العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 08:58 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (96) إلى الآية (97) ]

تفسير سورة آل عمران

[من الآية (96) إلى الآية (97) ]

{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:09 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني يحيى بن أزهر عن غالب بن عبيد الله أنه سأل ابن
[الجامع في علوم القرآن: 1/30]
شهاب عن بكة، فقال: بكة البيت والمسجد، وسأله عن مكة، فقال ابن شهاب: مكة الحرم كله). [الجامع في علوم القرآن: 1/31]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى إن أول بيت وضع
[تفسير عبد الرزاق: 1/126]
للناس للذي ببكة مباركا قال أول بيت وضعه الله في الأرض فطاف به آدم ومن بعده قال قتادة وبكة يبك الناس بعضهم بعضا الرجال والنساء يصلي بعضهم بين يدي بعض ويمر بعضهم بين يدي بعض لا يصلح ذلك إلا بمكة). [تفسير عبد الرزاق: 1/127]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا وهدًى للعالمين (96) فيه آياتٌ بيّناتٌ مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: بكّة موضع البيت، ومكة سائر القرية.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا مسلم بن خالدٍ الزّنجي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ وعطاءٍ، قالا: مقام إبراهيم: المسجد الحرام، ومنًى، وعرفة، والمزدلفة.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن زكريّا، عن سفيان، عن حمّادٍ، قال: سألت سعيد بن جبيرٍ: لم سمّيت بكّة؟ قال: لأنّ الرّجال يتباكّون فيها والنساء جميعًا.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا عبد الملك، وحجّاج، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرأ: (فيه آيةٌ بينة مقام إبراهيم).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن عبد الملك، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت مجاهدًا يقول: إنّما سمّيت: بكّة؛ لأنّ النّاس يبكّ بعضهم بعضًا). [سنن سعيد بن منصور: 3/1069-1073]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للناس} قال: بيت الحرام). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 102]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس}
- أخبرنا بشر بن خالدٍ، حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، عن سليمان، قال: سمعت إبراهيم يحدّث عن أبيه، عن أبي ذرٍّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه سأله عن أوّل مسجدٍ وضع للنّاس، قال: «مسجد الحرام، وبيت المقدس» فسئل: كم بينهما؟ قال: «أربعون عامًا، وحيث ما أدركتك الصّلاة فصلّ، فثمّ مسجدٌ»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/48]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا وهدًى للعالمين}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله: إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس يعبد اللّه فيه مباركًا وهدًى للعالمين، الّذي ببكّة، قالوا: وليس هو أوّل بيتٍ وضع في الأرض، لأنّه قد كانت قبله بيوتٌ كثيرةٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن خالد بن عرعرة، قال: قام رجلٌ إلى عليٍّ، فقال: ألا تخبرني عن البيت، أهو أوّل بيتٍ وضع في الأرض؟ فقال: لا، ولكنّه أوّل بيتٍ وضع فيه البركة {مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنًا}.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن سماكٍ، قال: سمعت خالد بن عرعرة قال: سمعت عليًّا، وقيل له: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة} هو أوّل بيتٍ كان في الأرض؟ قال: لا قال: فأين كان قوم نوحٍ؟ وأين كان قوم هودٍ؟ قال: ولكنّه أوّل بيتٍ وضع للنّاس مباركًا وهدًى.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، قال: سأل حفصٌ الحسن وأنا أسمع، عن قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} قال: هو أوّل مسجدٍ عبد اللّه فيه في الأرض.
- حدّثنا عبد الجبّار بن يحيى الرّمليّ، قال: حدّثنا ضمرة، عن ابن شوذبٍ، عن مطرٍ، في قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة} قال: قد كانت قبله بيوتٌ، ولكنّه أوّل بيتٍ وضع للعبادة.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّادٌ، عن الحسن، قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس} يعبد اللّه فيه {للّذي ببكّة}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} قال: وضع للعبادة
وقال آخرون: بل هو أوّل بيتٍ وضع للنّاس، ثمّ اختلف قائلو ذلك في صفة وضعه أوّل، فقال بعضهم: خلق قبل جميع الأرضين، ثمّ دحيت الأرضون من تحته.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمارة الأسديّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا شيبان عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهدٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: خلق اللّه البيت قبل الأرض بألفي سنةٍ، وكان إذا كان عرشه على الماء، زبدةً بيضاء، فدحيت الأرض من تحته.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّك بن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، قال: حدّثنا خصيفٌ، قال: سمعت مجاهدًا، يقول: إنّ أوّل ما خلق اللّه الكعبة، ثمّ دحى الأرض من تحتها.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو: قال حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس} كقوله: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}.
- حدّثني محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا وهدًى للعالمين} أمّا أوّل بيتٍ، فإنّه يوم كانت الأرض ماءً، وكان زبدةً على الأرض، فلمّا خلق اللّه الأرض، خلق البيت معها، فهو أوّل بيتٍ وضع في الأرض.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} قال: أوّل بيتٍ وضعه اللّه عزّ وجلّ فطاف به آدم ومن بعده
وقال آخرون موضع الكعبة موضع أوّل بيتٍ وضعه اللّه في الأرض.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: ذكر لنا أنّ البيت، هبط مع آدم حين هبط، قال: أهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، فطاف حوله آدم ومن كان بعده من المؤمنين، حتّى إذا كان زمن الطّوفان، زمن أغرق اللّه قوم نوحٍ رفعه اللّه وطهّره من أن يصيبه عقوبة أهل الأرض، فصار معمورًا في السّماء، ثمّ إنّ إبراهيم تتبّع منه أثرًا بعد ذلك، فبناه على أساسٍ قديمٍ كان قبله.
والصّواب من القول في ذلك: ما قال جلّ ثناؤه فيه: إنّ أوّل بيتٍ مباركٍ وهدًى وضع للنّاسٍ للّذي ببكّة. ومعنى ذلك أنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس أي لعبادة اللّه فيه مباركًا وهدًى، يعني بذلك ومآبًا لنسك النّاسكين وطواف الطّائفين، تعظيمًا للّه وإجلالاً له؛ للّذي ببكّة؛ لصحّة الخبر بذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- وذلك ما: حدّثنا به محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم التّيميّ، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ، قال: قلت يا رسول اللّه، أيّ مسجدٍ وضع أوّل؟ قال: المسجد الحرام قال: ثمّ أيّ؟ قال: المسجد الأقصى قال: كم بينهما؟ قال: أربعون سنةً
فقد بيّن هذا الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ المسجد الحرام هو أوّل مسجدٍ وضعه اللّه في الأرض على ما قلنا، فأمّا في موضعه بيتًا بغير معنى بيتٍ للعبادة والهدى والبركة، ففيه من الاختلاف ما قد ذكرت بعضه في هذا الموضع وبعضه في سورة البقرة وغيرها من سور القرآن وبيّنت الصّواب من القول عندنا في ذلك بما أغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
وأمّا قوله: {للّذي ببكّة مباركًا} فإنّه يعني للبيت الّذي بمزدحم النّاس لطوافهم في حجّهم وعمرهم.
وأصل البكّ الزّحم، يقال منه: بكّ فلانٌ فلانًا: إذا زحمه وصدمه فهو. ببكّة مباركًا، وهم يتباكّون فيه: يعني به: يتزاحمون ويتصادمون فيه، فكان بكّة: فعلةٌ من بكّ فلانٌ فلانًا: زحمه، سمّيت البقعة بفعل المزدحمين بها.
فإذا كانت بكّة ما وصفنا، وكان موضع ازدحام النّاس حول البيت، وكان لا طواف يجوز خارج المسجد، كان معلومًا بذلك أن يكون ما حول الكعبة من داخل المسجد، وأنّ ما كان خارج المسجد فمكّة لا بكّة؛ لأنّه لا معنى خارجه يوجب على النّاس التّباكّ فيه، وإذا كان ذلك كذلك كان بيّنًّا بذلك فساد قول من قال بكّة اسمٌ لبطن مكّة، ومكّة اسمٌ للحرم.
ذكر من قال في ذلك ما قلنا من أنّ بكّة موضع مزدحم النّاس للطّواف:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ الغفاريّ، في قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} قال: بكّة: موضع البيت، ومكّة: ما سوى ذلك
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن أبي جعفرٍ، قال: مرّت امرأةٌ بين يدي رجلٍ وهو يصلّي، وهي تطوف بالبيت، فدفعها قال أبو جعفرٍ: إنّها بكّة يبكّ بعضها بعضًا.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الصّمد، قال: حدّثنا شعبة، قال: حدّثنا سلمة، عن مجاهدٍ، قال: إنّما سمّيت بكّة؛ لأنّ النّاس يتباكّون فيها، الرّجال والنّساء.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حمّادٍ، عن سعيدٍ، قال: قلت: أيّ شيءٍ سمّيت بكّة؟ قال: لأنّهم يتباكّون فيها، قال: يعني يتزاحمون.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن الأسود بن قيسٍ، عن أخيه، عن ابن الزّبير، قال: إنّما سمّيت بكّة؛ لأنّهم يأتونها حجّاجًا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} فإنّ اللّه بكّ به النّاس جميعًا، فيصلّي النّساء قدّام الرّجال، ولا يصلح ببلدٍ غيره.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: بكّة: بكّ النّاس بعضهم بعضًا، الرّجال والنّساء يصلّي بعضهم بين يدي بعضٍ، لا يصلح ذلك إلا بمكّة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة العوفيّ، قال: بكّة: موضع البيت، ومكّة: ما حولها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يحيى بن أزهر، عن غالب بن عبيد اللّه، أنّه سأل ابن شهابٍ عن بكّة: البيت والمسجد، وسأله عن مكّة، فقال ابن شهابٍ: مكّة: الحرم كلّه.
- حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حجّاجٌ، عن عطاءٍ، ومجاهدٍ، قالا بكّة: بكّ فيها الرّجال والنّساء.
- حدّثني عبد الجبّار بن يحيى الرّمليّ، قال: قال ضمرة بن ربيعة بكّة: المسجد، ومكّة: البيوت.
- وقال بعضهم بما: حدّثني به يحيى بن أبي طالبٍ قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة} قال: هي مكّة
وقيل: {مباركًا} لأنّ الطّواف به مغفرةٌ للذّنوب.
فأمّا نصب قوله: {مباركًا} فإنّه على الخروج من قوله: {وضع}؛ لأنّ في وضع ذكرًا من البيت هو به مشغولٌ وهو معرفةٌ، ومباركًا نكرةٌ لا يصلح أن يتبعه في الإعراب.
وأمّا على قول من قال: هو أوّل بيتٍ وضع للنّاس على ما ذكرنا في ذلك قول من ذكرنا قوله، فإنّه نصب على الحال من قوله: {للّذي ببكّة}؛ لأنّ معنى الكلام على قولهم: إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس، الذى البيت ببكّة مباركًا. فالبيت عندهم من صفته الّذي ببكّة، والّذي بصلته معرفةٌ، والمبارك نكرةٌ؛ فنصب على القطع منه في قول بعضهم، وعلى الحال في قول بعضهم، وهدًى في موضع نصبٍ على العطف على قوله مباركًا). [جامع البيان: 5/589-597]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا شريكٌ عن مجالدٍ، عن عامرٍ الشّعبيّ، عن عليٍّ في قوله: إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركاً قال: كانت البيوت قبله، ولكن كان أوّل بيتٍ وضع لعبادة اللّه.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس أمّا أوّل بيتٍ فإنّه يوم كانت الأرض زبدةً على البحر، فلمّا خلق اللّه الأرض خلق البيت معها، فهو أوّل بيتٍ وضع في الأرض.
- حدّثنا أبي، ثنا الحسين بن الرّبيع، ثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حربٍ، عن خالد بن عرعرة قال: قام رجلٌ إلى عليٍّ فقال: ألا تحدّثني عن البيت؟
أهو أوّل بيتٍ وضع؟ فقال: لا ولكنّ أوّل بيتٍ وضع فيه البركة مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً، وإن شئت أنبأتك كيف بني؟ إنّ اللّه أوحى إلى إبراهيم عليه السّلام، أن ابن لي بيتاً في الأرض فضاق إبراهيم بذلك ذرعاً، فأرسل إليه السّكينة وهي ريحٌ خجوجٌ ، لها رأسان، فاتّبع أحدهما صاحبه حتّى انتهت إلى مكّة فتطوّقت على موضع البيت تطوف الحجفة، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقرّ السّكينة، وكان يبني هو وابنه، حتّى إذا بلغ مكان الحجر، قال إبراهيم لابنه: ابغني كما آمرك. قال:
فانطلق الغلام يلتمس له حجراً، فأتاه به فوجده قد ركب الحجر الأسود في مكانه فقال له: يا إبراهيم من أتاك بهذا الحجر؟ قال أتاني من لم يتّكل على بنائك، جاء به جبريل من السّماء. قال فبنياه فأتماه.
قوله تعالى: للذي ببكة مباركا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وعمرٌو الأوديّ قالا: ثنا وكيعٌ، عن سفيان عن الأسود بن قيسٍ، عن أخيه، عن عبد اللّه بن الزّبير قال: إنّما سمّيت بكّة لأنّ النّاس يجيئون من كلّ جانبٍ حجّاجاً والسّياق للأشجّ. قال أبو محمّدٍ: وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا إبراهيم بن موسى، أنبأ ابن أبي زائدة أنبأ مسعرٌ قال: سمعت عتبة بن قيسٍ يقول: بكّة بكّت بكّاً، الذّكر فيها كالأنثى قلت: عمّن تروي هذا؟ فذكر ابن عمر
والوجه الثّالث:
- حدّثنا محمّد بن عمّار بن الحارث، ثنا عبد الرّحمن يعني: الدّشتكيّ، أنبأ عمرو بن أبي قيسٍ، عن عطاء بن السّائب، عن أبي جعفرٍ محمّد ابن عليّ بن حسينٍ قال: مرّت امرأةٌ بين يدي رجلٍ وهو يصلّي وهي تطوف بالبيت، فدفعها، فقال أبو جعفرٍ: إنّها بكّة يبكّ بعضهم بعضا.
- حدّثنا جعفر بن منيرٍ المدائنيّ، ثنا عبد الوهّاب يعني: ابن عطاءٍ أنبأ سعيدٌ، عن قتادة في قوله: للّذي ببكّة مباركاً قال: إنّ اللّه بكّ به النّاس جميعاً، فيصلّي النّساء أمام الرّجال، ولا يفعل ذلك ببلدٍ غيره. قال أبو محمّدٍ وروي عن مجاهدٍ وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، وقتادة، وعمرو بن شعيبٍ، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
والوجه الرّابع:
- قرئ على بحر بن نصرٍ الخولانيّ، ثنا ابن وهبٍ، حدّثني يعقوب الإسكندرانيّ أنّه سأل محمّد بن زيد بن مهاجرٍ يكتب له في منزلٍ في داره بمكّة فكتب إليّ ابن فرّوخٍ: إيّاك أن تكريها، أو تأكل من خراجها شيئاً، فإنّها إنّما سمّيت بكّة لأنّها كانت تبكّ الظّلمة.
والوجه الخامس:
- ذكر عن حمّاد بن سلمة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: مكّة من الفجّ إلى التّنعيم، وبكّة من البيت إلى البطحاء.
والوجه السّادس:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن فضيلٍ، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ قال: موضع البيت بكّة وما سوى ذلك مكّة. قال أبو محمّدٍ: وروي عن عطيّة وإبراهيم النّخعيّ وأبي صالحٍ، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
والوجه السّابع:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا خالد بن حيّان، عن جعفر بن برقان عن عكرمة قال: البيت وما حوله بكّة، وما وراء ذلك مكّة. قال أبو محمّدٍ: وروي عن ميمون بن مهرانٍ نحو ذلك.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا أبو قطنٍ، ثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم قال: بكّة: البيت والمسجد. قال أبو محمّد، وروي عن ابن شهابٍ مثل ذلك.
قوله تعالى: مباركاً
- أخبرنا عمرو بن ثورٍ القيساريّ فيما كتب إليّ، ثنا محمّد بن يوسف الفريابيّ، ثنا إسرائيل، عن سماك بن حربٍ، عن خالد بن عرعرة قال: سأل رجلٌ عليّاً عن أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركاً قال: هو أوّل بيتٍ وضع فيه البركة والهدى ومقام إبراهيم.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: مباركاً جعلناه آمناً وجعل فيه الخير والبركة.
- وبه عن مقاتل بن حيّان وهدًى للعالمين يعني بالهدى قبلتهم.
قوله تعالى: للعالمين
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ أبو جعفرٍ يعني الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية العالمين قال: الإنس عالمٌ، والجنّ عالمٌ، وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالمٍ، أو أربعة عشر ألف عالمٍ من الملائكة على الأرض، والأرض أربع زوايا في كلّ زاويةٍ ثلاثة آلاف عالمٍ وخمسمائة عالمٍ خلقهم لعبادته.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا الوليد بن مسلمٍ، ثنا الفرات يعني ابن الوليد عن مغيث بن سميٍّ، عن تبيعٍ في قوله: للعالمين قال: العالمين ألف أمّةٍ ستمائةٍ في البحر، وأربعمائةٍ في البر). [تفسير القرآن العظيم: 2/707-710]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا بكر بن محمّدٍ الصّيرفيّ، بمرو، ثنا أحمد بن ملاعب بن حيّان، ثنا عبيد اللّه بن موسى، ومحمّد بن سابقٍ، قالا: ثنا إسرائيل، ثنا خالد بن حربٍ، عن خالد بن عرعرة، قال: سأل رجلٌ عليًّا رضي اللّه عنه عن {أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} [آل عمران: 96] أهو أوّل بيتٍ بني في الأرض؟ قال: لا، ولكنّه " أوّل بيتٍ وضع فيه البركة والهدى، ومقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنّا، ولإن شئت أنبأتك كيف بناه اللّه عزّ وجلّ، إنّ اللّه أوحى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتًا في الأرض فضاق به ذرعًا، فأرسل اللّه إليه السّكينة، وهي ريحٌ خجوجٌ، لها رأسٌ، فاتّبع أحدهما صاحبه حتّى انتهت، ثمّ تطوّقت إلى موضع البيت تطوّق الحيّة، فبنى إبراهيم فكان يبني هو ساقًا كلّ يومٍ، حتّى إذا بلغ مكان الحجر، قال لابنه: أبغني حجرًا فالتمس ثمّة حجرًا حتّى أتاه به، فوجد الحجر الأسود قد ركّب، فقال له ابنه: من أين لك هذا؟ قال: جاء به من لم يتّكل على بنائك جاء به جبريل عليه السّلام من السّماء فأتمّه «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه» ). [المستدرك: 2/321]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا محمّد بن صالح بن هانئٍ، ثنا الحسين بن الفضل البجليّ، ثنا عفّان بن مسلمٍ، ثنا سليمان بن كثيرٍ، قال: سمعت ابن شهابٍ، يحدّث، عن أبي سنانٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: خطبنا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا أيّها النّاس، إنّ اللّه كتب عليكم الحجّ» فقام الأقرع بن حابسٍ فقال: أفي كلّ عامٍ يا رسول اللّه؟ قال: «لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها، أو لم تستطيعوا أن تعملوا بها، الحجّ مرّةً، فمن زاد فتطوّعٌ» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه " هكذا رواه سفيان بن حسينٍ الواسطيّ، عن الزّهريّ). [المستدرك: 2/321]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثناه أبو حامدٍ أحمد بن محمّد بن شعيبٍ الفقيه الزّاهد، ثنا سهل بن عمّارٍ العتكيّ، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ سفيان بن حسينٍ، عن الزّهريّ، عن أبي سنانٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: سأل الأقرع بن حابسٍ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: الحجّ في كلّ عامٍ مرّةً؟ قال: «لا، بل مرّةً واحدةً فمن زاد فتطوّعٌ» وفي الباب عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه بالشّرح والبيان، عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم). [المستدرك: 2/322]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال إسحاق بن راهويه: ثنا النّضر بن شميلٍ، ثنا حمّاد بن سلمة، عن سماك بن حربٍ، عن خالد بن عرعرة قال: "لمّا قتل عثمان ... " فذكر قصّةً عن عليٍّ، قال: "ثم قال: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكة}، ثمّ قال: إنّه ليس بأوّل بيتٍ كان، قد كان نوحٌ قبل إبراهيم فكانوا في البيوت وكان إبراهيم في البيوت، ولكنّه أوّل بيتٍ وضع للنّاس {مباركًا وهدًى للعالمين فيه آياتٌ بيّناتٌ مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنًا}.
هذا إسنادٌ رواته ثقاتٌ إلّا خالد بن عرعرة؟ فإنّي لم أقف له على ترجمةٍ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/190-191]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال إسحاق: أخبرنا النّضر بن شميلٍ، ثنا حمّاد بن سلمة، عن سماك بن حربٍ، عن خالد بن عرعرة، قال: لمّا قتل عثمان رضي الله عنه، فذكر قصّةً عن عليٍّ رضي الله عنه، ثمّ قال: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة}، قال رضي الله عنه: أما إنّه ليس بأوّل بيتٍ (كان)، وقد كان نوح عليه الصلاة والسلام قبل إبراهيم عليه الصلاة والسلام فكانوا في البيوت، (وكان إبراهيم في البيوت)، ولكنّه أوّل بيتٍ وضع للنّاس مباركًا وهدًى للعالمين، فيه آياتٌ بيّناتٌ، مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنًا.
[2] وقال الحارث: حدثنا العبّاس بن الفضل، ثنا حمّاد بن سلمة به.
(146) وفي باب وقعة أحدٍ من المغازي حديثٌ في تفسير قوله تعالى: {ثمّ أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنةً نعاسًا} الآيات كلّها). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/539-541]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 96.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن علي بن أبي طالب في قوله {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة} قال: كانت البيوت قبله ولكنه كان أول بيت وضع لعبادة الله.
وأخرج ابن جرير عن مطر، مثله.
وأخرج ابن جريج عن الحسن في الآية قال {إن أول بيت وضع للناس} يعبد الله فيه {للذي ببكة}.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم، وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي قال: المسجد الأقصى قلت: كم بينهما قال: أربعون سنة
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو قال: خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة وكان إذ كان عرشه على الماء زبدة بيضاء وكانت الأرض تحته كأنها حشفة فدحيت الأرض من تحته.
وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال: إن الكعبة خلقت قبل الأرض بألفي سنة وهي من الأرض إنما كانت حشفة على الماء عليها ملكان من الملائكة يسبحان فلما أراد الله أن يخلق الأرض دحاها منها فجعلها في وسط الأرض.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير والأزرقي عن مجاهد قوله {إن أول بيت وضع للناس} كقوله (كنتم خير أمة أخرجت للناس) (آل عمران الآية 110).
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: أما أول بيت فإنه يوم كانت الأرض ماء كان زبدة على الأرض فلما خلق الله الأرض خلق البيت معها، فهو أول بيت وضع في الأرض
وأخرج ابن المنذر عن الحسن في الآية قال: أول قبلة أعملت للناس المسجد الحرام.
وأخرج ابن المنذر والأزرقي عن ابن جريج قال: بلغنا أن اليهود قالت: بيت المقدس أعظم من الكعبة لأنها مهاجر الأنبياء ولأنه في الأرض المقدسة، فقال المسلمون: بل الكعبة أعظم، فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فنزلت {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا} إلى قوله {فيه آيات بينات مقام إبراهيم} وليس ذلك في بيت المقدس {ومن دخله كان آمنا} وليس ذلك في بيت المقدس {ولله على الناس حج البيت} وليس ذلك لبيت المقدس.
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول بقعة وضعت في الأرض موضع البيت ثم مهدت منها الأرض، وإن أول جبل وضعه الله على وجه الأرض أبو قبيس ثم مدت منه الجبال.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عبد الله بن الزبير قال: إنما سميت بكة لأن الناس يجيئون إليها من كل جانب حجاجا
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير والبيهقي في الشعب عن مجاهد قال: إنما سميت بكة لأن الناس يتباكون فيها الرجال والنساء، يعني يزدحمون.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد والبيهقي عن مجاهد قال: إنما سميت بكة لأن الناس يبك بعضهم بعضا فيها وأنه يحل فيها ما لا يحل في غيرها، واخرج عبد بن حميد، وابن جرير والبيهقي في الشعب عن قتادة قال: سميت بكة لأن الله بك بها الناس جميعا فيصلي النساء قدام الرجال ولا يصلح ذلك ببلد غيره.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عتبة بن قيس قال: إن مكة بكت بكاء الذكر فيها كالأنثى، قيل: عمن تروي هذا قال: عن ابن عمر
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن زيد بن مهاجر قال: إنما سميت بكة لأنها كانت تبك الظلمة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: البيت وما حوله بكة وما وراء ذلك مكة.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة، وابن جرير عن أبي مالك الغفاري قال: بكة موضع البيت ومكة ما سوى ذلك.
وأخرج ابن جرير عن ابن شهاب قال: بكة البيت والمسجد ومكة الحرم كله.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: بكة هي مكة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: مكة من الفج إلى التنعيم وبكة من البيت إلى البطحاء
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: بكة الكعبة ومكة ما حولها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان {مباركا} جعل فيه الخير والبركة {وهدى للعالمين} يعني بالهدى قبلتهم.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في الشعب عن الزهري قال: بلغني أنهم وجدوا في مقام إبراهيم ثلاثة صفوح في كل صفح منها كتاب، في الصفح الأول: أنا الله ذو بكة صغتها يوم صغت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء وباركت لأهلها في اللحم واللبن، وفي الصفح الثاني: أنا الله ذو بكة خلقت الرحم وشققت لها من اسمي ومن وصلها وصلته ومن قطعها بتته، وفي الثالث: أنا الله ذو بكة خلقت الخير والشر فطوبى لمن كان الخير على يديه وويل لمن كان الشر على يديه.
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: وجد في المقام كتاب فيه: هذا بيت الله الحرام بكة توكل الله برزق أهله من ثلاثة سبل: يبارك لأهلها في اللحم والماء واللبن لا يحله أول من أهله ووجد في حجر من الحجر كتاب من خلقة الحجر: أنا الله ذو بكة الحرام صغتها يوم صغت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزول حتى يزول أخشباها مبارك لأهلها في اللحم والماء.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد والضحاك نحوه.
وأخرج الجندي في فضائل مكة عن ابن عباس وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلق الله مكة فوضعها على المكروهات والدرجات قيل لسعيد بن جبير: ما الدرجات قال: الدرجات الجنة.
وأخرج الأزرقي والجندي عن عائشة قالت: ما رأيت السماء في موضع أقرب منها إلى الأرض من مكة.
وأخرج الأزرقي عن عطاء بن كثير رفعه إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم: المقام بمكة سعادة وخروج منها شقوة
وأخرج الأزرقي والجندي والبيهقي في الشعب وضعفه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدركه شهر رمضان بمكة فصامه كله وقام منه ما تيسر كتب الله له مائة ألف شهر رمضان بغير مكة وكتب له كل يوم حسنة وكل ليلة حسنة وكل يوم عتق رقبة وكل ليلة عتق رقبة وكل يوم حملان فرس في سبيل الله وكل ليلة حملان فرس في سبيل الله وله بكل يوم دعوة مستجابة.
وأخرج الأزرقي والطبراني في الأوسط، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا البيت دعامة الإسلام من خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر كان مضمونا على الله إن قبضه أن يدخله الجنة وإن رده أن يرده بأجر أو غنيمة.
وأخرج البيهقي في الشعب، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام والجمعة في مسجدي هذا أفضل من ألف جمعة فيما سواه إلا المسجد الحرام وشهر رمضان في مسجدي هذا أفضل من ألف شهر رمضان فيما سواه إلا المسجد الحرام
وأخرج البزار، وابن خزيمة والطبراني والبيهقي في الشعب عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة وفي مسجدي ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس بخمسمائة صلاة.
وأخرج ابن ماجة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في بيته بصلاة وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة وصلاته في في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة وصلاته في مسجدي بخمسين ألف صلاة وصلاته في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي، وابن ماجة عن ابن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.
وأخرج الطيالسي وأحمد والبزار، وابن عدي والبيهقي، وابن خزيمة، وابن حبان عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف
صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في مسجدي هذا قيل لعطاء: هذا الفضل الذي يذكر في المسجد الحرام وحده أو في الحرم قال: لا، بل في الحرم فإن الحرم كله مسجد.
وأخرج أحمد، وابن ماجة، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة، واخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.
وأخرج البزار عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا خاتم الأنبياء ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء أحق المساجد أن يزار وتشد إليه الرواحل، المسجد الحرام ومسجدي، صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام
وأخرج الطيالسي، وابن أبي شيبة وأحمد، وابن منيع والروياني، وابن خزيمة والطبراني عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام). [الدر المنثور: 3/670-680]

تفسير قوله تعالى: (فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدّثني أيضًا أنّه سمع عطاءً يحدّث عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرأ: {فيه} آيةٌ بينةٌ {مقام إبراهيم}). [الجامع في علوم القرآن: 3/47]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وقتادة في قوله تعالى آيات بينات مقام إبراهيم قالا مقام إبراهيم من الآيات البينات). [تفسير عبد الرزاق: 1/127]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ومن دخله كان آمنا قال كان ذلك في الجاهلية فأما اليوم فإن سرق فيه وأخذ قطع ولو قتل فيه قتل ولو قدر على المشركين فيه قتلوا). [تفسير عبد الرزاق: 1/127]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى من استطاع إليه سبيلا قال بلغني أن النبي سئل عن الحج فقال الزاد والراحلة
- أنا هشام عن الحسن عن النبي مثله). [تفسير عبد الرزاق: 1/127]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر عن الحسن في قوله تعالى ومن كفر فإن
[تفسير عبد الرزاق: 1/127]
الله غنى عن العلمين قال كفر الجحود به والزهادة فيه). [تفسير عبد الرزاق: 1/128]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ومن كفر قال هو من إن حج لم يره برا وإن قعد لم يره مأثما). [تفسير عبد الرزاق: 1/128]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن إبراهيم الخوزيّ عن محمّد بن عباد المخزومي عن ابن عمر قال: سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن قول اللّه جلّ وعزّ: {من استطاع إليه سبيلا} قال: ((السّبيل إلى الحجّ الزّاد والراحلة)) [الآية: 97].
سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن مجاهدٍ: {من استطاع إليه سبيلا ومن كفر} قال: ومن كفر باللّه واليوم الآخر.
سفيان [الثوري] عن محمّد بن سوقة قال: سألت سعيد بن جبيرٍ عن استطاعة قال: الزاد والراحلة [الآية: 97]). [تفسير الثوري: 79]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا وهدًى للعالمين (96) فيه آياتٌ بيّناتٌ مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: بكّة موضع البيت، ومكة سائر القرية.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا مسلم بن خالدٍ الزّنجي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ وعطاءٍ، قالا: مقام إبراهيم: المسجد الحرام، ومنًى، وعرفة، والمزدلفة.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن زكريّا، عن سفيان، عن حمّادٍ، قال: سألت سعيد بن جبيرٍ: لم سمّيت بكّة؟ قال: لأنّ الرّجال يتباكّون فيها والنساء جميعًا.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا عبد الملك، وحجّاج، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرأ: {فيه آيةٌ بينة مقام إبراهيم}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن عبد الملك، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت مجاهدًا يقول: إنّما سمّيت: بكّة؛ لأنّ النّاس يبكّ بعضهم بعضًا). [سنن سعيد بن منصور: 3/1069-1073] (م)
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ولله على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلًا ومن كفر فإنّ الله غنيٌّ عن العالمين} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا جويبر، عن الضّحّاك، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {ولله على النّاس حجّ البيت}، جمع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أهل الملل: مشركي العرب، والنصارى، واليهود والمجوس والصّابئين، فقال: ((إنّ اللّه عزّ وجلّ قد فرض عليكم الحجّ فحجّوا البيت))، فلم يقبله إلّا المسلمون، ثمّ كفروا بالبيت، وذلك قوله عزّ وجلّ: {ومن كفر} - يعني من جحد - {فإنّ الله غنيٌّ عن العالمين} .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ - في قوله عزّ وجلّ: {ومن كفر فإنّ الله غنيٌّ عن العالمين} -: من إن حجّ، لم يره برًّا، ومن تركه، لم يره إثمًا.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن هشامٍ، عن الحسن، قال: من لم يره واجبًا .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، وخالدٌ، عن يونس، عن الحسن، قال: سئل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ما السّبيل إلى الحجّ؟ قال: ((زاد وراحلة)) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/1074-1076]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا إبراهيم بن يزيد، قال: سمعت محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ، يحدّث عن ابن عمر، قال: قام رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: من الحاجّ يا رسول الله؟ قال: الشّعث التّفل فقام رجلٌ آخر فقال: أيّ الحجّ أفضل يا رسول الله؟ قال: العجّ والثّجّ فقام رجلٌ آخر فقال: ما السّبيل يا رسول الله؟ قال: الزّاد والرّاحلة.
هذا حديثٌ، لا نعرفه من حديث ابن عمر إلاّ من حديث إبراهيم بن يزيد الخوزيّ المكّيّ، وقد تكلّم بعض أهل العلم في إبراهيم بن يزيد من قبل حفظه). [سنن الترمذي: 5/75]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإنّ اللّه غني عن العالمين} حجّ المسلمون وقعد الكافر). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 76]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {فيه آياتٌ بيناتٌ} قال: أثر قدمه في [المقام] آيةٌ بيّنةٌ. {ومن دخله كان آمنًا وللّه على النّاس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} قال: البلاغ والزّاد والرّاحلة قال: {ومن كفر} بالحج). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 77]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {فيه آياتٌ بيناتٌ}، {من دخله كان آمناً} قال: حجّةٌ على النّاس). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 102]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فيه آياتٌ بيّناتٌ مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين}
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه قرّاء الأمصار: {فيه آياتٌ بيّناتٌ} على جماع آيةٍ، بمعنى: فيه علاماتٌ بيّناتٌ.
وقرأ ذلك ابن عبّاسٍ (فيه آيةٌ بيّنةٌ) يعني بها مقام إبراهيم، يراد بها علامةً واحدةً.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {فيه آياتٌ بيّناتٌ} وما تلك الآيات، فقال بعضهم: مقام إبراهيم والمشعر الحرام، ونحو ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فيه آياتٌ بيّناتٌ} مقام إبراهيم، والمشعر.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة ومجاهدٍ: {فيه آياتٌ بيّناتٌ مقام إبراهيم} قالا: مقام إبراهيم من الآيات البيّنات.
وقال آخرون: الآيات البيّنات {مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنًا}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّادٌ، عن الحسن، في قوله: {فيه آياتٌ بيّناتٌ} قال: {مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنًا}
وقال آخرون: الآيات البيّنات: هو مقام إبراهيم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {فيه آياتٌ بيّناتٌ مقام إبراهيم} أمّا الآيات البيّنات: فمقام إبراهيم
وأمّا الّذين قرءوا ذلك: (فيه آيةٌ بيّنةٌ) على التّوحيد، فإنّهم عنوا بالآية البيّنة مقام إبراهيم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فيه آياتٌ بيّناتٌ} قال: قدماه في المقام آيةً بيّنةٌ يقول: {ومن دخله كان آمنًا} قال: هذا شيءٌ آخر.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ (فيه آيةٌ بيّنةٌ مقام إبراهيم) قال: أثر قدميه في المقام آيةٌ بيّنةٌ
وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصّواب، قول من قال: الآيات البيّنات منهنّ مقام إبراهيم وهو قول قتادة ومجاهدٍ الّذي رواه معمرٌ عنهما، فيكون الكلام مرادًا فيهّ منهنّ، فترك ذكره اكتفاءً بدلالة الكلام عليها.
فإن قال قائلٌ: فهذا المقام من الآيات البيّنات، فما سائر الآيات الّتي من أجلها قيل: {آياتٌ بيّناتٌ}؟
قيل: منهنّ: المقام، ومنهنّ الحجر، ومنهنّ الحطيم.
وأصحّ القراءتين في ذلك قراءة من قرأ {فيه آياتٌ بيّناتٌ} على الجماع، لإجماع قرّاء أمصار المسلمين على أنّ ذلك هو القراءة الصّحيحة دون غيرها.
وأمّا اختلاف أهل التّأويل في تأويل: {مقام إبراهيم} فقد ذكرناه في سورة البقرة، وبيّنا أولى الأقوال بالصّواب فيه هنالك وأنّه عندنا: المقام المعروف به.
فتأويل الآية إذًا: إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس مباركًا وهدًى للعالمين، للّذي ببكّة، فيه علاماتٌ من قدرة اللّه وآثار خليله إبراهيم منهنّ أثر قدم خليله إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم في الحجر الّذي قام عليه). [جامع البيان: 5/598-601]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن دخله كان آمنًا}
واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله الخبر عن أنّ كلّ من جرّ في الجاهليّة جريرةً ثمّ عاد بالبيت لم يكن بها مأخوذًا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ومن دخله كان آمنًا} وهذا كان في الجاهليّة، كان الرّجل لو جرّ كلّ جريرةٍ على نفسه ثمّ ألجأ إلى حرم اللّه، لم يتناول ولم يطلب؛ فأمّا في الإسلام، فإنّه لا يمنع من حدود اللّه، من سرق فيه قطع، ومن زنى فيه أقيم عليه الحدّ، من قتل فيه قتل.
- وعن قتادة أنّ الحسن كان يقول: إنّ الحرم لا يمنع من حدود اللّه، لو أصاب حدًّا في غير الحرم فلجأ إلى الحرم لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحدّ ورأى قتادة ما قاله الحسن.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله: {ومن دخله كان آمنًا} قال: كان ذلك في الجاهليّة، فأمّا اليوم فإن سرق فيه أحدٌ قطع، وإن قتل فيه قتل، ولو قدر فيه على المشركين قتلوا.
- حدّثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، قال: حدّثنا عبد السّلام بن حربٍ، قال: حدّثنا خصيفٌ، عن مجاهدٍ، في الرّجل يقتل، ثمّ يدخل الحرم، قال: يؤخذ فيخرج من الحرم، ثمّ يقام عليه الحدّ، يقول: القتل.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، عن شعبة، عن حمّادٍ، مثل قول مجاهدٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وأبو السّائب، قالا: حدّثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا هشامٌ، عن الحسن، وعطاءٍ، في الرّجل يصيب الحدّ، ويلجأ إلى الحرم: يخرج من الحرم فيقام عليه الحدّ
فتأويل الآية على قول هؤلاء: فيه آياتٌ بيّناتٌ مقام إبراهيم، والّذي دخله من النّاس كان آمنًا بها في الجاهليّة.
وقال آخرون: معنى ذلك: ومن يدخله يكن آمنًا بها، بمعنى الجزاء، كنحو قول القائل: من قام لي أكرمته: بمعنى من يقم لي أكرمه، وقالوا: هذا أمرٌ كان في الجاهليّة، كان الحرم مفزع كلّ خائفٍ، وملجأ كلّ جانٍ؛ لأنّه لم يكن يهاج له ذو جريرةٍ، ولا يعرض الرّجل فيه لقاتل أبيه وابنه بسوءٍ، قالوا: وكذلك هو في الإسلام؛ لأنّ الإسلام زاده تعظيمًا وتكريمًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبد الملك بن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، قال: حدّثنا خصيفٌ، قال حدّثنا مجاهدٌ، قال: قال ابن عبّاسٍ: إذا أصاب الرّجل الحدّ قتل أو سرق، فدخل الحرم، ولم يبايع ولم يؤو حتّى يتبرّم فيخرج من الحرم، فيقام عليه الحدّ، قال: فقلت لابن عبّاسٍ: ولكنّي لا أرى ذلك، أرى أن يؤخذ برمّته، ثمّ يخرج من الحرم، فيقام عليه الحدّ، فإنّ الحرم لا يزيده إلا شدّةً.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وأبو السّائب، قالا: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا عبد الملك، عن عطاءٍ، قال: أخذ ابن الزّبير سعدًا مولى معاوية، وكان في قلعةٍ بالطّائف، فأرسل إلى ابن عبّاسٍ من يشاوره فيهم، إنّهم لنا عدوٌ، فأرسل إليه ابن عبّاسٍ: لو وجدت قاتل أبي لم أعرض له، قال: فأرسل إليه ابن الزّبير: ألا نخرجهم من الحرم؟ قال: فأرسل إليه ابن عبّاسٍ: أفلا قبل أن تدخلهم الحرم؟ زاد أبو السّائب في حديثه فأخرجهم فصلبهم، ولم يصغ إلى قول ابن عبّاسٍ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حجّاجٌ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: من أحدث حدثًا في، غير الحرم ثمّ لجأ إلى الحرم ولم يعرض له ولم يبايع ولم يكلّم ولم يؤو حتّى يخرج من الحرم، فإذا خرج من الحرم أخذ فأقيم عليه الحدّ، قال: ومن أحدث في الحرم حدثًا أقيم عليه الحدّ.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا إبراهيم بن إسماعيل بن نصرٍ السّلميّ، عن ابن أبي حبيبة، عن داود بن حصينٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: من أحدث حدثًا ثمّ استجار بالبيت فهو آمنٌ، وليس للمسلمين أن يعاقبوه على شيءٍ إلى أن يخرج، فإذا خرج أقاموا عليه الحدّ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن عطاءٍ، عن ابن عمر، قال: لو وجدت قاتل عمر في الحرم ما هجته.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وأبو السّائب، قالا: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا ليثٌ، عن عطاءٍ: أنّ الوليد بن عتبة، أراد أن يقيم الحدّ، في الحرم، فقال له عبيد بن عميرٍ: لا تقم عليه الحدّ في الحرم إلاّ أن يكون أصابه فيه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وأبو السّائب، قالا: حدّثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا مطرّفٌ، عن عامرٍ، قال: إذا أصاب الحدّ، ثمّ هرب إلى الحرم، فقد أمن، فإذا أصابه في الحرم أقيم عليه الحدّ في الحرم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن فراسٍ، عن الشّعبيّ، قال: من أصاب حدًّا في الحرم ومن أصابه خارجًا من الحرم ثمّ دخل الحرم، لم يكلّم ولم يبايع حتّى يخرج من الحرم، فيقام عليه.
- حدّثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، قال: حدّثنا عبد السّلام بن حربٍ، قال: حدّثنا عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، وعن عبد الملك، عن عطاء بن أبي رباحٍ، في الرّجل يقتل، ثمّ يدخل الحرم، قال: لا يبيعه أهل مكّة، ولا يشترون منه، ولا يسقونه ولا يطعمونه، ولا يؤونه عدّ أشياء كثيرةً - حتّى يخرج من الحرم، فيؤخذ بذنبه.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: أنّ الرّجل، إذا أصاب حدًّا ثمّ دخل الحرم أنّه لا يطعم، ولا يسقى، ولا يؤوى، ولا يكلّم، ولا ينكح، ولا يبايع، فإذا خرج منه أقيم عليه الحدّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: إذا أحدث الرّجل حدثًا، ثمّ دخل الحرم، لم يؤو ولم يجالس، ولم يبايع، ولم يطعم، ولم يسق، حتّى يخرج من الحرم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أمّا قوله: {ومن دخله كان آمنًا} فلو أنّ رجلاً قتل رجلاً، ثمّ أتى الكعبة فعاذ بها، ثمّ لقيه أخو المقتول لم يحلّ له أبدًا أن يقتله
وقال آخرون: معنى ذلك: ومن دخله يكن آمنًا من النّار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليّ بن مسلمٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: أخبرنا رزيق بن مسلمٍ المخزوميّ قال: حدّثنا زياد بن أبي عياشٍ، عن يحيى بن جعدة، في قوله: {ومن دخله كان آمنًا} قال: آمنًا من النّار
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّواب، قول ابن الزّبير، ومجاهدٍ، والحسن، ومن قال معنى ذلك: ومن دخله من غيره ممّن لجأ إليه عائذًا به كان آمنًا ما كان فيه، ولكنّه يخرج منه فيقام عليه الحدّ إن كان أصاب ما يستوجبه في غيره ثمّ لجأ إليه، وإن كان أصابه فيه أقيم عليه فيه.
فتأويل الآية إذًا: فيه آياتٌ بيّناتٌ مقام إبراهيم، ومن يدخله من النّاس مستجيرًا به يكن آمنًا ممّا استجار منه ما كان فيه، حتّى يخرج منه. فإن قال قائلٌ: وما منعك من إقامة الحدّ عليه فيه؟
قيل: لاتّفاق جميع السّلف على أنّ من كانت جريرته في غيره ثمّ عاذ به، فإنّه لا يؤخذ بجريرته فيه. وإنّما اختلفوا في صفة إخراجه منه لأخذه بها، فقال بعضهم: صفة ذلك منعه المعاني الّتي يضطرّ مع منعه وفقده إلى الخروج منه.
وقال آخرون: لا صفة لذلك غير إخراجه منه بما أمكن إخراجه من المعاني الّتي توصل إلى إقامة حدّ اللّه معها، فلذلك قلنا: غير جائزٍ إقامة الحدّ عليه فيه إلاّ بعد إخراجه منه، فأمّا من أصاب الحدّ فيه، فإنّه لا خلاف بين الجميع في أنّه يقام عليه فيه الحدّ، فكلتا المسألتين أصلٌ مجمعٌ على حكمها على ما وصفنا.
فإن قال لنا قائلٌ: وما دلالتك على أنّ إخراج العائذ بالبيت إذا أتاه مستجيرًا به من جريرةٍ جرّها أو من حدٍّ أصابه من الحرم جائزٌ لإقامة الحدّ عليه وأخذه بالجريرة، وقد أقررت بأنّ اللّه عزّ وجلّ قد جعل من دخله آمنًا، ومعنى الآمن غير معنى الخائف، فيما هما فيه مختلفان؟
قيل: قلنا ذلك لإجماع الجميع من المتقدّمين والمتأخّرين من علماء الأمّة، على أنّ إخراج العائذ به من جريرةٍ أصابها أو فاحشةٍ أتاها وجبت عليه به عقوبةٌ منه ببعض معاني الإخراج لأخذه بما لزمه، واجبٌ على إمام المسلمين وأهل الإسلام معه.
وإنّما اختلفوا في السّبب الّذي يخرج به منه، فقال بعضهم: السّبب الّذي يجوز إخراجه به منه ترك جميع المسلمين مبايعته وإطعامه وسقيه وإيواءه وكلامه وما أشبه ذلك من المعاني الّتي لا قرار للعائذ به فيه مع بعضها، فكيف مع جميعها؟
وقال آخرون منهم: بل إخراجه لإقامة ما لزمه من العقوبة واجبٌ بكلّ معاني الإخراج.
فلمّا كان إجماعًا من الجميع على أنّ حكم اللّه - فيمن عاذ بالبيت من حدٍّ أصابه أو جريرةٍ جرّها إخراجه منه لإقامة ما فرض اللّه على المؤمنين إقامته عليه، ثمّ اختلفوا في السّبب الّذي يجوز إخراجه به منه كان اللاّزم لهم ولإمامهم إخراجه منه بأيّ معنًى أمكنهم إخراجه منه حتّى يقيموا عليه الحدّ الّذي لزمه خارجًا منه إذا كان لجأ إليه من خارجٍ على ما قد بيّنّا قبل.
وبعد: فإنّ اللّه عزّ وجلّ لم يضع حدًّا من حدوده عن أحدٍ من خلقه من أجل بقعةٍ وموضعٍ صار إليها من لزمه ذلك، وقد تظاهرت الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: إنّي حرّمت المدينة كما حرّم إبراهيم مكّة.
ولا خلاف بين جميع الأمّة أنّ عائذًا لو عاذ من عقوبةٍ لزمته بحرم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يؤاخذ بالعقوبة فيه، ولولا ما ذكرت من إجماع السّلف على أنّ حرم إبراهيم لا يقام فيه على من عاذ به من عقوبةٍ لزمته حتّى يخرج منه ما لزمه، لكان أحقّ البقاع أن تؤدّى فيه فرائض اللّه الّتي ألزمها عباده من قتلٍ أو غيره أعظم البقاع إلى اللّه كحرم اللّه وحرم رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، ولكنّا أمرنا بإخراج من أمرنا بإخراجه من حرم اللّه لإقامة الحدّ لما ذكرنا من فعل الأمّة ذلك وراثةً.
فمعنى الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا: ومن دخله كان آمنًا ما كان فيه، فإذا كان ذلك كذلك، فمن لجأ إليه من عقوبةٍ لزمته عائذًا به، فهو آمنٌ ما كان به حتّى يخرج منه، وإنّما يصير إلى الخوف بعد الخروج أو الإخراج منه، فحينئذٍ هو غير داخله، ولا هو فيه). [جامع البيان: 5/601-609]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وفرضٌ واجبٌ للّه على من استطاع من أهل التّكليف السّبيل إلى حجّ بيته الحرام الحجّ إليه.
وقد بيّنّا فيما مضى معنى الحجّ ودلّلنا على صحّة ما قلنا من معناه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله عزّ وجلّ: {من استطاع إليه سبيلاً}، وما السّبيل الّتي يجب مع استطاعتها فرض الحجّ؟ فقال بعضهم: هي الزّاد والرّاحلة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: {من استطاع إليه سبيلاً} قال: الزّاد والرّاحلة.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال عمرو بن دينارٍ: الزّاد والرّاحلة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن أبي جنابٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {من استطاع إليه سبيلاً} قال: الزّاد والبعير.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً} والسّبيل: أن يصحّ بدن العبد، ويكون له ثمن زادٍ وراحلةٍ من غير أن يجحف به.
- حدّثنا خلاّد بن أسلم، قال: حدّثنا النّضر بن شميلٍ، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي عبد اللّه البجليّ، قال: سألت سعيد بن جبيرٍ عن قوله: {من استطاع إليه سبيلاً} قال: قال ابن عبّاسٍ: من ملك ثلاثمائة درهمٍ، فهو السّبيل إليه.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن إسحاق بن عثمان، قال: سمعت عطاءً، يقول: السّبيل: الزّاد والرّاحلة.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أمّا من استطاع إليه سبيلاً، فإنّ ابن عبّاسٍ قال: السّبيل: راحلةٌ وزادٌ.
- حدّثني المثنّى، وأحمد بن حازمٍ، قالا: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن محمّد بن سوقة، عن سعيد بن جبيرٍ: {من استطاع إليه سبيلاً} قال: الزّاد والرّاحلة.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: أخبرنا الرّبيع بن صبيحٍ، عن الحسن، قال: الزّاد والرّاحلة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن الحسن، قال: قرأ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً} فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، ما السّبيل؟ قال: الزّاد والرّاحلة.
واعتلّ قائلو هذه المقالة بأخبارٍ رويت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنحو ما قالوا في ذلك.
ذكر الرّواية بذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا إبراهيم بن يزيد الخوزيّ، قال: سمعت محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ، يحدّث عن ابن عمر، قال: قام رجلٌ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: ما السّبيل؟ قال: الزّاد والرّاحلة.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا سفيان، عن إبراهيم الخوزيّ، عن محمّد بن عبّادٍ، عن ابن عمر أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال في قوله عزّ وجلّ: {من استطاع إليه سبيلاً} قال: السّبيل إلى الحجّ الزّاد والرّاحلة.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا يونس، وحدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن يونس، عن الحسن، قال: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً} قالوا: يا رسول اللّه، ما السّبيل؟ قال. الزّاد والرّاحلة.
- حدّثنا أبو عثمان المقدّميّ، والمثنّى بن إبراهيم، قالا: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا هلال بن عبيد اللّه، مولى ربيعة بن عمرو بن مسلمٍ الباهليّ، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: من ملك زادًا وراحلةً تبلّغه إلى بيت اللّه فلم يحجّ فلا عليه أن يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا، وذلك أنّ اللّه عزّ وجلّ يقول في كتابه: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً} الآية.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، قال: بلغنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال له قائلٌ، أو رجلٌ: يا رسول اللّه، ما السّبيل إليه؟ قال: من وجد زادًا وراحلةً.
- حدّثنا أحمد بن الحسن التّرمذيّ، قال: حدّثنا شاذّ بن فيّاضٍ البصريّ، قال: حدّثنا هلالٌ أبو هاشمٍ، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن الحارث، عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من ملك زادًا وراحلةً فلم يحجّ مات يهوديًّا أو نصرانيًّا؛ وذلك أنّ اللّه يقول في كتابه: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً} الآية.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن قتادة وحميدٍ، عن الحسن، أنّ رجلاً قال: يا رسول اللّه، ما السّبيل إليه؟ قال: الزّاد والرّاحلة
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن قتادة، عن الحسن، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، مثله.
وقال آخرون: السّبيل الّتي إذا استطاعها المرء كان عليه الحجّ: الطّاقة للوصول إليه.
قال: وذلك قد يكون بالمشي وبالرّكوب، وقد يكون مع وجودهما العجز عن الوصول إليه بامتناع الطّريق من العدوّ الحائل، وبقيّة الماء وما أشبه ذلك.
قالوا: فلا بيان في ذلك أبين ممّا بيّنه اللّه عزّ وجلّ بأن يكون مستطيعًا إليه السّبيل، وذلك الوصول إليه بغير مانعٍ ولا حائل بينه وبينه، وذلك قد يكون بالمشي وحده، وإن أعوزه المركب، وقد يكون بالمركب وغير ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن خالد بن أبي كريمة، عن رجلٍ، عن ابن الزّبير، قوله: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً} قال: على قدر القوّة.
- حدّثنا يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك في قوله: {من استطاع إليه سبيلاً} قال: الزّاد والرّاحلة، فإن كان شابًّا صحيحًا ليس له مالٌ، فعليه أن يؤاجر نفسه بأكله وعقبه حتّى يقضي حجّته، فقال له قائلٌ: كلّف اللّه النّاس أن يمشوا إلى البيت؟ فقال: لو أنّ لبعضهم ميراثًا بمكّة أكان تاركه؟ واللّه لانطلق إليه ولو حبوًا، كذلك يجب عليه الحجّ.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال عطاءٌ: من وجد شيئًا يبلّغه فقد وجد سبيلاً، كما قال اللّه عزّ وجلّ. {من استطاع إليه سبيلاً}.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا أبو هانئٍ، قال: سئل عامرٌ عن هذه الآية: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً} قال: السّبيل: ما يسّره اللّه.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّادٌ، عن الحسن: من وجد شيئًا يبلّغه فقد استطاع إليه سبيلاً
وقال آخرون: السّبيل إلى ذلك: الصّحّة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ، ومحمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، والمثنّى بن إبراهيم، قالوا: حدّثنا أبو عبد الرّحمن المقريّ، قال: حدّثنا حيوة بن شريحٍ، وابن لهيعة، قالا: أخبرنا شرحبيل بن شريكٍ المعافريّ، أنّه سمع عكرمة، مولى ابن عبّاسٍ يقول في هذه الآية: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً} قال: السّبيل: الصّحّة.
وقال آخرون بما: حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً} قال: من وجد قوّةً في النّفقة والجسد والحملان، قال: وإن كان في جسده ما لا يستطيع الحجّ فليس عليه الحجّ، وإن كان له قوّةٌ في مالٍ، كما إذا كان صحيح الجسد ولا يجد مالاً ولا قوّةً، يقولون: لا يكلّف أن يمشي
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّواب، قول من قال بقول ابن الزّبير وعطاءٍ أنّ ذلك على قدر الطّاقة؛ لأنّ السّبيل في كلام العرب: الطّريق، فمن كان واجدًا طريقًا إلى الحجّ لا مانع له منه من زمانه، أو عجزٍ، أو عدوٍّ، أو قلّة ماءٍ في طريقه، أو زادٍ، وضعفٍ عن المشي، فعليه فرض الحجّ لا يجزيه إلاّ أداؤه فإن لم يكن واجدًا سبيلاً، أعني بذلك: فإن لم يكن مطيقًا الحجّ بتعذّر بعض هذه المعاني الّتي وصفناها عليه، فهو ممّن لا يجد إليه طريقًا، ولا يستطيعه؛ لأنّ الاستطاعة إلى ذلك هو القدرة عليه، ومن كان عاجزًا عنه ببعض الأسباب الّتي ذكرنا أو بغير ذلك، فهو غير مطيقٍ ولا مستطيعٍ إليه السّبيل.
وإنّما قلنا: هذه المقالة أولى بالصّحّة ممّا خالفها؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ لم يخصّص إذ ألزم النّاس فرض الحجّ بعض مستطيعي السّبيل إليه بسقوط فرض ذلك عنه فذلك على كلّ مستطيعٍ إليه سبيلاً بعموم الآية.
فأمّا الأخبار الّتي رويت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك بأنّه الزّاد والرّاحلة فإنّها أخبارٌ في أسانيدها نظرٌ، لا يجوز الاحتجاج بمثلها في الدّين.
واختلف القرّاء في قراءة الحجّ، فقرأ ذلك جماعةٌ من قرّاء أهل المدينة والعراق بالكسر: {وللّه على النّاس حجّ البيت}.
وقرأ ذلك جماعةٌ أخر منهم بالفتح: (وللّه على النّاس حجّ البيت)
وهما لغتان معروفتان للعرب، فالكسر لغة أهل نجدٍ، والفتح لغة أهل العالية، ولم نر أحدًا من أهل العربيّة ادّعى فرقًا بينهما في معنى ولا غيره غير ما ذكرنا من اختلاف اللّغتين.إلاّ ما:
- حدّثنا به أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: قال حسينٌ الجعفيّ: الحجّ مفتوحٌ: اسمٌ، والحجّ مكسورٌ: عملٌ وهذا قولٌ لم أر أهل المعرفة بلغات العرب ومعاني كلامهم يعرفونه، بل رأيتهم مجمعين على ما وصفت من أنّهما لغتان بمعنًى واحدٍ. والّذي نقول به في قراءة ذلك أنّ القراءتين إذ كانتا مستفيضتين في قراءة أهل الإسلام، ولا اختلاف بينهما في معنًى ولا غيره، فهما قراءتان قد جاءتا مجيء الحجّة، فبأيّ القراءتين - أعنّي بكسر الحاء من الحجّ أو فتحها - قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب في قراءته.
وأمّا من الّتي مع قوله: {من استطاع} فإنّه في موضع خفضٍ على الإبدال من النّاس؛ لأنّ معنى الكلام: وللّه على من استطاع من النّاس سبيلاً إلى حجّ البيت حجّه؛ فلمّا تقدّم ذكر النّاس قبل من بيّن بقوله: {من استطاع إليه سبيلاً}، الّذي عليه فرض ذلك منهم؛ لأنّ فرض ذلك على بعض النّاس دون جميعهم). [جامع البيان: 5/609-618]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ومن جحد ما ألزمه اللّه من فرض حجّ بيته، فأنكره وكفر به، فإنّ اللّه غنيّ عنه، وعن حجّه وعمله، وعن سائر خلقه من الجنّ والإنس.
- كما: حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، عن الحجّاج بن أرطأة، عن محمّد بن أبي المجالد، قال: سمعت مقسمًا، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ومن كفر} قال: من زعم أنّه ليس بفرضٍ عليه.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا الحجّاج، عن عطاءٍ، وجويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين} قالا: من جحد الحجّ وكفر به.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن الحجّاج بن أرطأة، عن عطاءٍ، قال: من جحد به.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا عمران القطّان، يقول: من زعم أنّ الحجّ ليس عليه.
- حدّثنا محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، عن عبّادٍ، عن الحسن، في قوله: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين} قال: من أنكره، ولا يرى أنّ ذلك عليه حقًّا، فذلك كفرٌ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ومن كفر} قال: من كفر بالحجّ.
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف، عن أبي بشرٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين} قال: من كفر بالحجّ كفر باللّه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا يعلى بن أسدٍ، قال: حدّثنا خالدٌ، عن هشام بن حسّان، عن الحسن في قول اللّه عزّ وجلّ: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر} قال: من لم يره عليه واجبًا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ومن كفر} قال بالحجّ
وقال آخرون: معنى ذلك: أن لا يكون معتقدًا في حجّه أنّ له الأجر عليه، ولا أنّ عليه بتركه إثمًا ولا عقوبةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: حدّثني عبد اللّه بن مسلمٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين} قال: هو ما إن حجّ لم يره برًّا، وإن قعد لم يره مأثمًا.
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: هو ما إن حجّ لم يره برًّا، وإن قعد لم يره مأثمًا.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا فطرٌ، عن أبي داود نفيعٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين} فقام رجلٌ من هذيلٍ، فقال: يا رسول اللّه من تركه كفر؟ قال: من تركه ولا يخاف عقوبته، ومن حجّ ولا يرجو ثوابه، فهو ذاك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين} يقول: من كفر بالحجّ، فلم ير حجّه برًّا، ولا تركه مأثمًا
وقال آخرون: معنى ذلك: ومن كفر باللّه واليوم الآخر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، قال: سألته عن قوله: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين} ما هذا الكفر؟ قال: من كفر باللّه واليوم الآخر.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ومن كفر} قال من كفر باللّه واليوم الآخر.
- حدّثنا يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً} قال: لمّا نزلت آية الحجّ جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أهل الأديان كلّهم، فقال: يا أيّها النّاس إنّ اللّه عزّ وجلّ كتب عليكم الحجّ فحجّوا فآمنت به ملّةٌ واحدةٌ، وهي من صدّق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وآمن به، وكفرت به خمس مللٍ، قالوا: لا نؤمن به، ولا نصلّي إليه، ولا نستقبله، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين}.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: أخبرنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا أبو هانئٍ، قال: سئل عامرٌ، عن قوله: {ومن كفر} قال: من كفر من الخلق، فإنّ اللّه غنيّ عنه.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا سفيان، عن إبراهيم، عن محمّد بن عبّادٍ، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، في قول اللّه: {ومن كفر} قال: من كفر باللّه واليوم الآخر.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عكرمة، مولى ابن عبّاسٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا} فقالت الملل: نحن مسلمون، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين} فحجّ المؤمنون، وقعد الكفّار.
وقال آخرون: معنى ذلك: ومن كفر بهذه الآيات الّتي في مقام إبراهيم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين} فقرأ {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} فقرأ حتّى بلغ: {من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر} قال: من كفر بهذه الآيات {فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين} ليس كما يقولون: إذا لم يحجّ وكان غنيًّا وكانت له قوّةٌ فقد كفر بها. وقال قومٌ من المشركين: فإنّا نكفر بها ولا نفعل، فقال اللّه عزّ وجلّ: {فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين}.
وقال آخرون بما: حدّثني إبراهيم بن عبد اللّه بن مسلمٍ، قال: أخبرنا أبو عمر الضّرير، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن حبيب بن أبي بقيّة، عن عطاء بن أبي رباحٍ، في قوله: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين} قال: من كفر بالبيت
وقال آخرون: كفره به: تركه إيّاه حتّى يموت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثني أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ أمّا من كفر فمن وجد ما يحجّ به ثمّ لا يحجّ، فهو كافرٌ.
وأولى التّأويلات بالصّواب في ذلك قول من قال: معنى {ومن كفر} ومن جحد فرض ذلك وأنكر وجوبه، فإنّ اللّه غنيّ عنه وعن حجّه وعن العالمين جميعًا.
وإنّما قلنا ذلك أولى به؛ لأنّ قوله: {ومن كفر} يعقب قوله: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً} بأن يكون خبرًا عن الكافر بالحجّ أحقّ منه بأن يكون خبرًا عن غيره، مع أنّ الكافر بفرض الحجّ على من فرضه اللّه عليه باللّه كافرٌ، وإنّ الكفر أصله الجحود، ومن كان له جاحدًا ولفرضه منكرًا، فلا شكّ إن حجّ لم يرج بحجّه برًّا، وإن تركه فلم يحجّ لم يره مأثمًا.
فهذه التّأويلات وإن اختلفت العبارات بها فمتقاربات المعاني). [جامع البيان: 5/618-624]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فيه آياتٌ بيّناتٌ مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنًا وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلًا ومن كفر فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين (97)
قوله تعالى: فيه آياتٌ بيّناتٌ
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، حدّثني أبي، عن جدّي، عن ابن عبّاسٍ في قوله: فيه آياتٌ بيّنات مقام إبراهيم والمشعر.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ قوله:
فيه آياتٌ بيّنات قال: كان مجاهدٌ يقول: أثر قدميه في المقام آيةٌ بيّنةٌ. قال أبو محمّدٍ: وروي عن الحسن، وعمر بن عبد العزيز، وقتادة، والسّدّيّ، ومقاتلٍ نحو ذلك.
قوله تعالى: مقام إبراهيم
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن عبادة بن البختريّ، ثنا إسحاق، ثنا شريكٌ، عن الحجّاج بن أرطأة، عن مصعب بن شيبة، عن المغيرة بن خالدٍ قال: سمعت عبد اللّه بن عمر يقول: إنّ المقام ياقوتةٌ من ياقوت الجنّة محي نوره، لولا ذلك لأضاء ما بين السّماء والأرض، والرّكن مثل ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى، أنبأ هشام بن يوسف، عن ابن جريحٍ، أخبرني عطاء بن أبي رباحٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: فيه آيةٌ بيّنةٌ الآية البيّنة الّتي ذكرها هنا فمقامه هذا الّذي في المسجد ومقام إبراهيم يعدّ كبير مقامه الحجّ كلّه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وعمرو الأوديّ قالا: ثنا وكيعٌ، عن سفيان عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ في قوله: مقام إبراهيم قال: مقام إبراهيم: الحرم كلّه والسّياق للأشجّ، وفي حديث عمرٍو: الحجّ كلّه مقام إبراهيم، قال أبو محمّدٍ: وروي عن مجاهدٍ نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا قبيصة، ثنا سفيان، عن عبد اللّه بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ مقام إبراهيم قال: الحجّ مقام إبراهيم.
قوله تعالى: ومن دخله كان آمناً
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو يحيى التّيميّ، عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ يعني قوله: ومن دخله كان آمناً قال: من عاذ بالبيت أعاذه البيت، ولكن لا يؤذي، ولا يطعم، ولا يسقي، ولا يدع، فإذا خرج أخذ بذنبه. قال: وروي عن الحسن نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ عن قتادة ومن دخله كان آمناً قال: كان ذلك في الجاهليّة فأمّا اليوم إن سرق فيه أحدٌ قطع، وإن قتل فيه أحدٌ قتل، ولو قدر على المشركين فيه قتلوا.
- حدّثنا أبي، ثنا عبيد اللّه بن معاذٍ، ثنا أبي، ثنا أشعث عن الحسن في قوله: ومن دخله كان آمناً قال: كان الرّجل في الجاهليّة يقتل الرّجل فيعلّق في رقبته الصّوفة، ثمّ يدخل الحرم، فيلقاه ابن المقتول أو أبوه فلا يحرّكه. قال أبو محمّدٍ: وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه يعني: الهروي أنبأ حجّاجٌ، عن ابن جريحٍ، عن مجاهدٍ ومن دخله كان آمناً إلا من: الجوار.
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى الحمّانيّ، ثنا خالد بن عبد اللّه، عن حميدٍ الأعرج عن مجاهدٍ ومن دخله كان آمناً قال: هو قول الرّجل: ادخل وأنت آمنٌ.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا شريكٌ، عن جابرٍ، عن عطاء ومن دخله كان آمناً قال: لا يقام عليه حدٌّ أصابه في غيره، وإن أصاب فيه حدّاً أقيم عليه.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، ثنا بشر بن آدم بن بنت الأزهر السّمّان، ثنا أبو بكرٍ عاصمٌ عن زريق بن مسلمٍ الأعمى مولى بني مخزومٍ، وحدّثني زياد بن أبي عيّاشٍ عن يحيى بن جعدة بن هبيرة في قوله: ومن دخله كان آمناً قال: آمناً من النار.
قوله تعالى: وللّه على النّاس حجّ البيت
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا منصور بن وردان إمام مسجد الأنصار ثنا عليّ بن عبد الأعلى، عن أبيه، عن أبي البختريّ، عن عليّ لمّا نزلت: وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا
قال المؤمنون: يا رسول اللّه: أفي كلّ عامٍ مرّتين؟ قال: لا ولو قلت: نعم لوجبت، فأنزل اللّه تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم
قوله تعالى: من استطاع إليه سبيلا
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا قال: ومن وجد شيئاً يبلّغه فقد استطاع إليه سبيلا.
قوله تعالى: إليه سبيلا
[الوجه الأول]
من فسّره على الزّاد والرّاحله:
- حدّثنا أبو زرعة الرّازيّ، ثنا هلال بن عبد اللّه مولى ربيعة بن مسلمٍ الباهليّ، ثنا أبو إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من ملك زاداً، راحلةً فلم يحجّ بيت اللّه، فلا يضرّه يهوديّاً مات أو نصرانيّاً، وذلك أنّ اللّه قال في كتابه: وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلًا
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن عبد اللّه العامريّ، ثنا محمّد بن عبد اللّه بن عبيد الله ابن عميرٍ اللّيثيّ، عن محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ قال: جلسنا إلى عبد اللّه بن عمر فقال: جاء رجلٌ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال له: ما السّبيل؟
قال: الزّاد والرّاحلة. قال أبو محمّدٍ: وروي عن ابن عبّاسٍ، وأنس والحسن ومجاهدٍ، وعطاءٍ، وسعيد بن جبيرٍ، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة نحو ذلك.
[الوجه الثاني]
من فسّره أنّ السّبيل: صحّة البدن وهو الوجه الثّاني:
- حدّثنا يحيى بن عبدك القزوينيّ، ثنا المقرئ، ثنا حيوة وابن لهيعة قالا:
ثنا شرحبيل بن شريكٍ أنّه سمع عكرمة يقول في هذه الآية وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا قال: السّبيل: الصّحّة.
- حدّثنا عبد الملك بن أبي عبد الرّحمن، ثنا عبد الرّحمن يعني: ابن الحكم بن بشير بن مهران، عن سفيان، عن عثمان بن المغيرة الثّقفيّ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: من استطاع إليه سبيلا وإن مشى إليه أربعة أشهر. قال سفيان: هذا الشّاذّ من الحديث.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عائذ بن حبيبٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك قال: إن كان فقيراً وهو صحيحٌ شابٌّ فليؤاجر نفسه بالأكلة والعقبة حتّى يحجّ.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا سعيد بن خثيمٍ الهلاليّ، أخبرني أخي معمر بن خثيمٍ قال: قلت لأبي جعفرٍ قول اللّه تعالى: من استطاع إليه سبيلا قال:
يا معمر أن تكون لك راحلةٌ أو يمشي عقبةً ويركب عقبةً.
- حدّثنا أبي، ثنا ابن نفيلٍ الحرّانيّ، ثنا النّضر بن عربيٍّ، عن ميمون بن مهران وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ماشياً وراكباً.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو عمرٍو الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن ليثٍ، عن أبي هبيرة أنّ امرأةً كتبت إلى إبراهيم من الرّيّ تسأله عن المرأة تحجّ مع غير ذي محرمٍ، فكتب إليها: إنّ المحرم من السّبيل.
قوله تعالى: ومن كفر
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن أبي داود السّمنانيّ، ثنا أبو حذيفة ثنا سفيان عن إبراهيم يعني الخوزيّ، عن محمّد بن عبّادٍ، عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ومن كفر باللّه واليوم الآخر.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان عن منصورٍ عن مجاهدٍ ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين قال: من كفر باللّه واليوم الآخر.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا إسرائيل، ثنا نذيرٌ عن مجاهدٍ، عن ابن عمر قال: من كان يجد وهو موسرٌ صحيحٌ لم يحجّ كان سيماه بين عينيه كافرٌ، ثمّ تلا هذه الآية: ومن كفر فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو بكرٍ النّخعيّ، عن العلاء ابن المسيّب، عن عاصمٍ، عن ابن عبّاسٍ وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر من زعم أنّه لم ينزل.
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا يحيى بن أبي زائدة، حدّثني العلاء بن المسيّب، عن عاصم بن أبي النّجود قال: قال ابن عبّاسٍ ومن كفر قال: من زعم أنّه ليس بواجبٍ فذلك الكفر به.
والوجه الثّالث
: هو أحد قولي ابن عبّاسٍ.
- حدّثني أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين يقول: من كفر بالحجّ فلم يرجّحه برّاً ولا تركه مأثماً.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن مجاهدٍ في إحدى الرّوايات، والحسن وسعيد بن جبيرٍ نحو ذلك.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله: ومن كفر قال ليس على حج. قال أبو محمّدٍ: وروي عن عطية العوفي نحو ذلك.
الوجه الخامس:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك ومن كفر كفر بالبيت.
والوجه السّادس:
- حدّثنا ابن المقرئ ويونس بن عبد الأعلى قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن ابن جريح، عن عكرمة ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين قال: من أهل الملل.
- حدّثني أبي، ثنا أبو هارون البكّائيّ، حدّثني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه تعالى ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين قال: إنّما أنزل اللّه على أهل الكتاب الكفّار، يقول اللّه: يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات اللّه وأنتم تشهدون لا نرى ذلك على من يراه.
قوله تعالى: فإن الله غني
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ قال: فرض اللّه الحجّ على النّاس، ومن كفر فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين). [تفسير القرآن العظيم: 2/710-716]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثناه أبو بكر بن أبي دارمٍ الحافظ، ثنا أحمد بن موسى بن إسحاق التّميميّ، ثنا مخوّل بن إبراهيم النّهديّ، ثنا منصور بن زاذان، ثنا عليّ بن عبد الأعلى، عن أبيه، عن أبي البختريّ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، قال: لمّا نزلت هذه الآية " {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلًا} [آل عمران: 97] قالوا: يا رسول اللّه، أفي كلّ عامٍ؟ فسكت، ثمّ قالوا: أفي كلّ عام؟ فسكت ثمّ قالوا: أفي كلّ عامٍ؟ قال: " لا، ولو قلت: نعم لوجبت " فأنزل اللّه عزّ وجلّ {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101] " قال الحاكم: «كان من حكم هذه الأحاديث الثّلاثة أن تكون مخرّجةً في أوّل كتاب المناسك، فلم يقدّر ذلك لي فخرّجتها في تفسير الآية» ). [المستدرك: 2/322]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : ( (وقال مسدّدٌ): حدثنا خالد بن عبد اللّه، ثنا حميدٌ الأعرج، عن مجاهدٍ قال: {ومن دخله كان آمنًا}، هو قولك: ادخل وأنت آمنٌ). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/542]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 97.
أخرج سعيد بن منصور والفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأ فيه آية بينة مقام إبراهيم.
وأخرج ابن الأنباري عن مجاهد أنه كان يقرأ ((فيه آيات بينة)).
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود {فيه آيات بينات} على الجمع.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {فيه آيات بينات} منهن مقام إبراهيم والمشعر.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد وقتادة في الآية قالا: مقام إبراهيم من الآيات البينات
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن الحسن في قوله {فيه آيات بينات} قال: {مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والأزرقي عن مجاهد {فيه آيات بينات مقام إبراهيم} قال: أثر قدميه في المقام آية بينة {ومن دخله كان آمنا} قال: هذا شيء آخر.
وأخرج الأزرقي عن زيد بن أسلم {فيه آيات بينات} قال: الآيات البينات هن مقام إبراهيم {ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت} وقال (يأتين من كل فج عميق) (الحج الآية 27).
وأخرج ابن الأنباري عن الكلبي {فيه آيات بينات} قال {الآيات} الكعبة والصفا والمروة ومقام إبراهيم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ومن دخله كان آمنا} قال: هذا كان في الجاهلية كان الرجل لو جر كل جريرة على نفسه ثم لجأ إلى حرم الله لم يتناول ولم يطلب فأما في الإسلام فانه لا يمنع من حدود الله ومن سرق فيه قطع ومن زنى فيه أقيم عليه الحد ومن قتل فيه قتل
وأخرج الأزرقي عن مجاهد، مثله.
وأخرج ابن المنذر والأزرقي عن حويطب بن عبد العزى قال: أدركت في الجاهلية في الكعبة حلقا أمثال لجم البهم لا يدخل خائف يده فيها ويهيجه أحد فجاء خائف ذات يوم فأدخل يده فيها فجاءه آخر من ورائه فاجتذبه فشلت يده فلقد رأيته أدرك الإسلام وإنه لأشل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر والأزرقي عن عمر بن الخطاب قال: لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله {ومن دخله كان آمنا} قال: من عاذ بالبيت أعاذه البيت ولكن لا يؤذى ولا يطعم ولا يسقى ولا يرعى، فإذا خرج أخذ بذنبه.
وأخرج ابن المنذر والأزرقي من طريق طاووس عن ابن عباس في قوله {ومن دخله كان آمنا} قال: من قتل أو سرق في الحل ثم دخل الحرم فإنه لا يجالس ولا يكلم ولا يؤوى ولكنه يناشد حتى يخرج فيؤخذ فيقام عليه فإن قتل أو سرق في الحل فأدخل الحرم فأرادوا أن يقيموا عليه ما أصاب أخرجوه من الحرم إلى الحل فاقيم عليه وإن قتل في الحرم أو سرق أقيم عليه في الحرم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: إذا أصاب الرجل الحد قتل أو سرق فدخل الحرم لم يبايع ولم يؤو حتى يتبرم فيخرج من الحرم فيقام عليه الحد.
وأخرج ابن المنذر، عن طاووس قال: عاب ابن عباس على ابن الزبير في رجل أخذ في الحل ثم أدخله الحرم ثم أخرجه إلى الحل فقتله.
وأخرج عن الشعبي قال: من أحدث حدثا ثم لجأ إلى الحرم فقد أمن ولا يعرض له وإذا أحدث في الحرم أقيم عليه.
وأخرج ابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: من أحدث حدثا ثم استجار بالبيت فهو آمن وليس للمسلمين أن يعاقبوه على شيء إلى أن يخرج فإذا خرج أقاموا عليه الحد.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير من طريق عطاء عن ابن عباس قال: من أحدث حدثا في غير الحرم ثم لجأ إلى الحرم لم يعرض له ولم يبايع ولم يؤو حتى يخرج من الحرم فإذا خرج من الحرم أخذ فأقيم عليه الحد ومن أحدث في الحرم حدثا أقيم عليه الحد.
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال: لو أخذت قاتل عمر في الحرم ما هجته.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عباس قال: لو وجدت قاتل أبي في الحرم لم أعرض له.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: كان الرجل في الجاهلية يقتل الرجل ثم يدخل الحرم فيلقاه ابن المقتول أو أبوه فلا يحركه.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي شريح العدوي قال: قام النّبيّ صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح فقال: إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرى ء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي ساعة من نهار ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمرو قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بناس من قريش جلوس في ظل الكعبة فلما انتهى إليهم سلم ثم قال: اعلموا أنها مسؤولة عما يعمل فيها وإن ساكنها لا يسفك دما ولا يمشي بالنميمة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن يحيى بن جعدة بن هبيرة في قوله {ومن دخله كان آمنا} قال: آمنا من النار.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة مغفورا له.
وأخرج ابن المنذر عن عطاء قال: من مات في الحرم بعث آمنا، يقول الله {ومن دخله كان آمنا}.
وأخرج البيهقي في الشعب، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات في أحد الحرمين بعث آمنا.
وأخرج البيهقي في الشعب وضعفه عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات في أحد الحرمين استوجب شفاعتي وجاء يوم القيامة من الآمنين.
وأخرج الجندي والبيهقي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة ومن زارني محتسبا إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة.
وأخرج الجندي عن مخرم بن قيس بن مخرمة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة.
وأخرج الجندي عن ابن عمر قال: من قبر بمكة مسلما بعث آمنا يوم القيامة، أما قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} الآية.
أخرج أحمد والترمذي وحسنه، وابن ماجة، وابن أبي حاتم والحاكم، عن علي، قال: لما نزلت {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} قالوا: يا رسول الله في كل عام فسكت،، قالوا: يا رسول الله في كل عام قال: لا، ولو قلت نعم لوجبت، فأنزل الله (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) (المائدة الآية 101)
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس قال: لما نزلت {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} قال رجل: يا رسول الله أفي كل عام فقال: حج حجة الإسلام التي عليك، ولو قلت نعم وجبت عليكم.
وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج، فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله قال: لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملو بها، الحج مرة فمن زاد فتطوع.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: لما نزلت {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} قال رجل: يا رسول الله أفي كل عام قال: والذي نفسي بيده لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما قمتم بها ولو تركتموها لكفرتم، فذروني فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم أنبيائهم واختلافهم عليهم فإذا أمرتكم بأمر فأتمروه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمر فاجتنبوه
وأخرج أبو نعيم في المعرفة " من طريق محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن الحارث بن يزيد أنه قال: يارسول الله الحج في كل عام فنزلت: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)..
وأخرج الشافعي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد والترمذي، وابن ماجة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عدي، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن ابن عمر قال: قام رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: من الحاج يا رسول الله قال: الشعث التفل، فقام آخر فقال: أي الحج أفضل يا رسول الله قال: العج والثج، فقام آخر فقال: ما السبيل يا رسول الله قال: الزاد والراحلة.
وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن أنس أن رسول صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله {من استطاع إليه سبيلا} فقيل ما السبيل قال: الزاد والراحلة.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والدارقطني والبيهقي في سننهما عن الحسن قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}
قالوا: يا رسول الله ما السبيل قال: الزاد والراحلة.
وأخرج الدارقطني والبيهقي في سننهما من طريق الحسن عن أبيه عن عائشة قالت: سئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما السبيل إلى الحج قال: الزاد والراحلة.
وأخرج الدارقطني في "سننه" عن ابن مسعود عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} قال: قيل يا رسول الله ما السبيل قال: الزاد والراحلة.
وأخرج الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: السبيل إلى البيت، الزاد والراحلة.
وأخرج الدارقطني، عن جابر بن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} قام رجل فقال: يا رسول الله ما السبيل قال: الزاد والراحلة.
وأخرج الدارقطني عن علي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} قال: فسئل عن ذلك فقال: تجد ظهر بعير.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن عمر بن الخطاب في قوله {من استطاع إليه سبيلا} قال: الزاد والراحلة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله {من استطاع إليه سبيلا} قال: الزاد والبعير، وفي لفظ الراحلة.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: البلاغ الزاد والراحلة ".
وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله قال: الزاد والراحلة ". يعني قوله: (من استطاع إليه سبيلا)..
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس في قوله {من استطاع إليه سبيلا} قال: السبيل أن يصح بدن العبد ويكون له ثمن زاد وراحلة من غير أن يجحف به.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن ابن عباس قال {السبيل} من وجد إليه سعة ولم يحل بينه وبينه، واخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن عبد الله بن الزبير {من استطاع إليه سبيلا} قال: الاستطاعة القوة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد {من استطاع إليه سبيلا} قال: زادا وراحلة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير والحسن وعطاء، مثله
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي قال: إن المحرم للمرأة من السبيل الذي قال الله.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسافر امرأة مسيرة ليلة، وفي لفظ: لا تسافر المرأة بريدا إلا مع ذي محرم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني كنت في غزوة كذا وكذا، فقال: انطلق فحج مع امرأتك.
وأخرج الترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب، وابن مردويه، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج بيت الله فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وذلك بأن الله يقول {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد في كتاب الإيمان وأبو يعلى والبيهقي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه مرض حابس أو سلطان جائر أو حاجة ظاهرة فليمت على أي حال شاء يهوديا أو نصرانيا.
وأخرج ابن المنذر عن عبد الرحمن بن سابط مرفوعا مرسلا، مثله.
وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن عمر بن الخطاب قال: لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فلينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب قال: من مات وهو موسر لم يحج، فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عمر قال: من كان يجد وهو موسر صحيح لم يحج كان سيماه بين عينيه كافرا، ثم تلا هذه الآية {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} ولفظ ابن أبي شيبة: من مات وهو موسر ولم يحج جاء يوم القيامة وبين عينيه مكتوب كافرا.
وأخرج سعيد بن منصور من طريق نافع عن ابن عمر قال: من وجد إلى الحج سبيلا سنة ثم سنة ثم مات ولم يحج لم يصل عليه، لا يدري مات يهوديا أو نصرانيا.
وأخرج سعيد بن منصور عن عمر بن الخطاب قال: لو ترك الناس الحج لقاتلتهم عليه كما نقاتلهم على الصلاة والزكاة.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس قال: لو أن الناس تركوا الحج عاما واحدا لا يحج أحد ما نوظروا بعده.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ومن كفر} قال: من زعم أنه ليس بفرض عليه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في الآية قال: من كفر بالحج فلم ير حجه برا ولا تركه مأثما.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في "سننه" عن عكرمة قال: لما نزلت (ومن يبتغ غير الإسلام دينا) (آل عمران الآية 85) الآية، قالت اليهود: فنحن مسلمون، فقال لهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إن الله فرض على المسلمين حج البيت فقالوا: لم يكتب علينا، وأبوا أن يحجوا قال الله {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عكرمة قال: لما نزلت ({ومن يبتغ غير الإسلام دينا} الآية، قالت الملل: نحن المسلمون، فأنزل الله {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} فحج المسلمون وقعد الكفار.
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في "سننه" عن مجاهد قال: لما نزلت هذه الآية (ومن يبتغ غير الإسلام دينا) الآية، قال أهل الملل كلهم: نحن مسلمون، فأنزل الله {ولله على الناس حج البيت} قال: يعني على المسلمين، حج المسلمون وترك المشركون.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك قال: لما نزلت آية الحج {ولله على الناس حج البيت} الآية جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الملل، مشركي العرب والنصارى واليهود والمجوس والصابئين فقال: إن الله فرض عليكم الحج فحجوا البيت، فلم يقبله إلا المسلمون وكفرت به خمس
ملل، قالوا: لا نؤمن به ولا نصلي إليه ولا نستقبله، فأنزل الله {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن أبي داود نفيع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} فقام رجل من هذيل فقال: يا رسول الله من تركه كفر قال: من تركه لا يخاف عقوبته ومن حج لا يرجو ثوابه فهو ذاك.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قول الله {ومن كفر} قال: من كفر بالله واليوم الآخر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد أنه سئل عن قول الله {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} ما هذا الكفر قال: من كفر بالله واليوم الآخر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عطاء بن أبي رباح في الآية قال: من كفر بالبيت.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أنه سئل عن ذلك فقرأ {إن أول بيت وضع للناس} إلى قوله {سبيلا} ثم قال: من كفر بهذه الآيات.
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في الآية قال: ومن كفر فلم يؤمن فهو الكافر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: لو كان لي جار موسر ثم مات ولم يحج لم أصل عليه.
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه قرأ {ولله على الناس حج البيت} بكسر الحاء.
وأخرج عن عاصم بن أبي النجود {ولله على الناس حج البيت} بنصب الحاء.
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن ابن عباس أن الأقرع بن حابس سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم الحج في كل سنة، أو مرة واحدة قال: لا، بل مرة واحدة فمن زاد فتطوع). [الدر المنثور: 3/680-698]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 02:50 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس...}
يقول: إنّ أوّل مسجد وضع للناس {للّذي ببكّة} وإنما سمّيت بكّة لازدحام الناس بها؛ يقال: بكّ الناس بعضهم بعضا: إذا ازدحموا.
وقوله: {هدىً} موضع نصب متبعة للمبارك. ويقال إنما قيل: مباركا لأنه مغفرة للذنوب). [معاني القرآن: 1/227]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {للّذي ببكّة}: هي اسم لبطن مكة، وذلك لأنهم يتباكّون فيها ويزدحمون). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ أول بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركاً وهدًى لّلعالمين}
قال تعالى: {إنّ أول بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة} فهذا خبر "إنّ".
ثم قال: {مباركاً} لأنه قد استغنى عن الخبر، وصار {مباركاً} نصبا على الحال.
{وهدىً لّلعالمين}
في موضع نصب عطف عليه. والحال في القرآن كثير ولا يكون إلا في موضع استغناء).
[معاني القرآن: 1/177-178]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({بكة}
قال بعض المفسرون: إن موضع الطواف بكة لأنه يبك بعض الناس بعضا وهو الازدحام، واسم القرية مكة، ويقال بكة مأخوذ من بككت الرجل، أي: وضعت ورردت نخوته، وكأنها تضع من نخوة المتجبرين وأنشد الشاهد عن أبي عبدالله:

