العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الشورى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 10:21 AM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي تفسير سورة الشورى [ الآيات من 7 إلى 12 ]

تفسير سورة الشورى [ الآيات من 7 إلى 12 ]


{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 10:22 AM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) )
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير}
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بكرٌ، واللّيث، عن أبي قبيلٍ، عن شفيٍّ، عن عبد الله بن عمرٍو، قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «هذا كتابٌ كتبه ربّ العالمين، فيه تسمية أهل الجنّة وتسمية آبائهم، ثمّ أجمل على آخرهم، فلا يزاد فيهم ولا ينقص، وهذا كتابٌ كتبه ربّ العالمين، فيه تسمية أهل النّار وتسمية آبائهم، ثمّ أجمل على آخرهم، فلا يزاد فيهم ولا ينقص»، قالوا: ففيم العمل يا رسول الله؟، قال: " إنّ عامل الجنّة يختم له بعمل الجنّة، وإن عمل أيّ عملٍ، وإنّ عامل النّار يختم له بعمل النّار، وإنّ عمل أيّ عملٍ، فرغ الله من خلقه، قال: {فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير} [الشورى: 7]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/248]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك قرآنًا عربيًّا لتنذر أمّ القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير}.
يقول تعالى ذكره: وهكذا {أوحينا إليك} يا محمّد {قرآنًا عربيًّا} بلسان العرب، لأنّ الّذين أرسلتك إليهم قومٌ عربٌ، فأوحينا إليك هذا القرآن بألسنتهم، ليفهموا ما فيه من حجج اللّه وذكره، لأنّا لا نرسل رسولاً إلاّ بلسان قومه ليبيّن لهم {لتنذر أمّ القرى} وهي مكّة، {ومن حولها} يقول: ومن حول أمّ القرى من سائر النّاس.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّدٌ قال: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {لتنذر أمّ القرى} قال: مكّة.
وقوله: {وتنذر يوم الجمع} يقول عزّ وجلّ: وتنذر عقاب اللّه في يوم جمع عباده لموقف الحساب والعرض وقيل: وتنذر يوم الجمع، والمعنى: وتنذرهم يوم الجمع، كما قيل: يخوّف أولياءه، والمعنى: يخوّفكم أولياءه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّدٌ قال: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {وتنذر يوم الجمع} قال: يوم القيامة.
وقوله: {لا ريب فيه} يقول: لا شكّ فيه.
وقوله: {فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير} يقول: منهم فريقٌ في الجنّة، وهم الّذين آمنوا باللّه واتّبعوا ما جاءهم به رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم {وفريقٌ في السّعير} يقول: ومنهم فريقٌ في الموقدة من نار اللّه المسعورة على أهلها، وهم الّذين كفروا باللّه، وخالفوا ما جاءهم به رسوله.
- وقد حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي قبيلٍ المعافريّ، عن شفيٍّ الأصبحيّ، عن رجلٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفي يده كتابان، فقال: هل تدرون ما هذا؟ فقلنا: لا، إلاّ أن تخبرنا يا رسول اللّه قال: هذا كتابٌ من ربّ العالمين، فيه أسماء أهل الجنّة، وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثمّ أجمل، على آخرهم، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدًا، وهذا كتاب أهل النّار بأسمائهم وأسماء آبائهم، ثمّ أجمل على آخرهم، فلا يزاد ولا ينقص منهم أبدًا قال أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ففيم إذن نعمل إن كان هذا أمرًا قد فرغ منه؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: بل سدّدوا وقاربوا، فإنّ صاحب الجنّة يختم له بعمل الجنّة وإن عمل أيّ عملٍ، وصاحب النّار يختم له بعمل النّار وإن عمل أيّ عملٍ، فرغ ربّكم من العباد ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيديه فنبذهما: فرغ ربّكم من الخلق، فريقٌ في الجنّة، وفريقٌ في السّعير قالوا: سبحان اللّه، فلم نعمل وننصب؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: العمل إلى خواتمه.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: أخبرني عمرو بن الحارث، وحيوة بن شريحٍ، عن يحيى بن أبي أسيدٍ، أنّ أبا فراسٍ حدّثه أنّه، سمع عبد اللّه بن عمرٍو، يقول: إنّ اللّه تعالى ذكره لمّا خلق آدم نفضه نفض المزود، فأخرج منه كلّ ذرّيّةٍ، فخرج أمثال النّغف، فقبضهم قبضتين، ثمّ قال: شقيّ وسعيدٌ، ثمّ ألقاهما، ثمّ قبضهما فقال: {فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير}.
- قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي سويدٍ، حدّثه عن ابن حجيرة، أنّه بلغه أنّ موسى، قال: يا ربّ خلقك الّذين خلقتهم، جعلت منهم فريقًا في الجنّة، وفريقًا في السّعير، لوما أدخلتهم كلّهم الجنّة قال: يا موسى ارفع زرعك، فرفع قال: قد رفعت قال: ارفع، فرفع، فلم يترك شيئًا قال: يا ربّ قد رفعت قال: ارفع قال: قد رفعت إلاّ ما لا خير فيه قال: كذلك أدخل خلقي كلّهم الجنّة إلاّ ما لا خير فيه.
وقيل: {فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير} فرفع وقد تقدّم الكلام قبل ذلك بقوله: {لتنذر أمّ القرى ومن حولها} بالنّصب، لأنّه أريد به الابتداء، كما يقال: رأيت العسكر مقتولٌ أو منهزمٌ، بمعنى: منهم مقتولٌ، ومنهم منهزمٌ). [جامع البيان: 20/469-472]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه {وتنذر يوم الجمع} قال: يوم القيامة، قوله تعالى: {فريق في الجنة وفريق في السعير} ). [الدر المنثور: 13/132]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال: أتدرون ما هذان الكتابان قلنا لا إلا أن تخبرنا يا رسول الله قال: للذي في يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ثم قال للذي في شماله هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا فقال أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله إن كان قد فرغ منه فقال: سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بيديه فنبذهما ثم قال: فرغ ربكم من العباد {فريق في الجنة وفريق في السعير} ). [الدر المنثور: 13/132-133]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده كتاب ينظر فيه قال: انظروا إليه كيف وهو أمي لا يقرأ قال: فعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم وقال: {فريق في الجنة وفريق في السعير} فرغ ربكم من أعمال العباد). [الدر المنثور: 13/133]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو شاء اللّه لجعلهم أمّةً واحدةً ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظّالمون ما لهم مّن وليٍّ ولا نصيرٍ}.
يقول تعالى ذكره: ولو أراد اللّه أن يجمع خلقه على هدًى، ويجعلهم على ملّةٍ واحدةٍ لفعل، و{لجعلهم أمّةً واحدةً} يقول: أهل ملّةٍ واحدةٍ، وجماعةً مجتمعةً على دينٍ واحدٍ {ولكن يدخل من يشاء في رحمته} يقول: لم يفعل ذلك فيجعلهم أمّةً واحدةً، ولكن يدخل من يشاء، من عباده في رحمته، يعني أنّه يدخله في رحمته بتوفيقه إيّاه للدّخول في دينه، الّذي ابتعث به نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم {والظّالمون ما لهم من وليٍّ ولا نصيرٍ}. يقول تعالى ذكره: ولو أراد اللّه أن يجمع خلقه على هدًى، ويجعلهم على ملّةٍ واحدةٍ لفعل، و{لجعلهم أمّةً واحدةً} يقول: أهل ملّةٍ واحدةٍ، وجماعةً مجتمعةً على دينٍ واحدٍ {ولكن يدخل من يشاء في رحمته} يقول: لم يفعل ذلك فيجعلهم أمّةً واحدةً، ولكن يدخل من يشاء من عباده في رحمته، يعني أنّه يدخله في رحمته بتوفيقه إيّاه للدّخول في دينه، الّذي ابتعث به نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم {والظّالمون ما لهم من وليٍّ ولا نصيرٍ} يقول: والكافرون باللّه ما لهم من وليٍّ يتولاّهم يوم القيامة، ولا نصيرٌ ينصرهم من عقاب اللّه حين يعاقبهم، فينقذهم من عذابه، ويقتصّ لهم ممّن عاقبهم، وإنّما قيل هذا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تسليةً له عمّا كان يناله من الهمّ بتولية قومه عنه، وأمرًا له بترك إدخال المكروه على نفسه من أجل إدبار من أدبر عنه منهم، فلم يستجب لما دعاه إليه من الحقّ، وإعلامًا له أنّ أمور عباده بيده، وأنّه الهادي إلى الحقّ من شاء، والمضلّ من أراد دونه، ودون كلّ أحدٍ سواه). [جامع البيان: 20/472]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق، أنبأ عبد الصّمد بن عبد الوارث، ثنا همّامٌ، عن قتادة، ثنا عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: «كان بين آدم، ونوحٍ عشرة قرونٍ كلّهم على شريعةٍ من الحقّ، فلمّا اختلفوا بعث اللّه النّبيّين والمرسلين وأنزل كتابه فكانوا أمّةً واحدةً» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط البخاريّ ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/480]

تفسير قوله تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أم اتّخذوا من دونه أولياء فاللّه هو الوليّ وهو يحيي الموتى وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ (9) وما اختلفتم فيه من شيءٍ فحكمه إلى اللّه ذلكم اللّه ربّي عليه توكّلت وإليه أنيب}.
يقول تعالى ذكره: اتّخذ هؤلاء المشركون باللّه أولياء من دون اللّه يتولّونهم {فاللّه هو الوليّ} يقول: فاللّه هو وليّ أوليائه، وإيّاه فليتّخذوا وليًّا لا الآلهة والأوثان، ولا ما لا يملك لهم ضرًّا ولا نفعًا {وهو يحيي الموتى} يقول: واللّه يحيي الموتى من بعد مماتهم، فيحشرهم يوم القيامة {وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ} يقول: واللّه القادر على إحياء خلقه من بعد مماتهم وعلى غير ذلك، إنّه ذو قدرةٍ على كلّ شيءٍ). [جامع البيان: 20/473]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وما اختلفتم فيه من شيءٍ فحكمه إلى اللّه} يقول تعالى ذكره: وما اختلفتم أيّها النّاس فيه من شيءٍ فتنازعتم بينكم، فحكمه إلى اللّه يقول: فإنّ اللّه هو الّذي يقضي بينكم ويفصل فيه الحكم.
- كما حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وما اختلفتم فيه من شيءٍ فحكمه إلى اللّه} قال ابن عمرٍو في حديثه: فهو يحكم فيه، وقال الحارث: فاللّه يحكم فيه.
وقوله: {ذلكم اللّه ربّي عليه توكّلت} يقول لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهؤلاء المشركين باللّه: هذا الّذي هذه الصّفات صفاته ربّي، لا هذه الآلهة الّتي تدعون من دونه، الّتي لا تقدر على شيءٍ، {عليه توكّلت} في أموري، وإليه فوّضت أسبابي، وبه وثقت، {وإليه أنيب} يقول: وإليه أرجع في أموري وأتوب من ذنوبي). [جامع البيان: 20/473]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله يقول يحكم فيه). [تفسير مجاهد: 573]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 10 - 11
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} قال: فهو يحكم فيه). [الدر المنثور: 13/133]

