العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > الناسخ والمنسوخ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 رمضان 1432هـ/20-08-2011م, 10:35 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

ما قيل في الحكمة من النسخ

قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (باب فيه بيان معنى النسخ وكيفيته ومن أين جاز ذلك
قلت: هذا الباب ما علمت أن أحدًا سبقني إلى مثله وإلى ما فيه من البيان، وكذلك كثير مما ذكرته (في هذه) الأصول وغيرها، فللّه الحمد على ما فهّم وبصّر وعلّم.
اعلم أن الله – جل ذكره – هو الآمر فوق كل آمر، قد علم ما سيكون قبل أن يكون، وكيف يكون ما علم أنه سيكون، وإلى متى يبقى ما قدّر أنه سيكون.
فهو – تعالى – قد علم ما يأمر به خلقه ويتعبدهم به، وما ينهاهم عنه (قبل كل شيء)، وعلم ما يقرهم عليه من أوامره ونواهيه وما ينقلهم عنه إلى ما أراد من عبادته، وعلم وقت ما يأمرهم وينهاهم ووقت ينقلهم عن ذلك قبل أمره لهم ونهيه (بلا أمد).
وذلك منه تعالى لما فيه (من) الصلاح لعباده، فهو يأمرهم بأمرٍ في وقتٍ لما فيه من صلاحهم في ذلك (الوقت)، وقد علم أنه يزيلهم عن ذلك في وقت آخر لما علم فيه من صلاحهم في ذلك الوقت الثاني.
فهو تعالى لم يزل مريدًا للفعل الأول إلى الوقت الذي أراد فيه نسخه ومريدا لإيجاب بدله أو إزالة حكمه لغير بدل في الوقت الذي أراد رفع حكم الأول، فينسخ (بأمره) مأمورًا به بمأمور به آخر.
فأمره هو كلامه، صفة له، لا تغيير فيه ولا تبديل، وإنما التغيير والتبديل في (المأمور به) فافهم هذا؛ فإنّ أهل البدع ربما لبسوا في ذلك، وجعلوا التغيير والتبديل في أمره؛ ليثبتوا خلق القرآن – تعالى الله عن ذلك – (لا تبديل) لكلماته.
ونظير ذلك وتمثيله مما لا خفاء به على ذي لب.
أن الله – جل ذكره – قدر في غيبه الأول بلا أمد تغيير الشرائع وتبديل الملل على ألسنة الأنبياء المرسلين – صلى الله عليهم – واختلاف أحكامها كما أراد، فأتى كل رسولٍ قومه بشرع شرعه الله له مخالف لشرع من كان قبله من الرسل، بدليل قوله: {لكلٍ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا}. وقوله: {ثمّ جعلناك على شريعةٍ من الأمر فاتّبعها}. وذلك منه تعالى تعبّدٌّ واختبارٌ وابتلاءٌ للطائع والعاصي، ولما علم ما فيه من صلاح عباده، ليعلم منهم علم مشاهدةٍ يقع (عليه) الجزاء لأهل الطّاعة من أهل المعصية، وقد كان –جل ذكره- علم ذلك منهم قبل خلقهم بلا أمدٍ، لكنّ ذلك علمٌ لا تجب عليه المجازاة، إنما تجب المجازاة على ما ظهر من الأعمال بدليل قوله: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا}.
وقوله: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم}، وقد علم ذلك منهم قبل خلقهم بلا أمد، لكن أراد علم مشاهدةٍ يقع عليه الجزاء.
فالملل والشرائع كلها متفقة في أنها عبادة لله وطاعة له وهي مختلفة في الهيئة والعدد والرتبة.
(وكذلك) الناسخ والمنسوخ كله عبادة لله وطاعة له وفرض منه علينا، وفعله كله طاعة لله على ما رتبه وأمر به في أزمانه وأوقاته، وإن كان مختلفًا في الهيئة والصفة.
ومثل ذلك (أيضًا) من كتاب الله أن الله –جل ذكره- أمر إبراهيم عليه السلام –بذبح ابنه ليبتليه ويختبر طاعته ويثيبه- اختبارًا موجودًا لتقع عليه المجازاة، وقد (علم) قبل أمره له أن يطيعه في ما أمره به، لكن المجازاة إنما تقع على الأعمال الموجودة، لا على علم (الله) بذلك –جل ذكره- قبل (وجود طاعة الطائع ومعصية العاصي)، وعلم أيضًا –جل ذكره- أنه يفدي الذبيح بكبشٍ بعد إضجاعه للذبح، فاستخرج (منهما) التسليم لأمره والطّاعة له في ما (أمرهما) به: لتصح المجازاة على فعلٍ موجود.
والذّبح من إبراهيم لابنه مأمورٌ به، وذبحه للكبش بدلاً منه مأمورٌ به أيضًا، وكلاهما مرادٌ لله وأمر، وكلام الله واحدٌ لا اختلاف فيه؛ (وإنما) الاختلاف في المأمور به في وقتين مختلفين متقدمين في علم الله قبل علم كلّ مخلوق، لم يسبق أحدهما الآخر، تعالى الله عن أن يكون ما لا يعلمه، وأن يبدو له ما لم يتقدم في علمه. فافهم هذا تعرف معنى النسخ وكيف جاز، فيزول عنك شبهة ما لبّس فيه أهل البدع في الطّعن على الناسخ والمنسوخ.
ولأجل ما أراد الله من النسخ للرفق بعباده والصلاح لهم أنزل القرآن شيئًا بعد شيءٍ، ولم ينزله جملة واحدة لأنه لو (نزل) جملة واحدة، لم يجز أن يكون فيه ناسخٌ ولا منسوخ، إذ غير جائزٍ أن يقول في وقتٍ واحدٍ: افعلوا كذا، ولا تفعلوا كذا- لذلك الشّيء بعينه-.
فأنزله –تعالى ذكره- شيئًا بعد شيءٍ ليتمّ مراده في تعبده خلقه بما شاء إلى وقتٍ، ثم ينقلهم عن ذلك التعبّد (إلى غيره في وقتٍ آخر، أو يزيل عنهم التعبّد) بما أمرهم به بغير عوضٍ تخفيفًا عليهم، لما في ذلك من الصّلاح لهم، مع أنه كان إنزاله القرآن غير جملةٍ أخفّ في التعبّد. فلو نزل الفرض كلّه جملةً واحدةً لصعب العمل به ولسبق الحوادث التي من أجلها نزل كثير من القرآن. فغير جائز أن ينزل قرآنٌ في حادثةٍ يخبر عنها بالحدوث ويحكم فيها وهي لم تقع.
فافهم جميع (ذلك) فهو الأصل الذي عليه ينبني الناسخ والمنسوخ).
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:55- 59]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وحكمة النسخ: اللطف بالعباد وحملهم على ما فيه إصلاح لهم، ولم يزل الباري عز وجل عالما بالأمر الأول والثاني، وبمدة الأول وابتداء مدة الثاني قبل إيجاد خلقه وتكليفهم ذلك ونقلهم عنه إلى غيره، وما زال عز وجل مريدا للأول إلى زمن نسخه، مريدا لإزالة حكمه إلى بدل أو إلى غير بدل، وكلامه صفة له لا تغيير فيه ولا تبديل ). [جمال القراء : 246]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:30 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة