العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة المائدة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 10:13 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة المائدة [ من الآية (59) إلى الآية (63) ]

تفسير سورة المائدة
[ من الآية (59) إلى الآية (63) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (62) لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (63)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 11:46 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلاّ أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأنّ أكثركم فاسقون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لأهل الكتاب من اليهود والنّصارى: يا أهل الكتاب، هل تكرهون منّا أو تجدون علينا في شى اذ تستهزئون بديننا وإذا أنتم إذا نادينا إلى الصّلاة اتّخذتم نداءنا ذلك هزوًا ولعبًا {إلاّ أن آمنّا باللّه} يقول: إلاّ أن صدّقنا وأقررنا باللّه فوحّدناه، وبما أنزل إلينا من عند اللّه من الكتاب، وما أنزل إلى أنبياء اللّه من الكتب من قبل كتابنا. {وأنّ أكثركم فاسقون} يقول: إلاّ أنّ أكثركم مخالفون أمر اللّه، خارجون عن طاعته، تكذبون عليه.
والعرب تقول: نقمت عليك كذا أنقم وبه قرأ القرّاء من أهل الحجاز والعراق وغيرهم ونقمت أنقم لغتان، ولا نعلم قارئًا قرأ بهما بمعنى وجدت وكرهت، ومنه قول عبد اللّه بن قيس الرّقيّات:.
ما نقموا من بني أميّة إلّـ = ـا أنّهم يحلمون إن غضبوا
وقد ذكر أنّ هذه الآية نزلت بسبب قومٍ من اليهود.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نفرٌ من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب، ورافع بن أبي رافعٍ، وعازرٌ، وزيدٌ وخالدٌ، وأزار بن أبي أزارٍ،
وأشيع، فسألوه عمّن يؤمن به من الرّسل؟ قال: أومن باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النّبيّون من ربّهم، لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون فلمّا ذكر عيسى جحدوا نبوّته وقالوا: لا نؤمن بمن آمن به فأنزل اللّه فيهم: {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلاّ أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأنّ أكثركم فاسقون}.
عطفًا بها على أنّ الّتي في قوله: {إلاّ أن آمنّا باللّه} لأنّ معنى الكلام: هل تنقمون منّا إلاّ إيماننا باللّه وفسقكم). [جامع البيان: 8/536-538]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلّا أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأنّ أكثركم فاسقون (59)
قوله تعالى: قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ قالوا: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبو ياسر بن أخضب، ونافع بن أبي نافعٍ، وعازرٌ وخالدٌ وزيدٌ وإزاد بن أبي إزادٍ وأشيع فقالوا: عمّن تؤمن به من الرّسل. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: نؤمن باللّه وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النّبيّون من رّبّهم لا نفرّق بين أحدٍ منهم. فلمّا ذكر عيسى بن مريم جحدوا نبوّته وقالوا: لا نؤمن بعيسى ولا بمن آمن به فأنزل اللّه فيهم: قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلّا أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأنّ أكثركم فاسقون). [تفسير القرآن العظيم: 4/1164]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون}.
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من يهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ونافع بن أبي نافع وغازي بن عمرو وزيد بن خالد وازار بن أبي أزار وأسقع فسألوه عمن يؤمن به من الرسل قال: أؤمن بالله {وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا: لا نؤمن بعيسى فانزل الله {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا} إلى قوله {فاسقون}). [الدر المنثور: 5/366]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطّاغوت أولئك شرٌّ مّكانًا وأضلّ عن سواء السّبيل}
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء الّذين اتّخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار: هل أنبّئكم يا معشر أهل الكتاب بشرٍّ من ثواب ما تنقمون منّا من إيماننا باللّه، وما أنزل إلينا من كتاب اللّه، وما أنزل من قبلنا من كتبه؟وتقدير مثوبة مفعوله غير أنّ العين لمّا سكّنت، نقلت حركتها إلى الفاء، وهي الثّاء من مثوبةً، فخرجت مخرج مقولةٍ، ومحورةٍ، ومضوفةٍ، كما قال الشّاعر:.
وكنت إذا جاري دعا لمضوفةٍ = أشمّر حتّى ينصف السّاق مئزري
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه} يقول: ثوابًا عند اللّه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه} قال: المثوبة: الثّواب، مثوبة الخير ومثوبة الشّرّ، وقرأ: شرٌّ ثوابًا.
وأمّا من في قوله: {من لعنه اللّه} فإنّه في موضع خفضٍ ردًّا على قوله: {بشرٍّ من ذلك} فكأنّ تأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك: قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه بمن لعنه اللّه.
ولو قيل هو في موضع رفعٍ لكان صوابًا على الاستئناف، بمعنى: ذلك من لعنه اللّه، أو هو من لعنه اللّه.
ولو قيل هو في موضع نصبٍ لم يكن فاسدًا، بمعنى: قل هل أنبّئكم من لعنه اللّه، فيجعل أنبّئكم عاملا ما في من واقعًا عليه.
وأمّا معنى قوله: {من لعنه اللّه} فإنّه يعني: من أبعده اللّه وأسحقه من رحمته وغضب عليه. {وجعل منهم القردة والخنازير} يقول: وغضب عليه، وجعل منهم المسوخ القردة والخنازير، غضبًا منه عليهم وسخطًا، فعجّل لهم الخزي والنّكال في الدّنيا.
وأمّا سبب مسخ اللّه من مسخ منهم قردةً فقد ذكرنا بعضه فيما مضى من كتابنا هذا، وسنذكر بقيّته إن شاء اللّه في مكانٍ غير هذا. وأمّا سبب مسخ اللّه من مسخ منهم خنازير، فإنّه كان فيما:.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن عمر بن كثير بن أفلح، مولى أبي أيّوب الأنصاريّ، قال: حدّثت أنّ المسخ في بني إسرائيل من الخنازير كان أنّ امرأةً من بني إسرائيل كانت في قريةٍ من قرى بني إسرائيل، وكان فيها ملك بني إسرائيل، وكانوا قد استجمعوا على الهلكة، إلاّ أنّ تلك المرأة كانت على بقيّةٍ من الإسلام متمسكّةً به، فجعلت تدعو إلى اللّه حتّى إذا اجتمع إليها ناسٌ فتابعوها على أمرها، قالت لهم: إنّه لا بدّ لكم من أن تجاهدوا عن دين اللّه وأن تنادوا قومكم بذلك، فاخرجوا فإنّي خارجةٌ. فخرجت وخرج إليها ذلك الملك في النّاس، فقتل أصحابها جميعًا، وانفلتت من بينهم. قال: ودعت إلى اللّه حتّى تجمّع النّاس إليها، حتّى إذا رضيت منهم أمرتهم بالخروج، فخرجوا وخرجت معهم، وأصيبوا جميعًا وانفلتت من بينهم. ثمّ دعت إلى اللّه، حتّى إذا اجتمع إليها رجالٌ استجابوا لها، أمرتهم بالخروج، فخرجوا وخرجت، فأصيبوا جميعًا، وانفلتت من بينهم. فرجعت وقد أيست، وهي تقول: سبحان اللّه، لو كان لهذا الدّين وليّ وناصرٌ لقد أظهره بعد. قال: فباتت محزونةً، وأصبح أهل القرية يسعون في نواحيها خنازير وقد مسخهم اللّه في ليلتهم تلك، فقالت حين أصبحت ورأت ما رأت: اليوم أعلم أنّ اللّه قد أعزّ دينه وأمر دينه. قال: فما كان مسخ الخنازير في بني إسرائيل إلاّ على يدي تلك المرأة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وجعل منهم القردة والخنازير} قال: مسخت من يهود.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وللمسخ سببٌ فيما ذكر غير الّذي ذكرناه سنذكره في موضعه إن شاء اللّه). [جامع البيان: 8/538-541]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعبد الطّاغوت أولئك شرٌّ مكانًا وأضلّ عن سواء السّبيل}
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته قرّاء الحجاز والشّام والبصرة وبعض الكوفيّين: {وعبد الطّاغوت} بمعنى: وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطّاغوت، بمعنى: عابدٍ، فجعل عبد فعلاً ماضيًا من صلة المضمر، ونصب الطّاغوت بوقوع عبد عليه.
وقرأ ذلك جماعةٌ من الكوفيّين: وعبد الطّاغوت بفتح العين من عبد وضمّ بائها وخفض الطّاغوت بإضافة عبد إليه، وعنوا بذلك: وخدم الطّاغوت.
- حدّثني بذلك المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، قال: حدّثني حمزة، عن الأعمش، عن يحيى بن وثّابٍ، أنّه قرأ: (وعبد الطّاغوت) يقول: خدمٌ. قال عبد الرّحمن: وكان حمزة كذلك يقرؤها.
- حدّثني ابن وكيعٍ، وابن حميدٍ قالا: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، أنّه كان يقرؤها.
كذلك. وكان الفرّاء يقول: إن يكن فيه لغةٌ مثل حذرٍ وحذرٍ، وعجلٍ وعجلٍ، فهو وجهٌ واللّه أعلم. وإلا فإنه أراد قول الشّاعر:.
أبني لبينى إنّ أمّكم = أمةٌ وإنّ أباكم عبد
قإلّ وهذا من ضرورة الشّعر. وهذا يجوز في الشّعر لضرورة القوافي، وأمّا في القراءة فلا.
وقرأ ذلك آخرون (وعبد الطّاغوت) ذكر ذلك عن الأعمش، وكأنّ من قرأ ذلك كذلك أراد جمع الجمع من العبد، كأنّه جمع العبد عبيدًا، ثمّ جمع العبيد عبدًا، مثل ثمارٍ وثمرٍ.
وذكر عن أبي جعفرٍ القارئ أنّه يقرؤه: (وعبد الطّاغوت).
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: كان أبو جعفرٍ النّحويّ يقرؤها: وعبد الطّاغوت كما يقول: ضرب عبد اللّه.
قال أبو جعفرٍ: وهذه قراءةٌ لا معنى لها، لأنّ اللّه تعالى إنّما ابتدأ الخبر بذمّ أقوامٍ، فكان فيما ذمّهم به عبادتهم الطّاغوت. وأمّا الخبر عن أنّ الطّاغوت قد عبد، فليس من نوع الخبر الّذي ابتدأ به الآية، ولا من جنس ما ختمها به، فيكون له وجهٌ يوجّه إليه في الصّحّة.
وذكر أنّ بريدة الأسلميّ كان يقرؤه: وعابد الطّاغوت.
- حدّثني بذلك المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا شيخٌ، بصريّ: أنّ بريدة، كان يقرؤه كذلك.
ولو قرئ ذلك: وعبد الطّاغوت، بالكسر كان له مخرجٌ في العربيّة صحيحٌ، وإن لم أستجز اليوم القراءة بها، إذ كانت قراءة الحجّة من القرّاء بخلافها؛ ووجه جوازها في العربيّة أن يكون مرادًا بها وعبدة الطّاغوت، ثمّ حذفت الهاء من العبدة للإضافة، كما قال الرّاجز:.
قام ولاها فسقوه صرخدا
يريد: قام ولاتها، فحذف التّاء من ولاتها للإضافة.
وأمّا قراءة القرّاء فبأحد الوجهين اللّذين بدأت بذكرهما، وهو: وعبد الطّاغوت بنصب الطّاغوت وإعمال عبد فيه، وتوجيه عبد إلى أنّه فعلٌ ماضٍ من العبادة. والآخر: عبد الطّاغوت على مثال فعل، وخفض الطّاغوت بإضافة عبد إليه.
فإذا كانت قراءة القرّاء بأحد هذين الوجهين دون غيرهما من الأوجه الّتي هي أصحّ مخرجًا في العربيّة منهما، فأولاهما بالصّواب من القراءة قراءة من قرأ ذلك: {وعبد الطّاغوت} بمعنى: وجعل منهم القردة والخنازير، ومن عبد الطّاغوت؛ لأنّه ذكر أنّ ذلك في قراءة أبيّ بن كعبٍ وابن مسعودٍ: وجعل منهم القردة والخنازير وعبدوا الطّاغوت بمعنى: والّذين عبدوا الطّاغوت. ففي ذلك دليلٌ واضحٌ على صحّة المعنى الّذي ذكرنا من أنّه مرادٌ به: ومن عبد الطّاغوت، وأنّ النّصب بالطّاغوت أولى على ما وصفت في القراءة لإعمال عبد فيه، إذ كان الوجه الآخر غير مستفيضٍ في العرب ولا معروفٍ في كلامها.
على أنّ أهل العربيّة يستنكرون إعمال شيءٍ في من والّذي المضمرين مع من وفي إذا كفّت من أو في منهما، ويستقبحونه، حتّى كان بعضهم يحيل ذلك ولا يجيزه. وكان الّذي يحيل ذلك يقرؤه: وعبد الطّاغوت، فهو على قوله خطأٌ ولحنٌ غير جائزٍ.
وكان آخرون منهم يستجيزونه على قبحٍ، فالواجب على قولهم أن تكون القراءة بذلك قبيحةً؛ وهم مع استقباحهم ذلك في الكلام قد اختاروا القراءة بها، وإعمال وجعل في من وهي محذوفةٌ مع من.
ولو كنّا نستجيز مخالفة الجماعة في شيءٍ ممّا جاءت به مجمعةً عليه، لاخترنا القراءة بغير هاتين القراءتين، غير أنّ ما جاء به المسلمون مستفيضًا، فهم لا يتناكرونه، فلا نستجيز الخروج منه إلى غيره؛ فلذلك لم نستجز القراءة بخلاف إحدى القراءتين اللّتين ذكرنا أنّهم لم يعدوهما.
وإذ كانت القراءة عندنا ما ذكرنا، فتأويل الآية: قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه: من لعنه، وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير، ومن عبد الطّاغوت.
وقد بيّنّا معنى الطّاغوت فيما مضى بشواهده من الرّوايات وغيرها، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا.
وأمّا قوله: {أولئك شرٌّ مكانًا وأضلّ عن سواء السّبيل} فإنّه يعني بقوله: أولئك: هؤلاء الّذين ذكرهم تعالى ذكره، وهم الّذين وصف صفتهم، فقال: من لعنه اللّه، وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير، وعبد الطّاغوت؛ وكلّ ذلك من صفة اليهود من بني إسرائيل. يقول تعالى ذكره: هؤلاء الّذين هذه صفتهم شرٌّ مكانًا في عاجل الدّنيا والآخرة عند اللّه ممّن نقمتم عليهم يا معشر اليهود إيمانهم باللّه وبما أنزل إليهم من عند اللّه من الكتاب وبما أنزل إلى من قبلهم من الأنبياء {وأضلّ عن سواء السّبيل} يقول تعالى ذكره: وأنتم مع ذلك أيّها اليهود، أشدّ أخذًا على غير الطّريق القويم، وأجور عن سبيل الرّشد والقصد منهم.
وهذا من لحن الكلام، وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره إنّما قصد بهذا الخبر إخبار اليهود الّذين وصف صفتهم في الآيات قبل هذه بقبيح فعالهم وذميم أخلاقهم واستيجابهم سخطه بكثرة ذنوبهم ومعاصيهم، حتّى مسخ بعضهم قردةً وبعضهم خنازير، خطابًا منه لهم بذلك تعريضًا بالجميل من الخطاب، ولحنٌ لهم بما عرفوا معناه من الكلام بأحسن اللّحن، وعلّم نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الأدب أحسنه، فقال له: قل لهم يا محمّد، أهؤلاء المؤمنون باللّه وبكتبه الّذين تستهزءون منهم شرٌّ أم من لعنه اللّه؟ وهو يعني المقول ذلك لهم). [جامع البيان: 8/541-546]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطّاغوت أولئك شرٌّ مكانًا وأضلّ عن سواء السّبيل (60)
قوله تعالى: قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه من لعنه اللّه وغضب علية
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبة عند الله، يقول: ثوابًا عند اللّه.
قوله تعالى: وجعل منهم القردة والخنازير
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن
[تفسير القرآن العظيم: 4/1164]
مجاهدٍ قوله: وجعل منهم القردة والخنازير مسخت من يهود.
قوله تعالى: القردة والخنازير
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا داود بن الفرات عن محمّد بن زيدٍ العبديّ عن أبي الأعيق عن أبي الأحفص عن ابن مسعودٍ قال: سألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن القردة والخنازير أهم من نسل اليهود، فقال: لا. إنّ اللّه لم يلعن قطّ قومًا فينسخهم فيكون لهم نسلٌ ولكن هذا خلقٌ كان فلمّا غضب الله على اليهود فيمسخهم جعلهم مثلهم.
قوله تعالى: وعبد الطّاغوت
- حدّثنا أبي، ثنا أبو غسّان قال: قلت لابن أبي ليلى وعبد الطّاغوت فقال: فخدم الطّاغوت). [تفسير القرآن العظيم: 4/1164-1165]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وجعل منهم القردة والخنازير قال القردة والخنازير مسخت من يهود). [تفسير مجاهد: 199]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل}.
أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: المثوبة، الثواب مثوبة الخير ومثوبة الشر وقرئ بشر ثوابا.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله {مثوبة عند الله} يقول: ثوابا عند الله.
قوله تعالى: {وجعل منهم القردة والخنازير}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {وجعل منهم القردة والخنازير} قال: مسخت من يهود.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي مالك، انه قيل: أكانت القردة والخنازير قبل أن يمسخوا قال: نعم وكانوا مما خلق من الأمم.
وأخرج مسلم، وابن مردويه عن ابن مسعود قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير أهي مما مسخ الله فقال: أن الله لم يهلك قوما أو يمسخ قوما فيجعل لهم نسلا ولا عاقبة وإن القردة والخنازير قبل ذلك.
وأخرج الطيالسي وأحمد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن مسعود قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير أهي من نسل من اليهود فقال: لا أن الله لم يعلن قوما قط فمسخم فكان لهم نسل ولكن هذا خلق فلما غضب الله على اليهود فمسخهم جعلهم مثلهم.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحيات مسخ الجن كما مسخت القردة والخنازير.
وأخرج ابن جرير عن عمرو بن كثير عن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري قال: حدثت أن المسخ في بني إسرائيل من الخنازير كان أن امرأة كانت من بني إسرائيل كانت في قرية من قرى بني إسرائيل وكان فيها ملك بني إسرائيل وكانوا قد استجمعوا على الهلكة إلا أن تلك المرأة كانت على بقية من الإسلام متمسكة فجعلت تدعو إلى الله حتى إذا اجتمع إليها ناس فبايعوها على أمرها قالت لهم: انه لا بد لكم من أن تجاهدوا عن دين الله وإن تنادوا قومكم بذلك فاخرجوا فاني خارجة فخرجت وخرج إليها ذلك الملك في الناس فقتل أصحابها جميعا وانفلتت من بينهم ودعت إلى الله حتى تجمع الناس إليها إذا رضيت منهم أمرتهم بالخروج فخرجوا وخرجت معهم فأصيبوا جميعا وانفلتت منهم ثم دعت إلى الله حتى إذا اجتمع إليها رجال واستجابوا لها أمرتهم بالخروج فخرجوا وخرجت معهم فأصيبوا جميعا وانفلتت منهم ثم دعت إلى الله حتى إذا اجتمع إليها رجال واستجابوا لها أمرتهم بالخروج فخرجوا وخرجت معهم فأصيبوا جميعا وانفلتت من بينهم فرجعت وقد أيست وهي تقول: سبحان الله، لو كان لهذا الدين ولي وناصر لقد أظهره بعد فباتت محزونة وأصبح أهل القرية يسعون في نواحيها خنازير مسخهم الله في ليلتهم تلك فقالت حين أصبحت ورأت ما رأت: اليوم أعلم أن الله قد أعز دينه وأمر دينه قال: فما كان مسخ الخنازير في بني إسرائيل إلا على يدي تلك المرأة.
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي من طريق عثمان بن عطاء عن أبيه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: سيكون في أمتي خسف ورجف وقردة وخنازير.
قوله تعالى: {وعبد الطاغوت}.
أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن زهير قال: قلت لابن أبي ليلى: كيف كان طلحة يقرأ الحرف {وعبد الطاغوت} فسره ابن أبي ليلى وخدمه.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء بن السائب قال: كان أبو عبد الرحمن يقرأ (وعبد الطاغوت) بنصب العين والباء، كما يقول ضرب الله
وأخرج ابن جرير عن أبي جعفر النحوي، أنه كان يقرأها (وعبد الطاغوت) كما يقول: ضرب الله.
وأخرج ابن جرير عن بريدة، انه كان يقرؤها (وعابد الطاغوت).
وأخرج ابن جرير من طريق عبد الرحمن بن أبي حماد قال: حدثني الأعمش وعن يحيى بن وثاب انه قرأ (وعبد الطاغوت) يقول: خدم قال عبد الرحمن: وكان حمزة رحمه الله يقرؤها كذلك). [الدر المنثور: 5/366-370]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا جاءوكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به واللّه أعلم بما كانوا يكتمون}
يقول تعالى ذكره: وإذا جاءكم أيّها المؤمنون هؤلاء المنافقون من اليهود، قالوا لكم: آمنّا: أي صدّقنا بما جاء به نبيّكم محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، واتّبعناه على دينه، وهم مقيمون على كفرهم وضلالتهم، قد دخلوا عليكم بكفرهم الّذي يعتقدونه بقلوبهم ويضمرونه في صدورهم، وهم يبدون كذبًا التّصديق لكم بألسنتهم. {وهم قد خرجوا به} يقول: وقد خرجوا بالكفر من عندكم كما دخلوا به عليكم لم يرجعوا بمجيئهم إليكم عن كفرهم وضلالتهم، يظنّون أنّ ذلك من فعلهم يخفى على اللّه جهلاً منهم باللّه. {واللّه أعلم بما كانوا يكتمون} يقول: واللّه أعلم بما كانوا عند قولهم لكن بألسنتهم: آمنّا باللّه وبمحمّدٍ وصدّقنا بما جاء به، يكتمون منهم بما يضمرونه من الكفر بأنفسهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإذا جاءوكم قالوا آمنّا} الآية: أناسٌ من اليهود كانوا يدخلون على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيخبرونه أنّهم مؤمنون راضون بالّذي جاء به، وهم متمسّكون بضلالتهم والكفر، وكانوا يدخلون بذلك ويخرجون به من عند نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإذا جاءوكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} قال: هؤلاء ناسٌ من المنافقين كانوا يهود. يقول: دخلوا كفّارًا وخرجوا كفّارًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذا جاءوكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} وإنّهم دخلوا وهم يتكلّمون بالحقّ وتسرّ قلوبهم الكفر، فقال: دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وإذا جاءوكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} {وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون} فإذا رجعوا إلى كفّارهم من أهل الكتاب وشياطينهم، رجعوا بكفرهم. وهؤلاء أهل الكتاب من يهود.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ: {وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} أي إنّه من عندهم). [جامع البيان: 8/546-548]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإذا جاءوكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به واللّه أعلم بما كانوا يكتمون (61)
قوله تعالى: وإذا جاؤكم قالوا آمنّا
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: وإذا جاؤكم قالوا آمنّا أناسٌ من اليهود كانوا يدخلون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فيخبرونه أنّهم مؤمنون بالّذي جاء به، وهم متمسّكون بضلالتهم وبالكفر، فكانوا يدخلون بذلك ويخرجون من عند نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به
- أخبرنا محمّد بن سعيدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي، حدّثني أبي عن أبيه عن ابن عبّاسٍ قوله: وإذا جاؤكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به فإنّهم دخلوا وهم يتكلّمون بالحقّ وشربت قلوبهم الكفر فقال: دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به
قوله تعالى: واللّه أعلم بما كانوا يكتمون
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، أخبرنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: واللّه أعلم بما كانوا يكتمون أي: ما يخفون). [تفسير القرآن العظيم: 4/1165-1166]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون}.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {وإذا جاؤوكم قالوا آمنا} الآية، قال أناس من اليهود وكانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم فيخبرونه انهم مؤمنون راضون بالذي جاء به وهم متمسكون بضلالتهم وبالكفر فكانوا يدخلون ويخرجون به من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} فإنهم دخلوا وهم يتكلمون بالحق وتسر قلوبهم الكفر فقال {دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به}.
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يهودا يقول: دخلوا كفارا وخرجوا كفارا). [الدر المنثور: 5/370-371]

تفسير قوله تعالى: (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وأكلهم السحت قال الرشا). [تفسير عبد الرزاق: 1/191]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يعملون}
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: وترى يا محمّد كثيرًا من هؤلاء اليهود الّذين قصصت عليك نبأهم من بني إسرائيل {يسارعون في الإثم والعدوان} يقول: يعجّلون بمواقعة الإثم.
وقيل: إنّ الإثم في هذا الموضع معنيٌّ به الكفر.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان} قال: الإثم: الكفر.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان} وكان هذا في حكّام اليهود بين أيديكم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {يسارعون في الإثم والعدوان} قال: هؤلاء اليهود {لبئس ما كانوا يعملون لولا ينهاهم الرّبّانيّون} إلى قوله: {لبئس ما كانوا يصنعون} قال: يصنعون ويعملون واحدٌ. قال لهؤلاء حين لم ينهوا، كما قال لهؤلاء حين عملوا قال وذلك الاركان:
وهذا القول الّذي ذكرناه عن السّدّيّ وإن كان قولاً غير مدفوعٍ جواز صحّته، فإنّ الّذي هو أولى بتأويل الكلام أن يكون القوم موصوفين بأنّهم يسارعون في جميع معاصي اللّه لا يتحاشون من شيءٍ منها لا من كفرٍ ولا من غيره؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره عمّ في وصفهم بما وصفهم به من أنّهم يسارعون في الإثم والعدوان من غير أن يخصّ بذلك إثمًا دون إثمٍ.
وأمّا العدوان، فإنّه مجاوزة الحدّ الّذي حدّه اللّه لهم في كلّ ما حدّه لهم.
وتأويل ذلك أنّ هؤلاء اليهود الّذين وصفهم في هذه الآيات بما وصفهم به تعالى ذكره، يسارع كثيرٌ منهم في معاصي اللّه وخلاف أمره، ويتعدّون حدوده الّتي حدّ لهم فيما أحلّ لهم وحرّم عليهم في أكلهم السّحت، وذلك الرّشوة الّتي يأخذونها من النّاس على الحكم بخلاف حكم اللّه فيهم.
يقول اللّه تعالى ذكره: {لبئس ما كانوا يعملون} يقول: أقسم لبئس العمل ما كان هؤلاء اليهود يعملون في مسارعتهم في الإثم والعدوان وأكلهم السّحت). [جامع البيان: 8/548-549]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يعملون (62)
قوله تعالى: وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الغرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قوله: وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان قال: اليهود.
قوله تعالى: يسارعون في الإثم والعدوان
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان الإثم:
الكفر.
قوله تعالى: لبئس ما كانوا يعملون
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: لبئس ما كانوا يعملون كان هذا في حكّام اليهود بين أيديكم). [تفسير القرآن العظيم: 4/1166]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وأكلهم السّحت} [المائدة: 62]
- عن عبد اللّه - يعني ابن مسعودٍ - رضي اللّه عنه - أنّه سئل عن السّحت قال: الرّشا. قيل: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر.
رواه الطّبرانيّ من رواية شريكٍ عن السّريّ عن أبي الضّحى. والسّريّ لم أعرفه، وبقيّة رجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/15]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون * لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا بصنعون}.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان} قال: هؤلاء اليهود {لبئس ما كانوا يعملون * لولا ينهاهم الربانيون} إلى قوله {لبئس ما كانوا يصنعون} ويعملون واحد، قال: هؤلاء لم ينهوا كما قال لهؤلاء حين عملوا.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت} قال: كان هذا في أحكام اليهود بين أيديكم). [الدر المنثور: 5/371]

تفسير قوله تعالى: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وأكلهم السحت قال الرشا). [تفسير عبد الرزاق: 1/191] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن سلمة بن نبيطٍ عن الضّحّاك بن مزاحمٍ قال: كان أصحاب عبد اللّه يقرءونها (أفلا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار) قال: علماؤهم وفقهاؤهم [الآية: 63]). [تفسير الثوري: 103-104]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ - في قوله عزّ وجلّ: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم} - قال: الرّبانيون: هم الفقهاء العلماء، (وهم) فوق الأحبار). [سنن سعيد بن منصور: 4/1502]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون}
يقول تعالى ذكره: هلا ينهى هؤلاء الّذين يسارعون في الإثم والعدوان وأكل الرّشا في الحكم من اليهود من بني إسرائيل ربّانيّوهم، وهم أئمّتهم المؤمنون، وساستهم العلماء بسياستهم وأحبارهم، وهم علماؤهم وقوّادهم {عن قولهم الإثم} يعني: عن قول الكذب والزّور؛ وذلك أنّهم كانوا يحكمون فيهم بغير حكم اللّه، ويكتبون كتبًا بأيديهم ثمّ يقولون: هذا من حكم اللّه، وهذا من كتبه. يقول اللّه: {فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون}.
وأمّا قوله: {وأكلهم السّحت} فإنّه يعني به الرّشوة الّتي كانوا يأخذونها على حكمهم بغير كتاب اللّه لمن حكموا له به.
وقد بيّنّا معنى الرّبّانيّين والأحبار ومعنى السّحت بشواهد ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وأمّا قوله: {لبئس ما كانوا يصنعون} وهذا قسمٌ من اللّه أقسم به، يقول تعالى ذكره: أقسم لبئس الصّنيع كان يصنع هؤلاء الرّبّانيّون والأحبار في تركهم نهي الّذين يسارعون منهم في الإثم والعدوان وأكل السّحت عمّا كانوا يفعلون من ذلك.
وكان العلماء يقولون: ما في القرآن آيةٌ أشدّ توبيخًا للعلماء من هذه الآية ولا أخوف عليهم منها.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن داود، قال: حدّثنا سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ، في قوله: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم} قال: ما في القرآن آيةٌ أخوف عندي منها أنّا لا ننهى.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عطيّة، قال: حدّثنا قيسٌ، عن العلاء بن المسيّب، عن خالد بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: ما في القرآن آيةٌ أشدّ توبيخًا من هذه الآية: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون} قال: كذا قرأ
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم، وأكلهم السّحت، لبئس ما كانوا يصنعون}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون} يعني الرّبّانيّين أنّهم بئس ما كانوا يصنعون). [جامع البيان: 8/550-551]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب ابن الحارث، ثنا بشر بن عبادة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قوله: لولا قال: هلا.
قوله تعالى: ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار
- ذكر يونس بن حبيبٍ ثنا أبو داود ثنا محمّد بن مسلم بن أبي الوضّاح، ثنا ثابت بن سعدٍ الهمدانيّ قال لقيته بالرّيّ فحدّث عن يحيى بن يعمر قال: خطب عليّ بن أبي طالبٍ فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها النّاس إنّما هلك من هلك قبلكم بركوبهم المعاصي ولم ينههم الرّبّانيّون والأحبار، فلمّا تمادوا في المعاصي ولم يمنعهم الرّبّانيّون والأحبار أخذتهم العقوبات. فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن ينزل بكم مثل الّذي نزل بهم، واعلموا أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لا يقطع رزقا ولا يقرب أجلا.
- أخبرنا يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار، قال: هؤلاء حين لم ينهوا كما قال لهؤلاء حين عملوا وذلك الأمر كان.
قوله تعالى: وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالح، حدثني محمد بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ في قوله: وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون يعني الرّبّانيّين إنّهم بئس ما كانوا يصنعون.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: لبئس ما كانوا يصنعون قال: يصنعون ويعملون واحدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/1167]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار} وهم الفقهاء والعلماء.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله {لولا ينهاهم} العلماء والأحبار.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {لبئس ما كانوا يصنعون} قال: حيث لم ينهوهم عن قولهم الإثم واكلهم السحت.
وأخرج ابن أبي حاتم أن علي رضي الله عنه أنه قال في خطبته: أيها الناس إنما هلك من هلك قبلكم بركوبهم المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار فلما تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار أخذتهم العقوبات فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقا ولا يقرب أجلا.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: ما في القرآن آية أشد توبيخا من هذه الآية لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم العدوان واكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون هكذا قرأ.
وأخرج ابن المبارك في الزهد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك ابن مزاحم قال: ما في القرآن آية أخوف عندي من هذه الآية {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون} أساء الثناء على الفريقين جميعا.
وأخرج عبد بن حميد من طريق سلمة بن نبيط عن الضحاك {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت} قال {الربانيون والأحبار} فقهاؤهم وقراؤهم وعلماؤهم قال: ثم يقول الضحاك: وما أخوفني من هذه الآية
وأخرج أحمد وأبو داود، وابن ماجة عن جرير، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل من المعاصي هم أعز منه وأمنع من يغيروا إلا أصابهم الله منه بعذاب). [الدر المنثور: 5/372-374]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 11:47 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) )

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأنّ أكثركم فاسقون...}
(أنّ) في موضع نصب على قوله: {هل تنقمون منّا} إلا إيماننا وفسقكم. (أن) في موضع مصدر، ولو استأنفت (وإن أكثركم فاسقون) فكسرت لكان صوابا). [معاني القرآن: 1/313]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (هل تنقمون منّا) (59) أي هل تكرهون، قال: نقموا أكثر، ونقموا واحد، وهما لغتان ليس أحدهما بأولى بالوجه من الآخر كما قال:
ما نقموا من نبي أميّة إلاّ... أنهم يحملون ان غضبوا). [مجاز القرآن: 1/170]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {هل تنقمون منا} فإنهم يقولون: نقم عليه ينقم، ونقم ينقم نقمًا، بالتثقيل، ونقومًا.
وقال رؤبة:
لا بد يوما أن تلاقوا نقما
وقالوا في مثل لهم: "كالأرقم عن يقتل ينقم".
ويقال: أنا أنقم زيدًا؛ أي أنقم له.
[قال العبدي]:
أنقم بضم القاف.
[وقال محمد بن صالح]: بفتح القاف). [معاني القرآن لقطرب: 497]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلّا أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأنّ أكثركم فاسقون (59)
يقال: نقمت على الرجل أنقم، ونقمت عليه أنقم.
والأجود نقمت أنقم، وكذلك الأكثر في القراءة: (وما نقموا منهم إلّا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد).
وأنشد بيت ابن قيس الرقيات.
ما نقموا من أميّة إلّا=أنهم يحلمون إن غضبوا
بالفتح والكسر، نقموا ونقموا، ومعنى نقمت بالغت في كراهة الشيء.
وقوله: (وأنّ أكثركم فاسقون).
المعنى: هل تكرهون منا إلا إيماننا وفسقكم، أي إنما كرهتم إيماننا وأنتم تعلمون أنا على حق لأنكم فسقتم، بأن أقمتم على دينكم لمحبتكم الرياسة، وكسبكم بها الأموال.
فإن قال قائل: وكيف يعلم عالم أن دينا من الأديان حق فيؤثر الباطل على الحق؟
فالجواب في هذا أن أكثر ما نشاهده كذلك. من ذلك أنّ الإنسان يعلم أن القتل يورد النار فيقتل، إما إيثارا لشفاء غيظه أو لأخذ مال.
ومنها أنّ إبليس قد علم أنّ الله يدخله النّار بمعصيته فآثر هواه على قربه من اللّه، وعمل على دخول النار وهذا باب بين). [معاني القرآن: 2/186-187]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (تنقمون) أي: تنكرون). [ياقوتة الصراط: 211]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل هل أنبّئكم بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً...}
نصبت (مثوبة) لأنها مفسّرة كقوله: {أنا أكثر منك مالا وأعزّ نفرا}.
وقوله: {من لّعنه اللّه} (من) في موضع خفضٍ تردّها على (بشرّ) وإن شئت استأنفتها فرفعتها؛ كما قال: {قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا} ولو نصبت (من) على قولك: أنبئكم (من) كما تقول: أنبأتك خيرا، وأنبأتك زيدا قائما، والوجه الخفض. وقوله: {وعبد الطّاغوت} على قوله: "وجعل منهم القردة [والخنازير] ومن عبد الطاغوت" وهي في قراءة أبيّ وعبد الله (وعبدوا) على الجمع، وكان أصحاب عبد الله يقرؤون "وعبد الطاغوت" على فعل، ويضيفونها إلى الطاغوت، ويفسّرونها: خدمة الطاغوت. فأراد قوم هذا المعنى، فرفعوا العين فقالوا: عبد الطاغوت؛ مثل ثمار وثمر، يكون جمع جمع. ولو قرأ قارئ (وعبد الطاغوت) كان صوابا جيّدا. يريد عبدة الطاغوت فيحذف الهاء لمكان الإضافة؛ كما قال الشاعر:
=قام ولاها فسقوها صرخدا
يريد: ولاتها. وأما قوله (وعبد الطاغوت) فإن تكن فيه لغة مثل حذر وحذر وعجل فهو وجه، وإلا فإنه أراد - والله أعلم - قول الشاعر:
أبني لبيني إنّ أمّكم=أمةٌ وإن أباكم عبد
وهذا في الشعر يجوز لضرورة القوافي، فأمّا في القراءة فلا). [معاني القرآن: 1/314-315]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (بشرٍّ من ذلك مثوبةً) (60): تقديرها مفعلة من الثواب على تقدير مصيدة من صدت، ومشعلة من شعلت؛ ومن قرأها (مثوبةً) فجعل تقديرها: مفعولة، بمنزلة مضوفة ومعوشة، كما قال:
وكنت إذا جارى دعا لمضوفةٍ=أشمّر حتى ينصف السّاق مئزرى
فخرج مخرج ميسور ومعسور). [مجاز القرآن: 1/170]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قل هل أنبّئكم بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً عند اللّه من لّعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطّاغوت أولئك شرٌّ مّكاناً وأضلّ عن سواء السّبيل}
وقال: {بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً عند اللّه} كما قال: {بخيرٍ من ذلك}.
وقال: {وعبد الطّاغوت} أي: {من لّعنه اللّه} {وعبد الطّاغوت}).[معاني القرآن: 1/226]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {وعبد الطاغوت أولئك} ينصب {الطاغوت} بـ {عبد}.
إبراهيم النخعي {وعبد الطاغوت} يضيف؛ وكأن "عبد" جمع عابد وعبد، مثل نازل ونزل.
وعن ابن عباس رحمه الله "وعبد الطاغوت" بتشديد الباء، تكون جمع عابد أيضًا، وعبد؛ مثل شاهد وشهد، وبازل وبزل.
وقد قال ناس "وعابد الطاغوت" يصير واحدًا.
[معاني القرآن لقطرب: 482]
ابن مسعود {وعبد الطاغوت} خفض.
وعلى هذه القراءة قال أوس بن حجر:
ابني لبيني إن أمكم = أمة وإن أباكم عبد
برفع الباء؛ وفسره قوم: أنه أراد بعبد جمع عبد، فقال عبد؛ كأنه قال: وعبيد الطاغوت وعباد الطاغوت.
وأما أبي فقراءته "وعبدوا الطاغوت" يدل على الفعل). [معاني القرآن لقطرب: 483]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قل هل أنبّئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطّاغوت أولئك شرّ مكانا وأضلّ عن سواء السّبيل (60)
أي: بشرّ مما نقمتم من إيماننا ثوابا، و " مثوبة" منصوب على التمييز.
وقوله: (من لعنه اللّه).
وضع " من " إن شئت كان رفعا، وإن شئت كان جرا فأما من جر فيجعله بدلا من شر. المعنى أؤنبئكم بمن لعنه اللّه، ومن رفع فبإضمار هو، كأن قائلا قال: من ذلك؟ فقيل هو من لعنه اللّه، كما قال جلّ ثناؤه: (قل أفأنبّئكم بشرّ من ذلكم النّار) كأنه فال: هي النار.
وقوله: (وعبد الطّاغوت).
الطاغوت هو الشيطان، وتأويل وعبد الطاغوت: أطاعه فيما سوّل له وأغراه به، وقد قرئت: (وعبد الطاغوت).
والذي أختار (وعبد الطّاغوت) وروي عن ابن مسعود وعبدوا الطاغوت، وهذا يقوي (وعبد الطاغوت)، ومن قال وعبد الطاغوت. فضم الباء وجر الطاغوت، فإنه عند بعض أهل العربية ليس بالوجه من جهتين إحداهما، أن عبد على فعل، وليس هذا من أمثلة الجمع، لأنهم فسروه خدم الطاغوت والثاني أن يكون محمولا على وجعل منهم عبد الطاغوت. فأما من قرأ " وعبد الطاغوت " فهو جمع عبيد وعبد، مثل رغيف ورغف وسرير وسرر، ويكون على معنى وجعل منهم عبد الطاغوت على جعلت زيدا أخاك، أي نسبته إليك، ووجه وعبد الطاغوت - بفتح العين وضم الباء - أن الاسم يبنى على فعل كما قالوا علم زيد. وكما أقول رجل حذر، تأويل حذر أنّه مبالغ في الحذر، فتأويل عبد أنه بلغ الغاية في طاعة الشيطان، وكان اللفظ لفظ واحد يدل على الجمع.
كما تقول للقوم: منكم عبد العصا، تريد منكم عبيد العصا.
ويجوز بعد هذه الثلاثة الأوجه الرفع في قوله وعبد الطاغوت، فيقول وعبد الطاغوت، وكذلك وعبد الطاغوت بالرفع، ولا تقرأن بهذين الوجهين وإن كانا جائزين، لأن القراءة لا تبتدع على وجه يجوز، وإنما سبيل القراءة اتباع من تقدّم، فيجوز رفع، وعبد الطاغوت، وعبد الطاغوت، على معنى الذم، والمعنى وهم عبد الطاغوت، كأنّه لما قال: (من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير)، دل الكلام على اتباعهم الشياطين، فقيل وهم عبد الطاغوت.
ويجوز أن يكون بدلا من " من " في رفع " من " كأنه لما قيل منهم من لعنه اللّه، وغضب عليه.
قيل: هم عبد الطاغوت وعبد الطاغوت، ويجوز في الكلام أيضا، وعبد الطاغوت - بإسكان الباء - وفتح الدال.
ويكون على وجهين:
أحدهما أن يكون مخففا من عبد - كما يقال في عضد: عضد.
وجائز أن يكون " عبد " اسما واحدا يدل على الجنس.
وكذلك يجوز في عبد الرفع والنصب من جهتين كما وصفنا في عبد.
ويجوز أن يكون النصب من جهتين:
إحداهما على وجعل منهم عبد الطاغوت
ويجوز أن يكون منصوبا عاد الذم، على أعني عبد الطاغوت.
ويجوز في وعبد وعبد وعبد الجر على البدل من " من " ويكون المعنى: هل أنبّئكم بمن لعنه الله وعبد الطاغوت.
ولا يجوز القراءة بشيء من هذه الأوجه إلا بالثلاثة التي رويت وقرأ بها القراء وهي عبد الطاغوت. وهي أجودها، ثم وعبد الطاغوت ثم وعبد الطاغوت.
وقوله: (أولئك شرّ مكانا وأضلّ عن سواء السّبيل).
أي هؤلاء الذين هذه صفتهم (شرّ مكانا وأضلّ عن سواء السّبيل).
أي عن قصد السبيل، و " مكانا " منصوب على التفسير). [معاني القرآن: 2/187-189]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله}
وفي هذا قولان:
روي عن ابن عباس أنه قال: قالت اليهود في أمة محمد صلى الله عليه وسلم: هم أقل الناس حظا في الدنيا والآخرة فأنزل الله جل وعز: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك} الآية.
والقول الآخر وهو المعروف الصحيح أن المعنى قل هل أنبئكم بشر من نقومكم علينا ثوابا لأن قبله {هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله}
قال الكسائي: يقال: نقمت على الرجل أنقم نقوما ونقمة وقد حكي نقمت أنقم إذا كرهت الشيء أشد الكراهية). [معاني القرآن: 2/327-328]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير} قال مجاهد يعني اليهود مسخ منهم). [معاني القرآن: 2/328]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وعبد الطاغوت} وهذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو والكسائي
وقرأ أبو جعفر (وعبد) مثل ضرب ولا وجه لهذا وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ (وعبدوا الطاغوت)
وروي عن أبي بن كعب وعن ابن مسعود من طريق آخر أنهما قرءا وعبدت الطاغوت
وقرأ ابن عباس (وعبد الطاغوت)
وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه يجوز وعابد الطاغوت
وروي عن الأعمش ويحيى بن وثاب وعبد الطاغوت
وقرأ أبو واقد الأعرابي (وعباد الطاغوت)
وقرأ حمزة (وعبد الطاغوت)
فمن قرأ (وعبد الطاغوت) فالمعنى عنده من لعنه الله ومن عبد الطاغوت وحمل الفعل على لفظ من ومن قرأ (وعبدوا الطاغوت) فهو عنده بذلك المعنى إلا أنه حمله على معنى من كما قال جل وعز: {ومنهم من يستمعون إليك} ومن قرأ (وعبدت الطاغوت) حمله على تأنيث الجماعة كما قال جل وعز: {قالت الأعراب}
ومن قرأ (وعبد الطاغوت) فهو عنده جمع عابد كما يقال: شاهد وشهد وغائب وغيب ومن قرأ (وعابد) فهو عنده واحد يؤدي عن جماعة
ومن قرأ (وعبد) فهو عنده جمع عباد أو عبيد كما يقال: مثال ومثل ورغيف ورغف.
وقال بعض النحويين: هو جمع عبد كما يقال: رهن ورهن وسقف وسقف.
ومن قرأ (وعباد) فهو جمع عابد كما يقال: عامل وعمال
ومن قرأ (وعبد الطاغوت) فأكثر أهل اللغة يذهب إلى أنه لحن وهي تجوز على حيلة وذلك أن يجعل عبدا واحدا يدل على جماعة، كما يقال: رجل حذر وفطن وندس فيكون المعنى وخادم الطاغوت وعلى هذا تتأول هذه القراءة يقال: عبده يعبده إذا ذل له أشد الذل ومنه بعير معبد أي مذلل بالقطران ومنه طريق معبد ومنه يقال: عبدت أعبد إذا أنفت كما قال:
=وأعبد أن تهجى تميم بدارم
والمعنى على هذا وخادم الطاغوت وقد قيل: الفرد بمعنى الفرد وينشد النابغة:
من وحش وجرة موشي أكارعه=طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد
ويروى الفرد وقيل: الطاغوت ههنا يعنى به الشيطان
وكذا روي عن بريدة الأسلمي أنه قرأ (وعابد الشيطان)
وأجاز بعض العلماء وعبد الطاغوت بالخفض على معنى عبدة مثل كاتب وكتبة والهاء تحذف من مثل هذا في الإضافة).[معاني القرآن: 2/329-332]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به}
أي لم ينتفعوا بشيء مما سمعوا فخرجوا بكفرهم). [معاني القرآن: 2/332-333]

تفسير قوله تعالى: (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) )

تفسير قوله تعالى: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون}
وقال: {وأكلهم السّحت} وقال: {عن قولهم الإثم} نصبهما بإسقاط الفعل عليهما). [معاني القرآن: 1/227]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون (63)
وهم علماؤهم ورؤساؤهم.
والحبر " العالم، والحبر المداد بالكسر، فأعلم اللّه أن رؤساءهم وسفلتهم مشتركون في الكفر.
ومعنى: (لولا ينهاهم الرّبّانيّون): هلّا ينهاهم). [معاني القرآن: 2/189]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار} وقرأ أبو الجراح (لولا ينهاهم الربيون)
قال مجاهد: الربانيون والأحبار العلماء والفقهاء والربانيون فوق الأحبار قال أبو جعفر والربيون الجماعات وهو مأخوذ من الربة والربة الجماعة فنسب إليها فقيل ربي ثم جمع فقيل: ربيون.
قال أبو جعفر: والمعنى بئس الصنع ما يصنع هؤلاء الربانيون والأحبار في تركهم نهي هؤلاء
قال الضحاك: ما في القرآن آية أخوف عندي منها أننا لا ننهى وفي هذه الآية حكم في أمر العلماء في النهي عن المنكر).[معاني القرآن: 2/333-334]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م, 04:20 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
فماذا نقمتم من بنين وسادة = بريء لكم من كل غمر صدورها
الغمر: الحقد والعدواة، ويروى: من كل ضب صدورها والضب والغمر سواء، يقال نقم ينقم وهي اللغة العالية، قال الله تعالى: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا} وقال عز ذكره: {هل تنقمون منا} ونقم ينقم لغة). [شرح المفضليات: 352] (م)

تفسير قوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) }

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) }

تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) }

تفسير قوله تعالى: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
دون النساء ولو باتت بأطهار
معناه أنه يجتنبها، في طهرها، وهو الوقت الذي يستقيم له غشيانها فيه، وأهل الحجاز يرون " الأقراء " الطهر، وأهل العراق يرونه الحيض، وأهل المدينة يجعلون عدد النساء الأطهار، ويحتجون بقول الأعشى:

وفي كل أنت جاشم غزوة = تشد لأقصاها عزيم عزائكا
مؤرثه مالاً، وفي الحي رفعة = لما ضاع فيها من قروء نسائكا
وقوله: " ولو باتت بأطهار "، فـ " لو " أصلها في الكلام أن تدل على وقوع الشيء لوقوع غيره، تقول: لو جئتني لأعطيك، ولو كان زيد هناك لضربته، ثم يتسع فتصير في معنى " إن " الواقعة للجزاء تقول: أنت لا تكرمني ولو أكرمتك، تريد " وإن " قال الله عز وجل: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} [يوسف: 107]، فأما قوله عز وجل: {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبًا ولو افتدى به} [آل عمران: 91] فإن تأويله عند أهل اللغة: لا يقبل أن يتبرأ به وهو مقيم على الكفر، ولا يقبل إن افتدى به، فـ " لو " في معنى " إن " وإنما منع " لو " أن تكون من حروف المجازاة فتجزم كما تجزم " إن " أن حروف المجازاة إنما تقع لما لم يقع، ويصير الماضي معها في معنى المستقبل تقول: إن جئتني أعطيتك، وإن قعدت عني زرتك، فهذا لم يقع.، وإن كان لفظ الماضي لما أحدثته فيه " إن " وكذلك متى أتيتني أتيتك.، و " لو " تقع في معنى الماضي، تقول: لو جئتني أمس لصادفتني، ولو ركبت إلي أمس لألفيتني، فلذلك خرجت من حروف الجزاء، فإذا أدخلت معها " لا " صار معناها أن الفعل يمتنع لوجود غيره، فهذا خلاف ذلك المعنى، ولا تقع إلا على الأسماء، ويقع الخبر محذوفًا لأنه لا يقع فيها الاسم إلا وخبره مدلول عليه، فاستغني عن ذكره، لذلك تقول: لولا عبد الله لضربتك، والمعنى في هذا المكان: من قرابتك، أو صداقتك، أو نحو ذلك، فهذا معناها في هذا الوضع، ولها موضع آخر تكون فيه على غير هذا المعنى، وهي " لولا " التي تقع في معنى " هلا " للتحضيض، ومن ذلك قوله: {لولا إذا سمعتوه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا} [النور: 12] أي هلا، وقال الله عز وجل: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم} [المائدة: 63] فهذه لا يليها إلا الفعل.، لأنها للأمر والتحضيض، مظهرًا أو مضمرًا، كما قال:
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم = بني ضوطري لولا الكمي المقنعا
أي هلا تعدون الكمي المقنعا، " ولولا " الأولى لا يليها إلا الاسم على ما ذكرت لك.، ولا بد في جوابها من اللام أو معنى اللام، تقول: لولا زيدٌ فعلت، والمعنى لفعلت، وزعم سيبويه أن " زيدًا " من حديث " لولا " واللام والفعل حديثٌ معلقٌ بحديث " لولا "، وتأويله أنه للشرط الذي وجب من أجلها وامتنع لحال الاسم بعدها، و" لو " لا يليها إلا الفعل مضمرًا أو مظهرًا.، لأنها تشارك حروف الجزاء في ابتداء الفعل وجوابه، تقول: لو جئتني لأعطيتك، فهذا ظهور الفعل، وإضماره، قوله عز وجل: {قل لو أنتم تملكون خزآئن رحمة ربي} [الإسراء: 100] والمعنى والله أعلم: لو تملكون أنتم.، فهذا الذي رفع " أنتم " ولما أضمر ظهر بعده ما يفسره، ومثل ذلك: " لو ذات سوارٍ لطمتني " أراد لو لطمتني ذات سوارٍ، ومثله:
ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي = جعلت لهم فوق العرانين ميسمًا
وكذلك قول جرير:
لو غيركم علق الزبير بحبله = أدى الجوار إلى بني العوام
فنصب بفعل مضمر يفسره ما بعده، لأنها للفعل، وهو في التمثيل: لو علق الزبير غيركم، وكذلك كل شيء للفعل نحو: الاستفهام، والأمر، والنهي، وحروف الفعل نحو: " إذ وسوف " وهذا مشروح في الكتاب " المقتضب " على حقيقة الشرح). [الكامل: 1/360-364] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لأهل الكتاب هل تنقمون منّا ومعناه هل تعدون علينا ذنبا أو نقيصة، يقال «نقم» بفتح القاف ينقم بكسرها، وعلى هذه اللغة قراءة الجمهور، ويقال «نقم» بكسر القاف ينقم بفتحها وعلى هذه اللغة قرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو البرهسم والنخعي، وهذه الآية من المحاورة البليغة الوجيزة، ومثلها قوله تعالى: وما نقموا منهم، إلّا أن يؤمنوا باللّه [البروج: 8] ونظير هذا الغرض في الاستثناء قول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم = بهن فلول من قراع الكتائب
وقرأ الجمهور «أنزل» بضم الهمزة، وكذلك في الثاني، وقرأ أبو نهيك «أنزل» بفتح الهمزة والزاي فيهما، وقوله تعالى: وأنّ أكثركم فاسقون هو عند أكثر المتأولين معطوف على قوله: أن آمنّا فيدخل كونهم فاسقين فيما نقموه، وهذا لا يتجه معناه، وروي عن الحسن بن أبي الحسن أنه قال في ذلك بفسقهم نقموا علينا الإيمان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الكلام صحيح في نفسه لكنه غير مغن في تقويم معنى الألفاظ، وإنما يتجه على أن يكون معنى المحاورة هل تنقمون منا إلا عموم هذه الحال من إنا مؤمنون وأنتم فاسقون، ويكون وأنّ أكثركم فاسقون مما قرره المخاطب لهم، وهذا كما تقول لمن تخاصمه هل تنقم مني إلا أن صدقت أنا وكذبت أنت، وهو لا يقر بأنه كاذب ولا ينقم ذلك، لكن معنى كلامك: هل تنقم إلا مجموع هذه الحال، وقال بعض المتأولين قوله: وأنّ أكثركم معطوف على ما، كأنه قال إلّا أن آمنّا باللّه وبكتبه وبأن أكثركم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا مستقيم المعنى، لأن إيمان المؤمنين بأن أهل الكتاب المستمرين على الكفر بمحمد فسقة هو مما ينقمونه، وذكر تعالى الأكثر منهم من حيث فيهم من آمن واهتدى). [المحرر الوجيز: 3/201-202]


تفسير قوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: قل هل أنبّئكم قرأ الجمهور بفتح النون وشد الباء، وقرأ ابن وثاب والنخعي «أنبئكم» بسكون النون وتخفيف الباء من أنبأ وقرأ أكثر الناس: «مثوبة» بضم الثاء وسكون الواو، وقرأ ابن بريدة والأعرج ونبيح وابن عمران «مثوبة» بسكون الثاء وفتح الواو، وقال أبو الفتح هذا مما خرج عن أصله شاذا عن نظائره، ومثله قول العرب: الفاكهة مقودة إلى الأذى، بسكون القاف وفتح الواو، والقياس مثابة ومقادة، وأما مثوبة بضم الثاء فأصلها مثوبة وزنها مفعلة بضم العين نقلت حركة الواو إلى الثاء وكانت قبل مثووبة مثل مقوولة، والمعنى في القراءتين مرجعا عند الله أي في الحشر يوم القيامة، تقول العرب: ثاب يثوب إذا رجع، منه قوله تعالى: وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس وأمناً [البقرة: 125] ومشى المفسرون في هذه الآية على أن الذين أمر أن يقول لهم هل أنبّئكم هم اليهود والكفار المتخذون ديننا هزؤا ولعبا، قال ذلك الطبري وتوبع عليه ولم يسند في ذلك إلى متقدم شيئا، والآية تحتمل أن يكون القول للمؤمنين، أي قل يا محمد للمؤمنين هل أنبئكم بشرّ من حال هؤلاء الفاسقين في وقت الرجوع إلى الله، أولئك أسلافهم الذين لعنهم الله وغضب عليهم، فتكون الإشارة بذلك إلى حالهم من كون أكثرهم فاسقين، وتحتمل الآية أن يكون القول للحاضرين من بني إسرائيل وتكون الإشارة بذلك إلى حال الحاضرين من كون أكثرهم فاسقين ويكون قوله شرٌّ وأضلّ صفتي تفضيل بين شيئين لهما اشتراك في الشر والضلال، وتحتمل الآية أن يكون القول للحاضرين من بني إسرائيل والإشارة بذلك إلى إيمان المؤمنين وجميع حالهم ويوجه التفضيل ب شرٌّ وأضلّ على أن الاشتراك في الشر والضلال هو في معتقد اليهود فأما في الحقيقة فلا شر ولا ضلال عند المؤمنين، ولا شركة لهم في ذلك مع اليهود والكفار، ويكون على هذا الاحتمال قوله: من لعنه اللّه الآية يراد به جميع بني إسرائيل الأسلاف والأخلاف، لأن الخلف يذم ويعير بمذمات السلف إذا كان الخلف غير مراجع ولا ذام لما كان عليه سلفه، فهو في حكمه، وفي قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود «من غضب الله عليهم وجعلهم قردة وخنازير»، واللعنة الإبعاد عن الخير، وقوله تعالى: وجعل هي بمعنى صير، وقال أبو علي في كتاب الحجة هي بمعنى خلق.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه منه رحمه الله نزعة اعتزالية، لأن قوله: وعبد الطّاغوت تقديره ومن عبد الطاغوت، والمعتزلة لا ترى أن الله يصير أحدا عابد الطاغوت، وقد تقدم قصص مسخهم قردة في سورة البقرة، وأما مسخهم خنازير، فروي أن ذلك بسبب امرأة كانت مؤمنة من بني إسرائيل وكفر ملك منهم في مدينة من مدنهم وكفر معه أهل مملكته، فدعت المرأة قوما إلى نصرة الدين فأجابوها فخرجت بهم فهزموا ثم فعلت ذلك ثانية وثالثة في كل مرة يهزم جمعها، فيئست وباتت مهمومة، فلما أصبح رأت أهل تلك المدينة ينفقون في نواحيها خنازير فقالت: الآن أعلم أن الله أعز دينه وآثر دينه، قال عمرو بن كثير بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري ما كان مسخ بني إسرائيل إلا على يدي تلك المرأة، وقوله تعالى: وعبد الطّاغوت تقديره ومن عبد الطاغوت، وذلك عطف على قوله: من لعنه اللّه أو معمول ل جعل وفي هذا يقول أبو علي: إن جعل بمعنى خلق، واختلفت القراءة في هذا الحرف فقرأ حمزة وحده «وعبد الطاغوت» بفتح العين وضم الباء وكسر التاء من الطاغوت وذلك أن «عبد» لفظ مبالغة كيقظ وندس فهو لفظ مفرد يراد به الجنس وبني بناء الصفات، لأن «عبدا» في الأصل صفة وإن كان استعمل استعمال الأسماء، وذلك لا يخرجه عن حكم الصفة فلذلك لم يمتنع أن يبنى منه بناء الصفات، وقرأ بهذه القراءة الأعمش ويحيى بن وثاب، ومنه قول الشاعر: [أوس بن حجر].
أبني لبينى إن أمكم = أمة وإن أباكم عبد
ذكره الطبري وغيره بضم الباء وقرأ الباقون «وعبد الطاغوت» بفتح العين والباء على الفعل الماضي وإعماله في الطاغوت وقد تقدم ذكره، وقرأ أبي بن كعب «عبدوا الطاغوت»، على إسناد الفعل الماضي إلى ضمير جمع، وقرأ ابن مسعود فيما روى عبد الغفار عن علقمة عنه «وعبد الطاغوت» بفتح العين وضم الباء ورفع التاء من الطاغوت، وذلك على أن يصير له أن «عبد» كالخلق والأمر المعتاد المعروف، فهي في معنى فقه وشرف وظرف، وقرأ ابن عباس وإبراهيم بن أبي عبلة «وعبد الطاغوت» بفتح العين والباء وكسر التاء من الطاغوت، وذلك على أن المراد عبدة الطاغوت وحذفت الهاء تخفيفا ومثله قول الراجز:
قام ولاها فسقوها صرخدا
أراد ولاتها فحذف تخفيفا، وقرأ الحسن بن أبي الحسن في رواية عباد عنه «وعبد الطاغوت» بفتح العين وسكون الباء وكسر التاء من الطاغوت وهذا على أنه اسم جنس مفرد يراد به جميع، وروي عن الحسن من غير طريق عباد أنه قرأ بفتح العين والدال وسكون الباء ونصب التاء من الطاغوت، وهذه تتجه على وجهين أحدهما أنه أراد و «عبدا الطاغوت» فحذف التنوين كما حذف في قول الشاعر:
... ... ... ... = ولا ذاكر الله إلا قليلا
والوجه الآخر أن يريد «عبد» الذي هو فعل ماض وسكن الباء على نحو ما هي عين الفعل مسكنة في قول الشاعر:
وما كل مغبون ولو سلف صفقة = ... ... ... ...
فإن اللام من سلف مسكنة ونحو هذا قول أبي السمال «ولعنوا بما قالوا» بسكون العين، فهذه قراءات العين فيها مفتوحة، وقرأ أبو واقد الأعرابي في رواية العباس بن الفضل عنه «وعبّاد الطاغوت» بضم العين وشد الباء المفتوحة وألف بعدها وفتح الدال وكسر التاء من الطاغوت وذلك جمع عابد، وقرأ عون العقيلي فيما روى عنه العباس بن الفضل أيضا «وعابد الطاغوت» على وزن فاعل، والدال مرفوعة، قال أبو عمرو تقديره وهم عابد الطاغوت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فهو اسم جنس، وروى عكرمة عن ابن عباس «وعابدو الطاغوت» بضمير جمع، وقد قال بعض الرواة في هذه الأخيرة إنها تجويز لا قراءة، وقرأ ابن بريدة «وعابد الطاغوت» بفتح العين والدال وكسر الباء والتاء، وقرأ بعض البصريين و «عباد الطاغوت» بكسر العين وفتح الباء والدال وألف بينهما وكسر التاء، قال أبو الفتح فيحتمل أن يكون ذلك جمع عابد كقائم وقيام وصائم وصيام، وقد يجوز أن يكون جمع عبد، وقل ما يأتي عباد مضافا إلى غير الله، وأنشد سيبويه:
أتوعدني بقومك يا ابن حجل = أشابات يخالون العبادا
قال أبو الفتح يريد عباد آدم عليه السلام، ولو أراد عباد الله فليس ذلك شيء يسب به أحد، وجميع الخلق عباد الله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا التعليق بآدم صلى الله عليه وسلم شاذ بعيد والاعتراض فيه باق، وليس هذا مما يتخيل أن الشاعر قصده، وإنما أراد العبيد فساقته القافية إلى العباد، إذ يقال ذلك لمن تملك ملكة ما وقد ذكر أن عرب الحيرة من العراق إنما سمّوا العباد لأنهم دخلوا في طاعة كسرى فدانتهم مملكة، وذكر الطبري عن بريدة الأسلمي أنه كان يقرأ «وعابد الشيطان» بفتح العين والدال وكسر الباء وألف قبلها وذكر الشيطان بدل الطاغوت فهذه قراءات فيها ألف، وقرأ ابن عباس فيما روى عن عكرمة وقرأها مجاهد ويحيى ابن وثاب «وعبد الطاغوت» بضم العين والباء وفتح الدال وكسر التاء، وذلك جمع عبد كرهن ورهن وسقف وسقف، وقال أحمد بن يحيى ثعلب هو جمع عابد كشارف وشرف، ومنه قول القينة:
ألا يا حمز للشرف النواء = وهن معلقات بالفناء
وقال أبو الحسن الأخفش: هو جمع عبيد وأنشد:
أنسب العبد إلى آبائه = أسود الجلدة من قوم عبد
وقرأ الأعمش وغيره «وعبّد الطاغوت» بضم العين وشد الباء المفتوحة وفتح الدال وكسر التاء وذلك على جمع عابد كضارب وضرب. وقرأ إبراهيم النخعي وأبو جعفر بن القعقاع والأعمش في رواية هارون «وعبد الطاغوت» بضم العين وكسر الباء وفتح الدال وضم التاء كما تقول ضرب زيد، وضعّف الطبري هذه القراءة وهي متجهة، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ «وعبدت الطاغوت» كما تقول ضربت المرأة، وروى علقمة عن عبد الله بن مسعود «وعبد الطاغوت» بضم العين وفتح الباء والدال وكسر التاء، وهذا أيضا بناء مبالغة اسم مفرد يراد به هنا الجمع بني كحطم ولبد، وروى عكرمة عن ابن عباس: «وعبّد الطاغوت» على وزن فعل بضم الفاء وشد العين المفتوحة وفتح اللام ونصب التاء وهذه تتخرج على أنه أراد وعبدا منونا ثم حذف التنوين كما قال، ولا ذاكر الله، وقد تقدم نظيره والطّاغوت كل ما عبد من دون الله من وثن أو آدمي يرضى ذلك أو شيطان، وقد استوعبت تفسيره في سورة البقرة، و «مكان» يحتمل أن يريد في الآخرة، فالمكان على وجهه أي المحل إذ محلهم جهنم، وأن يريد في الدنيا فهي استعارة للمكانة والحالة، وسواء السّبيل وسطه ومنه قول العرب قمت حتى انقطع سوائي، ومنه قوله تعالى: في سواء الجحيم [الصافات: 55] وخط الاستقامة في السبل إنما هو متمكن غاية التمكن في الأوساط فلذلك خص السواء بالذكر، ومن لفظ السواء قيل خط الاستواء). [المحرر الوجيز: 3/202-209]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وإذا جاؤكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به واللّه أعلم بما كانوا يكتمون (61) وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يعملون (62) لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون (63) وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدنّ كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربّك طغياناً وكفراً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها اللّه ويسعون في الأرض فساداً واللّه لا يحبّ المفسدين (64)
الضمير في جاؤكم لليهود المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم وخاصة للمنافقين. نص على ذلك ابن عباس وقتادة والسدي، ثم أخبر تعالى عنهم أنهم دخلوا وهم كفار وخرجوا كذلك لم تنفعهم الموعظة ولا نفع فيهم التذكير، وقوله: وهم تخليص من احتمال العبارة أن يدخل قوم بالكفر ثم يؤمنوا ويخرج قوم وهم كفرة فكان ينطبق على الجميع وقد دخلوا بالكفر وقد خرجوا به، فأزال الاحتمال قوله تعالى: وهم قد خرجوا به أي هم بأعيانهم ثم فضحهم تعالى بقوله: واللّه أعلم بما كانوا يكتمون أي من الكفر). [المحرر الوجيز: 3/209]

تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى لنبيه: وترى يحتمل أن يكون من رؤية البصر ويحتمل من رؤية القلب ويكون المفعول الثاني يسارعون، وعلى الاحتمال الأول يسارعون حال، وفي الإثم معناه في موجبات الإثم إذ الإثم إنما هو الحكم المعلق بصاحب المعصية والنسبة التي يصير إليها إذا وقع الذنب وهو من هؤلاء كفرهم والعدوان مصدر من عدا الرجل إذا ظلم وتجاوز الحد، والسّحت هو الرشا وسائر مكسبهم الخبيث، واللام في لبئس لام قسم، وقرأ أبو حيوة «والعدوان» بكسر العين). [المحرر الوجيز: 3/209-210]

تفسير قوله تعالى: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار تخصيص في ضمنه توبيخ لهم إذ تركوا اللازم، قال الطبري: كل العلماء يقولون ما في القرآن آية هي أشد توبيخا للعلماء من هذه الآية ولا أخوف عليهم منها، وقال الضحاك بن مزاحم: ما في القرآن آية أخوف عندي منها إنا لا ننهى، وقال نحو هذا ابن عباس، وقرأ الجراح وأبو واقد «الربانيون» بكسر الراء واحدهم ربي إما منسوب إلى علم الرب وإما من تربية الناس بصغار العلم قبل كباره، وزيدت النون في نسبته مبالغة كشعراني ومنظراني ومخبراني، وقال الحسن: الرباني عالم الإنجيل والحبر عالم التوراة.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وقوله في الرباني شاذ بعيد. والأحبار واحدهم حبر بكسر الحاء وفتحها وهم العلماء الذين لا يعنون لإصلاح الناس ولا يكلفون ذلك، والرباني هو العالم المدبر المصلح، وقوله تعالى: عن قولهم الإثم ظاهر أن الإثم هنا يراد به الكفر، ويحتمل أن يراد به سائر أقوالهم المنكرة في النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وقرأ عباس «بئس ما كانوا يصنعون» بغير لام قسم). [المحرر الوجيز: 3/210]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلا أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأنّ أكثركم فاسقون (59) قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطّاغوت أولئك شرٌّ مكانًا وأضلّ عن سواء السّبيل (60) وإذا جاءوكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به واللّه أعلم بما كانوا يكتمون (61) وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يعملون (62) لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون (63)}
يقول تعالى: قل يا محمّد، لهؤلاء الّذين اتّخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من أهل الكتاب: {هل تنقمون منّا إلا أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل} أي: هل لكم علينا مطعنٌ أو عيبٌ إلّا هذا؟ وهذا ليس بعيبٍ ولا مذمّةٍ، فيكون الاستثناء منقطعًا كما في قوله: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد} [البروج:8] وكقوله: {وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله} [التّوبة:74] وفي الحديث المتّفق عليه: "ما ينقم ابن جميل إلّا أن كان فقيرًا فأغناه اللّه".
وقوله: {وأنّ أكثركم فاسقون} معطوفٌ على {أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل} أي: وآمنّا بأنّ أكثركم فاسقون، أي: خارجون عن الطّريق المستقيم). [تفسير القرآن العظيم: 3/142]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه} أي: هل أخبركم بشرّ جزاءٍ عند اللّه يوم القيامة ممّا تظنّونه بنا؟ وهم أنتم الّذين هم متّصفون بهذه الصّفات القصيرة، فقوله: {من لعنه اللّه} أي: أبعده من رحمته {وغضب عليه} أي: غضبًا لا يرضى بعده أبدًا، {وجعل منهم القردة والخنازير} كما تقدّم بيانه في سورة البقرة. وكما سيأتي إيضاحه في سورة الأعراف [إن شاء اللّه تعالى]
وقد قال سفيان الثّوريّ: عن علقمة بن مرثد، عن المغيرة بن عبد اللّه، عن المعرور بن سويد، عن ابن مسعودٍ قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن القردة والخنازير، أهي ممّا مسخ اللّه [تعالى] ؟ فقال إنّ اللّه لم يهلك قومًا -أو قال: لم يمسخ قومًا-فيجعل لهم نسلا ولا عقبًا وإنّ القردة والخنازير كانت قبل ذلك".
وقد رواه مسلمٌ من حديث سفيان الثّوريّ ومسعر كلاهما، عن مغيرة بن عبد اللّه اليشكريّ، به.
وقال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا داود بن أبي الفرات، عن محمّد بن زيدٍ، عن أبي الأعين العبديّ، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعودٍ قال: سألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن القردة والخنازير، أهي من نسل اليهود؟ فقال: "لا إنّ اللّه لم يلعن قومًا فيمسخهم فكان لهم نسلٌ، ولكن هذا خلقٌ كان، فلمّا غضب اللّه على اليهود فمسخهم، جعلهم مثلهم".
ورواه أحمد من حديث داود بن أبي الفرات، به.
وقال ابن مردويه: حدّثنا عبد الباقي، حدّثنا أحمد بن صالحٍ حدّثنا الحسن بن محبوبٍ، حدّثنا عبد العزيز بن المختار، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الحيّات مسخ الجنّ، كما مسخت القردة والخنازير". هذا حديثٌ غريبٌ جدًّا.
وقوله: {وعبد الطّاغوت} وقرئ {وعبد الطّاغوت} على أنّه فعلٌ ماضٍ، "والطّاغوت" منصوبٌ به، أي: وجعل منهم من عبد الطّاغوت. وقرئ: {وعبد الطّاغوت} بالإضافة على أنّ المعنى: وجعل منهم خدم الطّاغوت، أي: خدّامه وعبيده. وقرئ {وعبد الطّاغوت} على أنّه جمع الجمع: عبد وعبيد وعبد، مثل ثمارٍ وثمر. حكاها ابن جريرٍ عن الأعمش. وحكي عن بريدة الأسلميّ أنّه كان يقرؤها: "وعابد الطّاغوت"، وعن أبيٍّ، وابن مسعودٍ: "وعبدوا"، وحكى ابن جريرٍ عن أبي جعفرٍ القارئ أنّه كان يقرؤها: {وعبد الطّاغوت} على أنّه مفعول ما لم يسمّ فاعله، ثمّ استبعد معناها. والظّاهر أنّه لا بعد في ذلك؛ لأنّ هذا من باب التّعريض بهم، أي: وقد عبدت الطّاغوت فيكم، وكنتم أنتم الّذين تعاطوا ذلك.
وكلّ هذه القراءات يرجع معناها إلى أنّكم يا أهل الكتاب الطّاعنين في ديننا، والّذي هو توحيد اللّه وإفراده بالعبادات دون [ما] سواه، كيف يصدر منكم هذا وأنتم قد وجد منكم جميع ما ذكر؟ ولهذا قال: {أولئك شرٌّ مكانًا} أي: ممّا تظنّون بنا {وأضلّ عن سواء السّبيل} وهذا من باب استعمال أفعل التّفضيل فيما ليس في الطّرف الآخر مشاركةٌ، كقوله: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا} [الفرقان: 24] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/142-144]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإذا جاءوكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} وهذه صفة المنافقين منهم، أنّهم يصانعون المؤمنين في الظّاهر وقلوبهم منطويةٌ على الكفر؛ ولهذا قال: {وقد دخلوا [بالكفر وهم قد خرجوا به]} أي عندك يا محمّد {بالكفر} أي: مستصحبين الكفر في قلوبهم، ثمّ خرجوا وهو كامنٌ فيها، لم ينتفعوا بما قد سمعوا منك من العلم، ولا نجعت فيهم المواعظ ولا الزّواجر؛ ولهذا قال: {وهم [قد] خرجوا به} فخصّهم به دون غيرهم.
وقوله: {واللّه أعلم بما كانوا يكتمون} أي: واللّه عالمٌ بسرائرهم وما تنطوي عليهم ضمائرهم وإن أظهروا لخلقه خلاف ذلك، وتزيّنوا بما ليس فيهم، فإنّ عالم الغيب والشّهادة أعلم بهم منهم، وسيجزيهم على ذلك أتمّ الجزاء). [تفسير القرآن العظيم: 3/144]

تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السّحت} أي: يبادرون إلى ذلك من تعاطي المآثم والمحارم والاعتداء على النّاس، وأكلهم أموالهم بالباطل {لبئس ما كانوا يعملون} أي: لبئس العمل كان عملهم وبئس الاعتداء اعتداؤهم). [تفسير القرآن العظيم: 3/144]

تفسير قوله تعالى: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قوله: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون} يعني: هلّا كان ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن تعاطي ذلك. والرّبّانيّون وهم: العلماء العمّال أرباب الولايات عليهم، والأحبار: وهم العلماء فقط.
{لبئس ما كانوا يصنعون} وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: يعني الرّبّانيّين، أنّهم: بئس ما كانوا يصنعون. يعني: في تركهم ذلك.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: قال لهؤلاء حين لم ينهوا، ولهؤلاء حين علموا. قال: وذلك الأركان. قال: "ويعملون"و "ويصنعون" واحدٌ. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا ابن عطيّة، حدّثنا قيس، عن العلاء بن المسيّب، عن خالد بن دينارٍ عن ابن عبّاسٍ قال: ما في القرآن آيةٌ أشدّ توبيخًا من هذه الآية: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون} قال: كذا قرأ.
وكذا قال الضّحّاك: ما في القرآن آيةٌ أخوف عندي منها: إنّا لا ننهى. رواه ابن جريرٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: ذكره يونس بن حبيبٍ، حدّثنا أبو داود، حدّثنا محمّد بن مسلمٍ عن أبي الوضّاح، حدّثنا ثابت بن سعيدٍ الهمذاني، قال: رأيته بالرّيّ فحدّث عن يحيى بن يعمر قال: خطب عليّ بن أبي طالبٍ فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، إنما هلك من كان قبلكم بركوبهم المعاصي، ولم ينههم الرّبّانيّون والأحبار، فلمّا تمادوا في المعاصي ولم ينههم الرّبّانيّون والأحبار أخذتهم العقوبات. فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قبل أن ينزل بكم مثل الّذي نزل بهم، واعلموا أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لا يقطع رزقًا ولا يقرّب أجلًا.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، أنبأنا، شريك، عن أبي إسحاق، عن المنذر بن جريرٍ، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما من قومٍ يكون بين أظهرهم من يعمل بالمعاصي هم أعزّ منه وأمنع، لم يغيّروا، إلّا أصابهم اللّه منه بعذابٍ".
تفرّد به أحمد من هذا الوجه.
ورواه أبو داود، عن مسدّد، عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن المنذر بن جريرٍ، عن جريرٍ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "ما من رجلٍ يكون في قومٍ يعمل فيهم بالمعاصي، يقدرون أن يغّيروا عليه، فلا يغيّرون إلّا أصابهم اللّه بعقابٍ قبل أن يموتوا".
وقد رواه ابن ماجه عن عليّ بن محمّدٍ، عن وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبيد اللّه بن جريرٍ، عن أبيه، به.
قال الحافظ المزّي: وهكذا رواه شعبة، عن إسحاق، به). [تفسير القرآن العظيم: 3/144-145]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:37 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة