العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 06:21 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (174) إلى الآية (176) ]

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)}


قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)}

قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)}

قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 06:22 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[ الآية (177) ]

{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم... (177).
قرأ حفص وحمزة: (ليس البرّ) بالنصب، وقرأ الباقون: (ليس البرّ) رفعا.
قال أبو منصور: الاختيار الرفع؛ لأن (ليس) يرفع الاسم الذي يليه، ومن نصب فعلى أنه جعل اسم ليس (البرّ) (أن تولّوا)، و(البرّ) خبره، وهو جائز، والرفع أجود القراءتين.
وقوله جلّ وعزّ: (ولكنّ البرّ من آمن باللّه... (177).
قرأ نافع وابن عامر: (ولكن البرّ من آمن باللّه)، (ولكن البرّ
[معاني القراءات وعللها: 1/191]
من اتّقى) بتخفيف النون من (لكن) ورفع (البر).
وقرأ الباقون بتشديد النون والنصب.
قال أبو منصور: هما لغتان فاقرأ كيف شئت). [معاني القراءات وعللها: 1/192]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في رفع الراء ونصبها من قوله تعالى: ليس البرّ [البقرة/ 177].
فقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة: ليس البرّ بنصب الراء.
وروى هبيرة عن حفص عن عاصم أنه كان يقرأ بالنصب والرفع. وقرأ الباقون البرّ رفع.
[الحجة للقراء السبعة: 2/269]
قال أبو علي: كلا المذهبين حسن، لأنّ كلّ واحد من الاسمين: اسم ليس وخبرها، معرفة، فإذا اجتمعا في التعريف تكافئا في كون أحدهما اسماً والآخر خبراً كما تتكافأ النكرتان.
ومن حجة من رفع البرّ: أنه أن يكون البرّ الفاعل أولى، لأن ليس تشبه الفعل وكون الفاعل بعد الفعل أولى من كون المفعول بعده، ألا ترى أنّك تقول: قام زيد؛ فيلي الاسم الفعل، وتقول: «ضرب غلامه زيد»، فيكون التقدير بالغلام التأخير، ولولا أن الفاعل أخصّ بهذا الموضع لم يجز هذا، كما لم يجز في الفاعل: «ضرب غلامه زيداً» حيث لم يجز في الفاعل تقدير التأخير كما جاز في المفعول به، لوقوع الفاعل في الموضع الذي هو أخصّ به.
ومن حجة من نصب البرّ: أنه قد حكي لي عن بعض شيوخنا، أنه قال في هذا النحو: أن يكون الاسم: «أن
[الحجة للقراء السبعة: 2/270]
وصلتها» أولى وأحسن، لشبهها بالمضمر، في أنها لا توصف كما لا يوصف المضمر، فكأنّه اجتمع مضمر ومظهر، والأولى إذا اجتمع مضمر ومظهر أن يكون المضمر الاسم من حيث كان أذهب في الاختصاص من المظهر، فكذلك إذا اجتمع أن مع مظهر غيره، كان أن يكون أن والمظهر الخبر أولى). [الحجة للقراء السبعة: 2/271]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أُبي وابن مسعود: [ليس البر بأن تولوا وجوهكم]، قال ابن مجاهد: فإذا كان هكذا لم يجز أن يُنْصب البر.
قال أبو الفتح: الذي قاله ابن مجاهد هو الظاهر في هذا؛ لكن قد يجوز أن يُنْصب مع الباء، وهو أن تجعل الباء زائدة؛ كقولهم: كفى بالله؛ أي: كفى الله؛ وكقوله تعالى: {وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} أي: كفينا، فكذلك [ليس البر بأن تولوا] بنصب البر كما في قراءة السبعة.
[المحتسب: 1/117]
فإن قلت: فإن [كفى بالله] شاذ قليل، فكيف قست عليه "ليس"، ولم نعلم الباء زيدت في اسم ليس؛ إنما زيدت في خبرها، نحو قوله: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ}؟ قيل: لو لم يكن شاذًّا لما جوزنا قياسًا عليه ما جوزناه؛ ولكنا نوجب فيه ألبتة واجبًا، فاعرفه). [المحتسب: 1/118]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ليس البر أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن باللّه}
قرأ حمزة وحفص {ليس البر أن تولّوا} نصبا وقرأ الباقون بالرّفع فمن نصب جعل أن مع صلتها الاسم فيكون المعنى ليس توليتكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب البر كله ومن رفع فالمعنى البر كله توليتكم فيكون {البر} اسم ليس ويكون {أن تولّوا} الخبر وحجتهم قراءة أبي (ليس البر بأن تولّوا) ألا ترى كيف أدخل الباء على الخبر والباء لا تدخل في اسم ليس إنّما تدخل في خبرها
قرأ نافع وابن عامر {ولكن} خفيفة {البر} رفعا وقرأ الباقون {ولكن البر} بالتشديد والنّصب اعلم أنّك إذا شددت {لكن} نصبت {البر} ب لكن وإذا خففت رفعت البر وكسرت النّون لالتقاء الساكنين وقد بيّنت الحجّة فيما تقدم). [حجة القراءات: 123]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {ليس البر} قرأه حمزة وحفص بالنصب، وقرأه الباقون بالرفع.
108- ووجه القراءة بالنصب أن «ليس» من أخوات «كان» يقع بعدها المعرفتان، فتجعل أيهما شئت الاسم والآخر الخبر، فلما وقع بعد «ليس» «البر» وهو معرفة، و«أن تولوا» معرفة؛ لأنه مصدر بمعنى التولية، جعل «البر» الخبر، فنصبه، وجعل «أن تولوا» الاسم فقدر رفعه، وكان المصدر أولى بأن يكون اسمًا؛ لأنه لا يتنكر، و«البر» قد يتنكر، فـ «أن» والفعل أقوى في التعريف، وأيضًا فإن «أن» وصلتها تشبه المضمر؛ لأنها لا توصب كما لا يُوصف المضمر، ومن الأصول أنه إذا اجتمع مع «ليس» وأخواتها مضمر ومظهر، فالمضمر هو الاسم، لأنه أعرف، فلما كانت «أن» وصلتها كالمضمر، كانت أولى أن تكون هي اسم «ليس»، وقوي ذلك؛ لأن «أن» وصلتها في تقدير الإضافة إلى المضمر؛ لأن معناها «توليتكم» والمضاف إلى المضمر أعرف مما فيه الألف واللام، والأعرف أولى أن يكون هو الاسم لـ «كان» وأخواتها؛ لأنه هو المخبر عنه، ولا يُخبر إلا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/280]
عن الأعرف دون الأنكر، ألا ترى أن النكرات لا يُخبر عنها، وأيضًا فإن «البر» تعريفه ضعيف؛ لأنه يدل على الجنس، ليس يدل على شخص بعينه، وتعريف الجنس ضعيف؛ لأنه كالنكرة، فصار «أن» والفعل أقوى من «البر» في التعريف بكثير، فوجب أن يكون الأعرف هو الاسم، وهو «أن» وما بعدها، ووجب نصب البر على الخبر.
109- ووجه القراءة بالرفع أن اسم «ليس» كالفعل، ورتبة الفاعل أن يلي الفعل، فلما ولي «البر» «ليس» رفع، ولو نصب «البر» لوجب أن يكون الكلام غير رتبته، وأن ينوي بـ «البر» التأخير، فيكون الكلام على رتبته، التي أتت به التلاوة، أولى من أن يحدث فيه ما يحتاج معه إلى التقديم والتأخير، ويقوي رفعه رفع «البر» الثاني، الذي معه الباء إجماعًا في قوله: {وليس البر أن تأتوا} «189» ولا يجوز فيه إلا رفع «البر» فحمل الأول على الثاني أولى من مخالفته له، ويقوي رفع «البر» أيضًا أن في مصحف ابن مسعود: (ليس البر بأن تولوا) بزيادة باء، وهذا لا يكون معه إلا رفع «البر»، وهو الاختيار؛ لإجماع القراء عليه، ولأنه رتبة الكلام، وبه قرأ الحسن والأعرج، ويقوي ذلك أن في مصحف أُبي: (ليس البر بأن تولوا} كمصحف ابن مسعود، والرفع في «البر» اختيار أبي عبيد وأبي حاتم وغيرهما، وبه قرأ الحسن والأعرج وشيبة ومسلم بن جندب وابن أبي إسحاق وعيسى وابن محيصن وشبل وغيرهم، والنصب قوي في «البر» من باب التعريف، فالقراءتان حسنتان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/281]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (60- {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا} [آية/ 177]:-
بنصب {البِرَّ}، قرأها حمزة و- ص- عن عاصم.
ووجه ذلك أن {البِرَّ} في هذه القراءة خبر ليس، و{أَنْ تُوَلّوا} اسمها، وإذا كان أن مع صلتها الاسم كان أحسن؛ لأنها تشبه المضمر في أن كل واحد منهما لا يوصف، وإذا اجتمع مضمر ومظهر كان المضمر أولى بأن يكون اسم ليس؛ لأنه أشد اختصاصًا من المظهر، فلذلك اختار هذه القراءة مَنْ قرأ بها.
وقرأ الباقون {لَيْسَ البِرُّ} بالرفع.
ووجهه أن ليس مشبه بالفعل، واسمها مشبه بالفاعل، وإذا كان الفاعل بعد الفعل كان أولى من أن يكون بعده المفعول.
وكلتا القراءتين حسنة؛ لكون الاسم والخبر جميعًا معرفتين، فأيهما جعل اسمًا والآخر خبرًا كان حسنًا). [الموضح: 313]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (61- {وَالصَّابِرِونَ فِي الْبَأْسَاءِ} [آية/ 177]:-
بالرفع، رواها ان- عن يعقوب.
[الموضح: 313]
والوجه أن معطوف على قوله {مَنْ آمَنَ}؛ لأن موضع {مَنْ آمَنَ} رفع على أنه خبر {لكِنَّ}، والتقدير: ولكن ذا البر من آمن بالله واليوم الآخر والموفون والصابرون، فعطف قوله {والصابرون} على قوله {مَنْ آمَنَ}، كما عطف قوله {والمُوفُون} عليه، وموضع {مَنْ آمَنَ} رفع، فكذلك يكون ما عطف عليه رفعًا أيضًا.
وعند الزجاج أنه عطف على {الموفون}، و{الموفون} رفع على أنه خبر مبتدأ، والتقدير: هم الموفون والصابرون.
وقرأ الباقون {الصابِرينَ} بالنصب.
والوجه أنه منصوب على المدح، وذلك بأن يضمر له فعل ناصب، والمعنى أمدح الصابرين، أو أخص الصابرين، كما قال:
12- لا يبعدن قومي الذين هم = سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك = والطيبون معاقد الأزر
بنصب النازلين، كأنه قال أمدح النازلين، ورفع الطيبين، كأنه قال هم الطيبون.
[الموضح: 314]
وذهب بعضهم إلى أنه عطف على قولوه {ذَوِي القُرْبَى}، والتقدير: وآتى المال ذوي القربى والصابرين.
والف هذا بأن العطف على ما في صلة الموصول لا يجوز بعد العطف على الموصول.
وقيل: هو عطف على اسم {لكِنَّ} ). [الموضح: 315]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 06:23 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (178) إلى الآية (179)]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}


قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)}

قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 07:09 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (180) إلى الآية (182) ]

{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)}


قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)}

قوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)}

قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فمن خاف من موصٍ جنفًا... (182).
قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي ويعقوب: (من موصٍّ) بتشديد الصاد.
وقرأ الباقون: (من موصٍ).
قال أبو منصور: هما لغتان: وصّى وأوصى، فاقرأ كيف شئت). [معاني القراءات وعللها: 1/192]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الواو وتشديد الصاد وتخفيفها من قوله عزّ وجلّ: فمن خاف من موصٍ جنفاً [البقرة/ 182].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر موصٍ ساكنة الواو، وحفص عن عاصم مثله.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي موصٍ مفتوحة الواو مشددة الصاد.
قال أبو علي: حجة من قال: موصٍ: قوله تعالى: فلا يستطيعون توصيةً [يس/ 50] وحجة من قال: موصٍ: يوصيكم اللّه في أولادكم [النساء/ 11] ومن بعد وصيّةٍ توصون بها أو دينٍ [النساء/ 12]. وفي المثل:
إنّ الموصّين بنو سهوان
[الحجة للقراء السبعة: 2/271]
وقال النّمر بن تولب:
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت... أوصّ بدعد من يهيم بها بعدي
وقال آخر:
أوصيك إيصاء امرئ لك ناصح... طبّ بصرف الدّهر غير مغفّل
فأمّا قوله تعالى: ووصّى بها إبراهيم بنيه [البقرة/ 132] فلا أرى من شدّد ذهب فيه إلى التكثير وإنما وصّى مثل: أوصى، ألا ترى أنه قد جاء: من بعد وصيّةٍ توصون بها أو دينٍ [النساء/ 12] ولم يشدّد، فإن كان للكثرة فليس هو من باب وغلّقت الأبواب [يوسف/ 23]). [الحجة للقراء السبعة: 2/272]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فمن خاف من موص جنفا}
[حجة القراءات: 123]
وقرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر {فمن خاف من موص} وحجتهم قوله {ما وصّى به نوحًا} و{فلا يستطيعون توصية} مصدر من وصّى
وقرأ الباقون {موص} بالتّخفيف وحجتهم قوله {يوصيكم الله} و{من بعد وصيّة توصون} قال الكسائي هما لغتان مثل أوفيت ووفيت وأكرمت وكرمت وقد روي عن أبي عمرو أنه فرق بين الوجهين فقال ما كان عند الموت فهو موص لأنّه يقال أوصى فلان بكذا وكذا فإذا بعث في حاجة قيل وصّى فلان بكذا). [حجة القراءات: 124]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (110- قوله: «موصٍ» قرأه أبو بكر وحمزة والكسائي بفتح الواو مشددًا، حملوه على «وصى به» وعلى توصية فـ «موص» اسم فاعل من «وصى» ومن «توصية»، وقد تقدم ذكر هذا في {ووصى بها إبراهيم} وقرأ الباقون: {موص} بإسكان الواو مخففًا، حملوه على «أوصى» وعلى «يوصي» و«يوصون» فهو اسم فاعل من «أوصى يوصي» لكن في التشديد معنى التكرير والتكثير، والقراءتان متكافئتان حسنتان، لكل واحدة منهما شاهد، قد أجمع عليه، وكان التخفيف أحب إلي؛ لأن أكثر القراء عليه؛ ولأنه أخف على القارئ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/282]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (62- {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ} [آية/ 182]:-
مفتوحة الواو، مشددة الصاد، قرأها حمزة والكسائي وعاصم ويعقوب.
وذلك أنه قد جاء {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} وهي من وصى، وقد مضى مثله.
وقرأ الباقون {مُوْصٍ} ساكنة الواو، مخففة الصاد، من أوصى، وقد جاء نحوه في قوله {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ} و{تُوصُونَ}، وقد ذكرنا أن وصى وأوصى لغتان). [الموضح: 315]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 07:10 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (183) إلى الآية (185) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)}

قوله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فديةٌ طعام مسكينٍ... (184).
قرأ نافع وابن عامر: (فدية طعام مساكين) بالإضافة، وخفض الطعام، وجمع مساكين.
وقرأ الباقون: (فديةٌ طعام مسكينٍ) بالتنوين والرفع والتوحيد.
قال أبو منصورة من قرأ (فدية طعام مساكين) أضاف فدية إلى طعام
مساكين، والعرب تضيف الشيء إلى نعته، كقول الله جلّ وعزّ: (وحبّ
[معاني القراءات وعللها: 1/192]
الحصيد)، و(ذلك دين القيّمة).
ومن قرأ: (فديةٌ طعام مسكينٍ) رفع قوله (طعام مسكينٍ) لأنه ترجمة عن فدية، ويكون بدلاً، كأنه قال: وعلى الذين يطيقونه طعام مسكين). [معاني القراءات وعللها: 1/193]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التاء ونصب العين، والياء والجزم، من قوله عزّ وجلّ: فمن تطوّع خيراً [البقرة/ 184].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو: فمن تطوّع خيراً بالتاء ونصب العين في الحرفين جميعاً.
[الحجة للقراء السبعة: 2/244]
وقرأ حمزة والكسائيّ: يطوع خيرا بالياء، وجزم العين. وكذلك التي بعدها.
قال أبو علي: من قرأ: فمن تطوّع خيراً احتمل قوله:
تطوّع أمرين:
أحدهما: أن يكون موضعه جزماً، والآخر: أن لا يكون له موضع. فأما الوجه الذي يجعل تطوّع فيه في موضع جزم، فأن تجعل من للجزاء كالتي في قوله: ومن يفعل ذلك يلق أثاماً [الفرقان/ 68] فإذا جعلته كذلك كان في موضع جزم، وكانت الفاء مع ما بعدها أيضاً في موضع جزم لوقوعها موقع الفعل المجزوم الذي هو جزاء، والفعل الذي هو «تطوّع» على لفظ المثال الماضي والتقدير به المستقبل، كما أن قولك: إن أتيتني أتيتك. كذلك.
والآخر: أن لا تجعله جزاء، ولكن يكون بمنزلة «الذي» ولا موضع حينئذ للفعل الذي هو تطوّع، ولو كان له موضع لم تكسر إنّ في قوله تعالى: وآتيناه من الكنوز ما إنّ مفاتحه [القصص/ 76] والفاء على هذا في قوله: فهو خيرٌ له مع ما بعدها في موضع رفع من حيث كان خبر المبتدأ الموصول- والمعنى معنى الجزاء، وإن لم يكن به جزم، لأن هذه الفاء، إذا دخلت في خبر الموصول، آذنت أن الثاني وجب لوجوب الأول، والنكرة الموصوفة في ذلك، كالأسماء
[الحجة للقراء السبعة: 2/245]
الموصولة، وعلى هذا قوله عزّ وجلّ: وما بكم من نعمةٍ فمن اللّه [النحل/ 53] تقديره: ما ثبت بكم من نعمة، أو: ما دام بكم من نعمة، فمن ابتداء الله إياكم بها. فسبب ثبات النعمة ابتداؤه بذلك. كما أن استحقاق الأجر إنما هو من أجل الإنفاق في قوله: الّذين ينفقون أموالهم... فلهم أجرهم [البقرة/ 274].
فأما ما كان من النّعمة كالصّحة وتسوية البنية، والامتحان بالمرض والعلّة، فمن الله سبحانه.
وأما ما كان من جائزة ملك وعطاء أب وهبة صديق أو ذي رحم، فإنه يجوز أن ينسب إلى الله تعالى. من حيث كان بتمكينه وإقداره كما قال: وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى [الأنفال/ 17]، وإنما الرّامي للتراب، والحصباء بالبطحاء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ولو أدخلت إنّ على هذه الأسماء الموصولة، جاز دخول الفاء معها كما جاز دخولها على غير هذا النحو من الابتداء. وعلى هذا قوله تعالى: إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم [البروج/ 10].
[الحجة للقراء السبعة: 2/246]
وقوله عزّ وجلّ: إلّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فلهم أجرٌ غير ممنونٍ [التين/ 6] على قوله: «إلا حل ذاك أن أفعله» ولو ألحقت المبتدأ ليت أو لعلّ لم يجز دخول الفاء على الخبر، لأن الجزاء الجازم وغير الجازم خبر فإذا دخلت ليت ولعلّ، خرج بدخولهما الكلام عن أن يكون خبراً، وإذا خرج عن ذلك، لم يجز لحاق الفاء التي تدخل مع الخبر. ومثل ذلك قوله تعالى: ومن عاد فينتقم اللّه منه [المائدة/ 95] ومن كفر فأمتّعه قليلًا [البقرة/ 26] ومن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى إلّا مثلها [الأنعام/ 160] وفمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر [الكهف/ 29] إلا أنّ قوله: فمن شاء فليؤمن إذا جعلته موصولًا ولم تجعل شاء في موضع جزم، احتمل من شاء ضربين من الإعراب: أحدهما: أن يكون مرفوعاً بالابتداء وفليؤمن في موضع خبر. والآخر: أن يكون مرتفعا بالابتداء يفسّره: (فليؤمن) مثل: زيد ليضرب. والفاء الداخلة في الخبر تحتمل أمرين: أحدهما: أن تكون زيادة مثل قولهم: أخوك فوجد، والآخر: أن يكون دخولها من أجل الصلة. ومثله:
ومن تاب وعمل صالحاً فإنّه يتوب إلى اللّه متاباً [الفرقان/ 71].
فإن قلت: وما معنى ومن تاب فإنّه يتوب؟.
فالقول في ذلك، أن اللفظ على شيء والمعنى على غيره، وذلك غير ضيّق في كلامهم، ألا ترى أنّهم قد قالوا: ما
[الحجة للقراء السبعة: 2/247]
أنت وزيد؟. والمعنى: لم تؤذيه؟ واللفظ إنّما هو على المسألة من المخاطب، وزيد معطوف عليه. وكذلك قالوا: أمكنك الصّيد، والمعنى: ارمه، وكذلك: هذا الهلال. أي: انظر إليه؛ فكذلك قوله: ومن تاب كأنه من عزم على التوبة، فينبغي أن يبادر إليها، ويتوجه بها إلى الله سبحانه. وقال تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه [النحل/ 98]. أي: إذا عزمت على ذلك فاستعذ، ومثل قوله: فإنّه يتوب [الفرقان/ 71] والمعنى على: ينبغي أن يتوب. قوله عزّ وجلّ: والمطلّقات يتربّصن [البقرة/ 228] أي: ينبغي أن يتربّصن. ومن هذا الباب قوله:
فمن شهد منكم الشّهر فليصمه [البقرة/ 185] قياسه على ما تقدم.
وأمّا من قرأ: ومن يطوع [البقرة/ 158] فتقديره:
يتطوّع، إلا أنه أدغم التاء في الطاء لتقاربهما، وجزم العين التي هي لام بمعنى «إن» التي للجزاء. وهذا حسن لأن المعنى على الاستقبال، وإن كان يجوز: من أتاني أعطيته، فتوقع الماضي موضع المستقبل في الجزاء، إلّا أن اللفظ إذا كان وفق المعنى كان أحسن). [الحجة للقراء السبعة: 2/248]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الإضافة والتنوين، والجمع والتوحيد، من قوله تعالى: فديةٌ طعام مسكينٍ [البقرة/ 184].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائيّ:
[الحجة للقراء السبعة: 2/272]
فديةٌ منون طعام مسكينٍ موحّد.
وقرأ نافع وابن عامر فدية طعام مساكين [فديةٌ] مضاف ومساكين جمع.
قال أبو علي: طعام مسكينٍ على قول ابن كثير، ومن قرأ كما قرأ: عطف، بيّن الفدية. فإن قلت: كيف أفردوا المسكين والمعنى على الكثرة؟ ألا ترى أن الّذين يطيقونه جمع، وكلّ واحد منهم يلزمه طعام مسكين، فإذا كان كذلك وجب أن يكون مجموعاً كما جمعه الآخرون.
فالقول: إن الإفراد جاز وحسن لأن المعنى: على كل واحد طعام مسكين، فلهذا أفرد، ومثل هذا في المعنى قوله تعالى: والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً [النور/ 4] وليس جميع القاذفين يفرّق فيهم جلد ثمانين، إنّما على كلّ واحد منهم جلد ثمانين، وكذلك على كلّ واحد منهم طعام مسكين. فأفرد هذا كما جمع قوله: فاجلدوهم ثمانين جلدةً.
وقال أبو زيد: أتينا الأمير، فكسانا كلّنا حلّة، وأعطانا كلّنا مائة. قال أبو زيد: معناه: كسا كلّ واحد منا حلّة، وأعطى كلّ واحد منا مائةً.
وأما من أضاف الفدية إلى الطعام، فكإضافة البعض إلى ما هو بعض له، وذلك أنه سمّى الطعام الذي يفدى به فدية،
[الحجة للقراء السبعة: 2/273]
ثم أضاف الفدية إلى الطعام الذي يعمّ الفدية وغيرها، وهو على هذا من باب: خاتم حديد). [الحجة للقراء السبعة: 2/274]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس بخلاف وعائشة -رحمهما الله- وسعيد بن المسيب، وطاوس بخلاف، وسعيد بن جبير، ومجاهد بخلاف، وعكرمة، وأيوب السختياني، وعطاء: [يُطَوَّقُونَه].
وقرأ [يَطَّوَّقُونَه] على معنى: يتطوقونه مجاهد.
ورُويت عن ابن عباس، وعن عكرمة.
وقرأ [يَطَّيَّقُونَه] ابن عباس بخلاف، وكذلك مجاهد وعكرمة.
وقرأ [يُطَيِّقُونَه] ابن عباس بخلاف.
قال أبو الفتح: أما عين الطاقة فواو؛ لقوهم: لا طاقة لي به ولا طوق لي به؛ وعليه مَن قرأ [يُطَوَّقُونَه] فهو يُفَعَّلُونه منه، فهو كقوله: يُجَشَّمُونه، ويكلفونه، ويجعل لهم كالطوق في أعناقهم.
وأما [يطَّوَّقُونه] فيتَفعَّلونه منه، كقولك: يتكلفونه ويتجشمونه، وأصله: يتطوقونه، فأبدلت التاء طاء، وأدغمت في الطاء بعدها كقولهم: اطَّير يطَّير؛ أي: يتطير.
وتجيز الصنعة أن يكون يتفوعلونه ويتفعولونه جميعًا، إلا أن يتفعَّلونه الوجه؛ لأنه الأكثر والأظهر.
وأما [يَتَطَيَّقُونَه] فظاهره لفظًا أن يكون يتفيعلونه، كتحيَّز أي تفيعل.
أنشدنا أبو علي للهذلي:
فلما جلاها بالإِيَامِ تحيزت ... ثُبات عليه ذلها واكتئابها
فهذا تفيعلت من حاز يحوز، ومثله تفيهق.
وقد يمكن أن يكون أيضًا يَتَطَيَّقُونه يتفَعَّلُونه، إلا أن العينين أبدلتا ياءين، كما قالوا في تهور الجرف: تهيَّر، وعلى أن أبا الحسن قد حكى هار يَهير.
[المحتسب: 1/118]
وقد يمكن أيضًا أن يكون هار يهير من الواو فعِل يفعِل، كرأي الخليل في طاح يطيح، وتاه يتيه.
وليس يقوى أن يكون تيطوَّقونه يتفوعلونه ولا يتفعولونه، وإن كان اللفظ هنا كاللفظ بيتَفَعَّل؛ لقلته وكثرته.
ويُؤنِّس بكون يتطيقونه يتفعلونه قراءة مَن قرأ: [يَتَطَوَّقُونه]، وكذلك يُؤنِّس بكون يُطَيَّقُونَه يُفعَّلونه قراءة مَن قرأ: [يُطَوَّقُونه]، والظاهر من بعد هذا أن يكون يُفَيعلُونه). [المحتسب: 1/119]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وعلى الّذين يطيقونه فدية طعام مسكين}
قرأ نافع وابن عامر {وعلى الّذين يطيقونه فدية طعام} (ومساكين) جمع وقرأ الباقون {فدية} منونة {طعام} رفعا {مسكين} واحد وحجتهم أن الطّعام هو الفدية الّتي أوجبها الله على المفطر الّذي رخص له في الفطر وجعل إطعام المسكين جزاء إفطاره فلا وجه لإضافة الفدية إليه إذ كان الشّيء لا يضاف إلى نفسه إنّما يضاف إلى غيره وحجتهم في التّوحيد في المسكين أن في البيان على حكم الواحد في ذلك البيان عن حكم جميع أيّام الشّهر وليس في البيان عن حكم إفطار جميع الشّهر البيان عن حكم إفطار اليوم الواحد فاختاروا التّوحيد لذلك إذ كان أوضح في البيان
[حجة القراءات: 124]
وحجّة من أضاف الفدية إلى الطّعام أن الفدية غير الطّعام وأن الطّعام إنّما هو المفدى به الصّوم لا الفدية والفدية هي مصدر من القائل فديت صوم هذا اليوم بطعام مسكين أفديه فدية فإذا كان ذلك كذلك فالصّواب في القراءة إضافة الفدية إلى الطّعام
وحجّة من قرأ {مساكين} قوله قبلها {يا أيها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} ثمّ قال {أيّامًا معدودات} قال إنّما عرف عباده حكم من أفطر الأيّام الّتي كتب عليه صومها بقوله {أيّامًا معدودات} فإذا كان ذلك كذلك فالواجب أن تكون القراءة في المساكين على الجمع لا على التّوحيد وتأويل الآية وعلى الّذين يطيقونه فدية أيّام يفطر فيها إطعام مساكين ثمّ تحذف أيّامًا وتقيم الطّعام مكانها قال الحسن فالمساكين عن الشّهر كله والأيّام). [حجة القراءات: 125]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (111- قوله: {فدية طعام مسكين} قرأ نافع وابن ذكوان «فدية طعام» بالإضافة، وقرأ الباقون بالتنوين في «فدية»، وبرفع «الطعام» وقرأ نافع وابن عامر «مساكين» بالجمع، وقرأ الباقون بالتوحيد منونًا مخفوضًا بالإضافة.
112- ووجه القراءة بالإضافة أنه سمى الطعام الذي يفدى به الصيام فدية، ثم أضافه إلى طعام، وهو بعضه، فهو من باب إضافة بعض إلى كل، مثل هذا: خاتم حديدٍ، وثوبُ خزٍّ، مع ما أن الإضافة أخف من غير أن ينقص المعنى.
113- ووجه القراءة بغير إضافة أنه سمى الشيء الذي يفدى به الصيام فدية، ثم أبدل الطعام منها، بدل الشيء من الشيء، وهو هو، فبين الله به من أي نوع هي، أبالطعام أو غيره، وهو الاختيار لأن المعنى عليه،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/282]
ولأن أكثر القراء عليه، ورفع «الفدية» في القراءتين بالابتداء، والخبر محذوف تقديره: فعليه فدية، ونحوه.
114- ووجه قراءة من جمع «مساكين» أنه رده على ما قبله لأن ما قبله جمعا في قوله: {وعلى الذين} فكل واحد من هذا يلزمه إذا أفطر طعام مسكين، فالذي يلزم جميعهم إذا أفطروا إطعام مساكين كثيرة، على كل واحد عن كل يوم أفطره مسكين، فالجميع أولى به لهذا المعنى، وبالجمع قرأ ابن عمر ومجاهد.
115- ووجه قراءة من وحد فقرأ «مسكين» أن الواحد النكرة يدل على الجمع، فاستغنى به عن لفظ الجمع، وأيضًا فإنه رده على الفدية، فوحد، كما وحدت الفدية، ومعناها فديات كثيرة تجتمع عن كل واحد، فلما وحدت الفدية وحد المسكين، وأيضًا فإنه بين بتوحيد مسكين ما يلزم عن كل يوم واحد أفطر، فيكون قد بيَّن به ما على من أفطر يومًا، وأيضًا فإن التوحيد يفيد الحكم الذي على كل من أفطر يومًا، وإذا قرأ بالجمع لم يقع فيه بيان، ما يلزم عن كل يوم أفطره الواحد، وإنما الجمع مُبهم، أخبر فيه أن على الجماعة إذا أفطروا، طعام مساكين، فلا يُدري ما على كل واحد أفطر يومًا، من لفظ الجمع، فالتوحيد فيه بيان ذلك، وبه قرأ ابن عباس، وهو الاختيار لأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/283]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (63- {فِدْيَةٌ طَعَامُ} [آية/ 184]:-
بإضافة {فِدْيَة} وخفض {طَعَام} بالإضافة، {مَسَاكِين} جمعًا، قرأها نافع وابن عامر.
[الموضح: 315]
وهذا من إضافة البعض إلى الكل، كخاتم حديد، وحلقة فضة، وذلك لأن الطعام يعم الفدية وغيرها، فلذلك أضاف الفدية إلى طعام المسكين.
وقرأ الباقون {فِدْيَةٌ} بالتنوين {طَعَامُ} بالرفع {مِسْكِينٍ} على الوحدة، وذلك أن طعامًا بدل من فدية أو عطف بيان، وإنما أفرد الطعام مع أن المعنى على الكثرة؛ لأن المعنى محمول على أن على كل واحدٍ منهم طعام مسكين، كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} أي فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة.
وإنما جمع المساكين في القراءة الأولى؛ لأنه من باب إضافة الشيء إلى ما هو بعضه، فينبغي أن يكون ما أضيف إليه فيه كثرة، ليتحقق معنى البعضية في الأول، وإنما أفراد مسكينًا في القراءة الباقية؛ لأن المعنى أن على كل واحد منهم طعام مسكين واحد، فأفرد لهذا المعنى). [الموضح: 316]

قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (ولتكملوا العدّة... (185)
قرأ عاصم ويعقوب (ولتكمّلوا العدّة) مشددا، وروى ذلك عن أبي عمرو أيضًا، وروى عنه التخفيف، وقرأ الباقون بالتخفيف.
قال أبو منصور: العرب تقول: كمّلت الشيء وأكملته بمعنى واحد، مثل: وصّيت وأوصيت، ونجّيت وأنجيت). [معاني القراءات وعللها: 1/193]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الميم وتخفيفها من قوله جلّ وعزّ: ولتكملوا العدّة [البقرة/ 185].
فقرأ عاصم في رواية أبي بكر ولتكملوا العدّة مشدّدة.
وروى حفص عن عاصم ولتكملوا خفيفة. وروى علي بن نصر وهارون الأعور وعبيد بن عقيل عن أبي عمرو ولتكملوا العدّة مشدّدة.
وقال أبو زيد عن أبي عمرو كلاهما: مشددة ومخففة.
وقال اليزيدي وعبد الوارث عنه: إنه كان يثقّلها، ثم رجع إلى التخفيف. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي: ولتكملوا العدّة بإسكان الكاف خفيفة.
قال أبو علي: حجة من قرأ: ولتكملوا: قوله: اليوم أكملت لكم دينكم [المائدة/ 3] وقد قال أوس:
عن امرئ سوقة ممّن سمعت به... أندى وأكمل منه أيّ إكمال
ومن قال: ولتكملوا العدّة فلأن فعّل وأفعل كثيراً ما
[الحجة للقراء السبعة: 2/274]
يستعمل أحدهما موضع الآخر، فمن ذلك ما تقدم ذكره من:
وصّى وأوصى. وقال النابغة:
فكمّلت مائة فيها حمامتها... وأسرعت حسبة في ذلك العدد
قال أحمد: اتفقوا على تسكين لام الأمر إذا كان قبلها واو أو فاء في جميع القرآن.
واختلفوا إذا كان قبلها ثمّ.
فقرأ أبو عمرو: ثمّ ليقضوا تفثهم [الحج/ 29] ثمّ ليقطع [الحج/ 15] بكسر اللام مع ثم وحدها. وليوفوا [الحج/ 29] ساكنة اللام، فلينظر [الحج/ 15] بالإسكان.
واختلف عن نافع فروى أبو بكر بن أبي أويس وورش عنه: ثمّ ليقضوا ثمّ ليقطع بكسر اللامين مثل أبي عمرو.
وروى المسيبي وإسماعيل بن جعفر وقالون وابن جماز وإسماعيل بن أبي أويس مثل حمزة بإسكان اللامين.
وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي بإسكان اللامين في الحرفين جميعاً وقال القوّاس عن أصحابه عن ابن كثير:
ثمّ ليقضوا كسراً، وقال البزي: اللام مدرجة.
[الحجة للقراء السبعة: 2/275]
وقرأ ابن عامر بتسكين لام الأمر فيما كان قبله واو أو فاء أو ثم في كل القرآن، إلا في خمسة مواضع كلها في الحج:
ثمّ ليقضوا [الآية/ 29] ثم ليقطع [الآية/ 15] فلينظر [الآية/ 15] وليوفوا نذورهم [الآية/ 29] وليطّوّفوا [الآية/ 29] بكسر اللام وسائر ذلك بالإسكان.
قال أبو علي: حجة من أسكن لام الأمر، إذا كان قبلها واو أو فاء: أنّ الواو والفاء، لمّا كان كلّ واحد منهما حرفاً مفرداً، ولم يجز أن تفصل من الكلمة التي دخلت عليها، فتفصل منها بالوقف عليها أشبهت الكلمة التي أحدهما فيه المتصل نحو: كتف وشكس. فكما أن هذا النحو من الأسماء والأفعال يخفّف في كلامهم بالتسكين، كذلك أسكنت اللام بعد هذين الحرفين.
وما يدل على أن الحرف إذا لم ينفصل ممّا دخل عليه تنزّل منزلة جزء من الكلمة قولهم: هؤلاء الضاربوه والضاربوك، فحذفوا النون التي تلحق للجميع، لما كانت النون حرفاً لا ينفصل من الكلمة، وعلامة الضمير كذلك، فلم يجتمعا.
وكذلك حرف اللين الذي للنّدبة، عاقب التنوين من حيث كان حرفاً لا ينفصل، كما كانت النون كذلك. وكما تنزّلت هذه الحروف منزلة ما هو من الكلمة من حيث لم تنفصل منها؛
[الحجة للقراء السبعة: 2/276]
تنزلت الواو والهاء، منزلتهما، فحسن تخفيف الحرف بعدها، كما خفّف نحو: كتف وسبع. وليس كذلك ثمّ، لأنها على أكثر من حرف فتفصل من الكلمة ويوقف عليها؛ فلم تجعلها بمنزلة الواو والفاء لمفارقتهما لهما فيما ذكرنا.
وأما وجه قول من أسكن اللام بعدها كما أسكن بعد الفاء والواو، فهو أنّه جعل الميم من ثمّ بمنزلة الواو والفاء من قوله: فليقضوا [الحج/ 29] فجعل فليقضوا من ثمّ ليقضوا بمنزلة (وليقضوا) وهذا مستقيم، وإن كان دون الأول في الحسن. ومما يدلّك على جوازه قول الراجز:
فبات منتصبا وما تكردسا وقالوا: أراك منتفخاً فجعل تفخاً من (منتفخا) بمنزلة كتف فأسكنه كما أسكن الكتف، ومثل دخول الواو والفاء على هذه اللام دخولهما على هو وهي: في نحو: وهو اللّه [القصص/ 70] ولهي الحيوان [العنكبوت/ 64] إلا أن الفصل بين اللام في نحو: فليقضوا، وبين: وهو أن اللام من ليقضوا ليس من الكلمة، ولكنّها جرت مجرى ما هو من الكلمة لمّا لم تنفصل منها، كما لم تنفصل الواو والفاء والهاء، من- هو، وهي- من نفس الكلمة، إلا أنّ اللام لما لم تنفصل من الكلمة تنزّلت
[الحجة للقراء السبعة: 2/277]
منزلة الهاء التي من الكلمة. ومن هذا الباب قول الشاعر:
عجبت لمولود وليس له أب... وذي ولد لم يلده أبوان
ومن ذلك ما أنشده أبو زيد:
قالت سليمى اشتر لنا سويقا فما بعد التاء من قوله: «اشتر لنا سويقا» بمنزلة كتف؛ فهذا حجة لمن قال: ثمّ ليقضوا فأسكن). [الحجة للقراء السبعة: 2/278]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({شهر رمضان الّذي أنزل فيه القرآن هدى للنّاس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشّهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدّة من أيّام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله}
قرأ ابن كثير {القرآن} بغير همز وحجته ما روي عن الشّافعي عن إسماعيل قال الشّافعي قرأت على إسماعيل فكان يقول
[حجة القراءات: 125]
القران اسم وليس مهموزا ولم يؤخذ من قرأت ولو أخذ من قرأت لكان كل ما قرئ قرآنًا ولكنه اسم مثل التّوراة
وقرأ الباقون {القرآن} بالهمز مصدر قرأت الشّيء أي ألفته وجمعته قرآنًا قالوا فسمي بالمصدر وحجتهم قوله {إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه} أي جمعناه {فاتبع قرآنه} أي تأليفه
قرأ أبو بكر {ولتكملوا العدة} بالتّشديد من كمل يكمل وحجته قول النّاس تكملة الثّلاثين عن أبي بكر {ولتكملوا} بالتّشديد وقال شددتها لقوله {ولتكبروا الله}
وقرأ الباقون بالتّخفيف من أكمل يكمل وحجتهم قوله {اليوم أكملت لكم دينكم} وهما لغتان مثل كرمت وأكرمت قال الله {ولقد كرمنا بني آدم} وقال {أكرمي مثواه} ). [حجة القراءات: 126]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (116- قوله: {ولتكملوا} قرأه أبو بكر مشددًا مفتوح الكاف، وقرأ الباقون مخففًا، ساكن الكاف، وهما لغتان، يقال: أكملت العدد وكملته، ويقوي التخفيف إجماعهم على قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} «المائدة 3»، ويقوي التشديد أن فيه معنى التأكيد والتكرير، وبه قرأ الحسن وأبو عبد الرحمن وأبو رجاء وابن أبي إسحاق والجحدري وغيرهم، والتخفيف أولى لخفته، ولأنه إجماع من القراء، ولإجماعهم على «اليوم أكملت»، وهو الاختيار، وبه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/283]
قرأ ابن مسعود والأعرج وابن وثاب وطلحة بن مصرف وعيسى والأعمش وغيرهم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/284]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (64- {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ} [آية/ 185]:-
غير مهموز، قرأها ابن كثير وحده إذا كان اسمًا.
والوجه أن {القرآن} فعلان من قولهم: ما قرأت الناقة سلى قط، أي لم تجمعه في بطنها، قال:
13- ذراعي عيطل أدماء بكر = هجان اللون لم تقرأ جنينا
أي لم تجمعه في بطنها.
[الموضح: 316]
وإنما سمي قرآنًا لاجتماع الكلم فيه، فالأصل قرءان بالهمز لما ذكرنا، لكن [منهم] من يذهب إلى تخفيف الهمزة من قرءان، وتخفيفها ههنا: بأن تنقل [حركتها] إلى ما قبلها وتحذف الهمزة؛ لأنها متحركة وما قبلها ساكن، فيبقى بعد حذف الهمزة قران بغير همز، كما تقول الخب والمر وأشباههما، فهذا مذهب ابن كثير في {قُرْءان}.
وأما تخفيفه همزتها إذا كان اسمًا دون أن يكون مصدرًا؛ فلأن المصدر يعزي على فعله فيصح بصحته ويعتل باعتلاله، والعرب لا تحذف الهمزة من الفعل، فكذلك ينبغي أن لا يحذف من المصدر، ويكون القران مصدرًا هو في قوله تعالى {وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} أي قراءة الفجر.
وقرأ الباقون {القُرءان} أنه هو الأصل؛ لأن الأصل في الهمز التحقيق.
وأما ترك حمزة الهمزة في حال الوقف؛ فلأن الوقف موضع حذفٍ وتغييرٍ، وذد ذكرنا نحو ذلك). [الموضح: 317]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (65- {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} [آية/ 185]:-
مفتوحة الكاف، مشددة الميم، قرأها عاصم ياش- ويعقوب، والباقون {وَلِتُكْمِلُوا} ساكنة الكاف، مخففة الميم، وهما لغتان: كمل وأكمل، كما قلنا في وصى وأوصى، وفعل وأفعل كثيرًا ما يستعمل أحدهما موضع الآخر). [الموضح: 318]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 07:12 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (186) إلى الآية (188) ]



{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}

قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون (186).
اتفق القراء على ضم الشين من (يرشدون)، وهو من رشد يرشد، وفيه لغة أخرى لم يقرأ بها، وهي: رشد يرشد.
وحرك الياء من قوله: (بي) ورش عن نافع.
وأرسلها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/194]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أجيب دعوة الداع إذا دعان}
قرأ إسماعيل وورش عن نافع وأبو عمرو (دعوة الدّاعي إذا دعاني) بالياء في الوصل والحلواني دخل معهم في الثّاني وإذا وقفوا وقفوا بغير ياء وحجتهم أن الأصل في ذلك إثبات الياء لأن
[حجة القراءات: 126]
الياء لام الفعل وإذا وقفت حذفت الياء اتباعا للمصحف وهذا حسن لأنهم اتبعوا الأصل في الوصل وفي الوقف المصحف
وقرأ الباقون بغير ياء في الوصل وحجتهم أن ذلك في المصحف بغير ياء فلا ينبغي أن يخالف رسم المصحف وحجّة أخرى وهي أنهم اكتفوا بالكسرة عن الياء لأن الكسرة تنوب عن الياء). [حجة القراءات: 127]

قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)}

قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 07:14 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة البقرة
[من الآية (189) إلى الآية (194) ]

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}


قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وأتوا البيوت من أبوابها... (189).
قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي: (البيوت) بكسر الباء في كل القرآن، وكذلك كسر العين من العيون، والجيم من الجيوب، والشين من الشيوخ والغين من الغيوب، وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم نحو ذلك، وقال يحيى عن أبي بكر عن عاصم: إنه ضم الجيم من
[معاني القراءات وعللها: 1/194]
الجيوب، وكسر ما سوى ذلك من هذه الحروف، وكسر نافع في رواية قالون الباء من البيوت، وضم سائر الحروف.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب كلها بالضم..
قال أبو منصور: من ضم أول هذه الحروف فلأنها مبنية على (فعول) بضم الفاء ومن كسر اعتل بالياء، فأتبع الكسرة الكسرة، كما قالوا: أبيض وبيض، وقالوا في جمع أعين: عين، والأصل: بيضٌ، وعينٌ.
كما قالوا: أصفر وصفر، وأحمر وحمر.
وروى سليم عن حمزة أنه كان يشم الجيم من: (جيوبهن) الضم ثم يشمه كسرة خفيفة، ويرفع الياء.
وروى غيره عن حمزة الكسرة في جميعها). [معاني القراءات وعللها: 1/195]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في: البيوت والعيون والشّيوخ والغيوب والجيوب: في ضمّ الحرف الأول من هذه كلّها وكسره.
فقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائيّ الغيوب بضم الغين وكسر الباء من البيوت والعين من العيون.
[الحجة للقراء السبعة: 2/280]
وقرأ أبو عمرو بضم ذلك كلّه: الباء والعين والغين والجيم والشين.
واختلف عن نافع فروى المسيّبيّ وقالون: البيوت بكسر الباء، وهذه وحدها، وضمّ الغين والعين والجيم والشين.
وقال ورش عن نافع: أنه ضمّ ذلك كلّه، والباء من البيوت، وكذلك قال إسماعيل بن جعفر وابن جمّاز عنه: أنه ضمّها كلّها.
قال أبو بكر بن أبي أويس: البيوت، والغيوب، والعيون، والجيوب، وجيوبهنّ، والشيوخ بكسر أول، ذلك كلّه.
قال الواقديّ عن نافع: البيوت بضم الباء.
واختلف عن عاصم أيضاً، فروى يحيى بن آدم عن أبي بكر عنه: أنه كسر الباء من البيوت، والعين من العيون، والغين من الغيوب، والشين من شيوخاً، وضمّ الجيم من (الجيوب) وحدها.
قال: يبدأ بالكسر ثم يشمّها الضمّ.
وروى هبيرة عن حفص عن عاصم أنه كان يكسر الشين من شيوخاً وحدها، ويضمّ الباقي وهذا غلط. وقال عمرو بن
[الحجة للقراء السبعة: 2/281]
الصبّاح عن أبي عمر عن عاصم شيوخاً بضم الشين، وضم سائر الحروف.
وكان حمزة يكسر الأول من هذه الحروف كلّها. وقال خلف وأبو هشام عن سليم عن حمزة: أنه كان يشمّ الجيم الضمّ، ثم يشير إلى الكسر، ويرفع الياء من قوله جيوبهنّ وهذا شيء لا يضبط.
وقال غير سليم بكسر الجيم.
قال أبو علي: أما من ضمّ الفاء من شيوخ، وعيون، وجيوب فبيّن لا نظر فيه بمنزلة فعول إذا كان جمعاً، ولم تكن عينه ياء، وأما من قال: (شيوخ وجيوب) فكسر الفاء، فإنما فعل ذلك من أجل الياء، أبدل من الضمّة الكسرة لأن الكسرة للياء أشدّ موافقة من الضمة لها.
فإن قلت: هلّا استقبح ذلك، لأنه أتى بضمّة بعد كسرة، وذلك مما قدمت أنهم قد رفضوه في كلامهم، فهلّا رفض أيضاً القارئ للجيوب ذلك؟
قيل: إن الحركة إذا كانت للتقريب من الحرف لم تكره، ولم تكن بمنزلة ما لا تقريب فيه- ألا ترى أنه لم يجيء في الكلام عند سيبويه على فعل إلا إبل. وقد أكثروا من هذا البناء، واستعملوه على اطّراد، إذا كان القصد فيه تقريب الحركة من الحرف، وذلك قولهم: ماضغ لهم، ورجل محك
[الحجة للقراء السبعة: 2/282]
وجئز. وقالوا في الفعل: شهد ولعب.
واستعملوا في إرادة التقريب ما ليس في كلامهم على بنائه البتّة، وذلك نحو: شعير ورغيف وشهيد، وليس في الكلام شيء على فعيل على غير هذا الوجه، فكذلك نحو: شيوخ وجيوب. يستجاز فيه ما ذكرنا للتقريب والتوفيق بين الجمعين. ومما يدل على جواز ذلك أنك تقول في تحقير فلس: فليس، ولا يكسر أحد الفاء في هذا النحو، فإذا كانت العين ياء، كسروا الفاء [فقالوا: عيينة وبييت، فكسروا الفاء هاهنا] لتقريبه من الياء، ككسر الفاء من فعول وذلك مما قد حكاه سيبويه، فكما كسرت الفاء من عيينة ونحوه، وإن لم يكن في أبنية التحقير، على هذا الوزن لتقريب الحركة ممّا بعدها، كذلك كسروا الفاء من (جيوب) ونحوها.
ومما يقوي هذا الكسر في الفاء إذا كان العين ياء للإتباع، أنّه قد جاء في الجموع ما لزمته الكسرة في الفاء، ولم نعلم أحداً ممّن يسكن إلى روايته حكى فيه غير ذلك، وذلك قولهم في جمع قوس: قسيّ؛ فلولا أن الكسر في هذا الباب قد تمكّن ما كان الحرف ليجيء على الكسر خاصة، ولا يستعمل فيه غيره، فإذا نسبت إلى قسي- اسم رجل- قلت: قسويّ، فرددت الضمّة التي هي الأصل، وقياس من
[الحجة للقراء السبعة: 2/283]
قال: صعقيّ أن يقول: قسويّ، فيقرّ الكسرة، وإن كانت الكسرة في العين التي لها كسرت الفاء قد زالت كما زالت من صعقيّ. ويدلك على ذلك أيضاً ما أنشده أبو زيد:
يأكل أزمان الهزال والسني وقول أبي النجم:
جاءت تناجيني ابنة العجليّ في ساعة مكروهة النّجيّ يكفيك ما موّت في السّنيّ فالأول فعول أيضاً، وإنما حذفت للقافية، ويدلك على أنه فعول التشديد الذي في بيت أبي النجم، ولم نعلم الضمّ سمع في ذلك أيضاً). [الحجة للقراء السبعة: 2/284]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها}
قرأ نافع في رواية إسماعيل وورش وابو عمرو وحفص {وأتوا البيوت} بضم الباء على أصل الجمع تقول بيت وبيوت مثل قلب وقلوب وفلس وفلوس وقرأ الباقون {البيوت} بكسر الباء وحجتهم في ذلك أنهم استثقلوا الضمة في الباء وبعدها ياء مضمومة فيجتمع في الكلمة ضمتان بعدها واو ساكنة فتصير بمنزلة ثلاثة ضمات وهذا من أثقل الكلام فكسروا الباء لثقل الضمات ولقرب الكسر من الياء وكذلك الكلام في {الغيوب} و{جيوبهنّ} و{شيوخًا} ). [حجة القراءات: 127]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (117- قوله: «البيوت، والغيوب، والجيوب، الشيوخ، والعيون» قرأ ذلك ورش وحفص وأبو عمرو بالضم في أوائلها، وقرأ قالون وهشام بكسر الباء من «البيوت»، وضم باقيها، وقرأ حمزة بالكسر في أوائلها كلها، ومثله أبو بكر غير أنه ضم الجيم من «الجيوب» وحدها، وقرأ ابن كثير وابن ذكوان والكسائي بضم الغين من «الغيوب» وكسر باقيها.
118- ووجه القراءة فيهن بالضم أنه أتى بهن على الأصل، ولم يسأل عن الياء وضمها، وباب «فعل» في الجمع الكثير «فعول»، ولما كان هذا النوع لا يجوز فيه إلا الضم إذا لم يكن الثاني ياء نحو: «كعوب، ودهور» أجرى ما ثانيه ياء على ذلك؛ لأنه أصله، ولئلا يختلف.
119- ووجه القراءة بالكسر أن الكسرة مع الياء أخف من الضمة معها، فاستثقل ضمة بعدها ياء مضمومة، والضمة مع ياء ثقيلة، فاجتمع حركتان ثقيلتان، وحرف ثقيل عليه حركة ثقيلة في جمع، والجمع ثقيل، فكسر الأول لخفته مع الياء، ولتقرب الحركة من الحرف الذي بعدها، فقد قالوا: شهد، ولعب، فكسروا الأول لكسر الثاني، وهو من حروف الحلق للتقريب، وقالوه أيضًا في الاسم فقالوا: سعيد ورغيف وشهيد، فكسروا الأول للثاني، إذ هو حرف حلق للتقريب من حركته، كذلك كسروا أوائل هذه الجموع للتقريب من الثاني، وقوي ذلك فيه، وليس بحرف حلق، لأنه جمع، ولأنه حرف ثقيل عليه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/284]
حركة ثقيلة، والكسر للإتباع كثير في الكلام، قالوا: قسي، وعصي، وعتي، وصلي، وبكي، وهو كثير، فأما من ضم بعضًا وكسر بعضًا فإنه جمع بين لغتين، مع روايته ذلك عن أئمته، والضم هو الاختيار؛ لأنه الأصل، ولأن الكسر تغيير عن الأصل، والضم هو اختيار أبي حاتم، قال أبو حاتم: لا يجوز غير الضم ولا يُكسر الأول للياء؛ لأن الياء متحركة مضمومة، وليس في الكلام «فعيل» فكيف تروم ما لا يكون في الكلام، قال أبو محمد: الكسر لغة مشهورة في هذا الجمع، والكسرة عارضة، فلا يُعتد بوزنه، والضم هو الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/285]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (66- {البِيُوتَ} [آية/ 189] و{الغِيُوب} و{الشِيُوخ} و{العِيُون} و{الجِيُوب}:-
قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي بالكسر في كلهن إلا في {الغُيُوب} فإنهم ضم الغين فيه وحده، وقرأ أبو عمرو وش- و- يل- عن نافع و- ص- عن عاصم ويعقوب بالضم في الجميع، وقرأ ن- عن نافع بالكسر في {البِيُوت} وضم الباقي، وروى ياش- عن عاصم بالضم في {الجُيُوب} والكسر في الباقي، وقرأ حمزة بالكسر في الجميع.
أما من ضم، فإنه أجرى الكلمة على الأصل؛ لأن هذه الكلم صيغ جمع على فعول، فالأصل فيها أن ينضم الفاء.
وأما من كسر فإنه لما جاورت فاء الفعل الياء، كره الياء بعد الضمة كما
[الموضح: 318]
يكره الكسرة بعد الضمة؛ لأن الياء أخت الكسرة، فأبدل من الضمة كسرة ليكون أشد موافقةً للياء من الضمة، ألا ترى أنهم أبدلوا الضمة كسرةً في بيض وعين، لمكان الياء). [الموضح: 319]

قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)}

قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام... (191).
قرأ حمزة والكسائي: (لا تقتلوهم... حتى يقتلوكم... فإن قتلوكم) بغير ألف.
وقرأ الباقون فيهن بالألف.
قال أبو منصور: من قرأ: (لا تقتلوهم) فالمعنى: لا تبدأوهم بقتل حتى يبدأوكم به، وجاز ولا تقتلوهم وإن وقع القتل ببعضٍ دون بعض، لأن العرب
[معاني القراءات وعللها: 1/195]
تقول: قتلنا القوم، وإنما قتلوا بعضهم،ومن قرأ: (ولا تقاتلوهم) فإنهم نهوا عن قصدهم بالقتال حتى يكون الابتداء منهم، والقتال من اثنين، والقتل من الواحد.
وأجازت العرب قاتله الله بمعنى: لعنه الله.
وقيل في قوله: (قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون)، أي: قتلهم الله). [معاني القراءات وعللها: 1/196]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في إثبات الألف وطرحها من قوله عزّ وجلّ: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم [البقرة/ 191].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم كلّها بالألف.
[الحجة للقراء السبعة: 2/284]
وقرأ حمزة والكسائيّ: ولا تقتلوهم بغير ألف، فيهنّ كلّهنّ، ولم يختلفوا في قوله: فاقتلوهم أنها بغير ألف.
قال أبو علي: حجة من قرأ: ولا تقاتلوهم في هذه المواضع اتفاقهم في قوله تعالى: وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ [البقرة/ 193] والفتنة يراد بها الكفر، أي: قاتلوهم حتى لا يكون كفر لمكان قتالكم إياهم.
وحجة من قرأ: ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فيه أنهم لم يختلفوا في قوله: فاقتلوهم فكل واحد من الفريقين يستدل على ما اختار بالموضع المتفق عليه.
ويقوي قول من قال: فاقتلوهم، قوله تعالى:
والفتنة أشدّ من القتل [البقرة/ 191] والقتل: مصدر قتلته، دون قاتلته أي: الكفر أشدّ من القتل، فاقتلوهم، فأمر بالقتل ليزاح به الكفر.
ويمكن أن يرجّح [قراءة من قرأ: ولا تقاتلوهم من أنه على قراءة من قرأ: فاقتلوهم بأنّ قوله فاقتلوهم وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ نص على الأمر بالقتال.
وقوله: والفتنة أشدّ من القتل في فحواه دلالة على الفعل، فيقول: الأخذ بما علم بالنص أولى ممّا علم من
[الحجة للقراء السبعة: 2/285]
الفحوى، إذا كانا في أمر واحد. وقوله حتّى يقاتلوكم فيه [البقرة/ 191]. أي: حتى يقتلوا بعضكم؛ فإن قتلوكم فاقتلوهم، أي: إن قتلوا بعضكم في الحرم فاقتلوا في الحرم القاتل في الحرم.
ومثل ذلك قوله تعالى: فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه [آل عمران/ 176] أي: ما وهن الباقون منهم لما أصابهم في سبيل الله). [الحجة للقراء السبعة: 2/286]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم}
قرأ حمزة والكسائيّ (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قتلوكم) بغير ألف
[حجة القراءات: 127]
وقرأ الباقون {ولا تقاتلوهم} بالألف أي لا تحاربوهم حتّى يحاربوكم فإن حاربوكم فاقتلوهم وحجتهم قوله {وقاتلوا في سبيل الله الّذين يقاتلونكم} {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة} وحجّة أخرى وهي أن القتال إنّما يؤمر به الأحياء فأما المقتولون فإنّهم لا يقاتلون فيؤمروا به وإذا قرئ {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه} كان ظاهره أمرا للمقتول بقتل القاتلين وذلك محال إذا حمل على ظاهره وحجّة من قرأ بغير ألف أن وصف المؤمنين بالقتل في سبيل الله أبلغ في المدح والثناء عليهم وأن معنى ذلك ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقتلوا بعضكم فإن قتلوا بعضكم فاقتلوهم وحكى الفراء عن العرب أنهم يقولون قتلنا بني فلان وإنّما قتلوا بعضهم وحجّة أخرى جاء في التّفسير أن المعنى فيه ولا تبدؤوهم بالقتل حتّى يبدؤوكم به فإن بدؤوكم بالقتل فاقتلوهم). [حجة القراءات: 128]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (120- قوله: {ولا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم فإن قاتلوكم} قرأه حمزة والكسائي الثلاثة بغير ألف، وقرأ ذلك الباقون بألف.
121- ووجه القراءة بالألف أنه جعل من القتال؛ لإجماعهم على قوله: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} «البقرة 193» فهذا نص على الأمل بالقتل، وبالألف قرأ الحسن وأبو عبد الرحمن وشيبة وحميد وغيرهم.
122- ووجه القراءة بغير ألف أنه جعله من القتل؛ لإجماعهم على قوله عقيب ذلك: {فاقتلوهم} وقوله: {والفتنة أشد من القتل}، والقراءتان متداخلتان حسنتان، لأن من قاتل قتل، ومن قتل فبعد قتال قتل، ومعنى {حتى يقاتلوكم فإن قاتلوكم} أي: يقتلون بعضكم فإن قتلوا بعضكم، والاختيار القراءة بالألف؛ لأن عليه الجماعة، وعليه قراءة العامة، وهو اختيار أبي حاتم وغيره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/285]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (67- {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ} [آية/ 191]:-
بغير ألف فيهن قرأها حمزة والكسائي.
وذلك لأنه لا خلاف بينهم في قوله تعالى {فاقْتُلُوهم}، فاستدلا على المختلف فيه بالمتفق عليه، فلما كان في هذا {فاقْتُلُوهُمْ} اختارا أيضًا في الأول {وَلا تَقْتُلُوهُمْ} و{حَتَّى يَقْتُلُوكُمْ}.
وقرأ الباقون {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ} {حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ} {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ}.
لأنه تعالى يقول فيما بعد {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي حتى لا يكون كفر لأجل قتالكم إياهم، فهذا يؤيد قراءة {قَاتِلُوهُمْ} بالألف، وفيه أيضًا الاستدلال بالمتفق عليه على المختلف فيه). [الموضح: 319]

قوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)}

قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)}

قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 07:15 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (195) إلى الآية (196) ]

{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)}

قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}

قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 07:17 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (197) إلى الآية (199) ]

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)}

قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ... (197).
قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو ويعقوب: (فلا رفثٌ ولا فسوقٌ) رفعًا بالتنوين.
وقرأ الباقون نصبا غير منون، على التبرئة، واتفقوا كلهم على نصب اللام من قوله: (ولا جدال في الحجّ).
قال أبو منصور: من قرأ (فلا رفثٌ ولا فسوقٌ) فرفعهما بقوله في الحج، وإنما يحسن الرفع إذا نسق عليه، وإن لم ينسق عليه بـ (لا) فالاختيار النصب بلا تنوين، كقوله جلّ وعزّ: (لا ريب فيه) على التبرئة، ومعنى (ولا جدال في الحجّ)، أي: لا شك أن الحج في ذي الحجة.
[معاني القراءات وعللها: 1/196]
وقرأ الباقون: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال) بالنصب في جميعها على التبرئة، ولو قرئ: (ولا جدالٌ) بالرفع والتنوين كان ذلك جائزا في كلام العرب، فأما في القرآن فلا يجوز؛ لأن القراءة سنة، ولم يقرأ بها أحد من القراء). [معاني القراءات وعللها: 1/197]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد: اتفقوا في فتح الحاء من قوله عزّ وجل: الحجّ في سورة البقرة واختلفوا في آل عمران، وأنا أذكره إذا مررت به.
قال أبو علي: يريد في قوله تعالى: الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ [الآية/ 197]. والحجّ مصدر لقولهم: حجّ البيت أي: قصده، ومثل الحجّ قولهم: شدّ شداً، وردّ ردّاً، وعدّ عدّاً.
قال سيبويه: قالوا: حجّ حجّا- كقولهم: ذكر ذكراً.
قال: وقالوا: حجّة- يريدون: عمل سنة، كما قالوا:
غزاة: يريدون عمل وجه واحد. فلو قرئ: الحجّ على ما حكاه سيبويه لم يمتنع في القياس.
[الحجة للقراء السبعة: 2/278]
وقولهم:- حجّ- وهم يريدون جمع الحاجّ، يمكن أن يكونوا سمّوا بالمصدر الذي هو كالذّكر تقديره: ذوو حجّ وأنشد أبو زيد:
أصوات حجّ من عمان غادي وقال:
وكأنّ عافية النّسور عليهم... حجّ بأسفل ذي المجاز نزول
ومعنى قوله تعالى: الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ تقديره:
أشهر الحج أشهر معلومات، فحذف المضاف أو يكون:
الحجّ حجّ أشهر معلومات، فحذف المصدر المضاف إلى الأشهر، وعلى هذا:
يا سارق الليلة أهل الدار أو يكون جعل الأشهر الحجّ، لمّا كان الحجّ فيها، كقولهم: ليل نائم؛ فجعل الليل النائم لمّا كان النوم فيه.
[الحجة للقراء السبعة: 2/279]
وأشهر الحج: شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة، فسمّى الشهرين وبعض الثالث أشهراً، لأن الاثنين قد يوقع عليه لفظ الجمع، كما يوقع عليه لفظ الجمع في نحو قولهم:
ظهراهما مثل ظهور التّرسين ولا يجوز على هذا القياس أن يوقع على الاثنين.
وبعض الثالث قروءٍ في قوله: ثلاثة قروءٍ [البقرة/ 228] لأنّ هذا محصور بالعدد، فلا يكون الاثنان وبعض الثالث ثلاثة). [الحجة للقراء السبعة: 2/280]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضم الثّاء والقاف والتنوين ونصبهما بغير تنوين في قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق [البقرة/ 197].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فلا رفث ولا فسوق بالضم فيهما والتنوين.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: فلا رفث ولا فسوق فيهما بغير تنوين، ولم يختلفوا في نصب اللام من جدال.
قال أبو علي: روي عن طاوس قال: سألت ابن عباس عن قوله: فلا رفث ولا فسوق قال: الرفث المذكور ليس الرفث المذكور في قوله: أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم [البقرة/ 187]، ومن الرفث التعريض بذكر
[الحجة للقراء السبعة: 2/286]
الجماع، وهي الإعرابة في كلام العرب.
وروي عنه وعن ابن مسعود وابن عمر والحسن وغيرهم:
الرّفث: الجماع.
وأما الفسوق فعن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وإبراهيم وعطاء: الفسوق: المعاصي، قال: في المعاصي كلّها.
وإن تفعلوا فإنّه فسوقٌ بكم [البقرة/ 282].
ابن زيد: هو الذبح، وقرأ: أو فسقاً أهلّ لغير اللّه به [الأنعام/ 145]. قال الضحاك: الفسوق: التنابز بالألقاب.
قال أبو علي: كأنه ذهب إلى قوله: بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان [الحجرات/ 11].
وقال أبو عبيدة فيما روى عنه التّوّزيّ: فلا رفث أي:
لا لغا من الكلام، واللّغا: التكلّم بما لا ينبغي، قال العجّاج:
عن اللّغا ورفث التكلّم تقول: لغيت تلغى، مثل: لقيت، تلقي، وقال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/287]
ولا جدال في الحجّ [البقرة/ 197] أي: لا شكّ فيه أنه لازم في ذي الحجّة، وقالوا: من المجادلة.
وقال أبو عبيدة: الرّفث إلى نسائكم: الإفضاء إلى نسائكم.
قال أبو علي: قد وافق قول أبي عبيدة ما روي عن ابن عباس، لأن ابن عباس جعل الرّفث المذكور، فيما روى عطاء عنه في قوله: فلا رفث ولا فسوق [البقرة/ 197] أنه غير الرّفث المذكور في قوله: أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم فقال في قوله: فلا رفث ولا فسوق من الرّفث:
التعريض بذكر الجماع.
وينبغي أن يكون مراده بذكر الجماع مع النساء، ويؤكد ذلك قوله: التعريض بذكر النساء، والتعريض يقتضي معرّضاً له. وإنما تأوّلناه على مراجعة النساء الحديث بذكر
الجماع، دون اللفظ به من غير مراجعتهنّ، لأنه قد روي عن ابن عباس أنه كان يطوف بالبيت وينشد:
وهنّ يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا فقيل له: أترفث؟ فقال: ليس هذا برفث، إنما الرفث مراجعة النساء الحديث بذكر الجماع. قال يعقوب فيما أخبرنا
[الحجة للقراء السبعة: 2/288]
به محمد بن السري قال يزيد بن هارون: لميساً يعني: فرجاً، وليس بامرأة بعينها. وقد وافق قول أبي عبيدة قول ابن عباس، لأنه فسّر الرفث في قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق: ما لا ينبغي أن يتكلم به، وفسر الرفث في قوله جل وعز: الرّفث إلى نسائكم [البقرة/ 187]: الإفضاء إلى نسائكم. قال أبو الحسن: وألحق إلى في قوله عز وجل: الرّفث إلى نسائكم لما كان الرفث بمعنى الإفضاء.
وأما قوله: ولا جدال في الحجّ [البقرة/ 197] فيحتمل ضربين قد أشار إليهما أبو عبيدة، أحدهما: أنه لا شك في أن فرض الحج قد تقرر في ذي الحجة، وبطل ما كان يفعله النّسأة من تأخير الشهور، وفيهم نزل: إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر [التوبة/ 37] والآخر: لا جدال: لا تجادل صاحبك ولا تماره.
فأما قوله جلّ اسمه: في الحجّ فلا يخلو (لا) من أن تقدّره بمعنى ليس، كما قال:
لا مستصرخ و: لا براح أو تقدرها غير معملة عمل ليس، وإنما يرتفع الاسم بعدها بالابتداء، فمن قدر ارتفاع الاسم بعدها بالابتداء جاز في قول سيبويه: أن يكون في الحج خبراً عن الأسماء الثلاثة، لاتفاق الأسماء في ارتفاعها بالابتداء.
[الحجة للقراء السبعة: 2/289]
وأما قوله: فلا رفث ولا فسوق فبيّن.
وأما قوله: ولا جدال [البقرة/ 197] فإن لا مع جدال في موضع رفع، فقد اتفقت الأسماء في ارتفاعها بالابتداء، فلا يمنع من أن يكون قوله: في الحجّ خبرا عنها، ولا يجوز ذلك في قول أبي الحسن، لأنه يرى ارتفاع الخبر بعد لا، بلا النافية دون خبر الابتداء. ولو قدر مقدر في قوله: فلا رفث ولا فسوق، الاسم مرتفعاً بلا، كما يرتفع بليس؛ لم يجز في واحد من القولين أن يكون في الحجّ في موضع الخبر، لأن الخبر ينتصب بلا كما ينتصب بليس، وخبر لا جدال في موضع رفع بأنه خبر الابتداء، وفي قول أبي الحسن في موضع نصب بلا، فلا يجوز أن يكون خبراً عن الأسماء الثلاثة لوجود عمل عاملين مختلفين في مفعول واحد.
ولو رفع رافع: ولا جدال، ونوّن؛ لجاز أن يكون قوله: في الحجّ خبراً عن الأسماء الثلاثة. فإن رفع: فلا رفث ولا فسوق، بلا التي في معنى ليس، أضمر لها خبراً، ولم يجز أن يكون قوله: في الحجّ خبراً عنها، ولكنه يجوز أن يكون خبراً عن:
لا جدال ويجوز أن يكون صفة للجدال، فإذا جعلته صفة أضمرت لقولك: لا جدال في الحجّ خبراً، ولا يجوز أن يكون في الحجّ متعلقاً بالجدال على قول الخليل، وسيبويه.
ويجوز في قول البغداديين أن يكون متعلقاً بالجدال، وإن كانت لا النافية قد علمت فيه. ولو رفع الجدال ونوّن لجاز أن يكون في الحجّ متعلقاً بالجدال، لأن الجدال يبدل بهذا الحرف
[الحجة للقراء السبعة: 2/290]
الجار، قال تعالى: أتجادلونني في أسماءٍ سمّيتموها [الأعراف/ 71].
وحجة من فتح فقال: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال أن يقول: إنه أشد مطابقة للمعنى المقصود، ألا ترى أنه إذا فتح فقد نفى جميع الرفث والفسوق، كما أنه إذا قال: لا ريب فيه [البقرة/ 2] فقد نفى جميع هذا الجنس، فإذا رفع ونوّن فكأن النفي لواحد منه، ألا ترى أن سيبويه يرى: أنه إذا قال:
لا غلام عندك ولا جارية، فهو جواب من سأل فقال: أغلام عندك أم جارية؟ والفتح أولى، لأن النفي قد عم، والمعنى عليه، ألا ترى أنه لم يرخّص في ضرب من الرفث والفسوق كما لم يرخّص في ضرب من الجدال، وقد اتفق الجميع على فتح اللام من الجدال، ليتناول النفي جميع جنسه، فيجب أن يكون ما قبله من الاسمين على لفظه إذ كان في حكمه.
وحجة من رفع: أنه يعلم من الفحوى أنه ليس المنفيّ رفثا واحداً، ولكنه جميع ضروبه، وقد يكون اللفظ واحداً، والمعنى المراد به جميع، قال:
فقتلًا بتقتيل وضرباً بضربكم... جزاء العطاس لا ينام من اتّأر
[الحجة للقراء السبعة: 2/291]
ومن حجته: أن هذا الكلام نفي، والنفي قد يقع فيه الواحد موقع الجميع، وإن لم يبن فيه الاسم مع لا النافية نحو: ما رجل في الدار). [الحجة للقراء السبعة: 2/292]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهنّ الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {فلا رفث ولا فسوق} رفع منون {ولا جدال} نصبا قال أبو عبيد وإنّما افترقت الحروف عندهم لأنهم جعلوا قوله {فلا رفث ولا فسوق} بمعنى النّهي أي لا يكون
[حجة القراءات: 128]
فيه ذاك وتأولوا في قوله {ولا جدال} أنه لا شكّ في الحج ولا اختلاف فيه أنه في ذي الحجّة
وقرأ الباقون جميع ذلك بالنّصب وحجتهم قول ابن عبّاس {ولا جدال في الحج} قال لا تمار صاحبك حتّى تغضبه فلم يذهب بها ابن عبّاس ذلك المذهب ولكنه جعله نهيا كالحرفين الأوّلين وأن حرف النّهي دخل في الثّلاثة وحجّة من فتح أن يقول إنّه أبلغ للمعنى المقصود ألا ترى أنه إذا فتح فقد نفى جميع الرّفث والفسوق كما أنه إذا قال لا ريب فيه فقد نفى جميع هذا الجنس وإذا رفع ونون فكأن النّفي لواحد منه فالفتح أولى لأن النّفي به أعم والمعنى عليه لأنّه لم يرخص في ضرب من الرّفث والفسوق كما لم يرخص في ضرب من الجدال فالفتح جواب قائل هل من رفث هل من فسوق ف من يدخله للعموم ولا أيضا تدخل لنفي العموم وإذا قلت هل من رجل في الدّار فجوابه لا رجل في الدّار
وحجّة من رفع أنه يعلم من الفحوى أنه ليس النّفي وقتا واحدًا ولكنه بجميع ضروبه وقد يكون اللّفظ واحدًا والمراد جميعًا). [حجة القراءات: 129]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (133- قوله: {فلا رفث ولا فسوق} قرأهما ابن كثير وأبو عمرو بالتنوين والرفع، وقرأ الباقون بالفتح من غير تنوين.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/285]
124- ووجه القراءة بالرفع والتنوين أن «لا» بمعنى «ليس» فارتفع الاسم بعدها؛ لأنه اسمها، والخبر محذوف، تقديره: فليس رفث ولا فسوق في الحج، ودل عليه {في الحج} الثاني الظاهر، وهو خبر، {ولا جدال} ويجوز أن ترفع {رفث وفسوق} بالابتداء، و«لا» للنفي، فالخبر محذوف أيضًا، ولا يحسن أن يكون {في الحج} الظاهر خبرًا عن الأسماء الثلاثة، لأن خبر «ليس» منصوب، وخبر «جدال» مرفوع؛ لأن {ولا جدال} اسم واحد في موضع رفع بالابتداء، ولا يعمل عاملان في اسم واحد، ولو رفع {ولا جدال} ونون مثل ما قبله لكان {في الحج} الظاهر خبرًا عن الثلاثة الأسماء؛ لأن الأسماء الثلاثة، كل واحد مع «لا» في موضع رفع بالابتداء والعطف، ومنعه الأخفش لأنه يرى ارتفاع الخبر بعد «لا» الثانية، وبالرفع قرأ مجاهد وابن محيصن.
125- ووجه القراءة بالفتح، من غير تنوين، أنه أتى بـ «لا» للنفي، لتدل على النفي العام، فنفى جميع الرفث وجميع الفسوق كما تقول: لا رجل في الدار، فتنفي جميع الرجال، ولا يكون ذلك إذا رفع ما بعد «لا» لأنها تصير «لا» بمعنى «ليس»، ولا تنفي إلا الواحد، والمقصود في الآية نفي جميع الرفث والفسوق، فكان الفتح أولى به لتضمنه لعموم الرفث كله، والفسوق كله، لأنه لم يرخص في ضرب من الرفث ولا في ضرب من الفسوق، كما لم يرخص في ضرب من الجدال، ولا يدل على هذا المعنى إلا الفتح، لأنه للنفي العام، وإجماع القراء على فتح «ولا جدال» يقوي فتح ما قبله، ليكون الكلام على نظام واحد، في عموم المنفي كله، في الأسماء الثلاثة في موضع رفع، كل واحد مع «لا» وقوله «في الحج» خبر عن جميعها، والفتح وجه القراءة لعمومه، ولإجماع أكثر القراء عليه، ولاتفاق أول الكلام مع آخره، وبه قرأ الأعرج وشيبة والأعمش وأبو رجاء والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/286]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (68- {فَلاَ رَفَثٌ وَلاَ فُسُوقٌ} [آية/ 197]:-
بالرفع والتنوين فيهما، قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
ووجه ذلك أنهما مرفوعان بالابتداء، وقوله {فِي الحَجِّ} خبر عنهما، وقوله {وَلا جِدَالَ} وإن كان مفتوحًا، فإن {لا} مع {جدال} في موضع رفع أيضًا بالابتداء، فقد وافقهما في كونه مرتفعًا بالابتداء، فجاز أن يكون {فِي الحَجِّ} خبرًا عن الكل.
وقرأ الباقون {فلا رَفَثَ وَلا فُسُوق} بالفتح بغير تنوين.
ووجهه أن ذلك نفي جميع الرفث والفسوق؛ لأن النفي عام، فهو ينفي الجنس، وهذا أولى، لعموم النفي لأنواع الرفث والفسوق.
وأما {جدال} فإنه مفتوح بلا تنوين على الاتفاق، وذكر بعض أهل المعاني أنه إنما لم يأت فيه إلا الفتح؛ لأن معناه: لا شك في الحج ولا اختلاف أنه في ذي الحجة، فهو إخبار، ولا يقع خلاف ذلك، فالنفي عام لا محالة، أما الرفث والفسوق فإن نفيهما هنا نفي إخبارٍ يراد به النهي، فقد يقع عند المعصية خلافه، فلهذا وقع النفي فيهما عامًا وغير عام). [الموضح: 320]

قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)}

قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة سعيد بن جبير: [ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسِي] يعني: آدم -عليه السلام- لقوله تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}.
قال أبو الفتح: في هذه القراءة دلالة على فساد قول مَن قال: إن لام التعريف إنما تدخل الأعلام للمدح والتعظيم، وذلك تحو: العباس، والمظفر، وما جرى مجراهما. ووجه الدلالة من ذلك: أن قوله [الناسي] إنما يُعنى به آدم -عليه السلام- فصارت صفة غالبة كالنابغة والصَّعِق، وكذلك الحارث والعباس والحسن والحسين، هي وإن كانت أعلامًا فإنها تجري مجرى الصفات؛ ولذلك قال الخليل: إنهم جعلوه الشيء بعينه؛ أي: الذي حرَث وعَبَسَ، فمحمول هذا أن في هذه الأسماء الأعلام التي أصلها الصفات معاني الأفعال؛ ولذلك لحقتها لام المعرفة كما تعرف الصفات، وإذا كان فيها معاني الأفعال، وكانت الأفعال كما تكون مدحًا فكذلك ما تكون ذمًّا، فهي تحقق في العلم معنى الصفة، مدحًا كانت الصفة أو ذمًّا.
فالمدح ما ذكرناه من نحو: الحارث والمظفر والحسين والحسن، والذم ما جاء في نحو قولهم: فلان بن الصَّعِق؛ لأن ذلك داء ناله، فهي بلوى، وأن يكون ذمًّا أولى من أن يكون مدحًا، ألا ترى أن المدح ليس من مَقَاوم ذكر الأمراض والبلاوي، وإنما يقال فيه: إنه كالأسد، وإنه كالسيف؟ ومنه عمرو بن الحمِق، فهذا ذم له لا مدح، وعلى أنهم قد قالوا في الحمق: إنه الصغير اللحية، والمعنى الآخر أشيع فيه، ألا ترى إلى قوله:
فأما كيس فنجا ولكن ... عسى يغتر بي حَمِق لئيم؟
ومنه قولهم: فلان بن الثعلب، فدخلته اللام، هو علم لما فيه من معنى الخِبِّ والْخُبث،
[المحتسب: 1/119]
وذلك عيب فيه لا ثناء عليه، والباب فيه فاشٍ واسع؛ فقد صح إذن أن ما جاء من الأعلام وفيه لام التعريف فإنما ذلك لما فيه من معنى الفعل والوصفية، ثناء عليه كان ذلك أو ذمًّا له، وإنما دعا الكُتَّاب ونحوهم إلى أن قالوا: إن دخول اللام هنا إنما هو لمعنى المدح أن كان أكثره كذلك؛ لأنه إنما العرف فيه أن يسمى من الأسماء الحاملة لمعاني الأفعال مما كان فيه معنى المدح، لا أن هذا مقصور على المدح دون الذم عندنا لما ذكرنا). [المحتسب: 1/120]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة