تفسير قوله تعالى: (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {بل قالوا أضغاث أحلامٍ بل افتراه بل هو شاعرٌ فليأتنا بآيةٍ كما أرسل الأوّلون}.
يقول تعالى ذكره: ما صدّقوا بحكمة هذا القرآن، ولا أنّه من عند اللّه، ولا أقرّوا بأنّه وحي أوحاه اللّه إلى محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، بل قال بعضهم: هو أهاويل رؤيا رآها في النّوم، وقال بعضهم: هو فريةٌ واختلاقٌ افتراه، واختلقه من قبل نفسه، وقال بعضهم: بل محمّدٌ شاعرٌ، وهذا الّذي جاءكم به شعرٌ. {فليأتنا} يقول: قالوا: فليجئنا محمّدٌ إن كان صادقًا في قوله: إنّ اللّه بعثه رسولاً إلينا، وإنّ هذا الّذي يتلوه علينا وحي من اللّه أوحاه إلينا {بآيةٍ} يقول: بحجّةٍ، ودلالةٍ على حقيقة ما يقول ويدّعي، {كما أرسل الأوّلون} يقول: كما جاءت به الرّسل الأوّلون من قبله من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه، والأبرص، وكناقة صالحٍ، وما أشبه ذلك من المعجزات الّتي لا يقدر عليها إلاّ اللّه، ولا يأتي بها إلاّ الأنبياء والرّسل.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {أضغاث أحلامٍ} أي فعل حالمٍ، إنّما هي رؤيا رآها. {بل افتراه بل هو شاعرٌ} كلّ هذا قد كان منهم.
وقوله {فليأتنا بآيةٍ كما أرسل الأوّلون} يقول: كما جاء عيسى بالبيّنات، وموسى بالبيّنات، والرّسل.
- حدّثني عليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أضغاث أحلامٍ} قال: مشتبهةٌ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {أضغاث أحلامٍ} قال: أهاويلها.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقال تعالى ذكره: {بل قالوا} ولا جحد في الكلام ظاهرٌ فيحقّق بـ " بل، لأنّ الخبر عن أهل الجحود والتّكذيب، فاجتزيء بمعرفة السّامعين بما دلّ عليه قوله {بل} من ذكر الخبر عنهم على ما قد بيّنّا). [جامع البيان: 16/225-226]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أضغاث أحلام يعني أهاويلها). [تفسير مجاهد: 407]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وأسروا النجوى} قال: أسروا نجواهم بينهم {هل هذا إلا بشر مثلكم} يعنون محمد صلى الله عليه وسلم {أفتأتون السحر} يقولون: إن متابعة محمد صلى الله عليه وسلم متابعة السحر، وفي قوله: {قال ربي يعلم القول} قال: الغيب وفي قوله: {بل قالوا أضغاث أحلام} قال: أباطيل أحلام). [الدر المنثور: 10/270-271] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {بل قالوا أضغاث أحلام} أي فعل الأحلام إنما هي رؤيا رآها {بل افتراه بل هو شاعر} كل هذا قد كان منه {فليأتنا بآية كما أرسل الأولون} كما جاء موسى وعيسى بالبينات والرسل {ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها} أي أن الرسل كانوا إذا جاؤوا قومهم بالآيات فلم يؤمنوا لم ينظروا). [الدر المنثور: 10/271]
تفسير قوله تعالى: (مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما آمنت قبلهم من قريةٍ أهلكناها أفهم يؤمنون}.
يقول تعالى ذكره: ما آمن من قبل هؤلاء المكذّبين محمّدًا من مشركي قومه الّذين قالوا: فليأتنا محمّدٌ بآيةٍ كما جاءت به الرّسل قبله من أهل قريةٍ عذّبناهم بالهلاك في الدّنيا، إذ جاءهم رسولنا إليهم بآيةٍ معجزةٍ. {أفهم يؤمنون} يقول: أفهؤلاء المكذّبون محمّدًا السّائلوه الآية يؤمنون به إن جاءتهم آيةٌ ولم تؤمن قبلهم أسلافهم من الأمم الخالية الّتي أهلكناها برسلها مع مجيئها؟
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: أهلكناها أفهم يؤمنون يصدّقون بذلك.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ما آمنت قبلهم من قريةٍ أهلكناها أفهم يؤمنون} أي أن الرّسل كانوا إذا جاءوا قومهم بالبيّنات فلم يؤمنوا ولم ينظروا). [جامع البيان: 16/227]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون يقول أفهم يصدقون). [تفسير مجاهد: 407]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {بل قالوا أضغاث أحلام} أي فعل الأحلام إنما هي رؤيا رآها {بل افتراه بل هو شاعر} كل هذا قد كان منه {فليأتنا بآية كما أرسل الأولون} كما جاء موسى وعيسى بالبينات والرسل {ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها} أي أن الرسل كانوا إذا جاؤوا قومهم بالآيات فلم يؤمنوا لم ينظروا). [الدر المنثور: 10/271] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: قال أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كان ما تقول حقا ويسرك أن نؤمن فحول لنا الصفا ذهبا، فأتاه جبريل فقال: إن شئت كان الذي سألك قومك ولكنه إن كان ثم لم يؤمنوا لم ينظروا وإن شئت استأنيت بقومك، قال: بل أستأني بقومي، فأنزل الله {ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون} ). [الدر المنثور: 10/271-272]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {أفهم يؤمنون} قال: يصدقون بذلك). [الدر المنثور: 10/272]
تفسير قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الكلبي في قوله تعالى فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون قال يعني أهل التوراة يقول سلوهم هل جاءهم إلا رجال يوحى إليهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/22]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] {فسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون} قال: أهل التوراة والإنجيل ومن كان يعلم [الآية: 7]). [تفسير الثوري: 199]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما أرسلنا قبلك إلاّ رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه: وما أرسلنا يا محمّد قبلك رسولاً إلى أمّةٍ من الأمم الّتي خلت قبل أمّتك إلاّ رجالاً مثلهم، نوحي إليهم ما نريد أن نوحيه إليهم من أمرنا ونهينا، لا ملائكةً، فماذا أنكروا من إرسالنا لك إليهم، وأنت رجلٌ كسائر الرّسل الّذين قبلك إلى أممهم؟
وقوله: {فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون} يقول للقائلين لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في تناجيهم بينهم: {هل هذا إلاّ بشرٌ مثلكم} فإن أنكرتم وجهلتم أمر الرّسل الّذين كانوا من قبل محمّدٍ، فلم تعلموا أيّها القوم أمرهم إنسًا كانوا أم ملائكةً، فاسألوا أهل الكتب من التّوراة والإنجيل ما كانوا؟ يخبروكم عنهم، كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون} يقول: " فاسألوا أهل التّوراة والإنجيل " قال أبو جعفرٍ: أراه أنا قال: يخبروكم أنّ الرّسل كانوا رجالاً يأكلون الطّعام، ويمشون في الأسواق.
وقيل: أهل الذّكر: أهل القرآن.
ذكر من قال ذلك
- حدّثني أحمد بن محمّدٍ الطّوسيّ، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن صالحٍ قال: حدّثني موسى بن عثمان، عن جابرٍ الجعفيّ، قال: لمّا نزلت: {فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون} قال عليٌّ: نحن أهل الذّكر.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون} قال: أهل القرآن، والذّكر: القرآن. وقرأ: {إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون} ). [جامع البيان: 16/228-229]
تفسير قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن مجاهد {وما جعلناهم جسدا} قال: ليس فيهم الروح {ولا هم منا يصحبون} قال: يمنعون [الآية: 8 والآية 43]). [تفسير الثوري: 199]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطّعام وما كانوا خالدين}.
يقول تعالى ذكره: وما جعلنا الرّسل الّذين أرسلناهم من قبلك يا محمّد إلى الأمم الماضية قبل أمّتك، {جسدًا لا يأكلون الطّعام} يقول: لم نجعلهم ملائكةً لا يأكلون الطّعام، ولكن جعلناهم أجسادًا مثلك يأكلون الطّعام.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطّعام} يقول: " ما جعلناهم جسدًا إلاّ ليأكلوا الطّعام ".
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطّعام} يقول: " لم أجعلهم جسدًا ليس فيها أرواحٌ لا يأكلون الطّعام، ولكنا جعلناهم جسدًا فيها أرواحٌ يأكلون الطّعام ".
قال أبو جعفرٍ: وقال {وما جعلناهم جسدًا} فوحّد " الجسد، وجعله وهو موحّدًا، وهو من صفة الجماعة، وإنّما جاز ذلك لأنّ الجسد بمعنى المصدر، كما يقال في الكلام: ما جعلناهم خلقًا لا يأكلون.
وقوله: {وما كانوا خالدين} يقول: ولا كانوا أربابًا لا يموتون ولا يفنون، ولكنّهم كانوا بشرًا أجسادًا فماتوا، وذلك أنّهم قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، كما قد أخبر اللّه عنهم: {لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا}. إلى قوله: {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً} قال اللّه تبارك وتعالى لهم: ما فعلنا ذلك بأحدٍ قبلكم، فنفعل بكم، وإنّما كنّا نرسل إليهم رجالاً نوحي إليهم كما أرسلنا إليكم رسولاً نوحي إليه أمرنا ونهينا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وما كانوا خالدين} أي لا بدّ لهم من الموت أن يموتوا). [جامع البيان: 16/229-230]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام} يقول: لم نجعلهم جسدا ليس يأكلون الطعام إنما جعلناهم جسدا يأكلون الطعام). [الدر المنثور: 10/272]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وما كانوا خالدين} قال: لا بد لهم من الموت أن يموتوا، وفي قوله: {ثم صدقناهم الوعد} إلى قوله: {وأهلكنا المسرفين} قال: هم المشركون). [الدر المنثور: 10/272]
تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين}.
يقول تعالى ذكره: ثمّ صدقنا رسلنا الّذين كذّبتهم أممهم وسألتهم الآيات، فأتيناهم ما سألوه من ذلك، ثمّ أقاموا على تكذيبهم إيّاها، وأصرّوا على جحودهم نبوّتها بعد الّذي أتتهم به من آيات ربّها، وعدنا الّذي وعدناهم من الهلاك على إقامتهم على الكفر بربّهم بعد مجيء الآيات الّتي سألوها وذلك كقوله جلّ ثناؤه: {فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين} وكقوله: {ولا تمسّوها بسوءٍ فيأخذكم عذابٌ قريبٌ} ونحو ذلك من المواعيد الّتي وعد الأمم مع مجيء الآيات.
وقوله: {فأنجيناهم} يقول تعالى ذكره: فأنجينا الرّسل عند إصرار أممها على تكذيبها بعد الآيات {ومن نشاء} وهم أتباعها الّذين صدّقوها، وآمنوا بها.
وقوله: {وأهلكنا المسرفين} يقول تعالى ذكره: وأهلكنا الّذين أسرفوا على أنفسهم بكفرهم بربّهم، كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وأهلكنا المسرفين} والمسرفون: هم المشركون). [جامع البيان: 16/231]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وما كانوا خالدين} قال: لا بد لهم من الموت أن يموتوا، وفي قوله: {ثم صدقناهم الوعد} إلى قوله: {وأهلكنا المسرفين} قال: هم المشركون). [الدر المنثور: 10/272] (م)
تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] {لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم} قال: شرفكم [الآية: 10] {وإنه لذكر لك ولقومك} قال: شرف لك ولقومك [الآية: 44 من سورة زخرف]). [تفسير الثوري: 199]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم أفلا تعقلون}.
اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم، فيه حديثكم.
ذكر من قال ذلك.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى،، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {فيه ذكركم} قال: " حديثكم ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم} قال: حديثكم، {أفلا تعقلون}، قال في " قد أفلح ": {بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا سفيان: نزل القرآن بمكارم الأخلاق، ألم تسمعه يقول: {لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم أفلا تعقلون}.
وقال آخرون: بل عني بالذّكر في هذا الموضع: الشّرف، وقالوا: معنى الكلام: لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه شرفكم.
قال أبو جعفرٍ: وهذا القول الثّاني أشبه بمعنى الكلمة، وهو نحوٌ ممّا قال سفيان الّذي حكينا عنه، وذلك أنّه شرفٌ لمن اتّبعه وعمل بما فيه). [جامع البيان: 16/231-232]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فيه ذكركم يعني فيه حديثكم). [تفسير مجاهد: 407]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله: {لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم} قال: فيه شرفكم). [الدر المنثور: 10/272]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {كتابا فيه ذكركم} قال: فيه حديثكم). [الدر المنثور: 10/272]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {كتابا فيه ذكركم} قال: فيه دينكم أمسك عليكم دينكم بكتابكم). [الدر المنثور: 10/273]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {كتابا فيه ذكركم} يقول: فيه ذكر ما تعنون به وأمر آخرتكم ودنياكم). [الدر المنثور: 10/273]