إذا الشريب أخذته أكه فخله حتى يبك بكة
{على شفا جرف}: حرف وشفا البئر حرفها). [غريب القرآن وتفسيره: 108]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( {بكّة} ومكّة شيء واحد. والباء تبدل من الميم. يقال: سمّد راسه وسبّده، إذا استأصله. وشر لازم وزب.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ - {إنّ أوّل بيت وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركا وهدى للعالمين}
ويقال: بكة: موضع المسجد، ومكة: البلد حوله). [تفسير غريب القرآن:107-108]
قيل: إنه أول مسجد وضع للناس.
وقيل: إنه أول بيت وضع للحج.

ويقال: إنه البيت المعمور وأن الملائكة كانت تحجه من قبل آدم، وإنه البيت العتيق. فأما بناؤه فلا شك أن إبراهيم بناه.
قال اللّه تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا} أي يقولان: ربّنا تقبّل منّا.
فأما المقدس فسليمان بناه.
وخبر (إنّ) هو {للّذي ببكّة}
وهذه لام التوكيد، وقيل: إن بكة موضع البيت وسائر ما حوله مكة.
والإجماع أن: بكة ومكة الموضع الذي يحج الناس إليه، وهي البلدة، قال اللّه - عزّ وجلّ: {ببطن مكة} وقال: {للّذي ببكّة مباركا}.

فأما اشتقاقه في اللغة:
1-
فيصلح أن يكون الاسم اشتق من إليك، وهوبك الناس بعضهم بعضا في الطواف، أي: دفع بعضهم بعضا.
2- وقيل: إنما سميت ببكة لأنها تبك أعناق الجبابرة.

ونصب {مباركا} على الحال.
المعنى: الذي بمكة في حال بركته.
{وهدى للعالمين} يجوز أن يكون {هدى للعالمين}: في موضع رفع.
المعنى: وهو هدى للعالمين.
فأما مكة - بالميم فتصلح أن يكون اشتقاقها كاشتقاق بكة والميم تبدل من الباء، يقال: ضربة لازب ولازم، ويصلح أن يكون الاشتقاق من قولهم: " أمتك الفصيل " ما في ضرع الناقة إذا مص مصا شديدا حتى لا يبقي فيه شيئا. فتكون سميت بذلك لشدة الازدحام فيها -
والقول الأول: أعني البدل أحسن.
ومعنى {أوّل} في اللغة: على الحقيقة ابتداء الشيء فجائز أن يكون المبتدأ له آخر، وجائز أن لا يكون له آخر فالواحد أول العدد والعدد غير متناه، ونعيم الجنة أول وهو غير منقطع، وقولك: هذا أول مال كسبته جائز ألا يكون بعده كسب، ولكن إرادتك: (هذا ابتداء كسبي).
ولو قال قائل: أول عبد أملكه فهو حرّ، فملك عبدا أعتق ذلك العبد، لأنه قد ابتدأ الملك فجائز أن يكون {أوّل بيت} هو البيت الذي لم يكن الحج إلى غيره). [معاني القرآن: 1/444-446]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا}
قال أبو ذر: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي مسجد وضع في الأرض أول؟ فقال: ((المسجد الحرام)) قلت: ثم أي؟ قال: ((ثم بيت المقدس)) قلت: كم كان بينهما؟ قال: ((أربعون سنة ثم حيثما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد))
وروى إسرائيل عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة قال: سأل رجل عليا عن {أول بيت وضع للناس للذي ببكة} أهو أول بيت في الأرض؟ قال: لا ولكنه أول بيت وضعت فيه البركة والهدى ومقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا وأن الله أوحى إلى إبراهيم صلوات الله عليه أن ابن لي بيتا وضاق به ذرعا فأرسل الله السكينة وهي ريح خجوج لها رأس فنظرت موضع البيت.
قال أبو الحسن قال أبو بكر الخجوج: التي تخج في هبوبها، أي: تلتوي يقال خجت تخج ولو ضوعفت لقيل:
خجخجت والخجخجة توصف بها السرعة
وقال عطية: بكة موضع البيت ومكة ما حوليه.
وقال عكرمة: بكة ما ولي البيت ومكة ما وراء ذلك.
والذي عليه أكثر أهل اللغة: بكة ومكة واحد، وأنه يجوز أن تكون: الميم مبدلة من الباء يقال لازب ولازم وسبد شعره وسمده إذا استأصله
وقال سعيد بن جبير: سميت بكة لأن الناس يتباكون فيها أي يتزاحمون فيها.
وقال غيره: سميت بكة لأنها تبكي الجبابرة والميم على هذا بدل من الباء.
ويجوز أن يكون: من قولهم أمتك الفصيل الناقة إذا اشتد مصه إياها.
والأول: أحسن). [معاني القرآن: 1/441-444]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بَكَّةَ}: موضع الطواف). [العمدة في غريب القرآن: 101]

تفسير قوله تعالى: {فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فيه آياتٌ بيّناتٌ...}
يقال: الآيات المقام والحجر والحطيم، وقرأ ابن عباس "فيه آية بيّنة" جعل المقام هو الآية لا غير.
وقوله: {ومن كفر} يقول: من قال ليس عليّ حجّ فإنما يجحد بالكفر فرضه لا يتركه). [معاني القرآن: 1/227]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فيه آياتٌ بيّناتٌ مّقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإنّ الله غنيٌّ عن العالمين}
قال تعالى: {فيه آياتٌ بيّناتٌ مّقام إبراهيم} فرفع {مّقام إبراهيم} لأنه يقول: {فيه آياتٌ بيّناتٌ} منها {مّقام إبراهيم} على الإضمار). [معاني القرآن: 1/178]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (قال مجاهد في قوله: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين}: هو من إن حج لم يره برّا، وإن قعد لم ير قعوده مأثما). [تفسير غريب القرآن: 108]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين}
قد رويت عن ابن عباس أنّه قرأ "آية بينة مقام إبراهيم" جعل مقام إبراهيم هو الآية، والذي عليه الناس: {فيه آيات بيّنات} والمعنى: فيه آيات بينات، تلك الآيات:
1- مقام إبراهيم.
2- ومن الآيات أيضا: أمن من دخله، لأن معنى {ومن دخله كان آمنا} يدل على أن الأمن فيه.

فأما رفع {مقام إبراهيم} فعلى أن يكون على إضمار هي مقام إبراهيم.
قال النحويون، المعنى: فيها مقام إبراهيم وهذا كما شرحنا، ومعنى: أمن من دخله: أن إبراهيم عليه السلام سأل اللّه أن يؤمّن سكان مكة فقال: {رب اجعل هذا بلدا آمنا}.. فجعل اللّه عزّ وجلّ أمن مكة آية لإبراهيم وكان الناس يتخطفون حول مكة، قال اللّه: {أولم يروا أنّا جعلنا حرما آمنا ويتخطّف النّاس من حولهم} فكان الجبار إدا أراد مكة قصمه اللّه.
قال اللّه عزّ وجلّ: {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل}
وكانت فارس قد سبت أهل بيت المقدس فأمّا أهل مكة فلم يطمع فيهم جبار.
ويقال: قد أمن الرجل يأمن أمنا وأمانا.
وقد رويت إمنا، والأكثر الأفصح: (أمن) بفتح الألف قال اللّه عزّ وجلّ {وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا}.
وقوله عزّ وجلّ: {وللّه على النّاس حجّ البيت}.
يقرأ بفتح الحاء وكسر الحاء والأصل الفتح: يقال: حججت الشيء أحجه حجا إذا قصدته..
والحج اسم العمل - بكسر الحاء.
وقوله عزّ وجلّ: {من استطاع إليه سبيلا}.
موضع من خفض على البدل من " الناس " المعنى: وللّه على من استطاع من الناس حج البيت أن يحج.
وقوله جلّ وعزّ: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين}.
قيل فيه غير قول:
1- قال بعضهم من كفر: من قال إن الحج غير مفترض.

2- وقال بعضهم: من أمكنه الحج فأخره إلى أن يموت، وهو قادر عليه فقد كفر.
3- وقيل: إنها إنما قيلت لليهود لأنهم قالوا: أن القصد إلى مكة غير واجب في حج أو صلاة.

فأما الأول: فمجمع عليه. ليس بين الأمة اختلاف في أن من قال: إن الحج غير واجب على من قدر عليه كافر). [معاني القرآن: 1/446-447]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فيه آيات بينات مقام إبراهيم}
وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وأهل مكة (فيه آية بينة)
وفسر ذلك مجاهد فقال: مقام إبراهيم الحرم كله، فذهب إلى أن من آياته الصفا والمروة والركن والمقام.
ومن قرأ {آيات بينات} فقرأته أبين لأن الصفا والمروة من الآيات ومنها أن الطائر لا يعلو البيت صحيحا.
ومنها: أن الجارح يتبع الصيد فإذا دخل الحرم تركه.
ومنها: أن الغيث إذا كان ناحية الركن اليماني كان الخصب باليمين وإذا كان
ناحية الشامي كان الخصب بالشام وإذا عم البيت كان الخصب في جميع البلدان.
ومنها: أن الجمار على ما يزاد عليها ترى على قدر واحد
والمقام من قولهم قمت مقام فأما قول زهير:
وفيهم مقامات حسان وجوهها = وأندية ينتابها القول والفعل
فمعناه: فيهم أهل مقامات). [معاني القرآن: 1/444-445]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ومن دخله كان آمنا}
قال قتادة: ذلك من آيات الحرم أيضا.
وذا قول حسن لأن الناس كانوا يتخطفون من حواليه ولا يصل إليه جبار وقد وصل إلى بيت المقدس وخرب ولم يصل إلى الحرم قال الله عز وجل: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل}
وروى الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس قال: من أصاب حدا في الحرم أقيم عليه وإن أصاب خارج الحرم ثم دخل الحرم لم يكلم ولم يجالس ولم يبايع حتى يخرج من الحرم فيقام الحد عليه وقال أكثر الكوفيين ذلك في كل حد يأتي على النفس.
وقال قوم: الأمان ههنا الصيد.
وأولاها القول الأول ويكون على العموم ولو كان للصيد لكان وما دخله ولم يكن ومن دخله.
قال قتادة: وإنما هو ومن دخله في الجاهلية كان آمنا). [معاني القرآن: 1/445-447]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}
قال الزبير: من وجد قوة وما يتحمل به.
وقال سعيد بن جبير: الزاد والراحلة.
وروى حماد بن سلمة عن حميد وقتادة عن الحسن أن رجلا قال: يا رسول الله ما السبيل إليه؟ قال: ((الزاد والراحلة السبيل أصله الوصول ومنه قيل للطريق سبيل))،
فالمعنى عند أهل اللغة:
من استطاع إلى البيت وصولا كما قال إخبارا {يقولون هل إلى مرد من السبيل}.

ثم قال تعالى: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}
أكثر أهل التفسير على أن المعنى: من قال إن الحج ليس بواجب فقد كفر.
وروى وكيع عن فطر عن نفيع أبي داود أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حج لا يرجو ثوابه وجلس لا يخاف عقابه فقد كفر به)).
وقال الشعبي: السبيل ما يسره الله عز وجل.
وهذا من حسن ما قيل فيه، أي: على قدر الطاقة والسبيل في كلام العرب الطريق فمن كان واجدا الطريق إلى الحج بغير مانع من زمانه أو عجز أو عدو أو تعذر ماء في طريقة فعليه الحج ومن منع بشيء من هذه المعاني فلم يجد طريقا لأن الاستطاعة القدرة على الشيء فمن عجز بسبب فهو غير مطيق عليه ولا مستطيع إليه السبيل
وأولى الأقوال في معنى {ومن كفر}: ومن جحد فرض الله لأنه عقيب فرض الحج). [معاني القرآن: 1/447-449]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 08:53 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) }
[لا يوجد]


تفسير قوله تعالى: {فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) }

قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا بابٌ من الفعل يستعمل في الاسم
ثم يبدل مكان ذلك الاسم اسمٌ آخر فيعمل فيه كما عمل في الأوّل
وذلك قولك رأيت قومك أكثرهم ورأيت بني زيد ثلثيهم ورأيت بني عمّك ناساً منهم ورأيت عبد الله شخصه وصرفت وجوهها أوّلها.
فهذا يجيء على وجهين:
على أنّه أراد رأيت أكثر قومك ورأيت ثلثي قومك وصرفت وجوه أوّلها ولكنّه ثنّى الاسم توكيداً كما قال جلّ ثناؤه: {فسجد الملائكة كلّهم
أجمعون} وأشباه ذلك. فمن ذلك قوله عزّ وجلّ: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} وقال الشاعر:


وذكــرت تقـتـد بـــرد مـائـهـاوعتك البول على أنسائها

ويكون على الوجه الآخر الذي أذكره لك وهو أن يتكلّم فيقول رأيت قومك ثم يبدو له أن يبين ما الذي رأى منهم فيقول ثلثيهم أو ناساً منهم. ولا يجوز أن تقول رأيت زيدا أباه والأب غير زيد لأنّك لا تبينّه بغيره ولا بشيء ليس منه. وكذلك لا تثنى الاسم توكيداً وليس بالأوّل ولا شيء منه فإنّما تثنيه وتؤكده مثنًّى بما هو منه أو هو هو. وإنّما يجوز رأيت زيداً أباه
ورأيت زيدا عمراً أن يكون أراد أن يقول رأيت عمرا أو رأيت أبا زيد فغلط أو نسى ثم استدرك كلامه بعد وإمّا أن يكون أضرب عن ذلك فنحّاه وجعل عمراً مكانه. فأمّا الأوّل فجيّدٌ عربي مثله قوله عزّ وجلّ: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} لأنهم من الناس. ومثله إلاّ أنّهم أعادوا حرف الجرّ: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم} ). [الكتاب: 1/150-152] (م)
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقال البعيث:
...
...


وذاك الــفــراق لا فــــراق ظـعــائــنلهن بذي القرحى مَقَام ومحتمل

...
و«المَقَام» بفتح الميم حيث تقوم. و«المَقَامَة»: المجلس. و«المَقَام»: المنزل. قال الأصمعي: «المجلس»: القَوْمَ. وأنشد:
واستب بعدك يا كليب المجلس
قال أبو حاتم: «مُقَامٌ» بالضم.
...
و«المَقَامُ»: بالفتح مأخوذ من قُمْت مَقاما. والمُقام من أقمت وهذا أحب إلي. قال الله تعالى: {ساءت مستقرا ومقاما}). [النوادر في اللغة: 203-205] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما بدل المعرفة من المعرفة فكقولك: مررت بأخيك عبد الله.

ونظير بدل المعرفة من المعرفة نحو قول الله عز وجل: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم}.
وبدل المعرفة من النكرة كقولك: مررت برجل زيد. كأنك نحيت الرجل ووضعت زيدا مكانه. فكأنك قلت: مررت بزيد، لأن ذلك الرجل هو زيد في المعنى: ونظير هذا قول الله: {وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم صراط الله}.
وبدل النكرة من المعرفة كقولك: مررت بزيد رجل صالح، وضعت الرجل في موضع زيد، لأنه هو في المعنى. ونظير هذا قول الله عز وجل: {لنسفعن بالناصية * ناصيةٍ كاذبةٍ}.
وأما بدل بعض الشيء منه للتبيين فنحو قولك: ضربت زيدا رأسه وجاءني قومك بعضهم أراد أن يبين الموضع الذي وقع الضرب به منه، وأن يعلمك أن بعض القوم جاء لا كلهم. ومن ذلك قول الله عز وجل: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} لأن فرض الحج إنما وقع منهم على المستطيع.
وقد يجوز أن يبدل الشيء من الشيء إذا اشتمل عليه معناه، لأنه يقصد قصد الثاني، نحو قولك: سلب زيدٌ ثوبه، لأن معنى سلب: أخذ ثوبه، فأبدل منه لدخوله في المعنى.
ولو نصبت الثوب كان أجود إذا لم ترد البدل.
ومثل ذلك قول الله عز وجل: {يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه}، لأن المسألة وقعت عن القتال. ومثل ذلك قول الأعشى ينشد كما أصف لك:


لقد كان في حولٍ ثواءٍ ثويتهتقضي لباناتٍ ويسأم سائم).

[المقتضب: 1/164-165] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب الإخبار عن البدل
وذلك قولك: مررت برجلٍ زيدٍ. فإن قال لك قائل: أخبر عن زيد فإن فيه اختلافاً. يقول قوم: الإخبار عنه: أن تخبر عن الرجل، ثم تجعله بدلاً منه، فتقول: المار به أنا رجل زيد، فتجعله بدلاً؛ كما كان في المسألة. وقال آخرون: إنما الشرط الإخبار عن البدل لا عن المبدل منه، فإنما تبدل منه في موضعه، فتقول: المار أنا برجل به زيدٌ ترد الباء؛ لأن ضمير المخفوض لا ينفصل، وردها فيما يجوز انفصاله جائز حسن. قال الله تبارك وتعالى: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم}، فوقع البدل برد حرف الجر. وقال الله عز وجل في موضع آخر: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً}. فجاء البدل بلا حرف؛ لأنه ينفصل. فهكذا طريق البدل). [المقتضب: 3/111] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما المعرفة والنكرة. فإن أبدلت معرفة من نكرة قلت: مررت برجل زيد ومررت بذي مال أخيك. قال الله عز وجل: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله}. فهذا بدل المعرفة من النكرة.
وفي المعرفتين قوله: {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم}.
وفي بدل النكرة من المعرفة قوله: مررت بزيد صاحب مال، ومررت بالرجل رجل صالح. قال الله عز وجل: {كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية * ناصية}.
فأما المضمر والمظهر فكقولك: زيد مررت به أخيك. وتقول: رأيت زيداً إياه، وأخوك رأيته زيداً، والمضمران: رأيتك إياه. فهذا ضرب من البدل.
والضرب الآخر أن تبدل بعض الشيء منه؛ لتعلم ما قصدت له، وتبينه للسامع. وذلك قولهم: ضربت زيداً رأسه. أردت أن تبين موضع الضرب منه، فصار كقولك: ضربت رأس زيد.
ومنه: جاءني قومك أكثرهم. بينت من جاءك منهم. قال الله عز وجل: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} من في موضع خفض؛ لأنه على من استطاع إليه سبيلاً.
ومن ذلك إلا أنه أعيد معه حرف الخفض: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم}. كان أيضاً جيداً كالآية التي ذكرنا قبل. فهذان ضربان.
والضرب الثالث أن يكون المعنى محيطاً بغير الأول الذي سبق له الذكر لالتباسه بما بعده، فتبدل منه الثاني المقصود في الحقيقة. وذلك قولك: مالي بهم علم أمرهم، فأمرهم غيرهم. وإنما أراد: مالي بأمرهم علم. فقال: مالي بهم علم وهو يريد أمرهم. ومثل ذلك: أسألك عن عبد الله متصرفه في تجارته؛ لأن المسألة عن ذلك. قال الله عز وجل: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} لأن المسألة عن القتال، ولم يسألوا أي الشهر الحرام? وقال: {قتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود} لأنهم أصحاب النار التي أوقدوها في الأخدود). [المقتضب: 4/295-297] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والبدل على أربعة أضرب: فواحد منها أن يبدل أحد الاسمين من الآخر إذا رجعا إلى واحد، ولا تبالي أمعرفتين كانا أم معرفة ونكرة، وتقول: مررت بأخيك زيد، لأن زيدًا رأسه. لما قلت: ضربت زيدًا، أردت أن تبين موضع الضرب منه.
فمثل الأول قول الله تبارك وتعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}. وقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ}. و{لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}.
ومثل البدل الثاني قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} «من» في موضع خفض، لأنها بدل من الناس، ومثله، إلا أنه أعيد حرف الخفض: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ}.
والبدل الثالث مثل ما ذكرنا في البيت، أبدل: "شمائله" منه، وهي غيره، لاشتمال المعنى عليها، ونظير ذلك: أسألك عن زيد أمره. لأن السؤال عن الأمر وتقول على هذا: سلب زيد ثوبه، فالثوب غيره، ولكن به وقع السلب، كما وقعت المسألة عن خبر زيد، ونظير ذلك من القرآن: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}. لأن المسألة إنما كانت عن القتال: هل يكون في الشهر الحرام? وقال الشاعر وهو الأخطل:


إن الـسـيــوف غــدوهــا ورواحــهـــاتركت هوازن مثل قرن الأعضب

وبدل رابع، لا يكون مثله في القرآن ولا في الشعر، وهو أن يغلط المتكلم فيستدرك غلطه، أو ينسى فيذكر فيرجع إلى حقيقة ما يقصد له، وذلك قوله: مررت بالمسجد دار زيد، أراد أن يقول: مررت بدار زيد، فإما نسي، وإما غلط، فاستدرك فوضع الذي قصد له في موضع الذي غلط فيه). [الكامل: 2/905-907] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 03:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 03:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ جمهور الناس: «وضع» على بناء الفعل للمفعول على معنى وضعه الله، فالآية على هذا ابتداء معنى منقطع من الكلام الأول، وقرأ عكرمة، «وضع» بفتح الواو والضاد، فيحتمل أن يريد: وضع الله، فيكون المعنى منقطعا كما هو في قراءة الجمهور، ويحتمل أن يريد وضع إبراهيم عليه السلام، فيكون المعنى متصلا بالذي قبله، وتكون هذه الآية استدعاء لهم إلى ملته، في الحج وغيره على ما روى عكرمة: أنه لما نزلت ومن يبتغ غير الإسلام ديناً الآية، قال اليهود: نحن على الإسلام فقرئت، وللّه على النّاس حجّ البيت [آل عمران: 97] قيل له: أحجهم يا محمد، إن كانوا على ملة إبراهيم التي هي الإسلام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويؤيد هذا التأويل ما قال أبو ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام، قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال أربعون سنة، فيظهر من هذا أنهما من وضع إبراهيم جميعا، ويضعف ما قال الزجّاج: من أن بيت المقدس من بناء سليمان بن داود، اللهم إلا أن يكون جدده، وأين مدة سليمان من مدة إبراهيم؟ ولا مرية في أن إبراهيم وضع بيت مكة، وإنما الخلاف هل وضع بدأة أو وضع تجديد؟ واختلف المفسرون في معنى هذه الأولية التي في قوله: إنّ أوّل فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: معنى الآية أن أول بيت وضع مباركا وهدى هذا البيت الذي ببكة وقد كانت قبله بيوت لم توضع وضعه من البركة والهدى، وقال قوم: بل هو أول بيت خلق الله تعالى ومن تحته دحيت الأرض.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ورويت في هذا أقاصيص من نزول آدم به من الجنة ومن تحديد ما بين خلقه ودحو الأرض، ونحو ما قال الزجّاج: من أنه البيت المعمور أسانيدها ضعاف فلذلك تركتها، وعلى هذا القول يجيء رفع إبراهيم القواعد تجديدا، قال قتادة: ذكر لنا أن البيت أهبط مع آدم ورفع وقت الطوفان، واختلف الناس في «بكة»، فقال الضحاك وجماعة من العلماء: «بكة» هي مكة، فكأن هذا من إبدال الباء بالميم، على لغة مازن وغيرهم، وقال ابن جبير وابن شهاب وجماعة كثيرة من العلماء مكة الحرم كله، و «بكة» مزدحم الناس حيث يتباكون، وهو المسجد وما حول البيت، وقال مالك في سماع ابن القاسم من العتبية: «بكة» موضع البيت، ومكة غيره من المواضع، قال ابن القاسم: يريد القرية، قال الطبري: ما خرج عن موضع الطواف فهو مكة لا بكة، وقال قوم: «بكة»، ما بين الجبلين ومكة، الحرم كله، ومباركاً نصب على الحال، والعامل فيه على قول علي بن أبي طالب إنه أول بيت وضع بهذه الحال، قوله: وضع والعامل فيه على القول الآخر الفعل الذي تتعلق به باء الجر في قوله ببكّة تقديره: استقر ببكة مباركا، وفي وصف البيت ب هدىً مجازية بليغة، لأنه مقوم مصلح، فهو مرشد، وفيه إرشاد، فجاء قوله، وهدىً بمعنى وذا هدى، ويحتمل أن يكون هدىً في هذه الآية، بمعنى الدعاء، أي من حيث دعي العالمون إليه). [المحرر الوجيز: 2/288-289]

تفسير قوله تعالى: {فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: فيه آياتٌ بيّناتٌ مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين (97)
الضمير في قوله: فيه عائد على البيت، وساغ ذلك مع كون «الآيات» خارجة عنه لأن البيت إنما وضع بحرمه وجميع فضائله، فهي فيه وإن لم تكن داخل جدرانه، وقرأ جمهور الناس: «آيات بينات» بالجمع، وقرأ أبي بن كعب وعمرو ابن عباس: «آية بينة» على الإفراد، قال الطبري: يريد علامة واحدة المقام وحده، وحكي ذلك عن مجاهد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحتمل أن يراد بالآية اسم الجنس فيقرب من معنى القراءة الأولى، واختلف عبارة المفسرين عن «الآيات البينات» فقال ابن عباس: من الآيات المقام، يريد الحجر المعروف والمشعر وغير ذلك.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا يدل على أن قراءته «آية» بالإفراد إنما يراد بها اسم الجنس، وقال الحسن بن أبي الحسن: «الآيات البينات» مقام إبراهيم، وإن من دخله كان آمنا، وقال مجاهد: المقام الآية، وقوله: ومن دخله كان آمناً كلام آخر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فرفع مقام على قول الحسن ومجاهد على البدل من آياتٌ، أو على خبر ابتداء تقديره هن مقام إبراهيم، وعلى قول ابن عباس ومن نحا نحوه: هو مرتفع بالابتداء وخبره محذوف مقدم تقديره: منهن مقام إبراهيم.
قال القاضي: والمترجح عندي أن المقام وأمن الداخل جعلا مثالا مما في حرم الله من الآيات، وخصا بالذكر لعظمهما، وأنهما تقوم بهما الحجة على الكفار، إذ هم مدركون لهاتين الآيتين بحواسهم، ومن آيات الحرم والبيت التي تقوم بها الحجة على الكفار أمر الفيل، ورمي طير الله عنه بحجارة السجيل، وذلك أمر لم تختلف كافة العرب في نقله وصحته إلى أن أنزله الله في كتابه، ومن آياته كف الجبابرة عنه على وجه الدهر، ومن آياته الحجر الأسود، وما روي فيه أنه من الجنة وما أشربت قلوب العالم من تعظيمه قبل الإسلام، ومن آياته حجر المقام، وذلك أنه قام عليه إبراهيم عليه السلام، وقت رفعه القواعد من البيت، لما طال له البناء فكلما علا الجدار، ارتفع الحجر به في الهواء، فما زال يبني وهو قائم عليه وإسماعيل يناوله الحجارة والطين حتى أكمل الجدار، ثم إن الله تعالى، لما أراد إبقاء ذلك آية للعالمين لين الحجر، فغرقت فيه قدما إبراهيم عليه السلام كأنها في طين، فذلك الأثر العظيم باق في الحجر إلى اليوم، وقد نقلت كافة العرب ذلك في الجاهلية على مرور الأعصار، وقال أبو طالب: [الطويل]
وموطئ إبراهيم في الصّخر رطبة = على قدميه حافيا غير ناعل
فما حفظ أن أحدا من الناس نازع في هذا القول، ومن آياته البينات زمزم في نبعها لهاجر بهمز جبريل عليه السلام الأرض بعقبه، وفي حفر عبد المطلب لها آخرا بعد دثورها بتلك الرؤيا المشهورة، وبما نبع من الماء تحت خف ناقته في سفره، إلى منافرة قريش ومخاصمتها في أمر زمزم، ذكر ذلك ابن إسحاق مستوعبا، ومن آيات البيت نفع ماء زمزم لما شرب له، وأنه يعظم ماؤها في الموسم، ويكثر كثرة خارقة للعادة في الآبار، ومن آياته، الأمنة الثابتة فيه على قديم الدهر، وأن العرب كانت تغير بعضها على بعض ويتخطف الناس بالقتل، وأخذ الأموال وأنواع الظلم إلا في الحرم، وتركب على هذا أمن الحيوان فيه، وسلامة الشجر، وذلك كله للبركة التي خصه الله بها، والدعوة من الخليل عليه السلام في قوله، اجعل هذا بلدا آمنا، وإذعان نفوس العرب وغيرهم قاطبة لتوقير هذه البقعة دون ناه، ولا زاجر، آية عظمى تقوم بها الحجة، وهي التي فسرت بقوله تعالى: ومن دخله كان آمناً ومن آياته كونه بواد غير ذي زرع، والأرزاق من كل قطر تجيء إليه عن قرب وعن بعد، ومن آياته، ما ذكر ابن القاسم العتقي رحمه الله، قال في النوادر وغيرها: سمعت أن الحرم يعرف بأن لا يجيء سيل من الحل فيدخل الحرم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: هذا والله أعلم، لأن الله تعالى جعله ربوة أو في حكمها ليكون أصون له، والحرم فيما حكى ابن أبي زيد في الحج الثاني من النوادر. مما يلي المدينة نحو من أربعة أميال إلى منتهى التنعيم، ومما يلي العراق نحو من ثمانية أميال إلى مكان يقال له المقطع، ومما يلي عرفة تسعة أميال، ومما يلي طريق اليمن سبعة أميال، إلى موضع يقال له أضاة، ومما يلي جدة عشرة أميال إلى منتهى الحديبية، قال مالك في العتبية: والحديبية في الحرم، ومن آياته فيما ذكر مكي وغيره، أن الطير لا تعلوه، وإن علاه طائر فإنما ذلك لمرض به، فهو يستشفي بالبيت، وهذا كله عندي ضعيف، والطير تعاين تعلوه، وقد علته العقاب التي أخذت الحية المشرفة على جداره، وتلك كانت من آياته ومن آياته فيما ذكر الناس قديما وحديثا، أنه إذا عمه المطر من جوانبه الأربعة في العام الواحد، أخصبت آفاق الأرض، وإن لم يصب جانبا منه لم يخصب ذلك الأفق الذي يليه ذلك العام، واختلف الناس في مقام إبراهيم، فقال الجمهور: هو الحجر المعروف، وقال قوم: البيت كله مقام إبراهيم لأنه بناه وقام في جميع أقطاره، وقال قوم من العلماء مكة كلها مقام إبراهيم، وقال قوم: الحرم كله مقام إبراهيم، والضمير في قوله، ومن دخله عائد على الحرم في قول من قال: مقام إبراهيم هو الحرم، وعائد على البيت في قول الجمهور، إذ لم يتقدم ذكر لغيره، إلا أن المعنى يفهم منه أن من دخل الحرم فهو في الأمن، إذ الحرم جزء من البيت، إذ هو بسببه ولحرمته.
واختلف الناس في معنى قوله كان آمناً فقال الحسن وقتادة وعطاء ومجاهد وغيرهم: هذه وصف حال كانت في الجاهلية أن الذي يجر جريرة ثم يدخل الحرم، فإنه كان لا يتناول ولا يطلب فأما في الإسلام وأمن جميع الأقطار، فإن الحرم لا يمنع من حد من حدود الله، من سرق فيه قطع، ومن زنى رجم، ومن قتل قتل، واستحسن كثير ممن قال هذا القول أن يخرج من وجب عليه القتل إلى الحل فيقتل هنالك، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: من أحدث حدثا ثم استجار بالبيت فهو آمن، وإن الأمن في الإسلام كما كان في الجاهلية، والإسلام زاد البيت شرفا وتوقيرا، فلا يعرض أحد بمكة لقاتل وليه، إلا أنه يجب على المسلمين ألا يبايعوا ذلك الجاني ولا يكلموه ولا يؤوه حتى يتبرم فيخرج من الحرم فيقام عليه الحد، وقال بمثل هذا عبيد بن عمير والشعبي وعطاء بن أبي رباح والسدي وغيرهم، إلا أن أكثرهم قالوا هذا فيمن يقتل خارج الحرم ثم يعوذ بالحرم، فأما من يقتل في الحرم، فإنه يقام عليه الحد في الحرم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإذا تؤمل أمر هذا الذي لا يكلم ولا يبايع، فليس بآمن، وقال يحيى بن جعدة: معنى الآية ومن دخل البيت كان آمنا من النار، وحكى النقاش عن بعض العباد قال: كنت أطوف حول الكعبة ليلا فقلت: يا رب إنك قلت: ومن دخله كان آمناً، فمن ماذا هو آمن يا رب؟ فسمعت مكلما يكلمني وهو يقول: من النار، فنظرت وتأملت فما كان في المكان أحد.
وقوله تعالى: وللّه على النّاس حجّ البيت الآية، هو فرض الحج في كتاب الله بإجماع، وقال مالك رحمه الله: الحج كله في كتاب الله، فأما الصلاة والزكاة فهي من جملة الذي فسره النبي عليه السلام، والحج من دعائم الإسلام التي بني عليها حسب الحديث، وشروط وجوبه خمسة، البلوغ، والعقل، والحرية، والإسلام، واستطاعة السبيل، والحج في اللغة: القصد لكنه في بيت الله مخصص بأعمال وأقوال، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: «حج البيت» بكسر الحاء، وقرأ الباقون: «حج البيت» بفتحها، قال سيبويه: حج حجا مثل ذكر ذكرا، قال أبو علي: فحج على هذا مصدر، وقال سيبويه أيضا: قالوا غزاة فأرادوا عمل وجه واحد، كما قيل حجة.
قال القاضي: بكسر الحاء يريدون عمل سنة واحدة، ولم يجيئوا به على الأصل لكنه اسم له، قال أبو علي: قوله لم يجيئوا به على الأصل يريد على الفتح الذي هو الدفعة من الفعل، ولكن كسروه فجعلوه اسما لهذا المعنى، كما أن غزاة كذلك، ولم تجئ فيه الغزوة وكان القياس.
قال القاضي: وأكثر ما التزم كسر الحاء في قولهم ذو الحجة، وأما قولهم حجة الوداع ونحوه فإنها على الأصل، وقال الزجّاج وغيره، «الحج»: بفتح الحاء المصدر، وبكسرها اسم العمل، وقال الطبري: هما لغتان الكسر لغة نجد، والفتح لغة أهل العالية.
وقوله تعالى: من استطاع إليه سبيلًا، من في موضع خفض بدل من النّاس، وهو بدل البعض من الكل وقال الكسائي وغيره: هي شرط في موضع رفع بالابتداء، والجواب محذوف تقديره: من استطاع فعليه الحج، ويدل عليه عطف الشرط الآخر بعده في قوله: ومن كفر، وقال بعض البصريين: من رفع على أنه فاعل بالمصدر الذي هو حجّ البيت ويكون المصدر مضافا إلى المفعول، واختلف الناس في حال مستطيع السبيل كيف هي؟ فقال عمر بن الخطاب وابن عباس وعطاء وسعيد بن جبير: هي حال الذي يجد زادا وراحلة، وروى الطبري عن الحسن من طريق إبراهيم بن يزيد الخوزي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فقال له رجل: يا رسول الله ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة، وأسند الطبري إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ملك زادا وراحلة فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا، وروى عبد الرزاق وسفيان عن إبراهيم بن يزيد الخوزي عن محمد بن عباد بن جعفر عن ابن عمر قال: قام رجل إلى النبي عليه السلام، فقال: ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة.
قال القاضي: وضعّف قوم هذا الحديث، لأن إبراهيم بن يزيد الخوزي تكلم فيه ابن معين وغيره، والحديث مستغن عن طريق إبراهيم، وقال بعض البغداديين: هذا الحديث مشير إلى أن الحج لا يجب مشيا.
قال القاضي: والذي أقول: إن هذا الحديث إنما خرج على الغالب من أحوال الناس وهو البعد عن مكة واستصعاب المشي على القدم كثيرا، فأما القريب الدار فلا يدخل في الحديث، لأن القرب أغناه عن زاد وراحلة، وأما الذي يستطيع المشي من الأقطار البعيدة، فالراحلة عنده بالمعنى والقوة التي وهب، وقد ذكره الله تعالى في قوله: يأتوك رجالًا [الحج: 27] وكذلك أيضا معنى الحديث: الزاد والراحلة لمن لم يكن له عذر في بدنه، من مرض أو خوف على أقسامه أو استحقاق بأجرة أو دين وهو يحاول الأداء ويطمع فيه بتصرفه في مال بين يديه، وأما العديم فله أن يحج إذا تكلف واستطاع، فمقصد الحديث: أن يتحدد موضع الوجوب على البعيد الدار، وأما المشاة وأصحاب الأعذار فكثير منهم من يتكلف السفر، وإن كان الحج غير واجب عليه، ثم يؤديه ذلك التكلف إلى موضع يجب فيه الحج عليه، وهذه مبالغة في طلب الأجر ونيله إن شاء الله تعالى، وذهبت فرقة من العلماء إلى قوله تعالى: من استطاع إليه سبيلًا كلام عام لا يتفسر بزاد وراحلة ولا غير ذلك، بل إذا كان مستطيعا غير شاق على نفسه فقد وجب عليه الحج، قال ذلك ابن الزبير والضحاك، وقال الحسن: من وجد شيئا يبلغه فقد استطاع إليه سبيلا، وقال عكرمة:
استطاعة السبيل الصحة، وقال ابن عباس: من ملك ثلاثمائة درهم فهو السبيل إليه، وقال مالك بن أنس رضي الله عنه، في سماع أشهب من العتبية، وفي كتاب محمد، وقد قيل له: أتقول إن السبيل الزاد والراحلة؟ فقال: لا والله، قد يجد زادا وراحلة ولا يقدر على مسير، وآخر يقدر أن يمشي راجلا، وربّ صغير أجلد من كبير فلا صفة في هذا أبين مما قال الله تعالى.
قال القاضي: وهذا أنبل كلام، وجميع ما حكي عن العلماء لا يخالف بعضه بعضا، الزاد والراحلة على الأغلب من أمر الناس في البعد، وأنهم أصحاء غير مستطيعين للمشي على الأقدام، والاستطاعة- متى تحصلت- عامة في ذلك وغيره، فإذا فرضنا رجلا مستطيعا للسفر ماشيا معتادا لذلك، وهو ممن يسأل الناس في إقامته ويعيش من خدمتهم وسؤالهم ووجد صحابة، فالحج عليه واجب دون زاد ولا راحلة، وهذه من الأمور التي يتصرف فيها فقه الحال، وكان الشافعي يقول: الاستطاعة على وجهين: بنفسه أولا، فمن منعه مرض أو عذر وله مال فعليه أن يجعل من يحج عنه وهو مستطيع لذلك.
واختلف الناس هل وجوب الحج على الفور أو على التراخي؟ على قولين، ولمالك رحمه الله مسائل تقتضي القولين، قال في المجموعة فيمن أراد الحج ومنعه أبواه: لا يعجل عليهما في حجة الفريضة وليستأذنهما العام والعامين، فهذا على التراخي، وقال في كتاب ابن المواز: لا يحج أحد إلا بإذن أبويه إلا الفريضة، فليخرج وليدعهما، فهذا على الفور، وقال مالك في المرأة يموت عنها زوجها فتريد الخروج إلى الحج: لا تخرج في أيام عدتها، قال الشيخ أبو الحسن اللخمي: فجعله على التراخي.
قال القاضي: وهذا استقراء فيه نظر، واختلف قول مالك رحمه الله فيمن يخرج إلى الحج على أن يسأل الناس جائيا وذاهبا ممن ليست تلك عادته في إقامته، فروى عنه ابن وهب أنه قال: لا بأس بذلك، قيل له فإن مات في الطريق قال: حسابه على الله، وروى عنه ابن القاسم أنه قال: لا أرى للذين لا يجدون ما ينفقون أن يخرجوا إلى الحج والغزو، ويسألوا وإني لأكره ذلك، لقول الله سبحانه، ولا على الّذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ [التوبة: 91] قال ابن القاسم: وكره مالك أن يحج النساء في البحر لأنها كشفة، وكره أن يحج أحد في البحر إلا مثل أهل الأندلس الذين لا يجدون منه بدا، وقال في كتاب محمد وغيره:
قال الله تعالى: وأذّن في النّاس بالحجّ يأتوك رجالًا وعلى كلّ ضامرٍ يأتين من كلّ فجٍّ عميقٍ [الحج: 27] وما أسمع للبحر ذكرا.
قال الفقيه القاضي: وهذا تأنيس من مالك رحمه الله لسقوط لفظة البحر، وليس تقتضي الآية سقوط البحر، وسيأتي تفسير ذلك في موضعه إن شاء الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناس من أمتي عرضوا عليّ ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة، يركبون ثبج هذا البحر الأخضر غزاة في سبيل الله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا فرق بين الغزو والحج، واختلف في حج النساء ماشيات مع القدرة على ذلك، فقال في المدونة في المرأة تنذر مشيا فتمشي وتعجز في بعض الطريق: إنها تعود ثانية، قال: والرجال والنساء في ذلك سواء، فعلى هذا، يجب الحج إذا كانت قادرة على المشي لأن حجة الفريضة آكد من النذر، وقال في كتاب محمد: لا أرى على المرأة الحج ماشية وإن قويت عليه، لأن مشيهن عورة، إلا أن يكون المكان القريب من مكة.
قال القاضي: وهذا ينظر بفقه الحال من رائعة ومتجالة، ولا حج على المرأة إلا إذا كان معها ذو محرم، واختلف إذا عدمته، هل يجب الحج بما هو في معناه من نساء ثقات يصطحبن في القافلة أو رجال ثقات؟ فقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وابن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو حنيفة وأصحابه: المحرم من السبيل، ولا حج عليها إلا مع ذي محرم.
قال القاضي: وهذا وقوف مع لفظ الحديث، وقال مالك: تخرج مع جماعة نساء، وقال الشافعي: تخرج مع حرة ثقة مسلمة، وقال ابن سيرين: تخرج مع رجل ثقة من المسلمين، وقال الأوزاعي: تخرج مع قوم عدول وتتخذ سلما تصعد عليه وتنزل ولا يقربها رجل.
قال القاضي: وهذه الأقوال راعت معنى الحديث، وجمهور الأمة على أن للمرأة أن تحج الفريضة وإن كره زوجها وليس له منعها، واضطرب قول الشافعي في ذلك، واختلف الناس في وجوب الحج مع وجود المكوس والغرامة، فقال سفيان الثوري: إذا كان المكس ولو درهما سقط فرض الحج عن الناس، وقال عبد الوهاب: إذا كانت الغرامة كثيرة مجحفة سقط الفرض، فظاهر هذا أنها إذا كانت كثيرة غير مجحفة لسعة الحال أن الفرض لا يسقط، وعلى هذا المنزع جماعة أهل العلم وعليه مضت الأعصار، وهذه نبذة من فقه الاستطاعة، وليس هذا الجمع بموضع لتقصي ذلك والله المستعان.
والسبيل- تذكر وتؤنث، والأغلب والأفصح التأنيث، قال الله تعالى: تبغونها عوجاً [آل عمران: 99] وقال: قل هذه سبيلي [يوسف: 108] ومن التذكير قول كعب بن مالك.
قضى يوم بدر أن تلاقي معشرا = بغوا وسبيل البغي بالناس جائز
والضمير في إليه، عائد على البيت، ويحتلم أن يعود على الحج، وقوله تعالى: ومن كفر فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين قال ابن عباس: المعنى، من زعم أن الحج ليس بفرض عليه، وقال مثله الضحاك وعطاء وعمران القطان والحسن ومجاهد، وروي عن النبي عليه السلام أنه قرأ الآية، فقال له رجل من هذيل: يا رسول الله من تركه كفر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم من تركه لا يخاف عقوبته، ومن حجه لا يرجو ثوابه فهو ذلك وقال بمعنى هذا الحديث ابن عباس ومجاهد أيضا، وهذا والذي قبله يرجع إلى كفر الجحد والخروج عن الملة، وقال ابن عمر وجماعة من العلماء معنى الآية، من كفر بالله واليوم الآخر وهذا قريب من الأول، وقال ابن زيد: معنى الآية من كفر بهذه الآيات التي في البيت، وقال السدي وجماعة من أهل العلم: معنى الآية: ومن كفر بأن وجد ما يحج به ثم لم يحج، قال السدي: من كان بهذه الحال فهو كافر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فهذا كفر معصية، كقوله عليه السلام: من ترك الصلاة فقد كفر وقوله: لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض، على أظهر محتملات هذا الحديث. وبيّن أن من أنعم الله عليه بمال وصحة ولم يحج فقد كفر النعمة، ومعنى قوله تعالى: غنيٌّ عن العالمين الوعيد لمن كفر، والقصد بالكلام، فإن الله غني عنهم، ولكن عمم اللفظ ليبرع المعنى، وينتبه الفكر على قدرة الله وسلطانه واستغنائه من جميع الوجوه حتى ليس به افتقار إلى شيء، لا ربّ سواه). [المحرر الوجيز: 2/289-300]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا وهدًى للعالمين (96) فيه آياتٌ بيّناتٌ مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنًا وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين (97)}
يخبر تعالى أنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس، أي: لعموم النّاس، لعبادتهم ونسكهم، يطوفون به ويصلّون إليه ويعتكفون عنده {للّذي ببكّة} يعني: الكعبة الّتي بناها إبراهيم الخليل [عليه السّلام] الّذي يزعم كلٌّ من طائفتي النّصارى واليهود أنّهم على دينه ومنهجه، ولا يحجّون إلى البيت الّذي بناه عن أمر اللّه له في ذلك ونادى النّاس إلى حجّه. ولهذا قال: {مباركًا} أي وضع مباركًا {وهدًى للعالمين}
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التّيميّ، عن أبيه، عن أبي ذر، رضي اللّه عنه، قال قلت: يا رسول اللّه، أيّ مسجد وضع في الأرض أوّل؟ قال: "المسجد الحرام". قلت: ثمّ أيّ؟ قال: "المسجد الأقصى". قلت: كم بينهما؟ قال: "أربعون سنةً". قلت: ثمّ أيّ؟ قال: ثم حيث أدركت الصلاة فصلّ، فكلّها مسجدٌ".
وأخرجه البخاريّ، ومسلمٌ، من حديث الأعمش، به.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، حدّثنا سعيد بن سليمان، حدّثنا شريك عن مجالد، عن الشّعبيّ عن عليّ في قوله تعالى: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا} قال: كانت البيوت قبلةً، ولكنّه كان أوّل بيتٍ وضع لعبادة اللّه [تعالى].
[قال] وحدّثنا أبي، حدّثنا الحسن بن الرّبيع، حدّثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن خالد ابن عرعرة قال: قام رجلٌ إلى عليّ فقال: ألا تحدّثني عن البيت: أهو أول بيتٍ وضع في الأرض؟ قال لا ولكنّه أوّل بيتٍ وضع فيه البركة مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنًا. وذكر تمام الخبر في كيفيّة بناء إبراهيم البيت، وقد ذكرنا ذلك مستقصًى في سورة البقرة فأغنى عن إعادته.
وزعم السّدّي أنّه أول بيتٍ وضع على وجه الأرض مطلقًا. والصحيح قول عليّ [رضي اللّه عنه] فأمّا الحديث الّذي رواه البيهقيّ في بناء الكعبة في كتابه دلائل النّبوّة، من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص مرفوعًا: "بعث الله جبريل إلى آدم وحوّاء، فأمرهما ببناء الكعبة، فبناه آدم، ثمّ أمر بالطّواف به، وقيل له: أنت أوّل النّاس، وهذا أوّل بيتٍ وضع للنّاس" فإنّه كما ترى من مفردات ابن لهيعة، وهو ضعيفٌ. والأشبه، واللّه أعلم، أن يكون هذا موقوفا على عبد اللّه بن عمرو. ويكون من الزّاملتين اللّتين أصابهما يوم اليرموك، من كلام أهل الكتاب.
وقوله تعالى: {للّذي ببكّة} بكّة: من أسماء مكّة على المشهور، قيل سمّيت بذلك لأنّها تبكّ أعناق الظّلمة والجبابرة، بمعنى: يبكون بها ويخضعون عندها. وقيل: لأنّ النّاس يتباكّون فيها، أي: يزدحمون.
قال قتادة: إنّ اللّه بكّ به النّاس جميعًا، فيصلّي النّساء أمام الرّجال، ولا يفعل ذلك ببلدٍ غيرها.
وكذا روي عن مجاهدٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، وعمرو بن شعيب، ومقاتل بن حيّان.
وذكر حمّاد بن سلمة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: مكّة من الفجّ إلى التّنعيم، وبكّة من البيت إلى البطحاء.
وقال شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم: بكّة: البيت والمسجد. وكذا قال الزّهريّ.
وقال عكرمة في روايةٍ، وميمون بن مهران: البيت وما حوله بكّة، وما وراء ذلك مكّة.
وقال أبو صالحٍ، وإبراهيم النّخعي، وعطيّة [العوفي] ومقاتل بن حيّان: بكّة موضع البيت، وما سوى ذلك مكّة.
وقد ذكروا لمكّة أسماءً كثيرةً: مكّة، وبكّة، والبيت العتيق، والبيت الحرام، والبلد الأمين، والمأمون، وأمّ رحم، وأمّ القّرى، وصلاح، والعرش على وزن بدرٍ، والقادس؛ لأنّها تطهّر من الذّنوب، والمقدّسة، والنّاسّة: بالنّون، وبالباء أيضًا، والحاطمة، والنسّاسة والرّأس، وكوثى، والبلدة، والبنيّة، والكعبة). [تفسير القرآن العظيم: 2/77-78]

تفسير قوله تعالى: {فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فيه آياتٌ بيّناتٌ} أي: دلالاتٌ ظاهرةٌ أنّه من بناء إبراهيم، وأنّ اللّه تعالى عظّمه وشرّفه.
ثمّ قال تعالى: {مّقام إبراهيم} يعني: الّذي لمّا ارتفع البناء استعان به على رفع القواعد منه والجدران، حيث كان يقف عليه ويناوله ولده إسماعيل، وقد كان ملتصقًا بجدار البيت، حتّى أخّره عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، في إمارته إلى ناحية الشّرق بحيث يتمكّن الطّوّاف، ولا يشوّشون على المصلّين عنده بعد الطّواف؛ لأنّ اللّه تعالى قد أمرنا بالصّلاة عنده حيث قال: {واتّخذوا من مّقام إبراهيم مصلًّى} [البقرة:125] وقد قدّمنا الأحاديث في ذلك، فأغنى عن إعادته هاهنا، وللّه الحمد والمنّة.
وقال العوفي عن ابن عبّاسٍ في قوله: {فيه آياتٌ بيّناتٌ مّقام إبراهيم} أي: فمنهنّ مقام إبراهيم والمشعر.
وقال مجاهدٌ: أثر قدميه في المقام آيةٌ بيّنةٌ. وكذا روي عن عمر بن عبد العزيز، والحسن، وقتادة، والسّدّي، ومقاتل بن حيّان، وغيرهم.
وقال أبو طالبٍ في قصيدته:
وموطئ إبراهيم في الصّخر رطبةٌ = على قدميه حافيًا غير ناعل
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ وعمرو الأودي قالا حدّثنا وكيع، حدّثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {مقام إبراهيم} قال: الحرم كلّه مقام إبراهيم. ولفظ عمرٍو: الحجر كلّه مقام إبراهيم.
وروي عن سعيد بن جبيرٍ أنّه قال: الحجّ مقام إبراهيم. هكذا رأيت في النّسخة، ولعلّه الحجر كلّه مقام إبراهيم، وقد صرّح بذلك مجاهدٌ.
وقوله: {ومن دخله كان آمنًا} يعني: حرم مكّة إذا دخله الخائف يأمن من كلّ سوءٍ، وكذلك كان الأمر في حال الجاهليّة، كما قال الحسن البصريّ وغيره: كان الرّجل يقتل فيضع في عنقه صوفة ويدخل الحرم فيلقاه ابن المقتول فلا يهيّجه حتّى يخرج.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو يحيى التّيميّ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ومن دخله كان آمنًا} قال: من عاذ بالبيت أعاذه البيت، ولكن لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى، فإذا خرج أخذ بذنبه.
وقال اللّه تعالى: {أولم يروا أنّا جعلنا حرمًا آمنًا ويتخطّف النّاس من حولهم} [العنكبوت:67] وقال تعالى: {فليعبدوا ربّ هذا البيت. الّذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوفٍ} [قريشٍ:3، 4] وحتّى إنّه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها وتنفيره عن أوكاره، وحرمة قطع أشجارها وقلع ثمارها حشيشها، كما ثبتت الأحاديث والآثار في ذلك عن جماعةٍ من الصّحابة مرفوعًا وموقوفًا.
ففي الصّحيحين، واللّفظ لمسلمٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الفتح فتح مكّة: "لا هجرة ولكن جهادٌ ونيّةٌ، وإذا استنفرتم فانفروا"، وقال يوم الفتح فتح مكّة: "إنّ هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السّموات والأرض، فهو حرامٌ بحرمة اللّه إلى يوم القيامة، وإنّه لم يحلّ القتال فيه لأحدٍ قبلي، ولم يحلّ لي إلّا في ساعةٍ من نهارٍ، فهو حرامٌ بحرمة اللّه إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفّر صيده، ولا يلتقط لقطته إلّا من عرّفها، ولا يختلى خلاها فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر، فإنّه لقينهم ولبيوتهم، فقال: "إلّا الإذخر".
ولهما عن أبي هريرة، مثله أو نحوه ولهما واللّفظ لمسلمٍ أيضًا عن أبي شريح العدوي أنّه قال لعمرو بن سعيدٍ، وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيّها الأمير أن أحدّثك قولا قام به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلّم به، إنّه حمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال: "إنّ مكّة حرّمها الله ولم يحرّمها النّاس، فلا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا، ولا يعضد بها شجرةً، فإن أحد ترخّص بقتال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فيها فقولوا له: إنّ الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنّما أذن لي فيها ساعةً من نهارٍ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلّغ الشّاهد الغائب" فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريحٍ، إنّ الحرم لا يعيذ عاصيًا ولا فارا بدمٍ ولا فارًّا بخزية .
وعن جابرٍ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "لا يحلّ لأحدكم أن يحمل بمكّة السّلاح" رواه مسلمٌ.
وعن عبد اللّه بن عديّ بن الحمراء الزّهريّ أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول، وهو واقفٌ بالحزورة في سوق مكّة: "والله إنّك لخير أرض الله، وأحبّ أرض الله إلى الله، ولولا أنّي أخرجت منك ما خرجت".
رواه الإمام أحمد، وهذا لفظه، والتّرمذيّ، والنّسائيّ، وابن ماجه. وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ وكذا صحّح من حديث ابن عبّاسٍ نحوه وروى أحمد عن أبي هريرة، نحوه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا بشر بن آدم ابن بنت أزهر السّمّان حدّثنا أبو عاصمٍ، عن زريق بن مسلمٍ الأعمى مولى بني مخزومٍ، حدّثني زياد بن أبي عيّاشٍ، عن يحيى بن جعدة بن هبيرة، في قوله تعالى: {ومن دخله كان آمنًا} قال: آمنًا من النّار.
وفي معنى هذا القول الحديث الّذي رواه البيهقيّ: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيدٍ، حدّثنا محمّد بن سليمان الواسطيّ، حدّثنا سعيد بن سليمان، حدّثنا ابن المؤمّل، عن ابن محيصن، عن عطاءٍ، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "من دخل البيت دخل في حسنةٍ وخرج من سيّئةٍ، وخرج مغفورًا له": ثمّ قال: تفرّد به عبد اللّه بن المؤمّل، وليس بقويٍّ.
وقوله: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا} هذه آية وجوب الحجّ عند الجمهور. وقيل: بل هي قوله: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه} [البقرة:196] والأوّل أظهر.
وقد وردت الأحاديث المتعدّدة بأنّه أحد أركان الإسلام ودعائمه وقواعده، وأجمع المسلمون على ذلك إجماعًا ضروريًّا، وإنّما يجب على المكلّف في العمر مرّة واحدةً بالنّصّ والإجماع.
قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا الرّبيع بن مسلمٍ القرشيّ، عن محمّد بن زيادٍ، عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: " أيّها النّاس، قد فرض عليكم الحجّ فحجّوا". فقال رجلٌ: أكلّ عامٍ يا رسول اللّه؟ فسكت، حتّى قالها ثلاثًا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم ". ثمّ قال: "ذروني ما تركتكم، فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، وإذا أمرتكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فدعوه". ورواه مسلمٌ، عن زهير بن حربٍ، عن يزيد بن هارون، به نحوه.
وقد روى سفيان بن حسينٍ، وسليمان بن كثيرٍ، وعبد الجليل بن حميد، ومحمّد بن أبي حفصة، عن الزّهريّ، عن أبي سنان الدّؤليّ -واسمه يزيد بن أمّيّة-عن ابن عبّاسٍ قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "يأيّها النّاس، إنّ الله كتب عليكم الحجّ". فقام الأقرع بن حابسٍ فقال: يا رسول اللّه، أفي كلّ عامٍ؟ قال: "لو قلتها، لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها، ولم تستطيعوا أن تعملوا بها؛ الحجّ مرّةً، فمن زاد فهو تطوّعٌ".
رواه أحمد، وأبو داود، والنّسائيّ، وابن ماجه، والحاكم من حديث الزّهريّ، به. ورواه شريكٌ، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، بنحوه. وروي من حديث أسامة يزيد.
[و] قال الإمام أحمد: حدّثنا منصور بن وردان، عن عليّ بن عبد الأعلى، عن أبيه، عن أبي البختريّ، عن عليّ قال: لمّا نزلت: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا} قالوا: يا رسول اللّه، في كلّ عامٍ؟ فسكت، قالوا: يا رسول اللّه، في كلّ عامٍ؟ قال: "لا ولو قلت: نعم، لوجبت". فأنزل اللّه تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة:101].
وكذا رواه التّرمذيّ، وابن ماجه، والحاكم، من حديث منصور بن وردان، به: ثمّ قال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ. وفيما قال نظرٌ؛ لأنّ البخاريّ قال: لم يسمع أبو البختريّ من عليٍّ.
وقال ابن ماجه: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن نمير، حدّثنا محمّد بن أبي عبيدة، عن أبيه، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن أنس بن مالكٍ قال: قالوا: يا رسول اللّه، الحجّ في كلّ عامٍ؟ قال: "لو قلت: نعم، لوجبت، ولو وجبت لم تقوموا بها، ولو لم تقوموا بها لعذّبتم".
وفي الصّحيحين من حديث ابن جريج، عن عطاءٍ، عن جابرٍ، عن سراقة بن مالكٍ قال: يا رسول اللّه، متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ قال: "لا بل للأبد". وفي روايةٍ: "بل لأبد أبدٍ".
وفي مسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود، من حديث واقد بن أبي واقدٍ اللّيثيّ، عن أبيه؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لنسائه في حجّته: "هذه ثمّ ظهور الحصر" يعني: ثمّ الزمن ظهور الحصر، ولا تخرجن من البيوت.
وأمّا الاستطاعة فأقسامٌ: تارةً يكون الشّخص مستطيعًا بنفسه، وتارةً بغيره، كما هو مقرّرٌ في كتب الأحكام.
قال أبو عيسى التّرمذيّ: حدّثنا عبد بن حميدٍ، أخبرنا عبد الرّزّاق، أخبرنا إبراهيم بن يزيد قال: سمعت محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ يحدّث عن ابن عمر قال: قام رجلٌ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال: من الحاجّ يا رسول اللّه؟ قال: "الشّعث التّفل" فقام آخر فقال: أيّ الحجّ أفضل يا رسول اللّه؟ قال: "العجّ والثّجّ"، فقام آخر فقال: ما السّبيل يا رسول الله ؟ قال: "الزّاد والرّاحلة".
وهكذا رواه ابن ماجه من حديث إبراهيم بن يزيد وهو الخوزي. قال التّرمذيّ: ولا نعرفه إلّا من حديثه، وقد تكلّم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. كذا قال هاهنا. وقال في كتاب الحجّ: هذا حديثٌ حسنٌ.
[و] لا يشكّ أنّ هذا الإسناد رجاله كلّهم ثقاتٌ سوى الخوزيّ هذا، وقد تكلّموا فيه من أجل هذا الحديث.
لكن قد تابعه غيره، فقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عبد العزيز بن عبد اللّه العامريّ، حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ اللّيثيّ، عن محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ قال: جلست إلى عبد اللّه بن عمر قال: جاء رجلٌ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال له: ما السّبيل؟ قال: "الزّاد والرّحلة". وكذا رواه ابن مردويه من رواية محمّد بن عبد اللّه بن عبيد بن عمير، به.
ثمّ قال ابن أبي حاتمٍ: وقد روي عن ابن عبّاسٍ، وأنسٍ، والحسن، ومجاهدٍ، وعطاءٍ، وسعيد بن جبيرٍ، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة -نحو ذلك.
وقد روي هذا الحديث من طرق أخر من حديث أنسٍ، وعبد اللّه بن عبّاسٍ، وابن مسعودٍ، وعائشة كلها مرفوعةٌ، ولكن في أسانيدها مقالٌ كما هو مقرّرٌ في كتاب الأحكام، واللّه أعلم.
وقد اعتنى الحافظ أبو بكر بن مردويه بجمع طرق هذا الحديث. ورواه الحاكم من حديث قتادة عن حمّاد بن سلمة، عن قتادة، عن أنسٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سئل عن قول اللّه: {من استطاع إليه سبيلا} فقيل ما السّبيل ؟ قال: "الزّاد والرّاحلة". ثمّ قال: صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب، حدّثنا ابن عليّة، عن يونس، عن الحسن قال: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا} قالوا: يا رسول اللّه، ما السّبيل؟ قال: "الزّاد والرّاحلة ".
ورواه وكيع في تفسيره، عن سفيان، عن يونس، به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أنبأنا الثّوريّ، عن إسماعيل -وهو أبو إسرائيل الملائيّ-عن فضيل -يعني ابن عمرٍو-عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "تعجّلوا إلى الحجّ -يعني الفريضة-فإنّ أحدكم لا يدري ما يعرض له ".
وقال أحمد أيضًا: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الحسن بن عمرٍو الفقيمي، عن مهران بن أبي صفوان عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من أراد الحجّ فليتعجّل".
ورواه أبو داود، عن مسدّدٍ، عن أبي معاوية الضّرير، به.
وقد روى ابن جبير، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {من استطاع إليه سبيلا} قال: من ملك ثلاثمائة درهم فقد استطاع إليه سبيلًا.
وعن عكرمة مولاه أنّه قال: السّبيل الصّحّة.
وروى وكيع بن الجرّاح، عن أبي جناب -يعني الكلبيّ-عن الضّحّاك بن مزاحم، عن ابن عبّاسٍ قال: {من استطاع إليه سبيلا} قال: الزّاد والبعير.
وقوله: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين} قال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وغير واحدٍ: أي ومن جحد فريضة الحجّ فقد كفر، واللّه غنيٌّ عنه.
وقال سعيد بن منصورٍ، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عكرمة قال: لمّا نزلت: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه} قالت اليهود: فنحن مسلمون. قال اللّه، عزّ وجلّ فاخصمهم فحجّهم -يعني فقال لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ الله فرض على المسلمين حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا" فقالوا: لم يكتب علينا، وأبوا أن يحجّوا. قال اللّه: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين}.
وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، نحوه.
وقال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا عبد اللّه بن جعفرٍ، أخبرنا إسماعيل بن عبد اللّه بن مسعودٍ، أخبرنا مسلم بن إبراهيم وشاذ بن فيّاضٍ قالا أخبرنا هلالٌ أبو هاشمٍ الخراساني، أخبرنا أبو إسحاق الهمدانيّ، عن الحارث، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من ملك زادًا وراحلةً ولم يحجّ بيت الله، فلا يضرّه مات يهوديّا أو نصرانيّا، ذلك بأنّ الله قال: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين}.
ورواه ابن جريرٍ من حديث مسلم بن إبراهيم، به.
وهكذا رواه ابن أبي حاتمٍ عن أبي زرعة الرّازيّ: حدّثنا هلال بن فياض، حدثنا هلال أبو هاشم الخراسانيّ، فذكره بإسناده مثله. ورواه التّرمذيّ عن محمّد بن يحيى القطعي، عن مسلم بن إبراهيم، عن هلال بن عبد اللّه مولى ربيعة بن عمرو بن مسلمٍ الباهليّ، به، وقال: [هذا] حديثٌ غريبٌ لا نعرفه إلّا من هذا الوجه، وفي إسناده مقالٌ، وهلالٌ مجهولٌ، والحارث يضعّف في الحديث.
وقال البخاريّ: هلالٌ هذا منكر الحديث. وقال ابن عديّ: هذا الحديث ليس بمحفوظٍ.
وقد روى أبو بكرٍ الإسماعيليّ الحافظ من حديث [أبي] عمرٍو الأوزاعيّ، حدّثني إسماعيل بن عبيد اللّه بن أبي المهاجر، حدّثني عبد الرّحمن بن غنم أنّه سمع عمر بن الخطّاب يقول: من أطاق الحجّ فلم يحجّ، فسواءٌ عليه يهوديًّا مات أو نصرانيًّا.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى عمر رضي اللّه عنه، وروى سعيد بن منصورٍ في سننه عن الحسن البصريّ قال: قال عمر بن الخطّاب: لقد هممت أنّ أبعث رجالًا إلى هذه الأمصار فينظروا كلّ من كان له جدةٌ فلم يحجّ، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين. ما هم بمسلمين). [تفسير القرآن العظيم: 2/79-85]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة