جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلاّ اللّه فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربّكم من رحمته ويهيّئ لكم من أمركم مرفقًا}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل بعض الفتية لبعضٍ: وإذ اعتزلتم أيّها الفتية قومكم الّذين اتّخذوا من دون اللّه آلهةً {وما يعبدون إلاّ اللّه} يقول: وإذ اعتزلتم قومكم والّذين يعبدون من الآلهة سوى اللّه، فـ " ما " إذ كان ذلك معناه في موضع نصبٍ عطفًا لها على الهاء، والميم الّتي في قوله {وإذ اعتزلتموهم}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلاّ اللّه} وهي في مصحف عبد اللّه: " وما يعبدون من دون اللّه " هذا تفسيرها.
وأمّا قوله: {فأووا إلى الكهف} فإنّه يعني به: فصيروا إلى غار الجبل الّذي يسمّى بنجلوس {ينشر لكم ربّكم من رحمته} يقول: يبسط لكم ربّكم من رحمته بتيسيره لكم المخرج من الأمر الّذي قد رميتم به من الكافر دقينوس وطلبه إيّاكم لعرضكم على الفتنة.
وقوله: {فأووا إلى الكهف} جوّابٌ لإذ، كأنّ معنى الكلام: وإذ اعتزلتم أيّها القوم قومكم، فأووا إلى الكهف، كما يقال: إذ أذنبت فاستغفر اللّه وتب إليه.
وقوله: {ويهيّئ لكم من أمركم مرفقًا} يقول: وييسّر لكم من أمركم الّذي أنتم فيه من الغمّ والكرب خوفًا منكم على أنفسكم ودينكم مرفقًا، ويعني بالمرفق: ما ترتفقون به من شيءٍ. وفي المرفق من اليد وغير اليد لغتان: كسر الميم وفتح الفاء، وفتح الميم وكسر الفاء. وكان الكسائيّ ينكر في مرفق الإنسان الّذي في اليد إلاّ فتح الفاء وكسر الميم.
وكان الفرّاء يحكي فيهما، أعنّي في مرفق الأمر واليد اللّغتين كلتيهما، وكان ينشد في ذلك قول الشّاعر:
بتّ أجافي مرفقًا عن مرفقي
ويقول: كسر الميم فيه أجود.
وكان بعض نحويّي أهل البصرة يقول في قوله: {من أمركم مرفقًا} شيئًا ترتفقون به مثل المقطع، ومرفقًا جعله اسمًا كالمسجد، ويكون لغةً، يقولون: رفق يرفق مرفقًا، وإن شئت مرفقًا تريد رفقًا ولم يقرأ.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك. فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة: " ويهيّئ لكم من أمركم مرفقًا " بفتح الميم وكسر الفاء، وقرأته عامّة قرّاء العراق في المصرين {مرفقًا} بكسر الميم وفتح الفاء.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّهما قراءتان بمعنًى واحدٍ، قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما قرّاءٌ من أهل القرآن، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ. غير أنّ الأمر وإن كان كذلك، فإنّ الّذي أختار في قراءة ذلك: {ويهيّئ لكم من أمركم مرفقًا} بكسر الميم وفتح الفاء، لأنّ ذلك أفصح اللّغتين وأشهرهما في العرب، وكذلك ذلك في كلّ ما ارتفق به من شيءٍ). [جامع البيان: 15/181-183]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله مرفقًا كلّ شيءٍ ارتفقت به هو قول أبي عبيدة وزاد ويقرؤه قومٌ بفتح الميم وكسر الفاء انتهى وهي قراءة نافع وبن عامرٍ واختلف هل هما بمعنًى أم لا فقيل هو بكسر الميم للجارحة وبفتحها للأمر وقد يستعمل أحدهما موضع الآخر وقيل لغتان فيما يرتفق به وأمّا الجارحة فبالكسر فقط وقيل لغتان في الجارحة أيضًا وقال أبو حاتمٍ هو بفتح الميم الموضع كالمسجد وبكسرها الجارحة). [فتح الباري: 8/407]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 16.
أخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله} قال: كان قوم الفتية يعبدون الله ويعبدون معه آلهة شتى فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله). [الدر المنثور: 9/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله} قال: هي في مصحف ابن مسعود: وما يعبدون من دون الله فهذا تفسيرها). [الدر المنثور: 9/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فأووا إلى الكهف} قال: كان كهفهم بين جبلين). [الدر المنثور: 9/506-507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ويهيئ لكم من أمركم مرفقا} يقول: عذاء). [الدر المنثور: 9/507]
تفسير قوله تعالى: (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى تزاور عن كهفهم ذات اليمين قال تميل عن كهفهم ذات اليمين). [تفسير عبد الرزاق: 1/400]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى تقرضهم ذات الشمال قال تدعهم ذات الشمال). [تفسير عبد الرزاق: 1/400]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {تقرضهم} [الكهف: 17] : «تتركهم»). [صحيح البخاري: 6/87]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال مجاهدٌ تقرضهم تتركهم وصله الفريابيّ عنه وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة نحوه وسقط هنا لأبي ذرٍّ). [فتح الباري: 8/406]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تزّاور من الزّور والأزور الأميل هو قول أبي عبيدة قوله فجوةٌ متّسعٌ والجمع فجواتٍ وفجًى كقولك زكواتٌ وزكاةٌ هو قول أبي عبيدة أيضًا). [فتح الباري: 8/407]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال مجاهد {تقرضهم} تتركهم {وكان له ثمر} ذهب وفضة
قال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 17 الكهف {تقرضهم} تتركهم
وبه في قوله 34 الكهف {وكان له ثمر} قال ذهب وفضة). [تغليق التعليق: 4/243]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال مجاهدٌ تقرضهم تتركهم
أشار به إلى قوله: (وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال) (الكهف: 17) وفسّر مجاهد: (تقرضهم) بقوله: (تتركهم) هذا التّعليق رواه الحنظلي عن حجاج بن حمزة: حدثنا شبابة حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، فذكره. وعن ابن عبّاس: تقرضهم تدعهم، وعن مقاتل: تتجاوزهم أصل القرض القطع). [عمدة القاري: 19/36]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({تقرضهم}) أي (تتركهم) وروى عبد الرزاق عن قتادة نحوه، وقول مجاهد هذا ساقط عند أبي ذر). [إرشاد الساري: 7/214]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال وهم في فجوةٍ منه ذلك من آيات اللّه من يهد اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا}.
يقول تعالى ذكره {وترى الشّمس} يا محمّد {إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين} يعني بقوله: {تزاور} تعدل وتميل، من الزّور: وهو العوج والميل، يقال منه: في هذه الأرض زورٌ: إذا كان فيها اعوجاجٌ، وفي فلانٍ عن فلان ازورارٌ، إذا كان فيه عنه أعراضٌ، ومنه قول بشر بن أبي خازمٍ:
يؤمّ بها الحداة مياه نخلٍ = وفيها عن أبانين ازورار
يعني: إعراضًا وصدًّا.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدينة ومكّة والبصرة: ( تزّاور ) بتشديد الزّاي، بمعنى: تتزاور بتاءين، ثمّ أدغم إحدى التّاءين في الزّاي، كما قيل: تظاهرون عليهم. وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفه: ( تزاور ) بتخفيف التّاء والزّاي، كأنّه عنى به تفاعل من الزّور. وروي عن بعضهم: " تزورّ " بتخفيف التّاء وتسكين الزّاي وتشديد الرّاء مثل تحمرّ، وبعضهم: " تزوارّ " مثل تحمارّ.
والصّواب من القول في قراءة ذلك عندنا أن يقال: إنّهما قراءتان، أعنّي {تزاور} بتخفيف الزاي، و( تزّاور ) بتشديدها معروفتان، مستفيضةٌ القراءة بكلّ واحدةٍ منهما في قرّاء الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب. وأمّا القراءتان الأخريان فإنّهما قراءتان لا أرى القراءة بهما، وإن كان لهما في العربيّة وجهٌ مفهومٌ، لشذوذهما عمّا عليه قرأه الأمصار.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله {تزاور عن كهفهم} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا محمّد بن أبي الوضّاح، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين} قال: تميل.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، {تزاور عن كهفهم، ذات اليمين} يقول: تميل عنهم.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال} يقول: تميل عن كهفهم يمينًا وشمالاً.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وترى الشّمس إذا طلعت تزّاور عن كهفهم ذات اليمين} يقول: تميل ذات اليمين، تدعهم ذات اليمين.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {تزّاور عن كهفهم ذات اليمين} قال: تميل عن كهفهم ذات اليمين.
- حدّثت عن يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسينٍ، عن يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لو أنّ الشّمس تطلع عليهم لأحرقتهم، ولو أنّهم لا يقلّبون لأكلتهم الأرض، قال: وذلك قوله: {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال}.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ القزّاز، قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا محمّد بن مسلم بن أبي الوضّاح، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: {تزاور عن كهفهم} تميل.
وقوله: {وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال} يقول تعالى ذكره: وإذا غربت الشّمس تتركهم من ذات شمالهم.
وإنّما معنى الكلام: وترى الشّمس إذا طلعت تعدل عن كهفهم، فتطلع عليه من ذات اليمين، لئلاّ تصيب الفتية، لأنّها لو طلعت عليهم قبالهم لأحرقتهم وثيابهم، أو أشحبتهم. وإذا غربت تتركهم بذات الشّمال، فلا تصيبهم، يقال منه: قرضت موضع كذا: إذا قطعته فجاوزته. وكذلك كان يقول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة. وأمّا الكوفيّون فإنّهم يزعمون أنّه المحاذاة، وذكروا أنّهم سمعوا من العرب قرضته قبلاً ودبرًا، وحذوته ذات اليمين والشّمال، وقبلاً ودبرًا: أي كنت بحذائه، قالوا: والقرض والحذو بمعنًى واحدٍ. وأصل القرض: القطع، يقال منه: قرضت الثّوب: إذا قطعته، ومنه قيل للمقراض: مقراضٌ، لأنّه يقطع، ومنه قرض الفأر الثّوب، ومنه قول ذي الرّمّة:
إلى ظعنٍ يقرضن أجواز مشرفٍ = شمالاً وعن أيمانهنّ الفوارس
يعني بقوله: يقرضن: يقطعن.
وبنحو ما قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثني أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال} يقول: تذرهم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا محمّد بن أبي الوضّاح، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ، قال {وإذا غربت تقرضهم} تتركهم ذات الشّمال.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {تقرضهم} قال: تتركهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال} يقول: تدعهم ذات الشّمال.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله: {تقرضهم ذات الشّمال} قال: تدعهم ذات الشّمال.
- حدّثنا ابن سنانٍ القزّاز، قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: أخبرنا محمّد بن مسلم بن أبي الوضّاح عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ {وإذا غربت تقرضهم} قال: تتركهم.
وقوله: {وهم في فجوةٍ منه} يقول: والفتية الّذين أووا إليه في متّسعٍ منه يجمع: فجواتٌ، وفجاءٌ ممدودًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وهم في فجوةٍ منه} يقول: في فضاءٍ من الكهف، قال اللّه: {ذلك من آيات اللّه}.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا محمّد بن أبي الوضّاح، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ، {وهم في فجوةٍ منه} قال: المكان الدّاخل.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، {وهم في فجوةٍ منه} قال: المكان الذّاهب.
- حدّثني ابن سنانٍ، قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا محمّد بن مسلمٍ أبو سعيد بن أبي الوضّاح، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبير {في فجوةٍ منه} قال: في مكانٍ داخلٍ.
وقوله: {ذلك من آيات اللّه} يقول عزّ ذكره: فعلنا هذا الّذي فعلنا بهؤلاء الفتية الّذين قصصنا عليكم أمرهم من تصييرناهم، إذ أردنا أن نضرب على آذانهم بحيث تزّاور الشّمس عن مضاجعهم ذات اليمين إذا هي طلعت، وتقرضهم ذات الشّمال إذا هي غربت، مع كونهم في المتّسع من المكان، حيث لا تحرقهم الشّمس فتشحبهم، ولا تبلى على طول رقدتهم ثيابهم، فتعفن على أجسادهم، من حجج اللّه وأدلّته على خلقه، والأدلّة الّتي يستدلّ بها أولو الألباب على عظيم قدّرته وسلطانه، وأنّه لا يعجزه شيءٌ أراده.
وقوله {من يهد اللّه فهو المهتد} يقول عزّ وجلّ: من يوفّقه اللّه للاهتداء بآياته وحججه إلى الحقّ الذي جعلها أدلّةً عليه، فهو المهتدي. يقول: فهو الّذي قد أصاب سبيل الحقّ. {ومن يضلل} يقول: ومن أضلّه اللّه عن آياته وأدلّته، فلم يوفّقه للاستدلال بها على سبيل الرّشاد {فلن تجد له وليًّا مرشدًا} يقول: فلن تجد له يا محمّد خليلاً وحليفًا يرشده لإصابتها، لأنّ التّوفيق والخذلان بيد اللّه، يوفّق من يشاء من عباده، ويخذل من أراد، يقول: فلا يحزنك إدبار من أدبر عنك من قومك وتكذيبهم إيّاك، فإنّي لو شئت هديتهم فآمنوا، وبيدي الهداية والضّلال). [جامع البيان: 15/183-190]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تقرضهم ذات الشمال يقول تتركهم ذات الشمال). [تفسير مجاهد: 374]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وهم في فجوة منه قال كهف الفتية بين جبلين). [تفسير مجاهد: 374]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 17 - 20.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {تزاور} قال: تميل، وفي قوله: {تقرضهم} قال: تذرهم). [الدر المنثور: 9/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {تقرضهم} قال: تتركهم {وهم في فجوة منه} قال: المكان الداخل). [الدر المنثور: 9/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {وهم في فجوة منه} قال: يعني بالفجوة الخلوة من الأرض، ويعني بالخلوة الناحية من الأرض). [الدر المنثور: 9/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابي مالك في قوله: {وهم في فجوة منه} قال: في ناحية). [الدر المنثور: 9/507]
تفسير قوله تعالى: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى بالوصيد قال فناء الكهف). [تفسير عبد الرزاق: 1/399-400]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا ابن نميرٍ، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن عبد ربّه، عن أبي عياضٍ {ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال} قال: في كلّ عامٍ مرّتين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 490-491]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (الوصيد " الفناء، جمعه: وصائد ووصدٌ، ويقال الوصيد الباب " {مؤصدةٌ} [البلد: 20] : «مطبقةٌ، آصد الباب وأوصد»). [صحيح البخاري: 6/87]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله شططًا إفراطًا الوصيد الفناء إلخ تقدّم كلّه في أحاديث الأنبياء). [فتح الباري: 8/407] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال سعيد عن ابن عبّاس الرقيم اللّوح من رصاص كتب عاملهم أسماءهم ثمّ طرحه في خزانته فضرب الله على آذانهم فناموا
هذا طرف من حديث طويل قال عبد بن حميد في تفسيره ثنا عيسى بن الجنيد ثنا يزيد بن هارون ح وقال لابن أبي حاتم في تفسيره ثنا أبي ثنا عمرو بن عوف ثنا يزيد بن هارون والسياق لعبد أنا سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال غزونا مع معاوية غزوة المصيف فمروا بالكهف الّذي فيه أصحاب الكهف الّذين ذكر الله في القرآن فقال معاوية لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال ابن عبّاس ليس ذلك لك قد منع الله ذلك من هو خير منك فقال {لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا} 18 الكهف قال معاوية لا أنتهي حتّى أعلم علمهم قال فبعث ناسا فقال اذهبوا فانظروا فلمّا دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحًا فأخرجتهم فبلغ ذلك ابن عبّاس فأنشأ يحدّثهم عنهم فقال إنّهم كانوا في مملكة ملك من هذه الجبابرة فجعلوا يعبدون حتّى عبدة الأوثان قال وهؤلاء الفتية بالمدينة فلمّا رأوا ذلك خرجوا من تلك المدينة على غير ميعاد فجمعهم الله عزّ وجلّ على غير ميعاد فجعل بعضهم يقول لبعض أين تريدون أين تذهبون قال فجعل بعضهم يخفي من بعض لأنّه لا يدري هذا على ما خرج هذا فأخذ بعضهم على بعض المواثيق أن يخبر بعضهم بعضًا فإن اجتمعوا على شيء وإلّا كتم بعضهم على بعض قال فاجتمعوا على كلمة واحدة {فقالوا ربنا رب السّماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلهًا لقد قلنا إذا شططا هؤلاء قومنا اتّخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممّن افترى على الله كذبا وإذ اعتزلتموهم} إلى قوله {من أمركم مرفقا} 14 16 الكهف قال فهذا قول الفتية قال ففقدوا فجاء أهل هذا يطلبونه لا يدرون أين ذهب وجاء أهل هذا يطلبونه لا يدرون أين ذهب فطلبهم أهلوهم لا يدرون أين ذهبوا فرفع ذلك إلى الملك فقال ليكونن لهؤلاء شأن بعد اليوم قوم خرجوا ولا يدرى أين توجهوا في غير جناية ولا شيء يعرف فدعا بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم وطرحه في خزانته فذلك قول الله تبارك وتعال 9 الكهف {أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا} والرقيم هو اللّوح الّذي كتبوا قال فانطلقوا حتّى دخلوا الكهف فضرب الله على آذانهم فناموا قال فقال ابن عبّاس والله لو أن الشّمس تطلع عليهم لأحرقتهم ولولا أنهم يقلبون لأكلتهم الأرض فذلك قول الله تبارك وتعالى 17 18 الكهف {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال} {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} يقول بالفناء {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} ثمّ إن ذلك الملك ذهب وجاء ملك آخر فكسر تلك الأوثان وعبد الله وعدل في النّاس فبعثهم الله لما يريد فقال بعضهم لبعض {كم لبثتم} قال بعضهم {يومًا} وقال بعضهم {بعض يوم} وقال بعضهم أكثر من ذلك فقال كبيرهم لا تختلفوا فإنّه لم يختلف قوم قطّ إلّا هلكوا قال فقالوا {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف} يعني بأزكى بأطهر إنّهم كانوا يذبحون الخنازير قال فجاء إلى المدينة فرأى شارة أنكرها وبنيانا أنكره ثمّ دنا إلى خباز فرمى إليه بدرهم فأنكر الخباز الدّرهم وكانت دراهمهم كخفاف الرّبع يعني والرّبع الفصيل قال فأنكر الخباز وقال من أين لك هذا الدّرهم لقد وجدت كنزا لتدلني على هذا الكنز أو لأرفعنك إلى الأمير قال أتخوفني بالأمير وإنّي لدهقان الأمير فقال من أبوك قال فلان فلم يعرفه فقال من الملك فقال فلان فلم يعرفه قال فاجتمع النّاس ورفع إلى عاملهم فسأله فأخبره فقال علّي باللوح قال فجيء به فسمّى أصحابه فلان وفلان وهم في اللّوح مكتوبون قال فقال النّاس قد دلكم الله على إخوانكم قال فانطلقوا فركبوا حتّى أتوا الكهف فقال الفتى مكانكم أنتم حتّى أدخل على أصحابي لا تهجموا عليهم فيفزعوا منكم وهو لا يعلمون إن الله قد أقبل بكم وتاب عليكم فقالوا آلله لتخرجن إلينا قال إن شاء الله فلم يدر أين ذهب وعمي عليهم المكان قال فطلبوا وحرصوا فلم يقدروا على الدّخول عليهم فقالوا أكرموا إخوانكم قال فنظروا في أمرهم فقالوا 21 الكهف {لنتخذن عليهم مسجدا} فجعلوا يصلون عليهم ويستغفرون لهم ويدعون لهم فذلك قول الله تعالى 22 الكهف {فلا تمار فيهم إلّا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا} يعني اليهود {ولا تقولن لشيء إنّي فاعل ذلك غدا إلّا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت} 22 24 الكهف فكان ابن عبّاس يقول إذا قلت شيئا فلم تقل إن شاء الله فقل إذا ذكرت إن شاء الله
هذا إسناد صحيح قد رواه عن سفيان بن حسين أيضا هشيم وغيره وسفيان ابن حسين ثقة حجّة في غير الزّهريّ وإنّما ضعفه من ضعفه في حديث الزّهريّ لأنّه لم يضبط عنه
وقد أخرج البخاريّ ليعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس عدّة أحاديث وعلق هذه القطعة منه فأوردته بتمامه للفائدة
ورويناه من طريق أخرى عن عمر بن قيس عن سعيد بن جبير مختصرا لكنه لم يذكر ابن عبّاس). [تغليق التعليق: 4/244-246] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الوصيد الفناء جمعه وصائد ووصد ويقال الوصيد الباب مؤصدة مطبقةٌ آصد الباب وأوصد.
أشار به إلى قوله تعالى: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} (الكهف: 18) وفسره (بالفناء) بكسر الفاء وهو سعة أمام البيوت، وقيل: ما امتدّ من جوانبها. قوله: (ويقال الوصيد الباب) ، وروي كذلك عن ابن عبّاس، وقاله السّديّ أيضا، وعن عطاء: الوصيد عتبة الباب. قوله: (مؤصدة: مطبقة) ذكره استطرادًا، وهو في قوله تعالى: {إنّها عليهم مؤصدة} (الهمزة: 8) يعني: إن النّار عليهم أي على الكافرين مؤصدة، أي مطبقة، قاله الكلبيّ، واشتقاقه من آصد يوصد أشار إليه بقوله: (آصد الباب) بمد الهمزة أي: أطبقه، وكذلك (أوصد) ). [عمدة القاري: 19/37]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({الوصيد}) في قوله تعالى: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} [الكهف: 18] هو (الفناء) بكسر الفاء تجاه الكهف (جمعه وصائد) كمساجد (ووصد) بضمتين (ويقال الوصيد) هو (الباب) وهو مروي عن ابن عباس وعن عطاء عتبة الباب وقوله تعالى في الهمزة مما ذكره استطرادًا (مؤصدة) أي (مطبقة) يعني النار على الكافرين واشتقاقه من قوله (آصد الباب) بمد الهمزة.
(وأوصد) أي أطبقه وحذف المفعول من الثاني للعلم به من الأوّل). [إرشاد الساري: 7/214]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {باسطٌ ذراعيه بالوصيد} قال: بالفناء). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 95]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وتحسبهم أيقاظًا وهم رقودٌ ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: وتحسب يا محمّد هؤلاء الفتية الّذين قصصنا عليك قصّتهم، لو رأيتهم في حال ضربنا على آذانهم في كهفهم الّذي أووا إليه أيقاظًا. والأيقاظ: جمع يقظٍ، ومنه قول الرّاجز:
ووجدوا إخوتهم أيقاظا = وسيف غيّاظٍ لهم غيّاظا
وقوله: {وهم رقودٌ} يقول: وهم نيامٌ. والرّقود: جمع راقدٍ، كما الجلوس: جمع جالسٍ، والقعود: جمع قاعدٍ. وقوله: {ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال} يقول جلّ ثناؤه: ونقلّب هؤلاء الفتية في رقدتهم مرّةً للجنب الأيمن، ومرّةً للجنب الأيسر، كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال} وهذا التّقليب في رقدتهم الأولى.
قال: وذكر لنا أنّ أبا عياضٍ قال: لهم في كلّ عامٍ تقليبتان.
- حدّثت عن يزيد، قال: أخبرنا سفيان بن حسينٍ، عن يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، {ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال} قال: لو أنّهم لا يقلّبون لأكلتهم الأرض.
وقوله: {وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد} اختلف أهل التّأويل في الّذي عنى اللّه بقوله: {وكلبهم باسطٌ ذراعيه} فقال بعضهم: هو كلبٌ من كلابهم كان معهم. وقد ذكرنا كثيرًا ممّن قال ذلك فيما مضى. وقال بعضهم: كان إنسانًا من النّاس طبّاخًا لهم تبعهم.
وأمّا الوصيد، فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: هو الفناء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {بالوصيد} يقول: بالفناء.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا محمّد بن أبي الوضّاح، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ، {وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد} قال: بالفناء.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {بالوصيد} قال: بالفناء.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، {بالوصيد} قال: بالفناء.
قال ابن جريجٍ: يمسك باب الكهف.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد} يقول: بفناء الكهف.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله: {بالوصيد} قال: فناء الكهف.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {بالوصيد} قال: يعني بالفناء.
وقال آخرون: الوصيد: الصّعيد.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد} يعني فناءهم، ويقال: الوصيد: الصّعيد.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن هارون بن عنترة، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد} قال: بالصّعيد.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن بشيرٍ، عن عمرٍو، في قوله: {وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد} قال: الوصيد: الصّعيد، التّراب.
وقال آخرون: الوصيد: الباب
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني زكريّا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن شبيبٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، {وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد} قال: بالباب، وقالوا بالفناء.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب، قول من قال: الوصيد: الباب، أو فناء الباب حيث يغلق الباب، وذلك أنّ الباب يوصد، وإيصاده: إطباقه وإغلاقه من قول اللّه عزّ وجلّ: {إنّها عليهم مؤصدةٌ} وفيه لغتان: الأصيد، وهي لغة أهل نجدٍ، والوصيد: وهي لغة أهل تهامة. وذكر عن أبي عمرو بن العلاء، قال: إنّها لغة أهل اليمن، وذلك نظير قولهم: ورّخت الكتاب وأرّخته، ووكّدت الأمر وأكّدته، فمن قال الوصيد، قال: أوصدت الباب فأنا أوصده، وهو موصدٌ، ومن قال الأصيد، قال: أصدت الباب فهو مؤصدٌ، فكان معنى الكلام: وكلبهم باسطٌ ذراعيه بفناء كهفهم عند الباب، يحفظ عليهم بابه.
وقوله: {لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارًا} يقول: لو اطّلعت عليهم في رقدتهم الّتي رقدوها في كهفهم، لأدبرت عنهم هاربًا منهم فارًّا {ولملئت منهم رعبًا} يقول: ولملئت نفسك من اطّلاعك عليهم فزعًا، لمّا كان اللّه ألبسهم من الهيبة، كي لا يصل إليهم واصلٌ، ولا تلمسهم يد لامسٍ حتّى يبلغ الكتاب فيهم أجله، وتوقظهم من رقدتهم قدّرته وسلطانه في الوقت الّذي أراد أن يجعلهم عبرةً لمن شاء من خلقه، وآيةً لمن أراد الاحتجاج بهم عليه من عباده، ليعلموا أنّ وعد اللّه حقٌّ، وأنّ السّاعة آتيةٌ لا ريب فيها.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ولملئت منهم رعبًا} فقرأته عامّة قرّاء المدينة بتشديد اللاّم من قوله: ( ولملّئت ) بمعنى أنّه كان يمتلئ مرّةً بعد مرّةٍ. وقرأ ذلك عامّة قرّاء العراق: {ولملئت} بالتّخفيف، بمعنى: لملئت مرّةً، وهما عندنا قراءتان مستفيضتان في القراءة، متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ). [جامع البيان: 15/190-195]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد يعني بالفناء). [تفسير مجاهد: 374-375]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {وتحسبهم} يا محمد {أيقاظا وهم رقود} يقول: في رقدتهم الأولى {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} قال: وهذا التقليب في رقدتهم الأولى كانوا يقلبون في كل عام مرة). [الدر المنثور: 9/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} قال: ستة أشهر على ذي الجنب وستة أشهر على ذي الجنب). [الدر المنثور: 9/507-508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عياض في قوله: {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} قال: في كل عام مرتين). [الدر المنثور: 9/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ونقلبهم} قال: في التسع سنين ليس فيما سواه). [الدر المنثور: 9/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله: {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} قال: كي لا تأكل الأرض لحومهم). [الدر المنثور: 9/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وكلبهم} قال: اسم كلبهم قطمور). [الدر المنثور: 9/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: اسم كلب أصحاب الكهف قطمير). [الدر المنثور: 9/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: قلت لرجل من أهل العلم: زعموا أن كلبهم كان أسدا قال: لعمر الله ما كان أسدا ولكنه كان كلبا أحمر خرجوا به من بيوتهم يقال له قطمور). [الدر المنثور: 9/508-509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن كثير النواء قال: كان كلب أصحاب الكهف أصفر). [الدر المنثور: 9/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سفيان قال: قال رجل بالكوفة يقال له: عبيد وكان لا يتهم بكذب قال: رأيت كلب أصحاب الكهف أحمر كأنه كساء انبجاني). [الدر المنثور: 9/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق جويبر عن عبيد السواق قال: رأيت كلب أصحاب الكهف صغيرا باسطا ذراعيه بفناء باب الكهف وهو يقول: هكذا يضرب بأذنيه). [الدر المنثور: 9/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن حميد المكي في قوله: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} قال: جعل رزقه في لحس ذراعيه). [الدر المنثور: 9/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: {بالوصيد} قال: بالفناء). [الدر المنثور: 9/510]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {بالوصيد} قال: بالباب). [الدر المنثور: 9/510]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية في قوله: {بالوصيد} قال: بفناء باب الكهف). [الدر المنثور: 9/510]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {بالوصيد} قال: بالصعيد). [الدر المنثور: 9/510]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} قال: ممسك عليهم باب الكهف). [الدر المنثور: 9/510]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال: كان لي صاحب شديد النفس فمر بجانب كهفهم فقال: لا أنتهي حتى أنظر إليهم فقيل له: لا تفعل، أما تقرأ {لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا} فأبى إلا أن ينظر فأشرف عليهم فابيضت عيناه وتغير شعره وكان يخبر الناس بعد يقول: عدتهم سبعة). [الدر المنثور: 9/510]