقل: لفظي بالقرآن مخلوقٌ فهو كافرٌ؟
قال: «بل هو الكافر» . وقال: «مات بشرٌ المرّيسيّ وخلفه حسينٌ الكرابيسيّ».
- حدّثنا أبو حفصٍ، قال: حدّثنا أبو نصرٍ، قال: حدّثنا الفضل، قال: حدّثنا أبو طالبٍ، عن أبي عبد اللّه، قال: سأله يعقوب بن الدّورقيّ عن من قال: لفظنا بالقرآن مخلوقٌ، كيف تقول في هذا؟
قال: لا يكلّم هؤلاء ولا يكلّم هذا، القرآن كلام اللّه غير مخلوقٍ على كلّ جهةٍ، وعلى كلّ وجهٍ تصرّف، وعلى أيّ حالٍ كان، قال اللّه تعالى: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه} [التوبة: 6] .
وقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا يصلح في الصّلاة شيءٌ من كلام النّاس ". وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: حتّى أبلّغ كلام ربّي. هذا قول جهمٍ، على من جاء بهذا غضب اللّه ".
- حدّثنا أبو حفصٍ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن داود قال: وسمعت عبد الوهّاب يعني ابن الحكم الورّاق، يقول: «الواقفة واللّفظيّة واللّه جهميّةٌ» حلف عليها غير مرّةٍ.
- قال أبو جعفرٍ: وسمعت أبا زهيرٍ محمّد بن زهيرٍ يقول: " القرآن كلام اللّه غير مخلوقٍ على جميع الجهات، فقال: من قال: هذا يعني: لفظي، فهو يدخل فيه كلٌّ ".
قال الشّيخ: فبهذه الرّوايات والآثار الّتي أثرناها وروّيناها عن سلفنا وشيوخنا وأئمّتنا نقول، وبهم نقتدي، وبنورهم نستضيء، فهم الأئمّة العلماء العقلاء النّصحاء، الّذين لا يستوحش من ذكرهم، بل تنزل الرّحمة إذا نشرت أخبارهم، ورويت آثارهم، فنقول: إنّ القرآن كلام اللّه، ووحيه، وتنزيله، وعلمٌ من علمه، فيه أسماؤه الحسنى، وصفاته العليا، غير مخلوقٍ كيف تصرّف، وعلى كلّ حالٍ، لا نقف، ولا نشكّ، ولا نرتاب، ومن قال: مخلوقٌ، أو قال: كلام اللّه ووقف، أو قال: لفظي بالقرآن مخلوقٌ، فهؤلاء كلّهم جهميّةٌ ضلّالٌ كفّارٌ، لا يشكّ في كفرهم، ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوقٌ، فهو ضالٌّ مضلٌّ جهميٌّ، ومن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوقٍ، فهو مبتدعٌ، لا يكلّم حتّى يرجع عن بدعته، ويتوب عن مقالته فهذا مذهبنا، اتّبعنا فيه أئمّتنا، واقتدينا بشيوخنا، رحمة اللّه عليهم، وهو قول إمامنا أحمد بن حنبلٍ رحمه اللّه.). [الإبانة الكبرى: 5/ 329-346]
قال أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي (ت: 418هـ): ( - أخبرنا عبيد اللّه بن محمّد بن أحمد قراءةً عليه، قال: أخبرنا القاضي أبو بكرٍ أحمد بن كاملٍ قال: قال أبو جعفرٍ محمّد بن جريرٍ: "والقول في ألفاظ العباد بالقرآن فلا أثر فيه أعلمه عن صحابيٍّ مضى، ولا عن تابعيٍّ قفى إلّا عمّن في قوله الشّفاء والغنا رحمة اللّه عليه ورضوانه وفي اتّباعه الرّشد والهدى، ومن يقوم لدينا مقام الأئمّة الأولى أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن حنبلٍ. فإنّ أبا إسماعيل التّرمذيّ حدّثني قال: سمعت أبا عبد اللّه أحمد بن محمّد بن حنبلٍ يقول: اللّفظيّة جهميّةٌ لقول اللّه عزّ وجلّ: {حتّى يسمع كلام اللّه} [التوبة: 6] ممّن يسمع. ). [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/207-208] (م)
قال محمدُ بنُ أحمدَ بنِ عثمانَ الذَّهَبيُّ (ت: 748هـ): (وقال إسماعيل بن الحسن السّرّاج: سألت أحمد عمّن يقول: القرآن مخلوقٌ، قال: كافرٌ.
وعمّن يقول: لفظي بالقرآن مخلوقٌ، فقال: جهميٌّ.). [سير أعلام النبلاء: 11/288]
قال محمدُ بنُ أحمدَ بنِ عثمانَ الذَّهَبيُّ (ت: 748هـ): (قال أحمد بن زنجوية: سمعت أحمد يقول: اللّفظيّة شرٌّ من الجهميّة.
وقال صالحٌ: سمعت أبي يقول: الجهميّة ثلاث فرقٍ: فرقةٌ قالت: القرآن مخلوقٌ، وفرقةٌ قالوا: كلام الله وسكتوا، وفرقةٌ قالوا: لفظنا به مخلوقٌ.
ثمّ قال أبي: لا يصلّى خلف واقفيٍّ، ولا لفظيٍّ .). [سير أعلام النبلاء: 11/289]
قال محمدُ بنُ أحمدَ بنِ عثمانَ الذَّهَبيُّ (ت: 748هـ): (- أنبؤونا: عن محمّد بن إسماعيل، عن يحيى بن مندة الحافظ، أخبرنا أبو الوليد الدّربنديّ سنة أربعين وأربع مائةٍ، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن عبيد الله بن الأسود بدمشق، أخبرنا عبد الله بن محمّد بن جعفرٍ النّهاونديّ، حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن إبراهيم بن زوران لفظاً، حدّثنا أحمد بن جعفرٍ الإصطخريّ قال:
قال أبو عبد الله أحمد بن حنبلٍ: هذا مذاهب أهل العلم والأثر، فمن خالف شيئاً من ذلك أو عاب قائلها، فهو مبتدعٌ.
وكان قولهم: إنّ الإيمان قولٌ وعملٌ ونيّةٌ، وتمسّكٌ بالسّنّة، والإيمان يزيد وينقص، ومن زعم أنّ الإيمان قولٌ، والأعمال شرائع، فهو جهميٌّ، ومن لم ير الاستثناء في الإيمان، فهو مرجئٌ، والزّنى والسرقة وقتل النّفس والشّرك كلّها بقضاءٍ وقدرٍ من غير أن يكون لأحدٍ على الله حجّةٌ.
إلى أن قال: والجنّة والنّار خلقتا، ثمّ الخلق لهما لا تفنيان، ولا يفنى ما فيهما أبداً.
إلى أن قال: والله -تعالى- على العرش، والكرسيّ موضع قدميه.
إلى أن قال: وللعرش حملةٌ، ومن زعم أنّ ألفاظنا بالقرآن، وتلاوتنا له مخلوقةٌ، والقرآن كلام الله، فهو جهميٌّ، ومن لم يكفّره، فهو مثله، وكلّم الله موسى تكليماً من فيه. ). [سير أعلام النبلاء: 11/ 302- 303]