تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير} [يونس: 11] : " قول الإنسان لولده وماله إذا غضب: اللّهمّ لا تبارك فيه والعنه ". {لقضي إليهم أجلهم} [يونس: 11] : «لأهلك من دعي عليه ولأماته»). [صحيح البخاري: 6/72]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال مجاهدٌ ولو يعجل الله للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير قول الإنسان لولده وما له إذا غضب اللّهمّ لا تبارك فيه والعنه وقوله لقضى إليهم أجلهم أي لأهلك من دعي عليه ولأماته هكذا وصله الفريابيّ وعبد بن حميد وغيرهما من طريق بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في تفسير هذه الآية ورواه الطّبريّ بلفظٍ مختصرٍ قال فلو يعجّل اللّه لهم الاستجابة في ذلك كما يستجاب في الخير لأهلكهم ومن طريق قتادة قال هو دعاء الإنسان على نفسه وما له بما يكره أن يستجاب له انتهى وقد ورد في النّهي عن ذلك حديثٌ مرفوعٌ أخرجه مسلمٌ في أثناء حديثٍ طويلٍ وأفرده أبو داود من طريق عبادة بن الوليد عن جابرٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من اللّه ساعةً يسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم). [فتح الباري: 8/346-347]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال مجاهد {يعجل الله للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير} قول الإنسان لولده وماله إذا غضب اللّهمّ لا تبارك فيه والعنه لقضي إليهم أجلهم لأهلك من دعي عليه ولأماته {للّذين أحسنوا الحسنى} مثلها حسنى وزيادة مغفرة ورضوان وقال غيره النّظر إلى وجهه
أما قول مجاهد فقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 11 يونس {ولو يعجل الله للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير} قال قول الإنسان لولده ولماله إذا غضب عليه اللّهمّ لا تبارك فيه والعنه وفي قوله 11 يونس {لقضي إليهم أجلهم} قال لأهلك من دعا عليه فأماته). [تغليق التعليق: 4/222]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال مجاهدٌ يعجّل الله للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير قول الإنسان لولده وماله إذا غضب {اللّهمّ لا تبارك فيه والعنه. لقضي إليهم أجلهم لأهلك من دعي عليه ولأماته} .
أشار به إلى قوله تعالى: {ولو يعجل الله للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير} (يونس: 11) . نزلت هذه الآية في النّضر بن الحارث حيث قال: أللهم إن كان هذا هو الحق، والتعجيل تقديم الشّيء قبل وقته، والاستعجال طلب العجلة، والمعنى: لو يعجل الله للنّاس الشّرّ إذا دعوه على أنفسهم عند الغضب وعلى أهليهم وأموالهم كما يعجل لهم الخير لهلكوا. قوله: (وقال مجاهد) تعليق وصله ابن أبي حاتم عن حجاج بن حمزة حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، فذكره. قوله: (يعجل الله) في محل الرّفع على الابتداء بتقدير محذوف فيه وهو إخباره تعالى بقوله: {ولو يعجل الله للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير} . قوله: (قول الإنسان) خبر المبتدأ المقدر. قوله: (لقضى إليهم أجلهم) ، جواب: لو قال الزّمخشريّ: معناه لأميتوا وأهلكوا، وهو معنى قوله: (لأهلك من دعى عليه وأماته) ، أي: لأهلك الله من دعى عليه، ويجوز فيه صيغة المعلوم والمجهول. قوله: ولأماته عطف على قوله: لأهلكه، واللّام فيهما للابتداء). [عمدة القاري: 18/284-285]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي وعبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله تعالى: ({ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير}) [يونس: 11] هو (قول الإنسان لولده وماله إذا غضب اللهم لا تبارك فيه) وفي الفرع له فيه وليس له في أصله (والعنه {لقضي إليهم أجلهم} [يونس: 11] (لأهلك من دعي عليه) بضم همزة أهلك ودال دعي مبنيين للمفعول ولأبي ذر لأهلك من دعا عليه بفتحهما (ولأماته) قال في فتوح الغيب ({ولو يعجل الله}) متضمن معنى نفي التعجيل لأن لو لتعليق ما امتنع بامتناع غيره يعني لم يكن التعجيل ولا قضاء العذاب فيلزم من ذلك حصول المهلة وهذا لطف من الله تعالى بعباده ورحمة. وفي حديث مسلم عن جابر مرفوعًا لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم ففيه النهي عن ذلك). [إرشاد الساري: 7/165]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الّذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون}.
يقول تعالى ذكره: {ولو يعجّل اللّه للنّاس} إجابة دعائهم في {الشّرّ} وذلك فيما عليهم مضرّةٌ في نفسٍ أو مالٍ؛ {استعجالهم بالخير} يقول: كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة إذا دعوه به {لقضي إليهم أجلهم} يقول: لهلكوا وعجّل لهم الموت، وهو الأجل.
وعنى بقوله: {لقضي} لفرغ إليهم من أجلهم وتبدّى لهم، كما قال أبو ذؤيبٍ:
وعليهما مسرودتان قضاهما = داود أو صنع السّوابغ تبّع
{فنذر الّذين لا يرجون لقاءنا} يقول: فندع الّذين لا يخافون عقابنا ولا يوقنون بالبعث ولا بالنّشور، {في طغيانهم} يقول: في تمرّدهم وعتوّهم، {يعمهون} يعني: يتردّدون.
وإنّما أخبر جلّ ثناؤه عن هؤلاء الكفرة بالبعث بما أخبر به عنهم من طغيانهم وتردّدهم فيه عند تعجيله إجابة دعائهم في الشّرّ لو استجاب لهم أنّ ذلك كان يدعوهم إلى التّقرّب إلى الوثن الّذي يشرك به أحدهم، أو يضيف ذلك إلى أنّه من فعله.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير} قال: قول الإنسان إذا غضب لولده وماله: لا بارك اللّه فيه ولعنه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير} قال: قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه: اللّهمّ لا تبارك فيه والعنه فلو يعجّل اللّه الاستجابة لهم في ذلك كما يستجاب في الخير لأهلكهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير} قال: قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه: اللّهمّ لا تبارك فيه والعنه: {لقضي إليهم أجلهم} قال: لأهلك من دعا عليه ولأماته.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير} قال: قول الرّجل لولده إذا غضب عليه أو ماله: اللّهمّ لا تبارك فيه والعنه قال اللّه: {لقضي إليهم أجلهم} قال: لأهلك من دعا عليه ولأماته. قال: {فنذر الّذين لا يرجون لقاءنا} قال: يقول: لا نهلك أهل الشّرك، ولكن نذرهم في طغيانهم يعمهون.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، قوله: {ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير} قال: هو دعاء الرّجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {لقضي إليهم أجلهم} قال: لأهلكناهم، وقرأ: {ما ترك على ظهرها من دابّةٍ} قال: يهلكهم كلّهم.
ونصب قوله {استعجالهم} بوقوع يعجّل عليه، كقول القائل: قمت اليوم قيامك، بمعنى قمت كقيامك، وليس بمصدرٍ من يعجّل، لأنّه لو كان مصدرًا لم يحسن دخول الكاف، أعني كافّ التّشبيه فيه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {لقضي إليهم أجلهم} فقرأ ذلك عامّة قرّاء الحجاز والعراق: {لقضي إليهم أجلهم} على وجه ما لم يسمّ فاعله بضمّ القاف من قضي ورفع الأجل. وقرأ عامّة أهل الشّأم: لقضي إليهم أجلهم بمعنى: لقضى اللّه إليهم أجلهم. وهما قراءتان متّفقتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ، غير أنّي أقرؤه على وجه ما لم يسمّ فاعله، لأنّ عليه أكثر القرّاء). [جامع البيان: 12/129-132]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الّذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون (11)
قوله تعالى: ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه: اللّهمّ لا تبارك فيه والعنه.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن الأعلى الصّنعانيّ ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن قتادة ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير قال هو دعاء الرّجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له.
قوله تعالى: استعجالهم بالخير
- ذكر عن معاوية بن هشامٍ، عن شريكٍ عن سالمٍ عن سعيدٍ في قوله:
ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير قال: هو الرّجل يدعو على نفسه: اللّهمّ اخزه اللّهمّ افعل به كذا وكذا، فلو عجّل اللّه لهم ذلك، كما يعجّل اللّه لهم: اللّهمّ ارزقني لقضي إليهم الأجل.
قوله تعالى: لقضي إليهم أجلهم
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: لقضي إليهم أجلهم لأهلك من دعا عليه ولأماته.
قوله تعالى: فنذر الذين لا يرجون لقاءنا
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة الّذين لا يرجون لقاءنا مشركي أهل مكّة.
قوله تعالى: في طغيانهم يعمهون
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية في طغيانهم يعني: في ضلالهم، وقد تقدّم القول فيه). [تفسير القرآن العظيم: 6/1932]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير قال هو قول الرجل لولده وأهله وماله إذا غضب عليهم اللهم لا تبارك فيه اللهم العنه يقول لو عجل له ذلك لقضي إليهم أجلهم أي لهلك من دعا عليه فأماته). [تفسير مجاهد: 292]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 11.
أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير} قال: هو قول إنسان لولده وماله إذا غضب عليه: اللهم لا تبارك فيه والعنه {لقضي إليهم أجلهم} قال: لأهلك من دعا عليه ولأماته.
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير {ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير} قال: قول الرجل للرجل: اللهم اخزه اللهم العنه قال: وهو يحب أن يستجاب له كما يحب اللهم اغفر له اللهم ارحمه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له). [الدر المنثور: 7/635]
تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (12) : قوله تعالى: { [وإذا مسّ الإنسان الضّرّ دعانا لجنبه أو قاعدًا أو قائمًا فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرٍّ مسّه} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، قال: أخبرني محمّد بن سوقة، قال: دخلت مع عون بن عبد اللّه قصر الكوفة فقلت له: لو رأيتنا زمن الحجّاج وأتي بنا هذا القصر، وبنا من الحزن والغمّ؟ فقال لي عونٌ: فمررت به كأن لم تدعه إلى ضرٍّ مسّك؟ اذهب إلى ذلك المكان، واحمد اللّه عزّ وجلّ فيه، واذكر اللّه. نحو هذا من الكلام قاله سفيان). [سنن سعيد بن منصور: 5/307]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا مسّ الإنسان الضّرّ دعانا لجنبه أو قاعدًا أو قائمًا فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرٍّ مسّه كذلك زيّن للمسرفين ما كانوا يعملون}.
يقول عالى ذكره: وإذا أصاب الإنسان الشّدّة والجهد {دعانا لجنبه} يقول: استغاث بنا في كشف ذلك عنه، لجنبه: يعني مضطجعًا لجنبه. {أو قاعدًا أو قائمًا} الحال الّتي يكون بها عند نزول ذلك الضّرّ به. {فلمّا كشفنا عنه ضرّه} يقول: فلمّا فرّجنا عنه الجهد الّذي أصابه، {مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرٍّ مسّه} يقول: استمرّ على طريقته الأولى قبل أن يصيبه الضّرّ، ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء، أو تناساه، وترك الشّكر لربه الّذي فرّج عنه ما كان قد نزل به من البلاء حين استعاذ به، وعاد للشّرك ودعوى الآلهة والأوثان أربابًا معه يقول تعالى ذكره: {كذلك زيّن للمسرفين ما كانوا يعملون} يقول: كما زيّن لهذا الإنسان الّذي وصفنا صفته استمراره على كفره بعد كشف اللّه عنه ما كان فيه من الضّرّ، كذلك زيّن للّذين أسرفوا في الكذب على اللّه وعلى أنبيائه، فتجاوزوا في القول فيهم إلى غير ما أذن اللّه لهم به، ما كانوا يعملون من معاصي اللّه والشّرك به.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {دعانا لجنبه} قال: مضطجعًا). [جامع البيان: 12/132-133]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإذا مسّ الإنسان الضّرّ دعانا لجنبه أو قاعدًا أو قائمًا فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرٍّ مسّه كذلك زيّن للمسرفين ما كانوا يعملون (12)
قوله تعالى: وإذا مسّ الإنسان الضّرّ دعانا لجنبه
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن قتادة قال: إذا مسهم الضر: خلصوا للّه الدّعاء.
قوله تعالى: فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضر مسه إلى قوله: كذلك زين للمسرفين
......
قوله تعالى: كذلك زيّن للمسرفين
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا موسى بن مسلمٍ ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا عبّاد ابن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: زيّن قال زيّن لهم الشّيطان). [تفسير القرآن العظيم: 6/1933]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 12 - 13
أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله {دعانا لجنبه} قال: مضطجعا.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله {دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما} قال: على كل حال.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي الدرداء قال: ادع الله يوم سرائك يستجب لك يوم ضرائك). [الدر المنثور: 7/635-636]
تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لمّا ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبيّنات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين}.
يقول تعالى ذكره: ولقد أهلكنا الأمم الّتي كذّبت رسل اللّه من قبلكم أيّها المشركون بربّهم {لمّا ظلموا} يقول: لمّا أشركوا وخالفوا أمر اللّه ونهيه. {وجاءتهم رسلهم} من عند اللّه، {بالبيّنات} وهي الآيات والحجج الّتي تبيّن عن صدق من جاء بها.
ومعنى الكلام: وجاءتهم رسلهم بالآيات البيّنات أنّها حقٌّ. {وما كانوا ليؤمنوا} يقول: فلم تكن هذه الأمم الّتي أهلكناها ليؤمنوا برسلهم ويصدّقوهم إلى ما دعوهم إليه من توحيد اللّه وإخلاص العبادة له {كذلك نجزي القوم المجرمين} يقول تعالى ذكره: كما أهلكنا هذه القرون من قبلكم أيّها المشركون بظلمهم أنفسهم وتكذيبهم رسلهم وردّهم نصيحتهم، كذلك أفعل بكم فأهلككم كما أهلكتهم بتكذيبكم رسولكم محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، وظلمكم أنفسكم بشرككم بربّكم، إن أنتم لم تنيبوا وتتوبوا إلى اللّه من شرككم، فإنّ من ثواب الكافر بي على كفره عندي أن أهلكه بسخطي في الدّنيا وأورده النّار في الآخرة). [جامع البيان: 12/133-134]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لمّا ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبيّنات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين (13)
قوله تعالى: ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لمّا ظلموا
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً أنبأ ابن وهيب، ثنا ابن زيدٍ يعني عبد الرّحمن قال ما عذّب قوم نوحٍ حتّى ما كان في الأرض سهلٌ ولا جبلٌ إلا وله عامر يعمره وحائز يحوزه.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً أنبأ ابن وهبٍ حدّثني مالك بن أنسٍ عن زيد بن أسلم أنّ أهل السّهل كان قد ضاق بهم وأهل الجبل حتّى ما يقدروا أهل السّهل أن يرتقوا إلى الجبل ولا أهل الجبل أن ينزلوا إلى أهل السّهل في زمان نوحٍ قال حشوا.
قوله تعالى: وجاءتهم رسلهم بالبيّنات
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمد بن علي ثنا محمد ابن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: بالبيّنات يعني: بالبيّنات ما أنزل اللّه من الحلال والحرام.
قوله تعالى: وما كانوا ليؤمنوا كذلك
- حدّثنا أبو بكر بن موسى ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ، قوله: كذلك يعني: هكذا). [تفسير القرآن العظيم: 6/1933]
تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون}.
يقول تعالى ذكره: {ثمّ جعلناكم} أيّها النّاس {خلائف} من بعد هؤلاء القرون الّذين أهلكناهم لمّا ظلموا تخلفونهم {في الأرض} وتكونون فيها بعدهم {لننظر كيف تعملون} يقول: لينظر ربّكم أين عملكم من عمل من هلك من قبلك من الأمم بذنوبهم وكفرهم بربّهم، تحذون مثالهم فيه، فتستحقّون من العقاب ما استحقّوا، أم تخالفون سبيلهم، فتؤمنون باللّه ورسوله، وتقرّون بالبعث بعد الممات، فتستحقّون من ربّكم الثّواب الجزيل.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ثمّ جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون} ذكر لنا أنّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه قال: صدق ربّنا ما جعلنا خلفاء إلاّ لينظر كيف أعمالنا، فأروا اللّه من أعمالكم خيرًا، باللّيل والنّهار والسّر والعلانية.
حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا زيد بن عوف أبو ربيعة فهد، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن ثابت البنانيّ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى: أنّ عوف بن مالكٍ، رضي اللّه عنه قال لأبي بكرٍ رضي اللّه عنه: رأيت فيما يرى النّائم كأنّ سببًا دلّي من السّماء فانتشط رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ دلّي فانتشط أبو بكرٍ، ثمّ ذرع النّاس حول المنبر، ففضل عمر رضي اللّه عنه بثلاث أذرعٍ إلى المنبر فقال عمر: دعنا من رؤياك لا أرب لنا فيها فلمّا استخلف عمر قال: يا عوف رؤياك؟ قال: وهل لك في رؤياي من حاجةٍ، أو لم تنتهرني؟ قال: ويحك إنّي كرهت أن تنعي لخليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نفسه فقصّ عليه الرّؤيا، حتّى إذا بلغ ذرع النّاس إلى المنبر بهذه الثّلاث الأذرع، قال: أمّا إحداهنّ فإنّه كائنٌ خليفةً، وأمّا الثّانية فإنّه لا يخاف في اللّه لومة لائمٍ، وأمّا الثّالثة فإنّه شهيدٌ. قال: فقال يقول اللّه: {ثمّ جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون} فقد استخلفت يا ابن أمّ عمر، فانظر كيف تعمل؛ وأمّا قوله: فإنّي لا أخاف في اللّه لومة لائمٍ فما شاء اللّه، وأمّا قوله: فإنّي شهيدٌ فأنّى لعمر الشّهادة والمسلمون مطيفون به ثمّ قال إنّ اللّه على ما يشاء قديرٌ). [جامع البيان: 12/134-135]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ثمّ جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون (14)
قوله تعالى: ثمّ جعلناكم خلائف في الأرض
- حدّثنا أبي، ثنا أبو سلمة ثنا حمّادٌ ثنا ثابت البنانيّ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال: قال عمر يقول اللّه تعالى: ثمّ جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون قال: فقد استخلفت يا ابن أمّ عمر فانظر كيف تعمل؟
قوله تعالى: لننظر كيف تعملون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان ثنا الوليد ثنا خليدٌ وسعيدٌ، عن قتادة، في قول اللّه: ثمّ جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون ذكر لنا أنّ عمر بن الخطّاب قرأ هذه الآية فقال: صدق ربّنا ما جعلنا خلائف الأرض إلا لينظر إلى أعمالنا فأدّوا اللّه خير أعمالكم باللّيل والنّهار والسّر والعلانية). [تفسير القرآن العظيم: 6/1934]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 14.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون} قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية فقال: صدق ربنا ما جعلنا خلائف في الأرض إلا لينظر إلى أعمالنا فأروا الله خير أعمالكم بالليل والنهار والسر والعلانية.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {ثم جعلناكم خلائف} لأمة محمد صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 7/636]