العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:03 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:04 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:47 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:47 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ومنهم من عاهد اللّه لئن آتانا من فضله لنصّدّقنّ ولنكوننّ من الصّالحين (75) فلمّا آتاهم من فضله بخلوا به وتولّوا وهم معرضون (76) فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللّه ما وعدوه وبما كانوا يكذبون (77) ألم يعلموا أنّ اللّه يعلم سرّهم ونجواهم وأنّ اللّه علاّم الغيوب (78)
هذه الآية نزلت في ثعلبة بن حاطب الأنصاري، وقال الحسن: وفي معتب بن قشير معه، واختصار ما ذكره الطبري وغيره من أمره أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعل لي مالا فإني لو كنت ذا مال لقضيت حقوقه وفعلت فيه الخير، فراده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه، فعاود فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ألا تريد أن تكون مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو دعوت الله أن يسير الجبال معي ذهبا لسارت، فأعاد عليه حتى دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود حتى ضاقت به المدينة، فتنحى عنها وكثرت غنمه، فكان لا يصلي إلا الجمعة ثم كثرت حتى تنحى بعيدا ونجم نفاقه، ونزل خلال ذلك فرض الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث مصدقين بكتابه في أخذ زكاة الغنم، فلما بلغوا ثعلبة وقرأ الكتاب قال: هذه أخت الجزية، ثم قال لهم: دعوني حتى أرى رأيي، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه، قال «ويح ثعلبة» ثلاثا، ونزلت الآية فيه، فحضر القصة قريب لثعلبة فخرج إليه فقال أدرك أمرك، فقد نزل كذا وكذا، فخرج ثعلبة حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرغب أن يؤدي زكاته فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال إن الله أمرني أن لا آخذ زكاتك، فبقي كذلك حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ورد ثعلبة على أبي بكر ثم على عمر ثم على عثمان يرغب إلى كل واحد منهم أن يأخذ منه الزكاة، فكلهم رد ذلك وأباه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فبقي ثعلبة كذلك حتى هلك في مدة عثمان.
وفي قوله تعالى: فأعقبهم نص المعاقبة على الذنب بما هو أشد منه، وقوله: إلى يوم يلقونه يقتضي موافاتهم على النفاق، ولذلك لم يقبل الخلفاء رضي الله عنهم رجوع ثعلبة لشهادة القرآن عليه بالموافاة، ولولا الاحتمال في أنه نفاق معصية لوجب قتله، وقرأ الأعمش «لنصدقن» بالنون الثقيلة مثل الجماعة «ولنكونن» خفيفة النون، والضمير الذي في قوله فأعقبهم يعود على الله عز وجل.
ويحتمل أن يعود على «البخل» المضمن في الآية، ويضعف ذلك الضمير في يلقونه، وقوله نفاقاً في قلوبهم، يحتمل أن يكون نفاق كفر ويكون تقرير ثعلبة بعد هذا النص والإبقاء عليه لمكان إظهاره الإسلام وتعلقه بما فيه احتمال.
ويحتمل أن يكون قوله نفاقاً يريد به نفاق معصية وقلة استقامة، فيكون تقريره صحيحا، ويكون ترك في أول الزكاة عقابا له ونكالا.
وهذا نحو ما روي أن عاملا كتب إلى عمر بن عبد العزيز أن فلانا يمنع الزكاة، فكتب إليه أن دعه واجعل عقوبته أن لا يؤدي الزكاة مع المسلمين، يريد لما يلحقه من المقت في ذلك،
وقرأ الحسن والأعرج وأبو عمرو وعاصم ونافع وسائرهم يكذبون، قرأ أبو رجاء «يكذبون»، وذكر الطبري في هذه الآية ما يناسبها من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا، إذا وعد أخلف وإذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان» وفي حديث آخر «وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر» ونحو هذا من الأحاديث، ويظهر من مذهب البخاري وغيره من أهل العلم أن هذه الخلال الذميمة منافق من اتصف بها إلى يوم القيامة.
وروي أن عمرو بن العاص لما احتضر قال زوجوا فلانا فإني قد وعدته لا ألقى الله بثلث النفاق، وهذا ظاهر كلام الحسن بن أبي الحسن، وقال عطاء بن بن أبي رباح قد فعل هذه الخلال إخوة يوسف ولم يكونوا منافقين بل كانوا أنبياء، وهذه الأحاديث إنما هي في المنافقين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، الذين شهد الله عليهم، وهذه هي الخصال في سائر الأمة معاص لا نفاق.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا محالة أنها كانت مع التوحيد والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، معاص لكنها من قبيل النفاق اللغوي، وذكر الطبري عن فرقة أنها قالت: كان العهد الذي عاهد الله عليه هؤلاء المنافقون شيئا نووه في أنفسهم ولم يتكلموا به.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا فيه نظر). [المحرر الوجيز: 4/ 367-369]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: ألم يعلموا الآية، لفظ به تعلق من قال في الآية المتقدمة إن العهد كان من المنافقين بالنية لا بالقول، وقرأ الجمهور «يعلموا» بالياء من تحت، وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن «ألم تعلموا» بالتاء، من فوق، وهذه الآية تناسب حالهم وذلك أنها تضمنت إحاطة علم الله بهم وحصره لهم، وفيها توبيخهم على ما كانوا عليه من التحدث في نفوسهم من الاجتماع على ثلب الإسلام، وراحة بعضهم مع بعض في جهة النبي صلى الله عليه وسلم وشرعه، فهي تعم المنافقين أجمع، وقائل المقالة المذكورة ذهب إلى أنها تختص بالفرقة التي عاهدت). [المحرر الوجيز: 4/ 370]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات والّذين لا يجدون إلاّ جهدهم فيسخرون منهم سخر اللّه منهم ولهم عذابٌ أليمٌ (79) استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم ذلك بأنّهم كفروا باللّه ورسوله واللّه لا يهدي القوم الفاسقين (80)
قوله الّذين يلمزون رد على الضمائر في قول يكذبون [التوبة: 77] وأ لم يعلموا [التوبة: 78] وسرّهم ونجواهم [التوبة: 78] ويلمزون معناه ينالون بألسنتهم، وقرأ السبعة «يلمزون» بكسر الميم، وقرأ الحسن وأبو رجاء ويعقوب وابن كثير فيما روي عنه «يلمزون» بضم الميم، والمطّوّعين لفظة عموم في كل متصدق، والمراد به الخصوص فيمن تصدق بكثير دل على ذلك قوله، عطفا على المطّوّعين، والّذين لا يجدون، ولو كان الّذين لا يجدون قد دخلوا في المطّوّعين لما ساغ عطف الشيء على نفسه، وهذا قول أبي على الفارسي في قوله عز وجل: من كان عدوًّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال [البقرة: 98] فإنه قال المراد بالملائكة من عدا هذين.
وكذلك قال في قوله: فيهما فاكهةٌ ونخلٌ ورمّانٌ [الرحمن: 68] وفي هذا كله نظر، لأن التكرار لقصد التشريف يسوغ هذا مع تجوز العرب في كلامها، وأصل المطّوّعين المتطوعين فأبدل التاء طاء وأدغم، وأما المتصدق بكثير الذي كان سببا للآية فأكثر الروايات أنه عبد الرحمن بن عوف، تصدق بأربعة آلاف وأمسك مثلها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم، بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أنفقت.
وقيل هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه تصدق بنصف ماله، وقيل عاصم بن عدي تصدق بمائة وسق، وأما المتصدق بقليل فهو أبو عقيل حبحاب الأراشي، تصدق بصاع من تمر وقال يا رسول الله جررت البارحة بالجرير وأخذت صاعين تركت أحدهما لعيالي وأتيت بالآخر صدقة.
فقال المنافقون: الله غني عن صدقة هذا، وقال بعضهم: إن الله غني عن صاع أبي عقيل، وقيل: إن الذي لمز في القليل أبو خيثمة، قاله كعب بن مالك صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، وتصدق عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف، وقيل بأربعمائة أوقية من فضة، وقيل أقل من هذا.
فقال المنافقون: ما هذا إلا رياء، فنزلت الآية في هذا كله، وقوله: فيسخرون معناه يستهزئون ويستخفون، وهو معطوف على يلمزون، واعترض ذلك بأن المعطوف على الصلة فهو من الصلة وقد دخل بين هذا المعطوف والمعطوف عليه قوله والّذين لا يجدون، وهذا لا يلزم، لأن قوله والّذين معمول للذي عمل في المطّوّعين فهو بمنزلة قوله جاءني الذي ضرب زيدا وعمرا فقتلهما، وقوله: سخر اللّه منهم تسمية العقوبة باسم الذنب وهي عبارة عما حل بهم من المقت والذل في نفوسهم، وقوله: ولهم عذابٌ أليمٌ معناه مؤلم، وهي آية وعيد محض، وقرأ جمهور «جهدهم» بضم الجيم، وقرأ الأعرج وجماعة معه «جهدهم» بالفتح، وقيل هما بمعنى واحد، وقاله أبو عبيدة، وقيل هما لمعنيين الضم في المال والفتح في تعب الجسم، ونحوه عن الشعبي، وقوله: الّذين يلمزون يصح أن يكون خبر ابتداء تقديره هم الذين، ويصح أن يكون ابتداء وخبره سخر، وفي سخر معنى الدعاء عليهم.
ويحتمل أن يكون خبرا مجردا عن الدعاء، ويحتمل أن يكون الّذين صفة جارية على ما قبل كما ذكرت أول الترجمة). [المحرر الوجيز: 4/ 370-372]

تفسير قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم يحتمل معنيين، أحدهما أن يكون لفظ أمر ومعناه الشرط، بمعنى إن استغفرت أو لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم، فيكون مثل قوله تعالى:
قل أنفقوا طوعاً أو كرهاً لن يتقبّل منكم [التوبة: 53] وبمنزلة قول الشاعر: [كثير]
أسيئي لنا أو أحسني لا ملومة = لدينا ولا مقلية إن تقلت
وإلى هذا المعنى ذهب الطبري وغيره في معنى الآية، والمعنى الثاني الذي يحتمله اللفظ أن يكون تخييرا، كأنه قال له: إن شئت فاستغفر وإن شئت لا تستغفر ثم أعلمه أنه لا يغفر لهم وإن استغفر سبعين مرّةً، وهذا هو الصحيح لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبيينه ذلك.
وذلك أن عمر بن الخطاب سمعه بعد نزول هذه الآية يستغفر لهم فقال يا رسول الله، أتستغفر للمنافقين وقد أعلمك الله أنه لا يغفر لهم، فقال له «يا عمر إن الله قد خيرني فاخترت، ولو علمت أني إذا زدت على السبعين يغفر لهم لزدت»، ونحو هذا من مقاولة عمر في وقت إرادة النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على عبد الله بن أبي ابن سلول، وظاهر صلاته عليه أن كفره لم يكن يقينا عنده، ومحال أن يصلي على كافر، ولكنه راعى ظواهره من الإقرار ووكل سريرته إلى الله عز وجل، وعلى هذا كان ستر المنافقين من أجل عدم التعيين بالكفر.
وفي هذه الألفاظ التي لرسول الله صلى الله عليه وسلم رفض إلزام دليل الخطاب، وذلك أن دليل الخطاب يقتضي أن الزيادة على السبعين يغفر معها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو علمت فجعل ذلك مما لا يعلمه، ومما ينبغي أن يتعلم ويطلب علمه من الله عز وجل، ففي هذا حجة عظيمة للقول برفض دليل الخطاب، وإذا ترتب كما قلنا التخيير في هذه الآية صح أن ذلك التخيير هو الذي نسخ بقوله تعالى: في سورة المنافقون سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الفاسقين [المنافقون: 6]،
ولمالك رحمه الله مسائل تقتضي القول بدليل الخطاب، منها قوله: إن المدرك للتشهد وحده لا تلزمه أحكام الإمام لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» فاقتضى دليل الخطاب أن من لم يدرك ركعة فليس بمدرك، وله مسائل تقتضي رفض دليل الخطاب، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم، «وفي سائمة الغنم الزكاة» فدليل الخطاب أن لا زكاة في غير السائمة، ومالك يرى الزكاة في غير السائمة، ومنها أن الله عز وجل يقول في الصيد من قتله منكم متعمّداً [المائدة: 95] فقال مالك: حكم المخطئ والمتعمد سواء ودليل الخطاب يقتضي غير هذا، وأما تمثيله «السبعين» دون غيرها من الأعداد فلأنه عدد كثيرا ما يجيء غاية وتحقيقا في الكثرة، ألا ترى إلى القوم الذين اختارهم موسى وإلى أصحاب العقبة وقد قال بعض اللغويين إن التصريف الذي يكون من السين والباء والعين فهو شديد الأمر، من ذلك السبعة فإنها عدد مقنع هي في السماوات وفي الأرض وفي خلق الإنسان وفي رزقه وفي أعضائه التي بها يطيع الله وبها يعصيه، وبها ترتيب أبواب جهنم فيما ذكر بعض الناس، وهي عيناه وأذناه ولسانه وبطنه وفرجه ويداه ورجلاه، وفي سهام الميسر وفي الأقاليم وغير ذلك.
ومن ذلك السبع والعبوس والعنبس ونحو هذا من القول، وقوله ذلك إشارة إلى امتناع الغفران، وقوله: واللّه لا يهدي القوم الفاسقين إما من حيث هم فاسقون، وإما أنه لفظ عموم يراد به الخصوص فيمن يوافي على كفره). [المحرر الوجيز: 4/ 372-374]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:49 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:49 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ومنهم من عاهد اللّه لئن آتانا من فضله لنصّدّقنّ ولنكوننّ من الصّالحين (75) فلمّا آتاهم من فضله بخلوا به وتولّوا وهم معرضون (76) فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللّه ما وعدوه وبما كانوا يكذبون (77) ألم يعلموا أنّ اللّه يعلم سرّهم ونجواهم وأنّ اللّه علام الغيوب (78)}
يقول تعالى: ومن المنافقين من أعطى اللّه عهده وميثاقه: لئن أغناه من فضله ليصّدّقنّ من ماله، وليكوننّ من الصّالحين. فما وفّى بما قال، ولا صدق فيما ادّعى، فأعقبهم هذا الصّنيع نفاقًا سكن في قلوبهم إلى يوم يلقون اللّه، عزّ وجلّ، يوم القيامة، عياذًا باللّه من ذلك.
وقد ذكر كثيرٌ من المفسّرين، منهم ابن عبّاسٍ، والحسن البصريّ: أنّ سبب نزول هذه الآية الكريمة في "ثعلبة بن حاطبٍ الأنصاريّ".
وقد ورد فيه حديثٌ رواه ابن جريرٍ هاهنا وابن أبي حاتمٍ، من حديث معان بن رفاعة، عن عليّ بن يزيد، عن أبي عبد الرّحمن القاسم بن عبد الرّحمن، مولى عبد الرّحمن بن يزيد بن معاوية، عن أبي أمامة الباهليّ، عن ثعلبة بن حاطبٍ الأنصاريّ، أنّه قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ادع الله أن يرزقني مالًا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ويحك يا ثعلبة قليلٌ تؤدّي شكره خيرٌ من كثيرٍ لا تطيقه". قال: ثمّ قال مرّةً أخرى، فقال: "أما ترضى أن تكون مثل نبيّ اللّه، فوالّذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي الجبال ذهبًا وفضّةً لسارت". قال: والّذي بعثك بالحقّ لئن دعوت اللّه فرزقني مالًا لأعطينّ كلّ ذي حقٍّ حقّه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اللّهمّ ارزق ثعلبة مالًا". قال: فاتّخذ غنمًا، فنمت كما ينمو الدّود، فضاقت عليه المدينة، فتنحّى عنها، فنزل واديًا من أوديتها، حتّى جعل يصلّي الظّهر والعصر في جماعةٍ، ويترك ما سواهما. ثمّ نمت وكثرت، فتنحّى حتّى ترك الصّلوات إلّا الجمعة، وهي تنمو كما ينمو الدّود، حتّى ترك الجمعة. فطفق يتلقّى الرّكبان يوم الجمعة، يسألهم عن الأخبار، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما فعل ثعلبة"؟ فقالوا: يا رسول اللّه، اتّخذ غنمًا فضاقت عليه المدينة. فأخبروه بأمره فقال: "يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة". وأنزل اللّه جلّ ثناؤه: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها} الآية [التّوبة: 103] قال: ونزلت عليه فرائض الصّدقة، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلين على الصّدقة: رجلًا من جهينة، ورجلًا من سليمٍ، وكتب لهما كيف يأخذان الصّدقة من المسلمين، وقال لهما: "مرا بثعلبة، وبفلانٍ -رجلٌ من بني سليمٍ -فخذا صدقاتهما". فخرجا حتّى أتيا ثعلبة، فسألاه الصّدقة، وأقرآه كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: ما هذه إلّا جزيةٌ. ما هذه إلّا أخت الجزية. ما أدري ما هذا انطلقا حتّى تفرغا ثمّ عودا إليّ. فانطلقا وسمع بهما السّلميّ، فنظر إلى خيار أسنان إبله، فعزلها للصّدقة، ثمّ استقبلهما بها فلمّا رأوها قالوا: ما يجب عليك هذا، وما نريد أن نأخذ هذا منك. قال: بلى، فخذوها، فإنّ نفسي بذلك طيّبةٌ، وإنّما هي له. فأخذوها منه. فلمّا فرغا من صدقاتهما رجعا حتّى مرّا بثعلبة، فقال: أروني كتابكما فنظر فيه، فقال: ما هذه إلّا أخت الجزية. انطلقا حتّى أرى رأيي. فانطلقا حتّى أتيا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا رآهما قال: "يا ويح ثعلبة" قبل أن يكلّمهما، ودعا للسّلميّ بالبركة، فأخبراه بالّذي صنع ثعلبة والّذي صنع السّلميّ، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {ومنهم من عاهد اللّه لئن آتانا من فضله لنصّدّقنّ} إلى قوله: {وبما كانوا يكذبون} قال: وعند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلٌ من أقارب ثعلبة، فسمع ذلك، فخرج حتّى أتاه فقال: ويحك يا ثعلبة. قد أنزل اللّه فيك كذا وكذا. فخرج ثعلبة حتّى أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فسأله أن يقبل منه صدقته، فقال: "إنّ اللّه منعني أن أقبل منك صدقتك". فجعل يحثو على رأسه التّراب، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " [هذا] عملك، قد أمرتك فلم تطعني". فلمّا أبى أن يقبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجع إلى منزله، فقبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يقبل منه شيئًا. ثمّ أتى أبا بكرٍ، رضي اللّه عنه، حين استخلف، فقال: قد علمت منزلتي من رسول اللّه، وموضعي من الأنصار، فاقبل صدقتي. فقال أبو بكرٍ: لم يقبلها منك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأبى أن يقبلها، فقبض أبو بكرٍ ولم يقبلها. فلمّا ولي عمر، رضي اللّه عنه، أتاه فقال: يا أمير المؤمنين، اقبل صدقتي. فقال: لم يقبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولا أبو بكرٍ، وأنا أقبلها منك! فقبض ولم يقبلها؛ ثمّ ولي عثمان، رضي اللّه عنه، [فأتاه] فسأله أن يقبل صدقته، فقال: لم يقبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولا أبو بكرٍ ولا عمر، وأنا أقبلها منك! فلم يقبلها منه، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان
وقوله تعالى: {بما أخلفوا اللّه ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} أي: أعقبهم النّفاق في قلوبهم بسبب إخلافهم الوعد وكذبهم، كما جاء في الصّحيح، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" وله شواهد كثيرةٌ، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 183-184]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ألم يعلموا أنّ اللّه يعلم سرّهم ونجواهم وأنّ اللّه علام الغيوب} يخبرهم تعالى أنّه يعلم السّرّ وأخفى، وأنّه أعلم بضمائرهم وإن أظهروا أنّه إن حصل لهم أموالٌ تصدّقوا منها وشكروا عليها، فإنّه أعلم بهم من أنفسهم؛ لأنّه تعالى علّام الغيوب، أي: يعلم كلّ غيبٍ وشهادةٍ، وكلّ سرٍّ ونجوى، ويعلم ما ظهر وما بطن). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 184]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات والّذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر اللّه منهم ولهم عذابٌ أليمٌ (79)}
وهذه أيضًا من صفات المنافقين: لا يسلم أحدٌ من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال، حتّى ولا المتصدّقون يسلمون منهم، إن جاء أحدٌ منهم بمالٍ جزيلٍ قالوا: هذا مراءٌ، وإن جاء بشيءٍ يسيرٍ قالوا: إنّ اللّه لغنيٌّ عن صدقة هذا. كما قال البخاريّ:
حدّثنا عبيد اللّه بن سعيدٍ، حدّثنا أبو النّعمان البصريّ، حدّثنا شعبة، عن سليمان، عن أبي وائلٍ، عن أبي مسعودٍ قال: لمّا نزلت آية الصّدقة كنّا نتحامل على ظهورنا، فجاء رجلٌ فتصدّق بشيءٍ كثيرٍ، فقالوا: مرائي. وجاء رجلٌ فتصدّق بصاعٍ، فقالوا: إنّ اللّه لغنيٌّ عن صدقة هذا. فنزلت {الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات والّذين لا يجدون إلا جهدهم} الآية.
وقد رواه مسلمٌ أيضًا في صحيحه، من حديث شعبة به
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، حدّثنا الجريريّ، عن أبي السّليل قال: وقف علينا رجل في مجلسنا بالبقيع فقال: حدّثني أبي -أو: عمّي أنّه رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالبقيع، وهو يقول: "من يتصدّق بصدقةٍ أشهد له بها يوم القيامة"؟ قال: فحللت من عمامتي لوثًا أو لوثين، وأنا أريد أن أتصدّق بهما، فأدركني ما يدرك ابن آدم، فعقدت على عمامتي. فجاء رجلٌ لم أر بالبقيع رجلًا أشدّ سوادًا [ولا] أصغر منه، ولا أدمّ ببعيرٍ ساقه، لم أر بالبقيع ناقةً أحسن منها، فقال: يا رسول اللّه، أصدقةٌ؟ قال: "نعم" فقال: دونك هذه النّاقة. قال: فلمزه رجلٌ فقال: هذا يتصدّق بهذه فواللّه لهي خيرٌ منه. قال: فسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كذبت بل هو خيرٌ منك ومنها" ثلاث مرّاتٍ، ثمّ قال: "ويلٌ لأصحاب المئين من الإبل" ثلاثًا. قالوا: إلّا من يا رسول اللّه؟ قال: "إلّا من قال بالمال هكذا وهكذا"، وجمع بين كفّيه عن يمينه وعن شماله، ثمّ قال: "قد أفلح المزهد المجهد" ثلاثًا: المزهد في العيش، المجهد في العبادة
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية، وقال: جاء عبد الرّحمن بن عوفٍ بأربعين أوقيّةً من ذهبٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه رجلٌ من الأنصار بصاعٍ من طعامٍ، فقال بعض المنافقين: واللّه ما جاء عبد الرّحمن بما جاء به إلّا رياءً. وقالوا: إن كان اللّه ورسوله لغنيّين عن هذا الصّاع
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج إلى النّاس يومًا فنادى فيهم: أن اجمعوا صدقاتكم. فجمع النّاس صدقاتهم، ثمّ جاء رجلٌ من آخرهم بصاعٍ من تمرٍ، فقال: يا رسول اللّه، هذا صاعٌ من تمرٍ بتّ ليلتي أجرّ بالجرير الماء، حتّى نلت صاعين من تمرٍ، فأمسكت أحدهما، وأتيتك بالآخر. فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إن ينثره في الصّدقات. فسخر منه رجالٌ، وقالوا: إنّ اللّه ورسوله لغنيّان عن هذا. وما يصنعان بصاعك من شيءٍ. ثمّ إنّ عبد الرّحمن بن عوفٍ قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هل بقي أحدٌ من أهل الصّدقات؟ فقال "لا" فقال له عبد الرّحمن بن عوفٍ: فإنّ عندي مائة أوقيّةٍ من ذهبٍ في الصّدقات. فقال له عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه: أمجنونٌ أنت؟ قال: ليس بي جنونٌ. قال: فعلت ما فعلت؟ قال: نعم، مالي ثمانية آلافٍ، أمّا أربعة آلافٍ فأقرضها ربّي، وأمّا أربعة آلافٍ فلي. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "بارك اللّه لك فيما أمسكت وفيما أعطيت". ولمزه المنافقون فقالوا: واللّه ما أعطى عبد الرّحمن عطيّته إلّا رياءً. وهم كاذبون، إنّما كان به متطوّعًا، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ، عذره وعذر صاحبه المسكين الّذي جاء بالصّاع من التّمر، فقال تعالى في كتابه: {الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات} الآية.
وكذا روي عن مجاهدٍ، وغير واحدٍ.
وقال ابن إسحاق: كان المطوّعون من المؤمنين في الصّدقات: عبد الرّحمن بن عوفٍ، تصدق بأربعة آلاف درهمٍ، وعاصم بن عديٍّ أخا بني العجلان، وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رغّب في الصّدقات، وحضّ عليها، فقام عبد الرّحمن بن عوفٍ فتصدّق بأربعة آلافٍ، وقام عاصمٌ فتصدّق بمائة وسقٍ من تمرٍ، فلمزوهما وقالوا: ما هذا إلّا رياءٌ. وكان الّذي تصدّق بجهده: أبو عقيلٍ أخو بني أنيفٍ الإراشيّ حليف بني عمرو بن عوفٍ، أتى بصاعٍ من تمرٍ فأفرغه في الصّدقة، فتضاحكوا به وقالوا: إنّ اللّه لغنيٌّ عن صاع أبي عقيل.
وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا طالوت بن عبّادٍ، حدّثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "تصدّقوا فإنّي أريد أن أبعث بعثًا". قال: فجاء عبد الرّحمن بن عوفٍ فقال: يا رسول اللّه، عندي أربعة آلافٍ، ألفين أقرضهما ربّي، وألفين لعيالي. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "بارك اللّه لك فيما أعطيت وبارك لك فيما أمسكت". وبات رجلٌ من الأنصار فأصاب صاعين من تمرٍ، فقال: يا رسول اللّه، أصبت صاعين من تمرٍ: صاعٌ أقرضه لربّي، وصاعٌ لعيالي. قال: فلمزه المنافقون وقالوا: ما أعطى الّذي أعطى ابن عوفٍ إلّا رياءً! وقالوا: ألم يكن اللّه ورسوله غنيّين عن صاع هذا؟ فأنزل اللّه: {الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات والّذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم [سخر اللّه منهم]} الآية
ثمّ رواه عن أبي كاملٍ، عن أبي عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه مرسلًا قال: ولم يسنده أحدٌ إلّا طالوت.
وقال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيعٍ، حدّثنا زيد بن الحباب، عن موسى بن عبيدة، حدّثني خالد بن يسارٍ، عن ابن أبي عقيلٍ، عن أبيه قال: بتّ أجرّ الجرير على ظهري، على صاعين من تمرٍ، فانقلبت بأحدهما إلى أهلي يتبلّغون به، وجئت بالآخر أتقرّب [به] إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته، فقال: "انثره في الصّدقة". قال: فسخر القوم وقالوا: لقد كان اللّه غنيًّا عن صدقة هذا المسكين. فأنزل اللّه: {الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات} الآيتين
وكذا رواه الطّبرانيّ من حديث زيد بن الحباب به. وقال: اسم أبي عقيلٍ: حبابٌ. ويقال: عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن ثعلبة.
وقوله: {فيسخرون منهم سخر اللّه منهم} وهذا من باب المقابلة على سوء صنيعهم واستهزائهم بالمؤمنين؛ لأنّ الجزاء من جنس العمل، فعاملهم معاملة من سخر بهم، انتصارًا للمؤمنين في الدّنيا، وأعدّ للمنافقين في الآخرة عذابًا أليما). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 184-188]

تفسير قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم ذلك بأنّهم كفروا باللّه ورسوله واللّه لا يهدي القوم الفاسقين (80)}
يخبر تعالى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأنّ هؤلاء المنافقين ليسوا أهلًا للاستغفار، وأنّه لو استغفر لهم، ولو سبعين مرّةً فإنّ اللّه لا يغفر لهم.
وقد قيل: إنّ السّبعين إنّما ذكرت حسمًا لمادّة الاستغفار لهم؛ لأنّ العرب في أساليب كلامها تذكر السّبعين في مبالغة كلامها، ولا تريد التّحديد بها، ولا أن يكون ما زاد عليها بخلافها.
وقيل: بل لها مفهومٌ، كما روى العوفيّ عن ابن عبّاسٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لمّا نزلت هذه الآية: "أسمع ربّي قد رخّص لي فيهم، فواللّه لأستغفرنّ أكثر من سبعين مرّةً، لعلّ اللّه أن يغفر لهم! فقال اللّه من شدّة غضبه عليهم: {سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الفاسقين} [المنافقون:6]
وقال الشّعبيّ: لمّا ثقل عبد اللّه بن أبيٍّ، انطلق ابنه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّ أبي قد احتضر، فأحبّ أن تشهده وتصلّي عليه. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما اسمك". قال الحباب بن عبد اللّه. قال: "بل أنت عبد اللّه بن عبد اللّه، إنّ الحباب اسم شيطانٍ". قال: فانطلق معه حتّى شهده وألبسه قميصه وهو عرقٌ، وصلّى عليه، فقيل له: أتصلّي عليه [وهو منافقٌ] ؟ قال: "إنّ اللّه قال: {إن تستغفر لهم سبعين مرّةً} ولأستغفرنّ له سبعين وسبعين وسبعين".
وكذا روي عن عروة بن الزّبير ومجاهد بن جبير، وقتادة بن دعامة. رواها ابن جرير بأسانيده). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 188]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة