تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن مهدي، عن الثوري، عن عاصم بن بهدلة، عن وائل بن ربيعة قال: سمعت ابن مسعودٍ يقول: شهادة الزّور تعدل بالشّرك باللّه، ثمّ قرأ ابن مسعودٍ هذه الآية: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور}). [الجامع في علوم القرآن: 1/133]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله إلا ما يتلى عليكم قال إلا الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه). [تفسير عبد الرزاق: 2/37-38]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه فهو خيرٌ له عند ربّه وأحلّت لكم الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}.
يعني تعالى ذكره بقوله {ذلك} هذا الّذي أمر به من قضاء التّفث، والوفاء بالنّذور، والطّواف بالبيت العتيق، هو الفرض الواجب عليكم يا أيّها النّاس في حجّكم {ومن يعظّم حرمات اللّه فهو خيرٌ له عند ربّه} يقول: ومن يجتنب ما أمره اللّه باجتنابه في حال إحرامه تعظيمًا منه لحدود اللّه أن يواقعها، وحرمه أن يستحلّها، فهو خيرٌ له عند ربّه في الآخرة.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ، في قوله: {ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه} قال: " الحرمة: مكّة والحجّ والعمرة، وما نهى اللّه عنه من معاصيه كلّها ".
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ومن يعظّم حرمات اللّه} قال: " الحرمات: المشعر الحرام، والبيت الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام، هؤلاء الحرمات.
وقوله: {وأحلّت لكم الأنعام} يقول جلّ ثناؤه: وأحلّ اللّه لكم أيّها النّاس الأنعام أن تأكلوها إذا ذكّيتموها، فلم يحرّم عليكم منها بحيرةً، ولا سائبةً، ولا وصيلةً، ولا حامًا، ولا ما جعلتموه منها لآلهتكم. {إلاّ ما يتلى عليكم} يقول: إلاّ ما يتلى عليكم في كتاب اللّه، وذلك: الميتة، والدّم، ولحم الخنزير، وما أهلّ لغير اللّه به، والمنخنقة، والموقوذة، والمتردّية، والنّطيحة، وما أكل السّبع، وما ذبح على النّصب، فإنّ ذلك كلّه رجسٌ.
- كما حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {إلاّ ما يتلى عليكم} قال: " إلاّ الميتة، وما لم يذكر اسم اللّه عليه ".
- حدّثنا الحسن قال: حدّثنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله.
وقوله: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان} يقول: فاتّقوا عبادة الأوثان، وطاعة الشّيطان في عبادتها، فإنّها رجسٌ.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان} يقول تعالى ذكره: " فاجتنبوا طاعة الشّيطان في عبادة الأوثان ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {الرّجس من الأوثان} قال: " عبادة الأوثان ".
وقوله: {واجتنبوا قول الزّور} يقول تعالى ذكره: واتّقوا قول الكذب، والفرية على اللّه بقولكم في الآلهة: {ما نعبدهم إلاّ ليقرّبونا إلى اللّه زلفى} وقولكم للملائكة: هي بنات اللّه، ونحو ذلك من القول، فإنّ ذلك كذبٌ، وزورٌ، وشركٌ باللّه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {قول الزّور} قال: " الكذب ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {واجتنبوا قول الزّور حنفاء للّه غير مشركين به} يعني: " الافتراء على اللّه، والتّكذيب ".
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن وائل بن ربيعة، عن عبد اللّه، قال: " تعدل شهادة الزّور بالشّرك " وقرأ: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، عن عاصمٍ، عن وائل بن ربيعة، قال: " عدلت شهادة الزّور الشّرك ثمّ قرأ هذه الآية: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا سفيان العصفريّ، عن أبيه، عن خريم بن فاتكٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " عدلت شهادة الزّور بالشّرك باللّه "، ثمّ قرأ: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا مروان بن معاوية، عن سفيان العصفريّ، عن فاتك بن فضالة، عن أيمن بن خريمٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قام خطيبًا فقال: " أيّها النّاس عدلت شهادة الزّور بالشّرك باللّه " مرّتين ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور} ".
ويجوز أن يكون مرادًا به: اجتنبوا أن ترجسوا أنتم أيّها النّاس من الأوثان بعبادتكم إيّاها.
فإن قال قائلٌ: وهل من الأوثان ما ليس برجسٍ حتّى قيل: فاجتنبوا الرّجس منها؟ قيل: كلّها رجسٌ. وليس المعنى ما ذهبت إليه في ذلك، وإنّما معنى الكلام: فاجتنبوا الرّجس الّذي يكون من الأوثان، أي: عبادتها، فالّذي أمر جلّ ثناؤه به بقوله: {فاجتنبوا الرّجس} منها اتّقاء عبادتها، وتلك العبادة هي الرّجس، على ما قاله ابن عبّاسٍ، ومن ذكرنا قوله قبل). [جامع البيان: 16/533-537]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ومن يعظم حرمات الله قال الحرمة مكة والحج والعمرة وما نهى الله عنه من معاصيه). [تفسير مجاهد: 423-424]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله واجتنبوا قول الزور يعني الكذب). [تفسير مجاهد: 424]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور * حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق.
أخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ذلك ومن يعظم حرمات الله} قال: الحرمة الحج والعمرة وما نهى الله عنه من معاصيه كلها). [الدر المنثور: 10/471]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عطاء وعكرمة {ذلك ومن يعظم حرمات الله} قالا: المعاصي). [الدر المنثور: 10/471]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {ومن يعظم حرمات الله} قال: الحرمات المشعر الحرام والبيت الحرام والمسجد الحرام والبلد الحرام). [الدر المنثور: 10/471-472]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن ماجة، وابن أبي حاتم عن عياش بن أبي ربيعة المخزومي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لن تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها - يعني مكة - فإذا ضيعوا ذلك هلكوا). [الدر المنثور: 10/472]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} يقول: اجتنبوا طاعة الشيطان في عبادة الاوثان {واجتنبوا قول الزور} يعني الافتراء على الله والتكذيب به). [الدر المنثور: 10/472]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن أيمن بن خريم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال: يا أيها الناس عدلت شهادة الزور إشراكا بالله ثلاثا ثم قرأ {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} ). [الدر المنثور: 10/472]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن داود، وابن ماجة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن خريم بن فاتك الأسدي قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فلما انصرف قائما قال: عدلت شهادة الزور الإشراك بالله ثلاثا ثم تلا هذه الآية {واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به} ). [الدر المنثور: 10/472-473]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين - وكان متكئا فجلس - فقال: ألا وقول الزور، إلا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت). [الدر المنثور: 10/473]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني والخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي عن ابن مسعود قال: شهادة الزور تعدل بالشرك بالله، ثم قرأ {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} ). [الدر المنثور: 10/473]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {واجتنبوا قول الزور} قال: الكذب). [الدر المنثور: 10/473]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {واجتنبوا قول الزور} يعني الشرك بالكلام، وذلك أنهم كانوا يطوفون بالبيت فيقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك). [الدر المنثور: 10/474]
تفسير قوله تعالى: (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى فكأنما خر من السماء قال هذا مثل ضربه الله لمن أشرك بالله في بعده من الهدى وهلاكه فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق). [تفسير عبد الرزاق: 2/38]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قال: {حنفاء} قال: متبعين [الآية: 31].
سفيان [الثوري] عن السدي قال: الحجاج). [تفسير الثوري: 212]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {حنفاء للّه غير مشركين به ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح في مكانٍ سحيقٍ}.
يقول تعالى ذكره: اجتنبوا أيّها النّاس عبادة الأوثان، وقول الشّرك، مستقيمين للّه على إخلاص التّوحيد له، وإفراد الطّاعة والعبادة له، خالصًا دون الأوثان والأصنام، غير مشركين به شيئًا من دونه، فإنّه من يشرك باللّه شيئًا من دونه، فمثله في بعده من الهدى، وإصابة الحقّ، وهلاكه، وذهابه عن ربّه، مثل من خرّ من السّماء، فتخطفه الطّير فهلك، أو هوت به الرّيح في مكانٍ سحيقٍ، يعني من بعيدٍ، من قولهم: أبعده اللّه وأسحقه، وفيه لغتان: أسحقته الرّيح، وسحقته، ومنه قيل للنّخلة الطّويلة: نخلةٌ سحوقٌ، ومنه قول الشّاعر:
كانت لنا جارةٌ فأزعجها = قاذورةٌ تسحق النّوى قدما
ويروى: تسحق.
يقول: فهكذا مثل المشرك باللّه في بعده من ربّه، ومن إصابة الحقّ، كبعد هذا الواقع من السّماء إلى الأرض، أو كهلاك من اختطفته الطّير منهم في الهواء.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {فكأنّما خرّ من السّماء} قال: " هذا مثلٌ ضربه اللّه لمن أشرك باللّه في بعده من الهدى وهلاكه {فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح في مكانٍ سحيقٍ} ".
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {في مكانٍ سحيقٍ} قال: " بعيدٌ ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقيل: {فتخطفه الطّير} وقد قيل قبله: {فكأنّما خرّ من السّماء} وخرّ فعلٌ ماضٍ، وتخطفه مستقبلٌ، فعطف بالمستقبل على الماضي، كما فعل ذلك في قوله: {إنّ الّذين كفروا ويصدّون عن سبيل اللّه} وقد بيّنت ذلك هناك). [جامع البيان: 16/537-539]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {حنفاء لله غير مشركين به} قال: حجاجا لله غير مشركين به، وذلك أن الجاهلية كانوا يحجون مشركين فلما أظهر الله الإسلام قال الله للمسلمين: حجوا الآن غير مشركين بالله). [الدر المنثور: 10/474]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر الصديق قال: كان الناس يحجون وهم مشركون فكانوا يسمونهم حنفاء الحجاج فنزلت {حنفاء لله غير مشركين به} ). [الدر المنثور: 10/474]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن القاسم مولى أبي بكر الصديق قال: كان ناس من مضر وغيرهم يحجون البيت وهم مشركون وكان من لا يحج البيت من المشركين يقولون: قولوا حنفاء، فقال الله {حنفاء لله غير مشركين به} يقول: حجاجا غير مشركين به). [الدر المنثور: 10/474]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن السدي قال: ما كان في القرآن من حنفاء قال: مسلمين، وما كان حنفاء مسلمين فهم حجاج). [الدر المنثور: 10/474]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {حنفاء} قال: حجاجا.
وأخرج عن الضحاك مثله). [الدر المنثور: 10/474]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {حنفاء} قال: متبعين). [الدر المنثور: 10/474-475]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء}، قال: هذا مثل ضربه الله لمن أشرك بالله في بعده من الهدى وهلاكه). [الدر المنثور: 10/475]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {في مكان سحيق} قال: بعيد). [الدر المنثور: 10/475]
تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا سفيان، عن جابر، عن عطاء، في قوله: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} [سورة الحج: 32] قال: هي المعاصي). [الزهد لابن المبارك: 2/94]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب}.
يقول تعالى ذكره: هذا الّذي ذكرت لكم أيّها النّاس وأمرتكم به من اجتناب الرّجس من الأوثان، واجتناب قول الزّور، حنفاء للّه، وتعظيم شعائر اللّه، وهو استحسان البدن، واستسمانها، وأداء مناسك الحجّ على ما أمر اللّه جلّ ثناؤه، من تقوى قلوبكم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدّثنا محمّد بن زيادٍ، عن محمّد بن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب} قال: " استعظامها، واستحسانها، واستسمانها ".
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ، في قوله: {ومن يعظّم شعائر اللّه} قال: " " الاستسمان والاستعظام ".
وبه، عن عنبسة، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثله، إلاّ أنّه قال: والاستحسان ".
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ الواسطيّ، قال: أخبرنا إسحاق، عن أبي بشرٍ، وحدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ومن يعظّم شعائر اللّه} قال: " استعظام البدن، واستسمانها، واستحسانها ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود بن أبي هندٍ، عن محمّد بن أبي موسى، قال: " الوقوف بعرفة من شعائر اللّه، وبجمعٍ من شعائر اللّه، ورمي الجمار من شعائر اللّه، والبدن من شعائر اللّه، ومن يعظّمها فإنّها من شعائر اللّه في قوله: {ومن يعظّم شعائر اللّه} فمن يعظّمها فإنّها من تقوى القلوب.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ومن يعظّم شعائر اللّه} قال: " الشّعائر: الجمار، والصّفا والمروة من شعائر اللّه، والمشعر الحرام والمزدلفة، قال: والشّعائر تدخل في الحرم، هي شعائر، وهي حرمٌ.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب: أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّ تعظيم شعائره، وهي ما جعله أعلامًا لخلقه فيما تعبّدهم به من مناسك حجّهم، من الأماكن الّتي أمرهم بأداء ما افترض عليهم منها عندها، والأعمال الّتي ألزمهم عملها في حجّهم: من تقوى قلوبهم، لم يخصّص من ذلك شيئًا، فتعظيم كلّ ذلك من تقوى القلوب، كما قال جلّ ثناؤه، وحقٌّ على عباده المؤمنين به تعظيم جميع ذلك.
وقال: {إنّها من تقوى القلوب} وأنّث ولم يقل: ( فإنّه )، لأنّه أريد بذلك: فإنّ تلك التّعظيمة مع اجتناب الرّجس من الأوثان من تقوى القلوب، كما قال جلّ ثناؤه: {إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ}.
وعني بقوله: {فإنّها من تقوى القلوب} فإنّها من وجل القلوب من خشية اللّه، وحقيقة معرفتها بعظمته، وإخلاص توحيده). [جامع البيان: 16/539-541]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ومن يعظم شعائر الله يعني استعظام البدن واستسمانها واستحسانها). [تفسير مجاهد: 424]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب * لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق * ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ذلك ومن يعظم شعائر الله} قال: البدن). [الدر المنثور: 10/475]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ذلك ومن يعظم شعائر الله} قال: الاستسمان والاستحسان والاستعظام، وفي قوله {لكم فيها منافع إلى أجل مسمى} قال: إلى أن تسمى بدنا). [الدر المنثور: 10/475]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد {ذلك ومن يعظم شعائر الله} قال: استعظام البدن واستسمانها واستحسانها {لكم فيها منافع إلى أجل مسمى} قال: ظهورها وأوبارها وأشعارها وأصوافها إلى أن تسمى هديا، فإذا سميت هديا ذهبت المنافع {ثم محلها} يقول: حين يسمى إلى البيت العتيق). [الدر المنثور: 10/475-476]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن موسى في قوله {ذلك ومن يعظم شعائر الله} قال: الوقوف بعرفة من شعائر الله وبجمع من شعائر الله والبدن من شعائر الله ورمي الجمار من شعائر الله والحلق من شعائر الله، فمن يعظمها {فإنها من تقوى القلوب (32) لكم فيها منافع إلى أجل مسمى} قال: لكم في كل مشعر منها منافع إلى أن تخرجوا منه إلى غيره {ثم محلها إلى البيت العتيق} قال: محل هذه الشعائر كلها الطواف بالبيت العتيق). [الدر المنثور: 10/476-477]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء أنه سئل عن شعائر الله قال: حرمات الله اجتناب سخط الله واتباع طاعته، فذلك شعائر الله). [الدر المنثور: 10/477]
تفسير قوله تعالى: (لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني شبيب عن شعبة عن الحكم عن مجاهد في قول الله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمى}، قال: في ألبانها وأوبارها وأشعارها حتى تصير بدناً). [الجامع في علوم القرآن: 2/25]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: ألبانها وأصوافها وأشعارها وركوبها فإذا صارت بدنًا ذهبت المنافع [الآية: 33].
سفيان [الثوري] في قوله: {إلى أجل مسمى} قال: إذا دعيت وسمّيت البدن). [تفسير الثوري: 212]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {البيت العتيق} قال: أعتقه اللّه عزّ وجلّ من كلّ جبّارٍ، ما أراده جبّارٌ قطّ إلا قصمه اللّه عزّ وجلّ). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 56] (م)
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول الله: {فيها منافع إلى أجلٍ مسمى} قال: الأجل المسمّى إذا قلّدت البدن). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 117]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى ثمّ محلّها إلى البيت العتيق}.
اختلف أهل التّأويل في معنى المنافع الّتي ذكر اللّه في هذه الآية، وأخبر عباده أنّها إلى أجلٍ مسمًّى، على نحو اختلافهم في معنى الشّعائر الّتي ذكرها جلّ ثناؤه في قوله: {ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب} فقال الّذين قالوا عنى بالشّعائر البدن: معنى ذلك: لكم أيّها النّاس في البدن منافع.
ثمّ اختلف أيضًا الّذين قالوا هذه المقالة في الحال الّتي لهم فيها منافع، وفي الأجل الّذي قال عزّ ذكره: {إلى أجلٍ مسمًّى} فقال بعضهم: الحال الّتي أخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّ لهم فيها منافع، هي الحال الّتي لم يوجبها صاحبها، ولم يسمّها بدنةً، ولم يقلّدها. قالوا: ومنافعها في هذه الحال: شرب ألبانها، وركوب ظهورها، وما يرزقهم اللّه من نتاجها وأولادها. قالوا: والأجل المسمّى الّذي أخبر جلّ ثناؤه أنّ ذلك لعباده المؤمنين منها إليها، هو إلى إيجابهم إيّاها، فإذا أوجبوها بطل ذلك، ولم يكن لهم من ذلك شيءٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن عيسى، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، في: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: " ما لم يسمّ بدنًا ".
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: " الرّكوب واللّبن والولد، فإذا سمّيت بدنةً، أو هديًا ذهب ذلك كلّه ".
- حدّثنا محمّد بن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، في هذه الآية: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: " لكم في ظهورها وألبانها وأوبارها، حتّى تصير بدنًا ".
- قال: حدّثنا ابن أبى عديٍّ قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، بمثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن ابن أبي نجيحٍ، وليثٍ، عن مجاهدٍ: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: " في أشعارها، وأوبارها، وألبانها قبل أن تسمّيها بدنةً ".
- قال: حدّثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ} مسمًّى قال: " في البدن: لحومها وألبانها، وأشعارها، وأوبارها، وأصوافها قبل أن تسمّى هديًا ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله، وزاد فيه: وهي الأجل المسمّى.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حجّاجٌ، عن عطاءٍ، أنّه قال في قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} قال: " منافع في ألبانها، وظهورها، وأوبارها {إلى أجلٍ مسمًّى} إلى أن تقلّد ".
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، مثل ذلك.
- حدّثني يعقوب، قال: قال ابن عليّة: سمعت ابن أبي نجيحٍ، يقول في قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: " إلى أن توجبها بدنةً ".
- قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن قتادة: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} يقول: " في ظهورها وألبانها، فإذا قلّدت فمحلّها إلى البيت العتيق ".
وقال آخرون ممّن قال: الشّعائر البدن في قوله: {ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب} والهاء في قوله: {لكم فيها} من ذكر الشّعائر، ومعنى قوله: {لكم فيها منافع} لكم في الشّعائر الّتي تعظّمونها للّه منافع بعد اتّخاذكموها للّه بدنًا أو هدايا، بأن تركبوا ظهورها إذا احتجتم إلى ذلك، وتشربوا ألبانها إن اضطررتم إليها. قالوا: والأجل المسمّى الّذي قال جلّ ثناؤه: {إلى أجلٍ مسمًّى} إلى أن تنحر.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: " هو ركوب البدن، وشرب لبنها إن احتاج ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال عطاء بن أبي رباحٍ في قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: " إلى أن تنحر.
قال: له أن يحمل عليها المعيي، والمنقطع به من الضّرورة، كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يأمر بالبدنة إذا احتاج إليها سيّدها أن يحمل عليها، ويركب غير منهوكه " قلت لعطاءٍ: ما؟ قال: " الرّجل الرّاجل، والمنقطع به، والمتبع وإن نتجت، أن يحمل عليها ولدها، ولا يشرب من لبنها إلاّ فضلاً عن ولدها، فإن كان في لبنها فضلٌ فليشرب من أهداها ومن لم يهدها ".
وأمّا الّذين قالوا: معنى الشّعائر في قوله: {ومن يعظّم شعائر اللّه}. شعائر الحجّ، وهي الأماكن الّتي ينسك عندها للّه، فإنّهم اختلفوا أيضًا في معنى المنافع الّتي قال اللّه: {لكم فيها منافع} فقال بعضهم: معنى ذلك: لكم في هذه الشّعائر الّتي تعظّمونها منافع بتجارتكم عندها، وبيعكم، وشرائكم بحضرتها، وتسوّقكم. والأجل المسمّى: الخروج من الشّعائر إلى غيرها، ومن المواضع الّتي ينسك عندها إلى ما سواها في قول بعضهم.
- حدّثني الحسين بن عليٍّ الصّدائيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن سليمان الضّبّيّ، عن عاصم بن أبي النّجود، عن أبي رزينٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {لكم فيها منافع} قال: " أسواقهم، فإنّه لم يذكر منافع إلاّ للدّنيا ".
- حدّثني محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود بن أبي هندٍ، عن محمّد بن أبي موسى، قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: " والأجل المسمّى: الخروج منه إلى غيره ".
وقال آخرون منهم: المنافع الّتي ذكرها اللّه في هذا الموضع: العمل للّه بما أمر من مناسك الحجّ. قالوا: والأجل المسمّى: هو انقضاء أيّام الحجّ الّتي ينسك للّه فيهنّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، " في قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} فقرأ قول اللّه: {ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب} لكم في تلك الشّعائر منافع إلى أجلٍ مسمًّى، إذا ذهبت تلك الأيّام لم تر أحدًا يأتي عرفة يقف فيها يبتغي الأجر، ولا المزدلفة، ولا رمي الجمار، وقد ضربوا من البلدان لهذه الأيّام الّتي فيها المنافع، وإنّما منافعها إلى تلك الأيّام، وهي الأجل المسمّى، ثمّ محلّها حين تنقضي تلك الأيّام إلى البيت العتيق ".
قال أبو جعفرٍ: وقد دلّلنا قبل على أنّ قول اللّه تعالى ذكره: {ومن يعظّم شعائر اللّه} معنيّ به: كلّ ما كان من عملٍ أو مكانٍ جعله اللّه علمًا لمناسك حجّ خلقه، إذ لم يخصّص من ذلك جلّ ثناؤه شيئًا في خبرٍ ولا عقلٍ وإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنّ معنى قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى}: في هذه الشّعائر منافع إلى أجلٍ مسمًّى، فما كان من هذه الشّعائر بدنًا وهديًا، فمنافعها لكم من حين تملكون، إلى أن أوجبتموها هدايا وبدنًا، وما كان منها أماكن ينسك للّه عندها، فمنافعها التّجارة للّه عندها، والعمل لله بما أمر به إلى الشّخوص عنها، وما كان منها أوقاتًا فأن يطاع اللّه فيها بعمل أعمال الحجّ، وبطلب المعاش فيها بالتّجارة، إلى أن يطاف بالبيت في بعضٍ، أو يوافى الحرم في بعضٍ، ويخرج من الحرم في بعضٍ.
وقد اختلف الّذين ذكرنا اختلافهم في تأويل قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} في تأويل قوله: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} فقال الّذين قالوا: عني بالشّعائر في هذا الموضع البدن: معنى ذلك: ثمّ محلّ البدن إلى أن تبلغ مكّة، وهي الّتي بها البيت العتيق.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: أخبرنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حجّاجٌ، عن عطاءٍ: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} إلى " مكّة ".
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} " يعني محلّ البدن حين تسمّى إلى البيت العتيق ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: {ثمّ محلّها} " حين تسمّى هديًا، إلى البيت العتيق قال: الكعبة، أعتقها من الجبابرة ".
فوجّه هؤلاء تأويل ذلك إلى: ثمّ منحر البدن والهدايا الّتي أوجبتموها إلى أرض الحرم. وقالوا: عنى بالبيت العتيق أرض الحرم كلّها. وقالوا: وذلك نظير قوله: {فلا يقربوا المسجد الحرام}، والمراد: الحرم كلّه.
وقال آخرون: معنى ذلك: ثمّ محلّكم أيّها النّاس من مناسك حجّكم إلى البيت العتيق أن تطوفوا به يوم النّحر بعد قضائكم ما أوجبه اللّه عليكم في حجّكم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود بن أبي هندٍ، عن محمّد بن أبي موسى: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} قال: " محلّ هذه الشّعائر كلّها الطّواف بالبيت ".
وقال آخرون: معنى ذلك: ثمّ محلّ منافع أيّام الحجّ إلى البيت العتيق بانقضائها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} " حين تنقضي تلك الأيّام، أيّام الحجّ إلى البيت العتيق ".
وأولى هذه الأقوال عندي بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: ثمّ محلّ الشّعائر الّتي لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى إلى البيت العتيق، فما كان من ذلك هديًا أو بدنًا فبموافاته الحرم في الحرم، وما كان من نسكٍ فبالطّواف بالبيت.
وقد بيّنّا الصّواب في ذلك من القول عندنا في معنى الشّعائر). [جامع البيان: 16/542-549]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لكم فيها منافع في البدن في لحومها وألبانها وأشعارها وأصوافها وأوبارها إلى أجل مسمى إلى أن تسمى بدنا). [تفسير مجاهد: 424]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ذلك ومن يعظم شعائر الله} قال: الاستسمان والاستحسان والاستعظام، وفي قوله {لكم فيها منافع إلى أجل مسمى} قال: إلى أن تسمى بدنا). [الدر المنثور: 10/475] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد {ذلك ومن يعظم شعائر الله} قال: استعظام البدن واستسمانها واستحسانها {لكم فيها منافع إلى أجل مسمى} قال: ظهورها وأوبارها وأشعارها وأصوافها إلى أن تسمى هديا، فإذا سميت هديا ذهبت المنافع {ثم محلها} يقول: حين يسمى إلى البيت العتيق). [الدر المنثور: 10/475-476] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك وعطاء في الآية قال: المنافع فيها الركوب عليها إذا احتاج وفي أوبارها وألبانها، والأجل المسمى: إلى أن تقلد فتصير بدنا {ثم محلها إلى البيت العتيق} قالا: إلى يوم النحر تنحر بمنى). [الدر المنثور: 10/476]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة في قوله {ثم محلها إلى البيت العتيق} قال: إذا دخلت الحرم فقد بلغت محلها). [الدر المنثور: 10/476]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن موسى في قوله {ذلك ومن يعظم شعائر الله} قال: الوقوف بعرفة من شعائر الله وبجمع من شعائر الله والبدن من شعائر الله ورمي الجمار من شعائر الله والحلق من شعائر الله، فمن يعظمها {فإنها من تقوى القلوب (32) لكم فيها منافع إلى أجل مسمى} قال: لكم في كل مشعر منها منافع إلى أن تخرجوا منه إلى غيره {ثم محلها إلى البيت العتيق} قال: محل هذه الشعائر كلها الطواف بالبيت العتيق). [الدر المنثور: 10/476-477] (م)