تفسير قوله تعالى: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى يذرؤكم فيه قال يعيشكم فيه). [تفسير عبد الرزاق: 2/190]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {يذرؤكم فيه} [الشورى: 11] : «نسلٌ بعد نسلٍ»). [صحيح البخاري: 6/129]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال مجاهدٌ يذرؤكم فيه نسلٌ بعد نسلٍ وصله الفريابيّ من طريق مجاهدٍ في قوله يذرؤكم فيه قال نسلًا بعد نسلٍ من النّاس والأنعام وروى الطّبريّ من طريق السّدّيّ في قوله يذرؤكم قال يخلقكم). [فتح الباري: 8/563]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وأما أقوال مجاهد فقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 11 الشورى {يذرؤكم فيه} نسل بعد نسل من النّاس والأنعام). [تغليق التعليق: 4/304] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال مجاهدٌ يذرؤكم فيه نسلٌ بعد نسلٍ
أي: قال مجاهد في قوله تعالى: {ومن الأنعام أزواجًا يذرؤكم فيه} (الشورى: 11) أن معنى: يذرؤكم نسلًا بعد نسل من النّاس والأنعام، أي: يخلقكم وكذا فسره السّديّ، يقال: ذرأ الله الخلق يذرأ هم ذرأ إذا خلقهم وكأنّه مختصّ بخلق الذّرّيّة بخلاف برأ لأنّه أعم. قوله: (يذرؤكم فيه) قال القتبي: أي في الرّوح، وخطأ من قال: في الرّحم، لأنّها مؤنّثة ولم تذكر). [عمدة القاري: 19/156]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({يذرؤكم فيه}) [الشورى: 11] بالذال المعجمة (نسل بعد نسل) أي يخلقكم في الرحمن وقال القتبي أي في الروح وخطأ من قال في الرحم لأنها مؤنثة). [إرشاد الساري: 7/330]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاطر السّموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجًا ومن الأنعام أزواجًا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيءٌ وهو السّميع البصير}
يقول تعالى ذكره: {فاطر السّموات والأرض} خالق السّماوات السّبع والأرض.
- كما حدّثنا محمّدٌ قال: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {فاطر السّموات والأرض} قال: خالق.
وقوله: {جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} يقول تعالى ذكره: زوّجكم ربّكم من أنفسكم أزواجًا وإنّما قال جلّ ثناؤه: {من أنفسكم} لأنّه خلق حوّاء من ضلع آدم، فهنّ من الرّجال {ومن الأنعام أزواجًا} يقول جلّ ثناؤه: وجعل لكم من الأنعام أزواجًا من الضّأن اثنين، ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ذكورًا وإناثًا، ومن كلّ جنسٍ من ذلك {يذرؤكم فيه} يقول: يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم، ويعيشكم فيما جعل لكم من الأنعام.
وقد اختلف أهل التّأويل في معنى قوله: {يذرؤكم فيه} في هذا الموضع، فقال بعضهم: معنى ذلك: يخلقكم فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {يذرؤكم فيه} قال: نسلٌ بعد نسلٍ من النّاس والأنعام.
- حدّثنا محمّد، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {يذرؤكم} قال: يخلقكم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ، في قوله: {يذرؤكم فيه} قال: نسلاً بعد نسلٍ من النّاس والأنعام.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن منصورٍ، أنّه قال في هذه الآية: {يذرؤكم فيه} قال: يخلقكم.
وقال آخرون: بل معناه: يعيشكم فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: ثني أبي قال: ثني عمّي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {جعل لكم من أنفسكم أزواجًا ومن الأنعام أزواجًا يذرؤكم فيه} يقول: يجعل لكم فيه معيشةً تعيشون بها.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {يذرؤكم فيه} قال: يعيشكم فيه.
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يذرؤكم فيه} قال: عيشٌ من اللّه يعيشكم فيه.
وهذان القولان وإن اختلفا في اللّفظ من قائليهما فقد يحتمل توجيههما إلى معنًى واحدٍ، وهو أن يكون القائل في معناه يعيشكم فيه، أراد بقوله ذلك: يحييكم بعيشكم به كما يحيي من لم يخلق بتكوينه إيّاه، ونفخه الرّوح فيه حتّى يعيش حيًّا.
وقد بيّنت معنى ذرء اللّه الخلق فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادته.
وقوله: {ليس كمثله شيءٌ} فيه وجهان: أحدهما أن يكون معناه: ليس كهو شيءٌ، وأدخل المثل في الكلام توكيدًا للكلام إذا اختلف اللّفظ به وبالكاف، وهما بمعنًى واحدٍ، كما قيل:
ما إن نديت بشيءٍ أنت تكرهه
فأدخل على (ما) وهي حرف جحدٍ (إن) وهي أيضًا حرف جحدٍ، لاختلاف اللّفظ بهما، وإن اتّفق معنياهما توكيدًا للكلام، وكما قال أوس بن حجرٍ:
وقتلى كمثل جذوع النّخيل = تغشّاهم مسبلٌ منهمر
ومعنى ذلك: كجذوع النّخيل، وكما قال الآخر:
سعد بن زيدٍ إذا أبصرت فضلهم = ما إن كمثلهم في النّاس من أحد
والآخر: أن يكون معناه: ليس مثل شيءٍ، وتكون الكاف هي المدخلة في الكلام، كقول الرّاجز:
وصاليات ككما يؤثفين
فأدخل على الكاف كافًا؛ توكيدًا للتّشبيه، وكما قال الآخر:
تنفي الغياديق على الطّريق = قلّص عن كبيضةٍ في نيق
فأدخل الكاف مع (عن).
وقد بيّنّا هذا في موضعٍ غير هذا المكان بشرحٍ هو أبلغ من هذا الشّرح، فلذلك تجوّزنا في البيان عنه في هذا الموضع.
وقوله: {وهو السّميع البصير} يقول جلّ ثناؤه واصفًا نفسه بما هو به، وهو يعني نفسه: السّميع لما ينطق به خلقه من قولٍ، البصير لأعمالهم، لا يخفى عليه من ذلك شيءٌ، ولا يعزب عنه علم شيءٍ منه، وهو محيطٌ بجميعه، محصٍ صغيره وكبيره؛ {لتجزى كلّ نفسٍ بما كسبت} من خيرٍ أو شرٍّ). [جامع البيان: 20/474-478]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يذرؤكم فيه يعني نسلا بعد نسل). [تفسير مجاهد: 573]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه} قال: عيش من الله يعيشكم الله فيه). [الدر المنثور: 13/133-134]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه {يذرؤكم فيه} قال: نسلا من بعد نسل من الناس والأنعام). [الدر المنثور: 13/134]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {يذرؤكم} قال: يخلقكم). [الدر المنثور: 13/134]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي وائل رضي الله عنه قال: بينما عبد الله رضي الله عنه يمدح ربه إذ قال مصعد: نعم الرب يذكر، فقال عبد الله: إني لأجله عن ذلك {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} ). [الدر المنثور: 13/134]

تفسير قوله تعالى: (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا جعفر بن حيان، عن الحسن، في قوله: {يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر}، قال: يخير له). [الزهد لابن المبارك: 2/371]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الحسن وقتادة في قوله تعالى مقاليد السموات قال مفاتيح السماوات). [تفسير عبد الرزاق: 2/190]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {له مقاليد السّموات والأرض يبسط الرّزق لمن يشاء ويقدر إنّه بكلّ شيءٍ عليمٌ}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {له مقاليد السّموات والأرض} له مفاتيح خزائن السّماوات والأرض وبيده مغاليق الخير والشّرّ ومفاتيحها، فما يفتح من رحمةٍ فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {له مقاليد السّموات والأرض} قال: مفاتيح بالفارسيّة.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {له مقاليد السّموات والأرض} قال: مفاتيح السّماوات والأرض. وعن الحسن بمثل ذلك.
- حدّثنا محمّدٌ قال: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {له مقاليد السّموات والأرض} قال: خزائن السّماوات والأرض.
وقوله: {يبسط الرّزق لمن يشاء ويقدر} يقول: يوسّع رزقه وفضله على من يشاء من خلقه، ويبسط له، ويكثر ماله ويغنيه ويقدر: يقول: ويقتّر على من يشاء منهم فيضيّقه ويفقره {إنّه بكلّ شيءٍ عليمٌ} يقول: إنّ اللّه تبارك وتعالى بكلّ ما يفعل من توسيعه على من يوسّع، وتقتيره على من يقتّر، ومن الّذي يصلحه البسط عليه في الرّزق، ويفسده من خلقه، والّذي يصلحه التّقتير عليه ويفسده، وغير ذلك من الأمور، ذو علمٍ لا يخفى عليه موضع البسط والتّقتير وغيره، من صلاح تدبيرٍ خلقه.
يقول تعالى ذكره: فإلى من له مقاليد السّماوات والأرض الّذي صفته ما وصفت لكم في هذه الآيات أيّها النّاس فارغبوا، وإيّاه فاعبدوا مخلصين له الدّين لا الأوثان والآلهة والأصنام، الّتي لا تملك لكم ضرًّا ولا نفعًا). [جامع البيان: 20/478-479]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله له مقاليد السموات والأرض مفاتيح السموات والأرض وهي بالفارسية). [تفسير مجاهد: 573]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 12.
أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار نور السموات من نور وجهه إن مقدار كل يوم من أيامكم عنده اثنتا عشرة ساعة فيعرض عليه أعمالكم بالأمس أول النهار واليوم فينظر فيه ثلاث ساعات فيطلع منها على ما يكره فيغضبه ذلك وأول من يعلم بغضبه الذين يحملون العرش وسرادقات العرش والملائكة المقربون وسائر الملائكة وينفخ جبريل في القرن فلا يبقى شيء إلا سمعه إلا الثقلين: الجن والإنس فيسبحونه ثلاث ساعات حتى يمتلئ الرحمن رحمة فتلك ست ساعات ثم يؤتى بما في الأرحام فينظر فيها ثلاث ساعات (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم) (آل عمران 6) (يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) (الشورى 49) حتى بلغ (عليم) فتلك تسع ساعات ثم ينظر في أرزاق الخلق كله ثلاث ساعات (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم) (الرعد 26) فتلك اثنتا عشرة ساعة ثم قال: (كل يوم هو في شأن) (الرحمن 29) فهذا شأن ربكم كل يوم). [الدر المنثور: 13/134-135]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 10:23 AM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

التفسير اللغوي



تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لّتنذر أمّ القرى ومن حولها...}
وأمّ القرى: مكة, ومن حولها من العرب.
{وتنذر يوم الجمع}: معناه: وتنذرهم يوم الجمع، ومثله قوله: {إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه}: معناه: يخوفكم أولياءه.
وقوله: {فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير...}, رفع بالاستئناف كقولك: رأيت الناس شقي وسعيد، ولو كان فريقاً في الجنة، وفريقا في السعير كان صوابا، والرفع أجود في العربية). [معاني القرآن: 3/22]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وتنذر يوم الجمع}: أي: تنذرهم بيوم الجمع، هو يوم القيامة.
كما قال عز وجل: {لينذر بأساً شديداً}، أي ببأس شديد). [تفسير غريب القرآن: 391]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيّا لتنذر أمّ القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنّة وفريق في السّعير (7)}
{أمّ القرى}: مكة، وموضع {ومن حولها} نصب.
المعنى: لتنذر أهل أم القرى, ومن حولها، لأن البلد لا يعقل, ومثل هذا: {واسأل القرية الّتي كنّا فيها}.
وقوله: {وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه} أي: يوم يبعث الناس جميعا، ثم أعلم ما حالهم في ذلك اليوم فقال: {فريق في الجنّة وفريق في السّعير}). [معاني القرآن: 4/394]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه}
روى أشعث, عن الحسن قال: {أم القرى}: مكة.
قال أبو جعفر: وإنما قيل لها أم القرى, لأنها أول ما عظم من خلق الله عز وجل, أو لأنها أول ما وضع كما قال جل وعز: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة}, وفي الحديث: ((إن الأرض منها دحيت))
قال أبو جعفر: والمعنى: لتنذر أهل أم القرى, وتنذر من حولها.
{وتنذر يوم الجمع}: أي: يوم يبعث الناس جميعاً.
المعنى: وتنذرهم بيوم القيامة, ثم حذف المفعول والباء, كما قال تعالى: {لينذر باسا شديدا من لدنه}). [معاني القرآن: 6/295-296]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {ولو شاء اللّه لجعلهم أمّة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظّالمون ما لهم من وليّ ولا نصير}
ارتفع {الظّالمون} بالابتداء, وقوله: {يدخل من يشاء في رحمته والظّالمين أعدّ لهم عذابا أليما}
الفصل بين هذا, والأول أن أعد لهم فعل فنصب{الظالمين} بفعل مضمر يفسره ما ظهر، المعنى: وأوعد الظالمين, أعد لهم عذابا أليما). [معاني القرآن: 4/395]

تفسير قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)}

تفسير قوله تعالى: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {جعل لكم مّن أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً...}.
يقول: جعل لكل شيء من الأنعام زوجا؛ ليكثروا, ولتكثروا.
وقوله: {يذرؤكم فيه...} معنى (فيه): أي به، والله أعلم). [معاني القرآن: 3/22]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ يذرؤكم فيه }: يخلقكم). [مجاز القرآن: 2/199]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({يذرءكم}: يخلقكم). [غريب القرآن وتفسيره: 330]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({جعل لكم من أنفسكم أزواجاً}: يريد: الإناث، {ومن الأنعام أزواجاً} يريد: جعل للأنعام منها أزواجا، أي إناثا: {يذرؤكم فيه}: أي, يخلقكم في الرحم، أو في الزوج.
{ليس كمثله شيءٌ}: أي: ليس كهو شيء, والعرب تقيم المثل مقام النفس، فتقول: مثلي لا يقال له هذا، أي: أنا لا يقال لي). [تفسير غريب القرآن: 391]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(الكاف) قد تزاد، كقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}). [تأويل مشكل القرآن: 250]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {فاطر السّماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير}
{جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا} أي: خلق الذكر والأنثى من الحيوان كلّه.
وقوله: {يذرؤكم فيه}: أي: يكثركم بجعله منكم, ومن الأنعام أزواجا.
وقوله: {ليس كمثله شيء}: هذه الكاف مؤكدة، والمعنى ليس مثله شيء، ولا يجوز أن يقال: المعنى مثل مثله شيء، لأن من قال هذا فقد أثبت المثل للّه تعالى عن ذلك علوّا كبيرا). [معاني القرآن: 4/395]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا}
{جعل لكم من أنفسكم أزواجا}, أي: إناثا, {ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه}.
قال مجاهد: نسلا من بعد نسل من الناس, والإنعام.
قال قتادة: يذرؤكم فيه, يعيشكم فيه
قال أبو جعفر: المعنى أنه لما قال جعل دل على الجعل, كما يقال من كذب كان شرا له أي: يخلقكم, ويكثركم في الجعل, وقال الفراء: فيه بمعنى به, والله أعلم.
وقال القتبي: يذرؤكم فيه في الزوج.
قال أبو جعفر: كأن المعنى عنده يخلقكم في بطون الإناث, ويكون فيه في الرحم, وهذا خطأ لأن الرحم مؤنثة, ولم يجر لها ذكر.
وقوله جل وعز: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}
الكاف زائدة التوكيد , وأنشد سيبويه:

وصاليات ككما يؤثفين).
[معاني القرآن: 6/296-298]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يذْرَؤُكُمْ}: أي: يخلقكم في الرحم أو في الزوج). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 219]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَذْرَؤُكُمْ}: يخلقكم). [العمدة في غريب القرآن: 266]

تفسير قوله تعالى:{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({له مقاليد السّماوات والأرض} أي: مفاتيحها, ومالك المفاتيح: مالك الخزائن, واحدها: «إقليد»، جمع على غير واحد كما قالوا: «مذاكير» جمع ذكر, وقالوا: «محاسن» جمع حسن). [تفسير غريب القرآن: 391]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {له مقاليد السموات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر}
قال الحسن, ومجاهد, وقتادة : {المقاليد}: المفاتيح .
قال أبو جعفر: والذي يملك المفاتيح, يملك الخزائن.
يقال للمفتاح: إقليد, وجمعه على غير قياس كمحاسن, والواحد حسن). [معاني القرآن: 6/298]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 10:27 AM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]




تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8) }

تفسير قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) }

تفسير قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) }

تفسير قوله تعالى: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب ما يقع في الاستثناء
من غير نوع المذكور قبله
وذلك قولك: ما جاءني أحد إلا حماراً، وما في القوم أحد إلا دابةً. فوجه هذا وحده النصب؛ وذلك لأن الثاني ليس من نوع الأول، فيبدل منه، فتنصبه بأصل الاستثناء على معنى ولكن، واللفظ النصب لما ذكرت لك في صدر الباب.
فمن ذلك قول الله عز وجل: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى}.
ومن ذلك: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم}. فالعاصم الفاعل، ومن رحم معصوم، فهذا خاصةً لا يكون فيه إلا النصب.
وأما الأول فقد يجوز فيه الرفع، وهو قول بني تميم. وتفسير رفعه على وجهين: أحدهما: أنك إذا قلت: ما جاءني رجل إلا حمار فكأنك قلت: ما جاءني إلا حمار، وذكرت رجلاً وما أشبهه توكيداً. فكأنه في التقدير: ما جاءني شيء رجل ولا غيره، إلا حمار.
والوجه الآخر: أن تجعل الحمار يقوم مقام من جاءني من الرجال على التمثيل، كما تقول: عتابك السيف، وتحيتك الضرب، كما قال:




وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع



وقال الآخر:




ليس بيني وبين قيـس عتـاب غير طعن الكلى وضرب الرقاب



وبنو تميم تقرأ هذه الآية: {إلا ابتغاءُ وجه ربه الأعلى} ويقرءون {ما لهم به من علم إلا اتباعُ الظن}يجعلون اتباع الظن علمهم.
والوجه النصب على ما ذكرت لك، وهو القياس اللازم، ووجه الرفع ما بيناه. كما قال:




وبلدة ليس بها أنيـس إلا اليعافير، وإلا العيس



فجعل اليعاقير أنيس ذلك المكان وينشد بنو تميم قول النابغة:




وقفت فيها أصيـلالاً أسائلهـا عيت جواباً، وما بالربع من أحد


إلا أواري لأبـاً مـا أبينـهـا والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد



والوجه النصب، وهو إنشاد أكثر الناس.
وقوله جل وعز: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا} من هذا الباب؛ لأن لولا في معنى هلا. والنحويون يجيزون الرفع في مثل هذا من الكلام، ولا يجيزونه في القرآن لئلا يغير خط المصحف. ورفعه على الوصف كما ذكرت لك في الباب الذي قبله. فأما قول الشاعر:




من كان أسرع في تفرق فالج فلبونه جربت معاً، وأغدت


إلا كناشرة الذي ضيعتـم كالغصن في غلوائه المتنبت



فإنما الكاف زائدة، وهو استثناء ليس من الأول. ولو حذفت الكاف لكان الموضع نصباً ومثل ذلك:




لولا ابن حارثة الأميـر لقـدأ غضبت من شتمي على رغمي


إلا كمعرض المحسـر بكـره عمداً يسببنـي علـى ظلـم



وكذا قوله:




إلا كخارجة المكلف نفسـه وابني قبيصة أن أغيب ويشهدا



الكاف زائدة مؤكدة كتوكيدها في قول الله جل وعز {ليس كمثله شيء}. ومثل ذلك قوله:
لواحق الأقراب فيها كالمقق
أي فيها مقق وهو الطول. والكاف زائدة). [المقتضب: 4/412-418] (م)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {والَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} منه يبرونه ثم أدغمت الواو في الياء، وإذا جعلها من السر فهي فعلية. {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} معناه يكثركم فيه أي في الخلق. وذرية وذرية جميعًا من ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءًا وكان ينبغي أن يكون مهموزًا، ومن قال هي من الذر قال ذرية لا غير، ولا همز، وإنما ضمت قياسًا على نسبة أشباهها، مثل دهري منسوب إلى دهر، وما كان مثله). [مجالس ثعلب: 177-178] (م)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أي ليس كهو). [مجالس ثعلب: 231]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ}: يكثركم فيه، الهاء راجعة على الخلق). [مجالس ثعلب: 231]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (أنا كهو، كناية عن زيد، قال: لأنهم أرادوا أن يأتوا بعد الكاف بثلاثة أحرف يعني " مثل " فوضعوا " هو " موضعها. وقال الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فجمع بين هو وبين مثل). [مجالس ثعلب: 557-558]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (




أتانا فلم نعـدل سـواه بغيـره نبي أتى من عند ذي العرش صادق



معناه أتانا فلم نعدله بغيره، على هذا أكثر الناس.
ويقال فيه قولان آخران. و(سواه) صلة للكلام، معناها التوكيد، كما قال عز وجل: {ليس كمثله شيء}، أراد كهو شيء؛ فأكد بـ«مثل»، قال الشاعر:
وقتلى كمثل جذوع النخيل يغشاهم سبل منهمر
أراج كجذوع النخيل. وقد تكسر السين منه ويقصر، وهو بمعنى النفس). [كتاب الأضداد: 41] (م)

تفسير قوله تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م, 12:30 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م, 12:31 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م, 12:37 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل * وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير * ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير * أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير}
هذه آية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، ووعيد للكفار، وإزالة عن النبي عليه الصلاة والسلام جميع الكلف سوى التبليغ فقط، لئلا يهتم بعدم إيمان قريش وغيرهم، فقال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: إن الذين اتخذوا الأصنام والأوثان أولياء من دون الله، الله هو الحفيظ عليهم كفرهم، المحصي لأعمالهم، المجازي لهم عليها بعذاب الآخرة، وأنت فلست بوكيل عليهم ولا ملازم لأمرهم حتى يؤمنوا، و"الوكيل": المقيم على الأمر، وما في هذا اللفظ من موادعة فهو منسوخ بآية السيف.
ثم قال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك}، أي: وكما قضينا أمرك هكذا وأمضيناه في هذه الصورة، كذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا مبينا لهم، لا يحتاجون معه إلى آخر سواه; إذ فهمه متأت لهم، ولم يكلفك إلا إنذار من ذكر، و"أم القرى" هي مكة، والمراد أهل مكة، ولذلك عطف "من" عليها، وهي في الأغلب لمن يعقل، و"يوم الجمع" هو يوم القيامة، واقتصر في "تنذر" على المفعول الأول لأن المعنى: وتنذر أم القرى العذاب وتنذر الناس يوم الجمع، لاجتماع أهل الأرض بأهل السماء، أو لاجتماع بني آدم للعرض، وقوله تعالى: {لا ريب فيه} أي في نفسه وذاته، وارتياب الكفار به لا يقيد.
وقوله تعالى: "فريق" مرتفع على خبر الابتداء المضمر، كأنه تعالى قال: هم فريق في الجنة وفريق في السعير). [المحرر الوجيز: 7/ 501-502]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قوى تبارك وتعالى تسلية نبيه صلى الله عليه وسلم بأن عرفه أن الأمر موقوف على مشيئة الله من إيمانهم أو كفرهم، وأنه لو أراد كونهم أمة واحدة لجمعهم عليه، ولكنه يدخل من سبقت له السعادة عنده في رحمته، وييسره في الدنيا لعمل أهل السعادة، وإن الظالمين بالكفر الميسرين لعمل الشقوة ما لهم من ولي ولا نصير). [المحرر الوجيز: 7/ 502]

تفسير قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "أم اتخذوا" كلام منقطع مما قبله، وليست معادلة، ولكن الكلام كأنه أضرب عن حجة لهم أو مقالة مقررة، فقال: بل اتخذوا، هذا مشهور قول النحويين في مثل هذا، وذهب بعضهم إلى أن "أم" هذه هي بمنزلة ألف الاستفهام دون تقدير إضراب، ثم أثبت تعالى الحكم بأنه عز وجل هو الولي الذي تنفع ولايته، وأنه هو الذي يحيي الموتى ويحشرهم إلى الآخرة ويبعثهم من قبورهم، وأن قدرته على كل شيء تعطي هذا وتقتضيه).[المحرر الوجيز: 7/ 502]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب * فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير * له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم}
المعنى: قل يا محمد: وما اختلفتم فيه أيها الناس من تكذيب وتصديق وإيمان وكفر وغير ذلك، فالحكم فيه والمجازاة عليه ليست إلي ولا بيدي، وإنما ذلك إلى الله الذي صفاته ما ذكر من إحياء الموتى والقدرة على كل شيء، ثم قال: {ذلكم الله ربي}، وعليه توكلي، وإليه إنابتي ورجوعي، وهو فاطر السماوات والأرض، أي مخترعها وخالقها، شق بعضها من بعض.
وقوله تعالى: {جعل لكم من أنفسكم أزواجا} يريد: زوج الإنسان الأنثى، وبهذه النعمة اتفق الذرء، وليست الأزواج هاهنا الأنواع، وأما الأزواج المذكورة مع الأنعام فالظاهر أيضا والمتسق: أنه يريد إناث الذكران، ويحتمل أن يريد الأنواع، والأول أظهر. وقوله تعالى: {يذرؤكم فيه} أي يخلقكم نسلا بعد نسل، وقرنا بعد قرن، قاله مجاهد والناس، فلفظة "ذرأ" تزيد على لفظة "خلق" معنى آخر ليس في "خلق"، وهو توالي الطبقات على مر الزمان، وقوله: "فيه" الضمير على "الجعل" الذي يتضمنه قوله تعالى: {جعل لكم}، وهذا كما تقول: كلمت زيدا كلاما أكرمته فيه، وقال العتبي: الضمير للتزويج، ولفظة "في" مشتركة على معان وإن كان أصلها الوعاء، وإليه يردها النظر في كل وجه.
وقوله تعالى: {ليس كمثله شيء}، الكاف مؤكدة للتشبيه، فنفي التشبيه أوكد ما يكون، وذلك أنك تقول: زيد كعمرو، وزيد مثل عمرو، فإذا أردت المبالغة التامة قلت: زيد كمثل عمرو، ومن هذا قول أوس بن حجر:
وقتلى كمثل جذوع النخيل ... تغشاهم مسبل منهمر
ومنه قول الآخر:
سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم ... ما إن كمثلهم في الناس من أحد
فجرت الآية في هذا الموضع على عرف كلام العرب، وتفترق الآية مع هذه الشواهد في أن الشواهد متى أردت أن تتبع بذهنك هذا اللفظ فتقدر للجذوع مثلا موجودا وتشبه القتلى بذلك المثل أمكنك، أو لا يمكنك هذا في جهة الله تعالى إلا أن تجعل المثل ما يتحصل في الذهن من العلم بالله تعالى، إذ المثل والمثال واحد.
وذهب الطبري وغيره إلى أن المعنى: "ليس كهو شيء"، وقالوا: لفظة "مثل" في الآية توكيد أو واقعة موقع هو.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومما يؤيد دخول الكاف تأكيدا أنها قد تدخل على الكاف نفسها، وأنشد سيبويه:
وصاليات ككما يؤثفين
). [المحرر الوجيز: 7/ 502-504]

تفسير قوله تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"المقاليد": المفاتيح، قاله ابن عباس، والحسن. وقال مجاهد: أصلها بالفارسية، وهي هاهنا استعارة لوقوع كل أمر تحت قدرته، وقال السدي: المقاليد: الخزائن، وفي العبارة -على هذا- حذف مضاف، قال قتادة: من ملك مقالد خزائن، فالخزائن في ملكه، وبسط الرزق وقدره بين، وقد مضى تفسيره غير مرة). [المحرر الوجيز: 7/ 505]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م, 02:07 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م, 02:12 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وكذلك أوحينا إليك قرآنًا عربيًّا لتنذر أمّ القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير (7) ولو شاء اللّه لجعلهم أمّةً واحدةً ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظّالمون ما لهم من وليٍّ ولا نصيرٍ (8) }
يقول تعالى: وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك، {أوحينا إليك قرآنًا عربيًّا} أي: واضحًا جليًّا بيّنًا، {لتنذر أمّ القرى} وهي مكّة، {ومن حولها} أي: من سائر البلاد شرقًا وغربًا، وسمّيت مكّة "أمّ القرى"؛ لأنّها أشرف من سائر البلاد، لأدلّةٍ كثيرةٍ مذكورةٍ في مواضعها. ومن أوجز ذلك وأدلّه ما قال الإمام أحمد:
حدّثنا أبو اليمان، حدّثنا شعيبٌ، عن الزّهري، أخبرنا أبو سلمة بن عبد الرّحمن أنّ عبد اللّه بن عدي بن الحمراء الزّهريّ أخبره: أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول -وهو واقفٌ بالحزورة في سوق مكّة-: "واللّه، إنّك لخير أرض اللّه وأحبّ أرض اللّه إلى اللّه، ولولا أنّي أخرجت منك ما خرجت".
وهكذا رواية التّرمذيّ، والنّسائيّ، وابن ماجه، من حديث الزّهريّ، به وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.
وقوله: {وتنذر يوم الجمع}، وهو يوم القيامة، يجمع اللّه الأوّلين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ.
وقوله: {لا ريب فيه} أي: لا شكّ في وقوعه، وأنّه كائنٌ لا محالة. وقوله: {فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير}، كقوله: {يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التّغابن} [التّغابن:9] أي: يغبن أهل الجنّة أهل النّار، وكقوله تعالى: {ذلك يومٌ مجموعٌ له النّاس وذلك يومٌ مشهودٌ وما نؤخّره إلا لأجلٍ معدودٍ يوم يأت لا تكلّم نفسٌ إلا بإذنه فمنهم شقيٌّ وسعيدٌ} [هودٍ:103-105].
قال الإمام أحمد: حدّثنا هاشم بن القاسم، حدّثنا ليث، حدّثني أبو قبيلٍ المعافريّ، عن شفيّ الأصبحيّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو -رضي اللّه عنهما- قال: خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفي يده كتابان، فقال: "أتدرون ما هذان الكتابان؟ " قال: قلنا: لا إلّا أن تخبرنا يا رسول اللّه قال للذي في يده اليمينى: "هذا كتابٌ من ربّ العالمين، بأسماء أهل الجنّة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثمّ أجمل على آخرهم -لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدًا" ثمّ قال للّذي في يساره: "هذا كتاب أهل النّار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثمّ أجمل على آخرهم -لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدًا" فقال أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فلأيّ شيءٍ إذًا نعمل إن كان هذا أمر قد فرغ منه؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "سدّدوا وقاربوا، فإنّ صاحب الجنّة يختم له بعمل الجنّة، وإن عمل أيّ عمل، وإنّ صاحب النّار يختم له بعمل النّار، وإن عمل أيّ عملٍ" ثمّ قال بيده فقبضها، ثمّ قال: "فرغ ربّكم عزّ وجلّ من العباد" ثمّ قال باليمنى فنبذ بها فقال: "فريقٌ في الجنّة"، ونبذ باليسرى فقال: "فريقٌ في السّعير"
وهكذا رواه التّرمذيّ والنّسائيّ جميعًا، عن قتيبة عن اللّيث بن سعدٍ وبكر بن مضر، كلاهما عن أبي قبيلٍ، عن شفيّ بن ماتعٍ الأصبحيّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، به.
وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
وساقه البغويّ في تفسيره من طريق بشر بن بكرٍ، عن سعيد بن عثمان، عن أبي الزّاهريّة، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فذكره بنحوه. وعنده زياداتٌ منها: ثمّ قال: "فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير، عدلٌ من اللّه عزّ وجلّ".
ورواه ابن أبي حاتمٍ عن أبيه، عن عبد اللّه بن صالحٍ -كاتب اللّيث-عن اللّيث، به.
ورواه ابن جريرٍ عن يونس، عن ابن وهبٍ، عن عمرو بن الحارث، عن أبي قبيل، عن شفيٍّ، عن رجلٍ من الصّحابة، فذكره.
ثمّ روي عن يونس، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث وحيوة بن شريح، عن يحيى بن أبي أسيدٍ؛ أنّ أبا فراسٍ حدّثه: أنّه سمع عبد اللّه بن عمرٍو يقول: إنّ اللّه لمّا خلق آدم نفضه نفض المزود، وأخرج منه كلّ ذرّيّته، فخرج أمثال النّغف، فقبضهم قبضتين، ثمّ قال: شقيٌّ وسعيدٌ، ثمّ ألقاهما، ثمّ قبضهما فقال: فريقٌ في الجنّة، وفريقٌ في السّعير.
وهذا الموقوف أشبه بالصّواب، واللّه أعلم.
وقال الإمام أحمد، رحمه اللّه: حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا حمّادٌ -يعني ابن سلمة-أخبرنا الجريريّ، عن أبي نضرة، أنّ رجلًا من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقال له: أبو عبد اللّه -دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي، فقالوا له: ما يبكيك؟ ألم يقل لك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "خذ من شاربك ثمّ أقرّه حتّى تلقاني" قال: بلى، ولكن سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "إن اللّه قبض بيمينه قبضةً، وأخرى باليد الأخرى، قال: هذه لهذه، وهذه لهذه ولا أبالي" فلا أدري في أيّ القبضتين أنا.
وأحاديث القدر في الصّحاح والسّنن والمسانيد كثيرةٌ جدًّا، منها حديث عليٍّ، وابن مسعودٍ، وعائشة، وجماعةٍ جمّةٍ). [تفسير ابن كثير: 7/ 191-193]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولو شاء اللّه لجعلهم أمّةً واحدةً} أي: إمّا على الهداية أو على الضّلالة، ولكنّه تعالى فاوت بينهم، فهدى من يشاء إلى الحقّ، وأضلّ من يشاء عنه، وله الحكمة والحجّة البالغة؛ ولهذا قال: {ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظّالمون ما لهم من وليٍّ ولا نصيرٍ}
وقال: ابن جريرٍ: حدّثني يونس، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي سويدٍ، حدّثه عن ابن حجيرة: أنّه بلغه أنّ موسى، عليه السّلام، قال: يا ربّ خلقك الّذين خلقتهم، جعلت منهم فريقًا في الجنّة وفريقًا في النّار، لو ما أدخلتهم كلّهم الجنّة؟! فقال: يا موسى، ارفع ذرعك. فرفع، قال: قد رفعت. قال: ارفع. فرفع، فلم يترك شيئًا، قال: يا ربّ قد رفعت، قال: ارفع. قال: قد رفعت، إلّا ما لا خير فيه. قال: كذلك أدخل خلقي كلّهم الجنّة، إلّا ما لا خير فيه). [تفسير ابن كثير: 7/ 193]

تفسير قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {أم اتّخذوا من دونه أولياء فاللّه هو الوليّ وهو يحيي الموتى وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ (9) وما اختلفتم فيه من شيءٍ فحكمه إلى اللّه ذلكم اللّه ربّي عليه توكّلت وإليه أنيب (10) فاطر السّماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجًا ومن الأنعام أزواجًا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيءٌ وهو السّميع البصير (11) له مقاليد السّماوات والأرض يبسط الرّزق لمن يشاء ويقدر إنّه بكلّ شيءٍ عليمٌ (12) }
يقول تعالى منكرًا على المشركين في اتّخاذهم آلهةً من دون اللّه، ومخبرًا أنّه هو الوليّ الحقّ الّذي لا تنبغي العبادة إلّا له وحده، فإنّه القادر على إحياء الموتى وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ). [تفسير ابن كثير: 7/ 193]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال: {وما اختلفتم فيه من شيءٍ فحكمه إلى اللّه} أي: مهما اختلفتم فيه من الأمور وهذا عامٌّ في جميع الأشياء، {فحكمه إلى اللّه} أي: هو الحاكم فيه بكتابه، وسنّة نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، كقوله: {فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول} [النّساء:59].
{ذلكم اللّه ربّي} أي: الحاكم في كلّ شيءٍ، {عليه توكّلت وإليه أنيب} أي: أرجع في جميع الأمور).[تفسير ابن كثير: 7/ 193]

تفسير قوله تعالى: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {فاطر السّموات والأرض} أي: خالقهما وما بينهما، {جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} أي: من جنسكم وشكلكم، منّةً عليكم وتفضّلًا جعل من جنسكم ذكرًا وأنثى، {ومن الأنعام أزواجًا} أي: وخلق لكم من الأنعام ثمانية أزواجٍ.
وقوله: {يذرؤكم فيه} أي: يخلقكم فيه، أي: في ذلك الخلق على هذه الصّفة لا يزال يذرؤكم فيه ذكورًا وإناثًا، خلقًا من بعد خلقٍ، وجيلًا بعد جيلٍ، ونسلًا بعد نسلٍ، من النّاس والأنعام.
وقال البغويّ رحمه اللّه: {يذرؤكم فيه} أي: في الرّحم. وقيل: في البطن. وقيل: في هذا الوجه من الخلقة.
قال مجاهدٌ: ونسلًا بعد نسلٍ من النّاس والأنعام.
وقيل: "في" بمعنى "الباء"، أي: يذرؤكم به.
{ليس كمثله شيءٌ} أي: ليس كخالق الأزواج كلّها شيءٌ؛ لأنّه الفرد الصّمد الّذي لا نظير له، {وهو السّميع البصير}).[تفسير ابن كثير: 7/ 194]

تفسير قوله تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {له مقاليد السّموات والأرض} تقدّم تفسيره في "سورة الزّمر"، وحاصل ذلك أنّه المتصرّف الحاكم فيهما، {يبسط الرّزق لمن يشاء ويقدر} أي: يوسّع على من يشاء، ويضيّق على من يشاء، وله الحكمة والعدل التّامّ، {إنّه بكلّ شيءٍ عليمٌ}).[تفسير ابن كثير: 7/ 194]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:09 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة